Skip to main content

Full text of "04- Munir Muhammed el-Gadban – el-Menhecu’l-Hareki li’s-Siyrati’n-Nebeviyye"

See other formats


سے 2 
0 و د 
هم ٭) له ةا سے م کک بنذ ۰ سا 5 


الأجسزاء 


مكزيف المزار 


الارڈت التزرقاء 


www.akademya.net 


الدع الع لجعو 
فر ”وا ا سا سے امھ 00 1 


كافة حقوق الطبع محفوظة 
الطبعةالسادسة 
:١ه‏ :995١م‏ 


١ 1 73‏ 5 
مكزبف المزار شارع الغاروق ‏ بجانب جمعية المركنالإساد عي 


+» ي سم 
الأرذمدة -التزرقماء مت ۸۳۹۵۸۹۸ ب یں اهنبا ككام 


سے و ع 
1 و د 
هم ٭) له سا سے م کک د ۰ سا 5 


الأجسزاء 


مكزيف المزار 


الآأرذمت التزرقاء 


رد ر الاول 


كتب السيرة النبوية تملأ المكتبة الإسلامية. فيا معنى التكرار فيها إذا لم 
نات بجديد؟ وسأدع الإجابة على هذا السؤال يستنتجها القارىء نفسه من 
خلال المقدمة. 

عش مع السيرة النبوية مل نعومة أظفاري, بل كنث أحرص عل 
حفظها عن ظهر قلب. وكانت المتعة الكبرى في حياق من خلالها, أتعمق في 
معانيهاء وأترى عل أحداثها وتاأخذ روعتها بلبي . . ومن أجل ذلك» وحرصا 
عل أن تكون جزءاً من كيان ما كلث أدع کتاباً ف السيرة» أو مصدراً من 
مصادرها إلا وأسارع إلى اكتنائه وقراءته بنهم شديك . وکالت الأحلام راود 
أن أكتب في السيرة منذ سن المراهقة. وتجاوز الأمر مرحلة ال حلم إلى التنفيذ 
الواقعي , وأمضيت هس سئوات وأنا أكتب ف کل جزئية من جزثياتها. لكني 
مع ذلك' بقيت أنتظر فرصة سائيحة من العمر أتفرغ فيها تماما للسيرة» وتحول 
الأعمال والعلاقات الاجتماعية دون ذلك . 

ولا أزال أنتظر!! 

أما فكرة المنهج الحركي للسيرة. فقد انبثقت في الفكر انبثاقاً يختلف عن 
الأصل الذي كنت أفكر فيه. 

لا ازال أذكر في بداية الستينات عندما طلع علينا الشهيد سيد قطب 
رحمه الله بكتابه ‏ معالم في الطريق ‏ وكان نقطة تحول حساسة في الفكر الحركي 


۷ 


الإسلامي . وقفت مليا أمام هذه الفقرة: 


والسمة الثانية في منبج هذا الدين: هي الواقعية قعية الحركية.. فهو حركة 
ذات مراحل» كل مرحلة لحا وسائل مكافئة لمقتضياتها وحاجاتها الواقعية» وكل 
مرحلة تسلم إلى المرحلة التي تليها فهو لا يقابل الواقع بنظريات مجردة. كما 
أنه لا يقابل مراحل هذا الواقع بوسائل متجمدة. . والذين يسوقون النصوص 
المختلفة بكل مرحلة منها. . الذين يصنعون هذا يخلطون خلطأً شديداً. 
ويلبسون منبج هذا الدين لبساً مضللاء وحملون النصوص ما لا تحتمله من 
المبادىء والقواعد النبائية. ذلك آم يعتبرون كل نص منہا کا لو كان نصاً 
نهائياً. يمثل القواعد النهائية 0 هذا الدين» ويقولون ‏ وهم مهزومون روحياً 
وعقلياً تحت ضغط الواقع اليائس لذراري المسلمين الذين لم يبق لهم من 
الإسلام إلا العنوان- إن ا لا يجاهد إلا للدفاع أو يحسبون أنهم 
يسدون إلى هذا اادين جميلاً بتخليه عن منهجه» وهو إزالة الطواغيت كلها 
من الأرض جميعاً: وتعبيد الناس لله وحده. وإخراجهم من العبودية للعباد 
إلى العبودية لرب العباد! لا بقهرهم على اعتناق عقيدته. ولكن بالتخلية بينهم 
وبين هذه العقيدةء بعد تحطيم الأنظمة السياسية الحاكمة» أو قهرها حتى 
تدفع الجزية. وتعلن استسلامها والتخلية بين جماهيرها وهذه العقيدة» تعتنقها 
أو لا تعتنقها بكامل حريتها). المعالم ص 8ه . 

وقفت أمام هذه الفقرة كثيراً وأنا أقرأ الكتاب أو أشرحه. وتساءلت في 
نفسي عن هذه الواقعية الحركية: ما هي مراحلها؟ وما هي الوسائل المناسية 
لكل مرحلة؟ ْ 


وما أحوجنا إلى كتاب يوضح هذه المراحل› وهذه الوسائل . 
نقاطاً علامة للدعاة إلى الله يتعرفولن فيها عل خطوات السير. کيا ا 
الشهيد في معاله . 


موضوع مثير حقاًء وعدم فوم هذه المراحل والتعرف عليها» وفهم 
الوسائل المناسبة يجعل الخلاف عميقا بين الدعاة المسلمين وأبناء الحركة 
الإسلامية . 


وللاجابة على هذا السؤال. لم يكن عندي إلا دراسة السيرة دراسة 
واضحة تحدد المراحل المتتابعة فيهاء وسمات كل مرحلة. لأن السيرة النبوية 
هي التطبيق العملي للاسلام» وهي الصورة الأنموذج لإقامة دولة الإسلام. 
فإذا توضحت هذه المراحل» وتبينت هذه السمات. كفينا المؤونةء وتوحد حط 
السيرء وانتفى دور الاجتهاد الشخصي : 

لکن يبرز سؤال دقيق: 

ما هو مدى إلزامية هذه المراحل وهذه الوسائل. للجماعة المسلمة وهي 
تشق طريقها لإقامة دولة الإسلام في الأرض؟ وهل الحركة الإسلامية متعبدة 
بهذه المراحل ما لها من فكاك عنها. أم أن تلك المراحل قد انتهت مع 
النصوص الهائية للاسلام» وأصبحت منسوخة هي وأحكامها في الواقع 

ولا يخفى أبداً إن خلافاً كبيراً بين حركتين إسلاميتين حول هذا 
الموضوع جعل كل واحدة منه) تسير في خط مستقل» وذلك من خلال هذين 
الفهمين : 

الفهم الأول: يرى أن التقيد هذه المراحل لا مناص مله حتى في الحد 
الزمني. وهي تقرر أن رسول الله عاش دعوة ثلاثة عشر عاماً. ثم أقام 
دولته» فهي مقيدة بهذا العمر من الدعوة. وعليها أن تقيم دولة الإسلام بعد 
ثلاثة عشر عام من عمرها. وهذا فهم خطير ولا شك» فالمدى الزمني في 
الأصل تقدير رباني» وليس جهداً بشرياً فقط» والله تعالى قد قال لنبيه: «فإما 
نذهين بك فإنا منهم منتقمون ء أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم 
مقتدرون. فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم #. الزخرف 
.4"-١‏ ومن آثار هذا الفهم كذلك موضوع النصرةء وأنه لا يجوز 
استعمال السلاح قبل قيام الدولةء إنما تقوم الدولة على أساس طلب النصرة 
من سدنة المجتمع الجاهلي . وإلى أن يفتح .صدر أحد هؤلاء للدعوة أو لنصرة 
هذه الدعوة وهو على شركه. فالحركة الإسلامية معذورة في المواجهة المسلحةء 
وقد أدى حمل هذين المبدأين معأً» العمر الزمني والنصرة إلى تناقض عجيب في 


۹ 


المواقف» وإلى تزعزع ف الثقة بصحة هذه المبادىء . 


إننا إذا تركنا العمر الزمني جانباً وهو مرتبط بقدر الله أولآء وسنته فيه 
نصره عندما ينضج الدعاة ويغدون مؤهلين للخلافة في الأرض. نستطيع أن 
نقول إن المنبج ا حركي للسيرة ملزم للدعاة في خطهم الجهادي لإقامة دولة 
الله في الأرض. وذلك أنا مأمورون باقتفاء سيرة الرسول کل . 

طلقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم 
الآخر وذكر الله كثيراً» . 

والأسوة تبدو واضحة أكثر ما تبدو من خلال السيرة العملية للنبي 
عليه الصلاة والسلام» وأي اعتساف في مراحل هذا الهج لا يوصل إلى 
الغاية, والتجارب الكثيرة التي خاضتها الحركات الإسلامية على مدار التاريخ 
تؤكد هذا المعنى. فيا من حركة إسلامية قامت» وأقامت منهج الله في الأرض 
إلا اعتمدت التنظيم السري في بداية الأمر» ثم انطلقت إلى اعلان فهمها 
الحركي للاسلام» من خلال الحكمة والموعظة الحسنةء ثم واجهت المجتمع 
المنحرف جاهلياً كان أو فاسقاً. وتسنمت سدة الحكم» واعتمدت القوة 
للحفاظ على اللمبدأ من الحرب المسلحة التي يشنها أعداؤه عليه. بينها بقيت 
قضية اعتماد السلاح والقوة في مرحلة الدعوة أمراً اجتهادياً. متقيداً بطبيعة 
الحرب مع العدو أو الخصم . 


وإذا كان الأمر جال خلاف في الاجتهاد وللمسلمين خلافتهم ودولتهم 
التي يفيئون إليها فليس الأمر كذلك والمسلمون نتفاً مبعثرة في الأرض يحكمون 
بغير شريعة الله وإذا كان تكوين الجماعة ‏ مع قيام دولة الإسلام - محل 
حلاف ونظر حول الثورة على الأمير الفاسق. فليس هو محل خلاف, والأمير 
يحكم علناً وصراحة يغير شريعة الإسلام . 

ل إلا أن تروا كفراً بواحاً. لكم فيه من الله تعالى برهان ». 

ولنتساءل أكثر وأكثر : ما فائدة دراسة الهج الحركي للسيرة. 

ولأجيب على هذا السؤال. أستأذن الأخ القارىء لأحدثه عن انطباعي 


١ 


عن سور القرآن مع ظلال القرآن - ودونه. 


لقد كنت أقرأ السور الطوال في القرآن» وأحص بالذكر الزهراوين 
البقرة وآل عمران . فلا أكاد أجد خطأ يربط بين جزئياتهاء وأضيع في 
متاهاتها . تامأ مثل رجل دحل في بلدة ول يتعرف على تخططها. فهو يجوب 
فيها كلها دون أن يصل إلى بغيته. أو الدار التي يريدها. أو رأى بناء ضخاً. 
لم ير هندسته التي قام عليها. فلا يدرك شيئاً من جمال البناء وفن المعمار فيه. 
ولكني عندما قرأت - في- ظلال القرآن _ أحسست بعظمة البناء وروعته. 
أحسست بأن سورة البقرة التي تستغرق قرابة جزأين ونصف. كان محورها 
الرئيسي هو البناء الداخلي للأمة من خلال العبادات والتشريعات» وعرضص 
عدوها الأول بني إسرائيل ‏ لتتعرف على طبيعة هذا العدو» وعلى تجربته حين 
كلف بالخلافة في الأرض» وكيف انحرف عن رسالته. مهذين الخطين 
الرئيسيين أمكن أن نعيد كل جزثية في هذه السورة العظيمة إلى مكانما في 
المخططء وفعلا قدم سيد لنا رحه الله المنهبج الحركي في القرآن ‏ فلكل 
سورة هدف عام» وهدف خاصء ومحور تدور عليه أحداث هذه السورة» 
والذي يستعرض هذا المخطط الكلي للسورة» يستوعب بعدها كل أجزائها في 
مكانها المناسب لها. ويكاد يكون سيد رحمه الله قد انفرد من بين المفسرين 
جميعاً بهذه الميزة» ونخاصة في الطبعة الثانية المنقحة من الظلال. هذا المنبج 
الذي اكتشفه في آخر عمله في الظلال في الطبعة الأولى. كما يقول الأخ 
الخالدي : (وقي الأجزاء الثلاثة الأخيرة من الظلال بدأ يبرز عند سيد قطب 
الاتجاه الحركي الذي تولد عنده نتيجة لتجربته العملية في الحركة بالإسلام» 
ونتيجة لنظراته المتجددة في القرآن. وكان لا بد من أن يعيد النظر في 
الظلال» ويعيد كتابته على أساس من اتجاهاته الحركية الحديدة, فكان أن 
أصدر سيد قطب الطبعة المنقحة من الظلال. وهي الطبعة الثالشة وقد 
أصدرتها دار إحياء الكتب العربية في القاهرة. 


كتب سيد قطب الأجزاء العشرة الأولى من الطبعة الثالثة المنقحة بتركيز 
شديد» وكان يقف عند الآيات طويلا. ويسجل حوفا كل خواطره» 


١١ 


ويتعرض للحديث عا تشير إليه من أمور في العقيدة أو الفقه أو التشريع أو 
المعاملات السياسية أو الاقتصاد أو التاريخ أو الفلسفة أو التربية أو الاجتماع 
أو غير ذلك» ويقف طويلا على إيحاءاتها الحركية» ويسجل للعاملين للاسلام 
موحياتها ويرسم لهم على ضوئها معالم الطريق. . 

وقد كان سيد قطب يتم أن يعيد اة ب باقي الأجزاء من الثالث عشر 
إلى السابع والعشرين على هذا المنبج الجديد. ويترك الأجراء الثلاثة الأخيرة 
لاما كتبت على ضوء هذا المنبجح. ولكن الطغاة عجلوا بالقضاء عليه قبل أن 
يحفق هذه الأمنية. .) الشهيد الحي سيد قطب ۲٤١ - ۲٤۲‏ . 

إذن هناك شيء اسمه الهج الحركي للقرآن. كتب سيد ظلاله على 
ضرئه. وأنا أحاول في هذه الصفحات ‏ على قلة بضاعتي ‏ أن أتناول ‏ المنبج 
الحركي للسيرة - الذي يحدد معالم الطريق وسماته . بحيث تأحل الجرئيات 
في السيرة مكانها الطبيعي من خلال المرحلة. ولا تذ تضيع معال المرحلة في متاهة 
الحزئيات المبعثرة . كالذي يضيع في المدينة الضخمة دون أن يطلمع عل 

وما أحوجنا إلى الحديث عن المناهج , نحدد بها معام السير. وما أفقر 
مكتبتنا الإسلامية إليها على كثرة ووفرة الكتب الإسلامية اليوم التي تغزو 
المكتبات كل يوم . 

لدينا تلك المحاضرة لسيّد رحمه الله : في التاريخ فكرة ومنهاج و- معالم 

ي الطريق - ولدينا لأحي الشهيدى لمحمد قطب» المفكر الإإسلامي العظيم : 

منهج التربية الإسلامية ومنبيج الفن الإسلامي . وكتابه المخطوط . الذي 
نرجو الله تعالى أن يرى النور- منهج للتاريخ الإسلامي. وكتب أخحرى 
يصعب عرضها في هذه العجالة. لكنها كا التأكيد لا تتجاوز أصابع اليدين. هي 
كل ما تملكه في هذه المجالات. التي تنطلق كلها من النظرة الكلية الشاملة. 
لتعيد بعد ذلك كل الأجزاء إلى مكانبها الطبيعي في تخطيط هندسي بديع . 

وأخيراً ما أحوجنا إلى - المج الحركي للسنة النبوية . 

هذا النتاج الضخم من الحديث الذي يمثل أعظم ما قاله البشر في 


۲ 


هذا الوجود. لا يزال متتائراً تلاثر النجوم في السماء تبلغ أعداد أحاديشه 
عشرات الألوف. وفي بعض مجموعاته حمسين ألف حديث. ولكنه. غير 
مترابط البناءء غير محكم البنيان. وأن يأتي العام الإسلامي والمفكر 
الإسلامي» الذي ينظر إلى بناء هذا التجمع بناءٌ مرتبطاً بمراحل الدعوة, 
ومراحل الدولةء» ويحدد معالمه وخطوطه. هو أمل» وما ذلك على المؤمئين ‏ إن 
شاء الله ببعيد. 

وني ختام هذا الحديث أود أن أعتذر سلف إلى الأخ القارىء. عن أي 
فهم خاطىء قد فهمته في السيرة. وخاصة في المقارنات بين حركتنا 
الإسلامية اليوم ومسيرتنا الإسلامية» وبين مراحل السيرة من قبل ومنبجها 
الحركي. فهذه فهوم ونظرات» يختلف فيها الحكم» لكن أود أن يشاركني 
الأخ القارىء في أنه لا بد لنا من المنبج الحركي للسيرة النبوية» نسير على 
هداه» ولعل أخا يأي من بعدي» يعمق هذه الخطوط ويحدد هذه المراحل 
تحديداً أدق وأعمق ويكون الاتجاه كله لإيضاح معام البناء الحديد. فالسيرة 
النبوية نبع ثرء ومعمل ضخم لا بد أن يحسن الاستفادة منه بتحديد 
مجاريه» وتوزيع نتاجه. ويبقى أكبر المعالم للطريق الطويل. 


والله نسأل أن يجنبنا عثرات الفكرء وزلات القلمء وأن بهدينا وسهبدي 
بنا سواء السبيل» وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه» وفي صحيفة حسناتنا 
يوم القيامة إنه سميع مجيب. إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت» وما توفيقي 
إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين. 


مادا عى بالمشغ لحري 


المعني به هو: الخطوات المنهجية التي تحرك مها النبي ية منذ بعثته حتى 
انتقل إلى الرفيق الأعلى. وهذا يقتضي منا متابعة المراحل خحطوة فخطوة؛ 
لنكون على بينة من أمرناء ونحن نتابع السير في حركتنا الإسلاميةء فنقتفي 
خطى حركته عليه الصلاة والسلام انطلاقاً من قول الله عز وجل : 

«لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم 
الأاحر.. .”). ولا شك أن متابعة هذه الخطوات والمراحل هو أمر 
تعبدي قبل كل شيء» نصل به إن اقتدينا ببداها إلى مرضاة الله سبحانه 
وتعالى . 

وهو من جهة ثانية تبصرة للحركة الإسلامية في خطها السياسي 
للوصول إلى أهدافها في إقامة حكم الله في الأرض. 

ونعتقد أن هذا المهبج الحركي هو رباني التوجيه. فالله تعالى يسدد نبيه 
في خطواته كلها. وليس هو وليد رد الفعل من الظروف الطارئة التي تواجهه. 

وبعد هذه التوطئة البسيطة يمكئنا أن نتصور المراحل المتتابعة لهذا 
المنہج» وسمات كل مرحلة على حدة دون أن نخوض في تفاصيل أحداث 
السيرة النبوية إلا بمقدار ما تقتضيه الضرورة في إيضاح هذه المراحل وسماتها. 


أما المراحل التي نتصورها هذا المبج. فيمكن أن تحدد في حمس مراحل 


"1١ سورة الأحزاب الآية‎ )١( 


ونطلق عليها اصطلاحاً التسميات التالية» ولا مشاحة في الاصطلاح: 
المرحلة الأولى: سرية الدعوة وسرية التنظيم . 
المرحلة الثانية: جهرية الدعوة» وسرية التنظيم . 
المرحلة الثالثة : إقامة الدولة. 
المرحلة الرابعة: الدولة وتثبيت دعائمها. 
المرحلة الخامسة: انتشار الدعوة في الأرض. 
وإذا كان لا أن نحدد بداية کل مرحلة» ونايتهاء فإنئا جد ما بل : 
١‏ - سرية الدعوة: وتبدأ من البعثة النبوية إلى نزول قوله تعالى: «وأنذر 
عشيرتك الأقربين7١)»‏ . 
 '‏ جهرية الدعوة» وسرية التنظيم : وتنتهي 5 العام العاشر للبعثة , 
۴ مرحلة إقامة الدولة: وتنتهي في بداية العام الأول للهجرة. 
5 - مرحلة تأسيس الدولة : وتنتهي بصلح الحديبية . 
© مرحلة انتشار الدعوة في الأرض: وتنتهي بوفاة الرسول كَللِ. وغني عن 
البيان أن نهاية كل مرحلة هي بداية المرحلة التي تليها. ولنبدأ الطريق مع 
أول مرحلة . 


ا مرصّلة الزولل : 
رة الدعوة رة التظيم 


هذه المرحلة الى ابتدأت من غار حراء مع البعئة النبوية وانتهت بعد 
ثلاثة أعوام للبعثة ين نزل قول الله عز وجل: «وأنذر عشيرتك الأقربين)» 
وقوله جل شأنه: «فاصدع با تؤمر وأعرض عن المشركين'“). 


.۹٤ سورة الجر الآية‎ )١( 


السمة. الأولى 
الدعوة سرا 


يقول المقريزي في كتابه إمتاع الأسماع: 


«والتحقيق أن جبريل عليه السلام لا جاءه بغار حراء وأقرأه:8 إقرأ 
باسم ربك الذي خلق» ورجع إلى حديجة» مكث ما شاء الله أن يمكث لا 
يرى شيئاً. وفتر عنه الوحي ؛ فاغتم لذلك وذهب مراراً ليتردى من رؤوس 
الحبال شوقا إلى ما عاين أول مرة من مشاهدة وحي الله إليه. فقيل: إن فترة 
الوحي كانت قريباً من سنتين» وقيل كانت سنتين ونصفاً. وفي تفسير عبد الله 
ابن عباس كانت أربعين يوماً. وفي كتاب معاني القرآن للزجاج كانت حمسة 
عشر يومأء وفي تفسير مقاتل ثلاثة أيام» ورجحه بعضهم وقال: ولعل هذا 
هو الأشبه بحاله عند ربه ثم تبدى له الملك بين السماء والأرض على كرسي». 
وثبته وبشره أنه رسول الله. فلا رآه فرق منه» وذهب إلى خخديجة رضي الله 
عنها. فقال: زملوني زملوني فانزل الله تعالى «يا أا المدثر قم فأنذر وربك 
فكبر وثيابك فطهر» فكانت الحالة الأولى بغار حراء حالة نبوة وإيجحاء. ثم أمره 
الله تعالى في هذه الاية أن ينذر قومه ويدعوهم إلى الله عز وجل . 


14 


فكان - فیا قاله عروة بن الزبير» ومحمد بن شهاب› وجححمد بن 
اسحاق ‏ من حين أتت الثبوة وأنزل عليه «فاصدع با تؤمر وأعرض عن 
المشركين» وقوله «وأنذر عشيرتك الأقربين»# «وقل إني أنا النذير المبين» 


ثلاث سنئين()) . 


ونلاحظ أن المقريزي رجح الاراء التي تعتبر فترة انقطاع الوحي فترة 
قصيرة حول الأربعين والخمسة عشر والثلاثة من الأيام" , بيدا ساق الأقوال 
الأولى عن السنتين والسنتين والنصف دون إسناد. 

وفي الرأي الثاني يزول الإشكال الكبير حول هذه الفترة التي لا نجد ها 
ذكراً أو تاريخاً. ولو حُسِبَتٌ هاتان السنتان والنصف من المرحلة السرية لكانت 
مرحلة الدعوة فيها لا تعدو سئة أو نصف سنة» ومن المستبعد جداً أن يكين 
ذلك. 


ننتهي بهذا إلى أن السمة الأولى لهذه المرحلة : هي امتدادها الزمني 
ثلاث سنوات وإن كنا في واقع الأمر لا بني شيثاً على هذه المدة. ولا نفهم 
أن ا حركة الإسلامية اليوم لا بد أن تمر بمرحلة سرية هي ثلاث سنوات . 
فهذا أمر لا نص فيه يدعونا إلى الاقتداء به ولا نحجر واسعاً. إنما نفهم أن 
انتهاء هذه المرحلة قد كان لأنه قد صار للمسلمين قاعدة صلبة مستعصية على 
الإفناء إذا قيست بنوعياتها من جهة. ونسبتها إلى المجتمع المكي آنذاك من 
جهة ثانية. ومن هلا الحانب تكون القدوة . فليس الهم حساب الزمن . إا 
الهم الحصيلة العملية للدعوة. وقدرتها على المواجهة للمجتمع القائم 
خلال أشخاصها ورجالاتها ومؤسساتها. 


(١)إمتاع‏ الأسماع للمقريزي ج١‏ ص ١١‏ تحقيق محمود محمد شاكرء ونشر عبدالله إبراهيم 
الأنصاري وطبع على نفقةإدارة الشؤون الديئية بدولة قطر. 

(۲) وقد ورد في الصحيحين (اشتكى رسول الله صل الله عليه وسلم فلم يقم ليلتين أو ثلاث 
فجاءت إمرأة (وهي أم ميل بنت حرب) فقالت يا محمد إن لارجو أن يكون شيطانك قد 
تركك! لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاثاً فانزل الله عز وجل طوالضحى والليل إذا سجى ما 
ودعك ربك وما قل 6 . 


۲۹ 


ونجد ما يرجح هذا الفهم من قول الله عز وجل» طإفاصدع با تؤمر 
وأعرض عن المشركين#. حيث نجد بعد هذه الاية مباشرة قوله تعالى: #إنا 
كفيناك المستهزئين “4 . 


لقد كان الصدع بعد تكفل الله تعالى بحماية رسوله وكفايته من 
المستهزئين . وإذا كان ذلك قد تم لرسول الله ا من خلال الوحي » فقيادة 
الحركة المسلمة الرشيدة هي المسؤولة عن تقدير هذه المرحلةء وإمكاناتها 
للانتقال إلى مرحلة لاحقة . 


ويؤكد هذا الفهم من جهة ثانية ‏ وهو عدم ارتباط هذه المرحلة بزمن 
معين أو محدد ‏ أن بعض المسلمين في غير مكة بقوا على سريتهم أزمنة مختلفة 
حسب إمكانياتهم ف قبائلهم › وقدرتهم على الدعوة والاصطفاء , 


السمة الثانية 
قيام الدعوة على الأصطفاء 


فهى ليست دعوة علنية تقام ف الأندية العامة والمجالس والمحافل ؛ إا 
تقوم على الاصطفاء الشخصي › وتفذير الداعية لطبيعة المدعو. 


لقد وجدنا أن اللبلات الأولى للدعوة كانت خديجة رضي الله عنها أول 
من آمن في الأرض من النساء» وهي زوج النبي عليه الصلاة والسلامء وأبو 
بكر رضي الله عنه وهو صديقه الحميم. وعلي بن ابي طالب وهو ربيبه وفي 
رعايته وبيتهء وهو بمثابة ابنه» وزيد بن حارثة مولاه. وعندما انطلق أبو بكر 
رضي الله عنه بالدعوة اختار الطريق نفسه. 


SL سورة ا حجر الآية‎ )١( 
الذي حدا بنا إلى هذا الاسهاب هو أن بعض الحركات الإسلامية اللحديئة تأخذ بمفهوم الزمن‎ )۲( 
في السيرة. فتحدد مسيرها زمنياً بمسيرة السيرة النبوية ما أوقعها في تناقض واضح.‎ 


۲١ 


يقول ابن اسحاق: 

«ثم أسلم أبو بكر بن أبي قحافة. . وكان أبو بكر رجلا مالفا لقرمه. 
محبياً سهلاء وكان أنسب قرشي لقريش وأعلم قرشي بها وبما كان فيها من 
خير أو شر. وكان رجلا تاجراً ذا خلق ومعروف. وكان رجال قومه يأتونه 
ويألفونه لغير واحد من الأمر: لعلمه وتجارته» وحسن مجالسته , فجعل يدعو 
إلى الله وإلى الإسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه . 


فأسلم بدعائه عثمان بن عفان» والزبير بن العوام» وعيل الرحمن بن 
عوف» وسعد بن آي وقاص» وطلحة بن عبيد الله . فكان هؤلاء النفر 
الثمانية الذين سبقوا الناس بالإسلام ‏ فصلواء وصدقوا()), 


لقد كانت الدعوة من خلال الثقة رغم أن رواد أبي بكر كثر. ومن 


السمة الثالثة 
العمل من خلال ثقافة الداعية ومركزه الاجتماعي 


وهي تعقيب على ما سبق ذكره من مواصفات شخصية أي بكر رضي 
الله عنهء وكونه أقدر الدعاة على التأثير أنذاك. ونستطيع أن نتعرف على 
مواصفات هذه الشخصية من العناصر التالية : 
]| خلقه: كان رجلا مالفا لقرمه. محبباً سهلا. 
ب - ثقافته: كان أنسب قرشي لقريش وأعلم قرشي بهاء وا كان فيها من 
خير وشر. ” 
ح ‏ مركزه الاجتماعي وعمله: وكان رجلا تاجرا. . وكان رجال قومه يالفونه 
لغير واحدٍ من الأمر. علب بأن أبا بكر من حيث الحسب والنسب هو من 


)١(‏ السيرة النبوية لابن هشام ص 757 د۲۹۹ . ج١‏ .ط دار إحياء التراث العري - لبنان» تحقيق 
السفا وزملاثه , 


فى 


أضعف قريش نسباً. ومثل هذا المركز ما روى عن أ ي سفيان حين استلم 


وما بال هذا الأمر ف فى أذل حي من قريش ) 


ولكن هذا لم يحل دون تبوثه المكانة المرموقة في قومه. ومن خلال هذه 
المواصفات نحرص على أن توجد لدى الداعية اليوم . 
فالخلق المحبب السهل هو الذي يضمن القدرة على النفاذ للاخرين» 
وهو الذي يفتح القلوب له ولو كانت يتعصية. وهو الذي يضمن البعد عن 
ردود الفعل في حالة الموقف السلبي من دعوة. 
والثقافة ليست بأقل شاا من الخلق. وليس كل نوع من أنواع الثقافة 
هو المطلوب في هذا الصدد. بل الثقافة ذات الخبرة بالمجتمع واتجاهاته 
وميوله. والثقافة التي تعرف نفوس الئاس ومنازعهم ومشاربهم وعواطفهم. 
هي التي تكون مفتاح التحرك للداعية» وباب الولوج إلى قلب المدعو. 
«أفلا يتدبرون القرأن أم على قلوب أقفا ها“ , 
فللقلوب أقفال» ومهمة الداعية أن يملك مفاتيح هذه الأقفالء ويعرف 

من ين يدل إليها. حتى تستجيب له. 

. والمركز الاجتماعي للداعية يجعل له أذناً صاغية من الناس؛ فترفع 
الداغية عن الحاجة وذل السؤال والتطلع إلى ما في أيدي الناس» هو الذي 
يكسبه الاحترام في مجتمعٍ أعل قيمه هي المال والشهرة. وقد وجهنا لذلك 
رسول الله يه بقوله : 

«إزهد في الدنيا حبك الله. وازهد با في أيدي الناس يحبك 
الناس0© . 
وإذا كان المركز الاجتماعي بطبيعته ذا صلة وثيقة بالناس؛ فهذا أدعى 


. ۲١ سورة محمد الآية‎ )١( 
. (؟) رواه ابن ماجة باسئاد حسن‎ 


وف 


إلى التأثير فيهم إذ أن العلاقة تبدو طبيعية وغير متكلفة. ولا يحتاج الداعية 
ليتصنع سببا للاتصال بم . فالمدرس مثلا والتاجر أقدر على الحركة من 
الموظف المحصور في إطار شلد , 


السمة الرابعة 
الدعوة عامة 


وقد يبدو لأول وهلة أن هناك تناقضاً بين هذه السمة والسمة الأولى» 
وليس الأمر كذلك؛ فإظهار الدعوة للمختصين لا تعني أن تكون دولة لفئة 
معينة من الناس» أو طبقة خاصة من طبقات هذا المجتمع. بل لا بد أن 
تتناول قطاعات المجتمع كله ويتم هذا التئاول عن طريق الاصطفاء الخاص 
من أفراده. فقد وجدنا أن هله المرحلة السرية للمجتمع المسلم قد انضم 
فيها إلى الإسلام من كل فئات المجتمع آنذاك: الأحرار والعبيد. الرجال 
والنساء» الشباب والشيوخ والفتيان» بل انضم لهذا المجتمع أفراد من شی 
الفروع من قريش وغيرها حيث لا تكاد تخلو عشيرة في مكة من شخص أو 
اثنين شاركا في بناء هذا المجتمع . 

ولو استعرضنا توزيع الصحابة على القبائل الكرى المشهورة لوجدناه 
كا لي : 


أولاً: بنى هاشم 

. -علي بن آي طالب‎ ١ 

؟ ‏ جعفر بن أي طالب . 

“ -أم الفضل بنت الحارث . 

؟ - عبيدة بن الحارث . 

5 أسماء بنت عميس (زوج جعفر). 
5 خديجة بنت خويلد. 


"4 


ثانياً: بنو أمية 

۷ عثمان بن عفان . 

۸ ۔ حالد بن سعيد. 

4 أمينة بنت خالد (زوج خالد). 
٠‏ - حاطب بن عمرو. 

١‏ عبد الله بن جحش. 

۲ أبو أحمد بن جحش. 

۴۳ _امرأته فاطمة. 

الثاً: بنو غزوم 

8 أبو سلمة بن عبد الأسد. 
6 عياش بن أبي ربيعة . 

5 -عمار بن ياسر (حليف). 
7 - أسماء زوجة عياش . 

۸ - ياسر بن عامر (حلیف). 


64 سمية بنت خياط (زوج ياسر). 


. الأرقم بن أبي الأرقم‎ ١ 
رابعا: بنو نيم‎ 

. -أبو بكر الصديق‎ ١ 

۲ _ طلحة بن عبيد الله , 
3 عامر بن فهيرة (مولى) . 
4 - بلال بن رباح (مولى). 
خامساً: بئو عدي 

6 سعيد بن زيد. 

5 فاطمة بنث الخطاب. 
۷ -عامر بن أي ربيعة (حليف). 
۸ 2- نعيم بن عبد الله . 


Yo 


٩‏ - واقد بن عبد الله (حليف). 
“٠‏ خالل بن البكير (حليف). 
"١‏ -_عامر بن البكير (حليف). 
7 اياس بن البكير (حليف) . 
سادساً: بلو زهرة 

ہ سعد بن أبي وقاص . 

4" عبد الرحمن بن عوف. 

. عمير بن أبي وقاص‎ ٥ 


5 عبد الله بن مسعود (حليف). 


0م المطلب بن أزهر. 

۸ ۔ خحباب بن الأرت (حليف). 
سابعاً : بنو سهم 

. خنيس بن حذافة‎ - ٩ 

٠‏ حفصة بلت عمر (زوجه). 
ثامنا : بئلو جمح 

1 حاطب بن الحارث . 

۲ -امرأته فاطمة. 

"4 خحطاب بن الحخارث . 

4 - امرأته فكيهة . 

6 السائب بن عثمان. 
تاسعاً: بنو أسد 

5 -الزبير بن العوام . 

عاشرا: بئو عامر 

۷ -أبو عبيدة بن الجراح . 

4 سليط بن عمرو. 

عاشراً: قبائل متفرقة 

4 - صهيب بن سنان (رومي) 


35 


. مسعود بن ربيعة‎ ١ 
معمر بن حبيب.‎ 6١ 
, زيد بن حارثة‎ ©" 


“اه عمرو بن عبسة (سلمي). 
64 عثمان بن مظعون. 

هه قدامة بن مظعون . 

عبد الله بن مظعون. 
/اه© ‏ رملة زوجته. 


وهكذا نرى أن الستين الأوائل هم من كل قطاعات المجتمع المكي . 


السمة الخامسة 
دور المرأة في المرحلة السرية 


لقد كان ربع هذا المجتمع من النساء. ومعظم الشباب المتزوجين 
أسلمت معهم زوجاتهم . وعشن المرحلة السرية دون أن يدري ممبن أحد. 
ولعلنا نعطي المرأة حقها من الإهتمام في مسيرة هذه الدعوة. فتكون 
بجانب الرجل أختأ وزوجاً وأمأ وتعيش همه. بل تذكر بعض الروايات أن أسهاء 


رضي الله عنبا من جود هذه المرحلة. وهذا يعني أنها كانت ف طفولتها 
المتآخرة 
خرة. 


السمة السادسة 
الصلاة 
م تخل مرحلة من مراحل دعوة المسلمين من الصلاة على الأرجح . 


۷ 


قال ابن اسحاق: «وحدثني بعض أهل العلم أن الصلاة حين افترضت 
على رسول الله ل أتاه جبريل وهو بأعلى مكة. فهمز له بعقبه في ناحية 
الوادي» فانفجرت منه عين فتوضأً جبريل ورسول الله كلك ينظر ليريه كيف 
الطهور, ثم توضا رسول الله كما رأى جبريل» ثم قام به جبریل» فصل به. 
وصلى رسول الله وله لصلاته» ثم انصرف جبريل عليه السلام, فجاء رسول 
الله يكل خديجة فتوضاً لها ليريها كيف الطهور للصلاة كما أراه جبريل» 
فتوضأت كا توضا رسول الله یڈ ثم صلی بها رسول الله کا صلی به جبريل 
فصلت بصلاته( , 

وذكر بعض أهل العلم أن رسول الله بل كان إذا حضرت الصلاة 
خرج إلى شعاب مكة» وخرج معه علي بن أي طالب مستخفياً من عمه أبي 
طالب» ومن جميع أعمامه وسائر قومهء فيصليان الصلوات فيهاء فإذا أمسيا 
رجعا فمكثا كذلك ما شاء الله أن یکا , 


السمة السابعة 
معرفة قريش بخبر الدعوة 


لم تكن قريش لتبني على هذه المعرفة شيثاً أو تعيرها اهتماماً. فقد كانت 
ظاهرة الحنيفية منتشرة في المجتمع المكي . فزيد بن عمرو بن نفيل» وورقة بن 
نوفل» وأمية بن أبي الصلت. ولا تهتم مكة بمثل هذه الأحداث وهؤلاء 
الناس»ء طلا أهم لا يتعرضون لعقائدها وأصنامها. فقد كان رسول الله إلا 
يتحنث الليالي ذوات العدد قبل البعثةء ويجاور في غار حراءء ومع ذلك لا 
تهل قريش غضاضة ف ذلك. وحسبت أن الإسلام مثل هؤلاء الحنفاء الذين 


)١(‏ السيرة النبوية لابن هشام 51١-5٠‏ وقد رواه ابن اسحاق مقطرعاً ووصله الحارث بن 
أسامة بسنده إلى الزهري عن أسامة بن زيد عن ابئه. 

(۲) وقد روى الإمام أحمد بسند حسن في مسنده ۱ / 14 ميمين, والحديث رقم ۷۷١‏ ط الشيخ 
شاكر» هذا المعنى وخروج أي طالب عليه ببطن نخله, وقال فيه؛ لقد صليت قبل أن يصلي 
الناس سبعا. 


۲۸ 


اعتزلوا عبادة الأصنام. بل يمكن القول: إن قريشاً كانت تهتم بالحنيفيين أكثر 
ما اهتمت بالمسلمين في المرحلة السرية. وذلك لأن الحنفاء كانوا يعلنون 
شكهم بأصنام قريش وأوثان العرب بينا لم يعلن المسلمون موقفهم تجاهها. 


وتذكر بعض الروايات أن أحد التجار كان في زيارة للعباس في بيته 
فرأى رجلا وامرأة وطفلا يتقدمون فيصلون بصورة تخالف ما كانت تعهده 
قريش من الصلاة. فسأل التاجر العباس عنهم فقال له: هذا ابن أخي ‏ 
ويشير إلى علي» وهذا ابن أخي ۔ ويشير إلى رسول الله - وهذه زوجته. 1 
هذا يزعم أن الله يكلمه من الساءء ووالله ما أعلم على ظهر الأرض أحد 
على هذا الدين إلا هؤلاء العلاثة0» , 


رسول الله ل إلى الشعاب للصلاةء أن أبا طالب طلع عليهما ذات يوم فرآهما 
يصليان. فقال لرسول الله يه: يا ابن أخي ما هذا الدين الذي أراك تدين 
به؟ 


قال: أي عم هذا دين الله ودين ملائكته ودين رسله ودين أبينا 
إبراهيم . بعئني الله به رسولاً للعباد. وأنت أي عم أحق من بذلت له 
النصيحة ودعوته إلى الهدى. وأحق من أجابني إليه» وأعانني عليه أو كا 
قال. فقال أبو طالب: 

أي ابن أخي لا أستطيع أن أفارق دين أبائي وما كانوا عليه. ولكن لا 
مخلص إليك شيء تكرهه ما بقیت . 

وذكروا أنه قال لعلي : أي بني ما هذا الذي أنت عليه؟ 

فزعموا أنه قال له: أمنت برسول الله. وصدقت با جاء به» وصليت 
معه لله » واتبعته , 


فزعموا أنه قال له: أما إنه لم يدعك إلا إلى خير فالزمه". 


)١(‏ رواه أحد وأبو يمل بشحوة والطبراني بأسائيدى ورجال أحمد ثقات وراجم الحديث ككل 
(۲) السيرة النبوية لابن هشام ص ۲٣٤‏ . 


۲4 


م يكن إذأ لملاحظة قريش بعض هله الظواهر الغريبة» ما يثير غضبها 
طالما أن القوم مكتفون بانفسهم. منكفئون على ذواتهم. فكل امرىء حر أن 
يعيد الله کا يشاء. طالما أن الدين عقيدة ف القلب» وعبادة في المعيد. ولا 
يتدخل في شؤون الحياة . 


ومن هنا نفهم سر المهادنة التي نراها أحياناً بين الحكومات الطاغية 
وبعض المتديئين من المسلمين» الذين يكتفون من الإسلام بالعقيدة في الضمير 
والعبادة في المسجد. إذ هؤلاء لا يدخلون الإسلام في شؤون ال حياة» وبالتالي 
فلا تبامهم الطغاة. 


السمة الثامنة 
المعايشة بين المسلمين وغيرهم 


لم نسمع في هذه المرحلة عن أي صدام وقع بين هذا المجتمع 
الإسلامي الناشىء وبين المجتمع الجاهليء فالفكرة غير معلنة إلا لمن يرجم 
انضمامه لهذا التجمع الإسلامي القائم. وليست الدعوة المعلنة هدفاً قائ 
فيها. بل لا يتدخل المسلمون باي شأن من شؤون غيرهم في نقد أو مواجهة 
أو تخالفة ظاهرة. والأاصل أن لا تظهر المخالفة في شيء. إلا في حالة 
اضطرارية قاهرة. فلا بد من المحافظة على السرية التامة للتنظيم والفكرة. 


السمة التاسعة 
التركيز على بناء العقيدة 


وحيث إن العقيدة الكافرة الطاغيٍ قد ملأت على الئاس حياتهم . فلا 
بد من تصحيح هله العقيدة وبناء العقيدة السليمة بشكل هادىء. لأن 


۳۰ 


العقيدة الصحيحة هي التي ينبثق منها العبادة الصحيحة والسلوك الصحيح. 
وهي التي تضمن في الوقت نفسه الشات على الحق. وتحمل التضحيات في 
سبيله عندما تطلب من المسلم أن يؤديبا. وکل ما نراه من التراجع والتذبذب 
والنفاق والتخلي عن طريق الحق مرده ضعف هذه العقيدة» وتزعزعها وعدم 
مکنا من القلب المسلم. 

ولأمر ما اخحتار الإسلام - كلمة الإيمان ‏ للدلالة على العقيدة. فالإيمان 
يباشر العقل والقلب معاً ويربط الفكر بالوجدان ربطاً وثيقاً. فليس الأمر 
قضية قناعة فكرية باردة وليس الأمر قضية دفعة عاطفية خاوية من القناعة 
العقلية. بل هو الالتحام الكامل بين الجانبين حيث يصعب التمييز بينهها. 


,السمة العاشرة 
الجهر بالدعوة بعد بناء النواة الصلبة 


ودليل ذلك أنه ' يرتد أحد عن ديله من هؤلاء عندما وقعت المحنة 
وابتدأت المواجهة. بل كان هؤلاء الذين عاشوا الخطوات الأولى للدعوة هم 
القمة ف الإسلام فيا بعد من حيث مستويات إيمانهم ومستويات سلوكهم » 
ومستويات جهادهم وتضحياتهم . ويكفي أن تعرف أن أعلى طبقة ف الأمة 
المسلمة وهي طبفة العشرة المبشرين بالحئة كانت منهم باستثناء ۾ عمر بن 
الخطاب رضي الله عنه. هذه الطبقة هي التي كونت جيل القيادة لمع 
الراشدء وكان اصطفاء الخليفة منهاء وتوفي رسول الله وهو راض عنها. 


هذه النواة هي التي حملت فيا بعد عبء الدعوة للاسلام في الأرض» 
وحملت ساد المواجهة ة الكبرى مع أعداء هذا الدين. 

لقد كان هؤلاء الستون مستعصين عل الإبادة بعل أن انتهت هله 

ويكفي أن ندلل على مدى حب رسول الله يإ لحم ما جرى بين خالد 


اس 


ابن الوليد رضي الله عله وبين عبد الرحمن بن عوف حين اختلفا على أمر. 
ورفع الأمر إلى رسول الله فقال لخالد: 

يا خالد» دع عنك أصحابي. فوالله لو كان لك أحد ذهب ثم انفقته في 
سبيل الله ما أدركت غدوة رجل من أصحابي أو روحت( , فبالرغم من أن 
خالد من أصحاب رسول الله يِه وبالرغم من أنه من الذين أسلموا وأنفقوا 
قبل الفتح. بالرغم من ذلك كلهء فلقد قيل له هذا القول حين شاتم 
عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أحد أفراد النواة الصلبة الأولى التي قام 
البناء الإسلامي على أكتافها. ولا ننسى أبدأ بين النسوة أمثال خديهة رضي 
الله عنها إحدى الكاملات في الدنياء وأسهاء بنت عميس» وأم الفضل بنت 
الحارث وغيرهن اللاتي كن النموذج الأعلى للنساء في التاريخ . ونتساءل أخيراً 
عن هله المرحلة هل يمكن أن تتكرر 5 تاريخ الحركة الإسلامية؟؟ فيا 
أتصوره أنها لا يمكن أن تتكرر. وبتعبير آخر لا يمكن أن نتصور الحركة 
الإسلامية ف دور سرية الدعوة وسرية التنظيم . 

إن الدعوة قد أعلنت» وانتشرث مبادئها في الكتاب الخالد لما؛ القرآن 
الكريمء والسنة النبوية المطهرة. وفيا ألف عن الإسلا من كتب وأسفار 
ومجلدات أصبحت ملك الناس جيعا. ولهذا لا أرى مبررا كذلك للعذر في 
خفوت الخحركة الإسلامية عن الدعوة المعلنة القول بأنها في المرحلة السرية 
الأولى. بل يمكن القول: 

لقد التهت مرحلة سرية الدعوة إلى الأبد, وحتى يرث الله الأرض ومن 
عليها. لأن هذا الدين قد أعلن واكتمل. وانتهى أمر إخفائه. 

#اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام 

دیا" , 

لكننا نستدرك فنقول: 


)١(‏ السيرة النبوية لابن هشام ج 4 ص ؛لاء وأحرجه الإمام مسلم حديث 984٠‏ وابن ماجه 
5 كلاها عن طريق أي معاوية عن الأعمش عن أي صالح عن أي هريرة , 
(؟) سورة المائدة الآية . 


۳۲ 


إذا كانت الحركة الإسلامية بشكل عام قد تجاوزت هذه المرحلة. فهذا 
لا يعني أن بعض أفرادها تتمثل بهم هذه المرحلة» وهؤلاء الأفراد المعنيون هم 
الذين يقومون بدور سري في التنظيمات المعادية. فلا يظهر تنظيمهم, ولا 
تظهر إسلاميتهم. إنهم في الحقيقة يوجدون في جميع المراحل» لكن المواصفات 
التي تنطبق عليهم هي مواصفات المرحلة الأولى في الحرص على إثبات 
انتمائهم الكامل للمجتمع الجاهلي الذي يعيشون فيه. ونشير إلى ملاحظة 
هامة في هذا الموضوع فهؤلاء الأشخاص ليسوا هم الذين يحددون دورهم. 
إنما الذي محدد هم هذا الدور هي القيادة» والذي دفع لهذه الملاحظة ما 
نراه لدى بعض الشباب الذي يعتبر نفسه منتمياً للإسلام وللحفاظ على 
مصالحه ودنياه وامتيازاته يمالىمء السلطة الباغية. ويتبنى مواقفها. بل يدخل في 
التنظيم الكافر» وينشر مبادئه ويدعو إليهاء ثم يدعي بعد ذلك أنه مسلم 
بالسر. 

هذا هو النفاق في المفهوم الإسلامي» وليس هو المرحلية. 

إن الذي يقرر للشاب المسلم أو المرأة المسلمة هذا الدور هو قيادة 
الحركة الإسلامية. وليس تقديره الشخصي . والذين كانوا يمثلون هذا الدور 
في المراحل اللاحقة كانوا يؤدونه بتكليف من قيادتهم الإسلامية» لا بقناعاتهم 
الشخصية . 

هذه ملاحظة» والملاحظة الثانية إن مثل هذا الدورء بالمواصفات 
السابقة يكن أن يكون بمبادرة شخصية ودون تكليف من القيادة في حالة 
التعرض للأذى الماحق. حيث بباح للمسلم في هذه الحالة أن يتظاهر بالكفرء 
ولكن ليس في حالة الخوف من الأذى»ء والتفريق دقيق بين هاتين النقطتين. 
لأن النقطة الأولى لها سند شرعي من القرآن الكريم في قوله تعالى: 8 . . إلا 
من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان. . . "“) وقد نزلت في عمار بن ياسر رضي 
الله عنه حين تعرض للتعذیب» وما تركوه حتى ذكر امتهم بخيرء وذكر 
محمداً يل بشرٌ. وقال له رسول الله كلِ: إن عادوا فعد. أما الخوف من 


.٠١١ سورة النحل الآية‎ )١( 


۳۳ 


الأذى الجسدي أو الأذى المعنوي أو الأذى في مصالح الدنيا. فليس مبرراً 
كافياً لاعلان الكفرء والمسير في خططاته والدعوة إليه . 


لقد امتنم الإمام مد بن حنبل رضي الله عنه عن كلام يحبى بن معين 
من كبار أئمة الحديث لأنه وافق السلطة بالقول بخلق القرآن» وعندما ذكروا 
الإمام أحمد بحادث عمار رضي الله عنه أجابيم أن هذا فيمن أكره لا فيمن 
خاف من الآكراه('2 . 

وإن كنا سنعود لذكر هله النماذج 5 المراحل اللاحقة. حسبا حجمها 
في الحركة الإسلامية. لكنا ذكرناها هنا لإيضاح المواصفات العامة ها. 

وهلا يقودنا بالتالي إل معالحة قضية مهم ذات مسا بمواصةات هذه 
المسلمة. ما هى الحدود التي بباح له فيها أن يوافق ذلك التجمع لجامل. 
حتى لا يتكشف أمره؟ . 

تصوري والله أعلم أن الحدود التى يباح له فيها موافقة هذا التجمع 
هي الوقوف عند الفرائضوالمحرمات, أي لا يباح له ترك الفريضة كما لا يباح 
له ارتكاب الكبيرة المحرمة . 

ومن الناحية العملية فالفريضة الي تواجهه هي الصلاة إذ أن بقية 
الفرائض ليست مستمرة بشكل دائم» وبالتالي يمكن أن يخفيها. كا أن فريضة 
الصيام قد تواجهه في شهر رمضان. 

لقد وجدنا بعض الاتجاهات في الحركة الإسلامية تبيح لبعض هؤلاء 
الأفراد الجمع بين الصلاتين ؛ صلاة الظهر والعصر. وصلاة المغرب والعشاء . 
وإن كانت المذاهب الفقهية المعتمدة لا تجيز ذلك بالجمع بين الصلاتين دون 
في صحيح مسلم أن رسول الله ية جمع بين الصلاتين دون عذر. 


(1) مناقب الإمام أحمد بن حنبل لابن الجوزي ص 584 


۳٤ 


لكني لا أدري رخصة أكبر من هذه. وما يتناقل في صفوف الشباب 
الإسلامي من جمع الصلوات كلها في آخر الليل. فا أعتقد له سنداً 
صحيحاً. وما روي عن رسول الله بل من جمعه بين هذه الصلوات كلها يوم 
الخندق فلأن الحرب استمرت من السحر إلى العشاء. فلم يتمكن المسلمون 
من الصلاة وهم ملتحمون في المعركة مع العدو. 

ويمكن القول نفسه بالنسبة للصيام في شهر رمضان. فلا يحق للمسلم 
الذي يؤدي مهمته في صفوف العدو أن يتخلى عن فرض الصيام . 

ويمكن القول نفسه بالنسبة لاجتناب المحارم . 

فالمسلم الذي يعايش العدو بمهمة جاسوسية عليه من قيادة الحركة 
الإسلامية » والمسلم الذي يدفعه الخوف من الطاغية الكافر إلى ممالأته . ليس 
له أن يشرب الخمر مثلاً أو يزني ببذه الذريعة» وتكاد تكون الموافقة للكافر 
والله أعلم - محصورة في الجانب اللفظي الكلامي أو في بعض اللمم الذي 
يستغفر الله منه لو وقم به . فتأدية الفرائثض» واجتناب المحارم هي الحدود 
الفاصلة بين السرية في التنظيم والدعوة؛ وبين المرحلة اللاحقة. 


o 


المعبلة البانيه : 
جهرية الذعوة وة التنظيم 


ويمكن أن نلاحظ أن هذه الجهرية نفسها قد مرت بمرحلتين: 

المرحلة الأول : جهرية الرسول كله . 

المرحلة الثانية: جهرية المسلمين. 

وحيث إن الفارق الزمني بينهها فارق ضئيل وهو أقل من سلتين. فلا 
نرى داعياً لإفراد كل واحدة مها في مرحلة . 

وتبتدىء المرحلة الثانية إذن بنزول قول الله عز وجل : «إفاصدع بما تؤمر 
وأعرض عن المشركين(١2‏ 4 » وقوله : «9 وأنذر عشيرتك الاقربين" » فل وقل إني أنا 
النذير المبين9 بك. 

يقول المباركفوري في كتابه ‏ الرحيق المختوم : َ 

وأول ما فعل رسول الله کا بعد نزول هله الاية.«#وأنذر عشيرتك 
)١(‏ سورة الحجر الآية 44. 


(۲) سورة الشعراء الآية 114؟ , 
(") سورة الحجر الآية 44. 


ذا 


الأقربين» أنه دعا بني هاشم فحضرواء ومعهم نفر من بني المطلب بن عبد 
مناف» فكانوا خمسة وأربعين رجا فبادره أبو لهب وقال: 

وهؤلاء هم عمومتك وبنو عمك» فتكلم ودع الصباة. داعام أنه ليس ليس 
لقومك بالعرب قاطبة طاقة» وأنا أحق من أخذك فحسبك بنو أبيك. وإن 
أقمت على ما أنت عليه فهو أيسر عليهم من أن يثب بك بطون قرش 
وتمدهم العرب» فا رأيت أحداً جاء على بني أبيه بشر مما جئت به. فسكت 
رسول الله #ه وما تكلم في ذلك المجلس. 

ثم دعاهم ثانية وقال: 

الحمد لله أحمده. وأستعیئه» وأؤمن به» وأتوكل علیه» وأشهد أن لا إله 
إلا الله وحده لا شريك لهء ثم قال: 

إن الرائد لا يكذب أهله, والله الذي لا إله إلا هو, إني رسول الله 
إليكم خاصة» وإلى الناس عامة. والله لتموتن كما تنامونء ولتبعثن كا 
تستيقظون, ولتحاسين با تعملون» وإنها الحنة أبداً أو النار أبداً. 

فقال أبو طالب: ما أحب إلينا معاونتك» وأقبلنا لنصيحتك. وأشد 
تصديقاً لحديئك. وهؤلاء بنو أبيك مجتمعون. وإغا أنا أحدهم. غير أني 
أسرعهم إلى ما تحب. فامض لا أمرت به. فوالله لا أزال أحوطك وأمنعك› 
غير أن نفسي لا تطاوعني على فراق دين عبد المطلب. 

فقال أبو لمب: هذه والله السوأةء خذوا على يديه قبل أن يأخمذ 
غيركم . 
فقال أبو طالب: والله لنمنعنه ما بقينا). 
على جبل الصفا: وبعدما تأكد النبي يلك من تعهد أي طالب بحمايته 
و بلغ عن دب ا يوماً عل الصفا فصرخ: يا صباحاه. فاجتمع إليه بطون 
قریش› فدعاهم | لى التوحيد والإيمان برسالته وباليوم الأخره» وقد روى 
البخاري طرفاً من هذه القصة عن ابن عباس. قال: لا نزلت «وأنذر 


)١(‏ الرحيق المختوم ص 40. نقلا عن ابن الأثير. 


۳۸ 


عشيرتك الأقربين»# صعد النبي ية على الصفاء فجعل ينادي : يا بني فهرا. 
يا بني عدي ! لبطون قريش» حتى اجتمعواء فجعل الرجل 0 
يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو؟ فجاء أبو لهب وقريش. فقال: أرأيتكم لو 

أخبرتكم أن خياد بالوادي تريد أن تغير عليكم ؛ أكنتم مصدقي؟. قالوا: 
نعم ما جربنا عليك إلا صدقاً. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب 
شديد. فقال أبو هب: تبأ لك سائ ثر اليوم» ألهذا جمعتنا؟ فنزلت #تبت يدا أي 
مب . 


وروى مسلم طرفاً آخر من هذه القضة عن أبي هريرة رضي الله عله 
قال: 

ما نزلت هذه الاية #وأنذر عشيرتك الأقربين» دعا رسول الله كله فعم 
أنقذوا أنفسكم من النار» يا فاطمة بنت محمد! أنقذي نفسك من النار» فإني 
والله لا أملك لكم من الله شيئأء إلا أن لكم رحا سأبلها ببلالها9©. 

هله الصيحة العالية هي غاية البلاغء فقد أوضح رسول الله يل 
لأقرب الناس إليه أن التصديق ببذه الرسالة هو حياة الصلة بينه وبينهم. وإن 
عصبية القرابة التي يقوم عليها العرب ذابت في حرارة هذا الإنذار التي من 
عند الله" , 


وننتقل بعد عرض بداية هذه المرحلة من خلال النصوص إلى عرض 
مواصفاتها العامة. علا بأن هذه المرحلة ٽٺتهي بعد عام الحزن. حيث اتجه 
رسول الله لا حارج مكة ساعياً لإقامة دولة الإسلام. ومدة هذه المرحلة على 
هذا الأساس سبع سنين. 


(۱) صحيح البخاري ۲ / 07١9‏ -4175/. 


() الرحيق المختوم ص 11-86 . 


۳۹ 


مواصفات المرحلة الثانية وسماتها 


السمة الأول 
دعوة الأفربين 


فالشيء الطبيعي أن تكون الدعرة ف المرحلة الأول ف صفوف 
الأقربين. وخاصة عندما تأخل طابع المواجهة المعلنة. لأن هذه المواجهة 
تعرض الداعية للخطر. فلا بد له من حاية» وعشيرة الداعية هم أكثر الناس 
استعدادا لحمايته. ولقد وجدنا بذور الدعوة الأولل في المرحلة السرية داخل 
بيت النبي ڳل . فلقد كان أول الخلق إسلاماً بعد رسول الله بل زوجه 
خديجة بنث خويلد رضي الله عنپاء ومولاه زيد د بن حارثة. وابن عمه علي بن 
أي طالب الذي كان مقي عنده فلقد تكفل رسول الله و بتربيته تخفيفا 
عن أي طالب الذي كان كثير العيال فقير الحال» ورداً لمعروفه 5 كفالته 
لرسول الله في صغره» وبناته زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة فلقد كان البيت 
النبوي مسلا كله. ومن أجل ذلك عندما انتقلت الدعوة إلى المرحلة الجهرية 
كان لا بد من دعوة العشيرة الأقرب بني هاشم وبني المطلبء. وإعلامهم 
بالا 
بالا هر . 


٤١ 


وهذه سنة إهية يحدثنا رسول الله ا عن أسبابها بصدد قصة لوط عليه 
السلام حين جاءه قومه يبرعون إليه يريدون الفاحشة بضيفه من الملائكة. 
وكان لوط عليه السلام قد هاجر إلى الشام. فليس له قبيلة تحميه أو تمنعه إلا 
ابنتاه. فامرأته كافرةء والمؤمنون أقلة غير قادرين على حمايته #فاخرجنا من كان 
فيها من المؤمنين. فا وجدنا فيها غير بيت من المسلمين“) . 

هذا النفر القليل الضعيف الذي لا يستند إلى عشيرة قوية حدا بلوط 
عليه السلام أن يقول: 

قال لو أن لي بكم قوة أو أوي إلى ركن شديد”"“. 

فقال عليه الصلاة والسلام عن ذلك: 

(رحمة الله على لوط لقد كان يأوي إلى ركن شديد- يعني الله عر 
وجل فا بعث الله بعده من نبي إلا في ثروة من قومه<"). 

وهذه السئة الإهية هي التي حالت بين كفار مدين وشعيب. 

«تالوايا شعيب ما نفقه كثيرأ مما تقول» وإنا لنراك فينا ضعيفاً ولولا 
رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز2» 6 . 

وسواءُ أمنت العشيرة أم لم تؤمن. فإن حمايتها لابها لداعي م خط أصيل 
في تاريخ الدعوات. فلقد اختلف موقف أبي طالب عن أبي لهب. وتبنى 
أبو طالب حماية رسول الله ڀا رغم عدم دخوله في الإسلام. بل لا تذكر 
الروايات أن أحداً أسلم في هذه الدعوة» إلا ما يروى عن إعلان إسلام علي 
رضي الله عنه في هذا المجلس . 


ومن العشيرة الأقرب إلى العشيرة الأكبر. حيث كان الاعلان عاماً عل 
جبل الصفا بأعلى مكة. فعمّ وخحص. وحضر الدعوة مثلو قريش جميعاً. 
ودعاهم إلى الإسلام والنصرة. فانقلبوا جميعاً متخاذلين عله وخاصة عندما 


(ا) الآية 5 من سورة الذاريات, 

(۲) الآية ١م‏ من سورة هود. 

(۳) مختصر تفسير ابن كثير للشيخ عمد علي الصابوني سورة هود ج۲ صن ۲۲۷ . 
)٤(‏ سورة هود الأية ١1ة,‏ 


13 


شتمه عمه أمام اللا من قريش وعلى رؤوس الناس . قائلاً له: تبأ لك ألمذا 
ولكن موقف أبي طالب المعلن ف حماية رسول الله عد ونصرته» قل 
عكر صفو أهل مكة لأن هذا الإعلان بمثابة معركة داخلية جديدة في صفرف 


ولقد كان الأمر القرآني من الوضوح حيث حيث أنه لا خيار لرسول الله ل 
من الإعلان العام مهما كانت نتائجه , 

«إفاصدع بما تؤمرء وأعرض عن المشركين (#01 . 

غير أن الأمر بالأعلان وجهرية الدعوة قد اقترن بالدعوة إلى الصبر 
والصفح عن المشركين المعادين والأعراض عم يعني إلغاء الصدام معهم 
وتجنبه ما أمكن سبي إلى ذلك . 


السمة الثانية 
الإعراض عن المشركين 


فلا بد من إفرادها بحديث واضح. إذ أن خط الدعوة مع المشركين هو 
حط الإعراض عن أذاهم فإعلان الدعوة ماضن من جهة لا يتوقف للأذى 
النازل على المسلمين سواءا أكان أذىٌ ماديا أو معنوياً. لكن الصبر على الأذى 
والإعراض عن المشركين باق فلا مواجهة مادية» ولا مقاومة مسلحة» ولا 
انتقاماً وثاراً لإهانة. إنها مرحلة كف اليد والاكتفاء بالتبليغ . ولا بد أن يكون 
البلاغ مبيئاً واضحاً لا لجلجة فيه ولا غموض . وقل إني أنا النذير المبين). 


لا يجوز أن تتميع الدعوة وتضيع معالمها بحجة مسايرة المشركين ومراعاة 
ظروفهم وتأليف قلوبهم كما يلجأ كثير من الناس اليوم وهم يتعايشون مع 
)١(‏ سورة الحجر الآية 514. 


ود 


النصارى. فهم يتعرضون معهم لقضية الإيمان بالله ويلمسونها مسا خفياً حيث 
لا جرح مشاعرهم . فلا يذكرون كلمة الإسلام حتى لا يتهموا بالتعصب» 
ولا يذكرون القرأآن والرسول 6 حتى لا يغضب هؤلاء النصارى منهم. إن 
كل الدول في عصرنا الحاضر التي توجد فيها الأقليات الدينية تنبج هذه 
السياسة في إذاعتها المرئية والمسموعة والمقروءة. ويسمون هذا دعوة في الحكمة 
والموعظة الحسنة . 


إن الإعراض عن المشركين يعني فكرتين في وقت واحد. 

الفكرة الأولى: المسيرة بالدعوة من الداعية وإيضاح معالمها غير عاىء 
بغضب خصومها أو مشاعرهم أو أرائهم . 

الفكرة الثانية : عدم مواجهة أذاهم المادي والمعنوي › ومحاولا تهم تجريحه 
والنيل منه والهزء به معد في قول الله عز وجل . 

«سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين. .“). 

«وعباد الرمن الذين يشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون 
قالوا سلاماً. . ». 


السمة الثالثة 
معام الدعوة الحديدة 


فالخطوط العريضة الأساسية لهذا الدين الحديد هي : 

الإيمان بالله الواحد. 

الإيمان برسول الله 5 . 

الإيمان باليوم الآخر. 

هذه هي الخطوط العريضة التي تم التركيز عليها طيلة هذه المرحلةء 
وهي منطلقات الدعوة الرئيسية ف الأعلان الأول للدعوة ف هله الدنياء وفي 


. ٠٥ سورة القصص الآبة‎ )١( 
. 1۳ (؟) سورة الفرقان الآية‎ 


{4 


خطبة رسول الله ل بأهله: الحمد لله أحمده وأستعينه» وأومن بهء وأتوكل 
عليه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. . 

إن الرائد لا يكذب أهلهء والله الذي لا إله إلا هو. . 

وهكذا توضح الخط الأول. 

أما الخط الثاني فهو: 

إني رسول الله إليكم خاصةء وإلى الناس عامة. 


أما الخط الثالث فهو: 

والله لتموتن كا تنامون. ولتبعثن كما تستيقظون» ولتحاسبن با 
تعملونء وإنها الجنة أبداً أو النار أبدا. . 

وبقيت هذه الخطوط هي المحور الأساسي للدعوة وهي مشعل ال حرب 
كذلك . 

فلو قفزنا قرابة عشرين عاماً إلى الأمامء وانتقلنا لصلح الحديبية. 
لوجدنا طبيعة المعركة لم تتغيرء وحور الخلاف لم يتبدل. 

رسول الله 6 يريد أن يكتب: بسم الله الرحمن الرحيم . 

فيعترض سهيل بن عمرو عليه قائلاً: لا والله لا نؤمن بالرحمن. أكتب 
باسمك اللهم . 

رسول الله ل يريد أن يكتب. هذا ماعاهد عليه محمد رسول الله. 

فيعترض سهيل بن عمرو قائلاً: لو آمنا بك رسولاً ما قاتلناك. أكتب 
اسمك واسم أبيك. بينها نرى اليوم في جيلنا المنكودء وفي أمتنا التي استبدلت 
القومية بالدين نجد كل إعلام هذه الأمة ينصب على كل شيء عدا هذه 
المحاور الثلاثة . 


إن اللواء المرفوع والفكر المطروح عند دعاة القومية المعثدلين» وهو 
الفكر الذي يلقن للطلبة في المدارس» ويقدم للبشرية في وسائل الإعلام هو 
فكرة الايمان بالله . 


وليست فكرة الإيمان بالل الواحسد. حى يرضى النتصارى واليهود 


f0 


والمجوس والذين أشركوا والذين ارتدوا. فهذه الفكرة لا تزعج أحدأ من 
هؤلاء . 

ولا نتحدث عن دعاة القومية المتطرفين الذين يرفضون حتى فكرة 
الإيمان بالله ليحافظوا على وحدة القاعدة الفكرية بينهم وبين الملحدين 
الشيوعيين في الأرض . 

إن اللواء الأول واللواء الثاني يعنيان الردة الكاملة. 

فاللواء الأول ردة إلى الجاهلية الوثنية قبل الإسلام . 

واللواء الثاني ردة إلى الإلحاد الحديث في الأرض التي لا مثيل لها في 
تاريخ البشرية من قبل . 

واللواءان يعنيان إلغاء الإسلام » والقرآن ورسالة الرسول ية . 


السمة الرابعة 
الدعوة عامة 


وذلك في أول إعلان لهذا الدين في الأرض أعلنت فيه عالمية الدعوة: 

«إني رسول الله إليكم خاصة.ء وإلى الناس عامة». 

فليست رسالة محلية مرتبطة بمكان معين أو زمان محدد. إنما هى رسالة 
البشرية كافة ومن أجل هذا كانت اللبنات الأولى للدعوة تمثل هذه العالمية 
الشاملة . فصهيب سابق الروم وبلال سابق الأحباش وهذان كانا من أوائل من 
دخل في هذا الدين الذي لا يفرق بين عربي وأعجمي » ولا فضل فيه لأبيض 
على أسود إلا بالتقوى أو بعمل صالح. 

وكان لهاتين القضيتين أكبر الخطر على المجتمع المكي الحاهلٍ : 

القضية الأولى: قضية الوحدانية ‏ لا إله إلا الله وهي تعني نقض 


عقيدة المجتمع الجاهلٍ كله . 
القضية الثانية: قضية المساواة في الأصل البشري وهي تعني نقض أكبر 


٤٦ 


قيم هذا المجتمع . 

وكل واحدة كانت كفيلة لأن تشعل حرباً لا دا أوراها بين 
المجتمعين . 

ولو كانت القضية ذات منطلق سياسي . لكان آخر ما يجب طرحه هو 
هاتان القضيتان تجنب المواجهة مع قريش. وفي الساحة عناصر كثيرة مشتركة 
يمكن أن نجمع بين محمد َه وقريش من محاولات التحريرء والتخلص من 
الطغيان الفارسي والرومي» وتقديس البيت» وبناء التجارة» وإصلاح ذات 
البين العري» ووحدة هذا الصف تحت قيادة واحدة. إن أكبر ما صدم به 
الملا من قريش وغيرهاء حسب التعبير القرآني» هو هاتان القضيتان: 

أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن يعتقدوا بان مواليهم وعبيدهم من 
الممكن أن يكونوا خيرا منهم. وحتى نعرف مدى تغلغل هذه العقيدة في 
نفوسهم» ومدئ تأصل العصبية الجاهلية في قلوبهم نقفز عشرين عاماً إلى 
الأمام إلى فتح مكة. ونشهد بلالا الحبشي - رضي الله عنه - يصعد على ظهر 
الكعبةء ويعلن كلمة التوحيد فيها. فماذا يكون الموقف» وقد تحطمث كل 
المقاومة المكية . 

تقول جويرية بنت أبي جهل - ولعلها قد دخلت في الإسلام - منذ 
ساعات : 


قد لعمري رفم لك ذكرك أما الصلاة فسنصلي ؛ والله لا تحب من 
قتل الأحبة أبدا . ولقد كان جاء أي الذي جاء محمداً من النبوة فردها وكره 
خلاف قومه. 

وقال خالد بن أسيد: 

الحمد لله الذي أكرم أبي فلم يسمع هذا اليوم! 

وقال الحارث بن هشام : 

واثكلاه! ليتنى مت قبل هذا اليوم! قبل أن أسمع بلالا يعبق فوق 
الكعبة . 


هذا والله الحدث العظيمء أن يصبح عبد بني جمح على بنية أبي طلحة! 

وقال سهيل بن عمرو - وكان أعدل الجميع :. 

إن كان هذا سخطأ لله فسيغيره وإن كان لله رضي فسيقره. . 

فأق جبريل عليه السلام رسول الله كلخ فأخبره خبرهم. 

وبذلك يفقه الدعاة درساً خطيراً من هذه السمة. هو أن الوحدانية 
والرسالة هما محور أي دعوة مع العدو. ولا يكن أن يكون أي لقاء فكري 
دونما. كما يفقهون أن عالمية الدعوة فوق المساومات. 


السمة الخامسة 
سرية التنظيم 


الاستتار بدار الأرقم . 

لا بد للمحافظة على سرية التنظيم من اختيار مركز سري بعيد عن 
الأعين يتم فيه اللقاء بين الجنود مع بعضهم. وبين القيادة وجنودهاء بحيث 
لا تعرفه استخبارات العدو. ولو كان التنظيم علنياً لأمكن أن يعلن عن مكان 
اللقاء في نوادي مكة. بل يمكن أن يكون اللقاء في الكعبة حيث منتدى 
قريش كلها. إن مثل هذا التجمع المعلن يدفع مكة مباشرة إلى فض مثل هذا 
التجمع والقضاء عليهء كما يدفع مباشرة إلى الصدام المسلح بين الفريقين. 
ولعل دار الأرقم قد بقيت مجهولة على قيادة مكة عامين كاملين» فلم نسمع 
من حوادث السيرة ما يدل على معرفتهم لا إلا من خلال حادث إسلام عمر 
رضي الله عله في السنة الخامسة. ولعله لا يعرفها بالتحديد. ولعل مكة لا 
تعرفها بالتحديد. فلقد كان جواب عمر رضي الله عنه لنعيم بن عبد الله : 

«. . . أذهب إلى محمد في دار عند الصفا». 

ولعل قريشاً قد لاحظت بعض التوارد عند الصفا لأتباع محمد يل ول 
تكن تعرف بالضبط في أي دار. 


. ۳۹۱ امتاع الأسماع للمقريزي جا ص‎ )١( 


44 


وكانت التعمية والمبالغة في السرية كفيلة أن تموه الأمر على قريش 
لسببين أو اة , 


السبب الأول: إن الأرقم لم يكن معروفاً بإسلامه. فيا كان يخطر ببالها 
أن يتم لقاء محمد وأصحابه بداره. 


السبب الثاني: إن الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله .عله من بني زوم › 
وقبيلة بني مخزوم هي التي تحمل لواء التنافس والحرب ضد بي هاشم. فلو 
كان الأرقم معروفأ بإسلامه فلا يخطر في البال أن يكون اللقاء في داره لأن 
هذا يعني أنه يتم في قلب صفوف العدو. 


السبب الثالث: إن الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه كان في عند 
إسلامه. فلقد كان في حدود السادسة عشرة من عمره. ويوم تفكر قريش في 
الببحث عن مركز التجمع الإسلامي فلن يخطر في بالها أن تبحث في بيوت 
الفتيان الصغار من أصحاب محمد بل بل يتجه نظرها وبحثها إلى بيوت 
كبار أصحابه» أو بيته هو نفسه عليه الصلاة والسلام . 


فقد يخطر على ذهنهم أن يكون مكان التجمع على الأغلب في أحد دور 
بني هاشم أو في بيت أبي بكر الصديق رضي الله عنه أو في بيت عثمان بن 
عفان أو غيرهم . 


ومن أجل هذا نجد أن اختيار هذا البيت كان في غاية الحكمة من 
الناحية الأمنية» ولم نسمع أبداً أن قريشاً داهمت ذات يوم هذا المركز وكشفت 
مكان اللقاء. إنما كان أقصى ما وصلت إليه هو شكها أن يكون اللقاء في دار 
عند الصفا. 

ولقد شهدنا مكان هذه الدار قبل أن تزال معالمها بجوار الصفا. لكن 
من الصعب أن نتصور موقعها بين بيوتات مكة, وم نجد في كتب السيرة 
وصفا محددا ها. 


۹ 


السيمة السادسة 
القران مصدر التلقي 


وهو أمر أحوج ما يكون الدعاة إليه. فلقد كان تلقي القرآن يتم هناك» 
وحين ينصرف المسلم بزاد حصيلته بضع آيات من القرآن نزل بها روح 
القدوس على قلب محمد يل كانت هذه الأيات كفيلة أن تنشىء هذا الجيل 
القرآني الفريد. ولم يكن هذا الجيل يتلقى إلا هذا الوحي من القرآن أو من 
حديث رسول الله كلل. فينزع به كل أوضار الجاهلية وعقائدها وقيمهاء 
وتنسكب في قلبه المعاني الجديدة الاتية إليه من الله رب العالمين. 


كان هذا اللقاء اليومي الدائم هو الذي يغير هذا الواقع البشري . 
وتتفاعل النفوس بهذا الوحي المنزل. فيجد نفسه إنساناً جديداً غير ذي قبل» 
إنساناً جديداً بقيمه, بمشاعرهء بأفراحه وأتراحه بغضبه ورضاهء بحبه 
وبغضه. بأمله وألمه. باهتماماته وشواغله . 

ولقد حرص القائد المربي عليه الصلاة والسلام في هذه المرحلة على 
توحيد مصدر التلقى وتفرده؛ ألا وهو القرآن. لقد كان هذا الجيل أميا لا 
يعرف القراءة والكتابة. فلم يكن ليتلقى الثقافة البشرية التي اختلط فيها 
الحق بالباطل» لقد كان بعيداً عن فلسفة اليونان وعلوم الرومان وحكمة 
فارس» لقد عاش هذا الجيل سعيداً بوحي الله فقط. يتلقاه من فم رسول 
الله يل . وعندما رأى رسول الله - عمر بن الخطاب ‏ رضي الله عنه ‏ يقرأ في 
صحيفة من التوراة غضب وقال: لو كان موسى حياً بين أظهركم ما حل له 
إلا أن يتبعني0؟ . 

ومن أجل هذا نرى أن يكون منهج التلقي الأول للدعاة منبثقاً كله 
من القرآن في المرحلة الأولى» كل ما ياخذه الشاب المسلم في هذه المرحلة 
يدور حول هذا المحور. حتى معلوماته في الفقه والحديث والتفسير والتاريخ, 


)١(‏ رواه أبو يعلى عن حماد عن الشعبي عن جابر. 


ليت 


ومعلوماته عن الجاهلية وأفكارهاء تنطلق من هذا المحور. فلا يفرد له علم 
مستقل بذاته إنما يتلقى هذه المعلومات كلها من خلال الآية القرانية. 


السمة السابعة 
اللقاء المنظم المستمر 


فاللقاء الدائم هو الذي يربط الجنود بقيادهم. وهو الذي يمد الأفراد 
والجنود بالثقة القوية بالنفس» ويشحذ عزائمهم على الاستمرار في هذا 
الدرب. يأتي الصحابي لدار الأرقم فيقص على إخوانه وعلى نبيه محمد كَل 
ما عاناه في هذا اليوم» وما جرى معه من نقاش» وما استمع إليه من آراء وما 
أدلى به من حجة فيقوم إمام المربين عليه الصلاة والسلام بالتوجيه المناسب 
له يثنى على موقفه أو يصححه له» أو يأمره بتركه. إن اللقاء المباشر الدائم 
بين القيادة وجنودها هو الذي يحل المشاكل المستعصية» وهو الذي يقطع دابر 
الفتنة» وهو الذي يحرق عوامل سوء الظن وقالة السوءء وهو الذي يتن 
الصف الداخلي» ويجعل وشائجه مترابطة ملتحمة متراصة . أما الانقطاع عن 
اللقاءات» والبعد بين القيادة والجنودء فيضعف الثقة أولا. ويفتح الثغرات 
العديدة في الصف الداحلى ثانياء ويجعل البناء العقيدي ضعيفاً رخواً ثالثاً. 
وهو أخطر النتائج . 


السمة الثامنة 
الصلاة خفية ٤‏ الشعاب 
وكانت الصلاة في الغداة والعشي» أما صلاة الغداة فكان المسلمون 
يصلونها أحياناً في الكعبة وقبل أن تلتفت همم الأنظار. 
( وكان ككل يخرج إلى الكعبة أول النهار فيصلي صلاة الضحى» وكانت 
صلاة لا تنكرها قريش» وكان إذا صلى في سائر اليوم بعد ذلك قعد علي أو 


اه 


زيد رضي الله عنهما يرصدانه . 
وكان ب وأصحابه إذا جاء وقت العصر تفرقوا في الشعاب فرادى 
ومثنى وكانوا يصلون الضحى والعصر. . وكانت الصلاة ركعتين ركعتين قبل 
الهجرة)0) . 
لأن الصلاة المعلئة تعني المواجهة المباشرة مع مكة. والإعلان هو 
للدعوةء أما إعلان العبادة فقد تأخر حتى أسلم عمر رضي الله عنه . 
فلا مندوحة عن الصلاة إذن في أي مرحلة من المراحل» ولكن سريتها 
وجهريتها منوطة با لجو العام وسماح الجاهلية بها. 
فنجد في مجتمعاتنا المعاصرة أن الصلاة بحكم توارث الإسلام على هذه 
الأرض يسمح بها بشكل علني في المساجد في الحالات العادية وإن كانت 
موطن شبهة بالنسبة للشباب المسلم . غير أنها في بعض الأحيان تكون خطراً 
ماحقاً على الشخص الذي لم تتحدد هويته بعد. إن الصلاة تعني الانتماء إلى 
الإسلام. والذي يحافظ على صلاة الجماعة مظنة خطر. 
ومع هذا فئرى أنه لا مندوحة عن صلاة الجماعة لكل أ مسلم. إلا 
إذا كان غير منكشف اهوية حيث إنه يؤدي دوراً معيئاً ف صفوف العدو. أما 
إذا لم يكن كذلك» وفي طور جهرية الدعوة. فلا حرج في ذلك إذا لم تؤد 
الصلاة إلى خطر أكيد على نفسه وروحه. فالخوف عذر من الأعذار المبيحة 
لترك صلاة الجماعة. وفي هذه الحالة يمكن اللجوء إلى الطريقة التي نحن 
بصددها وهي صلاة الجماعة في غير المسجدء وفي الأماكن التي ليست هي 
مظنة شبهة عبادة. كما يمكن أن تؤدى في مراكز تجمع الإخوة الدعاة إلى الله . 


لقد لاحظنا ف مرحلة الدعوة وسرية التنظيمء أنه لا بد من 
الصلاة» ولكن بصورة فردية وسرية, أما في هذه المرحلة؛ مرحلة جهرية 
الدعوة وسرية التنظيم. فلا بد من الصلاة بصورة جماعيه في المساجد» وحين 
)١(‏ إمتاع الأسماع للمقريزي ص ١7‏ ج١.‏ 


o۲ 


تصبح الصلاة في المساجد موطن خطر على النفس أو الروح أو المال. فيمكن 
أن تتم صلاة جماعية مصغرة في أماكن لقاءات الإخوة. 

إنه لا بد من الصلاة التي تصل الإنسان بخالقه» ولا خير في دين لا 
صلاة فيه20- كما يقول عليه الصلاة والسلام. وبين العبد وبين الكفر ترك 
الصلاة" . 


السمة التاأسعة 
التركيز على الجانب الروحي 


فلا شيء أكبر أثرأ في النفس في مرحلة البناء من التركيز على العبادة 
والطاعة والنوافل . فهي التي تصل القلب بالله » وتجعله أكبر من المحنة. 
وأعصى على الفتنة» وأثبت على الحق. 

إنها مرحلة العبادة والتبتل وقيام الليل وناشئته . 


فقد روى البزار عن محمد بن عقيل بن جابر قال: اجتمعت قريش في 
دار الندوة فقالوا: سموا هذا الرجل أسما يصد الناس عنه فقالوا: كاهن. 
قالوا: ليس بكاهن. قالوا: مجنوث. قالوا: ليس بمجئونء قالوا: ساحرء 
قالوا: ليس بساحر. فتفرق المشركون على ذلك فبلغ ذلك النبي ‏ فتزمل في 
ثيابه وتدثر فيهاء فأتاه جبريل عليه السلام فقال: ياأيها المزمل» ياأيها 
المدثر. .© , 


کا روق الامام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قوها: 

إن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة. فقام رسول الله كل 
وأصحابه حولا حتى انتفخت أقدامهم , وأمسك الله خاتمتها في السماء اثني 
عشر شهرا ثم أنزل الله التخفيف في آخر هذه السورة فصار قيام الليل تطوعا 
(١)ابن‏ هشام» وفد ثقيف ج٤‏ / ۱۳١۷‏ .دار الجبل , 
(۲) رواه مسلم. 


(9) مختصر تفسير ابن كثير سورة المزمل ج۴ ص ٠٦۲‏ . 


or 


بعك فريضة( ' . . 


وقيام الليل المفروض في البدء هو دورة تدريبية عنيفة على الالتزام 
والطاعة لأمر الله عز وجل استمر عاماً كاملا. کا وجه القرآن الكريم : 

ويا أيها المزمل» قم الليل إلا قليلاء نصفه أو انقص منه قليلاء أو زد 
عليه ورتل القرآن ترتيلا. إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا إن ناشئة الليل هي 
أشد وطأ وأقوم قبلاء إن لك في النار سبحا طويلا'<. 

فالليل كله إلا قليل منه واجب القيام . 


وقيام الليل ليس هدفاً لذاته» وما يفعل الله بعذاب عباده من شيء. 
ولكنبا التربية الإيمانية على الصلة الوثيقة بالله عز وجل . فهو وسيلة للقربى من 
الله تعالى. وسيلة لذكر الله والتبتل إليه والتوكل عليه. 


«واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلاء رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو 
فاتخذه وكيلل. .420 
وذكر الله تعالى والتبتل إليه والتوكل عليه والعبادة له هي السلاح الوحيد 
في المعركة , هو الذي يمل المؤمنين بالصبر على البلاءء وحمل الأذىى واللاغضاء 
عن الإهانة. هو السلاح الوحيد في هذه المرحلةء الي م يسمح فيها بالمواجهة 
المباشرة 
ماسر 8 . 


«واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاء وذرني والمكذبين أولي 
النعمة ومهلهم قليلا. .“. فا أحوج الدعاة إلى الله وهم يحملون لواء 
الدعوة إلى الله ويلقون في سبيلها الأذى والاضطهاد إلى هذا السلاح الوحيد 
الذي يثبت أقدامهم. ويثبت قلويهم. وإن الحركة الإسلامية مالم تعنى في مثل 
هذه المرحلة بهذا الجانب العبادي. الجانب الروحيء وقيام الليل المتصل 
)١(‏ مختصر تفسير ابن كثير سورة المزمل ج۴ ص ٥٦٤4‏ . 
(۲) سورة المزمل الآية .۷-١‏ 


5 المزمل الآية م-9. 
(4 المزمل الآية .١١-5‏ 


3 


الدؤوب» والدورات المتكررة على الإحياء المستمر» فستيجحد جنودها يسقطون 
واحداً تلو الاخر. وينبارون تحت وقع المحنة . 


ولا بد من الإشارة إلى أن قيام الليل يبقى أمرأ نظرياً غير قابل 
للتطبيق. ما لم يكن رصيد الأخ الداعية عظياً من حفظ القرآن. إذ أن الأخ 
الذي لا يملك من القرآن إلا بضع أيات يكررها في صلاته كيف يقوم الليل 
وكيف يتحرك قلبه بالخشوع؟ ! وكيف يجد لذة الطاعة والعبادة ولم تخالط لذة 
القرآن بشاشة قلبه. وصار القرآن ملء -مياته وروحه وسمعه وبصره» ما إن 
يصف قدميه للعبادة في سبيل الله. حتى يفتح معين القرآن التفجر من قلبه. 
فيتلو ما شاء الله أن يتلو» ويعيش في جوه من الترغيب والترهيب» ويقف عند 
حكمه وأحكامه. 


في المدة الأخيرة لقد أصبح قيام الليل عند كثير من شبابنا المسلم 
مناسبة شهرية أو موسمية أو سنوية » وحين يتم . ففي سور محددة. معلودة 
يتعاون مجموع الشباب فيها حتى يؤدوها تلارة وعبادة. إن المج الذي يجب 
أن یترب الشباب عليه في أول الطريق هو المنهج القرآني - كما ذكرنا من قبل - 
فللا يكفي أن يكون القرآن هو حور المنبج كله وحور الثقافة المقدمة للأخ 
فقط. بل لا بد كذلك من أن يكون حفظ القرآن هدفاً رئيسياً من أهداف 
المنبج. وخاصة الفتيان والفتيات القادرين على الحفظ ف ستهم المبكرة . 


إن منهج التربية الحركي الذي تضصعه الحماعة لا بك أن ينتهي بالشاب 
المسلم وقد حفظ الكثير من القرآن 5 سن العشرين» ليكون زاده في الطاعة 
والتنقل والتهجد وناشئة الليل» وعندئذ يعرف لذة العبادةء ولذة الطاعة, 
ولذة القيام» يذوق لذة الذكر ولذة التوكل. كما أن الهج التربوي في هذه 
المرحلة لا بد أن يركز على ذكر الله عز وجلء على التهليل والتكبير» والتحميد 
والتسبيح» على الصلوات على النبي بء على الأوراد المأثورة وعلى الأذكار 
المطلقة التي لا تنقطع ليل نهار: 

إواذكر اسم ربك تبتل إليه تبتيلا» . 


ات 


إن الشاب المسلم الذي يحضي مراهقته وفتوته - هائأ بالعبادة والطاعة, 
مواظباً على تلاوة القرآن. ناصاً قدميه في الليل في طاعة اللهء يذكر الله خالياً 
فتفيض عيناه» قلبه معلق بالمساجد مستغرق في الأذكار المطلقة وال مأثورة یثز 
قلبه أزيزاً بالقرآن في جوف اللبل كأزيز النحل. طبع القرآن في قلبه وفكره» 
هو الشاب النموذج الذي يجب أن تحرص الحركة الإسلامية على بناثهء ومالم 
تعط هذا الأمر حقه من العناية» فسيكون البناء هشاً ينبار تحت الضربات 
الأولى للطاغوت. 


هذا هو منہج البناء الأول. من خلال سورة المزمل . وتكون حرارة 
المواجهة مع الطاغية توب أمام حرارة العبادة والتبتل لله ء والثقة بنصر الله 
وانتقامه من الكافرين. 

#وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليل . إن لدينا أنكالا وجحيراًء 
وطعاماً ذا غصة وعذاباً ألا - يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجحبال كثيباً 


., 


مهيلاً. . .“). 


السمة عار 

فإذا كان العدو يريد أن يؤذي المسلمين» وكان بإمكان المسلم أن برد 
هذا الاعتداء عن نفسه فلا ضير في ذلك وخاصة حين يكون الأذى منصياً 
على الجحسد. 

يؤكد هذا المعنى ماورد عن سعد رضي الله عنه في قصة الصلاة في 
الشعاب الانفة الذكر (.. فبينا سعد بن أبي وقاص في تفر من أصحاب 
رسول الله ل في شعب من شعاب مكة إذ ظهر عليهم نفر من المشركين 
وهم يصلون. فناكروهم وعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم» فضرب 
)١(‏ سورة المزمل الآية .١85- 51١‏ 


65 


سعد بن أبي وقاص يومئذ رجلا من المشركين بلحي بعير فشجه. فكان أول 
دم هريق في الإسلام 2 , 

وكذلك قصة عثمان بن مظعون يوم عاد من الحبشة» ودخل في جوار 
الوليد بن المغيرة» ثم ترك جواره إلى جوار الله. ورد على الشاعر لبيد مقالته. 
فثار الناس إليه وضربهم وضربوه حتى اخحضرت عينه من الضرب9©. 

ولعلّ أؤكد معنى في ذلك هو ما ورد في قصة إسلام عمر بن الخطاب 
من أنه مكث يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رؤوسهم”". 

لكن هذا الأمر لم يكن على إطلاقه. فلم يكن يقدر على هذا الأمر إلا 
من كان ذا شكيمة قوية ومنعة من قومه. أما الضعفاء فلم يتمكنوا من هذا 
الموقف . 

ونفقه من هذه السمة أن رجال الحركة الإسلامية ليسوا على مستوى 
واحد في المواجهة» فيمكن أن يكون فيهم الممتنع بقوته أو عشيرته أو مركزه.. 
ويمكن لأمثال هؤلاء أن يتحملوا المواجهة ويواجهوا الاعتداء بالمثل. كا أكد 
القرآن الكريم في وصفهم في معرض الثناء عليهم : 

«والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون9؟»». 

ولرد الاعتداء دور إيجاي في رفع معئويات العامة » الذين يُقدُّرون القوة 
ويعجبون بها بل في ذلك تشجيع لحم للانضمام إلى صف الدعوة تأثراً بمثل 
هذه المواقف . 

فجواب عثمان بن مظعون للوليد بن المغيرة يدل على مدى الثقة 
النفسية العميقة لديه: 

( إنني في جوار من هو أعز منك وأقدر يا أبا عبد شمس» وإن عبني 
)١(‏ تهذيب السيرة لابن هشام ص ۷ه . 
(۲) ذكر ابن هشام الحادثة في السيرة ج۲ ص ٩‏ و١٠‏ . 


(”) المباركفوي في الرحيق المختوم ص ١7١‏ عن ابن الجوزي ص ۸. 
(14) سورة الشورى الآية ۹. 


oY 


الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في الله ). 


لكن لا بد من الملاحظة أن هذا الدفاع لا يأخذ أبداً طابع التحرش 
والاعتداء. أو طابع الاستفزاز إنما كان محدوداً بأطر رد الاعتداء على الحقوق 
المشروعة للانسان العادي في كل مجتمع. لضمان حق العقيدة وحق العبادة 
الشخصي» والذي يؤذي المسلم في هذا الحق يرد أذاه عنه. 


السمة الحادية عشرة 
تحمل الأذى والاضطهاد في سبيل الله 


فلقد انكفات كل قبيلة على أبنائها ومواليها تذيقهم ألوان العذاب 
وصنوفه لتصرفهم عن دين الله وتصدهم عنه ونذكر بعض النماذج في ذلك : 

( كان أبو جهل إذا سمع برجل قد أسلم له شرف ومنعة أثبه وأخزام 
وأوعده بإبلاغ الخسارة الفادحة في المال والجاهء وإن كان ضعيفاً ضربه وأغرى 
به. 

وكان عم عثمان بن عفان يلفه في حصير من أوراق النخيل ثم يدخنه 
من نحته . 

ولا علمت أم مصعب بن عمير بإسلامه أجاعته. وأخرجته من بيته» 
وكان من أنعم الناس عيشأ فتخشف جلده تخشف الحية . 

وكان بلال مولى أمية بن خلف الجمحي» فكان أمية يضع في عنقه 
حبلاء ثم يسلمه إلى الصبيان» يطوفون به في جبال مكة» حتى يظهر أثر 
الحبل في عنقه. وكان أمية يشدّه شداً ثم يضربه بالعصاء وكان يلجئه إلى 
الجلوس في حر الشمس» كا كان يكرهه على الجوع» وأشد من ذلك كله أنه 
كان يخرجه إذا حيت الظهيرة فيطرحه في بطحاء مكة» ثم يأمر بالصخرة 
العظيمة فتوضع على صدره» ثم يقول؛ لا والله لا تزال هكذا حتى تموت أو 
)١(‏ السيرة لابن هشام ج؟ ص ٠١‏ . 


0۸ 


تكفر بمحمل» وتعبد اللات والعزى فيقول وهو في ذلك أحد أحد حتى مر 
به أبو بكر يوماً وهم يصنعوك به ذلك فاشتراه بغلام أسود. وقيل بسبع أواقي 
أو بخمس من الفضة وأعتقه . 


وكان عمار بن ياسر رضي الله عنه مول لبني خزوم» أسلم هو وأبوه 
وأمهء فكان المشركون ‏ وعلى رأسهم أبو جهل ‏ يخرجومهم إلى الأبطح إذا 
يت الرمضاء فيعذبونهم بحرهاء ومر بهم النبي كله وهم يعذبون فقال: 
صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة» فمات ياسر من العذاب» وطعن بو 
جهل - سمية أم عمار في يها بحربة فماتت» وهى أول شهيدة فى 
الإسلام» وشددوا العذاب على عمار بار تارة» وبوضع الصخر حمر 1 
صدره أخرى» وبالتغريق أخحرى» وقالوا: لا نتركك حتى تسب محمداً. أو 
تقول في اللات والعزى خيراً. . . وكان أبو فكيهة - واسمه أفلح ‏ مولى لبتي 
عبد الدار. فكانوا يشدون في رجله الحبل» ثم يجرونه على الأرض. 


وكان حباب بن الأرّت مول لام أغمار بنت سباع الفزاعية. فكان 
المشركون يذيقونه أنواعاً من التدكيل» يأخذون بشعر رأسه فيجذبونه جذباًء 
ويلوون عنقه تلوية عنيفة» وأضجعوه مرات عديدة على فحام ملتهبة.. ثم 
وضعوا عليه حجراً حتى لا يستطيع أن يقوم. وكانت زنيرة والغهدية وابنتها 
وأم عبيس إماء أسلمن وكان المشركون يسومونون من العذاب أمثال ما ذكرنا. 
وأسلمت جارية لبي مؤمل- - وهم حي من بني عدي ۔ فكان 
عمر بن الخطاب ‏ وهو يومئذ مشرك ‏ يضرا حتى إذا مل قال: إني لم أتركك 
إلا ملالة . 


وابتاع أبو بكر هذه الجواري فاعتقهن» كما أعتق بلالا وعامراً بن 
فهيرة . 

وكان المشركون يلفون بعض الصحابة في إهاب الإبل والبقرء ثم 
يلقونه في حر الرمضاءء ويلبسون بعضاً آخر درعاً من الحديد. ثم يلقونه على 


۹ 


وقائمة المعذبين في الله طويلة مؤلمة جداً. فيا من أحد علموا بإسلامه 
إلا تصدوا له وآذوه(') . وما ذكره هذا العلامة غني عن أي تعليق . 


السمة الثانية عشرة 
السماح للضعفاء ف إظهار تغيير دينهم 


(قلت لعبد الله بن عباس: أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول. 
الله ا مسن العذاب مايعذرون به ف ترك دینہم؟ قال : : نعم والله . إن كانوا 
ليضربون أحدهم وجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر أن يستوي جالساً من شدة 
الضر الذي نزل به حتى يعطيهم ما سألوه ه من الفتنة» حتى يقولوا له: اللات 
والعزى إلمك من دون الله ؟ فيقول : عم حق إن احمل لير بهم فيقولون 
جهده9 . 

وما روي عن عمار رضي الله عله ححين كانوا يعذبونه باحر تارة» 
وبوضع الصخر أحمر على صدره أخرى. وبالتفريق» وقالوا: لا نتركك حق 
تسب محمداً أو تقول 5 اللات والعزى حيرا فوافقهم على على ذلك مكرهاً 
وجاء باكياً معتذرا إلى النبي ع فأدزل الله لإ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من 
أكره وقلبه مطمئن بالإإيان‹ “¢ . 

وهكذا نرى أن الأمر متفاوت بين السمة السابقة وهذه السمة فالسابقة 
تحدثنا عن الذين استشهدوا تحت التعذيب. بينا تحدثنا هذه السمة عن الذين 
اضطروا للتظاهر بالتراجع عن الدين» وقد روي أن رسول الله ي قال لعمار 


)١(‏ أورد هذه النماذج حيعاً المباركفوري في كتابه ‏ الرحيق المختوم - ص .1١4-1١١١‏ نقلاا عن 
مصادر متعددة من الحديث والسيرة. 

(۲) تذيب السيرة النبوية لابن هشام ص "لا. 

(۳) سورة النحل الآية ٠٠١‏ . 


وهو يقص عليه التعذيب الذي لاقاه: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمث. 
بالإيمان . 
قال : إن عادوا فعل . 


وتفاوت المستويات إذن ممكن في الحركة الإسلامية بين الصبر على 
التعذيب حتى الموت الذي يمثل العريمة. وبين التظاهر بالكفر الذي يشل 
الرخصة. وإن كان الموقفان جائرين» غير أن الصبر على البلاء وتحمل الأذى. 
ولو أدى إلى الاستشهاد في سبيل الله أفضل عند الله وأكرم. ويتعين أحياناً 
طريق العزيمة حين يكون الداعية ذا مركز خطبر في مجتمعه. أو بمثابة القدوة 
يعرف الإسلام من خلاله. لأن تراجعه يضعف ثقة الناس بهذه العقيدة 
ويزلزل الضعفاء فيتراجعون خوفاً وخوراًء ولا شيء أشد أثرأ في يقين الناس 
تراجع تحت وطأة التعذيب. بل نجد له عذرأ وقسمة في ذلك. 


السمة الثالثة عشرة 
محاولة إنقاذ المستضعفين بكل الوسائل الممكنة 


فلقد كانت المحاولة الأولى ف العتق للموالي والعبيد. 


وكان الذي حمل عبء هذه المحاولة أبو بكر الصديق رضي الله عنه. 
فلقد كان الثري الوحيد في صفوف المسلمين (فلقد أعتق على الإسلام قبل أن 
يهاجر إلى المديئة ست رقاب بلال سابعهم: عامر بن فهيرة وأم عبيس وزنيرة - 
وأصيب بصرها حين أعتقها فقالت قريش: ماأذهب بصرها إلا اللات 
والعزى! فقالت: كذبوا وبيت الله » ما تضر اللات والعزى وما تنفعان! فرد 
الله بصرها ‏ وأعتق النهدية وابنتهاء وكانتا لامرأة من بني عبد الدار. فمر با 
وقد بعثتهها سيدتهها بطحين لها وهى تقول: والله لا أعتقكما أبداً! فقال أبو 
بكر: جل يا أم فلان! فقالت: جل أنت أفسدته| فأعتقههما. قال: فبكم هما؟ 
قالت: بكذا وكذا. قال: قد أخذتبها وهما حرتان» أرجعا إليها طحينها قالتا: 


11 


أو نفرغ يا أبا بكر ثم نرده إليهاء قال: ذلك إن شتتها. 
ومر بجارية بني مؤمل» وكانت مسلمة» وعمر 9 الخطاب يعذبها 
- فابتاعها أبو بكر فأعتقها - قال أبو قحافة لأبي بكر: يا بنى في أراك تعتق رقاب 
ضعافاً: فلو أنك إذ فعلت أعتقت رجالا جلداً 00 ويقومون دونك! فقال 
أبو بكر: ياأبت إني إنما أريد ماأريد لله عز وجل . وكان هذا التكامل 
الاجتماعي بين أفراد التجمع الإسلامي قمة من ة قمم المواساة الإنسانية. فلقد 
رفع الإسلام كرامة هؤلاء العبيد. بعد أن او متاعاً من لمتاع. بل كان 
المتاع أكرم متهم . والبهيمة أشد إكراماً منهم . جاء الإسلام فرد عليهم 
إنسانيتهم وأدميتهم , وأصبحوا بالإسلام أصحاب عقيدة وفكرة. يناقشون 
بهاء وينافحون عنهاء ويجاهدون في سبيلهاء ويتعذبون من أجلها. وكان 
إقدام أبي بكر رضي الله عنه على شرائهم ثم إعتاقهم دليلاً على عظمة هذا 
الدين ومدى تغلغله في نفسية الصديق رضوان الله عليه. 
لقد أحس العبيد والموالي من أبناء هذا الدين الجديد أنهم أسر 
واحدة وبيت واحد. يحمل غليهم فقيرهم. ويؤثر سيدهم عبدهم. فحق له 
رضي الله عنه أن يأتيه الثناء من فوق سبع سموات. #وسيجنبها الأتقى › 
الذي يؤتي ماله يتركى › وما لأحد عنده من نعمة تجرى» إلا ابتغاء وجه ربه 
الأعلى ولسوف يرضى”) . 
وما أحوج الحركة الإسلامية اليوم إلى أن تحيا هذا الواقع الأرفعء 
وتعيش هذه المشاعر السامية . ويكون أبناؤها من التعايش والتلاحم والتعاضد 
حيث ميحس المسلم أنه ابن هذه الأسرة. هي أكبر عنده من أبيه وأمه وأنخيه 
وأخته وزوجه . . وما نشهده اليوم من التكافل بين المجاهدين الإسلاميين 
والموسرين في الحركة الإسلامية الواحدة.» وحمل الأرامل والثكالى والمشردين» 
وأزواج المعتقلين. وعائلاتهم لتعيد لنا هذه الصورة الصديقية الأولى. وما 
تقدم عليه النسوة وهن يتبرعن بحليهن وأموالهن لغوث المنكوبين والمتكوبات 


(1) سورة الليل الآية .7١- ١1/‏ 


1۲ 


لدليل أصيل على عظمة هذا الدين الذي يجعل أبئاءه أسرة واحدق إذأ 
اشتكى مله عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والجمى . 


السمة الرابعة عشرة 
الطريق الثانية للحماية عن طريق الهجرة 

فالبقاء بين برائن الشرك حتى يتمكن الشرك من إبادة المسلمين عملية 
خرقاء. صحيح أن الجندي يتحتم عليه أن يتحلى بالصبر» ويتقبل المصيبة 
بصدر رحب ويثبت على دینه» لکن مهمة القيادة الأساسية هى حماية جنودها 
من الخطر» غير أن هذه الحماية لا تكون على حساب العقيدة أو الشريعة ف 
هذا الإطار تتحرك القيادة» ومن ¿ أجل هذا نرى سيد القادة محمداً عليه 
الصلاة والسلام يبحث 5 الأرض كلها عن مكان أمن . ولا تستطيع يلد 

الشرك أن تطاله. وكان هذا المكان هو أرض الحبشة. 


فقد روى ابن هشام عن ابن اسحاق في السيرة أن رسول الله ب قال 
للمسلمين: «لو خرجتم | إلى أرض الحبشة فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد. 
وهي أرض صدق. حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه. 
فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول لله ب إلى أرض 
الحبشة محخافة الفتنة وفراراً إلى الله بديهم. فكانت أول هجرة كانت في 
الإسلام». 


«. . . وكان خروجهم في رجب من السئة الخامسة من المبعث. فأقاموا 
بالحبشة شعبان ورمضان. وخرجت قريش في آثارهم حتى جاؤوا البحر فلم 
يدركوا منهم أحداًء ثم رجعوا إلى مكة في شوال لما بلغهم أن قريشاً صافوا 
رسول الله كله وكفوا عنه. . 


. ۷۲ تهذيب السيرة لابن هشام ص‎ )١( 


1۳ 


ولا استمر رسول الله يل على سب امتهم عادوا إلى شر ما كانوا عليه؛ 
وازدادوا شدة على من أسلم . فليا قرب مهاجرة الحبشة من مكة وبلغهم 
أمرهم توقفوا عن الدخول. ثم دخل كل رجل في جوار رجل من قريش . ثم 
اشتد عليهم البلاء والتعذيب " من قريش» وسطت عليهم عشائرهم» وصعب 
عليهم ما بلغهم عن النجاشي من حسن جواره» فأذن لهم رسول الله كله في 
الخروج إلى الحبشة مرة ثانية فخرجوا. فكان خروجهم الثاني أشق عليهم 
وأصعب» فكان عدة من خرج في هذه المرة ثلاثة وثمانين رجلا إن كان فيهم 
عمار بن ياسر فإنه يشك فيه» قاله ابن اسحاق. ومن النساء تسع عشر 
امرأة. . .(». 

وهكذا نجد أن الثقل الكبير للمسلمين قد انتقل إلى الحبشة فأن يغادر 
مكة ثلاثة وثمانون رجلا وتسع عشرة امرأة ة يعني هذا أن قوة ضخمة وتجمعاً 
كبيراً قد قام في قطر آخر وبعيدٍ عن مكة وعن متناول يدها يستطيع أن ينتشر 
ويتضخم ومهدد وجود مكة ذاتها. 


وهذا المنطلق لم يكن ليغيب عن ذهن رسول الله يوه وهو البحث عن 
قاعدة صلبة ومكانٍ آمن آخر للدعوة غير مكة. حيث لا تستطيع قريش مھا 
بلغ من عتوها أن تبي الوجود الإسلامي في الأرض. وهذا ما بحسن أن تنتبه 
الحركة الإسلامية إليه في تخطيطها حيث لا تضع كل طاقاتها البشرية والمادية 
في أرض واحدة» تكون معرضة فيها للابادة» بل تعدد أماكن تجمعها 
وتواجدهاء بحيث تستطيع لو فقدت موقعاً معيئاً أن تنتقل إلى موقع ثانٍ 
تنطلق منه وتواجه الجاهلية من خلاله. 


ولا شك أن مغادرة الشباب الإسلامي مواقعه وأماكنه إلى أرض 
جديدة» يعاني فيها آلام الغربة والوحشة عن الأهل والوطن» هو أمر صعب 
وتضحية كبيرة. لا تتحقق إلا إذا كان هذا الشباب على مستوى من الإيمان 
العظيم يتجاوز به هذه العقبات. وأن تكون عقيدته وحبه لا أكبر من حبه 


(1) السيرة النبوية لعبدالله بن محمد بن عبد الوهاب ص ۸۲. 


55 


لوطنه» وحنينه لقومه. وارتباطه بأرضه. أن تكون رابطة العقيدة أعمق غوراً 
في نفسه» وأشد أثراً في قلبه من أية رابطة أخرى مها سمت وارتفعت. 

لوقل إن كان أباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم, 
وأموال اقترفتموهاء وتجارة تخشون كسادهاء ومساكن ترضونها أحب إليكم من 
الله ورسوله» وجهاد في سبيله. فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا هدي 
القوم الفاسقين“) . 

وخحاصة أن الحجرة لحذه الأرض النائية» والمعيشة بين قوم غير قومهم 
يتكلمون بلغة غير لغتهم › وهم عادات وتقاليد ودين غير عاذاتهم ودينهم 
وتقاليدهم هي أشق على النفس وأقسى على الروح. فا لم يكن جنود الحركة 
الإسلامية على المستوى المذكور من الإيمان. فلن تنجح القيادة في تنفيذ خطتها 
وتخططاتها . 


إنه لا بد أن يترى الشباب المسلم على أن تكون عقيدته أغلى عليه من 
كل شيء في حیاته» وأن يكون ارتباطه بدينه أقوى من أية رابطة أخرى من 
أهل أو زوج أو ولد أو عشيرة أو أرض أو مال أو وطن أو مصلحة. 

وهذا المستوى الإيماني العظيم هو الذي جعل هذه الأعداد الكبيرة 
تهاجر إلى هذه الأرض النائية البعيدة. 

٠‏ إننا ونحن اليوم 5 القرن العشرين» وي وسائل المواصلاات الضحمة 
التي اختصرت الأشهر الساعات» وبالارتباط العالمي القائم في دول الأرض 
من حيث الاتصال» لو دعينا إلى الهجرة إلى الحبشة لأحسسننا بثقل ذلك 
وصعوبته» ووجدنا من يتلكأ عن الإجابة. وسماعنا بالحبشة بالذات يجعل 
الوحشة والرهبة هي المسيطرة على كياننا لو دعينا لذلك. 

فكم ياترى هو المستوى الإيماني الرفيع لدى تلك العصبة المؤمنة في 
الأرض» وهم پعرفول الأحباش ر إليهم من عل على أنهم عرب 
أقحاح» وأولئك عجم سود کان رأس كل منهم زبيبة» كانوا يترفعون عم 


(1) سورة التوبة » الآية ٠٠‏ . 


م 


نسباً وشرفاء وهم يرون في صفوفهم بلال بن رباح الحبشي العبد الأسود؟ . 
إا لعمر الحق هجرة نادرة في التاريخ . وتعال عن كل قيم الأرض وروابطها 
في سبيل الله وحق لؤلاء أن يقول لهم رسول الله كهِ: لهم هجرة (أي 
لهاجري يثرب) ولكم هجرتان (أي لمهاجري الحبشة). 


السمة الخامسة عشرة 
البحث عن مكان آمن للدعوة وقاعدة جديدة للانطلاق 


وهو هدف آخر من وراء الهجرة إلى الحبشة غير هدف الحماية نود 
الدعوة وأفرادهاء وهذا ما أشار إليه صاحب الظلال ‏ سيد قطب - رحمه الله 
بقوله: (ومن ثم كان بحث الرسول به عن قاعدة أخرى غير مكة. 
قاعدة تحمي هذه العقيدة وتكفل لا الحرية» ويتاح ها أن تخلص من هذا 
التجميد الذي انتهت إليه في مكة» حيث تظفر بحرية الدعوة. وبحماية 
المعتنقين ها من الاضطهاد والفتئة. . وهذا في تقديري هو السبب الأهم 
للهجرة . 

ولقد سبق الاتجاه إلى يثرب. لتكون قاعدة للدعوة الجديدة. عدة 
اتجاهات . . سبقها الاتجاه إلى الحبشة. حيث هاجر إليها كثير من المؤمنين 
الأوائل» والقول بأخهم هاجروا إليها لمجرد النجاة بأنفسهم لا يستند إلى قرائن 
قوية» فلو كان الأمر كذلك لاجر إذن أقل الناس جاهاً وقوة ومنعة من 
السلمين» غير أن الأمر كان على الضد من هذاء فالموالى المستضعفون 
الذين كان ينصب عليهم معظم الاضطهاد والتعذيب والفتنة لم يناجرواء إنما 
هاجر رجال ذوو عصبيات, لهم من عصبياتهم ‏ في بيئة قبلية ‏ ما يعصمهم من 
الأذى. ويجميهم من الفتنةء وكان عدد القرشيين يؤلف غالبية المهاجرين» 
منهم جعفر بن أبي طالب وأبوه وفتيان بني هاشم معه هم الذين كانوا محمون 
اللبي ب ومنهم الزبير بن العوام» وعبد الرحمن بن عوف» وأبو سلمة 
المخزومي ١‏ وعثمان بن عفان الأموي . . . وغيرهم, وهاجرت نساء كذلك من 


55 


أشرف بيوتات مكة ما كان الأذى لينالمن أبداً. وربما كان وراء هذه الهجرة 
أسباب أخرى كإثارة هزة في أوساط البيوت الكبيرة في قريش. وأبناؤها الكرام 
المكرمون بهاجرون بعقيدتهم» فراراً من الجاهلية تاركين وراعهم كل وشائج 
القرى» في بيئة قبلية تهزها هذه الحجرة على هذا النحو هزأ عنيفاًء وبخاصة 
حين يكون من بين المهاجرين مثل أم حبيبة بنت أبي سفيان» زعيم الجاهليةء 
وأكبر المتصدين لحرب العقيدة الجديدة وصاحبهاء ولكن مثل هذه الأسباب لا 
ينفي احتمال أن تكون الحجرة إلى الحبشة أحد الاتجاهات المتكررة في البحث 
عن قاعدة حرةء أو أمئة على الأقل للدعوة الجديدة. وبخاصة حين نضيف 
إلى هذا الاستنتاج ما ورد عن إسلام نجاشي الحبشة. ذلك الإسلام الذي ل 
يمنعه من إشهاره بائياً إلا ثورة البطارقة عليه كما ورد في روايات 
صحيحة -(30)) . 

هذه اللفتة العظيمة من سيد - رحمه الله ها من السيرة مايعضدها 


ويساندهاء وأهم ما يؤكدها في رأبي هو الوضع العام الذي انتهى إليه أمر 
مهاجرة الحبشة . 


فلم نعلم أن رسول الله 5 قد بعث في طلب مهاجرة الحبشة حتى 
مضت هجرة يثرب وبدر وأحد والخندق والحديبية. والمعروف أن 
عمرو بن أمية الضميري - مبعوث رسول الله ب إلى النجاشي - التقى مع 
عمرو بن العاص عند النجاشي بعد صلح الحديبية. وكان لكل واحدٍ منها 
مهمة عند النجاشي » أما عمرو بن العاص فلقد اختار اللجوء السياسي عند 
النجاشي بعد صلح الحديبية حيث رأى أن مكة ستفتح بين يدي محمد لا 
محالة بعد الصلح» ولا جدوى من المقاومة. 

وأما عمرو بن أمية الضميري فلقد كانت مهمته طلب عودة 
المهاجرين من الحبشة إلى يثرب من النجاشي حيث قد انتهت مهمتهم بعد 


الصلح . 
(1) في ظلال القرآن. ط. دار الشروق ص ۲۹. 


1¥ 


لقد بقيت يثرب معرضة لاجتياح كاسح من قريش خمس سنوات. 
وكان آخخر هذا الحهجوم والاجتياح في الخندق حيث قدم عشرة آلاف مقاتل 
لاستعصال شأفة المسلمين هناك, وبعد رد الكافرين بغيظهم قال رسول الله 
كيه : «الان نغزوهم ولا يغزونا نحن نسير إليهه4217. 

فلقد انتهى الخطر في اجتياح المدينة بعد الخندق ‏ كا في النص النبوي 
الانف الذكر ‏ وجاء صلح الحديبية في السنة السادسة للهجرة ليؤكد هذا 
المعبى. ويؤكد الاعتراف الرسمى من قريش بدولة المدينة. وحين اطمأن 
رسول الله كلل إلى أن المدينة قد أصبحت قاعدة أميئة للمسلمين» وانتهى 
حطر اجتياحها من المشركين. عندئذ بعث في طلب المهاجرين من الحبشة» ولم 
يعد ثمة ضرورة هذه القاعدة الاحتياطية التي كان من الممكن أن يلجأ إليها 
رسول الله يه لو سقطت يثرب في يد العدو. 

إنه الفقه السياسي الأعظم. والتخطيط النبوي الأعمق من الرسول كَل 
وهو يمضي في بناء دولة الإسلام. ويدرس كافة الاحتمالات المتوقعة» ويبحث 
في كل مكان عن الأرض الناسبة لقيام دولة الإسلام أو لحماية العقيدة فيها. 

وفعلا وصل المهاجرون من الحبشة إلى المدينة فوجدوا رسول الله ككل في 
خيبر فمضوا إليه هناك والتحقوا به ووصلوا بعد فتح خيبر فقال رسول الله 
ككل : «ما أدري بأها أنا آسرء بفتح خيبر أم بقدوم جعفر9)), 


السمة السادسة عشرة 
الاستفادة من قوانين المجتمع المشرك ‏ الحماية والجوار - 


لقد كان المجتمع الجاهلي يقيم وزناً كبيراً لهذا القانون» وهو حماية 
القوي الضعيف . فإذا دخل الضعيف 5 جوار القري يتمتع بحمايته التامة» 


. ٩٩4٩ صحيح البخاري ج۲“ ص‎ )١( 
." السيرة النبوية لابن هشام ج 4 ص‎ )۲( 


14 


وينم أي اعتداء يقع عليه » ويعطيه حرية التحرك والتفكير ولا يستطيع العدو 
أن ينال من هذا المستجير. ولو تم ذلك فإن هذا يعني أن حربا تقع بين 
الفريقين» ومن أجل هذا فالذي يعلن الإجارة» لا بد أن يكون عزيزاً منيعا 
في قومه» قادراً على الحماية» ومدخلاً في حسبانه كل المفاجآت الممكنة. 
ولنتعرض إلى ثماذج من هذه الإجارة. 

لقد كانت الإجارة الأرل في المجتمع المكي هي إجارة أي طالب لمحمد 
رسول الله كل . 


يقول ابن .اسحاق: (وحدب على رسول الله يك عمه أبو طالب ومنعه 
وقام دونه» ومضى رسول الله كَل على أمر الله مظهراً لأمره لا يرده عنه 
شيء. فلا رأت قريش أن رسول الله لا يعتبهم من شيء أنكروه علیه» من 
فراقهم وعيب أهتهم . ورأوا أن عمه أبا طالب قد حدب عليه وقام دونه 
فلم يسلمه لحمء مشى رجال إلى أبي طالب فقالوا: ياأبا طالب إن ابن 
أخيك قد سب آلتنا وعاب ديئناء وسفه أحلامناء وضلل آباءناء فإما أن 
تكفه عناء وإما أن تخل بيئنا وبينه؟ فقال هم أبو طالب قولا رقيقاً. وردهم 
ردأ جميلاً فانصرفوا عنه. ومضى رسول الله ل على ما هو عليه يظهر دين 
الله ويدعو إليه. ثم شري الأمر بينه وبينهم حتى تباعد الرجال وتضاغنواءٍ 


وأكثرت قريش ذكر رسول الله بينها . فتذامروا فيه وحض بعضهم بعضاً 
عليه . 


ثم إنهم مشوا إلى أبي طالب مرة أخرى» فقالوا له: يا أبا طالب إن لك 
سنأ ومنزلة وشرفاً فيناء وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عناء وإنا 
والله لا نصبر على هذا من شتم آباثنا وتسفيه أحلامناء وعيب الحتناء حتى 
تكفه عناء أو ننازله وإياك حتى يبلك أحد الفريقين. 

فبعث إليه رسول الله ية فقال له: يا بن أخي» إن قومك قد جاؤوني 
فقالوا لي كذا وكذا ‏ للذي كانوا قالوا له فابق عل وعلى نفسك» ولا تحملني 
من الأمر مالا أطيق. فظن رسول الله يلك أنه قد بدا لعمه فيه بداء أنه 
خاذله وسلمه» وأنه قد ضعف عن نصرته» فقال رسول الله بل : «يا عم 


14 


والله لو وضعوا الشمس في بيني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر 

حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته!. ثم استعبر رسول الله ب - فبكى 

ثم قام » فليا ولى ناداه أبو طالب فقال: أقبل یا ابن أخي . فأقبل عليه رسول 
الله 5ة - فقال: اذهب يابن أخي فقل ما أحببت فوالله لا أسلمك لشيء 

أبدأ 22 . 

ونلاحظ هذه الملاحظات الثلاث على هذه الإجارة: 

١‏ إن قريشاً حاولت مع أبي طالب أن يدعو ابن أخيه للكف عن الدعوة 
لهذا الدين الجديدء وقد فشلت هذه المحاولة وهذا ما نتوقعه ونحن 
نستفيد من قوانين المجتمع الجاهليء وهي محاولة استصدار قوانين جديدة 
تحول دون حرية الدعوة. 


؟ ‏ لجأت قريش إلى التهديد في المرة الثانية» ونجحت في التأثير على أعصاب 
أي طالب» فدعا محمداً رسول الله ككل إلى الكف عن الدعوة هذا 
الدين» لعجزه عن حمايته وهو في هذه الصورة. لكن ثبات رسول الله 
على الحق» مها كانت عقباته ‏ ثبت أبا طالب ثانية في حمايته . 

ونفقه من هذا التصرف أن فشل الجاهلية في المرة الأولى - من بعض 
فثاتها- لضرب الدعوة لا يثنيها عن هذا الطريقء فقد تعيد الكرة ثانية 
وثالثة؛ ويقظة الحركة الإسلامية من جهة» وصلابتها من جهة ثانية هما 
الكفيلان بإحباط محاولات هذه الفئة المعادية» والحركة الإسلامية بحاجة 
لأن يستفيد من كل تناقضات المجتمع الجاهلي لتجعل بعضه ضد بعض 
فتستفيد هي من هذه التناقضات . 

۳ - والاستفادة من العصبية الجاهلية في حماية شباب الدعوة أمر شرعى » فابن 
العائلة الكبيرة والقبيلة الضخمة الذي يستطيع أن يوظف زعيم هذه 
العائلة لحمايته لا يعني أنه قد تخلى عن دينه بذلك. واستفادة بعض 
الدعاة من ضابط كبير في الجيش أو المخابرات» أو وزير متنفذ في دولة» 


. ۲۸١ السيرة النبوية لابن هشام جا ص 584 و‎ )١( 


Va 


لا ينقص من عقيدة هذا الداعية ومن دينه شيئاً. بل من حق شباب 

الدعوة في مرحلة الضعف البحث عن سند قوي في الجاهلية يحميهم. 

ومحفظ عليهم حرية عقيدتهم» وحرية الدعوة إليها. ولقد كان لحماية أي 

طالب لرسول الله ككل وإجارته له ما هيأ له السبل الكافية لنشر الدعوة في 

قلب مكةء دون أن يتعرض لأذى ماحق يقضي عليه. يقول رسول الله 

پل : «ما نالت مني قريش شيئاً أكرهه حتى مات أبو طالب0"). 

وهذا لا يعني أن ا آي 

طالب خلال هذه السنوات العشر» ولكن من المؤكد أنها أخفقت في عرلا 
خرق هذا العهد. وكان لحماية أي طالب أثر فعال حال دون وصول الأذى 
الكبير لرسول الله عليه الصلاة والسلام . 


ولننتقل إلى صورة ثانية من الحماية . هي صورة إجارة ابن الدغنة ابي 
بكر الصديق رضي الله عنه (ففي الصحيح عن عائشة قالت: لم أعقل أ بوي 
إلا وما يدينان الدين› ولم يمر يوم | إلا يأتينا فيه رسول الله كلخ طرفي النبار, 
بكرة وعشية . فلا ابتلى المسلمون خرج أبو بكر مهاجراً إلى أرض الحبشة حتى ' 
إذا بلغ برك الغماد لقيه أبن الدغنة وهو سيك القارة فقال:* أين تريك يا أبا 
بكرا فقال أبو بكر: أخرجني قومي ١‏ فأريد أن - ٤‏ الأرض وأعبد ري. 
لدم وتحمل الكل» وتقري الضيف» وتعين عل نوا الحق فأنا لك 
جار. ارجح وأعبد ربك ببلدك . . فرجع أبو بكر وارتحل معة أبن الدغنة. 
فطاف ابن الدغنة عشية في أشراف قريش فقال هم : إن أبا بكر لا يحرج 
مثله ولا يحرج أ تخرجون رجلا يكسب المعدوم ويصل الرحمء وحمل الكل 
ويقري الضيف» ويعين على نوائب الحق؟ م تكذب قريش بجوار ابن 
الدغنة وقالوا لابن الدغنة : فأمر أبا بكري فلیعبد ربه 3 ٠‏ دارم فليصل فيهاء 
وليقرا ماشاء 3 يؤذينا بذلك ولا ستعان» و نخشى أن يفتن نساؤنا 


. ٥۸ السيرة النبوية لابن هشام ج۲ ص‎ )١( 


4 


دارهء ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجداً بفناء داره» فكان يصلي فيه ويقرأً 
القرآن» فتتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون إليه» 
وكان أبو بكر رجلا بكاءً لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن. فافزع ذلك أشراف 
قريش من المشركين» فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا: إنا كنا 
أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره» وقد جاوز ذلك» وابتنى 
مسجداً بفناء دارم فأعلن بالصلاة والقرآن فيه. وإنا قد خشينا أن يُفتن 
أبناؤنا ونساؤناء فائهه. فإن أحب على أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره 
فعل. وإن أبى إلا أن يعلن ذلك فسله أن يرد إليك ذمتك» فإنا قد كرهنا أن 
نخفر ذمتك. ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان. قالت عائشة: فاق ابن 
الدغنة إلى أبي بكرء فقال: قد علمت الذي عاقدت لك عليه فإما أن 
تقتصر على ذلك» وإما أن ترجع إل ذمتي. فإني لا أحب أن تسمع العرب 
أني خفرت في رجل عقدت له» فقال أبو بكر: فإني أرد إليك جوارك وأرضى 
بجوار الله0)) . 


١‏ -فأبو بكر رضي الله عله حرج بوضوح طالباً الأمان 5 عبادة ربه : أخرجني 

قومي» فاريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي. 
ويلقاه ابن الدغئة. وهو سيد القارة» سيد قبيلة غير قبيلة قریش . 

خارج حدود مكة أنه يكسب المعدوم وحمل الكل ويقري الضيف› 
ويعين على نوائب الحق. وهي نفس الصفات التي عرفت بها خديجة 
رضي الله عنها نبوة محمد ية . ولم يكتف ابن الدغنة بالمشاركة الوجدانية . 
بل أعاد أبا بكر ودخل به مكة. وأعلن حمايته على الملأ. إا حماية غريبة 
أن يحمي سيد قبيلة ابنا لقبيلة أخرى وني بيوت القبيلة نفسها ومع ذلك لم 
نجد قريش فكاكا من ذلك وأذعنت لوار ابن الدغنة لأب بکر» وكانت 
الحماية على حرية العبادة , 

(۲) القارة هي القبيلة التي نقض بعض أفرادها العهد مع الرسول صل الله عليه وسلم بعد أحد 
وغدروا بسرية الرجيع . 


7 


؟"-غير أن الأمر تطور تطوراً آحر» من حرية العبادة إلى حرية الدعوةء وهنا 
ثارت ثائرة قريش وأرسلت وراء ابن الدغنة تستجير به وتعلن استعدادها 
لخرق الحماية أما الحدث الحديد الذي فوجثت به؛. أن يصلي أبو بکر في 
فناء بيته» فتتقصف عليه النساء ويجتمعن عليه» ويُفتن به وكذلك 
الولدان - وعجز ابن الدغنةء عن اجراء إجارته على حرية الدعوة, 
وعندما خير أبو بكر رضي الله عنه» بين حجز حريته عن الدعوة إلى 
الله » وأن يعيش في ظل ابن الدغنة آمناً قرير العين» وبين أن يدعو ويحمل 
مسؤولية دعوته» آثر البلاء والدعوة في سبيل الله على الأمان وحرية 
العبادة. لقد كانت هذه الإجارة أدنى من إجارة أبي طالب» فهناك إذن 
الإجارة على حرية الدعوة كما كانت إجارة أي طالب» اذهب يا ابن أخي 
فقل ما أحببت. وبين إجارة ابن الدغنة على حرية العبادة ارجع واعبد 
ربك ببلدك. 
ولقد وجد هذان النموذجان في مكة. من تحميه قوة لإجارة في حرية 
العبادة وهو الأكثرء ومن تحميه قوة الإجارة في حرية الدعوة وهو نادر» بل 
نكاد نقول أنه خاص برسول الله بء وکا رأينا محاولات قريش في ضرب 
هذه الإجارة وفشلها في ذلك. ونخلص من هذا إلى أن الاستفادة من قوانين 
الجاهلية أمر مشروع إن كان فيه مصلحة للدعوة, وليس هذا طعناً في الدين» ْ 
وليس هذا احتكاماً لغير شريعة الله . كا يدور بخلد بعض المتحمسين. 
وما يذكر في تاريخ الدعوة المعاصر أن الحكومة المصرية عندما اعتقلت 
الداعية الإسلامي الكبير محمد قطب عام 25١‏ أقام الإمام الشهيد سيد قطب 
دعوة على الحكومة المصرية التي خرقت القانون في اعتقاله. ولم يعرف تاريخ 
الدعوة الحديثة مثل سيد في تحرره من فكرة الحاكمية لغير الله. وهو الذي حمل 
لواءها في كتبه وفكرة وحياته حتى توفاه الله. إن الفقه العظيم لسيد حين 
يفرق بين القناعة بنظام حكم كافر يسعى إليه» وبين الاستفادة من نظام 
حكم كافر لحماية الدعوة وشيابها ورجاا. 
ومن هذا المنطلق نقول وننتبه كذلك إلى: إن الديقراطية - وهي نظام 


Y۳ 


غير إسلامي ابتداءُ - هي خير للحركة الإسلامية من الديكتاتورية الطاغية» 
هي مناخ ملائم لتفريخ الدعوة وانتشارهاء إنها وهي نظام جاهلي» أجدى 
على المسلمين من أي نظام جاهلي آخر. وهي تضمن عادة حرية التعبير عن 
الرأي وحرية العقيدة» أو بتعبير آخر حرية العبادة وحرية الدعوة. 


والذي يراجع رصيد الحركة الإسلامية المعاصر يلاحظ أنه ما من فترة 
أعطيت فيها الحرية للأمة إلا وصار الشارع إسلامياًء والجامعة إسلامية» 
ووصل الإسلام إلى السيطرة على كل مرافق الأمة. وما يكاد الإسلام يصل 
إلى الحكم عن هذا الطريق إلا ويقوم انقلاب عسكري يكمم الأفواه. ويزج 
بالناس في المعتقلات والسجون» وتبدأ حمامات الدم لشباب الإسلام. إن 
كلمة الرسول لل الخالدة: «إن فيها ملكأ لا يظلم عنده أحد» هي معلم من 
معالم الحركة الإسلامية» وخطوة أساسية من خطوات هذا المنهيج. تعين 
الحركة على مواجهة المجتمع القائم» وتفتح ها أبواب الانطلاق الإسلامي 
العظيم للدعوة 5 سبيل الله , 


السمة السابعة عشرة 
المحاولات السلبية من العدو في المواجهة 


وقد عدد أنواعاً منها العلامة المباركفوري نذكرها نقلا عنه : 
| - السخرية والتحقر» والاستهراء والتكذيب والتضحيك» قصدوا مها تخذيل 
المسلمين. وتوهين قواهم المعلوية. فرموا النبي بد بتهم هازلة وشتائم 
۲ - تشويه تعاليمه وإثارة الشبهات. وبث الدعايات الكاذبة» ونشر الإيرادات 
الواهية حول هله التعاليمء وحول داته وشخصيته › والأكثار من كل 
ذلك بحيث لا يبقى للعامة مجال في تدبر دعوته. . . 
۳ - معارضة القرآن بأساطير الأولين» وتشغيل الناس بها عنه. . فلقد ذهب 


4: 


النضر بن الحارث إلى الحيرة» وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس» وأحاديث 
رستم» واسفنديار. فكان إذا جلس رسول الله كله مجلساً للتذكير باش 
والتحذير من نقمته خلفه النضر. يقول: والله ما محمد بأحسن حديثاً 
مني 0 ٿم مدوم عن ملوك فارس ورستم واسفندیار» ثم يقول: بماذا 
يد اح حديثاً مني . 


3 - مساومات حاولوا با أن يلتقي الإسلام والجاهلية ي منتصف الطريق بأن 
لودو لو تدهن فيدهنون ¥ فل يا أيها الكافرون. n‏ 0 


وهذه النماذج نذكرها لأنها تتكرر مع الدعوة في كل جيلء وال حركة 
الإسلامية بحاجة إلى التعرف على هذه المحاولات حتى لا يفت في عضد 
الدعاة وهم ينالون أنواع الحرب النفسية من الاستهزاء والتبكيت والسخريةء 
يتهمونهم ف عقوهم أنهم رجعيون جامدون» ومتعصبون متخلفون»› وأنهم 
ينتمون إلى عصر الجمل وعصر الخيام والصحراءء بل يتهمونهم بالتخلف 
العقلي» فلهؤلاء الدعاة أسوة برسول الله ية الذي اتمه قومه بالجنون: وهو 
سيد ولد آدم. «إنء والقلم وما يسطرون» ما أنت بنعمة ربك بمجنون 4 
ويتهمونه بالكذب. وهو الذي ل تعرف البشرية له مشيلا في الصدق» 
وبشهادتهم هم: ما جربنا عليك كذباً. ووسائل الإعلام الجاهلية اليوم تتهم 
دعاة الإسلام بأههم متأمرون وبأنهم لا أخلاقيون وبأعهم كاذبون. 


والنوع الآخر الذي يتلقاه الدعاة من أعدائهم هو تشويه المبادىء» 
وتقديمه بأسوأ صورة اس خاصة ووسائل الإعلام اليوم 5 كل در تقاءم 
ف مرحلة سابقة من التاريخ أله قدر الآمة العربية 8 مضى » أم ' اليوم 
فالعصر عصر القوميات› وعصر الاشتراكية العلمية. وعصر التقدمية 
() القلم / ٩‏ . (۲) سورة الکافروں , 

)25 الر حبق المحنوم للسار کفوری باحتصار 5+4 ۹1 (؟) القلم / اس٣‏ 


Yo 


والديمقراطية, وأن الإسلام قد أدى دوره وانتهى من الوجود إنها هي نفس 
الصيغة السابقة التي تتحدث عن القرآن أنه أساطير الأولين. 

والمسلمون أحوج ما يكونون إلى الانتباه والحذر إلى هذه الأساليب من 
الحرب التي تشن عليهم من أعدائهم ليل مار للنيل من أشخاصهم» والنيل 
من دعوتهم) والنيل من دينهم وإسلامهم. إن وسائل الإعلام الرهيبة 
المعاصرة من صحيفة وإذاعة وتلفاز» من مجلة وكتاب. ومقالة ومسرحية 
وقصة. كلها تنصب اليوم على الحرب على الأسلام سواءٌ بتجسيد الشر 
وتمجيده أو بالنيل من الخير وطمسه وتشويه معالمه. يا شباب الدعوة. أنتم 
المستهدفون, ودينكم المستهدف. فبالصبر والوعي تجهضون هذه الحرب. 


السمة الثامنة عشرة 
المحاولات الإيجابية في الحرب: عمليات الاغتيال والقتل للقيادة 

لقد تعرض رسول الله ڳل لأربع محاولات اغتيال وقتل . 

كانت الأولى بطلب صريح من قريش من أبي طالب» يطلبون فيه. 
تسليم النبي ل همم : كبا روى ابن اسحاق: (ثم إن قريشاً حين عرفوا أن 
أبا طالب قد أبى خذلان رسول الله كه وإسلامه. وإجماعه لفراقهم في ذلك 
وعداوتهم. مشوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة. فقالوا: يا أبا طالب هذا 
عمارة بن الوليدء أنهد فى في قريش وأجمله. فخذه فلك عقله ونصرتهء 
واتخذه ولداً فهو لك. وأسلم إلينا ابن أخيك هذا الذي قد خالف دينك 
ودين آبائك» وفرق جماعة قومك وسفه أحلامهم نقتله. فإنما هو رجل برجل! 
فقال: والله لبشس ما تسومونني أتعطوني ابتكم أغذوه لكم» وأعطيكم ابني 
تقتلونه؟ هذا والله مالا يكون أبدأ. . .20). 


وكانت المحاولة الثانية محاولة فرعون هذه الأمة أبي جهل بن هشام . کہا 
)١(‏ تبذيب السيرة لابن هشام ص ٥4‏ . 


كا 


روى ابن اسحاق كذلك: (يا معشر قريش إن حمداً قد أبى إلا ما ترون من 
عيب ديئنا وشتم آبائناء وتسفيه أحلامنا وشتم المتناء وإني أعاهد الله لأجلس 
له بحجر ما أطيق حملهء فإذا سجد في صلاته به رأسه» فأسلموني عند ذلك 
أو امنعوني. فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم. . 

وفشلت المحاولة 2 اليوم الثاني عندما رجع مكفهر الوجه» وقد يست 
يداه على الحجر قائلً: قمت إليه لأفعل به ما قلت لكم البارحة» فلا دنوت 
مله عرض لي دوده فحل من الإبل» لا والله مارأيت مثل هامتهء ولا مثل 

قصرته ولا أنيابه لفحل قط فهم بي أن يأكلني29' . . 

وكانت المحاولة الثاللةء محاولة طغاة قريش في قنله» ففي رواية 
البخاري عن عروة بن الزبير قال: سألت ابن عمرو بن العاص أخبرني بأشد 
شيء صنعه المشركون بالنبي كَل قال: بينا النبي ب يصلي في حجر الكعبة 
إذ أقبل عقبة بن أي معيط. فوضع ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداًء فأقبل 
أبو بكر حتى أخل بمنكبيهء ودفعه عن النبى ككل وقال: أتقتلون رجلا أن 
يقول ربي ایلے 7" »؟ 2 


وفي حديث أسماء: فاق الصريخ إلى أبي بكر فقال: أدرك صاحبك» 
فخرج من عندناء وعليه غدائر أربعم» فخرج وهو يقول: أتقتلون رجلا أن 
يقول ربي الله ؟ فلهوا عنه وأقبلوا على أبي بكرء فرجع إلينا لا نمس شيئاً من 
غدائره إلا رجع معنا(" , وكانت المحاولة الرابعة محاولة عمر بن الخطاب 
رضي الله عنه والتي انتهت بإسلامه . 

وهذه السمة في غنى عن التعليق» إذ يجب أن لا يغيب أبداً عن أذهان 
الحركة الإسلامية تخطيط العدو الماكر لإبادة القيادة واغتيالها. وماشهده 
جيلناالمعاصر من اغتيال وإبادة قادة الح ر کات الإسلامية يعطينا صورة واضحة 


Î . 14 - ٩۸ عبذيب السيرة لابن هشام‎ )١( 
باب ما لقي رسول الله وأصحابه من المشركين بمكة.‎ ٤٤ - ١ (؟) صحيح البخاري‎ 
.14 ختصر السيرة. ص‎ )۳( 


YY 


عن ذلك. فقد كان اغتيال الشهيد حسن البنا رحمه الله هدفاً خطط له الكفر 
في الأرض» ثم كانت القافلة الثانية من الشهداءء التي تم إعدامهاء 
عبد القادر عودة» ومحمد فرغل ويوسف طلعث وإبراهيم الطيب ثم كانت 
القافلة الثالثة من الشهداء التي تم إعدامها سيد قطب» وعبد الفتاح 
إسماعيل» ويوسف هواش. وعمليات التصفيات الجسدية التي تمت على ثرى 
الشام الطهور لقادة الحهاد فيه. مروان حديد وإبراهيم اليوسف وعبد الستار 
الزعيم ) وكل محاولات الاغتيال التي تمت لقادة الحركة الأسلامية؛ لتنبىء عن 
مدى تخطيط العدو لاستئصال هذه الحركة من خلال القضاء على قادتها 
وزعمائها. 
السمة التأسعة عشرة 

الحهرية الثأنية : إسلام حزق إسلام عمر» وإعلان التحدي 


للمجتمع الجاهلي 


وكان التحدي الأول هو إسلام الحمزة رضي الله عله. كما رواه ابن 
اسحاق عن رجل من أسلم (أن أبا جهل مر برسول الله كله فأذاه وشتمهء 
ونال مله بعض ما یکره من العيب لدينه, والتضعيف لأمره . فلم يكلمه 
رسول الله يو ومولاة لعبد الله بن جدعان في مسكن لا تسمع ذلك. ثم 
انصرف عنه عائداً إلى نادي قريش عند الكعبة فجلس معهمء فلم يلبث 
حمزة بن عبد المطلب أن أقبل متوشحاً قوسه راجعاً من قلص له وكان 
صاحب قنص يرميه ويخرج له وكان إذا رجع من قنصه لم يصل إلى أهله حتى 
يطوف بالكعبة» وكان إذا فعل ذلك ل يمر على نا من قريش إلا وقف وسلم 
وتحدث معهم» وكان أعز في في قريش وأشده شكيمة. فلا مر بالمولاة وقد 
رجع رسول الله يل إلى بيته قالت: يا أبا عمارة لو رأيت ما لقي ابن أخيك 
محمد آنفاً من أبي الحكم بن هشام» وجده ها هنا جالساً فآذاه وشتمه وسبه. 
وبلغ منه ما يكرهء ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد. فاحتمل حمزة الغضب لا 
أراد الله به من كرامته. فخرج يسعى لم يقف لأحدء معدا لأبي جهل إذا لقيه 


۷۸ 


أن يوقع به. فلما دحل المسجد. نظر إليه جالساً في القوم» فأقبل نحوه حتى إذا 
قام على رأسه رفع القوس فضربه بها فشجه شجة منكرة ' ثم قال: أتشتمه ؟ 
فأنا على دينه أقول مايقول. فرد عل ذلك إن استطعت. امت رجال من 
بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهلء فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة فإني 
والله قد سببت ابن أخيه سباً قبيحاً'» وزاد غير ابن اسحاق في إسلام حمزة 
أنه قال؛ لما حملني الغضب. وقلت أنا على قوله. أدركني الندم على فراق دين 
آبائي وقومي» وبت من الشك في أمر عظيم لا أكتحل بنومء ثم أتيت الكعبة 
فتضرعت إلى الله أن يشرح صدري ويذهب عني الريب» فا استتممت دعاثي 
حتى زال عني الباطل» وامتلا قلبي يقيناً - أو کا قال - فأتيت رسول الله 
يل فأخبرته بما كان من أمري . فدعا لي بأن ثبتني الله . 


أما عن إسلام عمر فأخرج أبو نعيم في الدلائل وابن عساكر عن ابن 
عباس قال: قلت لعمر: لأي شيء سميت الفاروق؟ قال: أسلم حمزة قبلي 
بثلاثة أيام . فخرجت فإذا فلان المخزومي فقلت له: أرغبت عن دين آبائك 
واتبعت دين محمد؟ قال: إن فعلت فقد فعله من هو أعظم عليك حقاً مني . 
قلت: من ذلك؟ قال: أختك وختنك. فانطلقت فوجدت همهمة» فدخلت 
فقلت ماهذا؟ فا زال الكلام بيننا حتى أخذت برأس أختي فضربته وأدميته . 
فقامت إلي فأحذت برأسي فقالت: وقد كان ذلك على رغم أنفك. فاستحيت 
حين رأيت الدماءء فجلست فقلت أروني هذا الكتاب. قالت إنه لا يسه إلا 
المطهرون. فقمت فاغتسلت. فأخرجوا لي صحيفة فيها 
(بسم الله الرحمن الرحيم) فقلت أسياء طيبة طاهرة #طه ما أنزلنا عليك القرآن 
لتشقىء إلا تذكرة لمن يخشى . تنزيلا من خلق الأرض والسماوات العلا إلى 
قوله #الله لا إله إلا هوله الأسماء الحسبى» فتعظمت في صدري فقلت: 
ما أحسن هذا الكلام وأجمله. . فأسلمت. فقلت: أين رسول الله؟ قالت: 
فإنه في دار الأرقم. فأتيته فضربت الباب فاستجمع القوم. وقال لحم حمرة: 
ما لكم؟ قالوا: عمر. قال: وعمر؟! افتخوا له الباب» فإنه إن أقبل قبلناهء 


)0 و(؟) ختصر ختصر السيرة لابن محمد بن عبد الوهاب ص ۸۸-۔ 84. 


۷۹ 


وإن أدبر قتلناه. فسمع ذلك رسول الله ا . فخرج فتشهد عمر. فكبر آهل 
الدار تكبيرة سمعها أهل المسجدء قلت: يارسول الله السنا على الحق؟ قال : 
بى. قلت: ففيم الاخحتفاء؟ فخرجنا في صفين : أنا 5 أحدهماء وحمزة فى 
الآخر حتى دخلنا المسجد. فنظرت قريش 1 وإلى حمزة فأصابتهم كآبة 
شديدة,» فسماني رسول الله الفاروق يومئل23(0 , 


وفي رواية أنس عن أبي يعلى والحاكم البيهقي قال: خرج عمر متقلداً 
السيف. فلقيه رجل من بني زهرة. فقال: أين تعمد ياعمر؟ قال: أريد أن 
أقتل محمد قال: وكيف تأمن من بني هاشم وبني زهرة وقد قتلت محمداً؟ 
قال ما أراك إلا قد صبوت. قال: أفلا أدلك على العجب؟ إن أختك وختنك 
قد صبوا وتركا دينك. فمشى عمر فأتاهما وعندهما خباب فللا سمع عمر 
توارى في البيت. . . حتى انتهى إلى قوله «إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني 
وأقم الصلاة لذكري* فقال عمر: دلوي على محمد. فلما سمع خباب قول 
عمر خرج فقال: أبشر ياعمر فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله ليلة 
الخميس: اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام . . فانطلق 
عمر حتى أق الدار وعلى بامها حمزة وطلحة وناس» فقال حمزة : هذا عمر إن 
يرد الله به خيراً يسلمء > وإن يكن غير ذلك كان قتله علينا هيناً” . . 
وروی ابن اسحاق بسئده عن عمر قال: لما أسلمت تذكرت أي أهل 
مكة أشد لرسول الله كل عداوة. قلت: أبو جهل» فأتيت حتى ضربت عليه 
پابه فخرج إل وقال : آهل آهل وسهلا. ماجاء بك؟ قال: جثت لأخخبرك 
أي قد أمنت بالله وبرسوله محمد وصدقت با جاء به قال» فضرب الباب ف 
وجهي » وقال: قبحك الله» وقبح ما جثت به . 
وذكر ابن الجوزي ختصراً وابن هشام كذلك: أنه لما أسلم أ إلى 
جيل بن معمر الجمحي ‏ وكان أنقل قريش لحديثه ‏ فأخبره أنه أسلمء 
فنادى حميل بأعلى صوته أن ابن الخطاب قد صباأ. فقال عمر ‏ وهو خلفه -: 


ر١)‏ و(؟) نقلاً عن غختصر السيرة لابن محمد بن عبد الوهاب ص 4م-١5.‏ 
(؟) الرحيق المختوم للمباركفوري ص ١۱۹‏ . 


كذب ولكني قد أسلمت» فثاروا إليه فيا زال يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت 
الشمس على رؤوسهم» وطلح - أي أعيا عمرء فقعد. وقاموا على رأسه. 
وهو يقول: إفعلوا ما بدا لكم فأحلف بالله أن لو كنا ثلاث مائة رجل لقد 
تركناها لكم أو تركتموها لنا('». وبعد ذلك زحف المشركون إلى بيته يريدون 
قتله. روى البخاري عن عبد الله بن عمر قال: بينما هو_أي عمر- في الدار 
خائفاً إذ جاءه العاص بن وائل السهمي ‏ أبو عمرو- وعليه حلة سبرة 
وقميص مكفوف بحرير» وهو من بني سهم وهم حلفاؤنا في الجاهلية» فقال 
له: مالك؟ قال: زعم قومك أنهم سيقتلوني إن أسلمت» قال: لا سبيل 
إليك - بعد أن قاها أمنت ‏ فخرج العاص. فلقي الناس قد سال بهم 
الوادي» فقال: أين تريدون؟ فقالوا: هذا ابن الخطاب الذي قد صبأً. قال: 
لا سبيل إليه» فكرٌ الناس0©»: وفي لفظ - والله لكانما كانوا ثوباً كشط عنه. 
وكان ابن مسعود يقول: ما كنا نقدر أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم 
عمر). 


وعن صهيب بن سئان الرومي رضي الله عنهء قال: لا أسلم عمر 
ظهر الإسلام» ودعي إليه علانية, وجلسنا حول البيت جلقاء وطفنا بالبيت» 
وانتصفنا تمن غلظ عليناء ورددنا عليه بعض ما ياي به , 

وعن عبد الله بن مسعود قال : ما زلنا أعزة منذ أن أسلم عمر“ . 


ونود بعد هذا العرض أن نستتخلص النقاط التالية : 

كان إسلام الحمزة وعمر رضي الله عنهما في ذي الحجة من السنة 
السادسة للنبوة. وقد سبق الحمزة عمر بثلاثة أيام کا ورد في أحدى الروايات 
السابقة» وذلك في أشد حالات الأزمة حين كانت قريش تخطط لقتل النبي 


)3ع ابن هشام» ج / 44 

(۲) المباركفوري عن صحيح البخاري ١‏ / 048 باب إسلام عمر. 
5 ابن الحوزي ص ۱۸ . 

(4) ابن الجوزي ص ۱۸ . 

28 المباركفوري عن صحيح البخاري ۱ / 646 باب اسلام عمر. 


م١‎ 


يد في أكثر من خطة. ولعل أخطر اصطدام مسلح هو شج الحمزة لأبي 
جهل» وكان كفيلاً أن يشعل حرباً في قريش. فاأبو جهل سيد أهل الوادي 
لا يخلص إليه ‏ وأعز وأكثر هذا الوادي نادياً كا كان يقول عن نفسه ‏ 
وحمزة كان أشد قريش شكيمة. وتذكر بعض الروايات أنه لما قام بعض رجال 
بني محزوم ) قام بعض رجال بني هاشم › وتكهرب الموقف» وكان من الممكن 
أن تقع مجزرة قد تنتهي باستئصال المسلمين. غير أن الرهبة من شخصية 
الحمزة» حالت دون ذلك ولمهابة التي له أطفأت الفتنة. ونلاحظ كذلك أن 
العصبية الجاهلية المحضة هي التي حركت الحمزة هذا الموقف» فلم تستطع 
أعصابه أن تتحمل هذا الاعتداء على ابن أخيه محمد رسول الله. وأخيه من 
الرضاعة. إن القحة التي بلغتها الجاهلية تجاوزت حدودهاء فطف الصاع عند 
الحمزة» ومضى يشج رأس أبي جهل ولتكن النتائج ما تكون. 


٠‏ والجاهلية العاتية يوم تتصور أن ماتنزل من الضربات في صفوف 
المسلمين لاهائهم. هي في الحقيقة تحفر قبرها بيديها. لأن جذوة الحق 
الخامدة في النفوس لا بد أن تتقد وتتهيج لنصرة هؤلاء الصادقين 
المستضعفين. وهذا ما وقع في حادث إسلام الحمزة» وقدرة الحركة الإسلامية 
على استغلال الحدث إعلامياً ودعائياً لها أثر خطير في تحويل المعركة لصالحها 
ضد الجاهلية. 


ومن حوادث الحركة الإسلامية المعاصرة تموذجان كبيران يدلان على 
تمرك هذا الحق في النفوس النموذج الأولء يوم حالت قوات الحكومة المصرية 
بين الناس وبين جنازة الإمام الشهيد حسن البنا في إرهاب مجرم عنيف. هذا 
الإرهاب الذي تجاوز الحد وطغى. حدا بزعيم القبط أنذاك أن يتحدى كل 
طغيان الحكومة ويخترق الصفوف وينضم لأهل الإمام الشهيد فيشارك معهم 
في تشييع الحنازةء وحفظ التاريخ ‏ لكرم عبيدء الزعيم الخصم ‏ هذا 
الصنيع . 


النموذج الثاني وهو الحدث الذي م يكن يقل عن إسلام ا حمزة 5 


AY 


عهد رسول الله كله وهو على أثر استشهاد البنا رحمه الله . كان الحدث هو 
جنون الغرب» وفرحه الطاغي باستشهاد هذا الرائد العظيم» حتى ليبيت القوم 
سكارى عرابيد فرحاً وطرباً في فنادق أمريكاء هذا التحدي الطاغي . 
والاستفزاز الرهيب لمشاعر الكاتب المصري ‏ سيد قطب - كان كفي أن 
يحول هذا الكاتب العادي إلى الصف الإسلامي الإإخواني» فيصبح داعية 
الإسلام العظيم في القرن العشرين» وينصر الله تعالى به هذا الدين. كا 
نصر هذا الدين بالحمزة من قبل. ويقضيان معا شهيدين على خط واحد. 
سيد الشهداء حمزة» ورجل قام إلى إمام جائر» أمره فنهاه فقتله 

إن طغيان الكفر وتبجحهء وتحديه للاسلام» قد يخرج من صفوف هذا 
الكفر القوة الي تحمي الإسلام» وتذود عن عرينه» بدافع العصبية أو غيرها. 
والحركة الإسلامية الواعية هي التي ترصد هذه المواقع بيقظة ووعي» وتستغل 
الحدث أروع استغلالء وتوظفه لصا حها بدل أن يكون المعول مدمهاء حتى 
لو سخر لإظهاره الإعلام الكافرء فليس المسلمون هم الذين أججوا جذوة 
الحمزةء إنما هي المولاة العادية مولاة ابن جدعان ‏ وقد أحسنت وصف 
المشهد. فقذفت' بنفس الحمزة المائجة إلى إذلال أبي جهل وتسربله بالدم» 
وكان من الممكن هذه الحذوة أن تنطفىء. لولا أن اتصلت بمعين النبوة. 
واستمدت من نوره» فبقيت مشعلا إسلامياً على مدار التاريخ. ونلاحظ 
كذلك حول إسلام عمر رضي الله عنه أولاً: تقييم رسول الله إلا 
للأشخاص والرجال. فقد كان دعاؤه ب يوم الخميس كا رواه الترمذي : 
(اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك عمر بن الخطاب أو 
عمرو بن هشام”'") . 


فبالرغم من الحرب العنيفة التي يشنها الرجلان على الإسلام. لم تكن 
تخفى على رسول الله ية مقومات الزعامة والقيادة فيهماء وأن وجود أحدهما 
في الصف الإسلامي يعني قوة هذا الصف واعتزازه» وإن وراء الكفر المتبجح 
قلوباً لم تصطدم بعد بتيار الإسلام العنيف. ولم تصل لما القوة الكهربية 


.84 عن مختصر السيرة لمحمد بن عبدالله بن عبد الوهاب إسلام عمر ص‎ )١( 


AY 


الضخمة. إنها حين تكون الصدمة قوية قد تغير الكيان كله. وهذا ماوقع في 
قدر الله ودفع إلى إسلام عظيم الرجال عمر بن الخطاب . 


ولا ننسى أبداً ذلك الحوار الذي جرى بين إحدى المسلمات المهاجرات 
مع زوجها. يقول نما عمر وهو على شركه: إنه الانطلاق يا أم عبد الله. 
تقول: نعم لقد آذيتمونا وقهرتمونا وأخرجتمونا من بلادناء فيقول ها: 
صحبتكم السلامة . ويأتي زوجها فتقص عليه مارأت من رقة عمر فيقول هما: 
أو تطمعين أن يسلم عمر؟. والله لن يسلم حتى يسلم حار الخطاب. ول 
يكن هذا اليأس القاتل ليسيطر على نفس هذا الصحابي لولا رؤيته الحرب 
العنيفة الشرسة التي يشنها عمر على الإسلام . 


ما أحوج الحركة الإسلامية إلى أن تحسن اصطفاء العظماءء وتكشف من 
وإمكاناتها لاختراق هذه الحجب حتى تمس أسلاك القلب الخامد الخافت» فإذا 
به يلبعث حياً بنور الإسلام» ينتفض مشرقاً بحلاوة الإيمان وروعته. 

ولعل خروج عمر رضي الله عنه - متوشحاً سيفه ‏ قاصداً فقتل رسول 
لله يكل كان ارا لخاله ‏ أبي جهل بن هشام ‏ الذي طعن في كبريائه من 
حمزة بن عبد المطلب - بطل بي هاشم فكيف يسكت على الضيم يلحق 
ببني خروم وحلفائهم بني عدي من بني عبد المطلب؟ ما الذي حطم هذه 
العصبية الكالحة الخائقة . 

لقد تحطمت على صلابة العقيدة من هذه المرأة العزلاء. فاطمة بث 
جرح أخته العزلاء من كل شيء. وهي تتحدى شخصه. وتېشم كبرياءه 
الطاغية قد تنهزم داخلياً وتتحطم وتنهار أمام ثبات المستضعفين على الحق» 
وجلاد وتضحية المجاهدين في سبيل الله. فلنتيقظ إلى هذا الجانب المهم. 
ونعرف كم تربح الدعوة ويربح الدعاة حين يثبتون على الحق» كا ثبت 


A4 


أصحاب عيسى بن مريم » حملوا على الخشب ونشروا بالمناشير» مادون لحمهم 
وعظامهم » ما صدهم ذلك عن دين الله. 


السمة العشرون 
إعلان التحدي ودور الشخصيات القيادية فيه 


ونلاحظ ثانياً ذلك التحدي الد صي للجاهلية من عمر رضي الله عنه 
في ذهابه اله أبي جهل وإعلانه إس. سه» وفي بحثه عن جميل بن معمر 
الجمحي أنقل قريش للخبر لينقل خبر إسلامه للناس وفي مواجهته الشركين 
وقد سال مهم الوادي يضرمهم ويشسربونه. 

إن هذه الشخصية الفذة لا تعرف الحلول الوسطى » ولا يناسبها. إلا 
المواجهة والمجاببة» وهذه هي فطرتها. ولكننا نخطىء كثيراً حين نقيس الناس 
جميعا بعمر» إن حادثة إسلام عمر فيها شخصية سعيد رضي الله عنه الذي 
كتم إسلامه عن قومه وهو من العشرة المبشرين» وفيها شخصية خباب رضي 
الله عنه الذي اختبأ عند سماعه صوت عمرء وهو من السابقين الأولين من 
المهاجرين. ولم يكن المسلمون يعيبون على خباب وسعيدء أو يتهموسم| 
بالجبن . 

فالإندفاع الأعمى وراء شخصية معيلة في الإسلام أو حادثة معينةء 
يعني الحكم الأهوج والاعوج على الناس. فليس كل الشخصيات الإسلامية 
عمر والحمزةء وليست كلها سعيد وخباب. والإسلام يقبل هذه النماذج 
جميعاً. وكل واحدة منها لها دورها ومسؤوليتها ورسالتها. 

إن الشخصية الوحيدة التي تصدت لعمر رضي الله عنه هي شخصية 
الحمزة التي كانت تملك من المؤهلات المكافئة لمواجهة التحدي من عمر. فلا 
غرو إذن أن يكون لما الدور الأكبر والحاسم في إنهاء مرحلة معينة وابتداء 
مرحلة جديدة. 


Ao 


وهذا ما نلاحظه ثالثاً. فعندما عرض على رسول الله 6 إعلان جهرية 
العبادة والقيام بتظاهرة علنية جماعية في مكة. ورأى رسول الله أن الظروف 
صفين على رأس أحدهما عمر وعلى راس الثاني الحمزة. وأعلنا ف مكة 
صوت الإإسلام الداوي , ودخلا الكعية بالمسلمسين. ومضى المسلمون 5 
صلاتهم ما بين قائم وراكع وساجد. ولم يكن الأمر عبارة عن حدث عارض. 
بل كان خطأ جديداً في تاريخ هذه الدعوة كا ذكر ابن مسعود رضي الله 
عله: «ما كنا نقدر أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم(١)‏ عمر» . وقول صهيب بن 
سان رضي الله عنه: دلا أسلم عمر ظهر الإسلام» ودعي إليه علانية» 
وجلسنا حول البيت حلقاء وطفنا بالبيت وانتصفنا من غلظط عليناء ورددنا 
عليه بعض ما باي يه0), وقول عبد الله بن مسعود: «ما زلنا أعزة منذ أن 
أسلم عمر ۳ 

وتشير النصوص - كا أسلفنا إلى أن هذه الخطوة الحاسمة. أعطت 
حرية الدعوة والعبادة للمسلمين جميعا. وعجر المشركون بعدها أن يحولوا دون 
العبادة والدعوة أن تظهر علانية لا تحاف في الله لومة لاثم . وكان إسلام عمر 
والحمزة منعطفاً جديداً من منعطفات الدعوة الاسلامية. 

إن إسلام الحمزة وعمر رضي الله عدب) هو بثابة القلاب عسكري في 
وقتنا الحاضر. تيء للدعوة الإ سلامية مناخحا جديدا للدعوة والعبادة , وهذه 
النقطة بحاجة إلى أن نقف عندها قليلا لنراعي المرحلية في هذا المنهج الخالد. 


إننا نجد ثورة عارمة من الشباب الإسلامي اليوم» لو أن انقلاباً 
عسكرياً قام وهيأ الحرية المتاحة للدعوة والعبادة. كمرحلة إلى الهدف النهائي - 
إقامة دولة الإسلام في الأرض. والحكم بشريعة الله عز وجل . 


)١(‏ د (۲) و(”) الرحيق المختوم للمباركفوري ص .١5١‏ نقلا عن مصادر متعددة في الحديث 
والسيرة ذكر تخرجها من قبل. 


كم 


لم يستطع الانقلاب الذي قام به حمزة وعمر رضي الله عن أن يحقق 
دولة الإسلام في الأرض. لقد بقيت الأصنام والأوثانء وبقي الخمر والزناء 
وبقيت معالم الجاهلية كاملة لم يزل منها معلم واحد. ومع ذلك اعتبر إسلامهه| 
فتحاً إسلامياء وعزة عظيمة. لأنه خطا بالدعوة من مرحلة الحوف 
والاضطهاد والتعذيب إلى مرحلة العلنية والحرية في العبادة والدعوة.» بل سمى 
عمر رضي الله عنه ‏ فاروقاً - من أجل ذلك. ٠‏ 


إن الشباب المتحمس اليوم يرو في هذه الخطوة تخاذلاً وتخلياً عن 
حاكمية الله في الأرض. حيث أنه يقدم الدماء اليوم للوصول إلى هذا 
المدف. بل يتهم قيادة الحركة الإسلامية بالتواطؤ » والجهل. والخيانة. لأا لم 
تحقق هذا الحدف. إقامة شريعة الله في الأرض. 


وحين تكون الظروف لا تيع أكثر من هذه الخطوة على الهمدف. لهيئة 
الجو الملائم لانتشار الدعوة» وانتصارها لتصل إلى الحكم النهائي. يتشنج 
بعض الشباب» ويثير الحرب على قيادته. بل يتهمها في ديا وعقيلتها. 


ما أحوجنا إلى أن نتأدب بأدب رسول الله َه وأدب سيرته» ونلحظ 
هذه المرحلية المتتالية للوصول إلى المدف النهائي: والمدف الغبائي مرتبط 
بالقوة والقدرة على تحقيقه. وليس جهلاً أو غباءً أو انحرافاً عن دين الله 
عز وجل . 

فقد تكون الحركة الإسلامية غير قادرة على إنهاء الجاهلية كلها من . 
جذورهاء بل تقتضي الظروف السياسية والاجتماعية والدولية أن يكون 
الوصول للحكم من خلال مؤسسات دستورية عن طريق الحرية 
والانتخابات. ولا تملك القوة العسكرية للمسلمين أكثر من حماية هذه 
الحرية. 

ل يقم المسلمون بعد إسلام عمر رضي الله عنه بتكسير الأصنام 


AY 


والأوثان. ول يقوموا بإحراق حانات الخمرء وم يقوموا بتدمبر مواخير الزناء 1 
يقوموا بشي ء من ذلك . غا قاموا بالدخول | إلى الكعبة والصلاة فیهاء وححقى 
التجمع حوهاء ودعوة الناس للاسلام» وكان هذا نصراً عظياً للإسلام 
وخطوة على الطريق للهدف الهاي . 


ما أحوج شبابنا أن يفقهوا هذه المعاني» وأن يتعلموا من سيرة الرسول 
يله الخطوات العملية والأهداف المرحلية للوصول ما إلى الهدف العظيمء 
حتى لا تكون فتئة ويكون الدين كله لله. غير أننا نلاحظ كذلك أن المسلمين 
لم يشتركوا في حكم مكة مع المشركين لأن الحكم مسؤولية. 


ولم يقبلوا الحلول الوسطى التي عرضت عليهم. لقد قاد هذا 
الانقلاب الأمور إلى زيادة في التميزء وزيادة في المقاصلة» وصار المسلمون 
قادرين على إعلان عباداتهم, وإعلان حقيقة مبادئهم للناس جميعاء بينما لم 
يكن لهم هذا الحق من قبل» وهذا يعني أن بعض الشباب المسلم لم يكن 
قادرا قبل إسلام عمر رضي الله عنه على إعلان هويته الإسلامية ومبادثه 
الإسلامية» واعتناقه الإسلام» وظفر بهذا الحق بعد ذلك. 


إنه ما لم يعلن أن الحركة الإسلامية أو الجحبهة الإسلامية. هي التي 
تمكم الأمة فلا ضير من أي مظهر سياسي يحقق مكاسب أكبر وأضخم هذه 
الحركة أو هذه الجبهة. إنها لم تصل بعد إلى الحكم. وبالتالي لا تحمل 
مسؤولية أي خطأ فيه. 


وفرق بين أن يعلن قادة انقلاب عسكري إسلامية الدولة» فهم 
مسؤولون عن هذا الإعلان. کا جرى اليوم مثلا في باكستان أو غيرهاء 
والمسؤولية على صدق هؤلاء ف ادعائهم أو كذبه ودعوتهم لفريق من الناس أو 
لكثير منم في ذلك» وبين أن يعلن أن الحركة الإإسلامية هي صاحية الحكم 
والمسؤولية عله » وبالتالي فسوف تحاسب على كل خطوة فيه» وسعيها الحثيث 
لجعله محل التطبيق الفعلي. 


لم 


السمة الحادية والعشرون 
ملاحقة العدو لتحمعات المسلمين وإحباط المسلمين هذه الملاحقة 


وظهر هذا جلياً في الوفد الذي أرسلته قريش للحبشة لملاحقة المسلمين 
هناك» وتقص علينا أم سلمة رضي الله عنها قصة هذه الملاحقة» حيث 
نقتطف منها بعض الفقرات: (لا نزلت أرض الحبشة جاورنا بها خير جارء 
النجاشي. أمنا على ديئناء وعبدنا الله تعالى لا نؤذى» ولا نسمع شیغاً 
نكرهه» فلا بلغ ذلك قريشاً اثتمروا بينهم أن يبعثوا إلى النجاشي فيئا رجلين 
منهم جلدين. وأن مدو للنجاشي هدايا ما يستطرف من متاع مكة. وكان 
من أعجب مايأتيه منها الأدم» فجمعوا له أدماً كثيرأء ولم يتركوا من بطارقته 
بطريقاً إلا أهدوا له هدية. ثم بعثوا بذلك عبد الله بن أبي ربيعة» 
وعمرو بن العاص. . . ثم إنهما قدما هداياهما إلى النجاشي فقبلها مناء ثم 
كلماه فقالا له: أيبا الملك. إنه قد ضوى إلى بلدك منا غلمان سفهاءء فارقوا 
دين قومهم» ولم يدخلوا في دينك» وجاؤوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا 
أنت» وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من ابائهم وأعمامهم وعشيرتهم. 
لتردهم إليهم» فهم أعلى بهم عينأء وأعلم با عابوا عليهم وعاتبوهم فيه. 
قالت: ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله بن أي ربيعة وعمرو بن العاص من أن 
يسمع كلامهم النجاشي . فقالت بطارقته حوله: صدقا أا الملك قومهم أعلى 
بهم عينء وأعلم با عابوا عليهم. فأسلمهم إليها فليرداهم إلى بلادهم 
وقومهم . فغضب النجاشي ثم قال: لاها الله إذن لا أسلمهم إليها ولا يكاد 
قوم جاوروني» ونزلوا بلادي» واختاروني على من سواي» حتى أدعوهم 
فأسألهم عا يقول هذان في أمرهم» فإن كانوا كما يقولون أسلمتهم إليهاء 
ورددتهم إلى قومهمء وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهماء وأحسنت 
جوارهم ماجاوروني. قالت: ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله و 
فدعاهم. فلا جاءهم رسوله اجتمعوا ثم قال بعضهم لبعض؛ ما تقولون 
للرجل إذا جتتموه؟ قالوا: نقول والله ماعلمناء وما أمرنا به نبينا كل كائناً في 


۸۹ 


ذلك ما هو كائن» فلا جاؤواء وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم 
حوله» سألهم فقال هم : ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا به 
في ديني ولا دين أحد من هذه الملل؟ فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب» 
فقال له: 


أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية» نعبد الأصنام» ونأكل الميتة» وناق 
الفواحش» ونقطع الأرحامء ونسيء الجوارء ويأكل القوي منا الضعيف› 
فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا مناء نعرف نسبه وصدقه» وأمانته 
وعفافه. فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده» ونخلع ماكنا نعبد من دونه» من 
الحجارة والأوثانء وأمرنا بصدق الحديث» وأداء الأمانة» وصلة الرحمء 
وحسن الجوار» والكف عن المحارم والدماءء ونهانا عن الفواحش» .وقول 
الزور» وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات. وأمرنا أن تعبد الله وحده لا 
نشرك به شيئاء وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام - قالت: فعدد عليه أمور 
الإسلام - فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به من الله » فعبدنا الله وحده 
فلم نشرك به شيثاء وحرمنا ما حرّم عليناء وأحللنا ما أحلّ لنا. 


فعدا علينا قومناء فعذبونا وفتنونا عن دينناء ليردونا إلى عبادة الأوثان 
من عبادة الله تعالى» وأن نستحل ماكنا نستحل من الخبائث. فلا قهرونا 
وظلمونا وضيقوا عليناء وحالوا بيئنا وبين دينناء خرجنا إلى بلادك. واخترناك 
على سواك» ورغبنا في جوارك» ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك . 


فقال له النجاشي : هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ 

فقال له جعفر: نعم. فقال له النجاشي : فاقرأه عل فقرأ عليه صدراً 
من (كهيعص) فبكى والله النجاشي حتى احضلت لحيته. وبکت أساقفته حتى 
اخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ماتلا عليهم! ثم قال لهم النجاشي : إن هذا 
والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة! انطلقا. فوالله لا أسلمهم 
إليكا ولا يكادون. 

قالت: فليا حرجا من عنده قال عمرو بن العاص: والله لآتينه غداً با 


۹ ٠ 


أستأصل به خضراءهم! فقال له عبد الله بن أبي ربيعة ‏ وكان أتقى الرجلين 
فينا لا تفعل فإن لهم أرحاماً وإن كانوا قد خالفونا. قال: والله لأخبرنه أنهم 

يزعمون أن عيسى بن مريم عبد! ثم غدا عليه من الغد فقال له: بها املك 
21 يقولون في عيسى بن مريم فول عظياًء فأرسل إليهم فسلهم عما يقولون 


فأرسل إليهم ليسأهم عنه. قالت: ولم ينزل بنا مثلها قط. فاجتمع 
القوم ثم قال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في عيسى بن مريم إذا سألكم 
عنه؟. قالوا نقول والله ما قال الله . وما جاءنا به نبيناء كائنا في ذلك ماهو 
كائن ! 

فليا دخلوا عليه قال مم: ماذا تقولون في عيسى بن مريم؟ فقال 
جعفر بن أبي طالب: نقول فيه الذي جاء به نبينا اء يقول: هو عبد الله 
ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول. 


فضرب النجاشي بيده إلى الأرض فاأخذ منها عوداًء ثم قال: والله 
اذهبوا فانتم شيوم ) بأرضي : من سبكم غرم» من بی غرم» ما أحب أن لي 
دبرا من ذهب وإني آذيت رجلا منكم! ردوا عليه| هداياهما فلا حاجة لي 


قالت: فخرجا من عنده مقبوحین» مردوداً عليهها ما جاءا به. وأقمنا 
عنده بخير دار مع خير جار. 

قالت: فوالله إنا لعلى ذلك إذ نزل به رجل من الحبشة ينازعه في 
ملكه. فوالله ما علمنا حزناً حزنا قط. كان أشد علینا من حزن حزناه عند 
ذلك. تخوفاً أن يظهر ذلك الرجل على النجاشي فيأي رجل لا يعرف من 
حقنا ما كان النجاشي يعرف منه» وسار إليه النجاشي وبينهها عرض النيل» 
فقال أصحاب رسول الله : من رجل يخرج حتى يحضر وقيعة القوم؛ ثم 
يأتينا بالخبر؟ فقال الزبيرين العوام: أنا. قالوا: فأنت. وكان من أحدث 


1١ 


القوم سئاً. فنفخوا لد قربة فجعلها في صدره» ثم سبح عليها حتى حرج إلى 
ناحية النيل التي بها ملتقى القوم» ثم انطلق حتى حضرهم قالت: فدعونا الله 
للنجاشي بالظهور على عدوه. والتمكين له 5 بلاده» فوالله إنا لعلى ذلك 
متوقعون لما هو كائن» إذ طلع الزبير وهو يسعى» فلمع بثوبه وهو يقول: ألا 
أبشروا فقد ظفر النجاشي ! . وأهلك الله عدو ومکن له ف بلادى 
واستوسق عليه أمر الحبشة: وكنا عنده في خير منزل. حتى قدمنا على رسول 
الله للا وهو بمكة)0(١2.‏ 


إنها وثيقة قدمتها لنا أم سلمة من أنفس الوثائق في فن مخاطبة الملوك, 
والحوار معهم ودحض شبه الأعداء وكشف مخططاتهم . وسنعالج من خلال 
هذه الوثيقة سمات عدة إضافة إلى السمة الأساسية فيها ألا وهي - ملاحقة 
تجمعات المسلمين من العدوء واحباط هذه المخططات من المسلمين. 


ولعل المشركين عندما ووجهوا بالنكسة الخطيرة التي حلت بهم من جراء 
إسلام عمر والحمزة رضي الله عنهها فكروا في ضرب هذا التجمع الإسلامي 
الضخم في الحبشة. وانطلاقاً من معلومات السيرة النبوية يلاحظ أن التجمع 
لإسلامي في امنا عند إسلام عمر رضي الله عنه كان ضعف التجمع 
الإسلامي في مكة. فتذكر الروايات أن عدد المسلمين في مكة يوم أسلم عمر 
رضي الله عنه لم يكن يتجاوز الأربعين. بینها كان عددهم في الحبشة ‏ کا 
تذكر الروايات - ثلاثة وثمانين رجا وتسع عشرة امرأة. ف فمن الطبيعي إذن أن 
تخطط قيادة مكة للإطاحة بهذا التجمع الخطير في الحبشة» > صحيح أنه بعيد 
عنهاء ولكن نموه يشكل خطراً على مكة. في أي وقت تعود فيه هذه الجالية 
إلى مكة وتمارس نشاطها ودعوتهاء خاصة إذا استطاعت هذه الحالية الكبيرة 
أن تدخل الأحباش في الإسلام أو تقنع النجاشي بمهاجمة قريش. ولا تزال 
ذكرى عام الفيل وغزو الأحباش للكعبة عالقة في أذهاءهم. ومن أجل هذا 
احكمت الخطة من كل جانب لاسترجاع المسلمين من هناك» وكان وجود 
ثلاثة عناصر أساسية كافية لنجاح الخطة . 


)١(‏ تهذيب السيرة لابن هشام من “ا لالا. 


۹۲ 


الأول: هو الكميات الضخمة من الجحلود التي حملها الوفد هدايا معه 
لكل جهاز الحكم في الحبشة. 

الثاني : اختيار الوفد على أرفع المستويات في مكة من حيث الحكمة 
والحنكة والدهاء والذكاء. 

الثالث: الصداقة الوثيقة بين عمروبن العاص أحد أعضاء الوفدي 
والنجاشي ملك الحبشة . 


وحين يراجع المرء الخخطة التي شارك ذكاء عمرو بن العاص في وضعها 
لا يشك لحظة في نجاحهاء ويكفي أن نعلم أن عمرو هو الذي كان داهية 
المسلمين فيا بعدء وهو الذي أطلق عليه الفاروق عمر رضي الله عنه 
- أرطبون العرب - 5 مواجهة داهية الروم الأرطبون. وأهم عتصر ف هله 
الخطة هو تسليم الحدايا لجهاز الحكم الحبشي كله قبل تسليمها للنجاشي 
نفسهء والمدف المقصود من ذلك هر ما ذكر في التص نفسه «فإذا كلمنا املك . 
نهم تتثيريا علي بأن يسامهم إلا ولا يكلمهمء فإن قو مهم أعلى بهم عينا 


إننا ونحن نتحدث عن هذه المطاردة» يمثل في ذهننا محاولات الطاغية 
الحاقد اللصيري في سوريا في مطاردة المجاهدين المسلمين في الأردن والعراق 
والسعودية وغيرها» ونذكر الخطط الجهنمية الرهيبة التي تدرس على المستوى 
المحلى والعالمى للضغط على الحكومات المضيفة للمجاهدين المسلمين كى 
تسلمهم إلى الطواغيت. وكم من المرات جاءت الوفود إثر الوفود كي 
تستأصل الوجود الإسلامي من هذه الأقطار» وباءت بالفشل / يع بعد 97 
ونفئذدت الخطة تماماً كا أعدت», وقام البطارقة بدورهم على خير وجه كلفوا به 
من قريش وكان حديث الوفد القرشي ف أعلى مستويات الذكاء. فقد جعلوا 
المسلمين على دين مرفوض من الفريقين» وبمعنى آخر هو خطر على الفريقين. 
کیا حاولوا أن يستفزوا مشاعر النجاشي في عدم دخول المسلمين في دينه» 
وأظهروا حرصهم الشديد على مصلحة الحبشة والنجاشيى. وآخر مع من 
المعاني الي ركز عليها الوفد القرشي هو أن قومهم وأشراة فهم أعلم بهم 


r 


وهو معنى هام حر صوا عليه » وذلك حتى لا يجشموا النجاشي عناء السماع 

الشيء الوحيد الذي حال دون تنفيذ الخطة وأفسدها على المشركين هو 
عظمة النجاشي » وأصالة عنصرة وطيب تدده يوم رفض - رغم قرار 
مستشاريه من البطارقة - الحكم والتسليم قبل أن يسمع من المسلمين. 

ما أحوجنا ونحن نعمل في الحركة الإسلامية أن نعرف أقدار الرجال 
وموازينهم . إن بعض الكفار قل يفيضهم الله تعالى ليكونوا حماة للاسلام» 
وبعضهم قديكوئون على الحياد. وبعضهم يعملودٍ لاستئصال شأفة الإسلام» 
فهل يجوز للمسلمين أن يعاملوهم جميعاً على مستویٌ واحد؟؟ 

ام لو فعلوا ذلك لكانوا إما أغبياء مجهلاء . أو غادرين لؤماء» وكلا 
هدين الموقفين يبرؤ منها العنصر الإسلامي الأصيل . وهذا ماسنراه من 
خلال الحديث عن الجوانب الأخرى في هذه الوثيقة . 


السمة الثانية والعشرون 
عبقرية الوفد الإسلامي في حوار الملوك 


لقد كانت هذه الجالية الإسلامية من الكفاءة والعبقرية ما جعلها تحطم 
كل أحابيل الأعداء» وفيهم عمرو بن العاص داهية العرب قاطبة. 

لقد كان الصف الإإسلامي ف الحبشة يمثاز أول ما تاز بالحب والمودة 
والثقة بين أفراده وكانت الميزة الثانية فيه لحوءه إلى الشورى. فلا جاءهم 
رسوله اجتمعوا ثم قال بعضهم لبعض . .  .‏ فلا يقطع أحد منهم برأي ولا 
ينفرد فيه عن أنحيه . 

وكانت الميزة الثالثة فيه تقديرهم للكفاءات والطاقات» فاختاروا رجلا 
منهم ليكون الناطق الرسمي بهم حيث ووجه جعفر رضي الله عنه بالسؤال 
الأرل عن هذا الدين. 


۹4 


لقد استطاع جعفر رضي الله عنه أن يقدم الإسلام بصورة فريدة قاع 
نجد لها نظيراً في التاريخ. وذلك على أربعة خحطوط عامة: 

الخط الأول: وقد عرض فيه كل مساوىء الجاهلية وعوراتها وقذرها 
بحيث أصبح هذا الدين الذي يدين به وفد قريش تتقزز منه كل نفس 
بشرية. وكانت هذه الجولة الأولى التي هدم بها الركن الركين الذي يفيء إليه 
عمرو بن العاص وصاحبه. 


ثم انتقل إلى الخط الثاني فعرض فيه في كلمات جامعة مانعة قواعد 
الإسلام العامة وأسسه التي تستهوي كل حصيف عاقل بله ملك حكيم 

لقد كانت الفرصة مواتية لجعفر كي ينقلب داعية إلى هذا الدين» بعد 
أن كان الهدف سياسياً بحتاً هو المحافظة على الوجود الإسلامي في الحبشة. 
وبذلك كسب الجحولة الثانية في تقريب نفس النجاشي إلى الإسلام . 


ثم انتقل إلى الخط الثالث فعرض فيه الظلم الماحق الذي نزل 
بالمسلمين نتيجة تمسكهم بهذا الدين وأبرز وضع المسلمين في ضورة قديسين 
وحواريين. تنزل بهم ضربات المجرمين الوثنيين وهذه الصورة ذات أثر ساحر 
في نفس النصارى الذين يعيشون مفهوم التضحية والفداء. بل حوروا دينهم 
إلى صور من المثالية والرهبانية التي ابتدعوها ابتغاء رضوان الله ما كتبها الله 
عليهم» وما رعوها حق رعايتها. وبذلك» كسب الجحولة الثالثة في كسب قلب 
النجاشي بعد أن كسب عقله. 

ويكاد الذي يسمع هذا الكلام یری أن فوجاً جديداً من الحواريين قد 
حشر بين يدي ملك الأحباش. كا أظهر في الوقت نفسه قريشاً في هيئة 
الطاغية المتجبرة حتى لينفر الملك في قلبه منهم بعد أن نفر منهم في عقله. 

ثم انتقل إلى الخط الرابع في الثناء الحصيف المتزن على الملكء الذي لا 
يحمل المبالغة الكاذبة ولا التجاهل المهين» بل وضعه في صورة الأمل والملاذ 
هؤلاء المستضعفين. وبذلك كسب الجولة الرابعةء وجعل آخر حديثه يدور 


4 


حول المحور النفسي وإثارة الشهامة والرجولة في نفس الملك. 
كان من الطبيعي بعد هذه العبقرية في العرض» والفذاذة في الأسلوب» 
أن ينهزم عمرو بن العاص وصاحبه هزية منكرة. 
إن كل النقاط التي أثيرت عن الإسلام هي نقاط التقاء بين النصرانية 
والإسلام» بين أغفلت لحد ما نقاط الخلاف. والدبلوماسي والسياسي المسلم 
هو أحوج ما يكون ليفقه هذه الدروس في المفاوضات. وهي خخطوط عامة في 
أي لقاء أو حوار مع أية جهة أو قيادة سياسية على مستوى القمة. 
١‏ تفنيد عيوب الجاهلية التي تعادي نظام الجهة المفاوضةء أو لا تتبنى وجهة 
نظرها على الأقل . 
۲ عرض البادىء والأسس العامة للاسلام التي يقوم عليها البناء بعد هدم 
المفاهيم الجاهلية السابقة . 
٣‏ عرض جوانب الظلم والاضطهاد التي يعانيها حملة المبادىء من الطواغيت 
والظالمين. 
4 -عرض الأمل الكبير المنوط بالجهة المفاوضة في رفع هذا الظلم والحيف في 
' ثناء حصيف متزن , 
هإغفال نقاط الخلاف والإثارة التي يكن أن تفسد الحو بين السياسي 
المسلم. والجهة المفاوضة. ثم كان ختام المفاوضات في تلاوة صدر سورة 
مريم بطلب من النجاشي أن يستمع إلى شيء مما جاء به رسول الله 
¥ . ولا شيء أحب على قلب النجاشي من أن يسمع صدر سورة مريم 
العذراء الطاهرة البتولء وأصدر حكمه النبائى بعد هذا كله: «إن هذا 
والذي جاء به عيسى من مشكاة واحدة». ْ 
إن وفداً يستطيع أن يبكي ملكا أو رئيساً ويبكي معه كل أعضاء وفده 
عن صدق وقناعة هو أعلى وف يلجح في مهمته. بعد أن كانت البداية 
هي تعرضه للطرد والابعاد من بلد هذا الملك. كم هذا الوفد على 
مستوی من الكفاءة والعبقرية» أن يكسب عقائدياً بعد أن كسب 
سياسياًء ويضم الملك إلى الإسلام؟؟؟ . 


4 


السمة الثالثة والعشرون 
لا مساومة على العقيدة 


لقد هزم عمرو في الجولة الأولى شر هزية» ولكنه عمروء فأين دهاؤه, 
وهو الذي حفظ عنه التاريخ في كلمته التاريخية فيا بعد في تحديد مستويات 
الدهاة المسلمين. معاوية للمعضلة. وعمرو للبديبة.» ولمغيرة لكل صغيرة 
وكبيرة. ولقد قدمت الفكرة عنده منذ الوهلة الأولى» وبينها لإلحاق شر هزية 
منكرة بالمسلمين 'عبر عنها بقوله لصاحبه: والله لأتينه غداً بما أستاصل به 
' خضراءهم . 


حتى لنستمع إلى مشاعر أم المؤمنين رضي الله عا من الغيظ على 
عمروء وحفظ الجميل لصاحبه ابن أبي ربيعة ‏ وكان أتقى الرجلين فينا- إن 
نقطة الخلاف التي تحاشاها المسلمون بذكائهم 0 هي التي أثارها عمرو 
عليهم حرباً ضروساً ها أوار. لقد بيتها هم | لى اليوم الثاني حيث قابل 
النجاشي بقوله: - إنهم يقولون في عيسى قول؟ عظياً. 


إن عمرو قد خطط أن يفتك بهم بنفس السلاح الذي هزموه فيه 
بالحديث عن مریم وعيسى بن مریم . وکانت المحنة الجديدة أمام المسلمين» 
حيث لا مفر لهم من قول الحقيقة التي تحاشوا ذكرها من قبل» م تعد تجدي 
العبقرية هنا لأننا أمام أصحاب مبادىء لا تجار سياسة. لأننا أمام دعاة إلى 
اللهء وليس مع دجالين نهازين للفرص حتى يصلوا إلى الحكم» وهنا تقف 
حدود السياسي على عتبة الداعية » وهذا ما قرره الدعاة المسلمون بعل كل 
المكاسب التي حققوها. نهم أمام واقع قل يفقدهم کل هذه المكاسب» والتي 
منها إسلام النجاشي» والتي منها حرية الدعوة. بل قد يؤدي إلى التنكيل بهم 
والقضاء عليهم. وتسليمهم .إلى عدوهم . 


كيف يتصرف السياسي المسلم أمام هذه الموازنات؟ أمام هذه الخيارات 


۹۷ 


الصعبة؟ أن يجد كل ما بناه منهاراً في لحظة واحدة. أو يجد الدولة التي يريدها 
على وشك أن تقوم. ثم يطلب منه أن يضحي بهذا كله من أجل حقيقة 
عقيدية واحدة. أبداً إما السياسي » وإما المسلم. فلا حيار عندها له إلا 
الإسلام. انتهى دور العبقرية ول يكن من بد بد إلا إعلان العقيدة ولو كانت 
تفيظ الكثيرين أو تقضي على كل ما حققه المسلمون من مكاسب. قالوا وبلا 
حلاف : هر عبد الله ورسوله وروسحه» وكلمته ألقاها إلى مریم العذراء 
البتول. لقد حصرهم دهاء عمرو في عبودية عيسى» فلا مناص لهم من أن 
يقولوا الحقيقة. ولكن شرف الكلمة» وعظمة التمسك في المبدأ يكون لما من 
السحر الحلال أحياناً ما يفوق كل دهاقنة السياسة وعباقرة الدبلوماسيةء وهذا 
الذي كان. ‏ والله ماعدا عيسى بن مريم نما قلت هذا العود ‏ ولئن فشل 
عمرو في تغيير قلب النجاشي» فلم يفشل في تغيير قلب بطارقته. ونخروا 
أمام هذه التصريحات» غير أن النجاشي زاد إصراراً على موقفه. ‏ وإن نخرتم 
والله» اذهبوا فانتم شيوم (امنون) بأرضي » من سبكم غرم) من سبكم غرم | 
ما أحب أن 34 دبرا (جباڈ) من ذهب وأني آذیت رجا منكم . وانتهى الأمر 
بتوتر العللاقات بين النجاشي وصاحبه عمرو حی ليأمر بإعادة الهدايا كلها 
إليهم . وإنبا لتعني في مفهومنا المعاصر على أقل تقدير» قطع العلاقات 


السمة الرابعة والعشرون 
إثارة الحرب ف صف حلفاء المسلمين» وفشل هذه المكيدة بالحزم 
والسرية 


لم يغادر عمرو الحبشة ‏ رغم هزيته التكراء ‏ إلا وقد وضع بذور 
مؤيد لرسول الله ية والوجود الإسلامي وعلى رأسه النجاشي. وفريق. 


۹۸ 


معارض - أو بتعبير أدق - للوجود الإإسلامي 5 الحبشة وعلى رأسه مغامر 
حديدك أو قائد انقلاب. ومن خلفه البطارقة الذين دفنوا غيظهم مؤقتاً عل 
المسلمين. ثم ساندوا هذا المغامرء وألبوا الجو ضد النجاشي حتى قامت 
الثورة عليه 

وهنا تطالعنا معانٍ عديدة يجدر الوقوف عندهاء ونحن ننبل من معين 
هذا الممبج تطالعنا مشاعر المسلمين كا تقول آم سلمة ة رضي الله عنها: - فوالله 
ما علمنا حزنا حزناً قط كان أشد علينا من حزن حزناه عند ذلك. ثم كيف 
عاشوا على أعصابهم مراحل الحرب كاملة يرصدونها بيقظة وحذر. ويحمل 
الفقى الزبير- الذي لا يلفت ' الأنظار لصغر سنه » مسؤولية مراقبة الحرب 
والمعركة حيث يغامر سابحاً إلى الطرف الآخر من الغهرء وحين يتم النصر لا 
يتمالك أن يلوح بثوبه من بعيد فرحاً بظفر هذا الكافر - ظاهراً على الأقل - 
على عدو يريد إبادتهم من الوجود. 
جعفر بن محمد عن أبيه قال: اجتمعت الحيشة فقالوا للنجاشي : إنك فارقت 
ديئنا وخرجوا عليه سل إلى > جعفر وأصحابه فهيأ 0 سفنا وقال : اركبوا 
محمداً عله ه ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إل . مريم. ثم 7 5 قائه ء عند 
المنكب الأيمن وخرج إلى الحبشة وصغوا له فقال: يأ معشر الحبشة ألست أحق 
الدناس بكم؟ قالوا: بى . قال: وكيف رأيتم سيرتي فيكم ؟ قالوا حبر سيرة . 
قال: فا بالكم؟ قالوا: فارقت ديئنا وزعمت أن عيسى عبد. قال: فا 
تقولون أنتم في عيسى؟ قالوا: نقول هو ابن الله . فقال النجاشي ووضع يده 
على صدره على قبائهه هو يشهد أن عيسى بن مریم لم يزد على هذا شيئاء 
وإنما يعني ما كتباء فرضوا وانصرفواء فبلغ ذلك النبي و فلا مات 


.۸۷ تهبذيب مختصر السيرة لابن محمد بن عبد الوهاب ص‎ )١( 


۹۹ 


فلقد كان من الممكن أن يفقد المسلمون أكبر مركز استراتيجي لحم 
بعزل النجاشي أو قتله. وكان النجاشي يدرك هذا المعنىء فأقدم بحصافته في 
بداية الأمر على تهيئة السفن للمسلمين لانم هم المقصودون في الأصل. فلو 
انتصر خصومه فلن تطال يدهم المسلمونء وإن ظفر هو فالأمن والأمان 
للمسلمين. وكان التصرف الثاني درساً للمسلمين» فالنجاشي لم يعلن إسلامه 
بعدء ومن الممكن أن تبقى شخصية سرية غير معروفة بإسلامها ليؤمن الحماية 
للمسلمين» ونحن بحاجة إلى أن نقارن بين الموقفين» إن جعفر لم يقف هذا 
الموقف» ووقفه النجاشي لاذا أبيح للنجاشي : ذلك. وم يبح لجعفرء رغم أن 
كلا الشخصين مسلمان . 


أما جعفر فهر الذي يمثل الإإسلام والمسلمين» ومن خلاله يعرف 
الإسلام وتعرف عقائده. فلا مجال للغمغمة والتخفية, لأن هذا يعني طمس 
عقيدة الإسلام في نفوس الناس. 


أما النجاشي فلا يعرف الإسلام بشخصه» ولا يعرف من حلاله ء بل 
هو فرد عادي» الأصل أنه نصراني لا مسلم. فاقتضت المصلحة السياسية أن 
يبقى حافظاً على سریته» ولا في اللحظة الحاسمة إلى التورية والإخحفاءء 
وبقي في ذهن شعبه نصرانياً فالحدت الثورة عليه. هذا الموقف هو الذي يمكن 
أن نسميه تغطية سياسية لأي جهاد | إسلامي . فلو أن ضباطا في جيش يحملون 
في السر انتهاء إسلامياً لحركة مجاهدة» فليس بالضرورة أن يكشف عن 
هويتهم. ويعلن إسلامهم طالما أن في إخفاء شخصيتهم مصلحة للاسلام 
والمسلمين. 


إن شخصية النجاشي» وشخصية العباس» . وشخصية نعيم بن مسعود» 
هي تماذج إسلامية محتذاة للحركة الإسلامية ومن خلال أدوارها التي تؤديباء 
يمكن تحقيق حماية أو نصر أو تمكين للمسلمين في الأرض دون حرج تحمله 
الحركة الإسلامية أو تحمل أوزاره. 


e 


السمة الخامسة والعشرون 
المفاوضات المباشرة بين رسول الله بيا وقريش ‏ الحلول السلمية 


وقد أخحذت طابعاً فردياً» وطابعاً جماعيا : 


أما الطابع الفردي : فقد تم على يد زعيمين يمثلان قوة قريش المتكافئة. 
الأول لوليد بن المغيرة زعيم بني مخزوم وحلفائها. وأما الثاني فعتبة بن ربيعة 
زعيم بني أمية وحلفائها. ولندع الطابع الفردي لنقف مع الخطوط العامة 
للمفاوضات التي تمت بين قيادة قريش» وبين رسول الله 4ل . (ثم إن أشراف, 
قريش من كل قبيلة وهم عتبة بن ربيعة» وشيبة بن ربيعة» وأبو سفيان بن 
حرب» والنضر بن الحارث» وأبو البختري بن هشام » والأسود بن ع المطلب» 
وزمعة بن الأسودء والوليد بن المغيرة» وأبو جهل بن هشام» وعبد الله بن أي 
أمية › والعاصي بن واثل» ونبيه ومنبه ابنا الحجاج السهميان وأمية بن خلف 
ومن اجتمع إليهم؛ قال: اجتمعوا عند غروب الشمس عند ظهر الكعبة» ثم 
قال بعضهم لبعض» ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه 
فبعثوا إليه: إن أشراف قومك قد اجتمعوا إليك ليكلموك فأتهم ‏ فجاءهم 
رسول اللا ان قد ا وكان عليهم 
حريصاً يحب رشدهم» ويعز عليه عنتهم» حتى + جلس إليهم. > فقالوا: 


يا محمد إنا وقد بعثنا إليك لنكلمك. وإنا والله لا نعلم رجلا من 
العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك» لتقد سبيت الاباء» وعبت 
الدين» وشتمت الالحة. وسفهت الأحلام» وفرقت الجماعة فا بقي من قبيح 
إلا قد جثته فيا بيننا وبينك - أو كا قالوا له وإن كنت إنما جئت بهذا 
الحديث تطلب به مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالأء وإن كنت 
تطلب به الشرف فينا فنحن نسوّدك عليناء وإن كنت تريد ملكا ملكناك» وإن 
كان الذي يأتيك رثا تراه قد غلب عليك ‏ وكانوا يسمون التابع من الجن 


٠١١ 


رثياً - فربما كان ذلك بذلنا أموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منه أو نعذر 
فقال لهم رسول الله كلِِ: مابي ماتقولون. ماجئت با جئتكم به 
أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم. ولا الملك عليكم , ولكن الله بعثني إليكم 
رسولاء وأنزل عل كتاباً. وأمرني أن أكون بشيراً ونذيراً: فبلغتكم رسالات 
ري» ونصحت لكم. فإن تقبلوا مني ماجئتكم به فهو حظكم في الدنيا 
رة وإن تردوه عل أصبر لأمر الله حتى يحكم بيني وبينكم - أو کا 
قال, . قالوا: يا محمد فإن كنت غير قابل منا شيا مما عرضناه عليك» فإنك 
ل لصتا أله ل من الئاس امد أي بلق ولا أقل ماعى ولا أشد عيشاً 
مناء فاسأل ربك الذي بعثك با بعثك به فليسير عنا هذه الجبال التي قد 
ضيقت عليناء وليسط لنا بلادناء وليفجر لنا فيها أنماراً كأنبار الشام 
والعراق» وليبعث من مضى من آبائناء وليكن فيمن يبعث لنا قصي بن كلاب 
فإنه كان شيخ صدق فسأله عا تقول أحق هو أم باطل؟ فإن صدقوك 
وصنعت ما سألناك صدقناك. وعرفا به منزلتك من اللهء وأنه بعثك رسولا 
كبا تقول. فقال لهم رسول الله ب : ما بهذا بعثت إليكم» وإنما جئتكم من 
الله بما بعثني بهء وقد بلغتكم ما أرسلت به إليكم. فإن تقبلوه فهو حظكم في 
الدنيا والآخرةء وإن تردوه علي فأصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم . 


قالوا: فإذا لم تفعل هذا فخذ لنفسك: سل ربك أن يبعث معك ملكا 
يصدقك با تقول ويراجعنا عنك» وأما لا فليجعل لك جنانا وقصورا وکنوزاً 
من ذهب وفضة يغنيك مها عنما نراك تبتغي › فإنك تقوم في الأسواق تلمس 
المعاش كا نلتمس حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك إن كنت رسولاً كا 
تزعم . 


فقال لهم رسول الله كك : : ما أنا بفاعل. وما آنا بالذي يسأل ربهء 
ولكن الله بعثنى بشيراً ونذيرا ۔ .أو كنا قال فإن تقبلوا ما جتتكم به فهو 


۲ 


حظكم في الدنيا والاخرة وإث تردوه علي أصبر لأمر الله حق يحكم الله بيي 


وبيلكم . 
قالوا: فأسقط السماء علينا كسفاً كما زعمت أن ربك إن شاء فعل. 


قالوا: يا محمد فا علم ربك أنا سنجلس معك ونسألك عا سألناك 
عنه» ونطلب منك ما نطلب» فيتقدم إليك فيعلمك با تراجعنا به ويخبرك با 
هو في ذلك بنا إذ لم نقبل منك ماجثتنا به» إنه قد بلغنا إنما يعلمك هذا 
رجل باليمامة يقال له الرحمن» وإنا والله لا نؤمن بالرحمن أبداً. فقد أعذرنا 
إليك يا محمد وإنا والله لا نتركك وما بلغت منا حتى نهلكك أو تهلكنا. 

وقال قائلهم : نحن نعبد الملائكة وهي بئات الله . 

وقال قائلهم : لن نؤمن لك حتى تأتينا بالله والملائكة قبيلا. 

فلا قالوا ذلك لرسول الله كلك قام عنهم وقام معه عبد الله بن أبي 
أمية بن امغيرة ‏ وهو ابن عمته عاتكة بد عبد الط فقال له: يا عمد 
عرض عليك قومك ماعرضوا فلم تقبله منهم. ثم سألوك لأنفسهم أموراً 
ليعرفوا بها منزلتك عند الله كا تقول ويصدقوك ويتبعوك فلم تفعل» م 
سألوك أن تأخذ لنفسك ما يعرفون به فضلك ومنزلتك من الله فلم تفعل» ثم 
سألوك أن تجعل لحم بعض ما تخوفهم من العذاب فلم تفعل او کا قال لل 
فوالله لا أؤمن ع بك أبداً حتى تتخل سلا إلى الساء ء ثم ترفى فيه وأنا أنظر 
إليك حتى تأتيها ثم تأني معك بصك معه أربعة من الملائكة يشهدون لك 
أنك كا تقول. وأيم الله لو فعلت ذلك ماظنئت أني أصدقك» ثم انصرف 
عن رسول الله » وانصرف إلى أهله حزيئاً آسفاً لا فاته ما كان طمع به من 
قومه حين دعوه"“ . 


. ٠١۲-١٠١١۱ مختصر السيرة ص‎ )١( 


لعل هذا النص هو من أجمع النصوص التي طرحت القضايا الكبرى 
التي تم التفاورض عليها بين فيادة مكة وبين رسول الله يلا . خاصة وأن 
الذين اشتركوا في المفاوضات يمثلون كل زعامة مكة وقياداتها بلا استثناء. 
فالمطالب تمثل إجماعاً من هذه القيادة» وتمثل وجهة نظرهم» وإن المرء ليأسى 
أن يجد هذا التفكير وقد انعقد عليه إجماعهم. وإن تلخيص عبد الله بن أي 
أمية هذه القضايا هو الذي نعتمده للمناقشة : 

أو : الأمور العامة, المال والسيادة والملك. 

ول يلجأ إليها القرشيون إلا بعد أن سدت عليهم المنافذ بإسلام عمر 
والحمزة رضي الله عنها ووجدوا حطر المسلمين قد استفحل» وأصبح 
المسلمون يدعسون لله جهاراء ويعبدون الله جهاراً. فعقد هذا e‏ 
الاستئنائي ‏ إن صح التعبير- لإنهاء المشكلة مع محمد رسول الله إلا 
وأرسلوا وراءه ليحضر. 

إن العدو عندما يشتد عليه الضغط والإكراه يلجا إلى العروض المغرية 
أما في الأحوال العادية فلا يعباً بالدعاة والدعوة. بل يستعمل أسلوب 
الاستهزاء والسخرية والإيذاء. ولقد فشلت هذه المحاولات جميعاً: وتقدم المد 
الإسلامي بدخول أضخم شخصيتين في صف محمد رسول الله يلو وأمام 
تعاظم هذا المد بدأت قريش أساليب الإغراء مع رسول الله عليه الصلاة 
والسلام . 

وهذه هي عفلية الجاهلية التي لا تعرف قي في هذه الأرض إلا هذه 
القيم . لأنها في الأصل لا تسعى إلا لذلك» وتحسب أن الدعاة إلى الله مثلها 
قي ومبادىء. إن ملة الكفر ورجالاتهاء ولو طرحوا آلف مبدأ فهو ستار في 
الحقيقة للوصول إلى المال والملك والسلطان والسيادة» وفي جواب رسول الله 
يل لقادة الكفر درس خالد إلى الأبد يحتذيه الدعاة إلى اللهء ويتخذونه موقفاً 
ثابتا لأنه دين عندهم» وليس فلتة عابرة. 


عليكم ولبست هذه الأمور إذن محل نظر أو دراسة من الخركة الاسلامية. لقد 


ل 


بت فيها الأمر من رسول الله كلل . إن أي حكم نحت راية كافرة يشترك فيه 
المسلم من أجل المنصب فقط هو أمر مرفوض . إن البحث في هذه الأمور يتم 
بعد الاعتراف بالاسلام شرعاً وحكيا. أما قبل ذلك فلاء ومن أجل هذا 
رفض رسول الله َه منہم ذلك قبل الاعتراف برسالته وبالكتاب المنزل عليه 
وتطبيق مبادثه. والاحتكام إليه , 


ثانياً : الأمور التي سألوها لمعرفة منزلته عند الله عز وجل: هي تسيير 
الجبال عن مكة وتفجير الأنبار فيهاء ثم إحياء الموق من زعمائهم. ثم 
مساءلتهم عن رسول الله ليشهدوا له بذلك. أو أن يكون له قصور ا 
وأن يسقط السماء عليهم كسفاً. وإن كان هذا الأمر لا يتكرر ذه الصيغة 
اليوم لأنه لا يدعي أحد أنه رسول بعد رسول الله كِ. لكنه يعرض من 
حيث فحواه ومعناه في صيغة أخرى. 


إن قيادات الكفر تطالب الحركة الإسلامية بأمور تعجيزية هي لا تملكها 
بالأصل» وتربط إعانها وانصياعها لها ببذه الأمور. فالاديون ذوو الحس الغليظ 
يتسترون وراء هذه الأمور لتبرير كفرهم؛ وما تطرحه المبادىء المادية اليوم - 
شيوعية كانت أو علمانية - هي الأفكار السابقةء فتضفي عليها ثوا فلسفيا أو 
ثوباً علمياً لتبرر موقفها الكافر. 


إنبم يرفضون فكرة الإيمان باليوم الاخرء لأنهم لا يشهدون حياة بعد 
المؤإتء ويرفضون فكرة الإيمان بالله لأنهم لا يرونه» ويرفضون فكرة الإسلام 
كله لأنه غيبي لا يخضع للتجربةء ويرفضون فكرة الدين كله لأنه مدر 
للشعوب. بل يدرسون تاريخ العام كله» على أن الدين مرتبط بالظلم 
البشري » ولن يجررهم ف واقعهم اليوم . ولن يحقق هم سعادتهم لأنه يحرم 
شهواتهم بلا مقابل. هذه المفاهيم العقائدية التي يطرحها الفكر الادي 
العلماني في وجه الدعاة إلى اللهء يجب أن لا تفت في عضدهم.ء ولا تثني 
غزائمهم عن الصبر على المناظرة» والاستمرار في الحوار» والتركيز على 35 
القضية أصلاٌ هي قضية إيمان وكفر. وإنها حور الافتراق بين الفريقين. 


٠6 


كا تدلنا هذه المناقشات من طرف اخر على أن القضية عندما تحدد مبذه 
الصيغة. لن يعدم العدو الافتئات على الحق› ولن يعدم توزيع التهم وتشويه 
الدعاة بأنهم يتلقون أفكارهم من أعدائهم (ولقد علمنا أن الذي يعلمك هذا 
رجل باليمامة اسمه الرحمن . ووالله لا نؤمن بالرحمن أبدا) وهم يعلمون مدی 
كذبهم 5 هذا الإدعاءء ويرول محمد كلل ین يدم ليل غبار. ويعرفون 
مدخله و محرجه وصلاته» وأعداء الله إذن حن يتهمون الدعاة بالعمالة أو 
التبعية الفكرية لغيرهم هم أعلم الناس بكذب ادعائهم ودعاواهم. وأخيراً 
نراهم يعلنون الحرب على رسول الله ل لأنه لم يقدم هذه الأمور التعجيزية» 
(والله لنقاتلنك حتى مهلك أو تبلكنا) . وم يستجب هله المطالب.. والدعاة إلى 
الله قد يفاجاون بمثل هذه المواقف. ويحرص العدو على أن يحرجهم أمام 
الناس أنهم متزمتون متعصبولن» يريدون أن نحشروا الإسلام ف كل قضية› 
ف علاقة ا بالسياسة› ويتهمهم - - كما نسمع الان بعص روائح هذا 
الاتهام ‏ با نهم يعارضون التفاهم الوطني العام » ويصرون على أن يكونوا 
وحدهم ف امک وتضعف أحياناً تفوس الدعاة أمام هذا الاتهام , ويوجدل 
في صفوفهم من يطالب قيادة الحركة الإسلامية بأن تكون لينة في مواقفهاء 
وأن تبرز روح التقدم والتساهل مع الخصوم ) لتثيت للعالم ہا غير متعصبة . 
إننا في الحقيقة أمام قضيتين يحرص الاتجاه المعادي للاسلام أن يحصرنا بها: 

القضية الأولى: إنه يقبل أشخاصنا دون فكرناء يقبلنا شركاء في 
الحكم» وكأن هذا تسامحاً منه وتقديراً وإكراماً لنا. 

القضية الثانية: إنه يقبل منا أفكاراً عامة لا تحمل مسحة الإسلامء ولا 
تنطلق منه. كالحديث العائم عن ا حرية والعدالة, وحقوق الشعب» و 
الضعفاءء وتبڼي قضايا العمال والفلاحين إلى غير ذلك من الأطر. ولكن 
مجردة بعيدة عن الإسلام . 


إنه يقبلنا بهاتين الصيغتين» وإلا فنحن متزمتون متعصبون. ويبرر حربه 
علينا لوجود هذا التعصب فينا. ونحن بحاجة إلى أن نعي هذه المناورة» ٠‏ 


٠١5 


ونعي أبعادهاء إن القضية عندنا هي قضية حكم الإسلام قبل أن تكون 
قضية حكم المسلمين. نحن لا نريد الحكم لذواتنا وأشخاصناء ولا نريد 
الحكم للجاه والسلطة والنفوذ. إنما نريد الحكم لهذا الدين» لأن يكون الدين 
كله لله . «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة» ويكون الدين كله له). 

وهكذا رأينا فشل أضخم مفاوضات وقد حشد لها أضخم الإمكانات 
في صف قريش. ورفض رسول الله ية كل الحلول المطروحة لإعادة 
تحت قيادة محمد رسول الله بء على أن يتخلى عن رسالته وعن دينه. 


ال الائتلاف على حساب العقيدة مرفوض »› والاتفاق على حساب 
الإسلام مرفوض › ووحدة الصف تحت رأية غير الراية الإسلامية مرفوضة 
كذلك». ونصبر حتى يحكم الله بيننا وبين عدونا وهو أحكم الحاكمين . 


السمة السادسة والعشرون 
تحييد بعض الشخصيات والبطون تيجة المفاوضات 


بين يدينا المحادثات اللخاصة التي تمت بين عتبة بن ربيعة زعيم بني أمية 
وبين رسول الله ككلِةِ. والتي قدم فيها نفس العروض السابقةء ولنستمع إلى 
رد رسول الله وف عليها: (.. حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله ب يستمع 
منه. قال: أقد فرغت ياأبا الوليد؟. قال: نعم. قال: فاسمع مني. قال: 
أفعل. فقال: «إبسم الله الرحمن الرحيم» حمء تنزيل من الرحمن الرحيم» 
كتاب فصلت اياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون. بشيراً ونذيرا فأعرضص أكثرهم 
فهم لا يسمعون). . . € ثم مضى رسول الله فيها يقرأها عليهاء فلا سمعها 
عتبة أنصت لاء وألقى خلف ظهره معتمداً عليه| يسمع منه. ثم انتهى 


)١(‏ سورة الأنفال الأية فلا. 
(۲) سورة فصلت الآية ٤-١‏ . 


رسول الله ل إلى السجدة منها فسجدء ثم قال: قد سمعت يا أبا الوليد 


ما سمعت› فانت وذاك . 


فقام عتبة إلى أصحابهء فقال بعضهم لبعض: نحلف بالل لقد جاءكم 

أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. فلا جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا 
الوليد؟ قال: ورائي أني سمعت قول والله ماسمعت بمثله قط. والله ماهو 
بالشعر» ولا بالسحر ولا بالكهانة» يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي. 
وخلوا بين هذا الرجل وبين ماهو فيه فاعتزلوه فوالله ليكون لقوله الذي 
سمعت نبا عظيم. فإن تصبه العرب كفيتموه بغيركم» وإن يظهر على العرب 
فملكه ملككم , وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به , 

قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه , 

قال: هذا رأي فاصنعوا ما بدا لک ). 


لا ندري إن كان هذا الحادث قبل المفاوضات السابقة أو بعده» ولكن 
الذي يعنينا من الأمر أدب الحوار. وكيف أن رسول الله 4 جلس يستمع 
هذه العروض الحزيلة - بله السخيفة ‏ من عتبة بن ربيعة ولم يقاطعه في 
حديثه وم يشمثز من كلامه بل أكثر من ذلك يفسح له المجال للمتابعة كي 
يفرغ كل ما في جعبته» ثم يسأله أو قد فرغت؟ ويخاطبه بقوله (يا أبا الوليد) . 


لقد كان رسول الله يلد ترم خصمه, ويتكلم معه بأدب بالغ » وتفدير 
جم ويكنيه بكنيته. وبذلك يعلمنا أدب الحوار. وأهم نقطة فيه أن يتسع 
صدرنا لاستماع وجهة نظر الخصم. مهيا كانت وجهة النظر هذه مرفوضة أو 
مقبولة عندناء سامية أو منحطة لأننا بذلك نضمن أن يستمع خحصمنا لناء 
ويتسع صدره لوجهة نظرنا. وما لم تملك هذه الخاصية المامة» فلن نربح 
الحوار مع عدونا. 


."١4 السيرة النبوية لابن هشام ج۱ ص‎ )١( 


٠١م4‎ 


ثم كانت الخطوة الثانية في المفاوضات تلاوة صدر سورة «فصّلت» وهي 
التي تتناول وضع هؤلاء المشركين وموقفهم من الإسلام» ثم تعرض عقيدة 
الإسلام - والتوحيد أهم عنصر من عناصرهاء لم الحديث عن قدرة الله تعالى 
الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام . ثم الإنذار بصاعقة مثل صاعقة 
عاد وثمود. حيث انتهى الأمر بعتبة أن ناشد رسول الله يا بالله والرحم أن 


صحيح أن عة بن يعة لم يسلم لكه هزم نيا مام نصاع الدع 
وبلاغة القران. ومن أجل هذا جاء يعلن أمام قومه. . سمعت قولاً والله 
ما سمعت مثله قط . والله ماهو بالشعر» ولا بالسحر ولا بالكهانة. . هذا ما 
عبر به عن إعجابه وذهوله. ثم الدعوة إلى موقف إيجابي من الدعوة: 
(أطيعوني واجعلوها بيء خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه» فوالله 
ليكونن لقوله الذي سمعت نبا عظيم» فإن تصبه العرب كفيتموه بغيركم . 
وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعره عزكم » وكنتم أسعد الناس به) : 
إنا دعوة قريش كلها لإيقاف الحرب ضد محمد 35 ٠‏ مع المبررات الكاملة 
لذلك وترفض قريش اموقف وتتهم عتبة بأن محمد سحره. وأمام هذا العداء 
المستحكم والموقف العنيف معه» أعلن موقفه الصريح : هذا رأبي فاصنعوا ما 
بدا لكم. وانسحب عتبة بن ربيعة من المعركة ضد محمد ا. والسحب 
وراءه أكبر تجمع قبلي بعد بني زوم هو بنو أمية. واستطاع رسول الله يك أن 
يجيد عتبة وبني أمية ويخفف من تكالب الأعداء على دعوة الإسلام. 


إن مهمة القيادة الإسلامية وهي تخوض الحرب ضد أعداء الإسلام أن 
تخذل عنها ما استطاعت. أن تمزق العنف الكافرء أن تفتت وحدة صف 
العدو. فتحيد من تستطيع تحییده» وتضم إلى صفها من تستطيع ضمهء وأن 
تثير الشكوك والخلافات بين الكافرين. ولا يعتبر هذا وهنا في الدينء ولا 
مهادنة في دين الله ولا تساهلاً على حساب العقيدة. بل هو عمق سياسي»› 
ونضج دعوي. ماأحرى القواعد أن تفقهه من رسول الله كة. وتنضبط 


٠ 


بتوجيه القيادة حين تسكت عن عدو أو تضطر أحياناً للثناء على بعضهم. 
فهي أدرى بملابسات الحرب السياسية التي تخوضهاء وهي أدرى بطبيعة 
وعلى القواعد الالتزام بسخطها السياسي . 


السمة السابعة والعشرون 
التجمع القبلي لحماية القيادة (أبو طالب وبنو هاشم وبنو المطلب) 


قال ابن اسحاق: (ثم إن فيد ارو ينهم عل من في اا م 
فيهم من المسلمين يع بونهم ويفتنونهم عن ديم وم 2 الله رسوله م بعمة 
ف طالب . وقد قام أبو طالب حين رأى قريشأً يصنعول ما يصنعون في بني 
دونه . فاجتمعوا إليه وقاموا معه إلا ما كان من 5 لهب وولده فإنهم ظاهروا 
قريشاً على قومهم . 

وقال موسى بن عقبة عن ابن شهاب: إنهم أجمعوا على أن يقتلوا 
عبد المطلب . فأدخلوا رسول الله ا شعبهم ومنعوه ممن أراد قله , فمنهم من 
فعل ذلك حية» ومنهم من فعل ذلك إيماناً ويقينأً'. .). 

لم يكن وضع أفراد القبائل واحدا بالنسبة للإسلام. فالقبائل التي تحمل 
لواء الحرب للإسلام لم تكن تقبل لأفرادها الانتساب للإسلام. لآن هذا 
إنقاصاً لكرامتها كا تتصور. ومن أجل هذا فقد كان أبناؤها يتعرضون 
لصئوف الأذى والاضطهاد وكانت أحوالهم أشق وأصعب من أحوال أبناء 
القبائل الضعيفة» وذلك على م غير الصورة لدی بني هاشم وبني عبد المطلب 


)١(‏ تقل عن ختصر السيرة لعبد الله بن محمد بن عبد الوهاب. 


١٠ 


الذين كانوا يتبنون حماية رسول الله وَل وبالتالي فالذي يسلم فيها يدخل في 
حماية زعماثها تبعاً لأمر رسول الله . وهذا الموقف كان لا بد من القضاء على 
رسول الله كلل لاجتثاث الفتنة من جذورهاء وعلى رواية الزهري أن قريشاً 
اتخذوا هذا الموقف علانية. مما جعل أبا طالب يرى أنه عاجز عن حماية محمد 
ابن أخخيه . 


لقد أقدم على خطوة حاسمة حيث دعا بني هاشم وبني عبد المطلب 
ليحملوا مسؤولياتهم كاملة في حاية رسول الله إلا ومن موقع زعامته لبني 
هاشم وبني عبد المطلب. استجاب له الدميع لذلك» فحملوا سلاحهم من 
منطق العزة القبلية والأنفة العشائرية. 


إننا أمام ظاهرة فريدة أن تقوم قيادة مشركة بقواعدها في حماية قيادة 
إسلامية وتتحمل مسؤولية هذه الحماية. ولو كانت قد تؤدي إلى فتح معركة 
وحرب مع الفريق الآخرء وما يمكن أن تقدم هذه القيادة على هذا الموقف 
لولا المركز الرفيع الذي يتمتع به رسول الله يل في قبيلته. ولم يقف أبو طالب 
عند هذا الحد. بل طمع أن ينظم كل بني عبد مناف ‏ على شركهم - إلى 
حلفه» واعتبر تخلفهم عن نصرة محمدٍ كله مطعناً كبيزاً في نخوتهم الجاهلية, 
إذ يقول: 


أخص خصوصاً عبد شمس وتوفلا هما نبذانا مثل ماينبذ الجمر 

ونلاحظ هنا أن الحركة الإسلامية قد نالت هذه الحماية دون أن تقدم 
أي تنازل عن عقيدتها. بل تمت الحماية لمحمد يو وهو يدعو إلى الإسلام. 
ويسقه أحلام قريش.2. ويجحارب عقيدتهاء لقد كانت الحماية لشخصه وحرية 
)١(‏ ختصر السيرة لابن محمد بن عبد الوهاب ص ۹۲. 


1١1١١ 


دعوته حتى ولو كانت الدعوة ضد معتقدات حماته. وهذا من غرائب ماروى 


الحالة الأولى: أن تتضارب مصالح الجاهلية» فلا يرى فريق منها جال 
لضرب مصلحة الفريق الاخر إلا بحماية الدعاة إلى الله. وهذا ما نجده 
أحياناً حين تلجأ أمريكا على سبيل المثال إلى إعطاء الحرية للدعاة المسلمين 
كي يقفوا في وجه النفوذ الشيوعي في منطقة من المناطق وهذه الحالة لا تعني 
أن يطمثن المسلمون إلى هذه المواقف. بل تعني أن يستفيدوا منها. لأنه ما إن 
يظهر خطر المد الإسلامي إلا ويتغير الموقف من هذه الدولة أو أزلامها في 
السلطة. ويحس هذا العدو أن الخطر الأكبر هو المد الإسلامي . 


الحالة الثانية: إن يسود الفكر الديمقراطي حقيقة في أمة من الأمم أو 
شعب من الشعوب. ويتحرك المسلمون بالدعوة انطلاقا من هله القوانين 
والمبادىء. واستفادة منها في حرية التبليغ . فتضيق الجاهلية ذرعاً بهذه الدعوة 
فتحاول خنئقها. فلا عجب أن يوجد. فريق من هذه الجاهلية يحمي الدعوة 
الإسلامية ويساندها طالما أنها لا تتجاوز مجال البيان والكلام. وخاصة إذا كان 
هذا الفريق يمت بصلة.قرى أو مصلحة للمسلمين. وسواء أكانت هذه الحالة 
أو تلك » فليس للحركة الإسلامية في هذا المجال أن تطمئن هذه الحمايةع بل 
عليها أن تتحرك في أطر ثلاثة : 

الإطار الأول: أن تستفيد من هذه الحماية أقصى حدود الاستفادة في 
التبليغ والبيان. 

الإطار الثاني : أن تكون يقظةء فلا تقدم مقابل هذه الحماية أي تنازل 
عن عقيدة أو تراجع عن فكرة لمجاراة هؤلاء الذين يقدمون الحماية أو 

الإطار الثالث: أن تصمت عن النيل منهم وشتمهم بصفتهم كفارأًء 
طالما أنهم يناصرون الدعوة. بل لا غرابة أن تشي على مواقفهم وتمدح 
شجاعتهم دون أن يصل الثناء إلى عقيدتهم . 


11۲ 


السمة الثامنة والعشرون ' 
الحصار الاقتصادي والمقاطعة العامة لتحطيم الدعوة وحلفائها 


وقال موسى بن عقبة عن ابن شهاب:.. فلا رأت قريش ذلك 
اجتمعوا واثتمروا أن يكتبوا كتاباً على بني هاشم وبني عبد المطلب ألا ينكحوا 
إليهم ولا ينكحوهم» ولا يبيعوا مہم شيئا ولا يبتاعوا منهم. ولا يقبلوا منهم 
صلحاً أبداً ولا تأخلهم بهم رأفة حتى يسلموا رسول الله كَل 
للقتل. . . وعلقوا الصحيفة في جوف الكعبةء فانحاز بنو هاشم وبنو الطلب 
مسلمهم وكافرهم إلى آي طالب ودخلوا معه شعبه» فأقاموا على ذلك سنتين 
أو ثلاثاً حتى جهدوا وكان لا يصل إليهم شيء إلا سرأً. . وقطعت قريش 
عنهم الأسواق حتى كان يسمع صوت أبنائهم ونسائهم يتضاغون من وراء 
الشعب من الجوع» واشتدوا على من أسلم ممن لم يدخل الشعب وعظمت 
الفتنة وزلزلوا زلزالا شديدا. . . 

قال موسى بن عقبة عن ابن شهاب: وكان أبو طالب إذا أنخذ الناس 
مضاجعهم أمر رسول الله فاضطجع على فراشه حتى يرى ذلك من أراد 
اغتياله» فإذا نام الناس أمر أحد بنيه أو إخوته أو بني عمه فاضطجع على 
فراش رسول الله که وأمره أن يأتي بعض فرشهم'». 

لقد أصبح قتل رسول الله يلك هدفاً بحد ذاته لدى المشركين. فهل 
يغامر الحلفاء للنبي يل بتمزيق صف مكة من أجله؟ وإلى أي مدى يسيرون 
في هذا المضمار؟ وكان الحصار وكانت المقاطعة محك الاختبار. 

لقد كان الأمر قبل المقاطعة أمراً سهلاً وميسوراً. فلا تعدو الحماية حمية 
وأنفة من هذين البطنين أن تتنازل عن رجل من أبنائها لقبائل أخرى. 
لكن القطيعة والحصار وجها ضربة مجهضة هلين البطنين وعزلهم عن مكة 
كلهاء وأنزل بهم الجوع والعري ورسم لهم طريق الإبادة. إننا لاا نستغرب 


,17” مختصر السيرة لابن محمد بن عبد الوهاب ص‎ )١( 


11۳ 


هنا أبدأ موقف المسلمين وصبرهم. فمن خلال العقيدة نجد مفهوم الأجر 
والثواب يوم القيامة» ونعيم الجنة بعدها كفيلين باستمرار المسلمين على خطهم 
وثباتهم على محنتهم وابتلائهم. لكن الأدر يختلف مام الاختلاف بالنسبة 
للمشركين. فلا بد أن يتساءلوا فيا بيهم. فيم نلقى هذا العذاب؟ وفيم 
نلقى هذه الإهانة؟ وهذا الجوع والتشرد والخنق؟ والحراب واضح . فالأمر كله 
من أجل محمد بن عبد الله؟!! 

لكن التساؤلات الأكثر حرجاً ودقة هي: لم لا يرجم محمد عن دينه 
طالما أن هذا الدين باطل؟ ! ! أو لبقى نسانده وهو باجم معتقداتنأء ويسفه 
أحلامناء ويسب ألهتنا؟ !! وخطر مثل هذه التساؤلاات كبير. وأي تفكير 
سياسي وميزان مصلحي لا يقر أبداً إمكانية استمرار هذين البطنين على هذا 
الموقف. عندما تنهار مصلحة هذين البطنين. فهل يكن للقيم الجاهلية أن 
في خطر مما أدى إلى انقسام مكة إلى معسكرين كبيرين المعسكر الأول يضم 
المشركين من بقية البطون القرشية . ولا شك أن نظافة الشخصيات الإسلاميةء 
ومركزها المرموق في قبيلتها هما اللذان دفعا لهذا الموقف ولو لم يكن رسول الله 
علد على أعل مستوي من التقدير والاحترام والتعظيم › لما غامر البطنان 
الكبيران بلو هاشم وبئو المطلب في خوض حرب من أجله. ولقد مل هذه 
الصورة لامية أبي طالب الرائعة التي يقول فيها بعد هذا الحدث: 
ولا رأيت ا لقوم لاود فيهم وقد قطعوا كل العرى والوسائل 
وقد حالفوا قوماً علينا أضنة يعضون غيظاً خلفنا بالأنامل 
صبرت هم نفسي بسمراء سمحة وأبيض عقب من تراث المقاول(١)‏ 
وأحضرت عند البيت رهطي وإخوتي2 وأمسكت من أثوابه بالوصائل”» 

ثم يقسم بالإيمان المغلظة بالله والبيت» والحجر الأسود» ومقام إبراهيم › 
)١(‏ كناية عن السيف. 
(۲) المقصود أثواب الكعبة وكانت ثياباً حرا فيها خطوط. 


١١5 


والسعي بين الصفا والمروة وبالشهر الحرام ويموقف عرفات . يقسم مهدا كله 
ويعوذ به أنه لن يتخلى عن محمد بن عبد الله : 
كذبتم وبيت الله نترك مكة ونظعن إلا أمركم في بلابل 
کذبتم وبيت الله نبزى تحمداً ولما نطاعن دونه وندناض[() 
ونسلمه حتى نصرّع حوله ونذهل عن أبنائنا والحلائل 
وينبضص قوم في الححديد إليكم نہوض الروايا تحت ذات الصلاصل”) 
ويعلل سبب إعلانه هذه الحرب» ولماذا اتخذ هذا الموقف مع عشيرته 
قائلا : 
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل 
تلوذ به الحملاك من آل هاشم فهم عنده في رحمة وفواضل 
ظاهروا الأعداء عليهم. فإن يستعد فريق من المشركين لخوض معركة مسلحة 
لحماية فريق من المؤمنين فهذا يعني ان التقدير والحب لحم يفوق كل 
وصف »> فمحمد بهو عند اڀ طالب ورهطه زعيم بي هاشم » يفدونه الال 
والروح» بالدم والنساء والأبناء. 


والحركة الإإسلامية وهي تخوض غمار الحهاد» وتواجه الجاهلية العاتيةء 
لا تعدم أن تجد بعض النماذج والتجمعات والقيادات الجاهلية والقبلية مثل 
بي هاشم وبي المطلب» وتنطلق من الأعراف والقوانين الحاهلية لحماية هذه 
الحركة . 

إن معظم القوانين والدساتير الحاهلية تضع ف صلبها حرية الاعتقاد 


)١(‏ تبزی محمداً: تغلب عليه, 

(۲) الابل التي تحمل الماء والاسقية , 

(") الذرب المواكل: هو الذي يتكل على غيره. 

)٤(‏ السيرة النبوية لابن هشام ۲۹۱ - ۲۹۵ متفرقات. 


١١. 


والكلام للمواطنين؛ والتي تتبنى الديقراطية مبدأ سياسياً بغض النظر عمن 
يمارسها فعا أو اسماً. ومن باب تنفيذ فترات الدستور» ومن باب حماية 
القوائين» ومن باب الأعراف السائدة قد تجد الحركة الإسلامية من يساندهاء 
ويجحميهاء ويرد عنها مؤامرات الإبادة. 

إن المناخ الديمقراطي هو أنسب الأجواء للحركة الإسلاميةء ومن خلاها 
قد نجد مثلا نواب المجلس محولون دوت تشريع يبرر حظر الحصركة 
الإسلامية» بل يقوم هؤلاء النواب بسن قوانين تضمن حايتهم. ومثل هذه 
الظروف تستغلها الحركة الإسلامية ولا تفرط فيهاء وتعمل دعوة وجهاداً من 
خلاها. 


لكن يجب أن لا يغيب عن بال الحركة الإسلامية أبداً أن المناخ 
الديمقراطي حين لا يعدو أحياناً اللفظ والادعاء. ل يجدي عليها شيئاً. بل 
باسمه يمكن أن تباد ويقضى عليها خاصة في دولنا التي يطلقون عليها - دول 
العام الثالث. فتحرص الحركة على أن لا تظهر كل أوراقهاء اعتماداً على هذا 
المناخ» عليها أن تبقي رصيداً من أشخاصها وتنظيمها وحركاتها ومراكزها سراً 
حتى لا يباد لو فكرت الجاهلية بالانقضاض عليهاء وقلب ظهر المجن ها. 
ومن أجل هذا رأينا أن المركز الاحتياطي في اللحبشة برجالاته ونشاطه بقي على 
ماهو عليه وم يستدع رسول الله ا أولتك المسلمين إلى مكة. بعد هذه 
الحماية. لأنه يعلم أن هذه الحماية مؤقتةء ويعلم أن الضغوط قد تضطر هذا 
التجمع للتراجع والخضوع لعنف العدو اللدود. 


لقد رأينا كل دعاوى الديمقراطية الكاذبة تنهار أمام الإرهاب النصيري 
الكافر في سورية واستطاع طاغيتها أن ينتزع من مجلس شعبه كلهء قراراً 
يقضي بإعدام كل من ينتمي إلى الإخوان المسلمين. والذين هربوا في المرة 
الأول عادوا صاغرين في المرة الثانية وبقوة (البوط العسكري) للتوقيع عليه. 
ويكاد التاريخ لا يشهد مثيلا لهذا القرار» أن يعدم امرؤٌ على انتماثه الفكري 
باسم مجلس يمثل الشعب كله حسب الادعاء . 


113٩ 


لكئنا هنا أمام صورة مغايرة» أمام فريق من الجاهلية» ضحى بمصالحه 
واستقراره ووجوده من أجل الإسلام» وم تكن التضحية يوماً أو يومين» بل 
امتدت ستتين وثلاثاً. وإني ليأخذ بي العجب وأنا أتخيل هذه الصورة. صورة 
ذلك المشرك القابع في زواية من زوأايا شعب أي طالب» ويده على سلاحه. 
يكاد يقتله الجوعء ويفتك بأولاده وزوجه؛ والأمل مسدود أمامه بلا رجاءء 
ويسائل نفسه؟ لم ينالني هذا الأذى؟ ويجيب: من أجل محمد؛ محمد الذي 
هاجم معتقداتي والهتي وديني . ويتساءل: كيف أعرض نفسي للموت من 
أجله؟ ثم يطرد هذا التساؤل» ورد من هذا الخاطرء ويقئع نفسه بموقفه. 
طالما أن أبا طالب دعاه لهذا الموقف فلن يراجم عنه ولو أدى إلى موته . 


نحن إذن أمام جاهلية تؤمن بقيم ثابتة فتضحي بمصالحها واستقرارها 
ووجودها في سبيل الإسلام . 


فلا يجوز إذن أن يبلغ بنا التشيخ خداً نتصور فيه أن الجاهلية دائ) 
تتطلق من مصالحها ولا تؤمن بشيء. بل قد تصادف الحركة الإسلامية في 
مسيرتها بعض هذه النماذج . 


ويكفي أن ندلل على ذلك من واقم الحركة الإسلامية اليوم وهي تحمل 
لواء الجهاد ضد الطغيان في سورية. فالأرض التي تتحرك فيها وتأوي إليها وتنطلق 
منبا هي أرض الدول المجاورة. وبعض هذه الدول تعرضت لضغوط عالية 
رهيبة لتطرد قيادات الحركة وقواعدها من أرضها فلم تستجب لذلكء لقد 
تعرضت مصا.حها للخطرء وبدأت الدول الكبرى حصارها ها لإجبارها على 
معاداة الحركة. فلم تفعل ذلك مع اختلاف المنطلقات الفكرية بينها وبين 
الحركة. ولا شك أن الحركة الإسلامية ستحفظ إلى الأبد هذه المواقف 
الكريمة. وتفرق بين من يساندها في محنتهاء ويعرض نفسه للخطر من أجلها 
- برغم الخلاف العقائدي معها ‏ وبين من يتأمر مع عدوها لإبادتها والإجهاز 
عليهاء والمعروف لا يضيع أبداً عند أهل المعروف. 


11¥ 


السمة التاسعة والعشرون 
التفجرات الجاهلية تحطم الحصار والمقاطعة 


(ثم بعد ذلك تألف قوم من قريش على نقض تلك الصحيفةء كان 
أحستهم غناءٌ فيها هشام بن عمرو بن الحارث ‏ فإنه لقي زهير بن أمية بن المغيرة 
فعيره بإسلام أخواله (أي تركهم مقاطعين). وكانت أمة عاتكة بنت 
عبد المطلب. فأجابه زهير إلى نقض الصحيفة» ثم مشى هشام إلى المطعم بن 
عدي فذكره أرحام بي هاشم وبني المطلب ابي عبد مناف فأجابه إلى ذلك» 
ثم مشى إلى البختري بن هشام فقال له مثل ماقال للمطعم بن عدي. ثم 
مشى إلى زمعة بن الأسود فکلمه» وذكر له قرابتهم وحقهم فقال: وهل معي 
على هذا الأمر الذي تدعوني إليه من أحد؟ قال: نعم ثم سمى له القوم. 
واتعدو حطم الحجون ليلا باعل مكة» فاجتمعوا وتعاهدوا على القيام في 
نقض الصحيفة. وقال زهير. أنا أبدۋكم فأكون أول من يتكلم › فلا أصبحوا 
غدوا على أنديتهم وغدا زهير بن أبي أمية عليه حلةء فطاف بالبيت سبعاء ثم 
أقبل على الناس فقال: 


يا أهل مكة أنأكل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى لا يباعون 
ولا يبتاع منهم . والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة. فقال 
أبو جهل ‏ وكان في ناحية المسجد ‏ كذبت ولله لا تشق. قال 
زمعة بن الأسود: أنت والله أكذب. مارضينا كتابتها حين كتبت» فقال أبو 
البختري: صدق زمعة لا نرضى ماكتب فيها ولا نقربه. قال 
المطعم بن عدي : صدقتم وكذب من قال غير ذلك . نبرا إلى الله منبا ومما 
كتب فيها. وقال هشام بن عمرو نحواً من ذلك. 


قال أبو جهل: هذا أمر قضي بليل» وتشوور فيه بغير هذا المكان. وأبو 


1۹1۸ 


فوجد الأرضة قد أكلتها إلا باسمك اللهم وما كان فيها من اسم الله فلا 
تكله(“ . 

لقد كان للصمود الإسلامي ثم الصمود القبلي أثر على معسكر الجاهلية 
والشرك يفوق أثر معركة حامية الوطيس يخوضها المسلمون فينتصرون بها عل 
أعدائهم. وكان هذا الصمود كافيا لتفجير الموقف في مكة. فقد حرك هذا 
الصمود كل مشاعر الخير الكامنة في صفوف أهلها. لقد تحركت مشاعر 
القرابة واستنفدت كلها من قبل أصدقاء وأقرباء بني هاشم وبني المطلب. ول 
يكتف هؤلاء عند المواقف السلبية» وم يكتف هؤلاء عند المشاركة الشعورية 
بل استعد هؤلاء ليقوموا بتحرك إيجابي يعرض حياتهم للخطرء وأن يجايهوا 
الرأي العام كله بكل ما تحمل هله المواجهة من اطر ومحاذير. واستطاعت 
هذه العصابة بوحدة كلمتها واستعدادها للفداء أن تغير موقف مكة كلها 
وتكسر طوق الحصار الاقتصادي وتحطم القيود الاجتماعية» وتعيد الحقوق 
المغتصبة إلى أصحابهاء وتلغي الظلم القائم على المسلمين. 


والحركة الإسلامية تحتاج في مسارها الطويل إلى فن التعامل مع 
الجاهلية» بحيث تنتزع منها كل من يمكن أن يساندها وتستفيد من كل من 
يدعمها ويتحفظ فا حريتهاء وتستغل كل عناصر الخلاف 5 صفوف هله 
الكافر. بل نجد هنا أن المصلحة للحركة الإسلامية هو تحطيم هذه المفاصلة . 
فليس التفاصل إذن دائ لمصلحة الدعوة والحركة. بل وجدنا الحالة في هذه 
المرحلة هي القضاء على المفاصلة الاجتماعية. وما فرح المسلمون شيئاً فرحهم 
بالقضاء على هذا الحلف الباغي الظالم. فلقد كان رئيس بني هاشم في مكة 
يناقشهم في الصحيفة مما يدل على وعيهم لتطورات الموقف. ونرى يقظة هذا 
المعسكر في الرواية التي روتها السيرة عن الزهري رحمه الله لدى موسى بن 
عقبة: (إن الله أطلع رسوله على الذي صنع بصحيفتهم فذكر ذلك لعمه 
فقال: لا والثواقب ما كذبتني فانطلق يمشي بعصابة من بني عبد المطلب حتى 


. ١٠١ السيرة النبوية لابن هشام ج۲ ص‎ )١( 


18 


أتى المسجد وهو حافل من قريش. فلما رأوهم رأوا أغهم قد خرجوا من شدة 
الجوع وأتوا ليعطوهم رسول الله . فتكلم أب طالب فقال: إنه حدث أمر 
لعله أن يكون بيننا وبيتكم صلحاأًء فأتوا صحيفتكم» وإثما قال ذلك خشية 
أن ينظروا فيها قبل أن يأتوا مهاء فأتوا معجبين لا يشكون أن رسول الله يك 
مدفوع إليهمء قالوا: قد آن لكم أن تقبلوا وترجعوا فإنما قطع بيئئا وبين 
رجل واحد قد جعلتموه خطراً لملكة قومهم. فقال أبو طالب: لأعطيتكم أمرا 
لكم فيه نصف» إن ابن أخي أخبرني وأ وم يكذبني أن الله بريء من هله 
الصحيفة التي في أيديكم وا كل اسم له فيهاء وترك فيها غدركم وقطيعتكم . 
فإن كان ما قال حقاً فوالله لا نسلمه لكم حتى موت عن آخرناء وإن كان 
الذي يقول باطا دفعناه إليكم فقتلتموه أو استحييتموه. قالوا: قد رضينا. 
ففتحوا الصحيفة فوجدوها كا أخبر. فقالوا: هذا سحر من صاحبكم. 
فارتكسوا وعادوا لشر مما كانوا عليه. فتكلم عند ذلك النفر الذين تعاقدوا 
ومزقت الصحيفة()), 


فمع أن أبا طالب غير مسلم . لكن ثقته ثقته بصدق ابن أيه لا حد ها بل 
استعد لتسليم محمد ليقتل إن لم يصدفه. ومضى يراهن قريشاً على ذلك . فهو 
يبحث عن أية وسيلة لفك هذا الحصار ومع ذلك أصرت قريش على موقفها 
واعتبرت الأمر منٍ سحر محمد عليه الصلاة والسلام . ولا شك أن هذا الأمر 
الذي فضح قريشاً ببغيها وظلمهاء جعل لدى «ؤلاء النفر أرضية مناسية 
للتحرك ضد الصحيفة . فقدرة الدعاة إلى الله على إيضاح الظلم الواقع عليهم 
له أثر كبير في كسب قلوب بعض الأعداء وانتصارهم هم . 


فإذا أردنا للحركة الإسلامية أن تخترق مصاعب المحنة. فلا بد 
لها من إعلام مناسب ينفذ إلى قلوب أعدائهاء ليضطرها إلى الموقف المناسب. 
ولا بد لها من اليقظة الدائمة لتصل إلى الثغرة الضعيفة في صف خصومها 
فتنفذ منهاء ولقد مثل أبو طالب صورة الحليف الشريف الذي ربط حياته 
)١(‏ مختصر السيرة لابن محمد بن عبد الوهاب ص 85. 


١ 


وحياة قبيلته وحياة بني المطلب بحياة رسول الله 3 . فلييق هذا الدرس 
للحركة الإسلامية رصيداً حياً تنفذ من قلب حلفائها فتدفعهم إلى التضحية 
من أجل الذود عنهاء وتنفذ في صفوف الخصوم فتنتزع منهم كل أثر خير 
وقلب ينبض برفض الظلم . 
وخاض أبو طالب معركته الإعلامية فأرسل داليته المشهورة إلى مهاجري 
الحبشة من المسلمين يزف لهم بشرى النصر: 
ألا هل أق بحرينا صنع ربناا على ناهم والله بالشاس ارود 
فيخبرهم أن الصحيفة مزقت وأن كل ما لم يرضه الله يفسد 
وشرح هم حتى الذين ساهموا في نقض الصحيفة أساءُ ومواقف 
وأنسابا. 
جزى الله رهطا بالحجون تتابعوا على ملا بدي لزم ويرشد9) 
قضوا أمرهم في ليلهم ثم أصبحوا على مهل وسائر الناس رقد 
هموا رجعوا سهل بن بيضاء راضیا وسر أبو بكر بها وتحمد“ 


السمة الثلاثون 
دور المرأة فقي هذه المرحلة جهاداً ودعوة وسرية 


لا بد أن تأخذ المرأة المسلمة دورها في المعركة إلى جانب الرجل. 
فمعظم الذين هاجروا إلى الحبشة هاجروا مع أزواجهم. ومعظم الذين 
أسلموا أسلموا مع أزواجهم » ويكفي أن يذكرتاريخ الإسلام باعتزاز أن أول 


)١(‏ بحرينا: يعني الذين» بالحبشة من المسلمينء وأرود: أرفق. 
(؟)الرهط هم الذين نقضرا الصحيفة. 
(۳) السيرة النبوية لابن هشام » ص ۱۷ - ۱۹ متفرقات. 


۱۲۱ 


خلق الله إسلاماً امرأة» وأول شهيد في الإسلام امرأة فلم تكن المرأة المسلمة 
إذن بعيدة عن الساحة. بل تلقت بصبر وبطولة آلام العذاب في سبيل الله 
حتى الجواري والإماء. فالمدية تلقت العذاب حتى عميت» وسمية تلقت 
العذاب حتى استشهدت. وفاطمة بنت الخطاب قامت تدفع عن زوجها 
فلطمت حتى نفر الدم من وجههاء هذا جانب. والجانب الثاني قدرة الوعي 
والمحافظة على السرية عندها. فعندما أصيب أبو بكر رضي الله عئه وصحا 
بعد غيبوبة طويلة. دفع أمه إلى أم جميل بنت الخطاب تسألها عن رسول الله. 
فأنكرت أنها تعرفه أو تعرف أبا بكر. لكنها تصرفت باباقة من جانب آخر. 
فهي تريد أن تنقذ الموقف دون أن تفشي سراً. فعرضت على أم أبي بكر أن 
تحضي معها إلى ابنها فوافقت. وهناك استأذنت أبا بكر رضي الله عنه في الأمر 
فأذن ها في الجواب» وأشارث إلى أمه الكافرة فأذن لما في الحواب فأجابت» 
ولا ننسى أنها بقيت محافظة على سرية إسلامها حتى اضطرت لإعلانه يوم 
صفعها أخوها على إسلامهاء واستطاعت بهذا الموقف الشجاع أن تدفع بأخيها 
إلى الندم ثم إلى الإسلام . 


ولثن ذكرنا كل نسوة الأرض» فلا بد أن تكون خديجة رضى الله عنها 
في القمة. فهي التي احتضنت الدعوة والداعية منذ اللحظات الأولى» 
ووضعت كل ثروتها ومالها تحت تصرف زوجها رسول الله كذ وصبرت على 
المقاطعة والفقر وهي سليلة الغنى والثراء» وكان لحا فوق هذه الأدوار جميعا 
موقف المواسي لرسول الله اء وموقف المشجع والمثبت. وبقيت ذكراها ماثلة 
في ذهن رسول الله ل . حتى ليقفز فرحا حين يسمع صوت أختها هالة» أو 
صوت صديقات كن يزرهها في حياتها. وحق لرسول الله عليه الصلاة والسلام 
وللمسلمين أن يطلقوا على العام الذي توفيت فيه حديجة رضوان الله عليهاء 
وتوفي فيه أبوطالب عام الحزن. 


ما أحوجنا إلى هذه النماذج. وال تربية أمثالا 5 صفوفناء وإ دعوة 
المرأة المسلمة أن تأخل مكانها الصحيح » وموقعها المناسب من المعركة , وإن 


1۲۲ 


الخركة الإسلامية اليوم لتفخر بالنماذج من الشهيدات اللاتي جاهدن 
بالسلاح واللان ضد أ:داء الله وقتلن الأفراد والعشرات وهن في قواعدهن› 
وسقطن مع ابنائهن وأزواجهن في سبيل الله. والحركة الإسلامية لتفخر 
بالنساء اللاتي كن يتزوجن من المجاهدين ليشاركن في شرف الجهاد في سبيل 
الله أو نقل الأخبار والمعلومات بين المجاهدين». أو كشف أوكار السلطة 
الباغية. كما وتفخر الحركة الإسلامية بالمهاجرات في سبيل الله؛ اللاتي طوردن 
ولوحقن» وحرصت السلطة الباغية على الفتك مبن. فغررت بدينهن في سبيل 
الله دون أن تلين قناتبن» أو يضعفن عند التهديد أو الاغراء. كا تفخر 
الحركة الإسلامية بالمعتقلات في سجون البغاة اللاي صبرن على أشد أنواع 
الأذى والبلاءء دون أن تلين هن قناةء أو يبن لمن عزم. وإنا لندعو أخواتنا 
المؤمنات أن يشاركن في هذا الجهاد وينضوين تحت لواء الحركة الإسلامية 
ليؤدين الدور الأساسي الذي لا يقدر عليه إلا النساء. 


السمة الواحدة والثلاثون 
المقاومة السلمية 


لقد كانت قريش تسعى جاهدة لحرب الإسلام ومنع وصوله إلى 
الناس» بل تشوه سمعة رسول الله بل لدى الوافدين إلى مكة للحج أو 
التجارة. ول يكن المسلمون ليقفوا مكتوفي الأيدي أمام ذلك» بل كانوا 
يمضون إلى هذه المحافل العامةء أو يتواجدون في الكعبة ويتصلون بأولئك 
الوافدين يدعونهم إلى الإسلام» ويوضحون معلمه. ولكن ضمن خطة محددة 
تقضي بعدم الاصطدام المباشر مع العدو. وعدم الوصول إلى معركة عنيفة 
تقود إلى استعمال السلاح» وخف تعرض المسلمين لالحة قريش» انطلاقاً من 
الأدب القرآني ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغيرعلم“) . 


. ۱٠۸ الأنعام‎ )١( 


۳ 


إنما تنصب الدعوة مع هذه الوفود على ذكر محاسن الإسلام» وعل 
التركيز على لا إله إلا الله وأن مدا رسول الله. وكانت الحركة الإسلامية 
تعيش في ظل الجاهلية» في ظل المجتمع الذي نترع فيه الخمور» وتنصب فيه 
الرايات الحمر للزانيات» وفي ظل الأصنام التي بلغت ثلائماثة ومع ذلك لم 
يتعرض المسلمون لهذه المفاسد أو يقاوموهاء أو يوجهوا جهدهم للنيل منها أو 
تحطيمهاء لقد كانوا بعيدين عن هذا كله. واتهه مهم إلى الدعوة إلى الله 
بالحكمة والموعظة الحسنة. والحركة الإسلامية في مثل هذه المرحلة تتخذ هذا 
الموقف. تبتعد عن المواجهة ومواطن الإثارة. وتكف أيديها عن القتال من 
خلال أوامر القيادة . 

لم يكن صحابة رسول الله ب ورضي الله عنهم جبناء ولا أذلاءء بل 
كانوا يعانون من الضبط والالتزام بعدم القتال مالا يعلمه إلا الله. وكانوا 
يعانون من الضغط على أعصابيم والكبت على نفوسهم مايكون القتال معه 
أهون بالف مرة عليهم» ومع ذلك لم نسمع عن مخالفة واحدة» واندفاع 
مفاجىء واحد. في الوقت الذي نرى فيه في أيامنا من يضع النصوص في غير 
محلها من الشباب المتحمس» فيود أن يخوض معركة من أجل كلمة» ويواجه 
الطغيان المنكر القائم » ويتهم الناس ف دينهم وعقید تېم إذا ل يقائلوا معه. 
ونحن ندعو هؤلاء الناس إلى التبصر والتثبت» ومراعاة طبيعة المرحلة التي 
تقدرها قيادة الحركة. ويتعلمون من رسول الله وصحابته الصبر على البلاء؛ 
والحياة مع الفكرة من دون أن يكون الثار للنفس. والغضب للذات» أو حتى 
لمحارم الله أن تنتهك ‏ قبل الأوامر الصادرةء هو المحرك لتصرفاتهم . إن 
الحركة الإسلامية المنظمة المنضبطة, هي التي قبلت في مرحلة من المراحل أن 
توضع سلي البعير وأمعاؤه عل عنق رسول الله َل دون أن يقتل الفاعلء 
وقبلت أن پبصق ف وجه رسول الله يله دون أن يؤدب السفيه» وقبلت 
محاولات خنق رسرل الله يهل دون أن يقضى على المجرم. لا عن خوف أو 
جبن ف نفوس الأصحاب الذين يفدون رسوهم بكل وجودهم . إنما قبلت 
ذلك لأن الأوامر الصادرة لا تسمح بالثأر» ولا تسمح برد الفعل. ولا تسمح 
بالغضب التلقائي . 


۱4 


إننا لنعلم أن المسلمين خاضوا حرباً من أجل امرأة راودها بهودي على 
كشف وجهها عندما كانت المرحلة تقتضي ذلك. بينها لم يخوضوا تلك 
الحرب وأبو جهل يطعن سمية في قبلها فيقتلها. فالأمر في كلا الحالتين 
منطلق من توجيهات القيادة المسلمة التي تعرف طبيعة المرحلة وتخطط لها وعلى 
الجنود الالتزام بها. أما العواطف الثاثرة التي لا تعرف الانضباط والتي لا 
تستجيب للالتزام فلتبحث ها عن مكان شارج الحركة الاسلامية . 


السمة الثانية والثلاثون 
الاستفادة من العناصر المشتركة بين الإسلام والعقائد الأخرى 


واليهودية في هله امرحلة» وعقائد اليهود لم تتغير» وعقائد النصارى لم تتغير 
ولكن المعركة في هذه المرحلة مفتوحة مع الوثنية. ونلحظ هذا الموقف في 


جانبين : 


الجانب الأول مع الوفد القادم من المدينةء من مشركي مكة الذين 
مضوا إلى اليهود في يثرب يسألونهم عن دين محمد ب فقالوا مم : سلاه عن 
ثلاث. فن أجابكم عنها فهو نبي مرسل وإلا فهو متقول كذاب. سلاه عن 
رجل طواف في الافاق ماذا كان خبره» وسلاه عن فتية في الدهر الأول ماذا 
كان خبرهم » وسلاه عن الروح. وقل أجاب رسول الله كل على هذه 
الثلاث . 


وبذلك شعر المشركون على الأقل أن اليهود. ومحمداً بيا في معسكر 
واحد. وكان هذا واضحاً لديهم لأنهم عندما انتصر الفرس على الروم فرحوا 
بذلك بينا حزن المسلمون حتى ليتراهن أبوبكر رضي الله عنه» وأحد 
المشركين على نصر الروم على الفرس خلال بضع سنين. ألم - غلبت الروم 


١ ١6 


قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز 
الرحيه”؟ » . 


والجانب الثاني كان من الناحية العملية مع وفد النصارى الذي حضر 
إلى مكة كا ذكر خبره ابن اسحاق: (ثم قدم على رسول الله كد وهو بمكة 
عشرون رجلا أو قريباً من ذلك من النصارى حين بلغهم خبره من الحبشة» 
فوجدوه في المسجدء فجلسوا إليه فكلموه وسألوه» ورجال من قريش في 
أنديتهم حول الكعبة. فلا فرغوا من مسألة رسول الله كلك عما أرادوا دعاهم 
رسول الله هة وتلا عليهم القرآن. فلا سمعوا القرآن فاضت أعينهم من 
الدمع ثم استجابو له وآمنوا به وصدقوا وعرفوا منه ما كان يوصف هم في 
كتاميم من أمرء فلا قاموا اعترضهم أبو جهل في نفر من قريش فقالوا هم : 
خيبكم الله من ركب بعكم من وراءكم من ' أهل دینکم ترتادون هم وتأتونهم 
بخبر الرجلء فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه 
با قال. ما نعلم ركبا أحق منكم. أو کا قالوا هم» فقالوا للهم: سلام 
عليكم لا نجاهلكم لنا ما نحن عليه ولكم ما أنتم عليه لم نال أنفسنا 
نخير ا" . 


والرواية تؤكد إسلام هذا الوفد. غير أن هذا لا ينفي هذا التقارب بين 
الإسلام والنصرانية واليهودية في ذلك الوقت. خاصة وأن بقايا النصارى 
الموجودين في مكة قد شهدوا لمحمد به بالرسالة. والحركة الإسلامية من 
حقها أن تبادن من ترى مهادنته دون أن تقر لبطل بباطل أو تعلن موافقة على 
عقيدة كافرة. أما نقطة اللقاء بين هذه العقائد فهى كونها من عند الله - بغعض 
النظر عن الخلاف في جزئياتها ‏ وعن التحريف الذي أصابها ‏ ما عدا الإسلام 
الذي تكفل الله تعالى بحفظه . 


.6-١ الروم‎ )١( 
۳۲ زفة) السيرة النبوية لابن هشام ج۲ ص‎ 


۲٣٢ 


عدم التنازل عن جزئية واحدة من أجل الحماية 


بعد وفاة أبي طالب تحركت الحمية في رأس أبي هب» حين رأى تكالب 
قريش على إيذاء ابن أخيه محمد. فجاء إليه قائلاً: اذهب يا ابن أخى وما 
كنت تصنعه وأبو طالب حياً فاصنعه , 1 

وكان هذا الموقف وقع الكارثة على قريش» التي خططت بذكائها لتدمير 
هذه الحمايةء ونجحت أيما نجاح حين أوعزت لأبي لهب أن يسأل رسول الله 
عن عبد المطلب وكان رسول الله بين أمرين فالسؤال واضح ومحدد: إما أن 
تستمر الحماية مقابل مهادنة في كلمة واحدة من دين الإسلام ومساومة فيهاء 
وإما أن تنهار الحماية كلها لو تحدث عن حكم الله في عبد المطلب. وما كانت 
الحماية في يوم من الأيام على حساب هذه العقيدة فقال لعمه أي لهب: هو في 
النار. فقال أبوهب: مازلت عدواً لك أبداً. وعاد فانضم إلى معسكر 


م 


قريش . 


وإذا تساءلنا عن سبب إصرار رسول الله ية على إيضاح حكم الله في 
عبد المطلب. وخسارته مقابل ذلك أضخم حماية تتحقق له وللمسلمين؛ لكان 
الجواب هو: إن عدم إيضاح هذا الحكم يعنى أن عبد المطلب على حق» 
وقريش كلها على ملة عبد المطلب. فلا داعي إذن للمفاصلة بين الفريقين, 
ويمكن أن يكون اللقاء بين الكفر والإسلام في منتصف الطريق. وعلى ضوء 
هذا الهدى تسير الحركة الإسلامية في تعاملها مع أعدائها. 

إنها أولا: تفرق بين العدو الذي يود استئصالهاء والعدو الذي يحاول 
حمايتها . 

وهي ثانياً : تتقبل كل هدنة. أو حماية مع خصم يوقف حربه عليهاء 


ومهبىء سبل الدعوة ها. 
وهي ثالثاً: عندما تقبل هدا الأمرء لا تقبله على حساب عقيدتهاء أو 


۲۷ 


عل حساب مبادثهاء بل تتقبله انطلاقاً من مفاهيم وأعراف معينة تسمح هذه 
الأعراف بحرية العقيدة, أو حرية العقيدة والدعوة. 

وهي رابعاً: إذا قبلت هذه الحمايةء أو الإجارةء أو الحلف. لا 
يضيرها أن تسكت عن مهاجمة أشخاص حلفائهاء أو النيل مهم. ولكن لا 
تلني على عقائدهم» أو تؤيد باطلهم » > أو 7 تقر انحزافاتهم . 

وهي خامساً: تسعى لأن لا تشغل في المعارك الحانبية أو تستجر ها 
بل تقف الموقف الثابت الذي ينصب حول تتصحيح العقيدة» أو إيضاح 
المبدأء منطلقها في ذلك كله قول الله عزوجل: «وإن كادوا ليفتنونك عن 
الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذاً لا تخذوك خليلا ولولا أن ثبتناك 
لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً. إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات 
ثم لا تجد لك علينا نصيرا'“4. 


ونستطيع أن نجمع مواصفات هذه المرحلة كاملة ملخصة على الشكل 
التالي والتي أطلقنا عليها اسم: جهرية الدعوة وسرية التنظيم : 
١‏ -دعوة الأقربين. 
۲ الاعراض عن المشركين . 


۳ معام الدعوة الجديدة: الإيمان بال واليوم الاخرء والرسالة. 
٤‏ -الدعوة عامة. 

ه -سرية التنظيم. 

5 - القرآن مصدر التلقي . 

۷ - اللقاء المنظم المستمر. 

6 الصلاة خفية في الشعاب . 


۹ - التركيز على الجانب الروحي . 
٠-الدفاع‏ عن النفس عند الضرورة. 
-١‏ تحمل الأذى والاضطهاد في سبيل الله . 


(1) سورة الإسراء الآيات 11 - 6 . 


۸ 


١‏ محاولة إنقاذ المستضعفين بكل الوسائل الممكنة. 

٤‏ 7الحجرة إلى مكان آمن للدعوة. 

. البحث عن مكان آمن للدعوة. وقاعدة جديدة للانطلاق‎ ١6 

الاستفادة من قوانين المجتمع المشرك: الحماية والجوار. 

۷ -المحاولات السلبية من العدو في المواجهة . 

۸ المحارلات الإيجابية في الحرب: عمليات الاغتيال والقتل للقيادة. 

4 الجهرية الثانية ء وإعلان التحدي للمجتمع الجاهلٍ . 

٠‏ _ إعلان التحدي » ودور الشخصيات القيادية فيه. 

١‏ ملاحقة العدو لتجمعات المسلمين» وإحباط المسلمين هذه الملاحقة. 

١‏ - عبقرية الوفد الإسلامي في حوار الملوك. 

۴۳ _ لا مساومة على العقيدة. 

٤‏ _إثارة الحرب في صف حلفاء المسلمين» وفشل هذه المكيدة بالحزم 

والسرية . 

٠‏ المفاوضات المباشرة» وطرح الحلول السلمية. 

تحييد بعض الشخصيات نتيجة المفاوضات . 

۲۷ التجمع الفئوي حماية القيادة. 

٨۸‏ الحصار الاقتصادي» والمقاطعة العامة لتحطيم الدعوة» وحلفائها. 

4 - التفجرات الجاهلية تحطم الحصار والمقاطعة. 

. دور المرأة في هذه المرحلة جهاداً ودعوة وسرية‎ _ ٠ 

"١‏ مقاومة المخططات المعادية للإسلام بطريقة سلمية بعيدة عن مها.ة 
مقدسات العدو. 

٢‏ _ الاستفادة من العناصر المشتركة بين الإسلام» والعقائد الأخرى. 

۳ _ عدم التنازل عن جزئية واحدة من أجل الحماية. 


| 


ص 


C&C 


١ الله‎ 


۳۱ 


السمة الأولى 
طلب المنعة خارج مكة 


وكان ذلك عندما وصلت مكة إلى الطريق المسدودء فقادة مكة أصروا 
على مواقفهم» والمسلمون موزعون بين الحبشة مشردين» وبين مكة 
مضطهدين» أو إن الأمر محصور في الدعوة دون تغير في الواقم القائم. فكان 
لا بد من البحث عن مكان جديد تنطلق منه الدعوة» وكان أقرب المواقع 
لكة ثقيف في الطائف, فمضى رسول الله كَل إليها كا يحدثنا ابن اسحاق: 
(ولا انتهى رسول الله ب إلى الطائف عمد إلى نفر من ثقيف يومئذ» سادة 
ثقيف وأشرافهم وهم إخحوة ثلاثة: عبد يا ليل بن عمرو» ومسعود بن عمروء 
وحبيب بن عمرو. . فجلس إليهم رسول الله و وكلمهم با جاءهم له من 
نصرته على الإسلام» والقيام معه على من خالفه من قومه» فقال له أحدهم: 
هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله قد أرسلك. وقال الآخر: أما وجد الله 
أحداً يرسله غيرك! وقال.الثالث: والله لا أكلمك أبدأء لثن كنت رسولاً من 
الله كما تقول؛ لأنت أعظم خطراً من أن أرد عليك الكلام» ولئن كنت 
تكذب على الله ما يلبغي لي أن أكلمك. . فقام رسول الله 4ة من عندهم» 
وقد قال لحم: إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني - وكره رسول الله يل أن يبلغ 


۳۴۳ 


قومه عنه فيذئرهم ذلك عليه» فلم يفعلواء وأغروا به سفاءهم وعبيدهم 
يسبونه ويصيحون به حتى إجتمع عليه الناس» وألجأوه إلى حائط 
لعتبة بن ربيعة» وشيبة بن ربيعة وهما فيه » ورجع عنه من سفهاء ثقيف من 
كان يتبعه» فعمد إلى ظل حبلة من عنب. فجلس فيه وابنا ربيعة ينظران 
إليه» ويريان ما لقي من س أهل الطائف. فلا اطمأن رسول الله يلل 
قال فیا ذكر لي -: اللهم إن شكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي ‏ وهواني 
على الناس» يا أرحم 0 5 رب المستضعفين. 3 ربيء إلى من 
تكلني: إلى بعيد يتجهمني » أم إلى عدو ملكته أمري؟ | ن لم يكن.بك عل 
غضب فلا أبالي» ولكن عافيتك هي أوسع لي» أعوذ بنور وجهك الذي 
أشرقت له الظلمات. وصلح عليه أمر الدنيا والآخرةء من أن تنزل بي 
غضبك, أ أو يحل عل سخطك. لك العتبى حتى ترضى» ولا حول ولا قوة 
إلا بك ) ونجد في روايات أخرى أن رسول الله يله أقام بيهم عشرة أيام 
لا يدع أحدا من أشرافهم إلا جاءه وكلمه. فقالوا: ارج من بلادناء وأغروا 
به سفهاءهم. قال موسى بن عقبة: ورجموا عراقيبه بالحجارة حتى اختضب 
نعلاه بالدماء. (وزاد غيره). (وكان إذا أذلقته الحجارة قصد إلى الأرض» 
فيأخذونه بعضديه» ويقيمونه» فإذا مشى رجموهء وهم يضحكونء 
وزيد بن حارثة يقيه بنفسه» حتى لقد شج في رأسه شجاجاً”'). 

لقد كان سعي رسول الله يله إلى الطائف ذا هدفين: 

الأول: دعوة ثقيف إلى الاسلام . 

الثاني : طلب الحماية والنصرة منهم كما يقول نصر بسن اسحاق: 
(.. وكلمهم با جاءهم له من نصرته على الإسلام» والقيام معه على من 
خالفه في قومه). 


نحن إذنث أمام مرحلة جديدة تلف عن سابقتها ٤‏ هاتين اة لتر" 
الأساسيتين : 


. ۹۸-٩۹۷ تبذيب السيرة‎ )١( 
, ٠۲۳ مختصر السيرة لابن محمد بن عبد الوهاب ص‎ )۲( 


١5 


أولاهما: لأول مرة يخرج رسول الله 2 خارج مكة» ويفكر في تغيير 
مركز الانطلاق. هذا وإن كان قد هيأ مركراً احتياطيا له في الحبشة. غير أنها 
لا تصلح مركزاً للانطلاق» إلا عند الضرورة القاهرةء لأن الحبشة بعيدة عن 
الجو العربيء ولا بد أن تكون القاعدة الصلبة للانطلاق من قومه ليمكن 
قبولهم من بقية العرب. لخد كانت تريش لحت عل رسو ات قا أذ جع 
أوشاب العرب من جماع القبائل ليقضى هم مكة» ويغزوهاء فكيف يكن أن 
يقبل العرب دخول الأحباش ليكونوا القاعدة الصلبة للدعوة, وذكريات 
قريش عن الحبشة مرّة منذ عام الفيل. لكنْ ثقيفاً لا تقل أصالة عن قريش 
في الحسب والنسب والمنعة» وهي أنسب مايكون لتكون البديل عن مكةع 
فلا يلي مكة في الأهمية عند العرب إلا الطائف» وني الطائف أقدس أصنام 
العرب بعد الكعبة وهو اللات» وبها يحلف العرب. فلقد كان اختيار القيادة 
النبوية للبديل أوفق اختيار. 


ثانينهما: لأول مرة وفي هذه المرحلة الجديدة نجد عنصر طلب النصرة. 
فلقد كان رسول الله كف يدعو القبائل ويحضر مواسم العرب قبل هذه 
المرحلة. غير أن هذه الدعوة كانت محصورة في الدعوة إلى الإسلام. بل يمكن 
القول: إن الرسول ككل لم يطلب النصرة إلا في هذه المرحلة. وكانت الحماية 
والنصرة السابقة بئاءً على عرض المشركين وليست بناءٌ على طلبه. فأبو طالب 
هو الذي قاد هذه المرحلةء وحمل لواء نصرة ابن أخيه وجمع على هذا الرأي 
بنو عبد المطلب» بنو هاشمء وبنو المطلب. وفشل في ضم بني أمية وبني 
نوفل إلى هذا الحلف. ونفقه من هذه الرحلة النبوية المباركة أصول ال حركة 
السياسية للحركة الإسلامية. فعندما تسد أمامها المنافذ التي تنطلق منهاء 
وتصل إلى الطريق المسدود في مكان ماء فمن واجبها أن تبحث عن قاعدة 
جديدة للانطلاق. تحمل المؤهلات المناسبة للقاعدة الأول . 


وهذا ما لاحظناه في الحركة الإسلامية اليوم يوم سدت منافذ الجهاد 
أمامها في سورية وقد مك السلاح ثائرة ضد الطغيان الحاكم فيها. لجات 
إلى بديل طبيعي هو الأرض العربية المجاورة حيث فتحت الدولة المضيفة 


o 


أبوابها لإيواء المهاجرين المسلمين» واستطاعت الحركة الإسلامية أن تتابع 
جهادها لمقاومة الطاغوت الكافر. 

ولكن رسول الله يل ووجه بأعنف رد تلقاه داعية في الأرض, بعد أن 
بذل جهداً مضنياً في محاولة إقناع قادة ثقيف» وبعد أن أمضى عشرة أيام 
يتصل بكل تشقيف شباباً وفروعاًء لكن دوعا جدوى» فلم يأذن الله تعالى 
بالفرج بعد. 

ونلاحظ حرص رسول الله ية على الجانب السياسي في الموضوع حين 
طلب من قادة ثقيف كتمان الأمرء لما له من مضاعفات خطيرة في مكة. غير 
أن هؤلاء الزعاء نكثوا عهدهم وأغروا سفهاءهم وعبيدهم بإيذائه. ولم یشن 
هذا الإيذاء رسول الله تله عن مهمته كداعية. بل عرض عليه من ملك 
الجبال أن يطبق عليهم الأخشبين. فأبى عليه الصلاة والسلام قاثلا: إني 
لأرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يقول لا إله إلا الله. إن مهمة السياسي 
أن ينتصرء أما مهمة الداعية أن تنتصر دعوته. وحين يخير بين الأمرين فيختار 
دعوته على شخصه. وكم من الدعاة بحاجة إلى أن يتعمق هذا المعنى في 

إننا لا يمكن أن نتصور مثل هذه النماذج في الوجودء ولكن لنحاول 
الارتفاع إلى أفقها السامي» فأقبح رد والأم معاملة تصل إلى الحد الذي ذكرته 
الروايات (رجموا عراقيبه بالحجارة حتى اخحتضبت نعلاه بالدماءء وكان إذا 
أذلقته الحجارة قعد إلى الأرض فيأخذونه بعضديه ويقيمونه. فإذا مشى رحوه 
وهم يضحکون» وزيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى لقد شج في رأسه شجاجاً) . 
ومع ذلك يأتيه العرض من ربه تعالى أن ينتقم له ويثار له. ولیس عرضاً من 
حليف أرضي» ولا من شيطان مريد. بل من رب العلمين» ومع هذا كله 
فيملك الخيار ويرجو ربه أن يخرج من أصلابهم من يقول لا إله إلا الله . 


إن المرء ليعجز عن تصوير هذا السمو البشري مها كان مستواه. بل 
يكاد يعجز عن تصوره. وبقي مع هذا لنا من هذا الدرس أن لا تغيب 


ل 


الدعوة عن أذهاننا لحظة من اللحظات. وإن يكون رضى الله تعالى هو الذي 
يحرك مواقفنا جميعها. فلم بشغل بال رسول الله الأذى الذي ق به کا 
ذكره (إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني, أم إلى عدي ملكته أمري) بمقدار 
ما كان يشغله أن يكون هذا الأذى دليلا على غضب الله تعالى عليه: (اللهم 
إن لم يكن بك عل غضبٌ فلا أبالي). وكل الذي كان يرجوه من ربه جل 
وعلا أن يرفع عنه هذا السخط إن كان قد وقع (أعوذ بنور وجهك الذي 
أشرقت به الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن تنزل عل غضبك أو 
تحل عل سخطك. .). وسيبقى الأفق الأعلى الذي تحاول البشرية أن ترقى 
إليه» وخاصة الدعاء إلى اللهء أن لا ينسوا هدفهم أبداً. ويذكروا دائاً أن 
الهمدف الأول عندهم نصر دعوتهم لا ' نصر أشخاصهم ء وأن ل يكون الثأر 
والانتقام هر الذي ركهم . ولو وقاب الدعاة اليوم ملياً أمام هذه الصورة. 
وطلب منهم أن يقبلوا إسلام أعدائهم الذين يحاربونهم في سورية اليوم لا 
كان بإمكانهم أن يتصوروا هذا الواقع بله أن يقبلوه. إذ أن الشيء الذي 
يحركهم ا أو يمكنهم أن يقبلوه فقط هو الثأر والانتقام من أعداء الله 
فليراجعوا قلوبهم وليصححوا مواقع نفوسهم ١‏ بحيث لا يكون حظهم من 
الدنيا إلا حظ عقيدتهم. وليكن لهم من رسول الله يلا الأسوة الحسنة الذي 
يرتفع فوق عواطفه › ويرتفع فوق أحقاده وثاراته . ولا يكون له هدف إلا 
انتصار الدعوة وبلوغها الآفاق حتى تكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين 
كله لله . 


السمة الثانية 
طلب الإجارة من العدو في مكة 
(ذكر ابن اسحاق أن رسول الله ي لما أراد أن يدخل مكة بعد رجوعه 
من الطائف أرسل إلى الأخخنس بن شريق: أدخل في جوارك؟ فقال: إني 
حليف» والحليف لا يجير. فبعث الى سهيل بن عمرو فقال: إن بني عامر لا 
تجير على بني كعب» فبعث إلى المطعم بن عدي فأجابه على ذلك) . 


يفخن 


(وأقام رسول الله كلل بنخلة أياماًء فقال له زيد بن حارثة» كيف تدخل 
عليهم وقد أخرجوك؟ ‏ - يعني قريشاً-. فقال: يازيد إن الله جاعل لما ترى 
فرجا ومخرجاًء وإن الله ناصر ديله ومظهر دينه. ثم انتهى إلى مكة. فأرسل 
رجلا من خزاعة إلى المطعم بن عدي : أدخل في جوارك؟ فقال: نعم. ودعا 
بنيه وقومه فقالوا البسوا السلاح وكونوا عند أركان البيت. فإني قد أجرت 
محمداً. فدخل رسول الله ية ومعه زيد بن حارثة حتى انتهى إلى المسجد 
الحرامء فقام المطعم بن عدي على راحلته: يا معشر قريش» إني قد أجرت 
محمداً فلا يبيجه منكم أحد. فانتهى رسول الله إلى الركن فاستلمه» وصلى 
ركعتين» وانصرفت والصرف إلى بيته والمطعم بن عدي وولده محدقون به 
بالسلاح حتى دخل بيته(3©. 


لئن كانت رحلة الطائف ذات هدفين هما الدعوة والنصرة فلا شك أن 
الموضوع محصور الان في طلب الإجارة والحماية من زعاء مكة. ونلاحظ في 
هذه الرواية إشارة إلى أن أهل مكة أخرجوا رسول. الله ب كا يقول زيد 
رضي الله عنه: (كيف تدخل عليهم وقد أخرجوك؟). وكانت ثفته ب بربه 
أن فرج الله تعالى قريب وخاصة عندما تشتد المحنة ويعظم البلاء. 


والأخنس بن شريق من بي زهرة» وبنو زهرة حلفاء بي هاشم وبي تيم 
في حلف الفضول» فتلصل الأخنس من الإجارة بقوله: إني حليف والحليف 
لا يجير. ولعل الأصل في قانون الإجارة أن تكون من قبيلة لقبيلة ثانية» أما 
الحماية» فهي التي تتم من القبيلة لأبنائهاء كا كانت حماية أي طالب. ثم 
بعث إلى سهيل بن عمرو فتنصل من الإجارة بقوله: إن بني عامر لا تجير على 
بني كعب» فسهيل بن عمرو يلتقي مع رسول الله ية من حيث السب في 
لؤي وفي لؤي يفترق بنو كعب بن لؤي عن بني عامر بن لؤي. ولا ندري 
كذلك حدود هذه الأعراف الجاهلية, ول لا تجير ٻنو عامر على بني كعب لكنها 
كانت محددة واضحة, أو أنه تعلل للهروب من هذه الإجارة. 


. ٠١١ مختصر السيرة لابن محمد بن عبد الوهاب ص‎ )١( 


١4 


ثم طلب الإجارة من المطعم بن عدي زعيم بني نوفل بن عبد مناف› 
وهم الفرع الثالث من بني عبد مناف» | إذ الفروع الأربعة هي بنو هاشم وبنو 
عبد شمس وبنو المطلب وبنو نوفل. اويعلم المطعم بن عدي خطورة و 
على هذه المغامرة. فقد يعادي قريشاً كلها من أجل هذه الإجارة» إذ أي 
اعتداء يقع على محمد بل لا بد أن يرد هذا الاعتداءء ولو أدى الأمر إلى 
حرب بينه وبينهم . 


ونعلم كذلك حرص لطعم بن عدي على ألفة قومه» حين لام 
أبا طالب لعدم قبوله تبادل محمد وعمارة بن الوليدء إذ قال له: والله يا أبا 
طالب لقد أنصفك قومك» وجهدوا على التخلص مما تكرههء فا أراك تريد 
أن تقبل شيئاًء فأجابه أبو طالب: والله ما أنصفوني ولكنك قد أجمعت خذلاني 
ومظاهرة القوم علي» فاصنع ما بدا لك. 


والمطعم أمام هذا الموقف العصيب». وأمام معاداة قومه بالاستجابة 
لطلب محمد بن عبد الله أو التنصل من الإجارة كا تنصل غيره. فوقف موقفاً 
مشرفاء حفظه له التاريخ حيث سلح بنيه جميعاً وحضر بهم إلى الكعبة 
بالسلاح معلناً إجارة محمد بن عبدالله. حيث دخل رسول الله يله 
وزيد بن حارثة فطافا بالكعبة بحماية السلاح. ومضى إلى بيته وه بحمايتهم 
كذلك» وكان هذا صفعة كبيرة لقريش» وتحدياً لمشاعرهاء لكنها لم تشأ أن 
تخسر بني نوفل إلى الأبد إلى صف محمد كا خسرت بني المطلب وبني هاشم» 
فسكتت على مضض . 

وحفظ رسول الله ية هذا الصنيع للمطعم بن عدي . فقال في بدر وقد 
أسر من قريش سبعين من صناديدهم : لو كان المطعم بن عدي حياً لوهبت له 
هؤلاء النتنى. وكم نحن بحاجة إلى أن نفقه هذا المعنى في حركتنا الإسلامبة 
المعاصرة . 

إن المطعم بن عدي كافر لا يختلف في عقيدته أبدأ عن بقية قريش 
وإن أبا جهل وأبا لهب كافران كذلك مثل المطعم بن عدي. لكن الفرق بين 


۳۹ 


النوعين واضصح: كافر مسالم مناصر للمسلمين» وكافر عدو محارب. ورسول 
الله ا هو الذي يطلب هله الإجارة وهذه النصرة . ويتنقل ف مكة تحت 
حاية السيوف الكافرة > وها هو علیہ الصلاة ا يعان أنه سيطلق سراح 

إن رسول الله ب يربينا على أن نرد المعروف لأهله ولو كانوا کنا 
ويعلمنا أن نحفظ الود لأهله. ولو كانوا عبدة أصنام وأوثانء ويربينا كيف 
نفرق بين العدو الذي نحميئا وبين العدو الذي يقتلنا , 

ونخلص بعل ذلك إلى طبيعة هله المرحلة الي أسميئاها مرحلة قيام 
الدولة. فنجد أنها مرحلة طلب النصرةء ابتداءً من ثقيف. فالمطعم بن عدي , 
فالقبائل الأخرى. 

ونلاحظط هنا أن حماية المطعم - على ما یدو كانت حصورة على الحماية 
الشخصيةء لا على حرية الدعوة. ومن أجل ذلك رأينا رسول الله 7 يبحث 
عن موطن أخخر يستطيع أن ينطلق مئه للدعوة في سبيل الله . 


السمة الثالثة 
طلب المنعة والحماية لتبليغ الدعوة من القبائل 
اراس ولسوا اي وو 
يرتاد المواسم وأسواق العرب ويدعو الناس للايمان بالله (قولوا لا إله إلا الله 
تفلحوا) ويدعوهم إلى نبل الأصنام والأوثان .أا في موسم هذا 7 أعني 
السنة العاشرة للبعثة - فقد اختلفت الصيغة عن ذي قبل . 


يقول المقريزي في إمتاع الأسماع: (ثم عرض رسول الله - ية - نفسه 
على القبائل أيام الموسم. ودعاهم إلى الإسلام وهم بنو عامرء وغسان»ء وبنو 
فزارة. وبئو مرة» وبلو حنليفة » وبلو سليم ؛ وبنو عبس » وبئو نصرء 
وثعلبة بن عكابة, وكندة» وکلب» وشرو الحارث بن كعب» وشو عذرة» 


١+٠ 


وقيس بن الخطيم, وأبو الحيسر أنس بن أبي رافع» وقد اقتص الواقدي أخبار 
هذه القبائل قبيلة قبيلة» ويقال إنه کل بدأ كندة فدعاهم إلى الإسلامء ثم 
أتى كلباء ثم بني حنيفة» ثم بني عامر وجعل يقول: من رجل يحملني إلى 
قومه فيمنعني حتى أبلغ رسالة ربي» فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ رسالة 
ربي؟ هذا وعمه أبو لهب وراءه يقول للناس» لا تسمعوا منه فإله كذاب()), 

إنها دعوة صريحة بطلب الحماية من القبائل العربية لتبليغ دعوة الله 
عز وجل . ويفهم من هله الدعوة إنه لیس من الضروري أن تسلم القبيلة › 
إنما المطلوب هو أن تؤمن الحماية اللازمة له لتبليغ دعوة الله عز وجل كا أن 
الذين هيأوا له الحماية من قبل لم يكونوا مؤمنين جميعاً. بل كان أبو طالب 
على رأسهم وم يدخل في الدين الجديد والقبائل التي عرض عليها الإسلام» 
وطلب منہا النصرة ف العام الحادي عشر وبعد هي : بنو عامرء 
وشيبان بن ثعلبة. وبنو كلب» وبنو -حليفة » وبلو كلدة. أما بلو حئيفة فلم 
يكن أقبح ردأ منهم. وأما بنو كلب فقد أ بطناً منهم وقال لهم: إن الله قد 
أحسن اسم أبيكم . فلم يقبلوا منه ما عرض عليهم. وأما بنو كندة فلم يقبلوا 
منه كذلك» وبقي لدينا بئو عامر بن صعصعة. وبنو شيبان بن تعلبة» وهما 
بيت القصيد في هذه الفقرة. 

قال ابن اسحاق: (.. وأنه اتی بنى عامر بن صعصعة فدعاهم إلى الله 
عز وجل. وعرض عليهم نفسه فقال رجل منهم يقال له بيحرة بن فراس» 
أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ثم أظهرك الله على من خالفك أيكون لنا 

قال: الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء. * 

فقال له: أفنهدف نحورنا للعرب دونك فإذا أظهرك الله كان الأمر 
لغيرنا لا حاجة لنا بأمرك! فابوا عليه"“). 


(1) امتاع الأسماع ج۱ ص ,"١ 1١‏ 
(۲) السيرة النبوية لابن هشام ج۲ ص .1١‏ 


٤1 


وكان اللقاء الثاني مع بني شيبان. (... وزاد قاسم بن ثابت تكملة 
للحديث قال: ثم دفعنا إلى مجلس آخر عليهم السكينة والوقارء فتقدم 
أبوبكر فسلم . قال علي: وكان أبوبكر في كل خبر مقدماً. فقال: عن القوم؟ 
فقالوا: من شيبان بن ثعلبة. فالتفت أبو بكر إلى رسول الله لل وقال: (بأبي 
أنت وأمي هؤلاء غرر في قومهم) . . وفيهم مغروق بن عامر وهانىء بن قبيصة 
ومثنى بن حارثة ‏ والنعمان بن شريك . ر قل غلبهم حال ولساناً وكان 
له غديرتان تسقطان على تريبته. فكان أدن القوم مجلساً من أبي بكر. فقال 
أبوبكر: كيف العدد فيكم؟ قال مغروق: إنا لنزيد عن الألفء ولن تغلب 
الألف عن قلة. 

قال أبو بكر: وكيف النعة فيكم؟ فقال مغروق: علينا الجد والجهد. 
ولكل قوم حد. 

قال أبو بكر: وكيف الحرب بينكم وبين عدوكم؟ فقال مغروق: إنا 
لأشد ما نكون غضباً لحين نلقى» وإنا لأشد ما نكون لقَاءٌ حين نغضب» وإنا 
لنؤثر الجياد عن الأولاد والسلاح على اللقاح . والنصر من عند الله يديلنا مرة 
ويديل علينا أخرى. لعلك أخو قريش؟! 

فقال أبو بكر: أوبلغكم أنه رسول الله فها هو ذا؟ فقال مغروق: قد 
بلغنا أنه يذكر ذلك. فإلى م تدعو يا أخا قريش؟ 

فتقدم رسول الله فقال: أدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده 
لا شريك له وأني رسول , الله وإلى أن تؤووني وتنصروني» فإن قريشاً قد 
تظاهرت على أمر الله وكذّبت رسوله» واستغنت بالباطل عن الحق. وال هو 
الغني الحميد. 

فقال مغروق: وإلى م تدعو يا أخا قريش 

فقال رسول الله : فإقل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا 
به شيا وبالوالدين إحساناً ولا تقتلوا أولادكم من إملاق. .42 الآية. 

فقال مغروق: وإلى مّ تدعو أيضاً يا أخا قريش؟ 


(1) الأنعام الآية ٠١١‏ . 


١" 


فتلا رسول الله كل: «إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي 
القربي'“. . .# الآية. ۰ ٠‏ 
فقال مغروق: دعوت يا أخا قريش والله إلى مكارم الأخلاق ومحاسن 
الأعمالء» ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك. وكأنه أراد أن يشرك في 
الكلام هانىء بن قبيصة» فقال: وهذا هانىء بن قبيصة شيخنا وصاحب ديننا. 


فقال هانء: قد سمعت مقالتك ياأخا قريشء» وإني أرى أن تركنا 
ديننا واتباعنا إياك على دينك لمجلس جاسته إلينا ليس له أول ولا آخر لوهنٌ 
في الرأي». وقلة نظر في العاقبة» وإئما تكون الزلة مع العجلة» ومن ورائنا قوم 
نكره أن نعقد عليهم عقداً ولكن ترجع ونرجم» وتنظر وننظر. 

وكانه أحب أن يشرك في الكلام مثنى بن حارثة فقال: وهذا 
المثنى بن حارئة شيخنا وصاحب حريئاء فقال الثفى: قد سمعت مقالتك 
يا أخخا قريش» والجواب هو جواب هانىء بن قبيصة في تركنا ديننا واتباعنا إياك 
في مجلس جلسته إلينا ليس له أول ولا آخر. وإنا إنما نزلنا بين صريان اليمامة 
والسماوة, 

فقال رسول الله ككل: ما هذا الصريان؟ 

فقال: أنبار كسرى ومياه العرب. فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب 
صاحبه غير مغفور» وعذره غير مقبول» وأما ما کان من مياه العرب فذنبه 
مغفور وعذره مقبول. وإنما نزلنا على عهد أخذه علينا کسری» لا نحدث 
حدثاً ولا نؤوي محدثاً. وإني لأرى أن هذا الأمر مما تكرهه الملوك. فإن 
أحيبيت أن نؤويك وننصرك غا يلي مياه العرب فعلنا. 

فقال رسول الله يله : ما أسأتم الرد إذ أ فصحتم بالصدق» فإن دين 
الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه. أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلاً 


حتى يورئكم الله أرضهم «بارء*م ,2 -شكم نساءهم أتسبحون الله 
وتقدسونه؟ ! 


.٠١ النحل الآية‎ )١( 


4۳ 


فقال النعمان بن شريك: اللهم لك ذا. o.‏ 

فتلا رسول الله ككل «يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشرا ونذيراًء 
وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً» . 

ثم بض النبي كله فاخذ بيدي أبي بكر فقال: يا أبا بكرء يا با حسن 
أية أخلاق في الجاهلية ما أشرفها بها يدفع الله بأس بعضهم عن بعضء وبها 
يتحاجزون فيا بينبم. قال: ثم دفعنا إلى مجلس الأوس والخزرج فما مضنا 
حتی بابعوا الذي وق وكانوا صقا يرأ . 

إن من نعمة الله علينا أن نجد بين أيديئا نصوصاً عن أحلاف لم تتم 
لأا تكون هادية لنا على الطريق نتعرف من خلاها على ما يحل لنا وما لا يحل 
في مجال المعاهدات والأحلاف السياسية: ولو لم تتعثر هذه المباحثات» لم 
نتعرف على حدود الحركة السياسية النبوية التي نتوخى من بخلالها حدود 
حركتنا اليوم . 

أما المحادثة الأولى مع بني عامر بن صعصعة. فقد تعثرت لسبب واحد 
هو أن رسول الله كي لم يعدهم بأن يكون لهم الحكم من بعده» وهي التي 
جعلتهم يرفضون إيواءه ونصره كما قال زعيمهم بيحرة بن فراس: أفنہدف 
نحورنا للعرب دونك فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرناء لا حاجة لنا بأمركى 
وبذلك خط لنا رسول الله بي خطا إنه مهما كانت حالة الضعف لدى الحركة 
الإسلامية فلا يحق لحا أن تفاوض على إقرار غير المسلمين على باطلهمء 
والاعتراف لهم بحق الحكم بغير شريعة الله. فالأمر ليس ملكا يورث إِما هو 
شريعة تسود . 


ولا بد من التفريق بين الأمر الواقع , وبين إقرار المسلمين به وموافقتهم 
عليه. وأن يكون اسم الإسلام بعد ذلك. وليست القضية هي حكم أشخاص 


. الأحزاب الآية هم و45‎ )١( 
. ١١85 مختصر السيرة لابن محمد بن عبد الوصاب ص‎ )۲( 


١55 


يدخل الناس في دين الله » ويحقق الله تعالى موعوده بالنصر. فلا يحق لفئة 
مشركة أن تتسلط على الحكم والسلطة» بحكم أنها كانت تناصر هذه الدعوة 
وتساندهاء وكثيرا ما تواجه الحركة الإسلامية أثناء مسارها الطويل بفريق أو 
فثة أو دولة تساندها وتحالفها لفترة مؤقتة» وتشترط عليها لإيصاها للحكم أو 
مساعدتها في ذلك أن تكون شريكتها في السلطة» فيحكم الأرض بوقت واحد 
إسلام وجاهلية أو تعاقب بين إسلام وجاهلية باسم العقد أو الحلف وهذا 
مرفوض في الميزان الإسلامي . 

يكن للحركة الإسلامية أن تقبل حماية من مشرك في حالة ضعفها 
وعدم تمكنهاء لكن أن يعطى هذا العدو الحق في أن يسود ويحكم باسمها 
ومن ورائها ويستغلها مطية لمأربه فهذا مرفوض في الميزان الإسلامي . 


وماذا نجد في المحادثات الثانية مع بني شيبان بن ثعلبة؟ 

لقد ابتدأ أبو بكر رضي الله عنه في المفاوضات بعد أن عرف أنه مع 
زعباء بنى شيبان لقد سأل عن العدو وسأل عن المنعة وسأل عن الخرب» 
وتوسم الصدق في الجواب من القوم فكان العدد يزيد عن الألف» وكانت 
الحمية متوفرة والاستعداد للقتال قائم كا قال مغروق: إنا لأشد ما نكون 
غضباً لحين نلقى» وإنا لأشد ما نكون لقاءُ حين نغضبء وإنا لنؤثر الجياد 
على الأولادء والسلاح على اللقاح والنصر من عند الله . 

فإذا كان رسول الله يي يريد المنعة. فها هنا مكانهاء وقريش لا تزيد 
عن الألف لو تبنت منعة رسول الله بء فلقد أوعبت ألفاً في بدر ولكن 
المفاوضات ابتدأت في حلقة جديدة. 

فلقد كان مغروق من الذكاء واللباقة ما جعله يكتشف من خلال 
الأسئلة أن السائل رسول الله يلو وهو أخو قريش وصاحب مكة» وكان من 
العقل والحنكة بحيث يتجاهل كل الأراجيف عن رسول الله بأنه ساحر أو 
شاعر أو کاهن» وتوجه لرسول الله ب يسأله عن دعوته ودينه. 

ونتعلم من إجابات الرسول ب لمغروق فن الدعوة للعدو إذا صح 


١ هع‎ 


التعبير. فكان لا بد من المعالم الأولى للدعوة: أدعو إلى شهادة أن لا إله إلا 
الله وحده لا شريك له وأني رسول الله. وهي مفرق الطريق بين الإسلام 
والكفر» وهي التي حاربتها قريش عشر سنوات» ورفضت أن تقوها. ول 
يكتف رسول الله يل بذلك» بل حدّد هدف اللقاء» وهدف الأسئلة السابقة 
التي تقدم بها أبو بكر رضي الله عنه. . . وإلى أن تؤووني وتنصروني. 

ولا شك أنه سيحاك في الذهن «باشرة سال كثيرة عن سيج اللجوء 
إليهم دون أن يمتنع بقومه قريش فقال ڳا متابعاً: . . فإن قريشاً قد تظاهرت 
على أمر الله وكذبت رسولهء واستغنت بالباطل عن الحق والله هو العلي 
الحميد. ْ 

ولا شك أن مغروقاً قد انشرح صدره لهذا الحديث فأحب أن يتعرف 
على معالم أخرى لهذا الدين الجديد فكرر السؤال: وإلى م تدعو ياأخا 
قريش؟ واختار رسول الله كل الحديث عن عزة القيم والأخلاق التي تفتخر 
بها العرب» ولو كانت تخالفها ني كثير من الأجيان: طقل تعالوا أتل ما حرم 
ربكم عليكم آلا تشركوا به شيثاً وبالوألدين إحساناً. . 42١.‏ . 


إن الجو وإن كان جو محادئات ومباحثات سياسية. لكن الدعوة إلى الله 

هي الأصلء وكسب القوم إلى الإسلام أكبر بكثير من حمايتهم لرسول الله 
وهم لا يؤمنون برسالته» ولعل مغروقا حرص ص أكثرٍ على إيضاح هذه الدعوة, 
وراعه بيانها وفكرها فاستزاد قائل وال م تدعو أيضاً يا أخا قريش؟ . 


واختار رسول الله ل الآية الجامعة الفذة المائعة: #إن الله يأمر بالعدل 
والاحسان وإيتاء ذي القربى. وينبى عن الفحشاء والمنكر والبغى يعظكم 
لعلكم تذکرون"“). ۰ 


إن قمة القيم الأخلاقية والسياسية فل عرضت ف هذه المفاوضات › وما 


. ٠١١ الأنعام‎ )١( 
.٠١ النحل الآية‎ )۴( 


14 


تمالك مغروق أن قال: دعوت والله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق وعاسن 


فلقد صِدّق مغروق مقالة رسول الله کيا لكنه لا يستطيع أن يقطع في 
هذا الأمرء فأحال الأمر إلى شيخهم وصاحب دينهم هانىء بن قبيصة. ولعل 
هانثاً لم يجرؤ على اتخاذ خطوة حاسمة في أمر الإسلام» أو أنه كان مقتنعاً 
بدين الجاهلية أكثر من غيره» فتفلت من الأمر وأجله وسوّف فيه وتذرّع 
بالحكمة دون العجلة» وبذلك انتهت الخطوة الأولى دون طائل . 


ولل مغروق هذا الموقف. وأحال هانىء الكلام على المثنى شيخهم 
وصاحب حرم ولا شك أن انى من ظاهر حديثه يبدو أنه قد تأثر يموقف 
النبي بي وحاول أن يقطع فيا هو من اخحتصاصهء وقدم الصورة كاملة في 
جال الحماية. ولخص الموقف بقوله: فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يل 
مياه العرب فعلنا. وذلك بعد أن أشار إلى أن هذه الدعوة والرسالة مما 
يكرهها الملوك . 

وكان جواب رسول الله بي في منتهى الحكمة والحصافة ويمنتهى 
الوضوح كذلك: ماأسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق. فإن دين الله لن 
ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه. وبذلك انتهت المفاوضات دون 
تحالف؛ لأن بني شيبان قدموا الحماية حسب إمكاناتهم على العرب فقط. أما 
كسرى فلا » فلقد عاهدوه أن لا يحدثوا حدثا أو يؤوا عدا ولعل كسرى 
يغضب أشد الغضب لو علم بذلك» فهو أمر تكرهه الملوك. 

إن الحماية المشروطة أو الجزئية لا تحقق الهدف المقصودء فلن يخوض 
بنو شيبان حرباً ضد كسرى لو أراد القبض على رسول الله وتسليمه» ولن 
يخوضوا حرباً ضد كسرى لو أراد مهاجمة محمد رسول الله وأتباعه» وبذلك 
فشلت المباحثات» وأحب رسول الله ب أن يغزو قلوب بني شيبان بأن 
حدّثهم عن موعود الله بنصره» وأنهم ورّاث الأرض من دون المشركين إن هم 
آمنوا بالله ورسوله وسبحوهء وهذا هو الهدف الوحيد البعيد الذي تحقق ليب 
طريقاً مفتوحاً للقاءات القادمة: 


14%۷ 


أرأيتم إن لم تلبشوا إلا قليلاً حتى يورثكم الله أرضهم وديارهم 
ويفرشكم نساءهم؟ أتسبحون الله وتقدسونه؟ فقال النعمان بن شريك: اللهم 
لك ذا. عندما يكون الأصل في التحالف السياسي هو النجاح أو تحقيق فوز 
على العدو. أو بتعبير أدق عندما يكون الميزان هو ان الغاية تبرر الواسطة. 
فتعتبر الوقوف عند هذه الجزئيات خطلاً سياسياً. أما عندما يكون المدف هو 
انتصار الدعوة والعقيدة فالتخلي عن جزئية واحدة منها هو تخل عنها كلها. 


السمة الرابعة 
فشل المساومات 


ولنقف عند هاتين النقطتين: 

أ الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء. 

تعهد واحد طلب من رسول الله يه فرفضهء. فماذا تستفيد الحركة 
الإسلامية من هذا الموقف وهي في حالة الضعف؟ 

إن الحركة الإسلامية حين تفاوض عدوا على مستقبل الحكم أو تدعى 
إلى التحالف معه إذا استطاعت أن تصل مع هذا العدو إلى أن يكون الأمر 
لله يضعه حيث يشاء من خلال بنود التحالف» فلها حرية الاختيار في ذلك» 
وحتى تتوضح الصورة أكش» نجد أن بإمكان الحركة الإسلامية أن تتحالف 
مع عدو على إسقاط عدو أخرء ويكون الحكم بعد ذلك لله يضعه حيث 
يشاء» والتعبير العملي لحذه الصيغة أن هذا التحالف الذي أسقط ذلك العدو 
ينتهي نصه بسقوطه. وكل حليف سياسي بعد ذلك بجهده الخاص للوصول 
إلى الحكم بدون أن يكون بين هؤلاء الحلفاء تعهدات لبعضهم بتعاور الحكم 
أو الاشتراك فيه فنرى أن هذا الخط من صميم التحرك الإسلامي السياسي . 
وهذا المفهوم يقود إلى نقطتين شائكتين» ولكن لا مناص من التعرض 
لما وهما: 


١4 


١-هل‏ من حق الحركة الإسلامية أن توقع على تحالف بأن يكون الحكم 
ديمقراطيا؟ 

؟ ‏ وهل من حق الحركة الإسلامية أن توفع على تحالف بقيام حكومة مؤقئة 
ومؤتلفة؟ ونحاول الإجابة على السؤال الأول: 


فقد يتبادر إلى الذهن مباشرة أن يكون الجواب بالإيجاب لأن النظام 


الديمقراطي لا يحدد فرداً أو جهة يخوها استلام السلطة. وهذا يعني أن الأمر 
لله يضعه حيث يشاء. إنني أستبعد جواز ذلك والله أعلم ‏ وذلك للأسباب 


التالية : 


ولا 


: النظام الديمقراطي يقتضي من الحركة الإسلامية أن تقبل بالفثة أو 


الحزب الذي ينتخبه الشعب» وأن تبادر فتعترف بشرعيته طاما فاز 
بالأكثرية» وأن تخضع لنظامه. وقد يكون هذا الحزب أو التجمع 
معادياً للإسلام» أو لا يتبنى الإسلام على أحسن الاحتمالات» 
وخروجها عليه خروج على الشرعية التي أعلنت الالتزام ببا» فهي 
تضطر أن تنقض عهدا أبرمته» ولا يحل في ديننا إلا الوفاء وحقيقة 
هذا الميثاق حين توقعه الحركة الإسلامية ليس ضمن إطار الأمر لله 
يضعه حيث يشاء» بل ضمن إطار القبول بمشيئة الفئة الغالبة, 
ولو كانت غير شرعية بميزان الله. 

إنه صحيح أن كل شيء بمشيئة الله» لكن مهمتنا أن نسعى 
لإقامة شريعة الله ونقاوم أي نظام باطل فنحقق مشيثة الله تعالى 
«ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون(2» ونفر من قدر 
الله إلى قدر الله لا أن نعلن قبولنا بشرعية أكثرية لا ترضى 
بشريعة الله أو إننا سنغدر بالمواثيق التي أعطيناها ولا يحل في ديننا 
الغدر. 


: ولنفرض جدلاً أننا قبلنا بالنظام الديقراطي» فإن الشعب هو 


مصدر التشريع 3 هذا النظام» وقبولنا بذلك يعني قبولنا بكل 


.۸ سورة الأنفال من الآية‎ )١( 


۹ 


تشريع لذ يرضاه الإسلام؛ واعتباره شرعياً ف الوقت نفسه طالما 
إنه صادر عن هيئة تشريعية منتخبة . 

: ولنفرض جدلاً أن الحركة الإسلامية اشترطت قبول نظام الإسلام 
حتى تقبل النظام الديمقراطي ‏ فهي 3 هذه الحالة قد قيلت 
بالمتناقضات في البنود نفسهاء تجعل حجة لخصوم الإسلام عليها 
في المستقبل أن هذا الحكم وهو نظام الإسلام لا يمثل ر 
الشعب» وبالتالي لا يجوز أن يفرض عليه. 

ا ينصره إل من حامه من جيع ر 


اسلف المؤدي للأهداف المرسومة» إنه يرسم استاي الحركة الإسلامية. 


إن التحالف البني على عاطفة عارضة أو مصلحة جزئية» هو على المدى 


البعيد طمس للخط الإإسلامي الواضح » وهذه الفقرة تدعونا إلى الملاحظات 
التالية : 


5 


0 


عبقرية التخطيط السياسي فلا يكون استجابة لنزوة بنزوة ممائلة» بل 
يكون ضمن استراتيجية محددة الأهداف واضحة الخطى» وخطة محكمة 
تدرس سائر الاحتمالات المتوقعة من الحليف الآخر. 


مرونة العمل السياسي. فعندما أكون واضح الهدف أسلك مع الخصم 


الذي أود مالفته كل سبيل يكن أن يوصلبنى إلى الهدف المطلوب. ولا 
أدع الفرصة تفوتني لتحقيق هذا الهدف. ٠‏ 

ويكفي أن نرى عظمة هذه المرونة في آنا استوعبت معظم القبائل 
العربية وبحثت معها الأمرء واستوعبت الزمان والمكان. فالمواسم كلها 
مسرح للعمل السياسي الإسلامي لتحقيق الهدف المحدد الواضحء 
أسواق العرب بل بل أماكنيم ووفودهم هي مغزوة دائ بالنشاط الاسلامي 
السياسي . إن كل قبيلة غير قريش مؤهلة للمفاوضات والتحالفات» 
فكندة فى الحنوب» وغسان ٍ الشام» وحنيفة في اليمامة» وشيبان 5 
العراق كل هذه القبائل التي أ تت وفودها للمواسم كانت مسرحاً للعمل 


10۰ 


السياسي الإسلامي» بل إن قريشاً عرضة للتفاوض مع بعض قادتها كا 
وجدنا مع المطعم بن عدي . 

۴ - عبقرية المفاوض السياسي : وحين يكون المدف واضحاً والمفاوض مرناً 
ذكيا تقيأ عبقرياً. فيمكن أن تزج به الحركة الإسلامية في هذا الْخضِمٌ لا 
تخشى بعون الله عليه من أي طارىء. «لقد رمينا أرطبون الروم بأرطبون 
العرب» 


وحين يفقد المفاوض السياسي واحدة من الصفات المذكورة فلا بد أن 
يحمل الوفد المفاوض هذه الصفات» فالمرونة للقدرة على تقليب وجهات 
النظرء وعرض الحلول المتنوعة اللامتناهية والذكاء للقدرة على التخلص من 
أي مأزق يکن أن يزجه الخصم به. 

والتقى لتبقى حركته ضمن الإطار الشرعي الذي حدده له الإسلام» 
وإطار المصلحة التي حددتها الحركة» والعبقرية لغل سلاح الخصم ودفعه إلى 
المدف الذي يريده المفاوض الإسلامي . 


ولننظر إلى هذه الفقرة بمنظار آخر: «إن دين الله لن ينصره إلا من 
حاطه من جميع جوانبه» . 

لقد كانت هذه الكلمة ردأ على المثنى بن حارئة حين عرض على رسول 
الله ية حماية على مياه العرب دون مياه الفرس» وصاحب النظرة السياسية 
العجلى يرى أن تفويت هذه الفرصة خطأ سياسي» لكن الذي يسبر أغوار 
السياسة البعيدة» يرى بعد النظر الإسلامي النبوي الذي لا يسامى . 


إن المثنى قد المح إلى أن هذا الأمر تكرهه الملوك. وإن موقع الدعوة 
بجوار فارس تجعلها سهلة المتناول في كل لحظة منها. وإن العهود والمواثيق 
المقيدة لشيبان تجعلهم أعجز من أن يستطيعوا حماية هذا الرسول وهذا الدين 
الجديد من بطش كسرى وسلطانه. إن التحالف مع الخصم الأقوى يكون في 
معظم الأحيان لصالح هذا الخصم. فموقع شيبان إذن غير مناسب ليكون 
مركزاً للدعوة الجديدة: وعهود شيبان من جهة ثانية تشل إمكانية الحركة 


1۵1 


الأإسلامية. وكراهة الملوك لمذه الدعوة التي تدعو لإخخراج الناس من عبادة 
اباد عبادة الله من جهة ثالة عنصر غير مشجع لوجود هذه المركة بحيث 
تمس مصالتها وتوقع الاحتكاك بينبأ وبين الحركة الإسلامية. ويكفي أن نذكر 
لقطتين اثنتين توضحان عمق النظرة السياسية النبوية في هذا المجال: 

أولاهما: إن الفرس كانوا في أوج انتصاراتهم بعد أن هزموا امبراطورية 
الروم وأخذوا الصليب الأكبر ماهم . 

ثانيتهما: إن كسرى عندما وصله خطاب رسول الله با بعد قيا دولة 
ا بست سنوات مزق الخطاب النبوي › وبعث من 9 له محمداً حياً 

أو ميتاءعلاً بأنه قد ذاق مرارة الهريمة القاتلة من الروم قبل أ ربع سنوات . 

فا أحوجنا ونحن نود للحركة الإسلامية تحركاً سياسياً هائلا لأن نحكم 
الهدف أولاٌ. ونحكم الخطة ثانيًء ونكون أدرى ما نكون بالعدو ثالثأء وندفع 
بالعبقري السياسى للحركة رابعاً» ونطلب النصر من الله سبحانه وتعالى بعد 
بذل هذه الإمكانات . 


السمة الخامسة 
توجيه الأنظار لمركز الانطلاق 
قال ابن اسحاق: (فل) أراد الله عز وجل إظهار ديئهء وإعزاز نبيه 
وُه وإنجاز موعده له. خرج رسول الله به في الموسم الذي لقيه فيه النفر 
من الأنصار. عرس شم على فيال ارب کا کان بصني في كل مرسمء 
فبينا هو عند العقبة لقي رهطأ من الخزرج أراد الله :بم خيراً. 


قال: أمن موالي بهود؟ قالوا: نعم. قال: أفلا تجلسون أكلمكم؟ قالوا: بلى 
فجلسوا معه فدعاهم إلى الله عز وجل » وعرضص عليهم الإسلام» وتلا عليهم 
القرآن . 


o 


وكان ما صنع الله لهم به في الإسلام. إن بهودأ كانوا معهم في بلادهم» 
وكانوا أهل كتاب وعلمء وكانوا هم أهل وأصحاب أوثان» وكانوا قد غزوهم 
ببلادهم . فکانوا إذا كان بينهم شيء قالوا هم : إد نيا مبعوث الان قد أظل 
زمانه» نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم فلا کلم رسول الله ين أولئك 
النفرء ودعاهم إلى الله . قال بعضهم لبعض تعلموا والله [ نه للنبي الذي 
توعدكم بودء فلا يسبقنكم إليه! فأجابوه في دعاهم إليه. ا صدقوه وقبلوا 
منه ما عرض عليهم من الإسلام وقالوا: إنا قد تركنا قومنا ولا قوم بيهم من 
العداوة والشر ما بينهم.» فعسى أن يجمعهم الله بك. فستقدم عليهم 
فندعوهم إلى أمرك» ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدينء فإن 
يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك. ثم انصرفوا عن رسول الله يلك 
راجعين إلى بلادهم وقد آمنوا وصدّقوا وهم فيا ذكر لي ستة من الخزرج. 


فلا قدموا المدينة إلى قومهم ذكروا لحم رسول الله يك ودعوهم إلى 
الإسلام حى فشا فيهم ؛ فلم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر من 
رسول الله كلل . 


المحادئات تفشل مع بني شيبان. فيهيء الله تعالى لرسوله هؤلاء 
النفر من الخزرج من سكان يثرب ولقد كان لرسول الله لا تجربة سابقة مع 
الخزرج. فلقد جاء وفد كبير لقريش قبل عام ليقيم تحالفاً مع قريش ضد 
الأوس» ولم يستجب لدعوة رسول الله ككل إلا فى يافعم رزموه وانتهروه 
قائلين له: لقد جنا لغير هذا. وحيث لم تنجح محاولات الخزرج في 
التحالف» وقعت حرب بعاث بعد ذلك. 

والواضح إن اللقاء كان عابرا بين رسول الله كل وهؤلاء النفر بدليل 
دعوتهم إلى الجلوس کي يكلمهم. وهذا قدر الله الذي ساقه لدعوته هبة منه 
سبحانه . وتأكد رسول الله يك من هويتهم بأنهم من موالي مهود. وهذا يعني 
أن لا غرابة على أذهانهم الحديث عن الله تعالى وكتبه ورسله فيا يسمعونه 


er 


دائاً من اليهودء وهو لا يطرق مسامعهم لأول مرة. فدعاهم إلى الله 
عز وجل» وعرض عليهم الإسلام. وتلا عليهم القرآن. وقد كان الخزرج 
مهيئين نفسياً عبيئة تامة لسماع حديث الإسلام فقد كانوا يحسون دائ 
بالحسرة أمام اليهود. فهم أميون ليس عندهم رصيد يواجهون به اليهود 
ويقفون أمامهم مبهوتين لا یدرون ما يقولونه 


ومن جهة ثانيةء فالحديث عن النبي المرسل كان يملأ جو يثرب. بل 
هددهم اليهود به فيا إن تناهى إلى سمعهم حديث الرسول عليه الصلاة 
والسلام حتى قالوا: «والله إنه للنبي الذي توعدكم يبود فلا يسبقلكم إليه) 
فالداعية إذن لا بد له من أن يستفيد من المناخ النفسي الملائم حين يدعوء 
ويستفيد من الأرضية الثقافية لمن يدعوهم إلى الله . 


ولأول مرة تسلم مجموعة كاملة» ومن بلد ناء تصلح أن تكون أساساً 
ومنطلقاً للدعوة» خاصة وقد أبدت هذه المجموعة استعدادها لذلك قائلة: إنا 
قد تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينم فعسى أن يجمعهم الله 
بك فسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك. ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من 
هذا الدين فإن تجمعهم عليك فلا رجل أعز منك. 


لقد وضعت بذرة أمل جديدة مع هؤلاء النفر الستة» أن يمهد الجو 
لرسول الله عن 5 المدينة, وتذلل الخلافات» ويقوم هؤلاء الستة بالدعوة إلى 
الله هناك» فقد امنوا وصدقوا. 


ونلاحظ هنا أن رسول الله ب لم يعرض عليهم طلب حمايته ونصرته 
حين دخلوا في دين الله عز وجل» بل توجه اهتمامه عليه الصلاة والسلام إلى 
انطلاق جديد لدين الله يحسن أن يكون مركزاً ممتازاأ يغير مواقع الدعوة 
كاملة , 

وقام النفر السثة بأعظم دور ف الدعوة لدين الله عر وجل ف صفوف 


١4 


الأوس والخزرج حى فشا الإسلام في المدينةء فلم تبق دار من دور الأنصار 
إلا وفيها ذكر من رسول الله #. لعل هذه السنة التي مرت على الدعوة 
العام الحادي عشر للبعثة كانت أكثر بركة من الأعوام العشرة السابقة» ولعل 
انتشار الإسلام 5 هذه الأرض كان أكثر من انتشاره 5 مكة خلال الأعوام 
العشرة السابقة 


منعطف جديد في الدعوة بعد جهاد مضن «وصبر طويل» تحقق على يد 
هؤلاء النفر الستة حين وجد المناخ المناسب وألحو الملائم للدعوة الجديدة , 


ولم نسمع عن نشاط جديد لرسول الله يله في خلال العام في مقابلات 
مع القبائل الأخرى . بل تصمت أخبار السيرة خلال هذا العام إلى موسم 
الام القادم . ونفقه من هذا الانعطاف أن الأحوط والأقوى للدعوة هو 
الالتزام بمبادئهاء بینا تبقى الحماية التي لا ترتبط بالمبادىء لا تحقق لدف 
البعيد للتمكين في الأرض . 


إن الخط الذي يفرق بين الطريقين خط ضئيل» قد لا يدركه الناظر 
العجول. فالمرحلة المكية عندما تملك الدعوة الحرية الكاملة فيها في ظل 
المبادىء الجاهليةء لا تصل إلى مرحلة الحكم يما أنزل الله » ومرحلة تطبيق 
المبادىء. أما إذا كانت الحماية من أبناء الدعوة نفسهاء فالطريق مهيئة لتنفيذ 
شرع الله عز وجل والتمكين في الأرض. ونصل من هذه الملاحظة إلى أن 
الهمدف البعيد وهو إقامبة حكم الله في الأرض لن يتحقق في ظل حكم 
جاهلي» وني ظل حماية جاهلية. كما تتصور بعض الحركات الإسلامية» إنما 
يتحقق ذلك من خلال جنود الدعوة. 

ونقول أخيراً لا بد من أن نحدد المدى الذي نصل إليه من خلال 
التعامل مع العدو أو من خلال الالتزام والجندية لمبادىء الدعوةء وأن نعرف 
كيف نفرق بين الهدفين فلا نبني نتائج هدف على هدف آخر. 


١ مه‎ 


السمة السادسة 
البيعة الأولى وقيمها الجديدة 


قال ابن اسحاق: (حتى إذا كان العام المقبل وافى الموسم من الأنصار 
أثنا عشر رجلا فلقوه بالعقبة» وهي العقبة الأولى» فبايعوا رسول الله كل بيعة 
اللساءء وذلك قبل أن تفترض عليهم الحرب» منهم أسعد بن زرارة 
ورافع بن مالك» وعبادة بن الصامت. وأبو اميثم بن التيهان. عن 
عبادة بن الصامت قال: كنت فيمن حضر العقبة الأولى. وكنا اثفي عشر 
رجلا فبايعنا. رسول الله يي على بيعة النساءء وذلك قبل أن تفترض 
الحرب. على أن لا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق» ولا نزني» ولا نقتل 
أولادناء ولا نأي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلناء ولا نعصيه في معروف فإن 
وفيتم فلكم الجنةء وإن غشيتم من ذلك شيئاً فأمركم إلى الله عز وجل إن 
شاء عذب. وإن شاء غفر. 

قال ابن اسحاق: فلا انصرف عنه القوم بعث رسول الله يل معهم 
مصعب بن عمير وأمره أن يفرثهم القرآنء ويعلمهم الإإسلام» ويمقههم في . 
الدين» فكان يسمى المقرىء بالمدينة. كان يصلي مهمء وذلك أن الأوس 
والخزرج كره بعضهم أن يؤمه بعض”') . 

عام جديد يمر بعد اللقاء الأول» ويحضر للمكة ف ا موسم الجديد نفر من 
أثني عشر رجا والجديد في هذا الوفد هو إنه ثل التجمعين الكبيرين الأوس 
والخررج. فلن يكون إذن معارك قبلية يمثل الخررج في طرفها الإإسلامي , 
ويكون الأوس طرفها الجاهلٍ؛ بل استطاعت هذه المجموعة النواة أن تتجاوز 
الدماء والثارات الي م يمر عليها بضعة أشهرء وتلتحم في جماعة واحدة. 

والذي يعنينا من هذه البيعة النقاط التالية: 
١‏ اتجه الخط السياسي الإإسلامي كله للبناء الداخلي» وكان التركيز على 


. ۷۳-۷۲ السيرة النبوية لابن هشام ج۲ ص‎ )١( 


1٦ 


يثرب بالذات وقد كان فؤلاء النفر الإثني عشر دور كبير في بث الدعوة 
إلى الإسلام خلال هذا العام كا يقول ابن اسحاق: (فلها قدموا المدينة 
إلى قومهم ذكروا لهم رسول الله كك ودعوهم إلى الإسلام. فلم تبق دار 
من دور الأنصار إلا وفيها ذكر من رسول الله 2). فلقد توجه رسول 
الله إلى البناء الداخحلي في المدينةء وإلى بث الفكرة في صفوفها. 


؟ ‏ سميت البيعة بيعة النساء لأنها لم تشتمل على فكرة الحرب. والحرب لا 
تكون إلا بعد البناء الفكري والعقيدي للإنسان. وبعد أن يصاغ عل 
ضوء الإسلام وقيمه يمكن أن يدعى المسلم إلى الجهاد. وإنها لثغرة كبيرة 
أن يندفع المرء إلى الجهاد ولا تتم صياغته الإسلامية. إن المفاهيم 
ستختلط في ذهنه بين اندفاعه للجهاد في سبيل الله وبين الحماس لنفسه 
أو لأهله أو لأرضهء ومن أجل هذا كانت البيعة الأولى خالية من الحديث 
عن الحرب. وكانت تجربة حية للدعوة قبل المعركة. 


۳ -أما القيم التي تمت عليها البيعة كا ذكرها لنا عبادة بن الصامث رضي الله 
عنه (... على أن لا نشرك بالله شيثاًء ولا نسرقء ولا نزني » ولا نقتل 
أولادناء ولا نأني ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في 
معروف'؟ . ..( 

4 - حضر بيعة العقبة الأولى اثنان من الأوس» وهذا تطور خطير جداً لضالح 
الإسلام هناك فبعد الحرب العنيفة في بعاث استطاع النفر الستة من 
الخزرج أن يتجاوزوا قصة الصراعات الدموية الداحلية» ويحضروا معهم 
سبعة جدداً فيهم اثنان من الأوس» وهذا يعني إنهم وفوا بالتزاماتهم التي 
قطعوها على أنفسهم في محاولة رأب الصدع» وتوجيه التيار في يثرب 
أوسها وخزرجها للدخول في الإسلام» وتجاوز الصراعات القبلية القائمة. 

ه ‏ وكان التطور الجديد الذي أثمرته بيعة العقبة هو بعث الممثل الشخصي ٠‏ 

)١(‏ السيرة النبوية لابن هشام ج؟ ص هل. 


oy 


تطور الموقف ويقوم بتفقيه المسلمين هناك بهذا الدين الجديد. 


٦‏ - واستطاع الدبلوماسي الإسلامي الأول في المدينة بحكمته وحصافته وذكائه 
السياسى بعد توفيق الله له أن مجر أكبر قيادات الأوس إلى الإسلام. 
أسيد بن حضيرء وسعد بن معاذء وذلك خلال العام الجديد. ولم يبق في 
بني عبد الأشهل - رؤساء الأوسٍ ۔ رجل ولا | مرأة ولا طفل إلا ودخل في 
الإسلام . لقد أصبح التيار عارماًء والاتجاه 8 لقيام الثورة الإسلامية 1 
لمدينة - إذا صح التعبير- وأصبحت مهمة القيادة تنظيم هذه الطاقات 
كلها لصالح العركة. 

۷-ومع أن نصوص البيعة لا تحمل في ثناياها حرباً أو معركة بل هي كا 

أطلق عليها المسلمون ‏ بيعة النساء ‏ لكنها تعني تربية معينة» وأرضية 
تقوم عليها المعركة. إن الالتزام الخلقي والسلوكي بالمبدأء وضبط 
الشهوات» بأمر رباني» يعني أكثر من أمر: 

فالأمر الأول: هو المفاصلة العقيدية؛ والتميز الفكري ‏ لا نشرك بالله 
شيئاً. وهذا يعنى عملياً إعلان الحرب من جانب واحد على هذا 
المجتمع . وذلك بالثورة على دينه وعقيلته . 

والأمر الثاني : هو المفاصلة السلوكية فلا سرقة ولا زناء ولا وأد لولد 
أو بنت ولا افتراء ببهتان. والذي يستطيع أن يطبق هذه المفاصلة 
السلوكية في المجتمع الذي يعج بالزنا ويعج بالبهتان المفتري» هو مؤهل 
للجندية الحقيقية وقادر على تنفيذ الأوامر الصادرة له فيا بعد. 

والأمر الثالث: هو تغير الولاء. فلقد انتهت الطاعة للقبيلة أو قيادة 
المدينة . لقد أصبحت الطاعة لله وللرسول» والمخالف هذه الأوامر عاص 
يحاسب على تقصيره. لقد غدا ميزان الطاعة والمعصية ليس بالخروج على 
أوامر رئيس القبيلة» أو أعراف القبيلة» بل صار بالخروج على الأوامر 
الصادرة من رسول الله و في مكة. 

والأمر الرابع : هو اعتماد الوازع الداخلي بالتطبيق لا السلطان الآمر. 


0۸ 


فعقوبة المعصية من الله تعالى لا من سلطان الدولة» وأجر الوفاء هو 
الجنة» وليس الإنعام المادي من السلطان الحاكم . 

كانت هذه التربية ضرورية ‏ على قصرها ‏ بين يدي المرحلة الجديدة 
الحاسمة» والحركة الإسلامية اليوم مدعوة إلى هذه القمدوة. فارتفاع 
مستوى أفرادها في التميز الفكري» وني السلوك العملي. وني مدى 
الانضباط والالتزام بأوامر القيادة وتحديد الولاء هاء واعتماد الوازع 
الداخلي للتطبيق دون رغبة أو رهبة من الأرض» هو الذي يبعلها مؤهلة 
لدور الخلافة في الأرض. 

۸ وإشارة جديدة الصبر والحديث عن قيم بيعة العقبة الأولى هي إن الزمن 
لا وزن له في هذا المجال» ولئن استغرقت التربية المكية ثلاثة عشر عاماً. 
فقد استغرقت التربية المدئية عامين ‏ تزيد أو تنقص قليلاً- ومع ذلك 
اعتبر السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار على سوية واحدة. فالمهم 
هو نوع التربية وثمرتها لا الزمن الذي استغرقته. وهذا لم يجد رسول الله 
بل حرجا حين سمع تقرير مبعوثه خلال عام من وجوده في المدينة» أن 
يستجيب للتعبثة المسلحة في بيعة العقبة الثانية بعد التعبئة الإيمانية 
المطلوبة . 


السمة السابعة 
الإذن بالقتال 


(وكان رسول الله يكل لم يؤذن له بالحرب» ولم تحلل له الدماء إنما يؤمر 
بالدعاء إلى الله والصبر على الأذى» والصفح عن الجاهل. وكانت قريش قد 
اضطهدت من اتبعه من المهاجرين حتى فتنوهم عن دينهم؛ ونفوهم من 
بلادهم . . فهم بين مفتون في دينهء وبين معذب في أيديهم, وبين هارب في البلاد 
فراراً منهم ع متهم من بأرض الحبشة» ومنهم من بالمدينة» وفي كل وجهء فلا 
عتت قريش على الله عز وجل وردوا عليه ما أرادهم به من الكرامةء وكذبوا 
نبيه يلل وعذبوا ونفوا من عبده ووحده وصدّق نبيه» واعتصم بدينهء أذن 


10۹4 


الله عز وجل لرسوله يل في القتال والانتصار عن ظلمهم وبغى عليهم. 
فكانت أول آية أنزلت في إذنه له بالحربء وإحلاله له الدماء والقتال» فيا 
بلغني عن عروة بن الزبير وغيره من العلماء قول الله تبارك وتعالى: ‏ أذن للذين 
يقاتلون باهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير؛ الذين أخرجوا من ديارهم 
بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض دمت 
صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراء ولينصرن الله من 
ينصره إن الله لقوي عزيزء الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة واتوا 
الزكاة؛ وأمروا بالمعروف» ونبوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور). أي إني إنما 
أحللت هم القتال لأنهم ظلمواء وم يكن هم ذلب فيا بيهم وبين الناس 
وإنهم إذا ظهروا أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة» وأمروا بالمعروف. ونوا عن 
المنكر يعني النبي كه وأصحابه رضي الله عنهم أجعين7)) . 

ولا يحتاج هذا الكلام إلى شرح فلقد كانت ببعة العقبة الثانية فيصلا 
بين مرحلتين: بين مرحلة المواجهة بالكلمة» ومرحلة المواجهة بالسلاح» 
والمقارنة بين البيعتين توضح لنا الانتقال النوعي للحركة الإسلامية. ويعني 
الحركة الإسلامية من هذه السمة أن تلحظ الظروف التي تم الإذن فيها 
بالقتال لترسم على ضوئها ومن خلال ظروفها مرحلة المواجهة المسلحة مع 
العدو. إن قرار بدء الحرب الذي كان في مكة بأمر رباني هو اليوم تنفيذ لهذا 
الأمر حين تغدو الظروف شبيهة بتلك الظروف التى أذن فيها بالقتال» ومهمة 
قيادة الحركة أن تحسن تقدير هذه الظروف. والملاحظة التي لا بد من 
إيضاحها في هذا الصدد كذلك هي أن الإذن بالقتال شيء» ومباشرة القتال 
وطريقته شيء آخر. 

وهنا لا بد لنا من معالحة فكرة دقيقة هي مثار اخحتلاف في وجهات 
النظر. هذه الفكرة هي كيف نوفق بين فرضية الجهاد والحكم النهائي فيه بعد 
أيات سورة براءة» وبين موضوع الإذن في القتال اليوم؟. فإذا كانت الأحكام 
النبائية للقتال في الإسلام هي إنه ماضن إلى يوم القيامة ‏ وهذا حق - فهل 


. ۱١۹۔۱۰۸ تبذيب السيرة. ص‎ )١( 


يبقى مجال لذكر الإذن بالقتال اليوم» والإذن بالقتال حكم مرحلى انتهى في 
وقته ‏ والله تعالى قال: اليوم أكملت لكم دينكمء وأتهمث عليكم نعمتي 
ورضيت لكم الإسلام ديناً . .6 أنا لا أجد حرجا في التوفيق بين الحكمين 
لأن مؤداهما واحد في النهاية . 


فلقد ذكر الفقهاء إن الحهاد قد يكون فرض عین» ولا يأثئم تاركه. 
وذلك حين لا يوجد الإمام الذي يباشر القتال معه. فإذن حين لا يوجد 
الإمام والجماعة المسلمة التي ينضوي المسلم تحت لوائها ليقاتل الكفار لا يأثم 
إن لم يقاتل مع أن القثال فرض عين عليه. وهذا المعنى نفسه هو الذي 
يقتضيه ل الثاني فإلى أن تقوم الجماعة المسلمة - والإمام المسلم الذي 
يقودهاء وتكون قادرة على الوجود والاستعلان والمواجهة يعتبر القتال في هذه 
المرحلة بشكل فردي غير مأذون به مالم يكن دفاعاً عن النفس أو المال أو 
العرض. وإذن فالذي يحدد ابتداء القتال في الحالتين هو الجماعة المسلمة 
وقيادتها التي تجد الظروف مناسبة لذلك. 


إن كل أحكام الإسلام الثابتة المستقرة النهائية؛ والمرتبط تنفيذها بوجود 
الحاكم والإمام المسلم مثل الحدود والقصاص لا يعني عدم وجودها في غياب 
الإمام المسلم نسخهاء فهي قائمة نظرياًء والمسلمون آثمون لو تركوها. لكنها 
من الناحية العملية مرهونة بقيام الحكم الإسلامي الذي ينبثق من حماعة 
مسلمة» حملت لواء الجهاد وانتصرت على أعدائهاء وأقامت حكم الإسلام. 
فاحكام الجهاد والقصاص والحدود مرتبطة بوجود الحاكم المسلم وإمكاناته قوة 
وضعفاً وكيا تقول الآية: عوالذين ال 2 3 الأرض أقاموا الصلاة واتوا 
الزكاة وأمروا با معروف ونهوا عن المنكر. . .”) فلا بد من التمكين أولا 
لتنفيذ فرضية الصلاة والزكاة والأمر 57 والغبي عن المنكر على الناس . 
لا التنفيذ بشكل فردي. فهذا لا عجز فيه إنما العجز هو تطبيق هذه 
الأحكام فرضاً وحظراً على الناس. وكلما تمكن المسلمون أكثر كلما كانوا 
)١(‏ المائدة الآية ۳. 


. ٤١ الحج‎ )۲( 


۱٦١ 


قادرين على التنفيذ لأحكام الإسلام أكثر. وما أحوجنا إلى أن نفقه هذه 
الأمور ضمن هذه الأطر. لا أن نطلق الأحكام البتسرة على الناس ونتهمهم 
في دينهم وعقيلتهم . 


السمة الثامنة 
التهيئة لمباحثات قيام الدولة 


قال كعب بن مالك: (خرجنا في حجاج قوسا من المشركينء وقد 
صلينا وفقهناء ومعنا البراء بن معرور سيدنا وكبيرنا. . . وواعدنا رسول الله 
كله العةبة من أوسط أيام التشريق» فلما فرغنا من الحج وكانت الليلة التي 
واعدنا رسول الله كلك لما ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر سيد من 
ساداتناء وشريف من أشرافناء أخذناه معناء وكنا نكتم من معنا من قومنا من 
المشركين أمرنا. فكلمناه وقلنا له: يا أبا جابس» إنك سيد من ساداتنا . 
وشريف من أشرافناء وإنا نرغب بك عنما أنت فيه أن تكون حطباً للنار غداًء 
ثم دعوناه إلى الإسلام. وأخبرناه بميعاد الرسول ب إيانا العقبة» فأسلم 
وشهد معنا العقبة) وكان نقيباً. 

فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالناء حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا 
من رحالنا يعاد رسول الله ي نتسلل تسلل القطا مستخفين حتى اجتمعنا ف 
الشعب عند العقبة ونحن ثلاثة وسبعون رجلاء وهعنا امرأتان من نسائنا: 
نسيبة بنت كعب» وأسماء بنت عمرو بن عدي . 

قال: فاجتمعنا في الشعب ننتظر رسول الله یل حتى جاءنا ومعه عمه 
العباس بن عبد المطلب» وهو يومئذ على دين قومه إلا أنه أحب أن يحضر 
أمر ابن أخحيه ويتوثق له. فلا جلس كان أول متكلم العباس بن عبد المطلب 
فقال: يا معشر الخزرج - وكانت العرب تسمي هذا الحي من الأنصار: 
الخزرج: خزرجها وأوسها ‏ إن محمداً منا حيث قد علمتم. وقد منعناه من 
قومنا من هو على مثل رأينا فيه» فهو في عز من قومه» ومنعة في بلده» وأنه 


11۲ 


قد أ إلا الانحياز إليكم. واللحوق بكم» فإن كنتم ترون أنكم وافون با 

دعوتموه إليه» ومانعوه ممن خالفه. فأنتم وما تحملتم من ذلك» وإن كنتم 

ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج إليكم فمن الان فدعوه» فإنه في 

عزة ومنعة من قومه وبلده . فقلنا له: قد سمعنا ما قلت فتكلم يا رسول الله 

فخذ لنفسك ولربك ما أحببت). 

ونلاحظ من خلال هذا العرض الملاحظات الثالية : 

١-لقد‏ تمت التهيئة للمباحثات قيام الدولة في أعمق تخطيط سياسي شهده 
التاريخ حيث البثقت دولة الإسلام, وتم تحديد معالمها وقيادتها وهي 
جزيرة ضعيفة وسط خضم من الشرك مثله العرب جميعاً من حجاج منى 
أولأء ثم دولة مكة المشركة ثانياًء ثم قيادة المشركين من أهل يثرب ثالثأء 
ثم دولة اليهود في المدينة رابعاً. ووسط هذا العدو العاتي والمحيط 
بالمسلمين من كل جانب إحاطة السوار بالعصم» وسط هذا الخضم 
انبئقت دولة الإسلام الأولى في التاريخ. 

؟ ‏ لقد كان المسلمون البالغ عددهم بضعة وسبعين ضمن وفد من المشركين 
قوامه حوالى ثلاثمائة. وهذا يعني صعوية الحركة والتنقل والاتصال. فا 
من مسلم إلا وحواليه عدد من المشركين يراقب تنقلاته وتحركاته. ومع 
ذلك فلقد كانت السرية المضروبة على التحركات خلال الحج من أعجب 
العوامل التي أدث لنجاح المخططات. تمت الاتصالات بين قيادة مكة 
المسلمة المتمثلة برسول الله بء وقيادة المسلمين في المديلةء وتم تحديد 
موعد اللقاءء وتم تحديد مكان اللقاءء وتم اللقاء نفسه دون انتباه أحد» 
وتم دخول بعض الأعداد الجديدة في الإسلام خلال هذه الأيام المعدودة. 
ولعل من أهم أحداث هذه الأيام انضمام زعيمين من أكبر زعماء المدينة 
للاسلام هما البراء بن معرورء وعبد الله بن عمرو بن حرام . 

وتشير بعض الروايات إلى أن رئاسة الوفد كله مسلمه ومشركه قد 

انتهت إلى البراء بن معرور وطالما أنه قد أسلم فهو الذي يقوم بتحديد 


5١١8و‎ ١٠١4و‎ ٠١# تهذيب السيرة ص‎ )١( 


1۳ 


اللقاءات المقررةء واختار كعباً ليرافقه بصفته الشاعر المشهور والمعروف 
عند فريش. 

* وكانت الخطوة الثانية من التخطيط العبقري هو الخروج المنظم لموعد 
الاجتماع وكا يقول كعب: (حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا 
ايعاد رسول الله ل نتسلل تسلل القط(")) مستخفين حتى اجتمعنا في 
الشعب عند العقبة ونحن ثلاثة وسبعون رجلا ومعنا امرأتان من نسائنا 
نسيبة بنت كعب» وأساء بنت عمرو وتم الاجتماع هذا العدد الضخم 
الذي انسل من معسكرات المشركين دون أن ينتبه هم أحد. 


4؛ ‏ وكانت الخطوة الثالثة من التنظيم المحكم كما تشير بعض الروايات إلى 
تأمين حراسة الشعب بحيث لا يدري أحد بالأمر. 
يقول المقريزي: وجاءهم رسول الله كه ومعه عمه العباس وهو على 
دين قومه» وأبو بكر وعلي رضي الله عنهماء فأوقف العباس علياً على فم 
الشعب عيئاً له وأوقف أبا بكر على فم الطريق الاخر عينا له. فلم يدر 
حتى المهاجرون بهذا اللقاء السري إلا من كان له مهمة خاصة في 
الحراسة والمراقبة وهما: علي وأبو بكر رضي الله عنها. 


٥‏ وكان حضور العباس وحديثه وهو على دين قومه ‏ كما يظهر- ضرورة 
سياسية» فهو الذي يحمل عبء حماية النبي كل فلا بد أن يتوثق من 
مستوى هذه الحماية الجديدة ليطمئن عليهاء وإلا فلن يفرط بابن أخيه. 
ولعل هذا يشير إلى إمكانيات اشتراك بعض الشخصيات غير الإسلامية 
إذا كانت مناط ثقة تامة من القيادة في عملية تغيير سياسي لصالح 
الإسلام أو يمكن القول: إنها في ظاهرها موالية للسلطة الحاكمة أما 
حقيقة ولائها فهو للقيادة المسلمة» خاصة إذا كان لها دور رثيسى في 
التحرك» كقيادة مجموعة سياسية في عملية تغيبر سياسي» بل بإمكانها أن 
تشارك في وضع الخطة وتنفيذها عندما تكون ذات خبرات عريقة. فلقد 


. القطا: طائر مشهور بخفة حركته‎ )١( 


شارك العياس رضي الله عنه في تنفيل هذا اللقاء كا تشير الروايةء وهو 
الذي أمر أبا بكر وعليا بوقوفههما على الطرق المؤدية للشعب. 

إن من حق القيادة بل من واجبها أن تستفيد من الخبرات والطاقات 
الإسلامية وغير الإسلامية عندما تدين ها بالولاء والطاعة» بل تشركها 
بالتخطيط والتنفيذ عندما تجد ضرورة لذلك. 


السمة التاسعة 
البيان السياسي (البيعة) 


روى الإمام أحمد عن جابر مفصلا. . : 
(قال جابر: قلنا يا رسول الله على م نبايعك؟ قال: 


١‏ -على السمع والطاعة في النشاط والكسل. 

؟ ‏ وعلى النفقة في العسر واليسر. 

۳ -وعلى الأمر بالمعروف والنبي عن المنكر. 

. وعلى أن تقوموا في الله لا تأخذكم في الله لومة لائم‎ - ٤ 

٥‏ وعلى أن تنصروني إذا قدمت إليكم وقنعوني هما تمنعون مله أنفسكم 


وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة0)). 


وفي رواية كعب ‏ التي رواها ابن اسحاق - البند الأخير فقط من هذه 
البنود ففيه: (قال كعب: فقلنا له (أي للعباس): قد سمعنا ما قلت فتكلم 
يا رسول الله فخذ لنفسك ولربك ماأحببت. فتكلم رسول الله کا وتلا 
القرآنء ودعا إلى ,الله » ورغب في الإسلام ثم قال: أبايعكم على أن تمنعوني 
مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال: والذي 
بعثك بالحق نبي للمنعنك مما نهنع منه أزرنا (نساءنا) فبايعنا يا رسول الله 
فنحن والله أبناء الحرب» وأبناء الحلقة ورثناها كابر عن كابر. فاعترض القول 


. ٠١١ الرحيق المختوم للمباركفوري ص‎ )١( 


56 


والبراء يكلم رسول الله كله أبو الميشم بن التيهان فقال: يا رسول الله إن بيننا 

وبين الرجال حبالاً» وإنّا قاطعوها ‏ يعني اليهود .فهل عسيت إن نحن فعلنا 

ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ قال فتبسم رسول الله يك 

ثم قال: بل الدم الدم والمدم الهدم أنا منكم وأنتم مني أحارب من حاربتم 

وأسام من سالمته7()) . 

١-كانت‏ البنود الخمسة للبيعة من الوضوح والقوة بحيث لا تقبل التميبع 
والتراخي فالبيعة على الإسلام شيءء والبيعة على إقامة دولة الإسلام 
شيء آحرء" وإن الرجال الذين يعدون ليكونوا أفراداً مغمورين في عداد 
المسلمين شيء» والذين يعدون لتقوم دولة الإسلام بسواعدهم وأرواحهم 
وأموالهم ودمائهم شيء آخر» ويكفي أنها مضت في التاريخ أن البيعة 
الخالية من الحرب والجهاد ومنها بيعة العقبة الأولى كانت تسمى بيعة 
النساءء أما هذه البيعة فبيعة الحرب. 

ومع ذلك فليست حرب الإبادة» وليست حرب الإفناء بل الحرب 

المخططة المحكمةء المحددة الأهداف» التي ترتبط بالنصرة بعد وصول 
القيادة النبوية للمديئة. إن كل قطرة دم يجب أن تراق ضمن هدف. لا 
أن تراق لانفعال عاطفي» أو غضبة جارفة وإذا جد الحد فالإسلام عديل 
الروح بل هو أغلى منها لأنه يضحى بالروح والدم والمال من أجله وتحمى 
القيادة الإسلامية كا يحمي المرء زوجه وولده ونفسه. 

؟ ‏ وسرعان ما استجاب قائد الأنصار - دون تردد ‏ البراء بن المعرور قائلً: . 
والذي بعثك بالحق لنمنعنك مما تمنع منه أزرنا ونساءنا فبايعنا يا رسول 
الله فنحن والله أبناء الحرب وأهل الحلقة ورثاناها كابراً عن كابر. 

والبراء هو ا مفوض الرسمي › وهو رئيس الوفد المفاوض»ء وهو الذي 

أسلم بنشاط الدعاة على الطريق» وها هو يعرض إمكانيات قومه 
لرسول الله 6ة : قومه أبناء الحروب والسلاح. إن هذا يعني بالنسبة 
للحركة الإسلامية أن تعرف أولاً الطاقات القتالية عندها من جهةء وأن 


.۸٩ السيرة النبوية لابن هشام جا ص‎ )١( 


ادل 


تعرف من جهة ثانية كيف توجه هذه الطاقات في أحسن سبيل فيكون 
صاحب الكفاءة مكانه» وأخو الحرب في مجاله» بل عليها أن تستدعي 
الطاقات الإسلامية والنصيرة ة من كل صقع لتؤدي الدور المطلوب . وکل 
كان أصحاب هذه الطاقات قد خاضوا تجارب عملية» وحروباً فعلية؛ 
كلما كانت قدرتهم على التخطيط العسكري والمواجهة الحربية أكثر . 


۴ ۔ والأوامر شي ء والمفاوضات شي ء آخرى فلقد اعترض أبو الهيئم بن التيهان 
رضي الله عنه وهو المسلم العظيم على أمر مهم قبل البيعة» وكان لا بد 
من طرحه بصراحة ووضوح: يا رسول الله إن بيننا وبين الرجال حبالاً 
وإنا قاطعوها ‏ يعني اليهود - فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ؛ ثم أظهرك 
الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ فتبسم رسول الله لل ثم ال بل الدم 
الدم والهدم الهدم أنا منكم وأنتم مني أحارب من حاربتم وأسالم من 
سالمتم . ويا ها من مفاوضات نادرة في في التاريخ بين جندي وقائد بل بين 
مسلم ورسول. إن طبيعة المعركة تقتضي أوضاعاً جديدة» وإن حمل 
السلاح يعني الحرب الضروس التي تأكل كل شيء. 

فالحركة كة الإسلامية اليوم على سبيل المثال - قبل أن تتبنى الجهاد. وقبل 
أن تحمل السلاح كانت آمنة» وكان شبابها في وظائف الدولة يملؤون 
فجاجهاء بل مرت مرحلة وصل بعض شبابها إلى مجلس" الشعب - كا 
يسمونه ‏ ولكن في خدمة النظام الجاهلي الكافر. كا أنه لم يكن أحد 
يعلن إنه جزء من الحركة الإسلامية والذي يؤخذ من السلطة على أنه منها 
إنما يؤخذ على سبيل الحدس والظن. 

كان هذا الواقع قبل البيعة على الجهاد. أما بعدها فانقلبت الصورة 
كاملةء لقد أصبح مجرد الظنة باشتراك فرد في عملية؛ أو شروعه وتفكيره 
بالانضمام إلى التنظيم المسلح يعني الحكم بإعدامه وإبادته» بل أكثر من 
ذلك الحكم بإبادة أقاريه وعائلته . وانطلاقاً من هذا الواقع» فليس من 
حق القيادة أن تتخلى عن هذا الطريق» وتترك جنودها يبادون وحدهم ف 
العراءء أن تصالح لنفسهاء أو تأخذ أماناً لنفسها وتترك الفاجعة تأكل 
شبابها وشيبها. 


1¥ 


هذا هو مفهوم اعتراض أي ايشم بن التيهان رضي الله عنه. لأن 
قطع العهود مم اليهود تعني الحرب عليهم؛ فإذا تخل رسول الله كيد 
عنهم ومضى إلى مكة فهذا يعني ترك المسلمين تحت رحمة اليهود يفعلون 
بهم الأفاعيل» ويستأصلون أخضرهم ويابسهم. فإذا كان من حق أبي 
الهيثم رضي الله عنه أن يناقش رسول رب العالمين مبذا الأمرء فاي قيادة 
ف الدنيا مهما ارتفعت تكون فوق النقاش؟ وأي قائد في هذا الوجود هو 
أكبر من المحاسبة؟! 


وليعلم كل جندي في الحركة الإسلامية أن من حقه أن يعترض مثل 
هذا الاعتراض على قيادته إن انسحبت من المعركة» وتركته يتلوى وحده 
في النار. إن كل قطرة دم تراق بأمر القيادة هي في عنقها ستسأل عنها يوم 
الدين فيم أراقتها؟ ولم لم تحافظ عليها من الضياع؟ 

وماذا كان جواب سيد الخلق لجندبة ابن التيهان؟ 

قال: بل الدم الدمء والمدم الخدم أنا منكم وأنتم مني» أحارب من 
حاربتم» وأسالم من سالمتم . وياله من نداء خالد تردده أصداء الوجود. 

القيادة جزء من القاعدةء والقاعدة جزء من القيادة» شركاء متلا حمون 
منصهرون في المغرم وا مغنم» دمهم وأاحد» ومصيرهم واحد» ونكبتهم 
واحدة» وحملهم واحد. لقد أبدى رسول الله ككل استعداده وهو الطرف 
القائد المفاوض أن يشن الحرب على من حارب جنده» ويسالم من 


سالهم» جعلهم الأصل في الحرب والسلم . 


؛ ‏ وملاحظة أخيرة للجنود في الدعوة نفقهها من هذه النصوص هي : إن 
الأنصار رضي الله عنهم اكتفوا بملاحظة أب الهيثم واعتراضه» وكان معبرا 
عن رام جميعاًء وكان الرد عليه من رسول الله يك على أنه ممثلاً هم 
لقد كان الاعتراض منبجياً شرعياً لا غوغائياً فوضوياً وهذا يعني 
الحركة المنظمة كثيراً بان تكون طريقة النقد والاعتراض والمحاسبة ضمن 
المعابر الشرعية والتنظيمية» لا من خلال الفوضوية والفردية بحيث يتكلم 


۱۹۸ 


كل أخ على هواه. وبمثل المعابر الشرعية التنظيمية في الحركة الإسلامية 
اليوم مجلس شوراها المنبثق عنها. فهو الذي يحقق صورة النقد الشرعي 
البناءء وهو الذي يحاسب القيادة ويناقشها ويطرح ملاحظات القواعد 
عليهاء وعلى القيادة أن تستجيب لأية تساؤلات» وترد على أي اقتراح» 
وبذلك يضمن التنظيم قوته وتلا حمه واستمراره. 


السمة العاشرة 


توثيق البيان وإقراره 


يقول العلامة المباركفوري في كتابه ‏ الرحيق المختوم: (وبعد أن تمت 
المحادئة حول شروط البيعة» وأجمعوا على الشروع في عقدهاء قام رجلان من 
الرعيل الأول ممن أسلموا في مواسم سنتي ١١‏ و١٠‏ من النبوةء وقام أحدهما 
تلو الآخر ليؤكدا خطورة المسؤولية, حتى لا يبايعوه إلا على جلية من الأمرء 
وليعرفا مدى استعداد القوم للتضحية؛ ويتأكدا من ذلك. 


قال ابن اسحاق: لما اجتمعوا للبيعة قال العباس بن عبادة بن نضلة: 
هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟ قالوا: نعم. قال: إنكم تبايعونه على 
حرب الأحمر والأسود من الناس. فإن كنتم ترون أنكم إذا ببكت أموالكم 
مصيبة» وأشرافكم تلا أسلمتموه فمن الآن» فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا 
والأخرة. وإن كنتم ترون أنكم وافون له با دعوتموه إليه على نهكة الأموال 
وقتل الأشراف فخذوه فهو والله خير الدنيا والاخرة. قالوا: فإنا ناحذه على 
مصيبة الأموال وقتل الأشراف. فمالنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفينا 
بذلك؟ قال: الجنة. قالوا: ابسط يدك فبسط يده فبايعوه. ولي رواية جابر 
قال: فقمنا نبايعه فأخذ بيده أسعد بن زرارةء وهو أصغر السبعين فقال: 
رويداً يا أهل يثرب إنا لم نضرب أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله 
وأن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة» وقتل خياركم. وأن تعضكم 
السيوف» فإما أنتم تصبرون على ذلك فخذوه» وأجركم على الله وإما أنتم 


١584 


تخافون من أنفسكم خيفة» فهو أعذر لكم عند الله » فقالوا: يا أسعد أمط عنا 
يدك فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها. . .). 
كان لا بد أن يظهر الوجه المقابل للصورة التي عرضها ابن التيهان, 
وظهر ذلك على الشكل التالي: 
١‏ حرب الأحمر والأسود من الناس. 
مفارقة العرب كأفة. 
قتل الأشراف والخيارء ونبهكة الأموال والأعراض . 
وهذه هي طبيعة معركتنا اليوم كا كانت طبيعة المعركة يوم العقبة. 
لا بد أن يكون واضحاً في ذهننا أن العالم كله ضدناء والعالم كله 
يحاربناء والعالم كله لا يرضى أن تصل الحركة الإسلامية إلى التكم وهي 
تريد أن تحكم بشريعة الله. لا بد أن يكون واضحاً في ذهننا أن العرب 
جميعاً من قبل. والأمة العربية اليوم من المحيط إلى الخليج ‏ على حد 
التعبير المعاصر ‏ تعادي هذه الحركة. وتعادينا. لا بد أن يكون الأمر مهذا 
الوضوح» وهذه الصراحةء وهذه البيئة . 
فمن الذي يرضى أن يحالفنا على هذا الأساس؟ أي حليف سياسي 
يرضى هذا المصير» وكل الحلفاء السياسيين يرضون بحلفنا إذا عرفوا أننا 
منتصرون» فقط. وغير ذلك فقد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيداً. 
إننا حين نعرف طبيعة المعركة» نعرف طبيعة الحركة من خلالها. إنه 
لا بد أن يعرف كل فرد في القاعدة الصلبة طبيعة هذه المعركة في حرب 
الأحر والأسود من الناس» في مفارقة العرب كافة, 5 نبكة الأموال 
والأعراض» إنه بعد أن يعرف هذا الأمر. فليبايع أو يرفض» إنه يمكن 
أن يبقى على بيعة النساء. كما وردت في سورة الممتحنةء أما بيعة 
الرجالء أما بيعة الحرب فهذه حدودهاء وهذه ظروفهاء وهذه طبيعتها. 
وما أحرى الحركة الإسلامية أن تكون واضحة صريحة صادقة مع 
قواعدها لا تغشهم» ولا توحي همم أن النصر قاب قوسين أو أدنى. 


, ۱۹۸ الرحيق الممختوم ص ۱۹۷ و‎ )١( 


تخدرهم بالأحلام الجميلة» وأن العرب معناء وأن الذي ينقصنا هو 
التفاوض معهم» وأن قوى العالم ترضانا إذا فاوضناء وإذا ملكنا المرونة 
السياسية» وأن الأمر كله أمر حركة سياسية» أو أمر جبهة وطنية» أو أمر 
حلف سياسي» أو أمر لعبة ذكية. لسنا أحب إلى الله تعالى من رسوله» 
ولسنا أكرم على الله من صحابته. هذا هو خط السير. فمن رضيه عل 
هذا الأساس فمرحباً وأهلاء فليتقدم وليبايع , ومن م يرض فهو وشأنه: 
ولكن لا غش ولا لبس ولا غموض. والذين يريدون أن يحرفوا المعركة, 
ولا يتحملوا تبعاتهاء فمكانهم خارج الصف. ومن أول الطريق» 
فالطريق صعب. والطريق شائك» والطريق طويل. ولقد كانت قيادات 
الأنصار على مستوى المعركةء ولم تغش قواعدهاء ولم تدغدغ أحلامهم 
بل أوقفت البيعة حتى أوضحت خطورة الأمر» وأوضحت تبعاته» وبينت 
مهالكه ومصاعبه فماذا كان بعد ذلك؟ 


۲ قالوا: فإنا 5 عل مصيبة الأموال رل الأشراف. فا لنا إن نحن وفينا 
بذلك؟ قال : 

ق أي ليف سياسي كافر هذا الشمن؟ هل يصدق أصلاً أن 
هناك جنة؟ 


فالمعركة إذن معركتنا نحن» معركة الجنود المؤمنين» معركة القاعدة 
الإسلامية الصلبة العريضة في الأرض. وفي هذه المرحلة بالذات» ليس 
الاتباه الدقيق هو اتجاه التحالف السياسي› بل هو اتجاه الجسم ء هو اتجاه 
البناء الداخلي» إن ظروفنا الان هي ظروف بيعة العقبة» هي ظروف 
بيعة الحربء فقد تجاوزنا مرحلة الدخول في الجوار» وحتى مرحلة الحماية 
لدعوة اللهء نحن الآن في مرحلة المواجهة السافرة مع العدو» ومع قوى 
الأرض» وذخيرتنا هي قاعدتنا الصلبةء هي قواعدنا المؤمنة الي ترضى 
بالأحنة ثمتاً لجرب الأحر والأسود من الناس ترضى بالجنة ثمناً لمفارقة 
العرب كافة» ترضى بالحتة ثمتاً لتبكة الأموال والأعراض» تستعد للوفاء 
بهذه الالتزامات وترضى بالجنة ثمتاً وحيداً ها. 


حرق 


ليس عند القيادة ثمنان» ليس عند الله تعالى الذي نبايعه ثمن في هذه 
الظروف إلا الحنة كما نطق رسوله بذلك. أما النصر فقد لا نكوك نحن 
أصحابه. قد تكون نحن جيل الشهادة. إن النصر قادم لا ععالة. لكن 
لنا؟!. لا ندري . إن الوعد الذي قطعه الله تعالى على نفسه لمن وفى هذه 
الالترامات هو الحنة» وهو الوعد الذي رضيه الله تعالى لرسوله أن يعطيه 
باسمه . وأما النصر فهبة ربانية تأي 5 الموعد الذي مختاره جل شأنه 
لدعوته , 
يقوم على أكتاف مساندة الكفار الحلفاء لناء فنحن واهمونء. ولسنا 
مدركين طبيعة المعركة التي نخوضها. وإن محققه دون أن نلتزم بقواعد 
هذه الشريعة. فالمعركة ‏ والعياذ بالله - كلها خاسرة . 

إنه قبل أن تقوم دولة الإسلام على الأرض» فلا وعد عند الله تعال 
إلا الحنة للجيل الذي يحمل اللواء لحرب الأحمر والأسود من الناس. 
 “‏ (فقالوا: اسط يدك . فيسط يده فبايعوه. 


وقالوا: ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل. وقالوا: يا أسعد أمط لنا 
يدك فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها) . 

(قال جابر: فقمنا إليه رجلا رجلا فأخذ علينا البيعة يعطينا بذلك 
الجنة). وأما بيعة المرأتين اللتين شهدتا الوقعة, فكانت قولاً. ما صافح 
رسول الله كل امرأة أجنبية قط . 


وقبل المفاوضون بالبيعة» وبايعوه جميعاً دون أن يتخلف أحدء حتى 
المرأتان بايعتا بيعة الحرب. وصدقتا عهدهماء فلقد سقطت أم عمارة في 
أحد جريحة في جسدها اثنا عشر جرحاًء وقد قطع مسيلمة الكذاب ابنها 
إربا إرباء فيا وهنت وما استكانت وتحولت النسوة في هذه البيعة إلى 
رجال يقاتلن ويبايعن على قتل أشرافهن» وحرب الأحمر والأسود من 
الناس. 


1۷۲ 


السمة الحادية عشرة 
تشكيل الحكومة الإسلامية بالانتخاب 


يقول المباركفوري : 

وبعد أن تمت البيعة طلب رسول الله يهل انتخاب الي عشر زعيأً 
يكونون نقباء على قومهم» يكفلون المسؤولية عليهم في تنفيذ بنود هذه البيعة. 
(فقال للقوم: أخرجوا إل منكم اثني عشر نقيباً ليكونوا على قومكم بما 
فیهم'“) . فشم انتخابهم ف لجال وكانوا تسعة من الخزرج» وثلاثة من 
الأوس. . . ولا تم انتخاب هؤلاء النقباء أحذ عليهم النبي ب ميثاقا آخر 
بصفتهم رؤوساء مسؤولين. قال هم : أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة 
الحواريين لعيسى بن مريم وأنا كفيل على قومي ‏ يعني المسلمين ‏ قالوا: نعم . 

لم تنته القضية بعد فلن يستطيع رسول الله ب أن يتصل بكل فرد من 
هؤلاء المبايعين كل مرة. ولن يستطيع أن يبايع كل أفراد الأمة المسلمة على 
ذلك فلا بد من انتخاب قيادة مسؤولة مسؤولية مباشرة عن هذه القواعد. 
وتم الأمر بانتخاب تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس . 


١‏ -إن مفهوم الاختيار والانتخاب في نظام الحكم الاسلامي مفهوم أساسيء 
والغريب في الأمر أن يوجد من يناقش في هذا المبدأ في صفوف الحركة 
الإسلامية. ومن يناقشون ف هذا الأمر يقوم تصورهم عل أن الأمير في 
الإسلام هو الحاكم المطلق الذي لا يناقش إلا إذا عصى الله تعالى» ولا 
يقيمون وزناً لرأي القواعد الإسلامية في اختيار قيادتها الحاكمة. وهو 
تصور غطىء ولا شك . وإن كان في هذه الأرض من يحق له أن يستعمل 
رأيه دون الرجوع إلى القواعد المسلمة» فهو رسول الله ب لأنه المؤيد 
بالوحى من الله تعالى» والناطق به. وكان بإمكانه عليه الصلاة والسلام 
وهو يقوم على انختيار المسؤولين لديه أن يختار الذين بايعوه في بيعة العقبة 


. ١۷١ و‎ 1١59 الرحيق المختوم ص‎ )١( 


رفن 


الأولى وكانوا اثني عشر رجلاء وقد خبرهم وخبر صدقهم وحسن 
ولائهم › ومع ذلك لم يفعل هذا عليه الصلاة والسلام» وكان تصرفه هذا 
درساً بليغاً للمسلمين في الأرض عن كيفية اختيار الحاكم» وعن اعتبار 
رغبة الأمة أو أهل الرأي فيها هي الأساس الذي يقوم عليه الاختيار ول 
يتدخل عليه الصلاة والسلام من قريب أو بعيد مبذا الاختيار» وما أحرانا 
أن نتعلم من هذا العمل النبوي قواعد الحكم الشوريء والتنفيذ العمل 
له. 

۲ والمسؤولية على قدر الصلاحيةء فلقد حدد رسول الله ي المسؤولية هؤلاء 
النقباء الأثني عشر. بعد أن اعتبرهم القادة المسؤولين. وواجبهم أن 
يكونوا كفلاء على قومهم من المسلمين. الذين بايعوا في العقبةء والذين 
أقاموا في يثرب» هم مسؤولون عن تصرفاتهم وانضباطهم وطاعتهم› 
والتزامهم بأوامر هذا الدين الجديدء وبعدم الإخلال في أحكامه» وهم 
محاسبون أمام رسول الله يك وأخطاء القاعدة تحاسب عنها القيادة» طالما 
أن لها صلاحيات الحكم والتوجيه فيها. 


 *‏ وتبدو العظمة النبوية بأجلى صورها حين لم يعف رسول الله بل نفسه من 
المسؤولية. بل أعلن التكافؤ فيها فقال: «وأنا كفيل على قومي». 

- وهم الجنود المؤمنون ‏ من حقهم أن يناقشوا رسول الله بل عن 
أخطاء وتصرفات المسلمين في مكة. ولا يوجد إذن في الدنيا من هو فوق 
المساءلة والمحاسبة إذا كان رسول الله ية تكفل بقومه من المسلمين. 


٤‏ - وتظهر خطورة المسؤولية لهذه الحكومة المنتخبة حين نذكر أن حرب بعاث 
بين الأوس والخزرج لم تجف دماؤها بعد. فإمكانية اشتعال الحرب بينهم 
قائمة في كل لحظة. فلا بد أن تتمكن هذه الحكومة الائتلافية من الأوس 
والخزرج أن تضمن استقرار الأوضاع في المدينة. ومعالجة الأوضاع 
الصعبة فيهاء والحيلولة دون اندلاع الحرب من جديد» ويبدو الأمر أشق 
وأعسر حين نتصور أنه لا بد من تكوين التحام كامل بين المسلمين 
أوسهم وخزرجهم» فليس المهم أن تخف البغضاء بينهم فقط» بل لا بد 


١ 7و‎ 


أن يسود الحب والوئام بيهم ولا بد أن يكون التفاهم بين أعضاء 
الحكومة على مستوى رفيع جداً. 

ولقد أثبتت الأيام الكفاءة العالية لهذه الحكومةء وكيف أا استطاعت 
أن تتغلب على هذه الصعاب جميعاًء وتكوّن مجتمعاً مثالياً بتوفيق الله لما 
وكانوا بثناء الله عليهم يمثلون الصورة المثلى للمؤمنين. كما ذكرهم 
جل وعلا: «إوالذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر 
إليهم» ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتواء ويؤثرون على أنفسهم 
ولو كان بهم خصاصة. ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون“) . 

ه إن عملية رص الصف الداخلي» وتوحيد النفوس نحو هدف واحدء 
وربط القواعد بقيادتها في ثقة قوية هي من أصعب الأمور على المرء. 
فالنفوس المختلفة. والأهواء المتباعدة» والصراعات والتناحرات قد تسيطر 
أحياناً. فتبتق القيادة فيهاء وتنتقل هذه الخلافات إلى صفوف القواعدء 
فيتحزبون لفلان أو فلان. وبذلك تكبر الهوة» ويتسع الخرق على الراقع . 

والأمير الأول للجماعة له دور رئيسي في ضبط الصف والتأليف بين 
القلوب المتناحرة في اتجاهات شتى» وهو مسؤول كذلك عن تالف هذا 
الصف وترابطهء» وتوفيق الله تعالى وتسديده هو الذي يساعد ف هله 
الوحدة. أما البشر فهم أعجز من ذلك» ويكفينا في هذا المجال قول الله 
تعالى لرسوله: «وألف بين قلوبهم. لو أنفقت ما في الأرض جيعا 
ما ألفت بين قلوهم » ولكن الله ألف بينهم أنه عزيز حكيم). 


السمة الثانية عشرة 
القيادة تحدد المعركة 


- ج 


يقول المباركفوري : (ولا تم إبرام المعاهدة وكان القوم على وشك 


(؟) سورة الأنفال الآية "51 . 


Vo 


الارفضاض» اكتشفها أحد الشياطين» وحيث جاء هذا الاكتشاف في اللحظة 
الأخيرة» ولم يكن يمكن إبلاع زعماء قريش سرا ليباغتوا المجتمعين» وهم في 
الشعب» قام ذلك الشيطان على مرتفع من الأرض وصاح بأنفذ صوت قط» 
يا أهل الأخاشب (الحباجب): هل لكم في محمد والصباة معه قد اجتمعوا 
علي حربكم؟ فقال رسول الله يل : هذا إزب العقبةء أما والله يا عدو الله 
لأفرغن لك ثم أمرهم أن ينفضوا إلى رحاهم. وعند سماع صوت هذا 
الشيطان قال العباس بن نضلةء والذي بعثك بالحق إن شئت لنميلن على 
أهل منى غداً بأسيافنا. فقال رسول الله يل لم نؤمر بذلك» ولكن ارجعوا إلى 
رحالكم. فرجعوا وناموا حتى أصبحوا(') . 

أين كان طواغيت الأرض من هذه البيعة الفريدة في تاريخ الأرض؟ 
أين كان مشركو المدينة والبيعة تتم على رؤوسهم؟. وأين كانت قريش والبيعة 
تريد أن تحطم طاغوتها وكبرياءها؟ وهي تحاد الله وتكذب رسوله؟ وأين كان 
الحجيج المشرك كلهء والبيعة ستنتهي أن لا يحج بعد العام مشرك» ولا 
يطوف بالبيت عريان؟ نقول هذا عن العدو القريب الذي كان وضع هؤلاء 
السبعين بالننبة لهم كوضع اللقمة بين فكي الأسد. ولا نذكر ملوك الأرض 
الأبعدين كسرى وقيصر وحلفاءهما وعبيدهماء أين كان كل هؤلاء؟ كانوا 
يشخرون في نومهم» ويغطون في سباتهم» وعين الله تعالى تكلا هذه العصبة 
المؤمنة. والساهر الوحيد الذي كان يقضم أسنانه غيظاً» وبعض أصابعه ندماً 
هو الشيطان الرجيم» وانتظر حلفاءه في الأرض كلهاء فلم يتحرك أحد على 
أخطر بيعة في الأرض» فا تمالك أن صرخ: يا أهل الأخاشب هل لكم في 
محمد والصباة معه قد اجتمعوا على حربكم » فالشيطان إذن ساهر ليمزق كل بيعة 
على الجهاد في سبيل الله. ولن يشي بنفسه أو حلفائه عن هذه الحرب» 
فهذه مهمته» وقد قتلته عبقرية النبوة السياسية التي حققت كل هذه 
الانتصارات» والشرك غاف كالمقبور لا يدري مايجري حوله. فهل لنا بمثل 
هذه العبقرية ف تحركنا الحديد اليوم؟ . 


را الرحيق المختوم ص ٠۷١‏ 


4 


ووضع المبايعون أيديهم على مقابض السيوف ليستلوها من أغمادها أمام 
هذا النداء قائلين: لن شئت يارسول الله لنميلن غداً على أهل منى 
بأسيافنا. الاستعداد للتو لتنفيذ بنود البيعة» بل أكثر من البنود» لأن يحموه 
عليه الصلاة والسلام وهو في مكة. 


ويأتي الجواب النبوي العظيم: لم نؤمر بذلك ولكن ارفضوا إلى 
رحالكم. فكم الفرق بين معركة آنية يسقط بها هؤلاء السبعون شهداء 
استجابة لنزوة طارئة» وانفعال هاثج» وبين المسؤولية عن كل قطرة دم تسقط 
دون تخطيط. وتسفح دون هدف. إن دم المسلم أشد عند الله تعالى حرمة من 
الكعبة المشرفة فكيف يسقط هذا الدم دون مقابل؟! . 


لا بد من الإعداد للمعركة» ونا تحن المعركة بعد. فالنبي إل هو الذي 
يحدد زمانها ومكائهاء وواجب الحنود أن تكون أيدييم في كل لحظة على الزناد 
أو على العتاد. أما واجب القيادة فأضخم من ذلك بكثير؛ أن تدرس آلاف 
الاحتمالات الناجحة أو الفاشلة لخوض المعركة. لأن كل قطرة دم سوف 
تقف يوم القيامة على رأس هذه القيادة وتسأها؛ فيم أرقت؟ فماذا تجيب؟ 
فلئن كان واجب الجندية أن تكون يدها على الزناد في كل لحظة يطلب منها 
ذلك فأشد وجوياً عليها وألزم أن ترفع يدها عنه. وتمضي إلى رحلها دون 
اعتراض» ولكن ارفضوا إلى رحالكم . 


ما أجلاه من درس؟! وما أروعها من عيرة؟ !. 


الاستعداد لقتال الحجيج كافة (لنميلن على أهل منى بأسيافنا). والإشارة 
الواحدة بالانصراف (ارفضوا إلى رحالكم). ويعود السبعون والنيف يتسللون 
كالقطا إلى أماكنهم التي انسحبوا منها في المزيع الأول من الليل ‏ ومن حوهم 
غارقون في نومهم» فيشاركونهم في الشخير. دون أن يدري بهم أحد حتى من 
تسللوا من فرشهم وكانوا نياماً معهم . 


VY 


السمة الثالثة عشرة 
القيادة تحدد ميلاد الدولة الإسلامية 


ولنعد إلى المباركفوري في عرضه القيم للبيعة: (ولما قرع هذا الخبر آذان 
قريش وقعت فيهم ضجة أثارت القلاقل والأحزان, لأنهم كانوا على معرفة 
تامة من عواقب مثل هذه البيعة؛ ونتائجها بالنسبة إلى أنفسهم وأموالحم فيا أن 
أصبحوا حتى توجه وفد كبير من زعماء مكة وأكابر مجرميها إلى ميم أهل يثرب 
ليقدم احتجاجه الشديد على هذه المعاهدة فقد قال: (يا معشر الخررج إنه قد 
بلغنا أنكم قد جنم إلى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرناء وتبايعونه 
على حربناء وإنه والله مامن حي من العرب أبغض إلينا من أن تنشب 
الحرب بيننا وبينهم منكم). ولا كان مشركو الخزرج لا يعرفون شيئاً عن هذه 
البيعة لأنها تمت في سرية تامة وني ظلام الليل» انبعث هؤلاء المشركون 
يحلفون بالله: ماكان من شيء وما علمناه حتى أتوا 
عبد الله بن أبي بن سلول» فجعل يقول: هذا باطل. وما كان هذاء وما كان 
قومي ليفئئتوا على مثل هذا. لو كنت بيثرب ماصنع قومي هذا حتى 
يؤامروني. أما المسلمون فنظر. بعضهم إلى بعض» ثم لاذوا بالصمت. فلم 
يتحدث أحد منهم بنفي أو إثبات . 
ومال زعماء قريش إلى تصديق المشركين فرجعوا خائبين . 


يزالوا يتنطسونهء يكثرون البحث عنه ويدققون النظر فيه حتى تأكد لهم أن 
الخبر صحيح ) والبيعة قل ثمت فعا . وذلك عندما نفر ا حجيج إلى أوطاغهم : 
فسارع فرسانهم بمطاردة اليثربيين» ولكن بعد فوات الأوان. إلا آم تمكنوا 
من رؤيه سعد بن عبادة, والمنذر بن عمرو. فطاردوهما. اما المنذر فأعجز 
القوم» وأما سعد فألقوا القبض عليه. فربطوا يديه إلى عنقه بلسع رحله. 
وجعلوا يضربونه» ونجرونه» ونجرولك شعره حى أدخلوه مكة. فجاء 
المطعم بن عدي والحارث بن أمية فخلصاه من أيدهم إذ كان سعد يجير لما 


١4 


قوافلهما المارة بالمديئة» وتشاورت الأنصار حين فقدوه أن يكروا إليه» فإذا هو 
قد طلع عليهم» فوصل القوم جيعاً إلى المدينة). 


١‏ تحركت قريش كالذي أصابه الشيطان من المسء وجاءت غيم 
الخزرج› وراح المشركون يحلفون بالله ما فعلوهاء وهم صادقون» وراح 
عبد الله بن أبي ينفي الأمر نفياً قاطعاً ويؤكد استحالته فيا كان لقومه أن يفتئتوا 
عليه بمثل ذلك . 


وصدق وهو كذوب» فيا علم بأن الانقلاب السري الذي تم التخطيط 
له لا يمكن البوح بأسراره. ولو قطعت الرقاب على ذلك . 

ويحضرنا سؤال دقيق في هذا المجال: لاذا لم يعلن رسول الله كل في 
مكة حلفه ودولته» وقريش تبحث عن الخبرء والمسلمون يلوذون بالصمت». 
والمشركون يلفون الأيمان المغلظة على 'كذبٌ هذا الإدعاء؟ والجواب سهل 
وواضح غير آل اثر ه وفقه الدرس فيه يغيب بكل أسف عن أذهاب الشباب 
في احتركة الإسلامية. 

جواب السؤال: هو أن الظروف غير مواتية لهذا الإعلانء» وطاقة 
المسلمين ضعيفة إذا قيست بطاقات مكة والمشركين عامة في أرض مكة. أو 
١‏ إعلان الحرب على دولة الكفر أو إعلان قيام دولة الإسلام» كل هله الأمور 
رهيئة الإمكانبات التي تملكها الجماعة المسلمة ضمن التخطيط المنظم المحكم 
لها. وأ تتسحرا هذه الأمور أبداً بالعواطف وردود الفعل. إ إا 'تتحرك بقرار 
ناد الا لاعلا والتي تتوخى القيادة فيه الظروف المواتية . 

ونود لو يترك شباب الحركة الإسلامية لقيادتها إعلان المواجهة وطبيعتها 
حسب ما تقتضبه الظروف العامة العربية والدولية . 

ويتحدد هذا الدرس في نقطتين: 

النقطة الأولى: هي أن الذي يحدد ميلاد الدولة الإسلامية هو القيادة لا 


(1) الرحيق المختوم ص ۱۷١‏ و الا١‏ و٣۷١.‏ 


174 


القاعدة سواءٌ أكان هذا في أرضها أو غير أرضهاء وهذه القضية كثيراً ما تأخذ 
طابع الاتهام للقيادة بالجبن أو الانحراف لو تأاخرت في ذلك. 

فبعض الشباب الإسلامي مثلاً لا يستطيع أن يتصور قيام انقلاب 
إسلامي أو حركة إسلامية في أرض أو دولة» إلا وواجب الإعلان عن هوية 
هذه الثورة» هو الحق وهو الشجاعة» مع أن المصلحة السياسية قد تقتضي 
أحياناً إرجاء الإعلان عن هوية الانقلاب أشهراً بل سنوات أحياناً . ويرى 
هؤلاء الشباب أن هذا التأخير هو انحراف عن الإسلام حين لا يتحدث 
هؤلاء الانقلابيون غير محددي الهوية في الأصل. عن الإسلام» بل يذكرون 
بعض البادىء الوطنية للتغطية حتى يتم التمكن والتمكين وهذا تصور 
خاطیء» وحكم جائر. 


إن إعلان قيام دولة الإسلام رهين بالظروف المواتية لذلك حسب تقدير 
القيادة لا حسب تقدير الأفراد» فرسول الله ي أرجأ الإعلان عن هذا 
التخطيط؛ لأنه وجد الفرصة غير مواتية في قلب بحر الشرك» وفي مكان غير 
مركز قوة الأنصار- المدنية. رغم الإحراجات الشديدة التي تعرض ها 
المسلمون أمام إلحاح قريش بالتأكد من الخبر» فلو أعلن ذلك لكانت قريش 
قأدرة؛ ومن ورائها الحجيج المشرك أن تذبح هؤلاء السبعين جميعاً وتنتهي 

قصة الإسلام في الأرض» وحين ترى الحركة الإإسلامية أن إعلان هويتها في 
استلام حكم في مكان ما. قد يفضي بان تُجتاح من العدو من كل جانب» 
وتستأصل البقية الباقية منها. 


وتجربة مدينة حماة كذلك درس قم لحركة الجهاد الإسلامي » فإعلاتما 
المواجهة المباشرة للسلطة الكافرة؛ ولم تعد الظروف المواتية لذلك أدى إلى دمار 
المدينة وسقوط عشرات الألوف صرعى فيها. 

النقطة الثانية: هي أن كتمان القيادة بعض الأمور عن أفرادها لا يعني 
اتهامها بالكذب أو الخداع أو التضليلء حتى لو أتت الظروف المواتية في ظاهر 
الأمر لذلك. فلم نعلم من خلال السيرة أن المسلمين المهاجرين قد عرفوا 


A۰ 


بقضية البيعة عدا أبي بكر وعلي رضي الله عنهاء فلا ضرورة للإعلان عن 
مثل هذا اللقاءء ومثل هذه البيعة هم . مالم يتم تكليف جديد هم على ضوء 
هذه البيعة» ولل يجعل هذا الأمر المهاجرين في قلق توتر لكتمان ذلك عليهم 
حينما عرفوه فيا بعدء فالروايات تذكر إن رسول الله يل بعد لأي من الزمن› 
وحين استقرت الأوضاع ف المديئة أخبر المهاجرين بقوله: إن الله قد جعل 
لكم إخواناً وداراً تأمنون فيهاء فخرجوا إرسالاً . ش 

إذن فقد تم إعلامهم بالأمر عندما تقرر فتح باب الحجرة إليهم إلى 
يثرب . 


۲ - ويؤكد هذه المعاني النتائج الصعبة التي ترتبت على تفشي الخبر. مما 
أوقع سعدا رضي الله عنه في الأسرء وكان يمكن أن يقتل نتيجة هذا الأمر أو 
تنقل أسرار التنظيم والمبايعة كاملة لقريش لولا لطف الله. ولم يتم الإفراج 
عن سعد إلا بتدخل من أعلى مستويات قريش. ويمكن أن نتصور الأخطار 
أكثر أنه كان من الممكن للأنصار أن يعودوا لاستخلاص سعد لولا أن ساقه 


الله إليهم . 


ونلاحظ كذلك أن رسول الله و والمسلمين معه لم يتدخلوا لحماية 
سعد رضي الله عنه لأن هذا يكشف البيعة ويؤكدها بين المسلمين والخزرج. 
وهو درس كذلك للشباب حين يرون قيادة الحركة تتلكأ في نصر المسلمين 
نتيجة ظروف قاهرة قد تفوت مصلحة كبيرة هم . 


فالحركة الإسلامية في خطها الجهادي. اقتضت مصلحة الدعوة فيها أن 
تبادن دولة مجاورة حين التقت مصلحتهها على عدو ثالث. وكان من طبيعة 
أهذه الهدنة أن أمدتها هذه الدولة بالسلاح والتدريب والتحرك على أرضها. 
وكان من أسس هذه المفاوضات بينهها أن لا تتدخل الحركة بالشؤون الداخلية 
هذه الدولةء ومصلحتها في معاملتها للحركة الإسلامية فيها. ونفذ هذا البند 
بأمانة تامةء رغم أمنية الحركة الإسلامية أن لا يمس أحد من إخوانها بسوء. 
لكنه شرف المعاملة. 


1۸1 


وقد تضطر الحركة الإسلامية في موقم آخر أن لا تتدخل لحماية أحد 
أبنائها مباشرة. إما لعجز في الإمكانية» أو لمصلحة في التخطيط. فلا يكشف 
من خلال هذا التدخل علاقتها به. فهذا لا يضيرها ولا يدينهاء بل تبقى 
دائ مصلحة الجماعة الإسلامية فوق مصلحة الفرد. 

۳ ونلاحظ أن الذي أنقذ سعدا فيم الجاهلية فا يروي سعد: فوالله 
إن لفي أيديهم يسحبونني إذ أوى إل رجلا ممن كان معهم فقال: ويحك أما 
بينك وبين أحد من قريش جوار ولا عهد؟. قلت: بلى والله. لقد كنت أجير 
لجبسير بن مطعم بن عدي تجاره» وأمنعهم ثمن أراد ظلمهم ببلادي, 
وللحارث بن حرب بن أمية . قال: ويحك فاهتف باسم الرجلين واذكر ما بينك 
وبينها. قال: ففعلت وخرج ذلك الرجل إليهما فوجدهما في المسجد عند 
الكعبة فقال لمما: إن رجلا من الخزرج الآن يضرب بالأبطح ويبتف 
باسمكماء ويذكر إن بينكما وبينه جوارا. قالا: ومن هو؟ قال: 
سعد بن عبادة. قالا: صدق والله إنه كان ليجير لنا تجارنا ويمنعهم أن يظلموا 
ببلده! قال: فخلصنا سعدا من أيديهم فانطلق!')). 

ولا يضير الحركة الإسلامية أن تنقذ شبابها أو ينقذهم غيرها تحت أية 
قيمة أو قانون أو عرف إذا كان هذا الأمر لا يؤدي بها إلى تنازلات على 
حساب مصلحتها العامة أو فكرتها المبدثية. 


السمة الرابعة عشرة 
ابتداء الحرب الإعلامية بين الدولتين 
وإثر حادث إطلاق سعد بعد اعتقاله: قال ضرار بن الخطاب بن مرداس 
شاعر قريش : 


تداركت سعدا عنوة فأسرته وكان شفائى لو تداركت منذراً 


. ۱۹۸-۱۰۷ تہذیب السيرة ص‎ )١( 


۴ 
ولو نله طلت دماء جراحه وكان حقيقا أن بان ودرا 


فأجاب حسان بن ثابت ضراراً بقوله: 
فلست إلى سعد ولا المرء منسذر إذا ما مطايا القوم أصبحن ضصمرا 
فلا تك كالشاة التي كان حتفها بحفر ذراعيها فلم ترض محفرا 


لقد أمسكت قريش بفتيل الحركة الإسلامية الذي أوشك على 
الانفجار» وكان من الممكن أن يقع صدام فع بين الفريقين لولا إطلاق 
سعد» غير أن التهديد والوعيد قد انطلق مؤذنا ببداية المواجهة. ولم يترك 
المسلمون الأمر دون رد. فكان شعر حسان إيذاناً ببداية الرد في الحرب 
القائمة» وعلى رأسها الحرب الإعلامية : 3 
فإنا ومن هدي القصائد نحونا كمستبضع ترا إلى أهل خيبرا . 

لقد كان الإعلام الإسلامي جاهزاً منذ اللحظات الأولى» التي كان 
الإعلام فيها أشد من وقع السيف. 

وقد تم كل هذا الأمر» ورسول الله به واقف على الحياد دون أي 
تدخل أو إيحاء بالتدحل رغم أن الحلف معه» فلا يزال في جوار 
المطعم بن عدي» وبنيه جبير بن مطعم وإخوته» وجبير هو الذي أجار سعداً 
كذلك. ولا يريد أن يثير معركة جانبية قبل الإعداد الكامل هاء واستطاع 
عليه الصلاة والسلام أن يؤجل المعركة» ويؤجل الدماء حتى قامت الدولة 
الإسلامية . 


فهل لدى الحركة الإسلامية أكبر من هذا الحدف في هذه المرحلة؛ أن 
تقيم دولة الإسلام ف أقل ما تستطيع من دماء» ولا تدع حلفا سياسياً أو عرفاً 
جاهلياً أو قانوناً أرضياً إلا وتستخدمه من أجل هذا الهدفه. 


.٠۳ السيرة النبوية لابن هشام ج۲ ص‎ )١( 
.٠٤ السيرة النبوية لابن هشام ص‎ )۲( 


١م‎ 


السمة الخامسة عشرة 
اختيار الأرض وسرية التجمع فيها والهجرة إليها 


يقول ابن اسحاق: (فلا أذن الله تعالى له ڳل في الحرب» وبايعه هذا 
الحي من الأنصار على الإسلام والنصرة له ولمن تبعه وأوى إليه من المسلمين» 
أمر رسول الله أصحابه من المهاجرين من قومه» ومن معه بمكة من المسلمين 
بالخروج إلى المدينة والهجرة إليهاء واللحوق بإخوانهم من الأنصار» وقال: إن 
الله عز وجل قد جعل لكم إخواناً وداراً تأمنون فيها. فخرجوا أرسالا وأقام 
رسول الله تكله بمكة ينتظر أن يأذن له ربه في الخروج من مكة, والهجرة إلى 
المدينة) .)١(‏ 


قد قيلت مثل هله الكبمة من رسو اله يكز للمسامين يوم دعام 
للهجرة إلى الحبشة: إن بها ملكا لا يظلم عنده أ حد. رابوم إن الله قد جمل 
لكم إخواناً ودارا تأمنون فيها. والفرق بين المركزين والمنطلقين واضح 


فمن حيث الموقع نجد الحبشة بعيدة» ولا تصلح لتكون مركزاً لإقامة 
الدولة بعيداً عن الأرض والبيئة العربية» ومههما قويت فستبقى محصورة ضمن 
إطار الهاجرين أنفسهم. والحركة ستكون مشلولة للمواجهةء بيا نجد المدبية 
وإن كانت بعيدة نوعاً ما عن مكةء لكنها تحتل موقعاً حساساً بالنسبة لمكة 
فهي قادرة على خنق مكة اقتصادياً لأن طريق قواهل قريش عنها. والتجارة 
عصب الحياة لقريش. كا أن البيئة واحدة» والعرب يمكن أن تتم الدعوة في 
صفوفهم وأن يتقبلوها. ومن حيث البيئةء فالاعتماد في الحبشة على الحاكم 
العادل» الذي قد يتغير في أية لحظة. فيصبح المسلمون على خطر داهم » وقد 
نا ن لك قدوقع تل حي قات رة د ادي فهيا للمسلمين 
سفينتين ليغادروا الحبشة إ تم النصر لعدوه» وهو يعلم أن المسلمين هم 
المستهدفون من هذه 0 8 الاعتماد في المدينة على الإخوان فيهاء على 


. ١١١ السيرة النبوية لابن هشام ص‎ )١( 


85م 


التجمع الإإسلامي الكبير الذي طغی في يثرب على كل التجمعاث» وأصبح 
يمل الكثرة الكبيرة فيها 

والحركة الإسلامية اليوم وهي تقتدي برسول الله كك في إنشاء دولتها لا 
بد أن تراعي هله المعاني وتفقه دروسهاء فحين انطلقت الحركة الإسلامية 
الحديثة في بعض فصائلها في جهادها لإقامة الدولةء لم يكن أمامها الخيار أن 
تجعل مرتكز تجمعها في الدولة المجاورة للطاغوت الكافر» واختيار غير هذه 
الدول المجاورة للتحرك والمواجهة والتدريب هو اختيار فاشل. لأن أي مكان 
غنِر هذه الدول يشل التحرك لمواجهة النظام شللاً تاماً. لكن العنصر الثاني 
من اليزة التي كانت في المدينة» قد تبي في بعض هذه الدول ولم يتهيأ في 
غيرهاء وحتى وجود الإخوة الأنصار لا يجعل لهم السلطة في هذه الدول» إنما 
السلطة لغيرهم. فالاعتماد إذن على طبيعة النظام الحاكم في الدول المجاورة 
وتغير النظام في كل الحظة مدد الوجود الإسلامي على هذه الأرض» ومن أجل 
هذا لا يمكن أن تكون هذه الأرض أكثر من نقطة ارتكاز وتجمع تسلد من 
الحكام المؤيدين لها. والمرتكز الأصلي هو مكان انطلاق الحركة نفسها حيث توجد 
القوى الكامنة للمواجهة والمؤهلة للمساندة. فالهجرة خارج مكان المواجهة 
الأصل فيهاء أنها هجرة مؤقتة بين نجد الهجرة إلى المديئة هجرة ثابتة حيث 
تكون المدينة نفسها موطن إقامة الدولة. 

والحركة الإسلامية عموماً حين تبحث عن الأرض ليست دائ تملك 
الحرية التي تريدها للاختيار. فقد تضطرها الظروف إلى مكان غير مناسب 
تماما . ولا بد ما من قبوله ريش تجد المكان الأفضل. لقد بقيت الحبشة مأمنا 
للمسلمين فترة طويلة حتی بعد وجود يثرب ولكنها ل تكن مركزاً لإقانة 
الدولة. وحين أتيحت الظروف في المدينةء كانت بتوفيق رباني أن قبل وفد 
الحجيج اليثربي الإسلام» فلو فشلت المفاوضات مشلا 5 الإسلام أو الحماية. 
أو جحت محادئات شيبان أو کندة. لكان الموقم متغيراً سسس المعطيات 
القائمة , 


وأدى هذا إلى رحيل عائلات باكملهاء فقبيلة بني غنم رحل أربعة عشر 


هما 


رجا منهم وسبع نسوة جرد الإذن بالرحيل . کےا تمرك عمر رضي الله عنه 
وأهله وعشيرته وحلفاؤه. وتتابع المسلمون مباجرون فلا مس المشركون إلا 


السمة السادسة عشرة 
اجتماع العدو للقضاء على القيادة 


قال ابن اسحاق: (فلما رأت قريش أن رسول الله ي قد كانت له 
شيعة وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم» ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين 
إليهم وساقوا الذراري والأطفال والأموال إلى الأوس والخزرج فعرفوا أن 
الدار دار منعة وأن القوم أهل حلقة وبأس وشوكة. فخافوا خروج رسول الله يلك 
إليهم ولحوقه ميم. وعرفوا أنه أجمع حرم » فاجتمعوا في دار الندوة. وم 
يتخلف أحد من ذوي الرأي والجحى منهم ليتشاوروا في أمره... فقال أبو 
جهل: والله إن لي فيه رأياً ما أراكم وقعتم عليه بعدء قالوا: وما هو يا أبا 
الحكم؟ قال: أرى أن نأخذ من كل قبيلة فت شاباً جليداً نسيباً وسيطاً فتيا 
ثم نعطي كل فق منهم سيفاً صارماء ثم يعمدوا إله فيضربوه بها ضرية 
رجل, واحد فيقتلوه. > فنستريح منهء فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل 
جميعاً فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعاً فرضوا منا بالعقل 
فقلناه هم قال: يقول الشيخ النجدي : القول ما قال الرجل. هذا الرأي لا 
رأي غيرهء فتفرق القوم على ذلك وهم مجمعون له30©. 

وهذه السمة تعنى ما سبق أن أكدناه من قبل أن اغتيال القيادة واغباءها 
هو هدف رئيسي بالنسبة للعدو. وكثيراً ما يتصور العدو أن انتهاء القائد يعنى 
انتهاء المواجهة والجهاد والثورة. وبالرغم من خطورة هذا الأمرء والدور 
الرئيسي للأمير في الجماعة. فهو لا يصح بشكل دائم» إنه قد يعيق الحركة. 
وقد يجهض الثورة لکن المعاني الإسلامية المتغلغلة ي نفوس شباب الدعوةء ۹ 
يمكن أن تنتهي بانتهاء القيادة . 
)١(‏ السيرة النيوية لاہن هشام ص ٠١١‏ . 


كما 


ولقد رأينا كيف أن الشيخ النجدي الذي حضر اللقاء كان يفند كل 
رأي غير رأي القتل. ويحذر من خطورة بقاء الرسول عليه الصلاة والسلام 
حياء وهو الرأي الذي كان يحرص على الوصول إليه مع المتشاورين. 
والشيطان الذي وعده الله تعالى أن ينظره إلى يوم البعث نلاحظ أن 
خططاته تنصب دائا في رؤوس أتباعه على إنباء القيادة المسلمة في الأرض 
إنهاء تامء بل لا يدع للرأي المعتدل أن يسود مهما كان. 


ولهذا نرى المحاولات اليائسة التي يقوم بها أعداء الإسلام لإنهاء الحركة 
الإسلامية عن طريق قتل قياداتها إعداماً أو اغتيالاً. والذي يلحظ الحاكمين 
وهم يواجهون الحركة الإسلامية رغم اختلاف مشاربهيم ونوازعهم يلتقون 
جميعاً على قتل هذه القيادات . ففي مصر مكلا : كان اغتيال الإمام الشهيد 
حسن البنا هو الهدف الرئيسي الذي لا ترضى انكلترا بدونه بديلاء وقد 
التقى هدفها مع هدف الملك فاروق في ذلك. وحين قامت الثورة المصرية 
كانت ترى في هذا لاغتيال غلا كيرا حتى إنها شكلت محكمة لمحاكمة فتلة 
الإمام الشهيد. غير أنها عندما رأت قوة الحركة الإسلامية سلكت الطريق 
نفسه الذي سلكه قبلها فاروق. فأقدمت على إعدام الدفعة الأولى للإخوان 
المسلمين والمكونة من ستة من قادة هذه الجماعة وعللى رأسهم عبد القادر 
عودة» ومحمد فرغلي» ويوسف طلعت. ورغم مرور عشر سنوات على هذه 
المجزرة كان سيد قطب رحمه الله يمثئل البقية الباقية من القيادة المفكرة 
للجماعة. ومنذ أن رأى الحاكم الطاغية القوة الفكرية لسيد تجتاح الأرض 
المصرية .كان الاتحاد. السوفييتي هو الذي يصر هذه المرة على رأسه دون أن 
يحتج أحد من الحاكمين المسلمين وغير المسلمين على ذلك» ورغم خطورة 
الإقدآم على إعدامه واستياء ل الإسلامي لذلك» لم يتراجع الطاغية عن 
موقفه» ول يرض غير الإعدام له مع زملائه. وجاء خلفه يدعي الديمقراطية 
وإعادة الحرية» وعامل كل زعاء المعارضة بالسجن عنده حين رأى خطرهم . 
أما المعارضة الإسلامية فلم يكن من حل لها عنده إلا الإعدام. وقد أقدم 
على مجزرتين في عهده: 


اما 


الأولى: إعدام خمسة ممن اتهموا بحادثة الكلية الفنية. 
الثانية : إعدام مجموعة شكري مصطفى وإخوانه. 
ول يشهد عهد الحكام المتعاقبين إعداما إلا لقادة الانجاه الإسلامي . 


السمة السابعة عشرة 
عبقرية التخطيط البشري في المهجرة 


1 - مبيت علي رضي الله عنه في فراشه : 

(.. فأق جبريل عليه السلام رسول الله ي فقال: لا تبت هذه الليلة 
على فراشك الذي كنت تبيت عليه. فلا كانت عتمة من الليل اجتمعوا على 
بابه يرصدونه حتى ينام فيثبون علیه» فلا رأى رسول الله ككل مكانهم فقال 
لعلي بن أبي طالب؛ نم على فراشي» وتسج ببردي هذا الحضرمي الأخضر 
فلم فيه فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم. وكان رسول الله ب ينام في 
برده ذلك إذا نام20)) , 

فلقد كان أمر الله تعالى لرسوله أن لا يئام على فراشه» وكان تصرف 
البي عليه الصلاة والسلام بنوم عل على فراشه وتسجيه ببرده جزءاً من 
مسؤولية القائد في إنجاح خطته. وذلك بالتمويه والتعمية على عدوه. وقد 
نجحت هذه الجزئية في التمويه نجاحاً تامأ رغم الاحتمالات الكبيرة لكشفها. 
فلقد قال لهم الرجل الذي رأى محمداً خارجاً من بيته : خيبكم الله قد والله 
خرج عليكم محمد ثم ماترك منكم رجلا إلا وقد وضع على رأسه تراباً أف 
ترون مابكم؟. فوش کل رجل منيم يده على را فإذا عليه ترابء ثم 
جعلوا يتطلعون فيرون علياً على الفراش متسجياً ببرد رسول الله لا فيقولون: 
والله إن هذا لمحمد نائ عليه بردهء فلم یروا كذلك حتى أصبحوا. فقام 
علي رضي الله عنه عن الفراش فقالوا: والله لقد كان صدقنا الذي حدثنا. 


ورغم ثقة رسول الله َي بحماية ربه له. فهذا لم يمنعه من أن يأخخذ 


1۲ تهبذيب سيرة ابن هشام '. ص‎ )١( 


الاحتياط البشري الذي يملكه. وفي الوقت الذي أعمى الله تعالى عنه الأبصار 
أثناء خروجه. وسلط عليها النوم حتّى خرج من بين أيديهم . شاءت إرادته 
تعالى أن يتم لقاء رسول الله مع الراكب القادم , وأن ينبه العدو إلى خروجه. 
لكن الله تعالى حرس نبيه عليه الصلاة والسلام لا بمعجزة. ولكن بعال 
الأسباب قي تخطيط البشر. 

وما أحوجنا :إلى أن ندرك واجبنا في الاعداد لمواجهة العدو رغم اعتمادنا 
الأول والأخير على الله تعالى. لا أن نحيل تقصيرنا وضعفنا وتهاوننا على 
القدرء ونتوجع على عدم نصر الله تعالى لناء ونحن المسؤولون عن ذلك 


ب الخروج في الغبار: 

(قالت عائشة: كان لا يخطى ء رسول الله لله أن يأتي بيت آي بكر 
أحد طرفي النهارء إما بكرة وإما عشية - حتى إذا كان اليوم الذي أذن فيه 
لرسول الله يإ في المجرة والخروج من مكة من بين ظهري قومه. أتانا رسول 
الله يي بالحاجرة في ساعة كان لا يأتي فيها('»). 


إذ أن هذه الساعة بالنسبة للناس ساعة القيلولةء وقلما يوجد إنسان في . 
مكة خارج بيته» خاصة إذا عرفنا أن الخروج كان في أوائل أيلول. في آخر 
شهر من أشهر الصيف كا حققه العلامة المباركفوري. فهذا الخروج هو 
أضمن ما يكون للسرية وأضمن أن يخفى عن العيون. 


ج- الخروج من الكوة: 

(. . . فخرجا من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته". . .). . إذ قد يكون 
بيت أبي بكر مراقباً» وهو احتمال كبير بعد أن فات رسول الله المشركون. 
وإذا كانت المراقبة قائمة من بيت مجاور أو من مكان فيه ظل بعيد عن الأنظار 
فستكون المراقبة لباب البيت بالذات يرصد فيه الداخلون والخارجون. وفي 


)١(‏ السيرة النبوية لابن هشام ص 9؟١‏ ج ؟. 
(۲) المصدر نئفسه ٠١١‏ . 


۱۸۹ 


الخروج من مخرج سري بعيد عن المراقبة يعني ضرورة المحافظة الدائمة على 
السرية ووضع الاحتمالات الكثيرة لتخطيط العدو ومراقبته. 

د - الانجاه إلى الغار: 

(... ثم عمدا إلى غار بثور فدخلاه...(2). وإذا توقعنا تخطيط مكة 
للقضاء على رسول الله ككل. فسوف يكون طريق المدينة مرصوداً من عدد 
غفير من الفرسان حتى يحال دون وصوله إليها. إن التفكير البشري سينصب 
طبيعياً على رصده لأنه هو هدف الرسول ية وني القبض عليه إنهاء 
للمعركة كاملة معه. فاتجاه رسول الله به إلى الغار فوت على العدو مخططه 
وأحبطه» وفوت عليه القبض عليه. 


ه ‏ الغار على "غير طريق المديئة : 

وتبدو عظمة التخطيط أكثر حين نعلم أن غار ثور في جنوبي مكة وليس 
على طريق المدينة حيث احتمالات الرصد. وكا يقول المباركفوري : (ولا كان 
البي كل يعلم أن قريشا ستجد في الطلب. وأن الطريق الذي ستتجه إليه 
الأنظار لأول وهلة هو طريق المدينة الرئيسي المتجه شمالاً فقد سلك الطريق 
الذي يضاده تماماً وهو الطريق الواقع جنوب مكةء والمنجه نحو اليمين» 
سلك هذا الطريق نحو خمسة أميال حتى بلغ إلى جبل يعرف بجبل ثور. 
وهذا جبل شامخ» وعر الطريق» صعب الرتقى » ذو أحجار كثيرة» فحفيت 
قدما رسول الله کے" ` 
ي المخابرات في مكة: 

(وأمر أبو بكر ابنه عبد الله بن أبي بكر أن يتسمع ما يقول الناس فيهم) 
ہاره» ثم يآتيهما إذا أمسى با يكون في ذلك اليوم من الخبر. .0©). فلا 
يكفي بشاء المصطفى يك وصاحبه اي بكر في الغار مدة معينة ثم ينطلقان 
حسب التقدير إل المدينة, لا بد من التعرف مباشرة على كل أسرار العدو 
)١(‏ المصدر ئفسه ص ٠١١‏ . 
(۲) الرحيق المختوم ص 187 . 
(۳) السيرة النبوية لابن هشام ج۲ ص ۱۳۰ . 


ب الحلا 


ومحططاته وتوقعاته » بحيث تصل أولا بأول إلى رسول الله يك فيكون متابعة 
تنفيذ الخطة قائ على خبرة بالواقع لا على ظن وحدس يخطىء ويصيب. 


وكلما كانت القيادة أعلم بواقع العدوء وأدرى بأسراره» وما في صفوفه 
من ينقل إليها كل تخطيطاته كاا كان ذلك أنجح لها في تنفيذ خططها 
ومخططاتهاء وما يوم حليمة بسر. وما أحداث حماة التي أدت إلى محنتها 
الرهيبة» إلا وكان أكبر أسبامها جهل القيادة بطبيعة مجريات الأمور هناك. 
وانقطاع الاتصال بين القيادة في الخارج والقيادة الميدانية في الداخل ساهم إلى 
حد كبير في تطور الأزمة ومضاعفاتها. 
ز - تأمين الزاد: 

(.. وكانت أسماء بنت أبي بكر ثأتيهما من الطعام إذا أمست با 
يصلحها. .))١.‏ فقد يكون المقام طويلاً في الغار ولو انقطع الزاد عنما فقد 
يهلكان من الجوع» وأن يحمل عبد الله بن أبي بكر مؤونة إحضار الطعام فقد 
يلفت ذلك الأنظار ويكشف تحركاته ويحول دون تأدية مهمته . 

ومن حقنا أن نتصور كذلك أنه بإمكان أساء أن ينقل أخوها عبد الله 
ها صورة الواقع» وتنقل الزاد والأخبار لرسول الله . لكن قدرة أسياء على 
استيعاب الخبر وأبعاده أضعف من قدرة عبد الله. فلا بد من اعتماد أوثق 
الطرق. كذلك في الوقت الذي كانت أسماء فيه أقدر على تأمين الزاد ولكلا 
الأخوين اختصاصها ومكاها المناسب. ولا نستطيع أن نمر بهذه الفقرة دون 
الإشارة إلى شخصية أسياء العجيبة وهي الائثى الحامل في شهورها الأخيرة. 
وتصعد في الجبل الذي يعجز المسلم العادي صعوده. 
ح - إعفاء الأثر : 

(.. وأمر عامر بن فهيرة مولاه أن يرعى غنمه ناره ثم يريجهم| 
عليه . .©2). فإذا كان اقتفاء الأثر خير دليل لمعرفة وجودهما في الغار» خاصة 


. ٠۳١ المصدر نفسه لابن هشام ج۲ ص‎ )١( 
. ٠١١ المصدر نفسه لابن هشام ج۲ ص‎ )۲( 


4۱ 


وأساء وعبد الله يومياً يأتيان إلى الغار» فكان غنم عامر بن فهيرة هو الذي 
ياي على آثار أقدامهها فيعفي الأثرء ويزيل الاحتمال. 

والشباب المجاهدون في القواعدء والمختبئون فيها لحم في هذا الدرس 
بكل جزئياته» ما يدفعهم إلى التعرف على كل وسائل السرية المطلوبة وفقدان 
عنصر واحد من هذه العناصر يجعل القاعدة معرضة للكشف من العدو. 
ط . الاستمرار ثلاثة أيام : 

(فأقام رسول الله كل في الغار ثلاثاً ومعه أبو بكر) لأن الخروج إلى 
أي مكان في الأيام الأولى يجعلها عرضة للوقوع في قبضة العدو. كا أن المدة 
الزمنية هذه كانت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً في المعلومات المقدمة من 
عبد الله بن أبي بكر عن خفة الطلب عليهما. كا أن الاستقرار أكثر قد يلفت 
النظر من الاخرين حين يتكرر المرور عليهما من أسماء وعبد الله كل يوم . 
ي - الإرادة الربانية نتدخل : 

في رواية للإمام أحمد عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: 
فهيأنا لهم سفرة. . . وخرجوا يطوفون في جبال مكة حتى انتهوا إلى الجبل 
الذي هما فيه فقال أبو بكر لرجل مواجه الغار: يا رسول الله إنه ليرانا. 
فقال: كلا أن ملائكة تسترنا بأجنحتها). فجلس ذلك الرجل فبال مواجه 
الغار فقال رسول الله ية : لو كان يرانا ما فعل هذا7©). 


وفي رواية البخاري: (. . فقلت: يانبي الله لو أن بعضهم طأطأ بصره 
رآنا. قال: اسكت يا أبا بكرء اثنان الله ثالثهما. .). وبالرغم من كل الحهد 
البشري في التمويه والإخفاء والسرية فلقد وصلت قريش إلى مكان اختفاء 
رسول الله يا والظاهر من رواية أسباء أنهم كانوا يبحثون في كل جبال مكة 
عنبماء ولعل ذلك من وشاية أو توقع. واحتمال وصول قريش عن طريق تتبع 
الأثر هو احتمال ضعيف. أو ضعف في الخطة نفسها. لكن الذي نود قوله: 
)١(‏ ذات النطاقين محمد حسن بريغش. ج۲ ص 75-178 . 
(۲) السيرة النبوية ج۲ ص ۳ 


4۲ 


إنه حين ينتهي الجهد البشري المطلوب» وحين تستنفذ الطاقة البشرية فالله 
تعالى أرحم بنبيّه وصاحبه من أن يجعلها ظفرأ لعدوهماء ولقد قرر الله تعالى في 
محكم التنزيل هذا المعنى إذا أكد حمايته لنبيه ونصره له حين تخلت عنه قوة 
الأرض» وحين كان المسلمون كلهم كقوة بشرية قائمة في المدينة أو مختفية في 
مكة ‏ ليس معه للحماية إلا إنسان واحد: «إلا تنصروه فقد نصره الله إذ 
أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله 
معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروهاء وجعل كلمة الذين كفروا 
السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم(“). 

فقوة الأرض كلها بعيدة عن النبي ككل المؤمنون والكافرون. ووصل إلى 
قبضة الطاغوت. وأكد رسول الله ية لصاحبه: لا تحزن إن الله معنا قائلاً له 
عن الرجل المراقب: إن اللائكة لتظللنا بأجنحتها مصداقاً لقول الله 
عز وجل : (وأيده بجنود لم تروها». 

والتعبير القرآني العجيب ألا هذا النصر في حقيقة الأمر كان باباً لأن 
تكون كلمة الله هي العلياء وإذلالاً وإرغاماً للمشركين في تحطيم كل 
غخططاتهم بقتل النبي عليه الصلاة والسلام . لقد كانت نجاته عليه الصلاة 
والسلام من قبضة عدوه نصرا مؤزرا تكون كلمة الله تعالى هي العليا فيه. 

والدعاة إلى الله بحاجة دائ إلى أن يكون راسخاً في أعماقهم دائياً عون 
الله هم حين تعجز قوتهم البشرية عن إدراك ما خطط هم العدو بعد استنفاد 
الطاقة واستفراغ الوسع» وأن تكون لديم القناعة التامة كذلك أن النصر أولا 
وأخيراً بيد الله . 
ك ‏ الاستفادة من خبرة المشركين: 

(. . فاستأجرا عبد الله بن أريقط ‏ وكان مشركاً ‏ يدهما على الطريق 
فدفعا إليه راحليتهها ‏ فكانتا عنده يرعاهما لميعادهما. وعلى شركهء فالاستفادة 
من خبرته قائمة طلما أنه مأمون لا ينقل الأخبار للمشركين . والاستفادة من 


.4١ التوبة الآية‎ )١( 


4۳ 


الطاقات غير الإسلامية للحركة الإسلامية تجد نفسها مضطرة للاستفادة من 
هذه الطاقات . 
ل - متابعة التمويه : 

(. . فيلقى الرجل أبا بكر فيقول: من هذا الرجل الذي بين يديك؟ 
فيقول: هذا الرجل يهديني الطريق» فيحسب الحاسب أنه يعني به الطريق» 
وإنما يعنى به سبيل الخير('2). وطاما أن رسول الله ية مع أي بكر هو ال هدف 
لقريش. وقد أعلن عن وضع مائة نافة لمن يعثر عليه ويحضرهء وماثة ناقة 
ثروة ضخمة للعربي الصعلوك الذي لا يجد قوته. فسوف تتسامع العرب 
بخبره وتحاول الظفر بهء وتقدير هذه الصورة دفع أبا بكر رضي الله عنه أن 
يتبعم هذا السبيل. فيوحي للسائل أن أبا بكر دليله على الطريق. وبذلك 
ينتفي الاتهام الذي يحوم حول أحدها أن يكون صاحب فريش. إن الدعاة 
إلى الله لا بد أن يكونوا على قدر من الوعي والنباهة وحضور البديهة وحدة 
الذاكرة ما يجعلهم قادرين على خداع عدوهم والإفلات من يديه دون أن 
يستعمل أسلوب الكذب الصراح إلا عند الضرورة. أما الأصل. ففي الكناية 
والمجاز متسع لحم لتحقيق هذه الغاية» وكا يقول عليه الصلاة والسلام وهو 
يخط مبدأ من مبادىء التعامل مع العدو الصديق: (إن في المعاريض لندوحة 
عن الكذب22)), 
م الطريق إلى اليمن : 

0 . وأول ما سلك مهم بعل الخروج من الغار أنه أمعن باتجاه الجنوب 
نحو اليسن» ثم اتجه غربا نحو الساحل). ولم يكتف رسول الله ب باللإقامة: 
ثلاث ليال ني الغار بل سار بهم الدليل بعيداً عن الأنظار باتجاه اليمن» ثم 
انحرف إلى طريق المديئة (حتى إذا وصل إلى طريق لم يألعه الناس اتجه شمالا 
على مقربة من شاطىء البحر الأحمر). فحتى الطرق الفرعية التى يمكن أن 
تقود إلى طريق المدينة اختارها ابن أريقط غير مأهولة» وغير مألوفة للناس 


)0( الرحيق المختوم . عن البخاري. ص 1۸۷ . 
ر رواه ابن عدي في الكامل والبيهقي في شعب الإيمان . 


155 


إمعاناً في السرية والبعد عن الأنظار. والطريق الذي اختاره للمدينة بعد ذلك 
هو غير الطريق العادي الذي يمضي به الناس إليها (وسلك طريقاً لم يكن 
يسلكه أحد إلا نادراً) وكا يحدثنا أبو بكر رضي الله عنه عن هذا الطريق 
بقوله : أسرينا ليلتنا ومن الغد حتى قام قائم الظهيرة» وخلا الطريق لا يمر فيه 
أحدء فرفعت لن صخرة. طويلة لها غل لم تأت عليه الشمس فتزلنا عندء؛ 
وسويت للنبي ككل مكاناً بيدي ينام عليه وبسطت عليه فروة. وقلت نم 
يا رسول الله وأنا أنفض لك ما حولك. فنام» وخرجت أنفض ما حوله). 


فالطريق خالية والناس قلا يمرون فيها. فكم كان هذا الدليل ماهراً 
خريتاً وهو يسير بهم في كل صوب حتى يقودهم إلى المدينة؟ إن الجهد البشري 
في عام الأسباب إذا كان من غير رجال الدعوة أصلا فلا يجوز أن يسبق 
رجال الدعوة فيه بحجة الاعتماد على الله والتوكل عليه. وإذا كان سيد الخلق 
قد فعل ذلك وهو المصنوع على عناية الله وفي رعايته» فلا شك أننا نحن أولى 
بذلك. 
ن - سراقة والتعامل معه: 

ومن الجهد البشري في الاحتياط كذلك ما كان يفعله أبو بكر رضي الله 
عنه (فجعل أبو بكر يسير أمامه» فإذا خشي أن يؤق من خلفه سار خلفه. 
فلم يزل كذلك مسيره) ومع هذا الاحتياط فقد لحق سراقة بن مالك برسول 
الله کا طمعاً في الجائزة وكا يروي : (.. فدنوت منههما حتى إني لأسمع قراءة 
رسول الله يل ثم ركضت الفرس فوقعت بنخربهاء فأخرجت قداحي من 
كنانتي فضربت بها: أضره أم لا أضره؟ فخرج: لا تضره» فأبت نفسي حتى 
أتبعه» فاتيت ذلك الموضع فوقعت الفرس. فاستخرجت يديه مرة أخرى, 
فضربت بالقداح أضره آم لاء فخرج لا تضره فأبت نفسي حتى إذا كنت منه 
بمثل ذلك ا موضع حشية أن يصيبني ما أصابني بأذيته فقلت: إني أرى 
سيكون لك شأن فقف أكلمك). فوقف النبي كله فسأله أن يكتب له أماناً 
فكتب له أماناً). وفي رواية البخاري فناديتهم بالأمان» فوقفواء فركبت فرسي 


.۷۷ / من رواية الإمام أحمد وأورده البخاري في صحيحه جه‎ )١( 


4۵ 


حتى جثتهم ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أنه سيظهر 
أمر رسول الله يل فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية» وأخبرتهم 
أخبار ما يريد الناس بهمء وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزاني وم 
يسالاني إلا أن قال: أخف عناء فسألته أن يكتب لي كتاب أمان فأمر 
عامر بن فهيرة فكتب لي في رقعة من أدم ثم مضى رسول الله ة). (ورجع 
سراقة فجدّ في الطلب فجعل يقول: قد استبرأت لكم الخبرء قد كفيتم ما 
ها هنا وكان أول النهار جاهداً عليهماء وآخره حارساً فما“). والحرص على 
تعدد الروايات هو لاستكمال الصورة. فا لقيه سراقة من انسياخ قدمي فرسه 
ومن تعثرها وانكبامبا على منخريها ‏ كنا ثبت في الروايات الصحيحة ‏ جعله 
يغير خطته. ومن أجل ذلك فلم يقاتل ولم يقتل» بل تم الاطمئنان إليه. بأن 
أتم بقية الخطة في التعميةء وصرف الناس عن متابعة الطلب في هذا 
الطريق. والملاحظ أن سراقة لم يسلم وبقي على شركه . وكل ما وقع عنده هو 
قناعته بان الرجل منوع وأن النصر حليفه لا محالة ورضي أن يذود عن 
رسول الله كل آخر اليوم ويبعد الناس عن ملاحقته في هذا الطريق . 

والدرس المهم لنا من هذه الحادثة. ونحن 5 الحركة الإإسالامية تعمل 
لإعادة الحياة الإسلامية إلى الأرض. هو أن غلك القدرة على تحديد الصديق 
من العدو وذلك في صفوف الكفار أنفسهم وبإمكان الحركة الإسلامية أن 
تأخذ من قلب أعدائها من تصبح القناعة عنذه بانتصارها ليتعامل معها 
ويناصرها. ويبقى تقدير الأمر لقيادة الجماعة من خلال تعاملها مع هذا 
الحصم. إن المنطق الظاهري يقتضي قتل سراقة بن مالك لأنه قد يدل 
عليه]. وهو لم يسلم بعد لكن تقدير رسول الله ي لشخصه أنه صادق 
الولاء هياء وأنه تخل عن عدائه ليله الحركة أمام هذه المعجزات . 

والنقطة الثانية التي تستفيدها الحركة كذلك هو أن لا يكون الحكم على 
الرجل أو الفئة من خلال الماضي القريب أو البعيد في عدائهم للاسلام. 
فمناط الأمر هو الثقة بتغير هذه الفئة أو هذا الرجل مها كان ماضيه في 


)١(‏ زاد المعاد ج؟ / "اه ط دار الفكر. 


الحرب صد الإسلامء والقيادة من خلال تعاملها مع هؤلاء الناس لها 
الاجتهاد الأوفى ذا الأمر. 


وإذا كان رسول الله َة وهو الموحى إليه فيطلق في أحكامه من الوحي 
فلا يخطىء. ولا ينطق عن الهوى. فليس أمام قيادة الحركة الإسلامية إلا 
الاجتهاد في هذا الأمر الذي قد يخطىء وقد يصيب» ولو قدرنا مثلاً أنها 
أخطات التقدير فلا غضاضة في ذلك., ولا داعي لأن تقيم القاعدة الدنيا 
عليها لهذا الخطأ. 

إن الحركة الإسلامية في مسيرها لإقامة دولة الإسلام» قد تتحالف مع 
عدو قريب وتتعاون معه بل تطلب منه جزءاً من المناصرة جليلاً أو يسيراً إذا 
اطمأنت إليه. وميزان الاطمئنان هو مدى ثقة هذا العدو بقوة الحركة 
الإسلامية. وتستطيع أن تبذل الجهد في التأكد من هذه الثقة» ولا شيء 
عليها بعد ذلك أصابت التقدير أم أخطأته. 

والنقطة الثالثة التي نفقهها من هذه الحادثة هي فكرة الأمان لهذا العدو 
الذي غيرٌ موقفه وأعلن مناصرته وولاءه. فكل ما طلبه سراقة هو الأمان» 
وطالب به يوم حنين» وإن كنا لا ندري متى أسلم سراقة رضي الله عنه» 
وأغلب الظن أن إسلامه كان بعد فتح مكة". لكنه أظهر الأمان لرسول الله 
يكل يوم حنين فأقره عليه. 

إن سلوك الكافرين ومواقفهم من الحركة الإسلامية يجعل لدى الحركة 
حرية التعامل معهم من خلال هذه المواقف بحيث يكون الأمر في النباية 
لصالح الإسلام ودولته. وتستطيع أن تبادن وتؤمن وتستعين يمن تشاء بعد 
تقديرها لموقف هؤلاء الناس دون قيد. وكم نتمنى للقاعدة الإسلامية الصلبة 
أن تكون عوناً لقيادتها على هذا التحرك» لا أن توجه لها سهام النقد والتجريح 


)١(‏ في رواية ابن إسحاق أنه أسلم بعد عرض الأمان عل رسول الله ا أثر عودته من حنين 
(خرجت ومعي الكتاب لألقاه فلقيته بالجعران فدخلت في كتيبة من خيل الأنصار فجعلوا 
يقرعونني بالرماح ويقولون إليك ماذا تريد؟ فدنوت من رسول الله 6[ وهو على ناقته. . . 
فرفعت يدي بالكتاب ثم قلت: يا رسول الله هذا كتابك لي. أنا سراقة بن مالك فقال: يوم 
وفاء وبرأدله فدنوت منه فأسلمت). تبذيب السيرة ص ١١‏ . 


۱4۷ 


والاتهام في وعيها على أقل الأحوالء ليصل الاتمام إلى دينها في أغلب 
الأحوال. 
س - قصة أم معبد: 

والذي يعنينا من قصة أم معبد بعد المعجزة الربانية الباهرة أنها كانت 
على بعض الروايات سبباً في ملاحقة النبي ب والركب منه. وعلى الأقل 
كانت هذه الضيافة بشكل عام قد حددت مكان السير. إذ تذكر الرواية عن 
أساء رضي الله عنها: (حين أقبل رجل من الجن من أسفل مكة. يتغنى 
بأبيات من شعر غناء العرب وإن الناس يتبعونه يسمعون صوته ما يرونه حتى 
خرج من أعلى مكة وهو يقول: ٍ 
جزى الله رب الناس خير جزائه رفيقين حلا خيمتي أم معبد 
مكان السير وطريقه. وقصدنا من هذه الملاحظة التأكيد على أن ما يتم فوق 
الطاقة البشرية من كشف لجحانب من جوانب الخطة. كما جرى حين وصل 
الركب إلى الغار» وكا جرى حين وصل سراقة لرسول الله بء وكا جرى 
مع هاتف الجن. هذه أمور ربانية مبيئها الله تعالى لدعوته , قل تكون قوة 
مؤلاء الدعاة» وقد تكون كشفاً لهم وامتحاناً عسيراً لتمحيص صفهم. ففي 
أحد أعلمنا الله تعالى حكمه وحكمته بقوله جل وعلا: #إن يمسسكم قرح 
فقد مس القوم فرح مثله وتلك الأيام نداوها بين الناس وليعلم الله الذين 
آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظلمين. وليمحص الله الذين آمنوا 
ومحق الكافرين “4 . 

فبالرغم من أن السرية التامة كانت على الجميع حتى من العصبة 
المسلمة ما عدا من اشترك فها (عائشة وأسماء وأبو بكر وابن أريقط فهيرة 


.141- ٠٤١ سورة آل عمران الآية‎ )١( 


١5/4 


ورسول الله ) مع هذا كله تكشف جانب من الخطة كان فوق التقدير 

البشري . فتلقاه رسول الله يله بالتسليم المطلق: رلا تحزن إن الله معنا). رما 

قولك في اثنين الله ثالثهما). وما أحرانا نحن وقد شهدنا عبقرية التخطيط 

للهجرة ا أن لا تغيب عنا هذه الحوانب الثلاث : 

أولاً : علينا أن نستفرغ الوسع ونبذل كل الطاقة في التخطيط البشري . 

ثانياً : أن يكون اتكالنا على الله تعالى دون اعتمادنا على الأسباب . 

ثالثاً : أن نقبل قضاء الله وقدره فيا هو فوق طاقتنا ونطمئن إلى أنه خير 
للاسلام والمسلمين. 


السمة الثامنة عشرة 
قاعدة جديدة تنضم إلى الإسلام 


يقول الباركفوري: (وفي الطريق لقي النبي بل أبا بريدة0». وكان 
رئيس قومه. حرج في طلب النبي يل وأبي بكر رجاء أن يفوز بالمكافأة 
الكبيرة التي كان قد أعلن عنها قريش» ولا واجه رسول الله كله وكلمه أسلم 
مكانه مع سبعين رجلا من قومه. ثم نزع عمامته وعقدها برمحهء فاتخذها 
رأية. .")) . 

لقد كانت بيعة رسول الله بل مع سبعين من الأنصار» ولا شك أن 
هؤلاء مقدمة للأنصار في المدينة. غير أن انضمام قافلة جديدة إلى موكب 
الإيمان من قبيلة أسلمء والتي كان بريدة بن الحصيب على رأسها قد مضى 
للإجهاض على محمد رسول الله يعتبر هذا الأمر تغيراً خطيراً في مراحل 
الدعوة. فلم تعد المدينة وحدها صاحبة اللواء الإسلامي المرفوع. إذ انضم 
إليها حليف قوي من أسلمء بهذا التجمع الكبير والجمهرة الضخمة. وهذا 
يعني أن الطريق بين مكة والمدينة صار محفوفاً بالمخاطر من هؤلاء وعلى الأقل 


. ٤۴ الأصح أنه بريدة بن الخصيب الأسلمي کا ف [متاع الأسماع للمقريزي ص‎ )١( 
. ۱۹ (؟) المباركفوري في - الرحيق المختوم - ص‎ 


۱1۹4 


إن لم يتمكنوا من صد هجوم قريش فلا أقل من أن يرصدوه» ويرصدوا كل 
التحركات المعادية ضد رسول الله عليه الصلاة والسلام. ولقد كان سرور 
رسول الله كل عظيرا بدخول هذه القاعدة في الإسلام إذ قال: (أسلم سالها 
الله وغفار غفر الله طاء أما والله ما أنا قلته. ولكن الله قاله0')) ويشير هذا 
المعنى إلى أن قوة المسلمين» وظهور تجمعهم قد جعل القبائل المجاورة على 
استعداد لقبول الإسلام والانضمام إليه. 

كنا يشير المعنى كذلك إلى أن الدعوة إلى الله تعالى تبقى هي الحدف 
الرئيسي للمسلمين» فرغم أن الظروف على الطريق إلى المدينة. لم تكن 
ظروفاً مؤهلة للخوض في تفاصيل الإسلام. لكن المدف الرئيسي دائأ تتجاوز 
الظروف من أجله» وعلى الدعاة إلى الله أن يكونوا دائ على أهبة الاستعداد 
للدعوة إلى الله على بصيرة . 


السمة التاسعة عشرة 
(أول إعلان رسمي لشعائر العبادة) 


(قال عروة ین الزبير: فتلقوا رسول الله E‏ فعدل بهم ذات اليمين 
حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول). 
ونزل رسول الله بل بقباء على كلثوم بن الهدم.. وأقام بقباء أربعة أيام 
الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس وأسس مسجد قباء وصلى فيه» وهو أول 
مسجد أسس على التقوى بعد النبوة") . 

فبعد مرور ثلاثة عشر عاماً ليس للمسلمين مركز علني ثابت يصلون 
فيه» لا تقام فيه إلا شعائر التوحيد. إذ كانوا يصلون أحياناً في الكعبة» لكن 
بيت الله الحرام قد أحاط به ثلاثمائة وستون صناأء وكل شعائر الشرك تقام 
حوله . 
)١(‏ الإمام أحمد الطبراني والحاكم في مستدركه. 
(۲) الرحيق المختوم عن البخاري وزاد المعاد ص ۱۹۱-۱۸۹ . 


Ye 


لقد كان مسجد قباء كا ذكر القرآن الكريم أول مسجد أسس عل 
التقوى» وكان رواده أول ركب مؤمن خالص الإيمان يعلنون التوحيد ويرفعون 
راية لا إله إلا الله دون خوف من سلطة قاهرة تفرض عليهم غير شعائر 
الإيمان. لقد كانت الصلاة في مسجد قباء نقطة تحول في التاريخ الإسلامي 
بين عهد المحنة والخوف ولمعاناة» وبين عهد التميز والمفاصلة. والعبادة 
الخالصة لله وحده دون أثر للشرك والمشركين . 


«.. مسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه. فيه 
رجال يحبون أن يتطهرواء والله يحب المطهرين'“4 . ولعل المدف الأول للحركة 
الإسلامية اليوم حين تقيم دولة الإسلام أن تعود إلى المساجد روح التوحيد 
الخالص البعيدة عن مظاهرة الطاغوت والتسبيح بحمده» دون خوف أو 
وجل. «وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً. .”“). وهو الحدف الذي 
حدده الإسلام للمؤمنين عند التمكين. #. . الذين إن مكناهم في الأرض 
أقاموا الصلاة واتوا الزكاة وأمروا بالمعروف وبوا عن المنكر ولله عاقبة 
الأمور. .29 #. 

«. . في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو 
والاصال. رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء 
الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصارء ليجزيهم الله أحسن ما عملوا 
ويزيدهم من فضلهء والله يرزق من يشاء بغير حساب“) . 


وكان تجمع قباء ليس خخاصاً بأهل قباء وحدهم. فكما يقول ابن القيم : 
بقدومه. وخر جوا للقائه فتلقوه وحيوه بتحية النبوة") . وكان هذا التجمع 


. ۱١۸ التوبة‎ )١( 

(؟) سورة الحن الآية. ٠۸‏ 

(۳) سورة الحج الآية. 4١‏ 
(4) سورة النور الآية 8 4م 
(ه) الرحيق المختوم ص ٠١۹۱‏ . 


۲۰١ 


خالياً من كل الشكليات والرسميات. وكا روى البخاري: فقام أبو بكر . 
للناس وجلس رسول الله صامتاًء فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول 
الله يله يحبى أبا بكر حتى أصابت الشمس رسول الله ی فأقبل أبو بكر حتى 
ظلل عليه بردائه فعرف الناس رسول الله عند ذلك). 

إنه سيد تعلق الله كافة» يعيش يع أصحابة كانه ی 
يعرف إلا عندما يظلل بالرداء من أبي بكرء ومعالم دولة الإسلام في الأرض 
هذه القيادة وبهذا التواضع والتعايش لحرية أن تكون منهاجاً لكل مسؤول 
وقائد كيف تكون علاقته مع إخوانه وجنوده. 


السمة العشرون 
نجاح الخطة. ووصول القائد الأعلى إلى مركز القيادة 


(. . فلا كان اليوم الخامس ‏ يوم الجمعة ‏ ركب بأمر الله له» وأبو بكر 
ردفهء وأرسل إلى بني النجار ‏ أخؤاله ‏ فجاؤوا متقلدين سيوفهم فسار نحو 
المدينة فأدركته الجمعة في , بني سالم بن عوف فجمع بهم في المسجد الذي في 
بطن الوادي. وكانوا مائة رجل . وبعد الحمعة دخل النبى بل المدينةء فكان 
لا يمر بدار من دور الأنصار إلا أخذوا خطام راحلته» هلم إلى العدد والعدة 
والسلاح والمنعة» فكان يقول لهمء خلوا سبيلها فإنها مأمورة. فلم تزل سائرة 
به حتى وصلت إلى موضع المسجد النبوي اليوم فبركت. ولم ينزل عنما حتى 
نمضت وسارت قليلاً ثم التفتت ورجعت فبركت في موضعها الأول» فنزل 
عنها. . . وبادر أبو أيوب الأنصاري إلى رحله فأدخله بيته فجعل رسول الله 
بي يقول: المرء مع رحله). وها هو رسول الله ية بين أصحابه من 
المهاجرين والأنصار يحفون بهم ويفدونه بأبائهم وأمهاتهم» ويضعون دماءهم 
وأموالهم تحت تصرفه وجواري الأنصار يغنين ويضربن بالدفوف: 

طلم البدر علينا من ثنيات الوداع 


. ۱۹۳-۱۹۲ مقتطفات من الرحيق المختوم ص‎ )١( 


5١ 


وجحت الشكر علينا ما دعا لله داع 

جهاد ضار مضن استمر ثلاثة عشر عاماً كاملة. وكانت الخطوة الأولى في هذه 
المرحلة هى بناء المسجد الذي سيكون مركز انطلاقة هذه الدولة ودار الحكم 
فيها ومقر قيادة اليش » ومحضن التربية الأول ودار القضاء العالي . 

وإذا استعدنا الخطوط العامة لهذه المرحلة الثالثة للعهد المتى والتى 
ابتدأت من رحلة الطائف الشافة مع قول رسول الله لله : يا أرحم الراحمين 
إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني» أم إلى عدو ملكته أمري. أنت رب 
المستضعفين وأنت ربي. . 

هذه المرحلة التى ابتدأت ولا نصير ولا معين يغادر الطائف مدمى 
القدمين من الحجارة من سفهاء القوم. وتتوج هذه المرحلة بين أسود الأنصار 
وأبطال المهاجرين يقضون جيعا دون أن تناله شوكة تؤذيه في رجله ويعلنون: 
نحن الذين بايعوا حمدا على الجهاد ما بقينا أبدا 

لأدركنا حطورة هله المرحلة . وأدركنا معالمهاء وأدركنا سمائهاء وعبقرية 
النبوة في إقامة هذه الدولة دون أن تراق قطرة دم . 


أحب2 راناي 


نيم هد كيين رن 
الله الأول : 
سجلة تأنسيسر|لدّولة رهي بغروة حدق 
المرعله المائة : 


مجلة نصراله والفتح 
ومد مِنْصّاح أحديبية الىالوفاة 


مُواصَّفَات الرحلة الأول 


وينم تناوها 5 دراسة المواقف المشتركة والمتشامبة 5 هذه المرحلة» مع 
مراعاة التسلسل الزمني ما أمكن ضمن عناصر السمة الواحدة. 


السمة الأولى 
الهدنة مع الأعداء ما عدا قريشاً وحلفاءها 


أ - ميثاق المديئة والهدنة مع اليهود: 


إذا كان اليهود قوة ذات شوكة ومنعة وليس من صالح الزسول ل 
والمسلمين معه فتح حرب مع اليهود» خاصة وأ هم أهل كتاب منزل» فالطمع 
ف إسلامهم قائم . ولقد تال الميشاق تنظيم العلاقة بين المهاجرين والأنصار. 
كما تناول تنظيم العلاقة بين المسلمين عامة وبين اليهود في بابين: 

الباب الأول: اليهود الذين يعيشون ضمن تجمعات المسلمين. 

الباب الثاني: اليهود المتميزون في دورهم وتجمعاتهم بعيداً عن 
المسلمين. 

أما بالنسبة للباب الأول فقد ذكرت الوثيقة ما يلي : 

(.. وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين» وإن هود بني 
عوف أمة مع المؤمنين» لليهود دیسم وللمسلمين دينهم ) مواليهم وأنفسهم 
إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ (يبلك) إلا نفسه وأهل بيته. 

وإن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف. 


۹ 


وإن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف . 

وإن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف . 

وإن ليهود ب بنى الأوس مثل ما ليهود بني عوف. 

وإن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف, إلا من ظلم وأثم فإنه لا 
يوتغ إلا نفسه وأهل بيته» وإن جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم . 

وإن لبني الشطيبة مثل ما ليهود بني عوف»› وإن البر دون الاثم . 

وإن موالي ثعلبة كأنفسهم» وإن بطانة يبود كأنفسهم . 

وإنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد وإنه لا يتحجز عل ار 
جرح» وإنه من فتك فبنفسه فتك وأهل بيته» إلا من ظلم وإن الله على أبر 
هذا" ). 

وذكرت الوثيقة بالنسبة للباب الثاني ما يلي : 

(وإن عل اليهود نفقتهم وعلى السلمين نفقتهم . وإن بينهم النصر على 
من حارب أهل هذه الصحيفة» وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم, 
وإنه ١‏ يأثم امرؤٌ بحليفه؛ وإن النصر للمظلوم . وإن اليهود ينفقون مع 
المؤمنين ماداموا حاربين. وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة. وإن 
الجار كالنفس غير مضار ولا آثم. وإنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها. وإنه 
ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشجار يخاف فساده فإن مرده إلى 
الله عزوجل وإلى محمد رسول الله کا وإن لله على أتقى ما في هذه 
الصحيفة وأبره وأنه لا حجار قريش ولا من نصرهاء وإن ب بيهم النصر على من 
دهم يثرب» وإذا دعوا إلى صلح يصال حونه ویلسوت ذا 30 نهم يصالحونه 
ويلبسونهء وأنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإن لمم عل المؤمنين إل إلا من حارب 
في الدين» على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم. وإن بود 
الأوس» مواليهم وأنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة؛ مع البر المحض 
من أهل هذه الصحيفة» وإن البر دون الإثم. لا يكسب كاسب إلا على 
نفسه. وإن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبرهء وإنه لا يحول هذا 


. ٠٠١١ تهذيب سيرة ابن هشام لهارون ص‎ )١( 


56 


الكتاب دون ظالم أو اثمء وإئه من خرج أمن . ومن قعد أمن بالمدينة إلا من 
ظلم وأڻم» وإن الله جار لمن بر واتقى ومحمد رسول الله 4ل ) . 


ب . العلاقة مع المشركين :, 

حيث لم يسمح لتجمع المشركين من خلال الفكرة» إنما من خلال 
التجمع القبلي ووضع في الميثاق مادة تحكم علاقة الأفراد المشركين ف 
التجمع الإسلامي: (وإنه لا يمير مشرك مالا لقريش ولا نفساًء ولا يحول 
دونه على مؤمن» وإنه من اعتبط مؤمناً قلا عن بنيه فإنه قود به إلا أن 
يرضى ولي المقتول..). وبذلك تم تنظيم العلاقات بين أبناء هذا المجتمع 
على اختلاف دياناتهم في دولة الإسلام الأولى دولة النبوة» وحقق هذا الميثاق 
العدل التام للجميع والارتياح والرضا من قبلهم. فحقوقهم محفوظة. 
وواجباتهم حددة» والعدو الوحيد لأبناء هذا الوطن الإسلامي بكل فاته هم 
قريش فقط. وعليهم واجب التناحر ضدهاء ويحرم التحالف معها. 


ج - ميثاق الأمان مع بني ضمرة: 

وذلك في غزوة الأبواء أو ودان في صفر من السنة الثانية للهجرة حيث 
(عقد معاهدة حلف مع عمروبن محشي الضمري › وكان سيد بني ضمرة في 
زمانهء وهاك نص المعاهدة: هذا كتاب من محمد رسول الله لبني ضمرة؛ 
فإنهم آمنون على أموالهم وأنفسهم» وإن هم النصر على من رامهم إلا أن 
حاربوأ دين الله ما بل بحر صوفة . وإ النبي إذا دعاهم لنصره أجابوه. 
وهذه أول غزوة غزاها رسول الله 05 . 


د - ميثاق عدم اعتداء مع ہی مدلج : 
وكان ذلك ف غزوة العشيرة ف حمادى الأولى من السئة الثانية حيث 
عمقل هذه المعاهدة مع بني مدلج وحلفائهم من بني ضمرة. 


. ۱۲١ تهذيب سيرة ابن هشام لهارون ص‎ )١( 
عن المواهب اللدنية للزرقاني.‎ .7١١ الرحيق المختوم ص‎ )۲( 


"1١ 


ه . موادعة أهل دومة الحندل: 

وكان ذلك في السئة الخامسة للهجرة بعد أن بدأت القبائل تتجرأ على 
المسلمين عقب أحد حيث بلغه أن هذه القبائل على مشارف الشام تعد العدة 
لغزو المدينة. وأما أهل دومة الحندل ففروا في كل وجه فليا نزل المسلمون 
بساحتهم م يجدوا أحداء وأقام رسول الله ب أياماً وبث السراياء وفرق 
الحيوش» فلم يصب منهم أحداء ثم رجع إلى المدينة» ووادع في تلك الغزوة 
عيينة بن حصن . 

فلقد كانت هذه الأحلاف والمعاهدات مع القبائل البعيدة والقبائل 
المجاورة بهدف تخذيل العدو وفتح جبهة واحدة مع قريش فقطء بينما يطمئن 
إلى بقية الجبهات أنها لن تغزوهء وبهدف التخذيل عن العدو. فلا يبقى مع 
قريش مناصر في المدينة وما حوها. فلا تجد الحركة الإسلامية على ضوء هذه 
السمة حرجاً في أن تحالف من شاءت وتحارب من شاءت إلى أن تصبح قادرة 
على تطبيق الإسلام كاملا بالنسبة للمشركين. إما الإسلام وإما القتل. وعليها 
أن تفي بعهودها مع هذا الحليف . 


السمة الثانية 
بناء القاعدة الصلية 


وقد أخذت عملية بناء المجتمع الإسلامي الأول ثلاثة خطوط : 
الخط الأول: العهد بين تجمع المهاجرين وتجمع الأنصار. 
الخط الثاني : المؤاخاة بين أفراد المهاجرين والأنصار. 

الخط الثالث: المؤاخاة بين المهاجرين وحدهم, 


أما صل الوثيقة التي أقامت هذا البناء بين ا والانصار فتقول : 


11۲ 


قريش ويثرب» ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم» إنهم أمة واحدة من 
دون الناس» المهاجرون من فريش على ربعتهم يتعاقلون(!) بينبم» وهم 
يفدون عانیهم "“ بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو عوف على ربعتههم”) 
يتعاقلون معاقلهم الأولى» وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين 
المقمنين. وبنو النجار.. وينو الحارث.. وبنو ساعلة.. 
وبلو الجشم.. وبنو عمرو بن عوف.. وبنو النبيت.. وينو الأوس على 
ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأول وكل طائفة منهم تفدي 
عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وإن المؤمِنين لا 
يتركون مفرحا؛) بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداءٍ أو عقل. 
وأن لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونهء وإن المؤمنين المتقين على من 
بغى منهم أو ابتغى دسيعة0*) ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين . 
وإن أيديهم عليه جميعاً ولو کان ولد أحدهم» ولا يقتل مؤمن مؤمناً ف 
كافرء ولا ينصر كافراً على مؤمن. وإن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم , 
وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس. وإنه من تبعنا من يبود فإن له 
النصر والأسوة. غير مظلومين ولا متناصر عليهم. وإن سلم المؤمنين واحدة. 
لا يسالم مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم وإن كل غازية 
غزت معنا يعقب بعضها بعضاًء وإن المؤمنين يبىء بعضهم على بعض با نال 
دماءهم في سبيل اللهء وإن المؤمنين المتقين على أحسن هدي وأقومه. وإنه لا 
يجير مشرك مالا لقريش ولا نفساًء ولا يحول دونه على مؤمن»› وإنه من اعتبط 
مؤمناً قتلا عن بينة فإنه قود به إلا أن يرضى ولي المقتول. وإن المؤمنين عليه 

كافة» ولا يحل لهم إلا قيام عليه وإنه لا يحل لمؤمن أقر بجا في هذه الصحيفة 
وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثاً ولا يژويه» وإنه من نصره أو آواه فإن 


)١(‏ يتعاقلون: أي يعقل بعضهم عن بعض» والعقل: الدية. 
(۲) العاني: الأسير. 

(۴) الربعة: الحال التي وجدهم عليها الإسلام. 

(4) مفرحاً: مثقلاً بالدين كثير العيال. 

(ه) الدسيعة : العظيمة . 


۳ 


عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامةء ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل» وإنكم 
مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد خ21) . 


فلقد أصبح المهاجرون والأنصار أمة واحدة من دون الناس» أما كتلة 
المهاجرين فكلها تجمع واحدء أما كتلة الأنصار فموزعة على تجمعات قبائلها 
وعشائرهاء ولقد تحددت مسؤولية كل فريق على حدة أمام الله تعالى وأمام 
رسوله وأمام إخوانه المؤمنين. وحيث إن المهاجرين حيعاً كتلة واحدة ليس 
تجمعهم على أساس الانتاء القبلي» فكان لا بد من الخط الثاني» خط المؤاحاة 
بين المهاجرين أنفسهم ليحمل قوبهم ضعيفهم» وأخى رسول الله ب بين 
ذاته الشريفة وبين على بن أبي طالب ابن عمه الذي جاءه حافي القدمين بعد 
تأدية أماناته إلى الكفار في مكة. كا أخى عليه الصلاة والسلام بين 
حزة بن عبد المطلب عمه» وبين زيد بن حارثة مولاه» دون تمييز لنسبهما بل 
كان الدافع هو التقوى. وكان الخط الثالث هو المؤاخاة بين أفراد المهاجرين 
والأنصار على حد التعبير النبوي : تأخوا في الله أخوين أخوين. 


وذلك ليتم التكافل المباشر بينههاء فالأنصار أهل ضرع وزرع» والمهاجرون 
أهل تجارة. فكان الأنصاري يعرض على أخيه المهاجر أن يقاسمه ماله وبيته 
وزرعه. فقد روى البخاري أنهم لا قدموا المدينة آخی رسول ١‏ 5 بين 
عبد الرحمن (بن عوف) وسعد بن الربيعء فقال لعبد الرحمن: إني أكثر 
الأصار مال فاقسم مالي نصفين, ولي امرأتان» فانظر أعجيها إل 3 فسمها 
لي أطلقهاء فإذا انقضت عدتها فتزوجهاء قال: بارك الله لك في أهلك 
ومالك» وأين سوقكم؟ فدلوه على سوق بني قينقاع . 


دار ا الاق ا وكانوا تسعين رجلا لصفهم . من الا ونصفهم من 
الأنصارء ا خی بيهم عل المواساة ويتوارثون بعل الموت دون ذوي لارا 
)١(‏ تهذيب سيرة ابن هشام ص ٠١١‏ . 


1٤ 


إلى حين وقعة بدرء فلا أنزل الله عز وجل «وأولو الأرحام بعضهم أولى 
ببعض(1) # رد التوارث دون عفد الأخوة . 
وروى البخاري عن أبي هريرة قال: قالت الأنصار للنبي 6إ8: اقسم 


بيننا وبين إخواننا النخيل. قال: لاء فقالوا: تكفونا المؤونة ونشرككم في 
الثمرة قالوا: سمعنا وأطعنا") . 


السمة الثالئة 
إعلان إسلامية الدولة 


أ بناء المسجد: 

يقول المباركفوري: وأول خطوة خطاها رسول الله ية بعد ذلك هو 
إقامة المسجد النبوي ففي المكان الذي بركت فيه ناقته أمر ببناء المسجدء 
واشتراه من غلامين يتيمين كانا يملكانه. وساهم في بنائه نفسه» فكان ينقل 
اللبن والحجارة ويقول: 
هذي الحمال لا حمال خيير هذا أبر ربنا وأطهر 

وكان ذلك مما يزيد نشاط الصحابة في البناء حتى إن أحدهم ليقول: 
لشن قعدنا والنبي يعمل لذاك منا العمل المضلل 

وكان في ذلك المكان قبور المشركين» وكان فيه خرب ونخل وشجرة من 
غرقد فأمر رسول الله و بقبور المشركين فلبشت» وبالخرب 
فسؤيت» وبالنخل والشجرة فقطعت» وصفت في قبلة المسجد وكانت القبلة 
إلى بيت المقدس وجعلث عضادتاه من الحجارة» وأقيمت حيطانه من اللبن 
والطين» وجعل سقفه من جريد النخل» وعمده الجذوع» وفرشت أرضه من 
الرمال والحصباء» وجعلت له ثلاثة أبواب» وطوله مما يلي القبلة إلى مؤخره 
ماثة ذراعء والجانب مثل ذلك أو دونه. وكان أساسه قريباً من ثلاثة أذرع . 


. من سورة الأحراب‎ ١ من الآية‎ )١( 
.7١5 الرحيق المختوم ص‎ )۲( 


1۵ 


ول یکن المسجد موضعاً لأداء الصلوات فحسبء بل كان جامعة يتلقى 
فيها المسلمون تعاليم الإسلام وتوجيهاته, ومنتدى تلتقي وتتالف فيه العناصر 
القبلية المختلفة الي طالما نافرت بينها بينها النزعات الحاهلية وحرواء وقاعدة 
لإدارة جميع الشؤون وبث الانطلاقات» وبرلاناً لعقد المجالس الاستشارية 
والتنفيذية . وكان مع هذا كله داراً يسكن فيها عدد كبير من فقراء المهاجرين 
اللاجثين الذين لم يكن هم دار ولا مال ولا أهل ولا بنون. 
ا الأذان : 
.. فبينا هم على ذلك إذ رأى عبد الله بن زيد. . النداء. فاق رسول 
اه که فقال ل يارسول الله . إنه طاف في هذه الليلة طائف. مر بي رجل 
عليه ثوبان أخضران» يحمل ناقوساً في يده. فقلت له: ياعبد الله أتبيع هذا 
الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟. قلت: ندعو به إلى الصلاة. قال: أفلا أدلك 
على خير من ذلك؟ قلت: وما هو؟ قال: تقول: الله أكبر الله أكبر. . . فلما 
أخبر مها رسول الله كله قال: إا لرؤيا حت إن شاء اله فقم مع بلال فالقها 
عليه فليرُدُن بها فإنه أندى صوتاً منك. فلا أذن بها بلال سمعها 
عمر بن الخطاب وهو في بيته» فخرج إلى رسول الله كَل مجر رداءه» وهو 
يقول: يانبى الث والذي بعثك بالحق لقد رايت مثل الذي رأى. فقال 
رسول الله كله : فلله الحمد على ذلك . 
ج - الحكم الإسلامي : 
ونلاحظ ميزات هذا الحكم وإعلانه من بعض مقتطفات من ميثاق 
المدينة : 
١-بسم‏ الله الرحمن الرحيمء هذا كتاب من محمد النبي بين امؤمدين 
والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم» وجاهد معهم إنهم 
أمة من دون الناس. . 


۲ - وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد 


. ۱۲۸ تهذيب سيرة ابن هشام ص‎ )١( 


۲١ 


 "“‏ وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا حاربينء وإن بود بني عوف أمة 
مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسليين دينهم» مواليهم وأنفسهم إلا من 
ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيتهء وإن ليهود. . . . 

4 وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم» وإن بينهم النصر على من 
حارب أهل هذه الصحيفة. 

ه وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده 
فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد رسول الله كل . 

ولا نحتاج هذه الفقرات إلى تعليق» فهي واضحة تامأ من حيث 

تحديدها لقيام دولة الإسلام وإعلان هوية هذه الدولة. بعد التمكين 
الذي هيأه الله تعالى لرسوله وللمؤمنين. 


السمة الرابعة 
لا خيار من المعركة 


الصورة الواضحة في أذهان معظم شبات المسلمين من خلال قراءتهم 
لكتب السيرة هي أن رسول الله كل هو الذي افتتح المعركة مع قريش حين 
راح يهاجم قوافلها المارة بالمدينة» وخاصة قافلة أي سفيان» ويضطر كتاب 
السيرة للاعتذار عن هذا اللحجوم أن فريشاً قد سلبت أموال المسلمين 
وأخرجتهم من أرضهم وديارهم . فلذلك هم يطلبون ماهم وهم أصحاب 
الحق فيه. ومرد الخطأ في هذه الصورة هو اعتماد سيرة ابن هشام وحدها 
مصدراً للسيرة: بينما يمكن للصورة أن تتكامل لو ربطت هذه السيرة مع 
ما ورد عن سيرة رسول الله يك في كتب الحديث المعتمدة من الصحاح الستة 
وغيرها التي تعتبر من حيث التوثيق أقوى من سيرة ابن اسحاق. 


والذي دفم إلى كتابة هذه ال خاطرة هو مارواه أبو داود في سننه عن 
قريش أنهم كتبوا إلى عبدالله بن أبي بن سلول - بصفته زعيم المدينة - بهددونه 
ويتوعدونه بقولهم: (إنكم آويتم صاحبناء وإنا نقسم بالله لتقاتلئه أو 


1¥ 


لتخرجنه» أو لنسيرن إليكم بأجمعنا حتى نقتل مقاتلتكم ونستبيح نساءكم). 
كان هذا بالنسبة لأهل يثرب وزعيمهاء أما بالنسبة للمهاجرين فقد كتبت 
إليهم تقول: (لا يغرنكم أنكم أفلتمونا إلى يثرب. سناتيكم فنستاصلكم 
ونبيد خضراءكم في عقر داركم7)). 

ول يكن هذا غريباً على منهج قريش» فهي التي قررت اغتيال رسول 
الله كل على ملأ منهاء وحفتت الأصوات التي كانت تدعو لحمايته» ولم يكن 
لديها الحرأة لمواجهة التيار العنيف ضده وضد أصحابهء كما أن قريشاً منعت 
بالقوة هجرة من استطاعت منعهم عندما رأت تسرب المسلمين إلى يرب . وم 
تكتف بذلك. بل بعلت وراء بعض المهاجرين فاستعادتهم مشل 
عياش بن ربيعة والوليد بن الوليد وغيرهم. فمنطق الحرب لدى قريش يعطينا 
تصورا عن منطق الجاهلية في حرا ضد الإسلام والمسلمين. إنها لن تدع 
المسلمين يستقرون ف الأرض» ولن تترك هم أمانا ف أي موقع › أو تدع لهم 
أن يحتلوا أي موقع. لأنها تعرف أن قوة الإسلام لا بد أن تكتسحهم. 
والحركة الإسلامية بحاجة أن يستقر في ذهنها هذا المعنى. فلا تركن إلى الدعة 
إن ابتعدت عن موطن الصراع» أو تحسب أن المعركة قد انتهت مع الجاهلية 
إن أفلتت من أيديها. وواقع الحركة الإسلامية اليوم يؤكد هذا المعنى» فعندما 
تجمع الدعاة في قطر مجاور للطاغوت لم يتورع أن يتجاوز الحدود» ويغتال من 
يستطيع اغتيالهم أو يحاول ذلك؛ بل لخأ في بعض الظروف إلى حشد فرق 
شباب الحركة الإسلامية أو تبيء لهم التدريب والتحرك. 
للمسلمين المهاجرين ثانيا. تطالب فيه قيادة المدينة أن تطرد المؤمنين منهاء أو 
تقتلهم فيهاء كما تؤكد أن الاستئصال التام هو الحل الوحيد لديا في مواجهة 
المسلمين. 


)١(‏ أبو داود. باب حبر بی النضير. 


"14 


تؤكد هذه الصورة في عصرنا الحديث يوم أصرت السلطة الطاغية في 
بعض الأقطار على تسليم بعض قيادات الحركة الإسلامية ها مقابل حضورها 
مؤتمراً معقوداً في الدولة المضيفة. إننا مع الجاهلية في معركة لا خيار فيهاء 
وفي هذه المعركة لا نلتقي مع العدو في منتصف الطريق بل تحدد هدفها في 
اجتثاث جذور الدعاة واستئصاهم › وحين نفهم عدونا على ضوء هذا المعنى 
نتعامل معه على بصيرة منه ومن مخططاته. 


السمة الخامسة 
التجمع الوثني في المدينة 


(... فلا بلغ ذلك عبد الله بن أبي ومن كان معه من عبدة الأوثان 


لاحظنا أن اليثاق لم يعط التجمع الوئني بصفته كتلة في المجتمع حق 
الوجود. إغا سمح بوجوده بصفته أفراداً لا يجبرون 7 دخول الإسلام . 
وكان على رأس هذا التجمع عبد الله بن أبي الذي أقسم الأيمان المغلظة 
لقريش في موسم الحج أن قومه لم يعاهدوا محمداً ولل يعاقدوه. ولا يمكن أن 
يتم هذا دون علمه وأمره» فعندما بلغه أن الخبر صحيح امتلا قلبه حقداً على 
رسول الله ب وما زاد الحقد في قلبه اشتعال هو أن الخزرج والأوس بعد 
أن هدأت بينهم الثارات اجتمعوا على أن يعقدوا الملك لعبد الله بن أبي وكانوا 
ينسجون له الخرز ليتوجوه. فأحس عبد الله بن أي أن عدوه الأول والأكبر 
هو محمد رسول الله. وتذكر كتب السيرة موقفاً له في هله المرحلة قبل دخوله 
الإسلام يوم مر عليه رسول الله َة مع ركب من قومه فنزل عن حماره وسلم 
عليه (ثم جلس فتلا القرانء ودعا إلى الله» وذكر بالله. . حتى إذا فرغ 
رسول الله ية من مقالته قال: يا هذا إنه لا أحسن من حديثك هذا إن كان 
حقاً. فاجلس في بيتك فمن جاءك فحلثه إياه. ومن لم يأنك فلا تغشه به 
ولا تأته في مجلسه بما یکره» فقال عبد الله بن رواحة في رجال كانوا عنده من 
المسلمين: بلى فاغشنا وائتنا في مجالسنا ودورناء فهو والله تما نحب» وما أكرمنا 


14 


الله به وهدانا لهء فقال عبد الله بن أي حين رأى من خلاف قومه ما قد 
رأى: وو 
متى ما يكن مولاك خصمك لا تزل تذل ويصرعاك الذي لا يصارع 
وهل ينبض البازي بغير جناحه وإن جذ يومأ ريشه فهو واقع() 

وفي رواية أنه قال له"“: أبعد عنا نتن حمارك . 

فشخصية عبد الله بن أبي إذن هي المؤهلة للمواجهة والحرب في 
المدينة . أما اليهود فقد كانوا أذكى من ابن أبي وهم يرون الكثرة من أهل 
يثرب مع رسول الله ولة. وكان من تخطيطهم أن يتم إنهاء محمد رسول الله 
على يد هذا التجمع الوثني دون أن يفقدوا مالا أو نفسا. 

ووجد ابن أبي الفرصة سانحة ليهيج العواطف ضد رسول الله وَل 
وصحبه من جماعته المتواطئين معه على وثنيته. ولا يتم له ذلك إلا بتجسيم 
الخطر المحيق بهم من جراء تبديدات قريش» وأكد هم أن القضية قضية فناء 
أو بقاءء ولا قرار ولا استقرار لهم إلا بطرد المسلمين وقتالهم. ومن أجل ذلك 
أعادوا تنظيمهم» وشكلوا القوة المكافئة ومضوا لقتال رسول الله وَل 
والمسلمين . 

وهذه هي العناصر الثلاثة التي حدت بهذا التجمع لحرب المسلمين: 
١‏ - الحقد والضغينة على فوات المنصب والمركز لقيادة يثرب. 
؟ ‏ حلاف العقيدة والإصرار على الوثنية . 
۴ الدفع الخارجي والتهديد بالخطر من قريشء والتامر الداخلي من اليهود. 

وهذه العناصر موجودة في كل وقت. ويحتمل أن تواجه بها الحركة 

الإسلامية وتعد هذا الموقف عدته. 

وني مثل هذه الظروف تكون الريح مع أعداء المسلمين تماماً كا يفعل 

اليوم الطواغيت حين يبددون الشعب الامن بذبحه إن آوى المجاهدين» بل 


. عن ابن اسحاق عن الزهري‎ ١7١ مختصر السيرة النبوية لابن محمد بن عبد الوهاب ص‎ )١( 
. لرسول الله صلل الله عليه وسلم‎ )1( 


فى 


بحرص على أن يبث عملاءه في الصفوف ليؤكدوا أن الحرب والدماء والخوف 
قد نشأ من وجود المجاهدين وعملياتهم ضد السلطة الباغيةء وحرص عوام 
الناس على أمنهم ومصالحهم القريبة يدفعهم إلى الاستجابة لمل هذه 
الدعايات» وأن يقفوا في صف السلطة الباغية ضد إخحوتهم المجاهدين» وبهذا 
المنطق استطاع عبد الله بن أبي أن يجمع هؤلاء الناس ويحرضهم على حرب 
رسول الله يكل وأصحابه . 


السمة السادسة 
تفتيت التجمع بالنزعة الوطنية والعشائرية 


. . فلا بلغ ذلك النبي ك4 لقيهم فقال: للد بغ وع قرش متم 
ابال اا تكيدكم بأكثر مما تريدون أن تكيدوا به أنفسكم تريدون أن 
تقاتلوا أبناءكم اخم فلا سمعوا ذلك من النبي رتوا وكم نحن 
بحاجة إلى الوقوف أمام هذا المعنى» وهو المعنى الذي يكن أن نسميه فقه 
سياسة النبوة. لقد كان هذا الموقف صورة مشابهة نقلها لنا البخاري رحمه الله 
حول الصورة السابقة من لقاء رسول الله بل مع عبد الله , بن أبي. 


وفي الرواية (... وأردف أسامة بن زيد وراءه وفيه. . . وذلك قبل 
وقعة بدر وقبل أن يسلم عبد الله. وفيه: فلما غشيت القوم عجاجة الدابة خر 
عبد الله بن أبي أنفه بردائه وقال: له تغيروا علينا. وفيه : فاستب المسلمون 
والمشركون واليهود حق كادوا يتثاورودت» فلم يزل النبي بيد يخففهم حنى 
سكنوا. وفيه: قال سعد بن عبادة: اعف عنه واصفح. فوالذي أنزل 
عليك الكتاب لقد جاء الله بالحق الذي أنزل عليك» ولقد اصطلح أهل هذه 
البحيرة أن يتوجوه فيعصبونه بالعصابة فلا أب الله ذلك بالحق الذي أعطاك 


(1) أبو داودء خبر بني النضير. 
(۲) مختصر السيرة. ص ٠۷١‏ . 
۲۲١‏ 


لقد كانت المواجهة الأولى بين المسلمين والمشركين في المدينة في الحادثة 
المذكورة» ولو أن رسول الله يا ترك الأمر لعواطف المسلمين. وهم ما ثاروا 
إلا غضباً لله ورسوله» لوقعت الحرب الضروس» وتزعزع إيمان بعض المؤمنين» 
وانضموا إلى معسكر عبد الله بن أبي» وأعيدت حرب بعاث من جديد. 
وضاعت فيها معالم الحق وسط نتن العصبية وتزلزلت دولة الإسلام في مراحلها 
الأولى. 


فلقد استل رسول الله عد عضب المسلمين› ولو كان غضبهم لله 
ورسوله» وكان بهبدقء العواطف الثائرة. دون أن ينحاز لأحد الطرفين»› 
واستجاب المسلمون لأمر قائدهم واستبعدت المعركة. 


أما الصورة الجديدة التي بين يدينا فهي في ظاهرها غير ممكنة التلاني. 
إذ قد عمد الوثنيون إلى سلاحهم لمواجهة المسلمين» وتبدو صعوبتها أكثر 
حين نتصور أن الأيدي الخفية. التي تحركها من الخارج. واستطاعت الدعاية 
الخارجية أن تجعل الأمر في أذهان المشركين أمر مصير محتوم لا نخيار فيه. فإما 
قتل محمد وأصحابه وطردهم» وإما احتلال المدينة واستباحتها من أهل مكة. 


ونقف هنيهة لنرى كيف استلٌّ رسول الله كل فتيل الانفجار من 
المشركين. وكيف أنه اعتمد ‏ عليه الصلاة والسلام ‏ التركيز على الوتر الذي 
ركزت عليه قريش. فأعاد السحر على الساحرء واستعمل الأسلوب نفسه 
الذي استعملته قريش. لأن هذا هو المنطق الذي يمكن أن يفهم الوثنيون 
فيهء طالا أن الإسلام لا يجمع الفريقين. 


إن الذي يتبادر لذهن الشباب المسلم 5 هذه العجالة هو الجهاد 5 
سبيل الله ؛ والابتداء مباشرة بحرب هؤلاء فهم العدو الداخلي؛ قبل الابتداء 
بقريش., وحتى لا يكون لدينا هوادة في دين الله » وحتى لا نخاف في الله لومة 
لائم. فلا بد من حرب هؤلاء الوثنيين» وكسر شوكتهم والقضاء على هذا 
الجيب الداخلي. إلى آخر هذا النغم الذي يعتبر التخلي عن المعركة جبنا 
وهوادة في دين الله ومداهنة على حساب العقيدة. 


Y۲ 


كم نتمنى أن يتروى الشباب المسلم هذا الموقف» ويتعلموا من سيد 
الخلق رسول الله ڳلا فن التعامل مع العدوء وتحديد المعركة» وطبيعة مصلحة 
الجماعة في المعركة. وأن يتركوا لقيادتهم حرية الحركة في هذه الأمور» وهي 
التي تضطلع بعبء المواجهة. وتعرف من تصالح. ومن تحارب» ومن تمادن 
ومن تحالف. ومتى تقاتل» ومتى تسالم لأنها هي مناط الحركة والمسؤولية. 


لقد استعمل رسول الله لل الأسلوب الوطني. الأسلوب العشائري في 
فضحه هذا التجمع» وإنباء المعركة دون قتال» وتفتيت التجمع دون دماء 
بكلمات بسيطة معبرة» عميقةء خالدة على مدى الزمن. وتمن؟. من رسول 
البشريةء ومن نبي الإسلام: قال: لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ. . 


ولقد حرك ذه الفقرة جانياً نفسياً عندهم يأبوله » وهو الخوف من 
قريش» ومهما كان العربي فحين تستفز كوامن قرته. وكوامن بطولته يأبى أن 
يعير بالجبن» أو الخوف» أو الخور. 


(... ما كانت تكيدكم بأكثر مما تريدون أن تكيدوا به أنفسكم. . .). 
وبعد الضرب على الوتر الحساس الأول» وتر البطولة والشجاعة. عاد رسول 
الله لله ليحرك وتراً نفسياً آخر. هو الترهيب من تآمر العدو الخارجي على 
أهل المدينة أصحاب المصير المشترك الواحد. فليس هذا الموقف جبناً فقطء 
ولكنه غفلة وسذاجة وجهالة» ولا يرضى العربي مهما كان أن يتهم بهذا 
الاتهام , أن يتهم بأنه لا يدرك كيد عدوه» وا يعرف مخططاته. ولا يفقه 
ألاعيبه. فلقد هيج هذا المعنى في أنفسهم شعوراً جديداً من النفرة لاستجابة 
دعوة قريش البعيدة المعادية. ولو أن رسول الله ية راح يدعوهم لإلقاء 
السلاح باسم الإسلام لأحس الوثنيون اليثربيون أنهم أقرب إلى قريش من 
رسول الله يلل ولتهيج في نفسهم شعور الاعتزاز بالوثنية ضد هذا الدين 
الحديد وهم مع قريش قاسم مشترك إذ عندها البيت الحرام ومقام إبراهيم 
والحج لبيت الله. فلا غرو أن يتساقطوا جميعاً صرعى ضد محمد ودينه ومع 
قريش . 


۳ 


إن عظمة القيادة النبوية وهي تركز على هذه المعاني لتقذف بالكيد في 
صدر أصحابه وتجعل الإحباط سمة لهذا الكيد. (... تريدون أن تقاتلوا 
أبناءكم وإخوانكم. .). يا شباب الدعوة هذا قول رسول الله 5و0 وليس 
قول متهم في دينه يريد أن يبرر مسالمته لعدو كافر. ١‏ 


إن رسول الله يا يخاطب هؤلاء الوثنيين بالأسلوب الذي يفهمونه 
ويركز على أخوة النسب» وهو الذي جاء إلى البشرية جميعها بأخوة العقيدة 
ويركز على رابطة الماء والطين» وهو الذي جاء رحمة للعاملين» ويركز على 
شعور القوم والأهل والوطن بين من؟! بين المسلمين والمشركين . لاذا؟ ليحبط 
كيدا أكبر من عدو أعظم» ليضيق هوة المعركة؛ ليخذل بين الأعداء جميعهم» 
فيجعلهم حلفاءه ضد عدو مشترك واحد. 


لقد ذكرٌ رسول الله اة الوثنيين الذين حملوا السلاح ضد المسلمين أن 
المسلمين أبناؤهم وإخوانهم. ولا ضير في ذلك إن كان فيه تأجيل لمعركة 
ضارية داخلية بينلا تقتضي المصلحة 5 وقت متقدم التركيز على البراءة من 
عاطفة الأخوة والقرابة والأبوة وذلك في معركة بدر. 


وباء تخطيط قريش بالخذلان والخسران» وحيث توقعوا أن ينتهي 
رسول الله ية على يدي المشركين في المدينة. إذ بهم يلقون السلاح جميعاء 
وينقلبون نادمين على حمله في وجه إخواغهم وأبنائهم . 


ونود لشباب الدعوة الإسلامية أن يدركوا هذا المعنى النبوي ويفقهوه. 
حين يرون قيادة الدعوة في مرحلة من المراحل تبحث عن قاسم مشترك بينها 
وبين بعض أعدائها لتجعلهم يقفون في صفها ضد عدو أخطر وأكبر. وحين 
يرون قيادتهم تقبل الحديث عن عاطفة الوطن وعاطفة الأمةء أو يتحدثون عن 
الضعفاء من الفئات المظلومة. بحيث مثل القاسم المشترك نقاط لقاء مرحلي 
مع هذا العدو ضد عدو آخر. 


تقض 


السمة السابعة 
محاولة تفتيت الصف الإسلامي 


وحين فشلت محاوللات تفتيت الصف لمدني ‏ على وهن هذا الصف 
امتدت المحاولات لتفتيت الصف الإسلامي المدني كا روى ابن اشحاق: 
(. . .ومرٌ شاس بن قيس وكان شيخاً قد عتاء عظيم الكفر» شديد الطعن على 
المسلمين شديد الحسد لهم على نفر من أصحاب رسول الله بُ من الأوس 
والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه. فغاظه مارأى من ألفتهم 
وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام بعد الذي كان بينهم من العداوة 
في الجاهلية. فقال: قد اجتمع ملأ بي قيلة في هذه البلادء لا والله مالنا 
معهم إذا اجتفع ملأهم بها من قرار. فأمر فتى شاباً من يهود كان معه فقال: 
اعمد إليهم واجلس معهم ثم ذكرهم يوم بعاث وما كان قبله» وأنشدهم 
بعض ما كانوا تقاولوا به من الأشعار» وكان يوم بعاث يوماً اقتتلت فيه الأوس 
والخررج فكان الظفر فيه للأوس على الخزرج» وكان على الأوس بومئل 
مضير بن سماك أبو أسيد بن حضيرء وعللى الخزرج عمرو بن النعمان البياضي 


(قلت: وني الصحيح عن عائشة قالت: وكان يوم بعاث يوماً قدمه الله 
لرسوله» فقدم رسول الله ية المدينة وقد افترق ملأهم وقتلت سراتهم في 
دخولهم في الإسلام). قال ابن اسحاق: ففعل الفتى. فتكلم القوم عند ذلك 
وتفاخروا حى توائب رجلان من الحيين على الركب- 
أوس بن قيظي . . وجابر بن صخر. . فتقاولاء ثم قال أحدههما لصاحبه: إن 
أ شئتم رددناها جذعة. فغضب الفريقان جميعاً وقالوا: قد فعلنا موعدكم 
الظاهرة» والظاهرة الحرة السلاح السلاح. فخرجوا إليها. فبلغ ذلك رسول 
لله ب فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم 
فقال: يا معشر المسلمين الله الله . أبدعوى الحاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن 
هداكم الله للإسلام وأكرمكم به وقطع عنكم الجاهلية» واستنقذكم بها من 


۲۵٥ 


الكفر وأ بين قلوبكم؟ فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان وكيد من 
عدوهم» ل وعائق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضاًء ثم 
انصرفوا مع رسول الله ي سامعين مطيعين» > وقد أطفا الله عنهم كيد عدو 
الله , 

فانزل الله في شاس بن قيس وماصنع «إقل يا أهل الكتاب لم تكفرون 
بآيات الله والله شهيد على ما تعملون. قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن 
سبيل الله من آمن تبغونها عوجاً”'»» الآية وأنزل الله تعالى في أوس بن قبظي 
وجابر بن صخر ومن كان معهما من قومها ليا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً 

من الذين أوتوا الكتاب“ الايات إلى قوله #ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى 

صراط مستقيهم4"0. لئن كان موقد نار الفتنة في الحالة الأولى هم المشركون. 
فموقدها الان اليهودء ولئن كانت من قبل على خطرها بين المسلمين 
والمشركين. فهي الآن أشد خطراً وأفدح خسارة هي بين المؤمنين أنفسهم ومن 
أجل ذلك فقد اختلفت المعالحة بين الحالتين : 

الحالة الأولى : تذكير المشركين بالقرابة والنسب» والأبوة والنبوة. (لقد 
بلغ وعيد قريش منكم البالغ» ماكانت تكيدكم بأكثر مما تريدون أن تكيدوا 
به أنفسكم تريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم. فلما سمعوا ذلك من النبي 
ل تفرقوا) . 

الحالة الثانية: تذكير المسلمين برابطة العفيدة» لأا أقوى محرك للمسام 
وتخويفه من الجاهلية : (أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله 
للإسلام واستنقذكم به من الكفر وألف بين قلوبكم). . فبكوا وعانق الرجال 
من الأوس والخزرج بعضهم بعضا فلا غرابة أن تكون هذه المعالجة ضمن 
هذا المفهوم؛ وتلك المعالجة ضمن ذلك المفهوم. والرسول الله يكل هو 
صاحب المعالجة في المرتين» فأعطى لكل حالة ما يناسبها دون أن يكون هناك 
تناقض بين الحالتين . 
(۱) آل عمران / ۹٩-۹۸‏ . 
(۲) آل عمران ,٠١١  1٠١/‏ 


(۳) مختصر السيرة. لابن محمد بن عبد الوهاب ص ٠١۸‏ . 


5 


ويذكرنا هذا الأمر بحرص العدو ‏ وهو يعرف بعض الثغرات في 
الصف الإسلامي ‏ على تفتيت الصف من خلال هذه المعرفة. فإثارة الأحقاد 
والضغائن» والخلافات السابقة هي عور تحرك العدو. 

وما يوضح هذا الطريق اليوم ما نات إليه سلطات الطغيان في بلد 
إسلامى حين أبرزت أحد الإخوة السجناء على تلفازها الرسمي» وفرضت 
عليه أن يتكلم حول الخلافات القائمة بين قاد ة الحركة الإسلامية» وأبرزت 
هذه الخلافات على أنها هي المحرك الوحيد للحركة. وسرعان ماتلقف 
الشباب هذا الأمرء وراحوا يتناقلونه بين صفوفهم على أنه الحق الوحيد . إن 
الأصل الذي يجب أن نفيء إليه جميعاً هو الشك في العدو» واتهامه؛ لا 
تصديقه وتكذيب الإخوة المسؤولين» ونداء الله تعالى لنا واضح في هذا الأمر: 
(يا أا الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد 
إيمانكم كافرين"“). وإذا كان صحابة رسول الله ية - ورسول الله بين 
:ظهرانيهم - قد تأثروا بنزعات الخلاف السابقة وهي حقيقية» وأمكن أن 
يستجروا إلى حمل السلاح ضد بعضهم بعضاً وهم الجيل الخالدء خير قرون 
الأرض» فلا عجب أن يستجر المسلمون اليوم وهم في الصف الإسلامي - 
إلى بعض الخلافات الجانبية» وينزغ الشيطان بيهم » ويسعى جاهداً ليفرق 
كلمتهم. لكن الأصل هو العودة إلى الكلمة الواحدة» والصف المتراص 
الواحد. لا أن نعتبر صورة العدو عن الحركة الإسلامية هي الأصل. . 

إننا نقع في خيانة يوم نصدق ما يشيعه عدونا عنا حقاً أو باطلا - 
وننطلق منه في الحكم . لقد وصف الله تعالى المؤمئين بقوله: (إن الذين اتقوا 
إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون» وإخوانهم يمدونهم 
في الغي ثم لا يقصرون) . والأولى والأحمل بشباب الحركة أن يسعوا مع 
إخواهم على إطفاء نار الفتنة لا على إيقادهاء والفتئة نائمة لعن الله من 
أيقظها. 


.٠٠١ / آل عمران‎ )1١ 
. ۲۰۱-۲۰۰ / الأعراف‎ )۲( 


¥ 


السمة الثامنة 
العدو يتنكر لقيمه من أجل مصلحته 


(ثم إن سعد بن معاذ انطلق إلى مكة معتمراً فنزل على أمية بن خحلف 
بمكة فقال لأمية : انظر لي ساعة خلوة لعلي أن أطوف بالبيت» فخرج به قريباً 
من لقف النبارء فلقيه) أبو جهل فقال: ياأبا صفوان» من هذا معك؟ 
فقال: هذا سعدء فقال له أب جهل: ألا أراك تطوف بمكة آمناً وقد أويتم 
الصباة» وزعمتم أنكم تنصرونهم › وتعينونهم» أما والله لولا أنك مع أبي 
صفوان ما رجعت إلى أهلك سالاً. فقال له سعد ورفع صوته عليه: أما والله 
لش منعتنى هذا لأمنعنك ماهو أشد عليك منه. طريقك على أهل 
المدبنة) , 


لقد كانت المحاولة الأولى مع سعد بن عبادة حيث اعتقل في مكة. 
وأنقذه صاحباه جبير بن مطعم والحارث بن حرب. وذلك عقب بيعة العقبة» 
أما وقد هدا الأمر» وبيت الله لا يصد عنه أحد إذا جاء معظياً له فكانت 
المحاولة هذه من زعيم الأوس سعد بن معاذ. ونزل على صاحبه في مكة 
أمية بن خلف. وبذلك خطت قريش خطاً جديداً لأول مرة في تاريخ جيران 
الحرم وسدنته» أن تصد عن بيت الله المسلمين أو تعتقلهم» فلقد اعتبرت 
نفسها في حالة حرب معهم. وهذا يعني أن المسلمين قد حيل بينهم وبين 
البيت الحرام فترة طويلة إلى أن يأذن الله تعالى بالفرج من عنده ويصبح 
عندهم شوكة قاهرة ترغم قريش على السماح لهم بتأدية نسكهم فيه. 
والإشارة التي نفقهها من هذا الموقف هي أن الممارسة العملية لأعداء الله في 
حربهم للإسلام والمسلمين تجعلهم يتناقضون مع أبسط المبادىء والأعراف التي 
يقوم عليها تفكيرهم ووجودهم. فالأصل في جيران بيت الله الحرام أن يؤدوا 
الخدمة للحجيج. وذا الأمر كانوا يتنافسون» وأعرق مفاخرهم ما يؤدونه 


)١(‏ صحيح البخاري كتاب المغازي جه ص ۲ و". 


A 


للحجيج من سقاية ورفادة. بل كانت تقوم المذابح والحروب للمحافظة على 
هذه المكارم. ومع هذا فلا يجدون حرجا من تبديد معتمر من المدينة 
بالاعتقال أو القتل . 

وكان موقف سعد رضي الله عنه من القوة والنباهة» ما أشار به إلى 
طاغوت مكة من أن شريان حياتهم بين المسلمين» وتجارتهم عن طريق المدينة 
إلى الشام» فلن يسكت المسلمون عليهم أو يدعوهم يمرواء لقد كان موقف 
القوة الأول من سعد زعيم الأوس وهو بين ظهراني قريش وأمام طاغوتها 
إيذاناً بتوتر كبسر» وإعلانا بمرحلة جديدة. وردا على تبديدات مكة للأنصار 
أن يتراجعوا عن إيوائهم لمحمد بلا . 

لقد كان هذا أول احتكاك مباشر بين الفريقين في هذه المرحلةء وكان 
صورة من صور العزم والمواجهة على استمرار أهل المدينة على موقفهم في 
نصرة محمد رسول الله ية . وهذه الفكرة بالذات دعوة لشباب الإسلام أن 
يقولوا كلمة الحق بقوة حين لا يكون أمامهم مندوحة عن ذكرهاء ويكون 
ذكرها حرباً نفسية توهن قلوب الأعداء. 


السمة التاسعة 
الخطر على القيادة 


روى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها'قالت: (سهر رسول 
الله ي مقدمة المدينة ليلة فقال: ليت رجلا صالحاً من أصحابي يحرسنى 
الليلةء قالت: فبينما نحن كذلك سمعنا خشخشة سلاح» فقال: من هذا؟ 
قال: سعد بن ابي وقاص» فقال له رسول الله كَلِ: ماجاء بك؟ فقال: وقع 
في نفسي خوف على رسول الله يل. فجئت أحرسه. فدعا له رسول الله كل 
ثم نام). 


(۱) مسلم باب فضل سعد ۲ / ۲۸۰ . 


۹ 


وروى الترمذي في صحيحه عن عائشة قولها: (كان رسول الله بل 
يحرس ليلا حتى نزل: «والله يعصمك من الناس» قأخرج رسول الله كَل 
رأسه من القبة فقال يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله عزوجل' ). 

لقد كان رسول الله ية يدرك أبعاد المعركة ويدرك خطورة الموقف فلا 
يبيت إلا ساهرأء وكان يعلم أنه الهدف الأول من العدو. فكان على يقظة 
وانتباه وحذر شديد. وخاصة في الليل حيث يختلط الظلام ويتسلل القتال 
لتنفيذ بغيتهم التي فاتتهم في مكة» بل أعلن عن رغبته في الحراسة» وكان 
هذا الشعور كامناً في نفوس الجنود كذلك» فسعد يده على سلاحه بدون أمرٍ 
من رسول الله كل لعلمه بخطورة الموقف وصار هذا أمراً مقرراً عند المسلمين 
إلى أن نزل التطمين الرباني وال يعصمك من الناس»» فقال: (انصرفوا 
فقد عصمني الله عز وجل) . 

وهذا الأمر ولا شك خصوصية من خصوصيات النبي بلة. فا دونه 
من خلق الله كافة, لا بد من حراسة ولا بد أن يكونوا على أهبة الاستعداد 
لمواجهة أي طارىء. وهم ف مستوى القيادة خاصة حين يكون العدو بين 
الصفوف . فاليهود والمشركون يكن أن يكون أحدهم مطية لنفسه أو لغيره في 
تنفيذ عمليات الاغتيال» والحركة الإسلامية التي فقدت كثيرا من قياداتها 
وقادتها عن طريق الاغتيال حري بهاء اقتداء بسنة النبي كَل أن تتخذ من 
حراسة قادتها ما يجعلهم بمنجى من يد العدو. والعصمة لرسول الله وَل 
وحده. ويجب أن لا ننسى أن ثلاثة من الخلفاء الراشدين» من قادة أهل 
الأرض قد ذهبوا غيلةء وهم قمم العدل والتقوى في هذا الوجودء 
عمر بن الخطاب» وعثمان بن عفان. وعلي بن أي طالب رضي الله عنهم 
جميعاً. فإن يعتمد القادة في الحركة الإسلامية على عدلحم وصلاحهم وتقواهم 
هو أدعى للحراسة. لأن العدو لا يطيق وجودهم. بل قد يتحرك الصف 
الإإسلامي ضدهم فيقتلون بيدي أبناء الصفاء وما قتل علي وعثمان رضي 
الله عتبها بسر. 


احرف 


السمة العاشرة 
حالة الحرب» ونجمع القوى كلها ضد المسلمين 


(ولم يكن الخطر مقتصراً على رسول الله ب بل على المسلمين كافةء 
فقد روى أبي بن كعب» قال: لا قدم رسول الله ول وأصحابه المدينةء وأوتهم 
الأنصارء رمتهم العرب عن قوس واحدة» وكانوا لا يبينون إلا بالسلاح ولا 
يصبحون إلا فيه(١2)).‏ وهذه الظاهرة مهمة جداً أن يستوعبها شباب الحركة 
الإسلامية خاصة الذين يحملون السلاح الآن ضد العدو لإسقاط أنظمة 
الكفر. فالشيء الذي يسيطر على نفوس الشباب هو ساعة المعركة والحسم مع 
العدوء وإسقاط النظام الكافر لإقامة دولة الإسلام على أنقاضه» لكنهم 
يحسبون أن الأمر منته ببذه المعركة. وبعد ذلك تدين قوى الأرض كلها 
ونخاف دولة الإسلام . 

إن الأمر أبعد من ذلك بكثير.. وإن الحسم مع العدو لإقامة دولة 
الإسلام هو الخطوة الأولى على الطريق؛ وهو المعركة الأولى في تاريخ المعارك. 
هو نقطة البدءء ورسول الله كل قد كانت معاركه كلها؛ غزواته وسراياه بعد 
إقامة دولة الإسلامء ولا يظهر تواطؤ أهل الأرض من الكفار والمشركين إلا 
بعد قيام دولة الإسلام. وإذا كانت الحركة الإسلامية بحاجة إلى أن تجند 
بعض طاقاتها قبل قيام دولة #لإسلام فهي بحاجة أشد إلى أن تجند كل طاقاتها 
وطاقات المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لحماية دولة الإسلام. 

وعندما قامت دولة الإسلام الأولى 5 الأرض بقيادة الرسول كله كان 
كل مسلم قد بلغ الخامسة عشرة من عمره جندياً في المعركةء وذلك بعد أن 
فرض الحهاد على المسلمين» ولكن روعة هذه العقيدة وعظمة هذا الدين هي 
أن هذه الجندية كانت جندية اختيارية يتسابق فيها المسلمون إلى المعركة. وإذا 
استثنينا المنافقين فلقد كانت كل طاقات المسلمين وشبامهم للمعركة . 


(1) الرحيق المختوم ص 3١7‏ . 


۴١ 


لقد كان المسلمون في أيامهم الأولىء الأيام العصيبة التي تحمل نذر 
المجوم على المديئة في كل لحظة. ينامون بالسلاح ويبيتون فيهء ولقد وعدوا 
رسول الله ية أن يحموه نما يحمون منه أزرهم وأولادهم. وصدقوا ما عاهدوا 
الله عليه. والقيادة المسلمة لا بد أن تعد للأمر حسابهء فلا توهم شبابها أن 
نجاح المعركة الأولى من الحسم مع العدوء يعني انتهاء الحولة مع العدى إنما 

يعنى انتهاء جولة وشد احمة لابتداء الحولة الثانية والجهاد ماض إلى يوم 
القيامة والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة» وعليهاً أن تعد 
الأهبة لمواجهة العدو والاستمرار فيها بما تحتاجه هذه المواجهة من سلاح 
ورجال ومال وعتاد. 


السمة الحادية عشرة 
إعلان الحرب على العدو 


كما هو معروف في فن الحرب أن الهجوم أقوى وسائل الدفاع. وقريش ' 
مصممة على خوض العركة مع الرسول يه فلتكن المبادرة منه. ومن أجل 
هذا كانت السنة الأولى كلها سنة هجوم على قوافل قريش. فلقد جهز رسول 
الله َة ثماني سرايا وكانت كلها لاعتراض عير قريش ماعدا واحدة كانت 
ردأ على هجوم قام به كرز بن جابر الفهري. واستمرت هذه السرايا من 
رمضان ‏ السنة الأولى للهجرة إلى رمضان في السنة الثانية من اللهجرة. وكان 
فادة هذه السرايا حميعها من المهاجرين. وكان لهذا معني خاص في هذه 
الحرب. فأصل العهد مع الأنصار هو حماية رسول الله كله وصحبه في 
المدينة . وهذه السرايا تعرض للقوافل خارج المدينة . هذا من جهة. 

ومن جهة ثانية» فلا بد من تدريب شباب الدعوة على الحرب» بعد أن 
أمروا بكف أيديهم خلال ثلائة عشر عاماً من العهد المكي . 

ومن جهة ثالثة» فلا بد أن تعرف قريش أن هؤلاء المهاجرين الفارين 
من اضطهادها في مكة ليسوا موطن ضعف وهوان» بل هم قوة مرهوبة ذات 
شوكة عليها أن تحسب ألف حساب ها قبل أن تفكر في مواجهتهم . 


YY 


ومن جهة رابعة» فعلى قريش أن تذوق وبال أمرها'لموقفها المشين من 
الدعوةء وأن تتجرع مرارة هذا الموقف» فتعلم أن مصالحها وتجارتها صارت 
مهب الريح بعد أن سيطر المسلمون على شريان حياتها من خلال قوافلها إلى 
الشام» حيث أصبحت رحلة الصيف عندها وخيمة العواقب. 

والحركة الإسلامية اليوم التي تمضي جادة في طريقها لإقامة دولة 
الإسلام لا بد لها في حريها ضد الطاغوت الكافر من أن تقض مضجعه. 
وتزعزع نظامهء وتزلزل الأرض من نحته» وتسعى جاهدة لاجتثاث جذوره. 
فيكون ككلمة خبيثة اجتشت من فوق الأرض مالا من قرارء ولن يتأق هذا 
لها مالم تكن لها أرض آمنة تنطلق منهاء وتبث سراياها إليه فتوجعه في موطن 
القوة عنده. 

وهي مضطرة أحياناً للتفاهم مع بعض الأنظمة للهدنة معها والاستفادة 
ميا كمركز انطلاق للمواجهة. وشباب الدعوة المجاهدون في هذه المرحلة هم 
الصفوة المختارة للمواجهة» وهم الوقود الأول للمعركة. 

وإن الحركة الإسلامية لتفخر بقوافل الشهداء. التى مضت قافلة إثر 
قافلة وسرية عقب سرية تضرب في قلب العدوء وتفخر بعظمة البطولات 
والتضحيات التي تختسبها عند الله عز وجل» وحين تذكر هذا الواقع» إما 
تذكره إيذاناً بإرغام. أنف العدو وتبكيته» ودعوة إلى الشباب أن ينضووا تحت 
اللواء لمتابعة المسيرة المباركة في الحرب العوان مع العدو. 


السمة الثانية عشرة 
التميز الإسلامي قبيل المواجهة 


إضافة إلى ميثاق التحالف - الذي حدد إسلامية الدولةء وأوضح أن 
المسلمين أمة من دون الناس» فلقد مر التميز الإإسلامي 5 مرحلتين : 

المرحلة الأول ى: مرحلة المجاملة لأهل الكتاب» وكان الهدف الأكبر من 
هله المجاملة هو تاليف قلوہم ودعوتهم إل الإسلام وهم أهل الكتاب الأول 


۳۳ 


وكانوا يستفتحون برسول الله عي على أهل المدينة من الأوس والخزرج. فكان 
يحرص عليه الصلاة والسلام على موافقتهم ومجاملتهم في كثير من الأمور مما لا 
يمس أمور العقيدة. وخاصة في قضية العادات الاجتماعية حتى في تسريح 
شعره» وكان حرص على موافقتهم ف أمور القيادات . کا نعلم حين أمر 
المسلمين بالصيام في عاشوراء قائلا للمسلمين: (نحن أحق وأولى بموسى 
منکم) . 

المرحلة الثانية: وذلك حين أعلن اليهود حربهم العنيفة المشبوبة على 
الكامل عنهم في العادات واللباس والعبادات كي ينبي هذه القدسية الي 
كانت هم في نفوس المسلمين حين انحرفوا عن الحق. وكفروا به: طإفل] 
جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين29» . 


وقد وضح هذا التميز الإسلامي في أكثر من جانب» وكانت هذه 
النقاط قد تم معظمها قبيل غزوة بدر» وكان ذلك كله بأمر من الله تعالىء 
واستجابة لرغبة نبيه الكريم في هذه المفاصلة. نذكر من هذه الأمور مايلي كا 
أوردها المقريزي في إمتاع الأسماع: (وفي شعبان على رأس ستة عشر شهرأًء 
وقيل على رأس سبعة عشر شهراً حولت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة» 
فكان أول شيء نسخ من الشريعة القبلة. . . ويقال حولت القبلة يوم الاثنين 
النصف من رجب بعد زوال الشمس قبل قتال بدرٍ بشهرين وكان رسول الله 
هة في مسجد بني سلمة» وقد صلى بأصحابه من صلاة الظهر ركعتين» 
فتحول في صلاته واستقبل الميزاب من الكعبة» وحول الرجال مكان النساء 
والنساء مكان الرجالء فسمي المسجد «مسجد القبلتين» ويقال صرفت 5 
الظهر من يوم الثلاثاء للنصف من شعبان سئة اثنتين في منزل 
البراء بن معرورء وقيل صرفت في صلاة الصبح”") . 


. متفق عليه‎ )١( 
من الأية 4م - البقرة.‎ )۲( 
. ٦١ امتاع الأسماع ج١ ص‎ (۳ 


A: 


فكل الروايات لا تعدو بين رجب وشعبان من السئة الثانية على رأس 
ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً. وكان لحدث تغيير القبلة دوي كبير في 
المجتمع الإسلامي والمجتمع اليهودي على السواء. أنبى كل نقاط الالتقاء بين 
الفريقين» ولنعرف أثر هذا الموقف يكفي أن نعلم أن الله تعالى أنزل قرآناً 
يتلل في هذا الأمر» حوالى عشر آيات. (وكان في ذلك حكمة عظيمة ومحنة 
للناس مسلمهم وكافرهم. فأما المسلمون فقالوا: آمنا به كل من عند ربنا- 
وهم الذين هدى الله ء ولم تكن بكبيرة عليهم . وأما المشركون فقالوا: ما 
ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ وأما المنافقون فقالوا: إن كانت القبلة 
الأولى حقا فقد تركهاء وإن كانت الثانية هي الحق فقد كان على باطل. 


وكان رسول الله يي لما قدم المدينة استقبل بيت المقدس ستة عشر شهراً 
قبلة اليهودء وكان يحب أن يصرفه الله إلى الكعبةء وقال لجحبريل ذلك فقال: 
إما أنا عبد. فادع ربك واساله» فجعل يقلب وجهه في السباء يرجو ذلك 
حتى أنزل الله عليه قد نرى تقلب وجهك في الساء فلئولينك قبلة ترضاها. 
فول وجهك شطر المسجد الحرام » الآيات البقرة 7144).لققد تمت 
المفاصلة بين المسلمين واليهودء وأصبح للمسلمين قبلتهم الخاصة بهم نحو 
المسجد الحرام» ووجه هذا قلوب اليهود بالحقد والكيد ورد عليهم القرآن 
بقوله : «إسيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليهاء قل 
لله المشرق والمغرب يبدي من يشاء إلى صراط مستقيم”'42 . وكان هذا الأمر 
استجابة لرغبة نفسية عميقة في قلب النبي يله يوضح هذا المعنى قول الله 
جل شأنه . قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها") . 

وكان هذا إيذاناً كذلك باحتدام المعركة مع قريش. فالمسجد الحرام 
قبلة المسلمين» وهو تحت سيطرة قريش. والوثنية ضاربة أطنابها فيه» ولا بد 
من تحريره. وهكذا اتجهت أنظار المسلمين ثانية إليه» وبنظرة جديدة. تحمل 


)١(‏ مختصر السيرة لمحمد بن عبد الوهاب ص ؟17. 
(؟) البقرة / ١٠١١‏ . 
(۳) سورة البقرة / الآية ٠٤٤‏ . 


۳0 


كل معاني الإصرار على العودة إليه» وتخليصه من براثن الوثنية. ولم ينته الأمر 
في شعبان شهر التميز عند هذا الحد. فلقد جاء إضافة إلى التميز في قبلة 
الصلاةء التميز في الصيام . 

لقد كان يوم عاشوراء هو يوم صوم المسلمين» ولعلهم صاموه عاماً على 
الأقل . وكان فريضة عليهم› وإذا بالايات تترى لتؤكد تميز المسلمين في 
صومهم كذلك. وإن كان الأصل في الصيام واحداً عند المؤمنين في الأرض : 
(ياأبها الذين أنيا كنب عليكم الصيام كبا كتب على اللين من قبلكم 
لعلكم تتقون. أياما معدودات» فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من 
أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيراً فهو خير 
له» وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون( “4 . 

وإن كانت هاتان الآيتان لا تتحدثان عن الاستقلال والتميز في شهر 
الصيام» فالاية التالية تؤكد هذا المعنى :«إشهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن 
هدى مدق لتاس وبينات من الهدى والفرقان. فمن شهد منكم الشهر 

اله 

فلقد اصح رمضان منذ ذلك الوقت شهر الصيام الإسلامي. وإن كان 

أصل الصيام قائأ بين المؤمنين. کا وأن أصل الصلاة اقام ومشترك بين 
المؤمنين. لكن تيز القبلة يعني انفصالا في الشعائر وتحديداً للهوية الإإسلامية : 
«ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك. وما أنت بتابع 
قبلتهم » وما بعضهم بتابع قبلة بعض *. 

لقد انتهى عهد المجاملة والمسايرة على أمل الدخول في هذا الدينء 
وأعلنوا حربهم على الله تعالى وعلى رسوله وكفروا به وبالكتاب الذي أنزل 
صدا لا مهم فلا مجال بعد الآن للمسايرة معهم (. .. ولئن اتبعت 
أهواءهم من بعد ماجاءك من العلم إنك اذ لمن الظا مين" . 


. ۱۸۴ / البقرة‎ )١( 
الآية 186 من سورة البقرة.‎ )( 
من سورة البقرة.‎ ١46 من الآية‎ )۳( 


۳١ 


وكا كان التميز في قبلة الصلاةء وكان التميز في شهر الصيام» فلقد 
كان التميز كذلك في فريضة الزكاة» فقد كانت الزكاة والصدقات عامة لدى 
المؤمنين في الأرض. لكنها تتخذ الآن لدى المسلمين تحديداً آخر. فلقد 
حددت زكاة الفطر بنصاب معين» كما نزلت أنصبة الزكاة بشكل محدد 
وواضح لا لبس فيه. 


وهكذا نرى التميز في الصلاة والزكاة والصيام» وكان هذا إيذاناً 
بتحديد أن المسلمين أمة من دون الناس» وأن اليهود قد كفروا بالحق الذي 
جاء من عند الله وكانت هذه الأمور الحاسمة المخطيرة في شهر شعبان» إيذانا 
كذلك. بالتميز الإيجابي» وإرهاصاً لغزوة بدر الكبرى التي سماها الله تعالى 
فرقاناً. كا سمى كتابه الفرقان. وهذه الأحكام الشرعية التي نزلت قبيل بدر, 
وكانت بثابة تمهيد لها تعطينا دروساً هامة تستفيد مها الحركة الإسلامية. 


إن الحركة الإسلامية يوم تقوم على مواجهة مع العدو لا بد أن يسبق 
ذلك تمهيد وإجراءات. تؤكد هذا التميز وهذه المفاصلة, وتري شباب الدعوة 
على هذا الوضوح وهذا الاستقلال عن الآخرين. 


لقد رأينا الحركة الإسلامية قبيل إعلانها الحرب على الطاغوت الكافر. 
قد انتشر في صفوفها الأناشيد الإسلامية التي ملأت كل بيت مسلمء 
وأصبحت عوضاً عن الإذاعة والتلفاز. وأصبحت في لحنها الإسلامي تربي هذا 
الجيل على التميز وتذكره بالجهاد وتدعوه إلى العمل لدولة الإسلام في 
الأرض» وأصبح الدعاة إلى الله في تلقفهم لهذا الأدب الإسلامي الجهادي, 
وفي تداولهم لتسجيلاته. يمثلون هذا التميز وهذه الأصالة التي تجعلهم يختلفون 
عن عامة الناس الذين يعيشون بقيم الجاهلية وأفكارها في الإذاعة والصحف 
والمجلات. لقد أخذ الأدب الإسلامي طريقه إلى قلوب الدعاة» فأشعل فيهم 
لهيب المعركة» وحدد لهم مواصفاتها وكان هذا إيذاناً لإعلان المواجهة مع 
الطغاة . 


غارفا 


السمة الثالثة عشرة 
المواجهة الحاسمة في بدرء والفرقان فيها 


لقف كذلك للك اا وصف أله يمحا يوم يدر ا يوم الفرقان «إن ن 
آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان4)0 . 

لقد كانت غزوة بدر- التي ب بدأت وانتهت بتدبير الله وتوجيهه وفیادته 
ومددهة رقن ين الحق والباطلٍ - كما يقول المفسرون 1 إحال وفرقاناً معن 
أشمل وأدق وأوسع وأعمق كثيراً . 


كانت فرقاناً بين الحق والباطل فعلاً. . ولكنه الحق الأصيل الذي قامت 
عليه السموات والأرض. وقامت عليه فطرة الأحياء والأشياء. . الحق الذي 
يتمثل في تفرد الله - سبحانه ‏ بالألوهية والسلطان والتدبير والتقدير» وفي 
عبودية الكون كله سمائه وأرضه. أشيائه وأحيائه» لهذه الألوهية المتفردة ولهذا 
السلطان المتوحد. وهذا التدبير وهذا التقرير بلا معقب ولا شريك. . والباطل 
الزائف الطارىء الذي كان يعم وجه الأرض إذ ذاك ويغشي على ذلك الحق 
الأصيل» ويقيم في الأرض طواغيت تتصرف في حياة عباد الله بما تشاءء 
وأهواء تصرف أمر الحياة والأحياء | فهذا الفرقان الكبير الذي تم يوم بدر» 
حيث فرق بين ذلك الحق الكبيرء وهذا الباطل الطاغي» وزيل بيا فلم 
يعودا يلتبسان! 


لقد كانت فرقاناً بين الحق والباطل بهذا المدلول الشامل الواسع الدقيق 
العميق» على أبعاد واماد: كانت فرقاناً بين هذا الحق وهذا الباطل في أعماق 
الضمير. . فرقاناً بين الوحدانية المجردة المطلقة بكل شعبها في الضمير 
والشعور» وني الخلق والسلوك» وفي العبادة والعبودية؛ وبين الشرك في كل 


4١ الأنفال من الآية‎ )١( 


۲۳۸ 


صوره التي تشمل عبودية الضمير لغير الله من الأشخاص والأهواء والقيم 
والأوضاع والتقاليد والعادات. . 

وكانت فرقاناً بين هذا الحق وهذا الباطل في الواقع الظاهر 
كذلك.. فرقاناً بين العبودية الواقعية للأشخاص والأهواءء وللقيم 
والأوضاع. وللشرائع والقوانين» وللتقاليد والعادات. . . وبين الرجوع في هذا 
كله لله الواحد الذي لك إله غيره ) ولا متسلط سوأه» ولا حاكم من دونه» 
ولا مشرع إلا إياه. . فارتفعت المحامات لا تنحني لغير الله » وتساوت الرؤوس 
فلا تخضع إلا لحاكميته وشرعه» وتحررت القطعان البشرية التي كانت 
مستعبدة للطغاة. 

وكانت فرقاناً بين عهدين في تاريخ الحركة الإسلامية: عهد المصابرة 
والصبر والتجمع والانتظار. وعهد القوة واحركة والمبادأة والاندفاع. . والإسلام 
بوصفه تصوراً جديدا للحياة» ومتهجا جديدا للوجود الإنساني» ونظاما جديدا 
للمجتمع » وشكلا جديداً للدولة. بوصفه إعلاناً عاماً لتحرير الإنسان في 
الأرض بتقرير ألوهية الله وحده وحاكميته» ومطاردة الطواغيت التي تغتصب 
ألوهيته وحاكميته. . الإسلام بوصفه هذا لم يكن له بد من القوة والحركة 
والمبادأة والاندفاع, لأنه لم يكن يلك أن يقف كامنا منتظراً على طول الأمدء 
لم يكن يستطيع أن يظل عقيدة مجردة في نفوس أصحابهء تتمثل في شعائر 
تعبدية لله »> وفي أخلاق سلوكية فيا بيغهم. ول يكن له بد أن يندفع إلى تحقيق 
التصور الحديد» والمتهج الجحديدء والدولة الجديدة, والمجتمع الجديد» في واقع 
الحياة» وأن يزيل من طريقها العوائق المادية التي تكبتها وتحول بينها وبين 
التطبيق الواقعي في حياة المسلمين أولاء ثم في حياة البشرية كلها 
أخيراً. . وهي هذا التطبيق الواقعي جاءت من عند الله . 

وكانت فرقاناً بين عهدين في تاريخ البشرية . فالبشرية بمجموعها قبل 
التصور الحديد الذي انبثق منه هذا النظام . وهذا النظام الجديد الذي انبئق 
من هذا التصور. وهذا المجتمع الوليد الذي يمثل ميلادا جديدا للانسان. 


۳4 


وهذه القيم التي تقوم عليها الحياة كلها ويقوم عليها النظام الاجتماعي 
والتشريع القانوني على السواء. هذا كله لم يعد ملكا للمسلمين وحدهم منذ 
غزوة بدر وتوكيل وجود المجتمع الحديد. إنما صار ‏ شيئاً فشيئاً - ملكا للبشرية 
كلهاء تأثرت به سواءٌ في دار الإسلام أو خارجهاء سواء بصداقة الإسلام أم 
بعداوته!. . والصليبيون الذين زحفوا من الغرب ليحاربوا الإسلام ويقضوا 
عليه في ربوعه قد تأثروا بتقاليد هذا المجتمع الإسلامي الذي جاورا 
ليحطموة. وعادوا إلى بلادهم ليحطموا النظام الإقطاعي الذي كان سائدا 
عندهم» بعدما شاهدوا بقايا النظام الاجتماعي الإسلامي! والتتار الذين 
زحفوا من الشرق ليحاربوا الإسلام ويقضوا عليه بإيحاء من اليهود 
والصليبيين من أهل دار الإسلام - قد تأثروا بالعقيدة الإسلامية في النهاية. 
وحملوها لينشروها في رقعة من الأرض جديدة» وليقيموا عليها خلافة ظلت 
من القرن الخامس عشر إلى القرن العشرين في قلب أوروبا. . وعلى أية حال 
فالتاريخ البشري كله منذ وقعة بدر- متأثر بهذا الفرقان في أرض الإسلام؛ 
أو في الأرض التي تناهض الإسلام على السواء. 


وكانت فرقاناً بين تصورين لعوامل النصر وعوامل المزيمة» فجرت - 
وكل عوامل النصر الظاهرية في صف المشركين. وكل عواملة الهزيمة الظاهرية 
في صف العصبة المؤمنة» حى لقال المنافقون والذين في قلوهم مرض: غر 
هؤلاء دينهم. . وقد أراد الله أن تجري المعركة على هذا النحوء وهي المعركة 
الأولى بين الكثرة المشركة والقلة المؤمئة ‏ لتكون فرقاناً بين تصورين وتقديرين 
لأسباب النصر والهزيمة» ولتنتصر العقيدة القوية على الكثرة العددية وعلى الزاد 
والعتادء فتبين للناس أن النصر للعقيدة الصالحة القوية» لا لمجرد السلاح 
والعتادء وأن أصحاب العقيدة الحقة عليهم أن يجاهدوا ويخوضوا غمار المعركة 

مع الباطل غير منتظرين 3 تتساوى القوى المادية الظاهرية» لأخهم يملكون 


قوة أخرى ترجح الكفة. وأن هذا ليبس كلاماً يقال» إا هو واقع متتحفق 
للعيان . 


وأخيراً فلقد كانت بدر فرقاناً بين الحق والباطل بمدلول آخرء ذلك 


5 


المدلول الذي يوحي به قول الله تعالى في أوائل هذه السورة: #وإذ يعدكم الله 
إحدى الطائفتين أنها لكم» وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم» ويريد 
الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين» ليحق الحق ويبطل الباطل 
ولو كره المجرمون)» لقد كان الذين خرجوا للمعركة من المسلمين». إنما 
خرجوا يريدون عير أبي سفيان واغتنام القافلة. فأراد الله لهم غير ما أرادوا. 
أراد هم أن تفلت مہم قافلة أبي شفيان (غير ذات الشوكة) وأن يلاقوا نفير 
أبي جهل (ذات الشوكة) وأن تكون معركة وقتال وقتل وأسرء ولا تكون قافلة ‏ 
وغنيمة ورحلة مريحة! وقد قال الله سبحانه ‏ إنه صنع هذا: «ليحق الحق 
ويبطل الباطل©. 

وكانت هذه إشارة لتقرير حقيقة كبيرة. . إن الحق لا يحق وإن الباطل 
لا يبطل ‏ في المجتمع الإنساني ‏ بمجرد البيان النظري للحق والباطل. ولا بمجرد 
الاعتقاد النظري بأن هذا حق وهذا باطل. . إن الحق لا يحق. وإن الباطل لا 
يبطل ولا يذهب من دنيا الناسء إلا بأن يتحطم سلطان الباطل ويعلو 
سلطان الحق. وذلك لا يتم إلا بأن يغلب جند الحق ويظهرواء وہزم جند 
الباطل ويندحروا. . فهذا الدين منهج حركي واقعي» لا مجرد نظرية للمعرفة 
والجدل! أو لمجرد الاعتقاد السلبي!. 


ولقد حق الحق وبطل الباطل بالموقعة؛ وكان هذا النصر العملى فرقاناً 
واقعياً بين الحق والباطل ببذا الاعتبار الذي أشار إليه قول الله تعالى في 
معرض بيان إرادته - سبحانه ‏ من وراء المعركة» ومن وراء إخراج الرسول - 
ب - من بيته بالحق» ومن وراء إفلات القافلة (غبر ذات الشوكة) ولقاء الفئة 
ذات الشوكة. 

ولقد كان هذا كله فرقاناً بين منهج هذا الدين ذاته» تتضح به طبيعة 
هذا المبج وحقيقته في حس المسلمين أنفسهم. . وإنه لفرقان ندرك اليوم 
ضرورته؛ حينم ننظر إلى ما أصاب مفهومات هذا الدين من تيع في نفوس 
من يسمون أنفسهم مسلمين! حتى ليصل هذا التميع إلى مفهومات بعض من 
يقومون بدعوة الناس إلى هذا الدين! وهكذا كان يوم بدر «يوم الفرقان يوم 


3 


التقى الجمعان». ببذه المدلولات المنوعة الشاملة العميقة. . والله على كل 
شيء قدير. وني هذا اليوم مثل من قدرته كل شيء. . مثل لا يجادل فيه 
مجادل. ولا يماري فيه مار. . مثل من الواقع المشهودء الذي لا سبيل إلى 
تفسيره إلا بقدرة الله وأن الله على كل شيء قدير) . 

وكانت بدر من حيث أثرها الخطير» ظاهرة كونية» فقد احتفل بها 
الإنس والجن والملائكة. ففي عالم الأرض وعالم البشر. نذكر أن سورة الروم 
عندما نزلت كانت تمثل آمال وطموحات عشرات المسلمين في مكة بأن ينتصر 
الروم أهل الكتاب في الأرض على الفرس الوثنيين في الأرض حيث كان 
الفرس والروم يقتسمون الأرض أنئذ. وكان هؤلاء العشرات من المسلمين 
والمئات من المشركين غفلاً من التاريخ وأحداثه يتفرجون على صناعة الكبار في 
الأرض» ونذكر كيف تم الرهان بين أبي بكر رضي الله عنه وأحد المشركين 
على نصز الروم بعد بضع سنوات# الم »غلبت الروم في أدنى الأرض» وهم 
من بعد غلبهم سيغابون في بضع سنن لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ 
يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم» وعد الله لا 
يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون» يعلمون ظاهراً من الحياة 
الدنيا وهم عن الاخرة هم غافلون9©). لقد كان أقصى ما محلم به المسلمون 
آنذاك بعد بضع سنين أن ينتصر الروم على الفرس. وبذلك تقوى شوكة 
المسلمين إن انتصر أهل الكتاب الأقرب إلى المسلمين على الفرس الأقرب إلى 
المشركين . 

وتحقق موعود الله جل شأنه فانتصر الروم بعد تسع سنين من هزيمتهم 
أمام الفرس. وفرح المؤمنون بنصر الله. وكان وعد الله الذي لا يخلف. ولكن 
أكثر الناس لا يعلمون. هذا هو المدى الأقرب للايات. أما المدى الأعمق 
فكان أكبر وأضحم في تاريخ البشرية . لقد فرح المؤمنون بنصر الله يوم بدر. 
ويوم نصرهم جاءت أخبار انتصار الروم على الفرس. لقد جاء خبر انتصار 


. ٠٠١١٤-٠٠١۲۱ في ظلال القرآنء المجلد الثالث ص‎ )١( 
.۷-١ (؟)سورة الروم الأيات من‎ 


E 


الروم هامشياً وثانوياً أمام انتصار بدر. وكان فرح المؤمنين بنصر الله في بدر 
هو المدلول الأعمق للاية الكريمة» ولم يكن يدور بخلد عشرات المؤمنين في 
الأرض والايات تنزل في مكة أنهم هم المعنون في النصرء وأنهم هم صناع 
الأحداث. وأن الروم والفرس غدوا على هامش التاريخ بعد أن أنزل الله 
تعالى ملائكته لنصر المؤمنين في بدر. وكان وعد الله الذي لا يخلف هو نصر 
محمد وحزبه لا نصر الروم فقط. ولكن أكثر الناس لا يعلمون حتى المؤمنون 
لا يحميطون بعلم الله عز وجل» وماذا يعد لحم من نصرء وماذا يعد بهم من 
حسم. كا أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون» 
يجادلونك فى الحق بعدما تبين 2 يساقون إلى الموت وهنم ينظرون » وإذ يعد؟ الله 
إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم » ويريد 
الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ليحق الحق ويبطل الباطل ولو 
كره المجرمون“). 

فالمسلمون حتى قبل بدر بأيام قلائل لم يكونوا يعلمون أنهم المعنون 
بنصر الله ينصر من يشاء وعد الله لا يخلف الله وعده» ورسول الله يلا 
سيد الخلق لم يكن يعلم أنه المقصود بنصر الله ينصر من يشاء. ومن أجل هذا 
كان يلح على ربه بالنصر يوم بدرٍ حتى ليسقط رداؤه عن كتفيه. ويخشى أن 
تكون هذه المعركة نباية العصبة المؤمئة في الأرض. (اللهم إن تبلك هذه 
العصابة فلن تعبد في الأرض). لقد كان الرهان في عالم الأرض على افتتاح 
التاريخ بهذا النصر من أي الفريقين. فلقد كان أبوجهل يقول: والله لن 
نرجم حتى نرد بدرا. فلنحر الجزر» ونشرب الخمر» وتعزف علينا القيان 
ويعلم العرب بخروجنا هذا فلا يزالون يابوننا أبدا) . 

فلقد كانت مطامح أبي جهل أن يكون مقود العرب بيده بعد بدر. ولا 
تزال تهابه أبداً. وكان رسول الله ب يقول: «اللهم إن تلك هذه العصابة 
فلن تعبد في الأرض»» وإذا بنصر الله يتنزل فتنقلب الموازين» ويتأرجح 
التاريخ » ويصبح مقوده بيد المسلمين ومن ذلك الوقت لم يعودوا على هامش 


.۸- ١ سورة الأنفال. الآيات‎ )١( 


4۳ 


الأحداث يآملون ويدعون كا كانوا أيام انتصار الفرس على الروم. بل صاروا 
صناع أحدائه. في بدر ويعدهاء وجاء هذا النصر من الحسم ومن الضخامة 
بسيث اجتث الباطل من جذوره. فلقد سقط قادة الكفر صرعى 5 هذه 
المعركة وهم الذين كانوا يحملون عبء الحرب ضد الدعوة حجمسة عشر عاماً 
أو تزيد؛ إنه جيل قادة كامل سقط على الساحة صريعاً بين يدي هذه العصبة 
المؤمنة . 

أما الجيل الجديد من القادة» والذي نجا يوم بدر فمعظمه كتب الله 
تعالى له الحداية فيا بعد وها نحن نستعرض هؤلاء القادة بشكل سريع: أبو 
جهل بن هشام المخزومي» وعتبة وشيبة إبنا ربيعة الأمويان» وأمية ابن خلف 
الجمحي» وتبعهم بعدهاء النضر بن الحارث العبدري» وعقبة بن أبي معيط 
الأموي» وأبو لهب الماشمي. ونبيه ومنبه ابنا الحجاج السهميان. وقد عدد 
المقريزي أعداء رسول الله يل الكبار في إمتاع الأسماع فكانوا سبعة وعشرين 
رجلا قتل مم في بدر وبعدها بقليل قرابة العشرين. (وعن أبي طلحة أن 
نبي الله ية أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش. فقذفوا في 
طوى من أطواء بدر حبيث محبث(2). وكان من فضل الله تعالى على 
المؤمنين أن سقط بعض هؤلاء الأبطال صرعى بيد العتبان الشباب من 
الأنصار. مثل مقتل أبي جهل وأمية بن خلف. وعلى يد المستضعفين من 
المسلمين أمثال بلال وعبد الله بن مسعود تحقيقاً لموعود الله عز وجل . 

«ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض» ونجعلهم أئمة 
ونجعلهم الوارثين ونمكن لحم في الأرض وئري فرعون وهامان وجنودهما منهم 
ما كانوا يحذرون4)07 . فلقد سقط فرعون الأمة أبوجهل صريعاً. وأخزاه الله 
على يد رويعي الغنم عبد الله بن مسعود. وكانت بدر في عالم الأرض عرساً 
للمؤمنين . 

وكذلك كانت في عام الجن. 
)١(‏ الرحيق المختوم المباركفوري عن مشكاة المصابيح متفق عليه. 
(؟) القصص / ه وا. 


٤ 


فقد ذكر قاسم بن ثابت في كتاب الدلائل ‏ أن قريشاً حين توجهت 
إلى بدر مر هاتف من الجن على مكة في اليوم الذي أوقع بهم المسلمون وهو 
ينشد بأنفذ صوت ولا یری شخصه: 
۰ . 0 5 5 سل 5 
أزار الحنيفيون بدرا وقيعة سينقض منها ركن كسرى وقيصرا 
فيا ويح من أمسى عدو محمد لقد جار عن قصد الحدى وتحيرا 


ولقد أدرك المؤمنون من الجن أبعاد هذه المعركة وأنها ستطيح بعرش 
ماكان المأتم والويل والثبور عند كفار الجن وشياطينهم . 


فلقد حدثنا مؤرخو السير عن اشتراك ابليس لعنه الله في التخطيط 
لبدر وفي آماله العراض بهزيمة محمد بء وكيف كان دوره في دفع قريش 
دفعاً إلى المواجهة حين خحافت من أن تغزوها بنو كنانة. فجاءهم على صورة 
00 قائلا: أنا جار لكم من بني كنانة أن يأنوكم بشيء تكرهونه. 

جاء حليفاً لقريش ووضع يده بيد أبي جهل. وأخيه الحارث بن هشام . فلا 
8 مايفعل الملائكة بالمشركين فر ونكص على عقبيه» وتشبث به 
الحارث بن هشام . وهو يظنه سراقة - فوكز في صدر الحارث فألقاهء ثم حرج 
هارياًء وقال له المشركون: إلى أين يا سراقة؟ 1 تكن قلت: إنك جار لناء 
لا تفارقنا؟ فقال : اي أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب» ثم 
فر حتى ألقى نفسه في البحر. 

وذكر القرآن الكريم هذا الحادث في قوله عز وجل»ء «وإذ زين هم 
الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلا 


تراءت الفتان نكص على عقبيه وقال: إني بويء منكم» إني أرى مالا ترون 
إني أخاف الله والله شديد العقاب#29. 


.۷۲ امتاع الأسماع للمقريزي ص‎ )١( 
. ٤۸ الأنفال» الآية‎ )۲( 


40 


وحدثنا رسول الله يي عن خزي إبليس يوم بدرٍ فقال: (ما رؤي 
الشيطان يوماً فيه أصغر ولا أدحرء ولا أحقرء ولا أغيظ مئه في يوم عرفةء 
وماذاك إلا لما يرى فيه من تنزل الرحمة. وتجاوز الله عن الذنوب العظام. إلا 
ما رأى يوم بدر» فإنه رأى جبريل عليه السلام يزغ الملائكة). لقد اندحر 
الشيطان وحزبه من الإنس والجن يوم بدر. وكانت المهريمة الساحقة 
للشياطين في الأرض والكفار من الجن أشد هولاً وأقسى مرارة منها على 
كفار قريش . بشهادة رسول الله ب - كما علمه من ربه ‏ فلقد كانت أقسى هزيمة 
| لإبليس على مدار تاريخه منذ خلقه إلى يوم يبعثون. فهو في أشنع هزائمه في 

كل سنة في عرفة حين تحبط مخططاته. ولكن هذا كله كان يبون عن هزية 

بدر حيث خطط لنصر حلفائه. فسقط مع حلفائه. حين جاء جبريل 
بنصر الله وكانت عرسا في عالم الملاثكة واللاأ الأعل» فلأول مرة يؤذن 
للملائكة. ولأميرهم جبريل عليه السلام أن يشترك مع ألف من سادة 
الملائكة في المعركة #إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم إني ممدكم بألف من 
الملائكة مردفين2"0 وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا 
من عند الله. إن الله عزيز حكيم) والله تعالى أصدر أوامره وتعليماته لهم 
بدخول المعركة السافرة. #إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين 
أمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب. فاضربوا فوق الأعناق. واضربوا 
منہم كل بئان» ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله 
شديد العقاب. ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار“ #. 

وكانت فرحة الملائكة كبيرة بهزيمة المشركين» من الذين لم يحضروا 
المعركة» وارتفعت إليهم أرواح مجرمي قريش. #ولو ترى إذ يتوى الذين 
كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق. ذلك با 
قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد“). وبقي الملائكة الذين شهدوا 
)١(‏ رواه مالك مرسلا والبيهقي . 
(۲) الأنفال. 4 و .٠١‏ 


(۳) الأنفال ١١‏ و۳١‏ و4ا., 
(4) الأنفال ٠ه‏ 


4 


بدراً في الفضل من سادة الملائكة. فكا أن المؤمنين في الأرض» على مداد 
التاريخ يعتبرون من شهد بدرا من المؤمنين أعلى طبقة فيهم» ويعتبرونهم خير 
هذه الأمة. فكذلك الأمر فيمن شهدها من الملائكة. 
فعن رفاعة بن رافع الزرقي قال: (جاء جبريل إلى النبي ول - فقال: 
ماتعدون أهل بدر فيكم؟ قال: من أفضل المسلمين ‏ أو كلمة نحوها- 
قال: وكذلك من شهد بدراً من الملائكة2 )) . وهكذا مضت بدر مللا ف 
تاریخ الأرض والساء» وفرقانا في عالم الإنس والحن والملائكة . 
السمة الرابعة عشرة 
معسكر المنافقين, بروزه وخطره و حجيمه 


أ النفاق في مكة: 

لم يكن للمنافقين دور يذكر في العهد المكي لأنه عهد ابتلاء وفتنة 
وتمحيص. غير أن القرآن الكريم ذكرهم مرة واحدة قبيل بدر في قوله 
جل وعلا: «إذ يقول المنافقون والذين في قلوهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن 
يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم"). 

يقول الشهيد سيد قطب رحه الله بصدد هذه الاية: (والمنافقون والذين 
في قلوهم مرض قيل: إنهم مجموعة من الذين مالوا إلى الإسلام في مكة 
ولكن لم تصح عقيدتهم ولم تطمئن قلويهم ‏ خرجوا مع النفير مزعزعين. فلا 
رأوا قلة المسلمين وكثرة المشركين قالوا هذه المقالة") . 
سف - بداية التجمع : 

وعند دخول رسول الله ب المديلة وال غزوة بدر لم يكن النفاق قل 
نجم بعد. فلقد كان معسكر الشرك واضحاً بزعامة عبد الله بن أبي نفسه» 
)١(‏ انفرد بإخراجه البخاري . 


(۲) الأنفال 4ع . 
(6) الظلال ص .١6177‏ ط دار الشروق. 


لا" 


والذي كانت الجرأة تصل به أن يطالب محمداً كل بالكف عن الدعوة إلى 
الله. وكان معسكر اليهود واضحاً كذلك. اللهم إلا أفراداً من اليهود قاموا 
بمهمة الجاسوسية في الصف المسلم يتظاهرون بالإسلام ويبطنون الكفرء وقد 
ذكر القرآن هذا النموذج بقوله: «وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي 
أنزل على الذين آمنوا وجه النبار واكفروا آخره لعلهم يرجعون(2». 

ونستطيع أن نقول إذن: إن معسكر المنافقين لم يبرز حتى بدر. ووجود 
أفراد محددين لا يصل خطره إلى أن يطلق عليه اسم معسكر أو تجمع. إنما 
برز بعد الانتصار الحاسم في بدرء وكما نقل على لسان هؤلاء المشركين: إن 
هذا أمر قد توجه. واستطاعت الموجة الطاغية من الانتصارات والتي ظهرت 
على صورة معجزة من الساء أن تكتسح معسكر المشركين وتحوله إلى معسكر 
منافقين. ولا ننفي أن يكون بعض أفراده قد أسلم حقيقة ودخل الإيمان 
قلبه. أما أكثر هؤلاء فقد تحولوا إلى منافقين يأتمرون بأمر عبد الله بن أبي الذي 
كان الخزرج يعقدون له الخرز ليتوجوه. وكانت عقدة الزعامة والمنصب تأكل 
قلبه. فلم يعد قادراً على أن يواجه الرسول ية بعداوة واضحة. لأن من 
حوله سوف ينفضون عنه لضعفهم أمام قوة المسلمين. ولم تطاوعه نفسه أن 
يسلم نفسه لله. فأمسك بالعصا من الوسط وضمن بقاء جنوده وأتباعه معه 
فظاهر الأمر هم مسلمون» وضمن بقاء قيادته وزعامته لهم طالا أنهم غير 
مكلفين بالمواجهة السافرة. وكانت آيات القرآن تندد .بؤلاء تلميحاً لا تصريماً 


ج - دورهم في غزوة بي قينقاع 
يقول ابن هشام : وكان بلو قينقاع أول هود نقضوا ما بيهم وبين 
رسول الله وَل فحاصرهم رسول الله حتى نزلوا على حكمه. فقام إليه 
عبد الله بن أبي بن سلول حين أمكنه الله منهمء فقال: يا محمد أحسن في 
موالي ! فأعرض عنه» فأدخل يده في جيب درع رسول الله َي فقال له: 
أرسلبي. وغضب رسول الله حتى رأوا لوجهه ظللاء ثم قال: ويحك أرسلبي. 


.۷۲ آل عمران الآية‎ )١( 


14۸ 


قال: لاء والله لا أرسلك حتى تحسن في مواليُ: أربعمائة حاسر وثلثماثة 
دارع قد متعوني من الأحمر والأسود #عصدهم في غداة واحدة! إني والله امرؤ 
أخشى الدوائر. ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله ب وكان له من 
حلفه مثل الذي هم من عبد الله بن أبي. فخلعهم إلى رسول الله ككل وتبرأ 
إلى الله عز وجل وإلى رسول الله من حلفهم. وقال: يا رسول الله: أتولى الله 
ورسوله والمؤمنين وأبرأ من حلف هؤلاء الكفسار وولايتهم ففيه وفي 
عبد الله بن أبي نزلت هذه القصة من الائدة: «يا أيها الذين آمنوا لا 0 
اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتوهم منكم فإنه منهم 

لله لا يهدي القوم الظالين. فترى الذين في قلوهم مرض سارو 9 
يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده 
فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين. ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين 
أقسموا بالله جهد أبائهم # ثم القصة إلى قوله تعالى: إا وليكم الله ورسوله 
والذين آمنوا الذين يقيمرن الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون»#. وذكر 
لتولي عبادة بن الصامت الله ورسوله والذين آمنوا #. . فإن حزب الله هم 
الغالبون(') هه 


لقد كان موقفاً غريباً تماما على الحس الإسلامي» فلم يعهد الصف 
الإسلامي أبداً فيه مثل هذه الظاهرة منذ أن قامت الدعوة. فلقد كان المسلم 
في تعامله مع رسول الله إل من الأدب والانضباط والتفاني في الطاعةء 
ما يجعله يحتاج دائ لتوجيهات النبي أن يبدي رأيه ويقول كلمته. ويناقفش في 
حقه» وكان رسول الله هز يفسح المجال دالا لهذا البناء عن طريق الشورى. 

أما أن يقف مسلم بہذه الوقاحة» يضع يده في جيب درع رسول الله 
بء ويطلب منه رسول الله أن يدعه فلا يدعه» فيغضب منه ويلح عليه 
بقوله: ويحك أرسلني» فلا يستجيب ويسترسل في وقاحته. فهذا أمر غريب 
تماما على الحس الإسلامي بين جندي وقائده بله بين مسلم ورسول رب 
العالمين. ورسول رب العالمين با أعطاه الله تعالى من الخلق الأقوم لم يعهد 


. ٠١١و‎ ١69 تبذيب سيرة ابن هشام ص‎ )١( 


44 


عنه أنه رد رجاء مسلم . وني فقهه السياسي ب أنه إن لبى رجاء ابن أبي» 
فلعل هذا الموقف يغسل قلبهء ويزيل الغشاوة عنه فتتم هدايته. فقال له: 
هم لك . ولعل الذين يسيرون وراء زعامة ابن أبي يصلحون بصلاحه 
فيتماسك الصف المسلمء ويلتحم» فلا يضيره كيد العدو أبداً. 

وإن كان لنا أن نستفيد من هذه الحادثة فهو الحكم على الجنود أو 
القيادات الدنيا أو الوسطى الذين يريدون أن يفرضوا رأيم على القيادة العليا 
للجماعة» ويمارسون ضغوطاً مادية أو معنوية با لديم من رصيد شعبي أو 
سمعة طيبة» فيكرهون القيادة على تبني مواقف لا تقتنع بها أو يحرجونها في 
تصرفات قد لا تقتضيها مصلحة الجماعة. فهذا الموقف الذي يقفه هؤلاء هو 
شبيه بموقف ابن أبي الذي استغل ثقة بعض الجماهير به واتخذ هذا الموقف 
لحماية حلفائه من بي قينقاع . ومن توفيق الله تعالى أن وجدنا النموذج الأمثل 
للجندية الخالصة في هذه الحالة وهو نموذج عبادة بن الصامت رضي الله عنه 
مع حلفائه الذي أعلن فيه براءته من اليهود وتولى الله ورسوله وجماعة 
المؤمنين . | 

فليس هن حق زعيم أو قائد في صف الحركة الإسلامية أن يتخذ موقفاً 
بناقض موقف قيادة الجماعة وبيخاصة أمام أعداء الله. 

إن جنود الحركة الإسلامية ورجالاتها تبع لقيادتهم يحاربون من حاربت 
ويسالمون من سالمت» ولو كانت القناعة عندهم بالمصلحة عكس موقف 
الجماعة العام طلما أنهم جزء منها. فلا بد من تبني مواقفها. 

فلقد أقدمت الحركة الإسلامية في بعض فصائلها على تحالف مع بعض 
أعدائها ضد عدوها الأول. فإذا بعض جنودها ينتفض ويلا الدنيا حرباً 
عليهاء ويعلن موقفه هذا أمام العدو والصديق» واحها في صحف الغرب 
مشهرا بهذا الموقف. بل ساد صفوف كثير من شباما نقمة على هذا التحالف. 
ومثل هذا التصرف بعل القيادة عاجزة شلاء عن تنفيذ مخططاتها وأهدافها. 
وبمقدار ما يلتزم الجنود بموقف قيادتهم مع أعدائها حرباً أو سلا بمقدار ما تتمكن 
الحركة الإسلافية من السير هذه الجماعة نحو غاياتها القريبة والبعيدة. وأي 


0۰ 


ضغط يفرض من جندي أو زعيم على القيادة هو تصرف متساوق مع تصرف 
ابن آي ف ولاثئه لليهود ودفاعه عنهم وحمايته 0 . 
د - دورهم في غزوة أحد: 

يقول ابن اسحاق: (... فقال عبد الله بن أبي بن سلول يا رسول الله 
أقم بالمدينة لا تخرج إليهم» فوالله ماخرجنا منها إلى عدو لنا قط إلا أصاب 
مناء ولا دخلها عليئا إلا أصبنا منه. فدعهم يا رسول الله فإن أقاموا أقاموا 
بشر محبس» وإن 'دخلوا قاتلهم الرجال في وجههم ورماهم النساء والصبيان 
با حجارة من فوقهم» وإن رجعوا رجعوا خائبين کا جاؤوا فلم يزل الناس 
برسول الله ية الذين كان من أمرهم حب لقاء القوم -حتى دخل رسول الله 
يله فلبس لأمته . . . فخرج في ألف من أصحابه حتى إذا كانوا بالشوط بين المدينة 
أحد انخذل عنه عبد الله بن أبي بن سلول بثلث الناس وقال: أطاعهم 
وعصاني. ماندري علام نقتل أنفسنا أا الناس. فرجم يمن اتبعه من أهل 
النفاق والريب واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام يقول: يا قوم أذكركم الله 
ألا تخذلوا قومكم ونبيكم عندما حضر من عدوهم فقالوا: لو نعلم أنكم 
تقاتلون لا أسلمناكم , ولكنا لا نرى أنه يكون قتال. فليا استعصوا عليه وأبوا 
إلا الانصراف عنهم قال: أبعدكم الله أعداء الله فسيغني الله عنكم نبيه9)). 

صحيح أن أزمة الشقاق قد تم تفادسا يوم بني قينقاع» واستجيب لرأي 
ابن أبي غير أن الأيام كانت تترى وموقف ابن أبي لم يتغير. فهو لا يزال معتداً 
بحزبهء ولا يزال يوغر الصدور في الخفاء ضد المسلمين. وكان الموقف يوم 
أحد هو القشة التي قصمت ظهر البعير. فلم يؤخذ برأيه في البقاء في المدينة» 
كيا تذكر بعض الروايات (أن كتيبة حسئة التسليح لها رجل منفردة عن سواد 
الجيش. فقال: ما هذا؟ فأبلغوه أن الكتيبة من اليهود حلفاء عبد الله بن أبي. 


)١(‏ من الأمانة أن لا ننسى الفرق في الموقف حين يكون بين جندي وقائده اليوم وبين الموقف 
الاصلي الذي يكون طرفه الأول رسول الله صل الله عليه وسلم. فيفسق من يحرجه أو يكفر 
من يعصيه. وطرفه الثاني ابن أبي الذي أظهر الإسلام وابطن الكفر. وشهد القران الكريم 
بنفاقة وغموضه في النفاق. 

(۲) تہذیب السيرة ص ٠١۸-۱١۷‏ . 


01 


فقال عليه الصلاة والسلام : أأسلموا. قالوا: لا يا رسول الله . فقال: مروهم 
فليرجعوا فإنا لا ننتصر بأهل الكفر على أهل الشرك(2). وكانت هذه قاصمة 
انية. فهو يرى أن النصر لو تحقق فسيشترك فيه طالما أن حزبه وحلفاءه قد 
ساهموا فيه. ويكون له المركز الثاني بعد رسول اللهء أما وقد فاته تحقيق 
الزعامة بأخذ رأيه في البقاء في المدينة وفاته المشاركة بالنصر عن طريق حزبه 
وحلفائهء فليشارك إذن في صنع الحزيمة. عله يتخلص من محمد وي4 وزعامته. 
وليضرب ضربته الذكية. وينفصل بثلث الجيش عائدا إلى المدينة معلنا: 
(.. سمه رأبي» ورد حلفائي, ما أدري علام نقتل أنفسنا أيها الناس). ولئن 
كانت خطوته يوم بې قينقاع كبيرة على الحس الإسلامي . فلقد أصبحت 
تافهة لا تذكر أمام خطوته في أحد. 

ولقد كانت ذات أثر خخطير جداً من الناحية المعنوية» فأن ينفصل ثلث 
الجيش معه. فهذا يعني تصدع الصف الداخلي وهو مقدم على حرب عنيفة . 
وإذا أردنا أن نحدد أبعاد هذه الخطوة أكثر فيمكن القول: إن الأمر أكبر من 
ثلث الجيش. فلقد أكد القرآن الكريم أن هناك بعض الفئات كادت تستجر 
معه: طهإذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليها) وعلى الله فليتوكل 
المؤمنون"42*. كما يشير القرآن الكريم إلى المنافقين الذين بقوا في اليش . 
وعلهم مكثوا بأمره. ليتموا المهمة الخطيرة» مهمة إشاعة الفوضى والرعب في 
الصفوف. حيث يؤكد القرآن هذا المعنى بقوله عز وجل: #ثم أنزل عليكم 
من بعد الغم أمنة نعاساً يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون 
بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء. قل إن الأمر 
كله لله يخفون في أنفسهم مالا يبدون لك. يقولون لو كان لنا من الأمر شيء 
ما قتلنا هاهناء قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى 
مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم 
بذات الصدور<©42 . فإشارة القرآن الكريم إلى الطائفتين المؤمنتين اللتين كادتا 


(1) آل عمران/77١,‏ 
(۲) آل عمران ۱۵٤‏ . 


Ya 


تلتحقان النشقون عن الجيش» والإشارة إلى الطائفة التي أهمتها نفسها في 
المعركة وهي أ حت الطائفة المنشقة لتوضح أن المثافقين هم قرابة نصف الحيش 
وتتحدث السيرة 7 هذه النماذج في المعركة. فبعضهم قال: لو كان نبياً ما 
قشل فارجعوا إ لى دينكم الأول. وبعضهم قال: ليت لنا رسولا إلى 
عبد الله بن أبي يأخذ لنا أماناً من أبي سفيان يا قوم إن محمداً قد قتل فارجعوا 
إلى قومكم قبل أن يأنوكم ويعتلوكم . 

ونلاحظ أن الخط النبوي في أحد قد اختلف عن الخط في قينقاع من 
حيث التعامل مع زعيم النفاق. فلقد كانت المراعاة في الموقف الأول كافية 
لتبيان نوعية هذه النماذج. وكفيلة بأن تعيدهم إلى حظيرة الإيمان. لكننا 
عندما نجد أن مواقفهم لم تتغير. فلقد كان اموقف حاسياً وواضحاً في أحد 
ولقد رد حلفاء عبد الله بن أبي. فلا يمكن أن يقوم في الصف الإسلامي نكتل 
محاذ لكتلة المسلمين وجماعتهم. ولا يكن أن يقبل تجمع بجوار الجماعة 
المسلمة. ورغم حاجة رسول الله ب إلى العدد حيث يواجه ثلاثة آلاف بألف 
مقاتل. إلا أن المبدأ لا ينقض.' 


فطالما أنهم لم يعلنوا انضمامهم للصف الإسلامي». فلا استعانة بأهل 
الكفر على أهل الشرك. والأخطر من ذلك فهؤلاء ليسوا حلفاء المسلمينء أغا 
هم حلفاء عبد الله بن أبي. فسلامة الصف ووضوح الولاء أهم بكثير من 
التجمع العشوائي . وكان انفصال عبد الله بن أبي رحمة بالمؤمنين. وكيا قال هم 
عبد الله بن عمرو أبعدكم الله » فسيغني الله عنكم نبيه. 

وكان بالإإمكان بعد العودة من أحد أن يوجد في الصف الإسلامي 
الخالص من يعذر عبد الله بن أبي ويدافع عنه» ويجد له ولحزبه العذر بالعودة 
بحجة أنهم مسلمون لهم ظروفهم. لكن كلام الله تعالى جاء كوقع الصاعقة 
عليهم. فلقد كان القرآن يدمغهم بالنفاق بأوضح بيان. «وما أصابكم يوم 
التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين» وليعلم الذين نافقوا وقيل هم 
تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا: لو نعلم قتالاً لاتبعناكم هم للكفر 
يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ماليس في قلوبهم. والله أعلم بما 


er 


يكتمون() ې . ثم يربط القران الكريم بين الفريقين » الذين استمروا فى الجيش 
لاشاعة البلبلة والمزيمة » والذين انخذلوا إلى المدينة فيقول : # الذين قالوا لإخوائهم 
وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا » قل فادرؤوا عن أنفسكم الموت إن كنع صادقين"“ ‏ . 


ولا نبالغ إذا قلنا: إن قمة تجمع المنافقين وخطره برز يوم أحدء لكننا 
نؤكد في الوقت ذاته إنه قد افتضح أمره» وبرز المنافقون بأشخاصهم وأعيانهم 
يعلن القرآن عنهم أنهم أقرب للكفر منهم إلى الإيمان. وبذلك تمت المفاصلة 
بينهم وبين المؤمنينء وغدت الجماعة المؤمنة تنظر إليهم بعين الحذر والكراهية 
إن استمروا على مواقفهم. وأصبح المسلم يكف عن بث أسراره لأخحيه من 
أبيه وأمه إن كان تمن وصم بالتفاق . 


وأدت هذه المواقف الحاسمة منهم بعد ذلك إلى أن مخنسوا ويحاولوا 
التقرب من الصف المؤمن والاعتذار منهء وأن يتراجعوا عن موقف المواجهة 
والتحدي» ويغيروا خطتهم للعمل في الخفاء. أما الذين كانوا مغررا بهم فقد 
بدأوا ينضموت للصف الإسلامي ٤‏ توبة نصوح خالصة حيث فتح هم 
القرآن طريق التوبة بعد التحذير العنيف الرهيب بسوء مصيرهم إن استمروا 
عل موقفهم : حيث يقول جل شأنه : إن المنافقين 5 الدرك الأسفل من النار 
ولن تجد لهم نصيراء إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله» وأخلصوا 
دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجراً عظيياً )4 . 


وهكذا سار الخط النبوي في التعامل مع المنافقين على أمل تفتيت 
تجمعهم. والتحذير من كيدهم. وتحذيرهم من مغبة السير في طريق النفاق 
من خزي الدنيا وعذاب الاخرة. وحققت هذه الخطة أهدافها بشكل واضح 
وبدأ خط التصاعد للمنافقين بالانحدار. فلقد كانت سورة النساء وحديثها 


. ۱۹۷ آل عمران‎ )١( 
.158 آل عمران‎ )۲( 
. ١145 3148 رم الا الآيات.‎ 


Yok 


عن الجهاد والنفاق» وسورة آل عمران تعري كل المخططات المشبوهة. 
وتعالج كل الشبهات المبثوثة» وتفسح المجال رحبا أمام التوبة . 
هد تأمرهم مع بني النضير: 

يقول ابن اسحاق: وقد كان رهط من بني عوف بن الخزرج مہم 
عبد الله بن أبي بن سلول ووديعة ومالك ابن أبي قوقل وسويد وداعس قد بعثوا 
إلى بني النضيرء أن اثبتوا وتمنعواء فإنا لن نسلمكم» إن قوتلتم قاتلنا معكم» 
وإن أخرجتم خرجنا معكم» فتربصوا ذلك من نصرهم فلم يفعلواء وقذف 
الله في قلومهم الرعب» وسألوا رسول الله ككل أن يجليهم ويكف عن دمائهم. 
على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة('». ففعل). 

ويحدثنا القرآن الكريم عن هذه الحادثة» وذلك في قوله تعالى :ألم تر 
إلى الذين نافقوا يقولون لإخواءهم الذين كفروا من أهل الكتاب لثن أخرجتم 
لنخرجن معكم» ولا نطيع فيكم أحداً أبدأء وإن قوتلتم لننصرنكم والله 
يشهد إنهم لكاذبون» لئن أخرجوا لا يخرجون معهم» ولئن قوتلوا لا 
ينصرونهم ولثن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون42. 

إن الصورة لتختلف تماماً اليوم عنها في أحد. فلثن كان التحدي سافرا 
في أحد» فلقد خنسوا اليوم وراحوا يعملون في الخفاء كخفافيش الظلام» لم 
يعودوا يملكون القوة على المواجهةء ولا القوة على التحدي. إنما يتأمرون من 
وراء الأقنعة علهم ينتصرون مع حلفائهم اليهود على المسلمين» فهم يدعون 
بني النضير إلى الثبات في وجه المسلمين وإلى المقاومة» كما يعلنون لهم أن 
مددهم قادم ولا ريب في ألف من المنافقين» وقد ربطوا مصيرهم بمصيرهم. 
لئن أخرجتم لنخرجن معكم. وإن قوتلتم لننصرنكم. والله يشهد إنهم 
لكاذبون. ولئن كان عبد الله بن أبي قد استطاع أن يحافظ على حياة حلفائه بني 
قينقاع. فهو أعجز اليوم من أن يبدي رأياً أو يتقدم بطلب لرسول الله و 
)١(‏ الحلقة: السيوف والسلاح. 


(۲) تهبذيب السيرة ص .18١‏ 
(۳) سورة الحشر» الآيات 1١‏ و؟1. 


Yoo 


بعد تلك الخيانة السافرة في أحد. وهو في الوقت نفسه يجلل بالعار من جديد 
في الخيانة التي فضحها القرآن عن التأمر السري بين الفريقين؛ المنافقين وكفار 
أهل الكتاب . وكان خروج اليهود بدون سلاج وهدمهم بيوتهم بأيديهم وأيدي 
المؤمئين صفعة عنيفة للمنافقين» وإسقاطاً ماديا ومعنوياً هم . 


القرآن يتنزل» والمواقف تتوضح › والمنافقون يتعرول» ومع ذلك يبقي 
الأسلام ورسول |الإسلام خيطا خفيا يتسلقون من خلاله إلى التوبة. فلن 
يوصد الباب بدا لكن اللعب على الحبال مكشوف» ا بالإهان 
مفضوح لا يجدي . ولن يفيد إلا التوبة الصادقة الخالصة لله . 


وكانت هذه الحولة الحديدة كفيلة بتداعي معسکر المنافقين › فوضح 
الحق واستبان السبيل لكثير منهمء وبدأوا يمسحون الغشاوة عن عيونهم 
فيستفيقوا من رقادهم ويؤوبوا إلى حظيرة الإسلام. 


و - المنافقون يوم الأحزاب 

رغم أن الحديث عن النافقين يوم الأحزاب في القرآن كان طويلا لحد 
ما إذا قيس با ذكر عن غزوة الأحزاب» ومواقف المسلمين منها. لكنه يركز 
على معان محددة وواضحة فيهم تؤكد ضالة حجمهم وتفاهة تخطيطهم. يقول 
تعالى عنهم في سورة الأحزاب: طوإذ يقول المنافقون والذين في قلوهم مرض 
ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراء وإذ قالت طائفة يا أهل يثرب لا مقام 
لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي 
بعورة إن يريدون إلا فرارأًء ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لأتوها 
وما تلبثوا مها إلا يسيراء ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا 3 الأديار وكان 
عهد الله مسؤولاً: قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا 
لا تمتعون إلا قليلاء قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن نِ اراد بكم سوءاً أو 
أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله ولياً ولا نصيراً. قد يعلم الله 
المعوقين منكم» والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأاس إلا قليلا. 
أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي 
يغشى عليه من الموت . فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير» 


۲٥٦ 


أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيراً. يحسبون 
الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب 
يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا ف45 

وهناك آيتان أخريان ذكرتا المنافقين في الخندق في سورة النور وهما قوله 
تعالى «إنما المؤمنون الذين أمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم 
يذهبوا حتى يستاذنوه» إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله 
ورسوله. فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لمم الله 
إن الله غفور رحم . لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم 
الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيهم فتنة أو 

عذاب الہ( ))۲ 
0 الآيات وفقهها نلحظ ما يلي : 

١‏ - الفريق الأول: يقولون: ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً. فهم قد 
حضروا المعركة وأمام هول الصدمة» وعنف المحنة انبا إيماهمء وكشفت 
خبيئة نفوسهم فقالوا: ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً. وكتب السيرة تذكر 
هذا القول أو قريباً منه عن معتب بن قشير إذ قال في ساعات الخوف والزلزلة 
بعد أن سمع بشريات رسول الله ي بالفتح المبين هذا الدين في أقطار 
الأرض: (يعدنا محمد أن تأكل كنوز كسرى وقيصرء وأحدنا لا يأمن من أن 
يذهب إلى حاجته ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً) . 

وطبيعة هذا القول تشي بأنه قول خنوق يقال في الخفاء بين مجموعة 
موثوقة تقبل هذا المعنى على الأقل» ويحسب هؤلاء أن أمرهم لن يظهرء 
وقوهم لن يكشف. لكن القرآن الكريم لاحق مؤامراتهم وكذبهم إلى كل 
جحر يلتقون فيه. لكتهم على كل حال يمثلون كل طوائف المنافقين. فلقد 
تزلزل إيماعهمء واعتبروا أنفسهم متورطين في هذا الإ4ان. 


۲ - الفريق الثاني: وهو وضع طائفة محددة .. تذكر حوادث السيرة 


۲١ ل‎ 1١ الأحزاب: الآيات من‎ )١( 
."9 و‎ ٦۲ سور النور الآيتان‎ )۲( 


بام ؟ 


أنهم بنو حارثة. وهي إحدى الطائفتين اللتين همتا أن تفشلا يوم أحد ‏ إذ 
قالوا: (إن بيوتنا عورة وليس دار من دور الأنصار مثل دارنا؛ ليس بيننا وبين 
غطفان أحد يردهم عنا فأذن لا فلنرجع إلى دورنا فلمئع ذرارينا ونساءناء 
فأذن هم ب فبلغ سعد بن معاذ ذلك فقال: يا رسول الله لا تأذن هم إنا 
والله ما أصابنا وإياهم شدة إلا صنعوا هكذا') . 


ويتحدث القرآن عن جبنهم وهلعهم في أربع أيات تؤكد المعنى الذي 
ذكره سعد بن معاذ رضي الله عنه فهم يريدون الفرار من المعركة. ولو وطىء 
العدو أرضهم لأجابوه للفتنة عن دينهم والتخلي عن عقيدتهم» ولا أدل على 
ذلك من خوفهم من الموت أن يجتاحهم في أرض المعركة وكأما هم بمنجأة منه 
في غيرهاء وتزعزع عقيدتهم ووهنها هو الذي يدفعهم إلى هذا الموقف. لأن 
الضر والنفع بيد الله عز وجل وحده» والفرار لن يحول بيئهم وبين الموت أو 
القتل. والمؤمن الصادق يوقن بأن النصر بيد الله. والنفع والضر بيد الله 
والموت والحياة بيد الله . وهؤلاء المنافقون ليسوا من هذا الطراز. 
3 8 الفريق الثالث: هم المعوقون الذين كانوا يخذلون عن رسول الل 
به والقابعون في جحورهم في المدينة. وهم جبناء مثل أسلافهم» لكنهم' 
الخذلانهم وتخاذهم عن رسول الله يلك أصبح مهوى قلبهم مع العدو. وكان 
0 دقيقاً ولاذعاً هم إفإذا جاء الخوف رأيتهم طروت إليك كالذي 
يغشى عليه من الموت». طارت قلوهم من صدورهم رعبا. وهؤلاء حكم 
القرآن عليهم آم غير مؤمنين «أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان 
ذلك على الله يسيراً؟ . . وهم على استعداد أن يتركوا المدينة ومن فيها إذا حاق 
الخوف: واشتدت المصيبة. وأمام هذه النماذج الثلاثة نلحظ أن مواصفاتهم هي 
التي تستغرقها الايات في الوصف, أما حجمهم فهو ضثئيل» رغم أن |افرصة 
مواتية لبروزهم من أوكارهم , خاصة حين اشتدت المحنة. وابتلى المؤمنون 
وزلزلوا زلزالاً شديداً. إن المشكلة ليست هي الخوف» فالمؤمنون يخافون» إنما 
المشكلة هي بواعث الخوف ونتائجه. وارتباط ذلك بالايمان وعدمه. 


.١ج‎ ۲۲۹ إمتاع الأسماع للمقريزي ص‎ )١( 


. ۸ 


إن المحنة هي التي تمحص القلوب» وتكشف ما في الصدور من إيمان 
أو نفاق أو كفر وقد يتزلزل المؤمن لكنه لا يفقد إيمانه» قد يفقد موقفه» وقد 
يفقد شجاعته وثباته» لكن إيمانه لا يتزلزل أبدأأ. أما ضعيف الإيمان فينهار 
إيمانه أمام الحادئات» وأما الكافر المتجلبب بجلياتب الإسلام حين يكشفب 
الغطاءء ويرى أن دولة الإيمان على وشك الزوال يكشف خبيئة نفسه» ويظهر 
نتن قلبه» ويعلن شكه بربه» وهؤلاء لم يؤمنواء وبالتالي فاحبط الله أعماهم 
في الدارين. 


ز - المنافقون يوم بني المصطلق 

انتصر المسلمون بعد الخندق. وأنموا وجود بني قريظة. وبالتالي انتهى 
حلفاء النافقين في المدينة. فلم يعد أمامهم إلا أن يسارعوا بالولاء للقيادة 
المسلمة» وأن يوجهوا جهدهم لخلخلة الصف المسلم نفسه» والعمل عل 
تشتيته» واشغاله بنفسه بدل أن ينشغل بعدوه» وتظاهروا بالانصهار في هذا 
الصف وإن كان بعضهم قد دخل فيه عن قناعة بعد أن بهره نصر الله 
ورأى من الايات البينات ما يحرق كل شك أو دحل في قلبه» وكان ابن أبي 
كالحية الرقطاء يكمن بين الحجارة وخلف الأستار ينتظر الفرصة المواتية 
للانقضاض» وكان هذا يوم بني المصطلق. ولنر تفصيل ذلك لدى المقريزي : 
(وبينا المسلمون على ماء المريسيع إذ أقبل سنان بن وبر الجهني - حليف 
الأنصار- ومعه فتيان من بني سام يستقون وعلى الماء جمع من المهاجرين ' 
والأنصارء فأدلى دلوهء وأدلى جهجاه ‏ الغفاري ‏ أجير عمر بن الخطاب رضى 
الله عنه ‏ دلوه فالتبست دلو سنان ودلو جهجاه وتنازعاء فضرب جهجاه سانا 
فسال الدم فنادى ياللخزرج. وثارت الرجال فهرب جهجاه وجعل ينادي في 
العسكر: يا لقريش» يا لكنانة» فأقبلت قريش وأقبلت الأوس والخزرج 
وشهروا السلاح حتى كادت تكون فتنة عظيمة فقام رجل في الصلح فترك 
سئان حقه . 

وكان عبد الله بن أبي جالساً في غشرة من المنافقين فغضب وقال: والله 
ما رأيت كاليوم مذلة. والله إن كنت لكارهاً لوجهي هذاء ولكن قومي قد 


1۹ 


غلبوني قد فعلوها وقد نافرونا وكاثرونا في بلادناء وأنكروا منتناء والله ما صرنا 
وجلابيب قريش هله إلا كا قال القائل: سمن كلبك يأكلك. والله لقد 
ظننت أني ساموت قبل أن أسمع هاتفاً هتف با هتف به جهجاه وأنا حاضر 
لا يكون لذلك مني غير والله لثن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها 
الأذل. ثم أقبل على من حضر من قومه فقال: هذا مافعلتم بأنفسكم ! 
أحللتموهم بلادكم , ونزلوا منازلكم» وأسيتموهم ف أموالكم حتى استغنواء 
أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير بلادكم» ثم لم ترضوا 
ما فعلتم حتى جعلتم أنفسكم أغراضاً للمنايا فقتلتم دونهم فأيتمتكم أولادكم 
وقللتم وكثروا. 


وكان زيد بن أرقم حاضراً ‏ وهو غلام لم يبلغ أو قد بلغ فحدّث 
رسول الله كه بذلك وعنده نفر من المهاجرين والأنصارء فتغير وجهه ثم 
قال: يا غلام» لعلك غضبت عليه؟ قال: لا والله لقد سمعت منه. قال: 
لعله أخطأ سمعك: قال: لا يانبى الله. قال: فلعله شبّه عليك؟ قال: لا 
والله لقد سمعت منه يا رسول الله. وشاع في المعسكر ما قال ابن أبي» حتى 
ما كان للناس حديث إلا هو. وأنب جماعة من الأنصار زيد بن أرقم فقال - 
في جملة كلام -: والله إني أرجو أن ينزل الله على نبيه حتى تعلموا أني كاذب 
أم غيري. وقال عمربن الخطاب رضي الله عنه: يارسول الله! مر به 
عباد بن بشر فليأتك برأسه. فكره ذلك وقال: لا يتحدث الناس أن محمداً 
بقتل أصحابه» وبلغ الخبر ابن أبي» فحلف بالله ماقال من ذلك شيئاً؛ ثم 
مشي إلى رسول الله ية وحلف بالل ما قال. وأسرع رسول الله بلا عند 
ذلك السير» ورحل في ساعة لم يكن يرتحل فيها. . . 


ويقال: لم يشعر أهل العسكر إلا برسول الله ي قد طلع على راحلته - 
وكانوا في حر شدید» وكان لا يروح حتى يبرد إلا أنه لما جاءه ابن أبي رحل 
ف تلك الساعة. فكان أول من لقيه سعد بن عبادة رضى الله عنه ‏ فقال: 
خرجت يا رسول الله في ساعة ما كنت تروح فيها! قال: أو لم يبلغك ما قال 
صاحبكم ابن أبيء زعم أنه إن رجع إلى المدينة أحرج الأعز ما الأذل؟ 


1۹ 


قال: فأنت يارسول الله تخرجه إن شثت فهو الأذل وأنت الأعز. يارسول 
الله ! ارفى به فوالله لقد جاء الله بك وإن قومه لينظمون له الخرزء ما بقيت 
عليهم إلا خرزة واحدة عند يوشع اليهودي ليتوجوه فا يرى إلا قد سلبته 
ملكه. وبينا رسول الله يي يسر من يومه ذلك وزيد بن بن أرقم يعارضه 
براحلته يريد وجهه» ورسول الله هه يستحث راحلته فهو يغذ في المسير- إذ 
نزل عليه الوحي فسرّي عنه. فأخذ بأذن زيد بن أرقم حتى"ارتفع من مقعده 
عن راحلته وهو يقول: وفت أذنك ياغلام» وصدّق الله حديثك! ونزل في 
ابن أي «إإذا جاءك المنافقون» السورة كلها 
وكان عبادة بن الصامت قبل ذلك قال لابن أبي: إيت رسول الله 
يستغفر لك فلوى رأسه معرضاء فقال له عبادة: والله لينزلن في لي رأسك 
قران يصلى به. ومر عبادة بن الصامت بابن أبي - عشية راح رسول الله وَل 
من المريسيع» وقد نزل فيه القرآن» فلم يسلم عليه» ثم مر أوس بن خولي 
فلم يسلم عليهء فقال: إن هذا الأمر قد تمالأتها عليه. فرجعا إليه فأنباه 
وبكتاه بجا صلع » وها نزل من القرآن إكذاباً لحديثه» فقال: لا أعود أبداً. 


٠‏ وجاء ابنه عبد الله بن عبد الله بن أبي فقال: يارسول الله إن كنت 
تريد أن تقتل أبي فيا بلغك عنه فمرني بهء فولله لأحملن | ليك رأسه قبل أن 
تقوم :من مجلسك هذاء والله لقد علمت الخزرج ما كان فيها رجل أبر بوالده 
منيء وإني لأخشى يا رسول الله أن تأمر غيري فيقتله. فلا تدعني نفسي أن 
. أنظر إلى قاتل أبي يشي في الناس فأقتله فأدخل النارء وعفوك أفضل» ومنك 
أعظم» فقال رسول الله لهِ: ما أردت قتله. وما أمرت به» ولنحسن صحبته 
ما كان بين أظهرنا. فقال يا رسول الله! إن أبي كانت هذه البحيرة قد اتسقوا 
عليه ليتوجوه» فجاء الله بك فوضعه ورفعنا بك. ومعه قوم يطيفون به 
يذكرونه أموراً قد غلب الله عليه("). 

١-حين‏ تظهر الطبيعة العربية عارية في سرعة غضبها وانفعالهاء تظهر 
بجوارها عظمة هذا الدين في ضبطها وكبح جماحهاء وهذا ما نراه من خلال 


ای سمس وه 


۲۰۳ من ص 194 إلى‎ a إمتاع الأسماع للمقريزي‎ )١( 


۳۹۱ 


أسباب فتنة النفاق هذه. فاختلاف الدلاء البسيط يقود إلى التنازع» ومن 
التنازع اللفظي إلى التشاجر والتشابك بالأيدي إذ يضرب جهجاه سناناً 
فيتفجر منه الدم» وجرح سنان يدفع إلى الجاهلية الجهلاء. فينادي سنان قومه 
الخررج. ويستصرخ جهجاه المهاجرين» ويثور القوم للسلاح حتى کادث 


هذا هو الخلق العربي عارياً في سرعة انفعاله وغضبه. كان من الممكن 
هذه الفتئة بغير الإسلام أن تعيد أمثال يوم بعاث بين الأوس والخزرج» وأن 
تعيد أيام داحس والغبراء أو يوم حليمة ويوم البسوس. فيفني القبائل بعضها 
بعضاً في شهور أو سنين أو عقود من السنين. كان هذا الشجار كافياً لحرب 
ضروس تأكل الأنصار والمهاجرين. ونصل من هذه الملاحظة إلى أنه لا غرابة 
أن تتحرك في المجتمع الإسلامي أو في الحركة الإسلامية نوازع الجاهلية 
ونزعاتها وتثور بعد كمون طويل. فلقد تحركت هذه العصبية لأول مرة على 
. هذا المستوى نتيجة إثارة طائشة. وذلك في أفضل مجتمعات الأرض» وليس 
صفنا أفضل من هذا المجتمع وهو خريج مدرسة النبوةء وهو الأمة التي 
أخرجت للناس خير أمة. وليست قيادئنا تعادل غباراً على قدم رسول الله 
كلِ. وهو بين ظهرانيهم» وتتحرك الفتنة إلى درجة أن يحمل الفريقان السلاح 
للمواجهة. وكم نتمنى أن تستوعب الحركة الإسلامية والصف المسلم هذا 
المعنى. أن لا تحبط الأخطاء والخلافات أمانينا فنيأاس حين نجد مثل هذه 
الظاهرة. وأن تصل الظاهرة إلى حد حمل السلاح في داخل الصف المسلم 
ضد بعضه بعضا. 

؟ ‏ لكن الفارق الكبير نلحظه باستمرار هذه الظاهرة أو اختفائها. فلقد 
استطاع الصف الإسلامي الأول أن يتلافى هذه الظاهرة مباشرة وبأقوى 
ما يكون فيمشي رجل من المسلمين بالصلح بين الفريقين. ويتخلى سنان عن 
حقه» وتحبط الفتنة في مهدها. وهذا ما نريد أن نؤكده لنقتدي به. فلا غرابة 
أن نخطىء, ولا غرابة أن نزل» لكن الغرابة كل الغرابةء والحفوة كل الحفوة 
للمنبج الإسلامي هو أن يستمر الخطاء ويستفحل. فعندئذ نكون أقرب 


1۲ 


للمجتمع الجاهلي منا إلى المجتمع الإإسلامي ؛ وأن نعجز عن إيجاد حلول تي 
المعركة في الصف الإإسلامي وتجتث جذور الخلاف( , 

۳ وهنا يبرز دور النفاق الخطير في المجتمع الإسلامي. فعبد الله بن 
أي يجد الفرصة سانحة ولن تتكرر له هذه الفرصة الذهبية مرة ثانية في تدمير 
هذه الجماعة المسلمة ليقوم على أنقاضهاء وها هو بهتبل هذه الفرصة فيعبر 
عا في نفسه» ولكن أين؟ في عشرة من النافقين» يطمثن إلى نفاقهم, 
ويطمئن إلى استعدادهم لقبول أفكاره وتنفيذ مخططاته. 

لقد وجدناه في أحد يفصل ثلث الحيش ويشكك في البقية الباقية من 
أتباعه فوق هذا الثلث. وهو قمة مجده ثم بدأ ينحسر هذا المجد. فيعجز عن 
نصر حلفائه في بنى النضيرء ولا يتجاوز دوره التشكيك في النصر وإمكانياته 
في الخندق. أما اليوم فييث حديثه في عشرة من أتباعه. ويتحدث عن كل 
ما يعانيه من بغض للاسلام وأهله ولا يتؤرع أن يشبههم بالكلاب المسمنة 
على مائدة الخزرج. ويدعو صراحة إلى تمزيق الصف.. والثورة على القيادة. 
بل يبدد بهذه الثورة التي بدت ملامحها وذرّت قرونها عند العودة إلى المدينة 
ليخرجن الأعز منها الأذل . 

ولا بد لنا من الوقوف عند هله المعاني . فظهورها 5 الصش المسلم 
الواحد تعني أن سمات النفاق متمثلة في دعاتها. التهديد بتمزيق الصف. 
والثورة على القيادة والطعن فيها وبصلاحيتها. خاصة وهي منطلقة من أسس 
شرعية: متينة يعني أن هذا الخط هو خط النفاق سواء أشعر صاحبه أم لم 
يشعر. وكيا يقول عليه الصلاة والسلام في أدى من ذلك: يقول في الخلق 
الشخصي : (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً. ومن كانت فيه خحصلة منبن 


)١(‏ قد يقع أن يستمر الخلاف والدماء في الصف الإسلامي الواحد سنين طوالاًء كما جرى في فتنة 
عثمان رضي الله عنه وني معركة الجمل وصفين. لكتنا لا بد أن نلاحظ أن مثل هذا 
الخلاف والقتال قد يقع بهذه الشدة وهذا العنفئ والسلمون متمكئون في الأرضء ولم يحدث 
أن استمر مثل هذا الخلاف في. الجيل الإسلامي الأول بهبذه الصورة والمسلمرن ضعاف 
يتخطفهم العدو من كل جانب 


۳ 


كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعه()). فقد توجد صفات النفاق في 
مسلم لا يبطن الكفر ويظهر الإسلام فيعامل معاملة المنافق الخالص. وكلما 
تخل عن صفة أو سمة من هذه الصفات أو السمات اقترب من الصف 
الإسلامي الصادق» لقد كان هدف أبن أبي واضحاً من كلامه وهو حرب 
المهاجرين» وإخراجهم من المديئة أذلاء. وعلى أي شيء يعتمد؟! يعتمد على 
قومه من الخزرج الذين كادوا يبايعونه سابقا على القيادة. وما هو وقود 
الحرب؟! هو بتاء الأمة على حزبين هما: المهاجرون من قريش وهم أشبه ما 
يكونون بالمستعمرين اليوم - على حد زعمه وفهمه ‏ (نافرونا وكائرونا في 
بلادناء وأنكروا منتناء والله ما صرنا وجلابيب قريش إلا كما يقول القائل 
سمن كلبك يأكلك). والذين قبلوا هذا الاستعمار هم قومه (هذا ما فعلتم 
بأنفسكم أحللتموهم بلادكم» ونزلوا منازلكم. واسيتموهم في أموالكم حت 
استغنوا) . أما هو فقد کان کارهاً هذا والقيادات الأخرى غيره هى هي المسؤولة 
عن هذه النتيجة (والله إن كنت لكارهاً لوجهى هذا ولكن قرمى قد غلبون: 
والله ما رأيت كاليوم مذلة). وهل هذا الأمر من تلاف؟ ٠ ٠‏ 

نعم والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. 

إنها الثورة على هذه القيادة وإخراجها من المدينة. 

وعلى حد زعمه. لأي مرحلة صل الخضرع والذلة والحهالة لدى 
قومه؟! (ما هو المطلوب مت متهم الآن). ر ما والله لو لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم 
لتحولوا إلى غير بلادكم ثم ا ترضوا ما فعلتم حتى جعلتم أنفسكم أغراضاً 
للمنايا فقتلتم دوهم فأيتمتكم أولادكم. وقللتم وكثروا) . 

إنه منطق تقسيم الأمة إلى رجعيين وتقدميين أو كادحين ومستغلين. 
والدعوة إلى الثورة التي تطيح بأعداء الشعب. ليستلم العمال والفلاحون 
والمثقفون الثوريون زمام السلطة. إنه تقسيم الأمة إلى اليمين واليسار. . أو 
إلى ثوريين ومحترفين سياسيين. 


)١(‏ متفق عليه. 


۲٦٤ 


هذه المقولات كلها عندما تسود الصف المسلم. ويراد منها أن يتميز 
الصف على ضرئها يعنى أن من يقود هذه الأفكار أنه هبط إلى درك النفاق 
أياً كان شأنه. وأياً كان لونه» وخط النفاق الدائم المستمر هو خط الدعوة إلى 
التغيير غير الشرعي في الصف الإسلامي والطعن المستمر ي القيادة المختارة 
لتسقط عن طريق القوة» ويحل محلها الشائرون. إننا نفهم الثورة ضد 
الجاهلية» ونفهم الثورة ضد المحاربين لشريعة الله مجاهي ذأ لرسوله 0 
لكتنا لا نفهمها في الصف الإسلامي الواحدء والحركة الإسلامية الواحدة إلا 
دورة جديدة من دورات عبد الله بن أبي. 


٤‏ - ولكن كيف كان وضع الصف المسلم في أثناء هذه الحركة المضادة. 
لقد كان الصف من القوة والتراص والتماسك بحيث يحرق عبد الله بن أبي 
وعصبته المنافقة. ولقد استطاع فتى صغيرٌ من فتيان هذا الصف أن يحبط فتنة 
هذا الأخطبوط كله. حين نقل كل تفصيلات المخطط الخائن» لمن؟ لرسول الله 
يكل مباشرة . 


وأي وعي في صف جيش النبوة أعمق من هذا الوعي؟ ! إنه الغلام 
زيد بن أرقم بلغ به الوعي الحركي أن يصمت وهو يسمع عبد الله بن أي 
ليتحدث بكل ما في نفسه» وبلغ به الوعي الحركي أن يمضي مباشرة إلى 
القائد الأعظم ب وحده فيبلغه بما سمع» وبلغ به الوعي الحركي أن لا 
يحدث بهذا الموضوع أحدا غير رسول الله. وكم لتمنى لا لفتياننا ولا لشبابنا 
بل للقيادات عندنا أن يكونوا على مستوى هذا الوعي الحركي العظيم . 


إنه فق الإسلام الذي ُ يبلغ بعد أو في سن البلوغ أدرك هذه 
المعاني جميعاً وحصر الفتنة في مهدها فابلغ كل تفاصيلها لرسول الله ا 
فكان حارساً أميناً على دعوته وحركته. وهذا يعنى أن المطلوب من كل أخ,ٍ أن 
يكون حارساً أميئاً على دعوته وحركته. تقل كل ما يسمعه من تجريح وطن 
أو رغبة في تخريب الصف وتحطيمه إلى قيادته المسلمة دون أن يمضي عن 
حسن ظن في النقد والتجريح هوا كذلك. فيبلبل الصف وهو يقصد إصلاحه. 


إنه درس عظيم في الحركية الواعية لشبابنا المسلم يتلقونه من هذا 
الغلام. ونقطة ثالثة في هذا المجال كذلك هي أن معسكر النفاق لم يكن ليأبه 
بمثل هذا الغلام زيد بن أرقم ومن أجل هذا لم يجد حرجا في الحديث أمامه 
بكل ما في نفسه وبكل مخططاته. وهذا ما يجعلنا نطمئن إلى أن نفثات مغسكر 
النفاق وأحابيله لا بد أن تظهر بشكل ما في الصف. وعلى الشباب المسلم أن 
يكون بقظاً واعياً ثل هذه الاتجاهات داخل الصف المسلم . 

ه ‏ وماذا تتصرف القيادة أمام هذه المواقف؟ إن الدرس عام للقيادة 

والقاعدة, وما أحوجنا إلى التأسي بهذا المنهج جنوداً ومسؤولين. لقد وضع 
رسول الله يل ثلاثة احتمالات قبل أن يتبنى هذا القول ويبني عليه. 

الاحتمال الأول: أن يكون ناقل الكلام مغرضاً. أو صاحب هوى 
(لعلك غضبت عليه؟ قال: لا والله لقد سمعت منه). ومع أن 
عبد الله بن أي هو رأس النفاق وأكبر أعلامه فلم يقبل رسول الله ية القالة 
فيه مباشرة وأحب أن يتأكد من صدق الناقل أنه ليس له غرض أو”مصلحة أو 
هوى ضد المنقول عنه. إن الحكم السريع من القيادة والتصديق المباشر دون 
تحفيق كامل لأسباب هذه الأقوال قد يوقع الجماعة المسلمة في خط أكبر من 
القول نفسه وقد يصدع نقل مغرض وحقد حاقد وغضب غاضب الصف كله 
إذا كان التسرع في قبول القول ضد أي إنسان لا يزال داخل الصف» مها 
كانت الاتبامات ضده. 

الاحتمال الثاني : أن يكون ناقل الكلام غير دقيق في نقله. (لعله أخطأ 
سمعك) فلا يبعد أن يكون النقل خاطئاء فيؤدي إلى زيادة أو نقصان في 
الكلام يغير المعبى كله. ولا يصل إلى هذا المدى من الخطرء وبالتالي فيتهم 
القائل بشيء لا أصل له أو زيد عليه فغير معناه. 

لقد كنا كثيراً ما نسمع بعض التعميات من الشباب المتحمسين ضد 
بعض إخواهم أو مسؤوليهم أو يقوم شاب بنقل لحادثة عن القيادة مشوهة أو 
مغلوطة وبعد أن ينتهي الأخ من غمرة حماسه يسال: هل أنت متأكد ما 
تنقله؟ .وهل نقل إليك هذا الخبر مبذه الصورة؟ فيقف ملياً ليجيب مصححاً 


1 


لنفسه مقالته الأول ويحدد ما هو متأكد من نقله. عا هو شاك فيه. إن خط 


شكاية عن أخيه الآخر مهما كان وضع الأخ ار متها ایک فيه . 


الاحتمال الثالث: أن يكون الفهم خاطثاً للكلام (فلعله شبّه عليك؟ 
قال: لا والله لقد سمعت منه يا رسول الله. وهذا أكثر الاحتمالات وفوعاً في 
الصف المسلم أن يفهم الكلام على غير قصده أو غير معناه» وبالتالي تتأزم 
الأمور لسوء تفاهم أو سوء فهم من طرف واحدء ثم تبنى الأحكام كلها على 
ضوء هذا الفهم السيء» ويتصدع الصف نتيجة أوهام لا حقائق» ونتيجة 
تفسيرات وفهوم لكلمات معينة لا نتيجة نقل أمين لعناها, والأصل حين 85 
الثقة بين أبناء الصف أن يكون الأخ مصدقاً عند إخوانه حين يعلن رأ 
وفهمه ويقسم عليه؛ ولكم رأينا خلافات عميقة وشروخاً كبيرة في الصفوة من 
إخواننا نتيجة فهم خاطىء لكلام صادر. أو, تفسير سيء لنقد قائم بعيد عن 
التجريح والإساءة. وا مهج النبوي أمامنا في التحقيق نتمنى أن يكون درسا 
عملياً لجهاز الأمن وأجهزة التحقيق في الجماعة. ومهما كد ذهننا في 
التحقيقات» فلن تخرج الاحتمالات عن هذه المجالات الثلائة: غرض في 
النقل. أو خطأ في النقلء أو خطأ في الفهم . وليس من حق قيادة الجماعة 
مهيا كان الناقل صادقاً ولمنقول عنه متهأ أن تصدر حك قبل التحقيق في 
القول نفسهء ولو فعلت ذلك حافت منهج النبوة» ولكانت أداة لزلزلة الصف 
وزعرعة الثقة عوضاً عن أن تكون ص الأمان له وحور اللقاء والثقة فيه. 
والنفاق لا يستطيع أن يتحرك ويتمطى ويثمر الثمرة المرة إلا في الابتعاد عن 
المنبج النبوي في التحقيق والإدانة. 

؟ ‏ ثم ماذا بعد التحقيق؟ يأتي دور الاستماع للخصم ودفاعاته. فلقد 
جاء ابن أبي وأقسم بالله تعالى ما قال» وحلف على ذلك. وتأزم الموقف من 
جديد. وانقسم الصفوة من الصحابة بين مصدق ومكذب» بعد حلف ابن 
أي» فالذين يعرفون ابن أبي ١‏ يخا لهم الشك في قوله. واندفع عمر بن 
الخطاب رضي الله عنه ليقول: يارسول الله مر به عباد بن بشر ليقتله, ولا 


1Y 


يمنع أن نقف قليلاً عند قول عمر رضي الله عنه» فالمعهود في الفاروق رضي 
الله عنه في كل مواقفه أمام الانحرافات وتشكيكات النافقين» أنه يطلب 
الإذن بقتل هذا المشكك. ومضت عنه هذه الكلمة: يارسول الله دعني 

أما الآن فنحن أمام صورة جديدة. هذه الصورة أن عمر يطلب أن 
يقتله غيره» ولو أنعمنا البحث وتعمقنا في فهم الأسباب لطالعتنا صورة نيرة 
خالدة. هذه الصورة هي ترفع عن أهوائه وانفعالاته. فلقد كانت المواجهة 
بين جهجاه الغفاري مولاه وبين سنان الجهني حليف الخزرج». فلو طلب عمر 
قتل ابن أبي». لكان الأمر محل شبهة أنه يود الثأر لنفسه ولمولاه من 
عبد الله بن أي الخزرجي› وحرصاً منه على أن لا يختلط الأمر بين حميت. 
لديله» وحميته للفسه» ارتفع فوق رغبته الجاحة في قتل رأس النفاق» وأشار 
على رسول الله يكل أن يقوم أحد سادات الخزرج بقتلهء والنقطة الثانية في 
هذه الفقرة هي في قسم ابن أبي نفسه أنه ما قال هذا الكلامء فإقدامه على 
حلف هذه الأيمان«الكاذبة يعني أن رصيده قد انتهى نبائياً من الصف المسلم 
فلو كان واثقاً أن هناك من يحميه ويؤيده غير هؤلاء العشرة. لبقي مصراً على. 
قولهء ولاستطاع أن يحرك الحمية الجاهلية في نفوس قومه وهم أكثر الجيش» 
وأن يقود انشقاقاً جديداً كا فعل في أحد. 

إنه لوائق أنه أعجز من أن يؤثر على فردٍ واحد في هذه الظروف وبهذه 
الوقاحة السافرة. ومن أجل ذلك رأى أن مصيره الموت لو ثبتت إدانته» ولن 
يثآر له أحد فلا بد من تلافي الموقف من جديد وتكذيب الخبر حفاظاً على 
عنقه من الإطاحة» وهو والعشرةمعه لن يكونوا أكثر من نفخة في رماد. 

غير أننا نلاحظ اتجاهاً آخر غير اتجاه عمر رضي الله عنهء ولقد قوي 
هذا الاتجاه حين رفض رسول الله ل فكرة قتله. قائللً: فكيف إذا تحدث 
الناس أن محمداً يقتل أصحابه. 


هذا الانهاه يقوم عل التماس العذر لابن أبي ف مقالته. ويعرض على 
رسول الله وو فكرة الرفق به أو تخفيف عقوبة القتل عنه على الأقل. ونلاحظ 


لض 


هذا الاتجاه لدى زعيمين من زعماء المدينة هما أسيد بن حضير سيد الأوس - 
إذ كان سعد بن معاذ قد قضى شهيداً في الخندق ‏ وسعد بن عبادة() سيد 
الخررج إذ عرض رسول الله ب الأمر عليههما كل على حدة» وكان جوابهم| 
واحداً في هذا الأمرء فقال أسيد بن حضير: (. . فأنت يا رسول الله تخرجه 
إن شئت» هو والله الذليل وأنت العزيزء ثم قال: يارسول الله ارفق به 
فوالله لقد جاءنا الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه فإنه يرى أنك 
استليته ملكاً.ء وكان جواب سعد بن عبادة رضي الله عنه : (... فأنت 
يا رسول الله تخرجه إن شئت فهو الأذل وأنت الأعزء يا رسول الله ارفق به 
فوالله لقد جاء الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ما بقيت عليهم إلا خرزة 
واحدة عند يوشع اليهودي لیتوجوه» فیا یری إلا قد سلبته ملكه. ولقد اندفع 

بعض أفراد هذا الاتجاه إلى تصديق عبد الله بن أبي بعد يينهء وإلى تكذيب 
زید بن أرق الغلام المؤمن. فيذكر المباركفوري عن البخاري رواية فيها: (أما 
ابن أبي فلا علم أن زيد بن أرقم بلغ الخبر جاء إلى رسول الله ككل وحلف 
بالله ما قلت ماقال ولا تكلمت به» وقال من حضر من الأنصار: يا رسول 
الله عسى أن يكون الغلام قد أوهم في حديثه ول يحفظ ما قال الرجل”"). 
ونلاحظ هنا أن تمالؤ مجموعة من الأفراد في الصف على موقف قد يؤدي إلى 

تغيير الواقع . لكننا نلاحظ أن أبعد مدى وصل إليه عبد الله بن أبي في الصف 
السلم أن يوجد “من يبرر له كلمته بدافع رغبته باللك» أو يوجد من يصدقه 
ويكذب غلاماً حدثاً ليس معه شاهد آخر على كلامه, ومع هذا فنحن نعتبر 
أن هذا الموقف ليزيد القناعة بقوة هذا الصف وتراصهء فأن تصل الثقة لدى 
أفراد هذا الصف بغلام فيه» فوق الثقة بزعيم كبير من زعماء النفاق فهو دلالة 
واضحة على تعري النفاق والمنافقين فيه» وأن يقتصر الأمر على أفراد في هذا 


)١(‏ عند المقريزي أن سعد بن عبادة هو الذي لقيه. وعند ابن هشام أن أسيد بن حضير هو الذي 
لقيه» ومن المحتمل أن تكون المحادثتان معأ لخطورة الأمر ولحرص رسول الله صلى الله عليه 
وسلم على معرفة» رأى جميع قيادات الأنصار في هذا الموقف. 


(۲) ابن هشام ج۳ / ۱۸٤‏ . 


4 


الصف على توقع الوهم من الغلام لا الاختلاف. فهو مستوى رفيع ولاه شك 
ف تلاحم هذا الصف وارتفاع الثقة فيه وفضح المشبوهين فيه . 


۷ ونقف كذلك عند جواب رسول الله ية لعمر: فكيف إذا تحدث 
الناس أن محمداً يقتل أصحابه. وهو أمر أقرب مانسميه في المصطلح 
الإسلامي بالسياسة الشرعية. وما أحوج الجنود في الصف إلى فقه هذا 
الموقف , ْ 


فكثيراً ما يندفع الشباب المتحمسون في الصف في النقد العنيف للقيادة 
حيث تستعمل الحكمة والتؤدة في معالحة الشاذين في الصف والمتمردين عليه» 
خاصة إذا كانت الأغلبية في مركز أو تجمع تدين بأراء هؤلاء. وتصبح القيادة 
بين نارين» نار المتحمسين الذين يأخذون على القيادة تباونهاء ونار الأعداء 
من الداخل الذين يتربصون الدوائر بهذه الجماعة لينزلوا 
بها كيدهم فلا الشباب في الداخل يعذرونها ولا الأعداء في الخارج 
يرحموما. إننا لا نتصور موقفا عدائيا للجماعة المسلمة أخطر 
من موقف عبد الله بن أبيء وإن مجرد) قناعته أن يخرج العزيز 
مها الذليل ويعنى بها نفسه ورسول الله وليةِ. فهو خلع لربقة 
الإسلام من عنقه وصار كافراً خالصاً. وحكمه هو القتل. لكنٌّ ظاهر الأمر 
أنه من الصف فلإقدام على فتلهء والمعركة الدعائية على أشدها بين 
المسلمين والكافرين تجعل للكفار سبيلاً كبيراً للتشهير بالمسلمين والنيل منهم 
.وتشويه سمعتهم لدى الاخرين» وظاهر الأمر أن رسول الله ل لم يكن 
يخشى تأثير ابن أبي في هذه المرحلةء ومع أن الأمر لم يثبت عليه بعد ومع 
أنه حلف أنه لم يقل هذا الكلام. فلم نر في الصف كله واحداً يقبل كلامه 
أو يقر به. إما أقصى ما وصل التأثر به هو اعتبار زيد واهمأ في النقل» أو 
طلب الرأفة به لفقدانه الملك العضوض الذي فاته. ولا يوجد في' ظاهر الأمر 
إلا هؤلاء العشرة من الصف كله قبلوا كلامه وسكترا عليه» والمقصود في هذا 
التأكيد هو أن رسول الله 4 حين رفض قتله. لم يكن بسبب خوف من 
تصدع الصف الداخلي عنده» ولمديكن خوفاً من تأثيره في داخل صفه إنما كان 


VY: 


فقط توقفاً سياسياً حتى لا يعطي العدو فرصة للتشهير بالصف الإسلامي أمام 
المحايدين: (فكيف إذا تحدث الئاس أن محمداً يقتل أصحابه) . 


إنه كثيراً ما يسود الصفوف اتهام صارخ للقيادة بسكوتها على المخربين 
أو صبرها على بعض الانحرافات داخل الصف» مع أن ظروفاً داخلية 
وخارجية تمر بها الجماعة المسلمة تقتضي منها تأجيل بعض الأحكام أو توقيف 
بعض التصرفات», ولعل جنود الصف يدركون المدى الأبعد للقيادة في حرية 
التعامل في صفها الداخلي أو مع عدوها الخارجي من خلال هذه الحادثة. لقد 
امتنع رسول الله ية عن قتل رجل نزل الوحي فيا بعد بتكذيبه وبصحة 
ما وجه إليه من كفر بواح وهو يدد ليخرجن الأعز منها الأذل» وذلك 
لاعتبارات سياسية بحتة. ولسمعة الجماعة المسلمة أن لا تتفتت عند 
أعدائهاء فيستغل العدو هذه الفرصة. 


ما أحوجنا إلى أن ندع الحرية للقيادة في التعامل مع شبابها ومع 
خصومها! فهي أدرى بالظروف التي تتعرض ها مناء ومن حقنا أن نوضح 
سعد وأسيد وهما يطالبان بالرفق به. لكن ليس من حقنا أن نفرض ريا 
نرتأيه . ولا أن نتهم القيادة 5 موقف امحذته هو من حقهاء ونحسن أن لا 
يغيب عن بالنا أن قيادة الحركة المسلمة فيها من العلم والعلمين ما يجعلها على ' 
بصيرة من تصرفاتها. 


لكن أشير إلى نقطة مهمة كذلك هي صلاحية القيادة للحركة؛ والقيادة 
للدولة . فقيادة الدولة قادرة على تنفيذ الحكم الشرعي بالقتل أو السجن أو 
النفي على أفرادها كبا هي قادرة في كثير من الأحيان على مواجهة خصومهاء 
ومع ذلك فيتم مراعاة بعس الظروف والاعتبارات السياسية المحيطة مپا» 
والتي تجعلها تتوقف في تنفيذ الأحكام» فمن باب أولى أن تكون قيادة الحركة 
أعجز وهي محكومة بظروف قاهرة من دول أخرى ا قوانينبا وأعرافهاء ولا 
تتعدى سلطتها المعنوية على أفرادها فصلا أو تجميداً مهما كانت خطيئة الجندي 
وذلك حين تتعارض المصلحة العامة للجماعة ومصلحة الفرد. 


۷1 


لقد رأينا رسول الله كل لا يتعرض لن ارتد أو تزعزع بأذى في مكة 
لأنه لا سلطان له في هذه الدولة. بينا رأيناه يقيم الحدود وينفل الأحكام وهو 
الحاكم الأعلى في المديئة. والذين يفرون من المدينة مرتدين إلى سلطة أخرى 
لا ”تطالعهم يده فيها يدعهم وشأنهم إلى أن يكون قادراً على تنفيذ القتصاص 
فيهم . 

۸-ولا بد من الإشارة كذلك لوقف سيدي الأنصار وهما يقولان 
لرسول الله 4: يا رسول ارفق به فوالله لقد جاء الله بك وإن قومه 
ْ لينظمون له الخرز ما بقيت عليهم إلا خرزة واحدة عند يوشع اليهودي 
ليتوجوه. فيا یری إلا قد سلبته ملكه). فهذا الكلام وإن كان ظاهره يوحي 
طلب الرحمة بابن أبي. لكن حقيقته فضح للدوافع النفسية لهذا الموقف عنده. 

إن حب الزعامة عنده هو الذي قاده إلى هذا الموقع. وإن فقدان الملك 
هو الذي جعله في موقع الحرب ضد رسول الله ي برغم ما رأى من الايات 
البينات والدلائل الباهرات على صدق رسول الله عليه الصلاة والسلام. وهذ1 
المرض الرهيب هو من أخطر الأمراض داخل الصف المسلم؛ مرض حب 
الزعامة والتنافس على السلطة وهذا المرض يقود في كثير من الأحيان إلى تدمير 
الجماعة المسلمة أو شق صفها على أقل تقدير. إن الفرق بيننا وبين الجاهليين 
هو أنهم يحتكمون إلى أعراف سياسية أو أعراف ديقراطية فإذا خرجوا عليها 
فهو خروج على مبادىء صاغوها وجعلوا لها الحكم عليهم. أما الفئة المسلمة 
فالتزام الجماعة دين فيهاء والسمع والطاعة للأمير فرض من فروضهاء وقبول 
حكم الحاكم الشرعي بيعة من نكث فيها فإنما ينكث على نفسه. ومن أوليات 
الإسلام السمع والطاعة في المنشط والمكره ومن أوليات الإسلام السمع 
والطاعة ولي ولي بد حبشي على المسلمين كأن رأسه زبيبة ما أقام كتاب الله . 

كا نشير في هذا الموقف كذلك إلى الغلالة الرقيقة التى يتستر وراءها 
الخارجون على الجماعة. هذه الغلالة هي مصلحة الجماعة نفسها والحرص 
عليهاء ومحاولة التمييز في صفوفهاء وفقدان العدل بين شبابها. لتظهر فيا بعد 
النوازع الدفينة وهي فقدان المركز الحساس هذا الثائر على جاعته» وفوت 


Y۲ 


وسعه سبيل إلى ذلك . وإذا هو حين يتقلد منصباً أو يتسلم سلطة تذهب هذه 
الغيرة العظيمة على مصلحة الجماعة. وينقلب مدافعاً عنها وعن قيادتها. 


إن كثيراً من المواقف المعادية للحركة الإسلامية تنطلق من حب الزعامة 
والمنصب وبالإمكان أن تعالج أحياناً هذه المواقف. ويصعب أو يستحيل 
معالجتها في حين آخر. إن طالب الزعامة والمنصب قد يراعى في بداية الأمرء 
وقد يتساهل معه في بعض الحزئيات. لكن أن يستمرىء هذا الإنسان هذه 
المراعاةء فلا يرضى إلا أن يكون الجميع تحت إمرته أو أن يكون الجميع 
بقيادته» وهو لا يستحق هذا المركز» ولا يستأهل هذا المنصب فحينئذ يكون 
من الخرق مراعاة مثل هذا النوع من الناس أو الاستجابة لطلباتهم» حتى أن 
كثيراً من الذين يعادون الإسلام إنما يعادونه خوفا على مصالحهم» وخوفاً 
على زعامتهم. وأوضح مثال على ذلك موقف أبي جهل من الإسلام ورسول 
الإسلام. (تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف» أطعموا فأطعمناء وسقوا 
فسقيناء حتى إذا تحاذينا على الركب» وصرنا كفرسي رهان قالوا منا نبي 
يأتيه الوحي من السماء). والحركة الإسلامية الواعية» تتخذ الموقف الوسط 
والأنسب في هذه الأمور. فلا حرج عليها أن تراعي بعض هذه النوعيات», 
وإشعارهم بمقامهم المحفوظ في الإسلام؟ أو أن ترفض أية مراعاة هم حين 
ترى خطرهم على الجماعة والدعوة, والموقف واحد مع من هو داخل الصف 
أو خارجه» في حركة إسلامية أو مستقل الرأي أو في موقف معاد للدعوة 
والحركة . 

9 - ويطالعنا موقف المسلم العظيم عبد الله بن عبد الله بن أبي الذي كان 
له دور كبير في إنهاء سلطان أبيه من أرض الإسلام. وذلك في تصرفين 
عظيمين : 

التصرف الأول: وبعد أن ثبت له عن طريق الوحى صدق مقالة زيد 
فيها نقله عن أبيه تبرأ من أبيه» ووقف له على باب المدينةء واستل سيفه. فلا 
جاء ابن أبي قال له: والله لا تجوز من هابهنا حتى يأذن لك رسول الله كلل 


رقف 


فإنه العزيز وأنت الذليل. فلما جاء النبي ب أذن له فخلى سبيله2'؟2 . ومثل 
هذا التصرف لا يجدي إلا من عبد الله من جهةء ولا يقدره إلا عبد الله من 
جهة أخرى فهو لا يجدي إلا منه لأن كل الخزرج بل الأنصار تعرف بر 
عبدالله بأبيه. فلو أقدم أي اواحد من المسلمين عل 
هذا المسوقفف لكان خحوفه من سيف عبد الله الابن قائهم) 
في كل لحظة ولن يرضى ذل أبيه» وقد تقع فتنة أعظم تحول 
دون هذا الاعتراف بالذل من رأس النفاق. ولا يقدره إلا عبد الله من 
جهة أخحرى» لأنه الوحيد الذي لا يخشى سطوة أحد من المنافقين أتباع أبيه» 
إنجم خين يرون الولد يضع السيف على عنق أبيه» لن يتجرأ أحد على اليل 
من الولدء لأنه هو حامي ذمار أبيه» ولن يكون أحد أغير وأثار للأب من 
ابنه. لقد كان هذا الموقف من المواقف الخالدة في التاريخ» والذي أحرق كيد 
المنافقين كله حين رأوا عبد الله بن عبد الله بن أبي يذل أباه. بل يمنعه من 
دخول المدينة حتى يأذن له رسول الله صلوات الله وسلامه عليه . 


التصرف الثاني : حن قدم عل رسول الله ا وقال له: يا رسول الله * 
إن كنت تريد أن تقتل أبي فيا بلغك عنه فمرني به فوالله لأحملن إليك رأسه 
قبل أن تقوم من مجلسك هذاء والله لقد علمت الخزرج ما كان فيها رجل أبر 
7 ني 0 الى يا رسول الله أن تأمر غبري بقثله » فل" لحني 
ولنحين صت ماکان یی آلا فقال: يا رسول اله إن إن كانت هله 
البحيرة قد اتسقوا عليه ليتوجوه. فجاء الله بك فوضعه ورفعنا بك ومعه قوم 
يطيفون به يذكرونه أموراً قد غلبه الله عليها. 

وإذا حق لنا أن نعتبر بعض الحوادث منعطفات في تاريخ النفاق» 
فلعمري إن هذه الحادثة أولى منها جميعاً بذلك. فعبد الله المؤمن على استعداد 
أن يقطع رأس أبيه عين جسده بح ركة من شفتي رسول الله لد أو إيعاءة ‏ 


)١(‏ الرحيق المختوم للمباركفوري نقلا عن ابن هشام ومختصر السيرة لابن محمد بن عبد الوهاب. 


Vt 


ورسول الله لا يقتل إيماء ‏ وبذلك يغدو عبد الله زعيم النفاق كأمس الدابر. 
وحين نرى مثل هذا القول لا نشك أصلاً أنه إنما قال لينفذ» وليس وقوفه 
دون دخول أبيه المديلة حى يقر بأله هو الذليل» وأن تحمداً هو العزيزء وحتى 
يأذن له رسول الله يلك بدخوهاء ليس هذا الموقف إلا دليلاً على ذلك. 

لكن عظمة هذه النفس البشرية» نفس عبد الله الابن لتبدو أعظم وهي 
تتحدث عن نقاط ضعفهاء ونقاط نقصهاء إنه ليعلن أن الحمية الجاهلية قد 

تلعب برأسه» لو قتل أباه أحد غيره. وهو يعرف عتو هذه الجاهلية: وقوتها 

الكامنة في أعصابه. وفي حالة الحمية هذه. قد يفقد توازنه» ويفقد رشدهء 
ويفقد دینه» فيقدم على قتل مسلم بكافر. فيؤدي ذلك به إلى النار. 

فليس المسلم إذن سمّواً كله» وليس تساميا كله. بل من نجد عنده 
- قمة السمو قد نجده في مكان أخر في زلة ضخمة قد تقوده إلى الضلالة 
والكفر. ومن الخطورة بمكان ونحن نتناول أحداث السيرة أن يكون التركيز 
دائ على نقاط التسامى» فأن تعرض هذه الحادثة ليؤخذ قسمها الأول في 
استعداده لقتل أبيه فقط يجعل بين هذا الصحابي العظيم وبيننا هوة كبيرة 
سحيقة لن نتمكن. تجاوزها فنيأس ونحكم على حركتنا بالفشل. أما عرض 
الموقف كله من الشخص نفسه فهو دليل من جانب آخر على طبيعة هذه 
النفس البشرية الواحدة القادرة على الارتفاع إلى الأفق» والقادرة على ابوط 
إلى الحضيض . القادرة على التطبيق الحي لأوامر الله عز وجل» ولو أدى ذلك 
لقتل لصق الناس بهاء والمستعدة للولوغ في الوحل ونتن الجاهلية فتقتل مسلا 
بكافر ثأرأ وحمية وتدخل النار» وجانب العظمة لدى عبد الله رضي الله عنه 
هو أنه م جد كحرجاً في عرض خشيته من ذلك الإنحدار أمام رسول الله ئة . 
ويدع الأمر بعد ذلك لقائده يوجهه لما يشاء. وهو درس لكل جندي يكلف 
بمهمة. أو يرى حدثا معيئاً يخشى منه الفتنة أن يعرضه لقيادته حتى تكون على 
بينة من طبيعة هذا الجندي . فقد تغير الأمر نتيجة التعرف على هذا العرض 

وأخيراً يضعئا هذا الموقف لعبد الله - رضي الله عنه ‏ على جانب من 
الوضع النفسي له. نكل خشيته قائمة من دخول النار لوزلٌ وعصى 
واستچاب لثأره؛ وليس خوفه على قتل أب بيه أو خسارة سمعته أو لوم عشيرثه . 


Vo 


لقد أصبح يتحرك في عواطفه من خلال عقيدته . لكن ضغط مقتل أبيه على 
أعصابه يخشى أن يزعزعه إلى ذلك المستوى الذي تجاوزه. ويصبح من عداد 
أهل النار. 

٠‏ دولا يفوتنا أن نستعرض موقف الغلام المؤمن في هذه الحادثة: 
موقفه وهو بمضي سريعاً لرسول الله لاء ليخبره ا سمع وهو الواجب على 
كل جندي أن يكون حارساً أميناً على دعوتهء وموقفه وهو ثابت كالطود أمام 
تكذيبه. ويصر على صدق ما سمعه؛ وينفي أمام قائده أن يكون له هوى 
هذا الأمر أو يكون قد أخطأ في نقله. أو أخطأ في فهمه. وموقفه في مواجهة 
التيار العام الذي ثار ضده من قادة قبيلته. وهو يتحداهم جميعاً بقوله : والله 
ني لأرجو أن ينزل الله على نبيه حتى تعلموا أني كاذب أم غيري . فلم تزلزله 
هذه الحجمات كلها بل بقي على موقفقه, وثقته برب السموات والأرض أن 
يظهر الحق لنبيهء وأن يأتي الوحي تصديقاً له» ويتعبد به الناس إلى يوم 
الدين. 

ومن أجل هذا حرص رسول الله يذ على رفع معنوياته أمام هذا 
ا هجوم الرهيب عليه حين جاء الوحي مصداقاً لقوله: فإذا هو يأخذ بأذني زيد 
ويقول: وفت أذنك يا غلام وصدّق الله حديثك. وإذا بكل تمالؤ الحسب 
والنسب ينهار أمام الوحي» ويرتفع هذا الفتى المؤمن بالله وبرسوله فوق 
الشبهات» وفوق الزعامات بعد أن صدّقه الله تعالى وكذّب رأس النفاق 
الذي / بتورع عن الحلف كاذياً ف سبيل المحافظة على مركزه وسطوته. فلا 
يستصغرن أخ نفسه من أجل هذه المهمة. وليعتبر نفسه مقام هذا الغلام 
المؤمن. فلا يصمت على حديث يسيء للجماعة مها كانت صعوبة الإبلاغ 
قائمة. وكم يستشعر الجندي بالثقة وهو يجد قيادته تتصرف مباشرة بعد 
التأكد من صحة كلامه» وأن لا يكون لدى قيادة الجماعة حرج في أن تستمع 
ثل هذه الأراءء وتتعرف على ما يجري داخل الصف. 

١‏ وأخيراً نلاحظ معالحة رسول الله يل للموقف على جبهات عدة» 
وهو يود أن يستأصل هذه الظاهرة من الجذور. وهو موقف أحوج ما تكون 
القيادة للتأسي ب به وهي تعالج هذه الظاهرة . 


اوا 


أ فالتثبت والتحقق من الحادثة هو الواجب الأول» وهو 
ما رأيناه من الأسئلة العديدة التي وجهها رسول الله يك لزيد قبل 
أن يحكم على صحة مقالته. وإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام 
قد فعل ذلك» فأحرى بأية قيادة أن تتثبت قبل أن تصدر الحكم, 
لأنبا هي المسؤولة عن أمن جماعتها وأفرادها. وتسرعها بإصدار 
الحكم يعني بتر بعض قواعدهاء أو إثارة فتنة في صفُهاء > أو ظلم 
جندي من جنودهاء والجماعة التي لا تقدر الفرد فيها لن تستطيع 
أن تستفيد منه ساعة المحئة . وإذا كنا لا نملك ويا بعد رسول اله 
كه يثبت الواقعة أو يكذبها ففي البيانات التي اشترطها الإسلام من 
الشهود والعدول. أو من البينات التي قدمها العلم الحديث 
كالتسجيل لكلام المتهم أو التصوير له جوانب فرعية يمكن أن 
تساعد في سعة التحقيق وصحته. 

ب - ثم في مواجهة انتشار الفتنة. إذ أمر رسول الله كل بالرحيل في 
وقت لم يكن يرحل فيه وكا يقول ابن هشام في السيرة (ثم مشى 
رسول الله يي بالناس يومهم ذاك حتى أمسى» وليلتهم حتى 
أصبح : وصدر يومهم ذاك حتى أذتهم الشمس» »> ثم نزل في الناس 
فلم يلبثئوا أن وجدوا مس الأرض ٠‏ فوقعوا نياماًء إنما فعل ذلك 
رسول الله ي ليشغل الناس بالحديث الذي كان بالأمس(2). 

فلا بد إذن من إشغال الئاس عن الفتنة» والقاعدون حين 
تشتعل الفتنة لا يكون لحم حديث إلاها حتى في المجتمع النبوي . 
والقيادة الحكيمة هي التي تملا فراغ شباءهبا بعمل مثمر. أو تدريب 
مناسب أو جهاد مباشر للعدو بحيث يستفرغ العمل وسعهم 
ويستنفد طاقتهم . ويصرفهم عن الانشغال بالقيل والقال وكثرة 
السؤال. وعن تأثرهم سلباً أو إيجاباً ببذه الترهات . 


ج - ثم كان عرض الرأي على احص من أصحاب عبد الله بن أبي 


. ۲١١ تبذيب السيرة ص‎ )١( 


VY 


بعد أن ثبت له صدق الغلام دون أن ينقل الحديث إلى أفراد 
الصف ومعالجته بالحكمة الممكنة. وهذا الأمر لو أحكم في صف 
الجماعة المسلمة لحنبها كثيراً من المأزق. أن يكون أمر الأمن أو 
الخوف ممدوداً بمستويات معيئة لا يتجاوزهم. أما المنافقون فهم 
الذين يشيعون قالة السوء» ويسارعون في نشرها وهم يتلذذون 
بذلك وقد وصفهم الله تعالى بقوله: 0 جاءهم أمر من 
الأمن أو الخوف أذاعوا بهء ولو ردوه | لى الرسول وإلى أولي الأمر 
منهم لعلمه الذين يستنبطونه مهم ). فمنهج التبليغ للخبرء 
ومنبج التلقي غيب أن يکونا سلميين» وكثيراً ما يحدث أن بعض 
الأفراد في مستوىئ معين من المسؤولية أو في القيادة العامة للجماعة. 
فيتساهل في بعض الأسرار. فإذا بها تنتقل عن طريقه» وتزكم 
الأنوف كلهاء وتكون مادة الحديث ليتسلى الصف أو يتصارع بها. 
وكانت حكمة رسول الله يل أن سمع رأي سعد بن عبادة 
وأسيد بن حضير وعمر بن الخطاب» واكتفى بذلك إلى أن جاء الوحي بصدق 
زيد رضي الله عله وصحة ما نقله عن ابن أبي. فأصبح لدی رسول الله عا 
موقف آخر. فلقد وقف عبادة بن الصامت موقفاً حازماً من عبد الله بن أبي. 
وكذلك أوس بن خولي إذ (مرًا عليه فلم يكلماه. فورم أنفه وقال: إن هذا 
الأمر قد تمالأتما عليه فرجعا إليه فأنباه وبكتاه ما صنع ويا نزل من القرآن 
'إكذاباً لحديثه فقال: لا أعود أبدأً). وترك رسول الله إا الأمر للخزرج في 
معالحة عبد الله بن أي فكان الموقف العظيم لابنه» ولبني عشيرته الأدنين. 
ونتساءل : لماذا كان موقفٍ رسول الله ملا مبذا التساهل مع عبد الله بن أبي؟ 
وال حواب واضح. فهر ل مطمئن إلى أن قومه سوف ينفضون عنه یع 
فلقد أصبح خطره محدوداً وأ مره مفضوحاً للجميع . 
وهو ثانياً: يود أن لا يفتح له مالا للخروج من الصف والانقضاض 
عليه بحيث يخرج ويتآمر مع اليهود والمشركين وأسرار الصف عنده. وأي 


AY سورة النساءء من الآية‎ )١( 


۸ 


ضغط عليه قد يقوده إلى هذا الموقف كا فعل أبو عامر الفاسق الذي خرج 
مع خحمسين من قومه وانضم لأهل مكة. فأن يكون مراقباً في جميع تصرفاته 
أولى من أن ينقل أسرار الجماعة المسلمة إلى عدوهاء ومن أجل ذلك كان 
جواب رسول الله ب واضحاً لابنه حيث قال له: ماأمرت بقتله0©: وما 
أمرت به» ولنحسئن صحبته ما دام معنا. 


وهو ثالثاً: يعلم أن. عبد الله بن أبي قد احترق ممائياً بنزول سورة 
(المنافقون) حيث صارت على كل ل ان. وما من مسلم يتلو هذه السورةء 
ويبقى عنده شك في تقييم ابن أبي أو الثقة به إلا إذا كان يظهر الإسلام 
ويبطن الكفرء وحتى يبقى هذا المعنى راسخاً في أذهان المسلمين كان رسول 
الله كل يتلو هذه السورة في كل يوم جمعة تقريباً مع سورة الجمعة. فلو تاب 
عبد الله بن أبي توبة نصوحاء وخاف الآخرة لم تعد السورة لتمسه بعد أن 
حسنت توبته» وإن بقي مصراً على موقفه» فسيبقى المسلمون في مفاصلة تامة 
معه وهم يتلون كتاب الله ويقرؤون شهادة الله تعالى به وبأمثاله أن هؤلاء 
المنافقين كاذبون» وأنهم اتخذوا أيماههم جنة ليصدوا عن سبيل الله. وهكذا. 
نستطيع القول أن جبهة المنافقين التى كان يقودها عبد الله بن أبي قد تصدعت 
تصدعاً تامأ بعد أن كانت قادرة على تصديع الصف الإسلامي كله. 

ول يعد لعبد الله بن أبي ناضر أو معين. وأصبح مكان الإذلال في قومه 
بعد أن كان في مكان الصذارة. بينها لو قتل لتحركت الحمية من' جراء قتله 
برؤوس بعضهم بعد قتله» وقد يغدو مظلوماً شهيداً عند آخرين من ضعاف 
الإيمان. وكان هذا الأمر هدفاً واضحاً ومحدداً من رسول الله اة أن يمعل كل 
الناس ينفضون عن ابن أبي بعد أن كان أكثرهم يجتمعون عليه . 

يقول ابن اسحاق: (وجعل .بعد ذلك إذا أحدث الحدث كان قومه هم 
الذين يعاتبونه» ويأخذونه ويعنفونه؛ فقال رسول الله مو لعمر بن الخطاب» 
حين بلغه ذلك من شأنهم: كيف ترى يا عمرء أما والله لو قتلته يوم قلت لي 


)ع السيرة النبوية لابن هشام ص ل ج7. دار إحياء التراث العربي. 


74 


أقتله لأرعدت له أنوف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته» قال عمر: قد والله 
علمت لأمر رسول الله با أعظم بركة من أمري). 
ح - المنافقون وحديث الإفك 

الذي يتبادر إلى الذهن أن حديث الإفك كله هو من صنع المنافقين. 

وأنهم هم الذين خاضوا فيه غير أن انض القراني واضح في أن الذي جاء 

بالإفك فريق من المؤمنين. إإن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه 
۴ لكم بل هو خير لکم. ,¢ والآأيات التنالية تناقش الؤمنين الذين 
خاضوا فيه. #.. ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خير" 4. لكن دور 
المنافقين كان في تأجيج هذا الحدث ونشره. فقد أشارت عائشة رضي الله 
عنها إلى أن الذي تولى كبره هو عبد الله بن بي حيث تقول: (وكان كبر ذلك 
عند عبد الله بن أي بن سلول ف رجال من الخررج الذي قال مسطح 
وضمنه). وتصف عائشة رضي الله عنها انتشار الخبر فتقول؛ (.. فلا 
اطمأنوا طلع الرجل يقود بي. فقال أهل الإفك ما قالواء فارتعج العسكر والله 
ما أعلم بشيء من ذلك. .). 

وما كان المنافقون ليجرؤوا على بث هذا الحديث والخوض فيه بعد 
الفضيحة التي نالتهم بعد التعرية التي نزلت بابن أبي. لكن انتشار الحديث 
واستفاضته في الصف الإسلامي جعل المجال رحباً هم أن يدسوا أنوفهم فيهء 
ويشعلوا النار من خخلف الستار. ولعل عبد الله بن أبي وحده هر الذي برز هن 
خلال النص أنه تولى كبره. ومعه ثلاثة من الصف الإسلامي الخالص. 
حسان بن ثابت» شاعر رسول الله یا ومن قال له رسول الله: أهجهم 
ودوح القدس معك ومسطح بن أثاثة؛ وهو من المهاجرين» ومن شهد 
بدراً. وابن خالة عائشة رضي الله عنها ومن المقيمين في بيت أبي بكر 
رضي الله عنه. وحمنة بنت حجش» ابنة عمة رسول الله كو وزوج شهيد 
الإسلام العظيم مصعب بن عمير. 


لق سورة النور من الآية .١‏ 
(۲) سورة النور من الآية 17م 


ونستطيع أن نقول في نهاية المطاف أن ظاهرة المنافقين ابتدأت معسكراً 
قبيل أحد. وبلغت ذروتها في أحد» وظهر عظم خطرها على الصف 
الإإسلامي » وانتهت فرداً أو أفراداً يعدون على الأصابع ‏ وأصبح الصف 
الإسلامي نقياً خالصاً وذلك بعظمة تربية النبي كه التي دفعت الكثير منهم 
إلى أن يسلم ويحسن إسلامه. غير أن هذه الظاهرة عادت للظهور مرة ثانية 
بعد فتح مكة وانتشار الإسلام ف الأرض العربية» وبدت أوضح ما يكون ف 
غزوة تبوك حيث تناولت سورة براءة فضح كل أساليبهم ومخططاتهم» وسبب 
عودة ظاهرة النفاق هو أن فتح مكة جعل الكثيرين يدخلون خوفاً 5 
الإسلام» فيظهرونه ويبطنون الكفر» ومجال معالحة ذلك ف المرحلة الثانية من 
العهد المدني إن شاء الله . 


السمة الخامسة عشرة 
الوجود اليهودي في المدينة وإنهاؤه 


بتدأ الوجود اليهودي في المدينة بعد قيام دولة الإسلام باعتراف رسمي 
به وذلك من خلال نصوص المعاهدة النبوية التي تم فيها تحديد العلاقات بين 
فثات المجتمع ف المدينة المسلمة وغير المسلمة. وكانت الفقرات7١)‏ الى تخص 
اليهود في هذا الميثاق كفيلة بإيضاح حقوقهم وواجباتهم 


أ الاعتراف بالوجود اليهودي في الدولة المسلمة: 

حيث كانت النصوص تعالج نوعين من التجمعات اليهودية. 

النوع الأول: وهي التجمعات اليهودية الصغيرة المرتبطة بتجمع القبيلة 
الكبير. (وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين). فنفقات الحرب 
التي تقع على القبيلة توزع على أفرادها مسلمين ومشركين ومبود . وكل تجمع 
بودي هو في الأصل جزء من القبيلة» يمكن أن يكون حليفا للقبيلة» ويمكن 


)١(‏ تم ذكر هذه الفقرات في السمة الأولى من سمات هذه المرحلة فلا ضرورة لذكرها. 


584١ 


أن يكون حليفاً للمؤمنين من خلال قبيلته. (إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ 


وني هذا التجمع الصغير لا يترك الأمر دون تنظيم» ولا يضار المجتمع 
كله بعد وان كان واحداً من أفراده. وذكر الميثاق الحقوق المماثلة ليهود بنى 
عوف وليهود بقية القبائل كاملة» ثم اعتبر بطانة يهود كأنفسهم وذلك ضمن 
الأطر العامة التالية: -١‏ (وإك البر دون الأثم). ١‏ - (وإنه لا يخرج أحد 
مهم إلا بإذن محمد ب . “*- (وإنه لا ينحجز ثأر على جرح). 4 - وأن 
اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين). 


النوع الثاني :. ويعالج وضع التجمعات اليهودية الكبيرة» وهو أقرب 
مايكون لأن يمثل الحلف السياسي. فاليهود هنا تجمعات كبيرة ضخمة» 
احتاج إنهاؤهم عندما نقضوا العهد إلى حروب و ر سلطانهم الخاص 
وأراضيهم وقلاعهم وبيوتهم. وبالرغم من أن البنود قصيرة جداً وهي تخصهم 
بالذات» لكنها ذات أهمية خاصة (وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين 0 
محاربين) فهو النص السابق نفسه من حيث النفقة للتجمعات الصغيرة. 

على اليهود نفتتهم » وعلى المسلمين نفقتهم) | إذ رأينا من قبل أذ اجات 
اليهودية الم تشارك بمقدار ما يلحقها في كيان قبيلتها العام. أما هنا 
فالتجمعات اليهودية الضخمة تشارك في النفقات بما يوازي ويناسب نفقات 
السلمين جيعاً من قريش ويثرب. فعلى اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم 
(وإن بيهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة). ومع أنه لم يكن بين 
قريش وارد أدنى ثارات قديمة أو دماء أو خلافء لكن قريشاً حين 31 
المسلمين فهي ذا تهدد يثرب كلها. ومن أجل هذا عليهم أن يلبوا طلب 
قيادة المدينة حين تطلب منهم ذلك» وكان بالإمكان أن يمضي هذا الأمر طيلة 
العهد النبوي بعد أن أخخل شرعية وجوده من التعاقد مع رسول الله ككل . 
لكن اليهود وطبيعتهم الأساسية في نقض الموائيق طخت عليهم. فتم عقابهم 
على ضوء نقضهم هذه المواثيق. وسنعالج وضعهم بالتفصيل . 


YAT. 


أ بنو قينقاع : 

يقول ابن إسحق: (وكان من حديث بني قينقاع أن رسول الله يي 
جعهم بسوق بني قينقاع» ثم قال: يا معشر بهود» إحذروا من الله ما نزل 
بقريش من النقمة. وأسلموا ققد عرق أني نبي مرسل تجدون ذلك في 
كتابكم وعهد الله إليكم؛ قالوا: يا محمد إنك ترى أنا قومك!. لا يغرنك 
أنك لقيت قوماً لا علم هم بالحرب» فأصبت منهم فرصة» إنا والله لش 
حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس). 


قال ابن هشام: كان من أمر بني قينقاع أن امرأة من العرب قدمت 
بِجَلَبٍ ها فباعته بسوق بني قينقاع وجلست | إلى صائغ بهاء فجعلوا يريدونها 
على كشف وجهها فأبت» فعمد الصائغ إلى طرف ثويها فعقده إلى ظهرهاء 
فلما قامت انكشفت سوءتهاء فضحكوا بهاء فصاحت فوثب رجل من 
المسلمين على الصائغ فقتلهء وكان يهودياء وشدت اليهود على المسلم فقتلوه, 
فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود. فغضب المسلمون» فوقع الشر 
بينهم وبين بني قينقاع. 


كانت ال حولة الأولى لليهود لا تتجاوز المواجهة الإعلامية. فقد وقفوا 
موقفاً سفيهاً من رسول الله عل ودعوته » وفضحهم القرآن فضِحاً بينا وهو يرد 
على افتراءاتهم وأكاذيبهم. والقرآن الكريم غني بنماذج عن ذلك» ويكاد 
يكون الجزء الأول من سورة البقرة في دحض ادعاءاتهم وتفنيد أباطيلهم . «ونا 
جاءهم كتاب من عند الله مصدق لا معهم وكانوا من قبل يستفتحون عل 
الذين كفرواء فليا جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين . بشسما 
اشتروا به أنفسهم أن يكفروا با أنزل الله بغياً أن ينزل الله من فضله على من 
يشاء من عباده. فباؤوا بغضب على غضب» وللكافرين عذاب مهين. وإذا 
قيل لحم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن با أنزل عليناء ويكفرون بما وراءه وهو 
الحق مصدقاً لمامعهم» قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين. 
ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون. وإذ 
أخذنا ميشاقكم ورفعنا فوقكم الطور خحذوا ما أتيناكم بقوة» واسمعوا 


YAY 


قالوا سمعنا وعصيناء وأشربوا في قلوءهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به 
إيمانكم إن كنتم مؤمنين”"42 . 

هذا الكفر البواح الذي وقفوه من رسول الله ب أرفقوه بكثير من 
الدسائس والمؤامرات في الخفاء لتأجيج نار الفتنة بين المسلمين» كما فعل 
شاس بن قيس في تحريكه الفتنة بين الأوس والخزرج» وكيا فعل بعض أحبار 
اليهود حين كان يستهزىء بآيات الله فلم يتمالك أبو بكر رضي الله عنه من 
ضربهء فأنزل الله تعالى آياته تدعو المؤمنين للصبر على أذاهم في قوله 
عز وجل : «لتبلون في أموالكم وأنفسكم. ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب 
من قبلكم ومن الذين أشركوا أذىٌ كثيرأً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم 
الأمور (9) #. . 

وكانت الحولة الثانية بعد بدر» حيث تحرك الغيظ في قلوب بني قينقاع 
ولا غرابة أن يكون الاحتكاك الأول معهم لأنهم كانوا (يسكنون داخل 
المدينة ‏ في حي باسمهم ‏ وكانوا صاغة وحدادين وصناع الظروف والأواني» 
ولأجل هذه الحرّف كانت قد توفرت لكل رجل منهم آلات الجروب. 92 
عدد المقاتلين فيهم سبعمائة» وكانوا أشجع هود المدينة» وكانوا أول من نكث 
العهد والميثاق مع اليهود"). (فلا قدم من بدر بعْت يبود وقطعت ما بيتها 
وبين رسول 7 يك من العهد فجمعهم بسوق بني قينقاع وقال: يا معشر 
هود أسلموا قبل أن يوقع الله بكم مثل وقعة قريش فوالله إنكم لتعلمون أني 
رسول الله ؛ فقالوا: يا محمد لا يغرنك من لقيت» إنك قهرت قوماً أغماراً. 
وإنا والله أصحاب الحرب ولئن قاتلتنا لتعلمن أنك لم تقاتل مثلنا)) . 

لقد كانت محاولة سلمية لعدم فتح جبهة مع يهود ب بني قينقاع, وفي هذه 
الحاولة كان الإنذار الخفي بالحرب» حتى لا يتجرؤوا على المسلمين 


)١(‏ الآيات ٩۳ - ۸٩‏ من سورة البقر. 

(۲) الآية ۱۸١‏ من سورة آل عمران. 

(*) الرحيق المختوم للمباركفوري ص ۲٣٤‏ و7686 . 
)٤(‏ امتاع الأسماع للمقريزي جا ص ٠٠٤‏ . 


TAS 


وبأخذوهم بغتة» لكن الغرور قد أخذ مبلغه من اليهود وأصبحوا يبدون 
مظاهر العداوة للمسلمين (وتوسعوا في تحرشاتهم واستفزازاتهم فكانوا يثيرون 
الشغب» ويتعرضون للسخرية» ويواجهون بالأذى كل من ورد سوقهم من 
ا حتى أخذوا يتعرضون بنسائهم) . وأعلنوا في جوابهم بعد اللقاء 
المذكور أ ہم مستعدون للحرب بل بہددون فيها کذلف. وم ذلك فرسول 
الله يلل يصبر حتى لا يكون أول من نقض العهد. وأفهمهم بذلك اللقاء 
بالكلام اللين وبالكلام الخشن ما يدفعهم إلى أن يرعووا عن غيهم ولكن دون 
جدوی . 

. والحركة الإسلامية ثم الدولة الإسلامية بعد ذلك مطلوب منها أن تكون يقظة 
تمام ليقف بع رر فطالما أن الخلا الفكري قائم فهذا يعني أن هذا الحلف 
مؤقت. ويعنى أن الحلف منطلق من مصلحة هذا الحليف. قليس له اس 
متينة للاستمرار. والدعاة إلى الله لا يدعون فرصة 3 ليذكروا بالتعهدات 
التي قدمها الحليف للحركة إلا ويستفيدوا منها. كما أنه لا يجوز أن يركنوا إلى 
الدعة طالما أن حليفهم قوي. قد يستغل الفرصة السانحة للانقضاض» وهذا 
الخطر الذي يحتمل أن تتعرض له الحركة الإسلامية في تحالفاتها مع أعدائها 
خاصة والعدو جاثم في الأرض» مستند | إل قوة» فالوعي الحذر. والاعداد 
الدؤوب هو الأمر الواجب تنفيله حتى لا يؤخذ المسلمون على غرة. 

وكانت الحادثة التي فجرت الموقف حادثة المرأة المسلمة التى راودها 
اليهود عن كشف وجهها فأبت. فعمدوا ظهر ٹوا فانكشفت سوعءتها عندما 
قامت» فاستغائت. وكان مقتل اليهودي والسلم. ولم يكن مقتل المسلم آمرا 
فردياًء فلقد كان تمالواً عاماً من اليهود وإعلاناً بنبذ العهد منهم فلو كان حادثاً 
فردياً لأمكن معالجته وقتل القاتل. لكن اللا من يبود هم الذين اجترؤوا 
وقتلوا. فأنزل الله تعالى : طوإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن 
الله لا يحب الخائنين42'7. فقال يل أنا أخاف بني قينقاع. فسار إليهم رسول 
الله يي يوم السبت النصف من شوال بعد بدر ببضعة وعشرين يومأًء وفهم 


. ٥۸ / الأنفال‎ )١( 


YA 


رسول الله يكل الحرب من الآية (فقال: أنا أخاف بني قينقاع فاحتمال الغدر 
ئم كل لحظةء ولئن سكت المسلمون على هذه الجريمة فهذا يعني أنهم 
ضعاف وبالتالي فهم معرضون للغزو في كل لحظة» ولم يكن هناك خيار من 
المعركة وإن كان لا بد من ذلك فليكن المسلمون هم البادئون . لقد نبذ 
إليهم رسول الله يلك منذ أن دعاهم إلى الإسلام. وف تحرك سريع خاطف 
كان اليهود محاصرون في بيوتهم وحصونهم. إنه لما يؤسى له أن نجد اليهود 
اليوم ينفذون هذه الخطة والمسلمون غارقون في سباتهم. فوقف اطلاق النار 
الذي كان بين الفلسطينيين واليهود مرد أن ينقض ء فيقتل بودي في أوروبا 
يزحف اليهود على بيروت ويحاصرونما حصاراً عنيفاً وتنقلب الاية. وكما 
سكت بنو قريظة وبنو النضير عن جرية حصار بني قينقاع» وتركوهم يلقون 
حتفهم وحدهم» رأينا العرب ودول العرب وجيوشهم يسكتون سكوتاً خائناًء 
ويدعون الفلسطينيين يلقون حتفهم وحدهم. 
إنا على ثقة أن اليهود اليوم يثأرون هزائمهم التاريخية من قبلء وهم 
ينفذون الخطط التي كان رسول الله صل يقاتلهم مها . أما العرب الذين تخلوا 
عن إسلامهم فينفذون خزي ېود» وذل ېود الذي كان أيام النبوة. 


إن عرض المرأة المسلمة كفيل أن يشعل حرباً رهيبة مع العدو, وقام 
أجل التعرض لكشف سوأة امرأة مسلمة من اليهود. بل حتى من أجل 
إصرارها على أن لا تكشف وجهها لليهود. وما أحوجنا أن نستعيد هذه 
المعافيء ونحن نبي صفنا الداخلي» ونربية على الثار والشورة للعرض 
والدين» وأن يكون القتل أحب للمسلم من الحياة الخانعة الذليلة وعرضه 
مباح . 
الله أن يجلوا عن المدينة. ولئن حفظت السيرة موقف عبد الله بن أبي منهم» 
وتواطؤه معهم ) فقد حفظت كذلك عظمة عبادة ابن الصامت وهو يتبرأً منهم 


YA" 


ويتولى الله ورسوله وجماعة المؤمنين. وأضيف إلى المسلمين بعد خروجهم 
ذخيرة جديدة من الال والسلاح والات الحرب» وأغبوا عدوا لدوداً مقي بين 
ظهرانيهم لم يحفظ العهد ولم يرع الميثاق. ولا شك أن هذه الحركة العسكرية 
قد أجهضت المناوئين الاخرين. وجعلت بني قريظة وبني النضير على خوف 
وحذر شديدين من المواجهة . 

ولقد حدد القرآن الكريم هذا المعنى بدقة بأن الضربة القوية الحاسمة 
من الحركة الإسلامية ‏ قمينة بإرهاب بقية الأعداء: وخاصة الذين ينقضون 
الميثاق إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون» الذين عاهدت 
منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون, فإما تثقفنهم في الحرب 
فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون, وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم 
على سواء إن الله لا يحب المخائنين » ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا !مهم لا يعجزون . وأعدوا 
نهم ما استطعتم من قوة ومن رباط المخيل ترهبون به عدو الله وعدوم » وأخخرين من دونهم لا 
تعلموتهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون('» ¶ . 
. فالايات هذه تنزلت في بني قينقاع» ولم يكن بين بدر وبين بني قينقاع إلا حوالى 
عشرين يوماً. وكأنها توجيهات عسكرية مباشرة إلى طبيعة المواجهة بين 
المسلمين واليهود. واليهود هم شر الدواب عند الله وهم الذين نقضوا 
عهدهم» وهم الذين يتابعون هذا النكث» فلا بد أن تكون الحرب معهم 
حاسمة بحيث تشرد من خلفهم من الأعداءء وترعب من وراءهم من 
الحلفاء. 

وها نحن نجد الحركة الإسلامية حين أعلنت بعض فصائلها الحرب ضد 
الطواغيت تغدو مرهوبة الجانب, منيعة عزيزة» يخشاها العدو» ويسارع 
الخصوم إلى التحالف معها. فلقد أصبحت أملهم في الإنقاذ من براثن هذا 
الطاغوت» ومههما عتا الطاغوت وتجبر فهو يخشى الثار والانتقام فيملاأ السجون 
ويدمر البيوت» ويذبح الآمنين» لكنه ما أن تحل به عملية ضخمة من 
عمليات الثأر حتى يستنفر جيشه وسراياه ومخابراته كلها هول هذه الضربة. 


(0 الأنفال / مه .5١‏ 


YAY 


وهذا نحط سن أن نتر الحركة الإسلامية عليه كذلك وهي تواجه 


أعداءهاء أن تكون الضربة موجعة » والعملية مزلزلة حقی حل الإرهاب في 
القلوب» أو تسقط النظام الكافر» وتشرد به من خلفه من أحلافه وزبانيته . 


بئو النضير 
)0. . ثم كانت غزوة , : بني النضير في ربيع الأول على رأس سبعة وثلاثين 
شهراً من مهاجر النبي بي . . وسببها: أن عمرو بن أمية الضميري لا قتل 


الرجلين من بني عاهر خرج رسول الله ب إلى بني النضير يستعين في ديتها 
- لأن بني النضير كانوا حلفاء لبني عامر» وكان ذلك يوم السبت ‏ فصل في 
مسجد قباء ومعه رهط من المسلمين ثم جاء بني النضير, ومعه دون العشرة 
من أصحابه فيجدهم في ناديم فجلس يكلمهم أن يعينوه في دية الكلابيين 
اللذين قتلهما عمرو بن أمية. فقالوا: نفعل» اجلس حتى نطعمك. ورسول 
الله يلك مستند إلى بيت؛ فخلا بعضهم إلى بعضء وأشار عليهم حيي بن 
أخطب أن يطرحوا عليه حجارة من فوق البيت الذي هو تحته فيقتلوه. 
فانتدب لذلك عمرو بن جحاش ليطرح عليه صخرة» وهيأ الصخرة ليرسلها 
على رسول الله بيا وأشرف بهاء فجاء الوحي با هموا به» فنهيض بل سريعاً 
كأنه يريد حاجة. ومضى إلى المدينة. فلا أبطأ لحق به أصحابه - وقد بعث 
في طلب محمد بن مسلمة ‏ فأخبرهم بجا مت به بهود؛ وجاء ن 
فقال: اذهب إ إلى مود بني نضير فقل لهم: | إن رسول الله أرسلني إليكم أن 
اخرجوا من بلده فإنكم قد نقضتم العهد با هممتم به من الغدر» وقد 
أجلتهم عشراء فمن رؤي بعد ذلك ضربت عنقه. .('). 

لئن كانت غزوة بني قينقاع بعله بدر فغزوة بني النضير بعد أحد» وبعد 
المحنة الشديدة فيها. والتجربة المرة لبي قينقاع دفعتهم رغم محمنة أحد إلى 
التوقف عن نقض العهد. وطلما أن العهد مصون. فالصلات قائمة. والأمان 
مستتب بين الفريقين. وقدم عليه الصلاة والسلام إلى بني النضير يستعينهم في 


. ٠۷۹ ١ ۱۷۸ امتاع الأسماع للمقريزي ج! ص‎ )١( 


584 


دية قتيلين من بني عامر قتلهما عمرو بن أمية الضميري رضي الله عنه لأن بني 
من الوفاء في العهد. فليس لبني عامر حلف مع رسول الله كله وبالتالي 
فرسول الله ية يمكن أن يتجاهل الأمر. 


ومقتل هذين الرجلين إنما تم من عمرو بن أمية لأن بني عامر قد ساهم 
زعيمهم في فیح سبعين من الس مین في بال و وقذّر عمرو أنه يأحذ بثأر 
الشهداء من هذين الرجلين وثقول الرواية كذلك أن هذين الرجلين عهداً عند 
رسول الله كل لم يدر با عمرو. ولهذا مضى عليه الصلاة والسلام مع نفر 
يسير من أصحابه فالقوم حلفاء للمسلمين. لكن سيطرة السجية اليهودية 
طغْتٌ عليهم» فدأيهم في تاريخهم نقض العهد وقتل الأنبياء ونكث المواثيق 
وخفر الذمم. فوجدوها فرصة سانحة لقتل محمد ب وهو بين ظهرانيهم » ولو 
كان الأمر اندفاعا أعمى من جندي متحمس هان الأمر» لكن رئيسهم 
حبي بن أحطب هو صاحب الفكرة وهو صاحب الاقتراح. فالتمالؤ متوفر من 
القيادة العليا عندهم وأقره عليها أزلامه وزبانيته. كا رأينا التمالؤ من قبل في 
بني قينقاع. وانتدب لذلك عمروبن جحاش ليطرح عليه صخرة. لقد قتلوا 
يحى وزكريا انبياءهم من بني اسرائيل. فكيف لا يقتلون محمداً وقد نزع 

مغهم النبوة والملك وهو من بني إسماعيل؟ وتداركت رحمة الله تعالى الموقف» 
ا ددني رسول الله كل با موا به» فمضى عائداً إلى المدينةء موهياً 
اليهود أنه ماص لقضاء حاجة» حتى لا يكون التصرف مفاجئاً: فيثير انتباههم 
إلى كشف هدفهم ومخططهم . ولحق به الصحابة الذين كانوا معه» دون أن 
يعرف اليهود شيعا عن جلية الأمر. إن القائد المسلم هدف ثمين للعدوق وفي 
كثير من الأحيان لا بد أن يعتمد على يقظطته وانتباهه وحسن تصرفه في الحطة 
العصيبة. كا لا بد أن يكون للحركة الإسلامية 5 في صفوف العدو 
الحالف» تكشف مخططاتهم واتجاهاتهم في نقض العهد أو الوفاء به. فلقد 
انقطع الوحي بعد رسول الله كله وأصبح تحسس أخبار العدو من مهمة 
الحركة الإسلامية. ووقوع الدعاة إلى الله في شرك أعدائهم أو حلفائهم من 
خلال غفلتهم ونيتهم الطيبة لا يعفيهم من المسؤولية أمام الله عر وجل. ولا 


1۸۹ 


شيء أقوى للحركة الإسلامية من أن تتعامل مع حلفائها أو أعدائها ببلاهة 
ظاهرية» بحيث تعرف مخططاتهم وتتظاهر بجهلها لهذه المخططات. لأن هذا 
التعامل هو الذي يكشف المخبوء من النواياء والمستور من الشر. ولا شيء 
أكثر ضرراً على الحركة الإسلامية من الاندفاعات العاطفية لمن يتحسسون 
أخبار أعدائهم . فلا بد أن يكون من يكلف بمثل هذا الدور على مستوی من 
المهدوء وحضور البديبة واليقظة » ما يطمس طبيعة مهمته ويبعد الشك عن 
دوره الذي يقوم به. 


ولقد علمنا قائدنا عليه الصلاة والسلام سرية التخطيط وسرعة المبادهة 
من خلال هذا التظاهر بقضاء الحاجة. وكيف مكث اليهود ينتظرون عودته 
لقتلهء تماماً كا رأينا ليلة الحجرة. وقد أناب علياً رضي الله عنه في النوم 
مكانه ليجعل المشركين هانثين ينتظرون استيقاظه لقتله. أما نقض العهد دون 
دليل قاطع. فليس من حق الحركة الإسلامية» وكانت المنابذة في خطاب 
رسول الله ية لحبي على لسان محمد بن مسلمة: (أن اخرجوا من بلدي 
فإنكم قد نقضتم العهد بما هممتم به من الغدر). فام بالغدر ثابت» وم 
يناقش اليهود به لأنهم يعلمون صدق نبوة محمد بء ولم يعترضوا على 
الأصل › بل كان ردهم سفيها في الاستعداد للحرب ورفض الجلاء: (إنا لا 
نخرج فليصنع ما بدا له). 


وليس من شيمة المقاتل المسلم أن يوعد فلا يغي. أو دد فلا ينفذ» 
فيصبح كلامه لا وزن له» فا وصل رد اليهود في الصبح حتى كان رسول الله 
محاصرهم عصراً وصلى العصر في فضاء بني النضير وتحرك ‏ الطابور 
الخامس ‏ ليعلن ولاءه مرة ثانية لليهود. ويؤكد هم سرأ على لسان 
عبد الله بن أبي: (أن أقيموا ولا تخرجوا فإن معي من قومي وغيرهم من 
العرب ألفين يدخلون معكم فيموتون من آخرهم دونكم). وم يأتهم ابن ايء 
واعتزلتهم قريظة فلم تعنهم بسلاح ولا رجال وهذا درس للمؤمنين على مر 
العصور» فالصف المسلم القوي يحرق النفاق وخططهء ولا يجبرؤ دعاة الشر 
والفتنة أن يتحركوا أمام وحدة الصف المسلم وقوته. إنما يتحركون حين 


1۹۰ 


يجدون الصف مزعزعاً والعزيمة خائرة» والنفوس خائرة الثقة بقيادتهاء وحين 
نجد في صفنا الأرض الخصبة للاشاعة والتشكيك والدس الرخيص » فعلينا 
أن نعيد بناء صفنا وغتن لحمته من جديد» وليس النافقون وحدهم هم الذين 
ذعروا وأووا إلى جحورهم » بل بني قريظة كذلك - الفريق الثالث من اليهود. 


وجرى أثناء الحصار ثلاث حوادث جلية وهامة: 

الحدث الأول: النبل الذي كان ينزل على دار القيادة وهي القبة من 
أدم التي كان رسول الله ي يقيم فيهاء وكان قائد النبالة وأمهرهم هو عزوك 
اليهودي» فكمن له علي رضي الله عنه وقتله. وكان يود مرة ثانية أن يغتال 
رسول الله بل مع عشرة معه. فلم يكتف رسول الل بي بقتله بل أرسل أبا 
دجانة وسهل بن حنيف في عشرة لاحقوا الكتيبة الفدائية اليهودية فقتلوها 
عن بكرة أبيها وأتوا برؤوسهم فطرحت في الآبار» وكان وجودها رفعاً عظيا 
لمعنويات المسلمين. وهو درس لنا اليوم بضرورة بث الرعب في صفوف العدو 
من خلال العمليات الفدائية الناجحة, فلم يجرؤ اليهود بعد ذلك على مغادرة 
حصونهم ورمي نباهم. لأنهم يعلمون أن أرواحهم غدت في خطر بعد ذبح 
أبطالهم العشرة. 


الحدث الثاني: وهو التعرض لنخلهم الذي يعيشون عليه» فهاهم 
يرون النار تشتعل بمحصولاتهم وتمرهم. والذي كلف بهذا الأمر أبو ليل 
المازي» وعبد الله بن سلام (حبر اليهود من قبل) فراحوا يطلبون برجاء أن 
يبقي لهم على نخيلهم فأبقاهء وانبئقت فتنة جديدة تثير الشغب لهذا الحريق› 
وتشكك في تصرف القيادة» فلا بد أن يكون أحد التصرفين حق لأن كليها 
متناقضان. فأكد القرآن صحة التصرفين, وأعاد مخطط يبود إلى جحره: بقوله 
تعالى هما قطعتم من لينة (شجرة تمر) أو تركتموها قائمة على أصوها فبإذن الله 
وليخزي الفاسقين”'42. فلا بد أن يفاجا العدو بأعز ما يملك جتى يستسلم. 
وهو ما فعله عليه الصلاة والسلام مهم . 


.“ سورة الحشر. الآية‎ )١( 


الحدث الثالث: .حيث أدى الحدثان السابقان إلى طلب التسليم من 
رسول الله ككل معلنين استعدادهم للخروج بعد أن دام حصارهم ستة أيام . 
وهنا اختلف الأمرء فلقد كان طلب رسول الله َة منهم أن يخرجوا لكن الأمر الان 
وبعد هذا الحصار لن يكون كما كان من قبل» والحساب بعد الحرب غير 
الحساب قبلها فقال عليه الصلاة والسلام لهم: لا أقبله اليوم» ولكن اخرجوا 
منها ولكم دماؤكم وما حملت الإبل إلا الحلقة('© فلم يقبل حبي. ويؤسفنا أن 
نقول: إن اليهود الذين يعيشون تاريخهم من آلاف السنين قد وعوا هذا 
الدرس القاسي وحفظوه» فطبقوه على المسلمين كا فعل بهم رسول الله عليه 
الصلاة والسلام. فعندما اجتاح اليهود الأرض العربية عام سبعة وستين 
وتسعمائة وألف بقوة السلاح قبل العرب العودة إلى قرار التقسيم الصادر 
عام سبعة وأربعين وتسعمائة وألف. فرفض اليهود ذلك» وأعلنوا أنهم لن 
يعودوا لحدود الرابع من حزيران. 


إنها دروس استقاها اليهود من عدوهم الأول الذي أنهى وجودهم » 
فتلمسوا أساليبه يطبقونها في حربهم مع أتباعه. أما جيل أمتنا المنكود الذي 
هجر قرآنه ونبيه» كان يحارب اليهود وهو يحارب الله ورسوله فأذله الله تعالى 
وعاقبه. لقد عاش عشرين عاماً وهو يتصارع على السلطة ويتنافس على 
الحكم» ويمتص حكامه دماء شعوبه باسم الحرب. فلا جد الحد انار البناء 
الفاسد دفعة واحدة» كمثل شجرة خبيثة اجتشت من فوق الأرض ماها من 
قرار. 

رفض اليهود الخروج بدون سلاح فتابع رسول الله َا حصارهم من 
جديدء وبث في صفوف اليهود أن الذي يسلم منهم سوف يأخل ماله. فأسلم 
يامين بن عمر وأبوسعد ابن وهب ونزلا فأحرزا أموالهما. واستطاع أحدهما أن 
ينفذ عملية فدائية ضخمة في قلب بهود. وهى اغتيال ابن عمه عمرو بن 
جحش الذي أراد اغتيال رسول الله به وكانت عملية الاغتيال هذه على يد 


٠5 / ٣ج ورد هذا المعنى في ابن هشام‎ )١( 


4Y 


رجل من قيس جعل له عشرة دنانير أو خمسة أوسق من ثمر على قتله» وسر 
رسول الله كل بذلك . 

وهذه فسحة واسعة للدعاة المقاتلين كي يصلوا إلى أعدائهم عن أي 
طريق» فقد لا تهبىء الظروف للمسلمين الوصول إلى أعدائهم نتيجة الحراسة 
عليهم وتحصنهم في حصوتهم» فبالمال أو إغراء أفرادٍ من قلب التنظيم الكافر 
يكن القضاء على أولئك الأعداء والحرب خدعة. فلا حرج من سلوك أية 
طريق .تؤدي إلى الهدف مع هذا العدو الذي ناصبته العداء» وأذنته بالحرب. 
وأعلنت موقف المواجهة ضده» ومن خلال صفوفه الداخلية» ومن خلال 
الرغبة في المال يمكن تحقيق هذه الأهداف البعيدة في القضاء عليه. ولا أحد 
أدرى بمواطن الضعف والخلل قي العدو من أبناء صف العدو نفسهء, وإسلام 
يامين رضي الله عنه دفعه للثأر لرسول الله كلع ولا يمر على إسلامه اليوم 
واليومان» ومن ابن عمه وأقرب الناس إليه . 


(وأقام على حصار يهود خمسة عشر يوماً حتى أجلاهم وولى إخراجهم 
محمد بن مسلمة» وكانوا ف حصارهم تخربون بيوتهم بأيديهم نما يليهم , 
والمسلمون يخربون مايليهم ويحرقون حتى وقع الصلحء فجعلوا يحملون 
الخشب» ويحملون النساء والذرية» وشقوا سوق المدينة» والنساء في الموادج 
عليهن الحرير والديباج وحلي الذهب والمعصفرات» وهن يضربن الدفوف 
ويزمرن بالمزامير تجلدا» وقد صف هم الناس وهم يمرون. فكانوا على ستمائة 
بعير. فنزل أكثرهم بخيبر فدانت لهمء وذهبت طائفة منهم إلى الشام» فكان 
من صاز منهم إلى خيبر أكابرهم كحي بن أخطب وسلام ابن أي الحقيق» 
وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق. وحزن المنافقون لخروجهم أشد حزن ) . 

إنها أمة من أمم اليهود تبزم ويبلغ غيظها أن تهدم بيوتها بأيديباء 
وترغم على الصلح بترك سلاحها كله غنيمة للمسلمين» وتمضي في محنتها 
مشردة في الأرض جزاء نكالاً لتقضها العهد. وطعتها بامواثيق» تحمل حليها 


.١181١/١ج امتاع الأسماع للمقريزي‎ )١( 
14۲۳ 


ومتاعهاء وتترك شرفها وسلاحها غنيمة للمؤمنين كما وصفها الله تعالى : وهو 
الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول ا حشر ما ظننتم 
أن يخرجواء وظنوا أنهم ما نعتهم حصوم من الله فأتاهم الله من حيث لم 
يحتسبواء وقذف في قلومهم الرعب يخربون بيوتهم بأيدهم وأيدي المؤمنين 
فاعتبروا يا أولي الأبصارء ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا 
وهم في الاخرة عذاب النار» ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله 
فإن الله شديد العقاب“) . 


فلقد أخرجهم الله تعالى وقذف في قلومهم الرعب لأنهم شاقوا الله 
وحاربوا رسوله. فا باهم اليوم يعودون ظافرين إلى أرض الميعاد ‏ كيا 
يزعمون ‏ ويكون الخروج والتهجير لأبناء الأرض الإسلامية؟ من لاجئين إلى 
نازحين إلى وافدين بعد كل حرب مع اليهود يقع الجلاء لمن يسمون 
مسلمين ‏ وتصبح الأرض وراثة ليهود. إنه السبب نفسه الذي أجلي اليهود 
من أجله» وذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فإن الله شديد 
العقاب . 


والثورة الفلسطينية اليوم التي تريد العودة إلى فلسطين» إلى أرض 
الاسراء التي اغتصبها اليهود» تريد أن تعود بنفس الرايةء راية مشاقة الله 
ورسوله. فمنظمة التحرير الفلسطينية التي لا يعترف العام إلا ها مثلة 
للشعب الفلسطيني. والثورة الفلسطينية تريد أن تعود إلى الأرض باسم 
العلمانية»ء باسم اللادينيةء تريد أن تقیم دولة لا تنطلق من الدين». بل من 
شريعة البشرء وأهواء البشرء وجهل البشرء تريد أن يكون الحكم فيها لغير 
الله » فأي مشاقة لله ورسوله أكبر من هذه المشاقة؟!! ولمهذا. فا يزداد الأمر 
إلا عسرأًء وما يزداد الدم المتفجر إلا بعدأ عن هذه الأرض» فقد لاحق 
اليهود مسلمي هذه الأرض من فلسطين إلى لمئان وشردوهم ف الأرض» 
أن بعودوا إلى الله » فينالون نصره»› أن يتوبوأ إلى الله » ويعطيهم مدده ؟! إن 


* سورة الحشرء الآيات ۲ و“ و28‎ )١( 


44 


المشردين عن ديارهم لن يعودوا وهم شاردون تائهون عن الله . إنهم في 
التية» تيه بني إسرائيل» وقارب التيه أربعين» ولا يصح أبناء الإسلام على 
مكمن الخطرء ومكمن الداء. إنه واحد لبني إسراثيل» وبني إسماعيل» وبني 
الأرض حميعاً «ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله» ومن يشاق الله فإن الله شديد 
العقاب » . أما سلاح يهود الذي غنمه المسلمون فكان: خسين درعاء وسین 
بيضة »› وثلائمائة وأربعين سيفاً. كان ها وزنها الكبير في تسليح الحيش 
الإإسلامي الناشىء. وكانت قوة للمؤمنين في حربهم مع الكافرين. 


اح - بنو قريظة : 

لقد كانت ماية بني قيتقاع بعد بدر. 

وكانت نهاية بني النضير بعد أحد() , 

وكانت نباية بني قريظة بعد الخندق. 

وكانت نهاية بني قريظة من أسوأ الهايات» لأن غدرهم كان أعظم 
الغدرء وكان يمثل الطبيعة اليهودية أكبر تمثيل» وكان الدور الأكبر فيه للزعيم 
المهزوم حبي بن أخطب سيد بني النضير الذي - جلا إلى خيبر» وعاد إلى مكة 
يشعل النار فيها لتغزو محمداً في عقر داره» فتثأر له من محمد بن عبد الله . 

فلقد كانت غزوة الأحزاب أثراً من آثار اليهودية. (وسبب ذلك أنه يل 
لا أجل بني النضير ساروا إلى خيبر» وا من يهود قوم أهل عدد وجلد» 
ولیس هم من البيوت والأحساب مالبني النضير. فخرج سلام بن أي الحقيق 
وحبي بن أخطب» وكنانة بن أي الحقيق » > وهوذة بن قيس قبس الوائلٍ من الأرس 
وأبوعامر الراهب في بضعة عشر رجلا إلى مكة يدعون قريشاً وأتباعها إلى 
حرب رسول الله كلك. فقالوا لقريش: نحن معكم حتى نستاصل محمداً؛ . 
جثنا لنحالفكم على عداوته وقتاله . فنشطت قريش لذلك» وتذكروا أحقادهم 
ببدر» فقال أبو سفيان : مرحباً وأهلا: : أحب الناس اليا من أعأننا على عداوة 
محمد. 


)١(‏ هناك رأي مفاده أن غزوة بنى النضير كانت بعد بدر بستة أشهر. 


140٥ 


وأخرج سين رجلا من بطون قريش كلها وتحالفوا وتعاقدوا - وقد 
ألصقوا أكبادهم بالكعبة وهم بينها وبين أستارها - ألا يخذل بعضهم بعضاًء 
ولتكون كلمتهم واحدة على محمد ما بقي منهم رجل . ثم قال أبو سفيان: 
يا معشر. يبود! أنتم أهل الكتاب الأول والعلم أخبرونا عما أصبحنا نختلف 
فيه نحن ومحمد أديننا خير أم دين محمد؟ فنحن عار البيت» وننحر الكوم() 
ونسقي الحجيج ولعبد الأصنام ! . 


فقالت يهود: اللهم أنتم أولى بالحق منه؛ إنكم لتعظمون هذا البيت» 
وتقومون على السقاية» وتنحرون البدنء وتعبدون ما كان عليه آباؤكم» فانتم 
أولى بالحق منه فأنزل الله تعالى في ذلك (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من 
الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين 
آمنوا سبيل2"0) . واتعدوا لوقت وقتوه» ونحرجت ېود اف غطفان. وجعلت 
لهم ثمر خيبر سنة إن هم نصروهم وتجهزت قريش» وسيرت تدعو العرب إلى 
نصرهاء وألبوا أحابيشهه9) ومن تبعهم وأتت هود بي سَلَيُم فوعدوهم ا 
معهم . 

وكان خروج بني النضير بأحقادهم وذهم دافعاً لحم على تغيير الحلف» 
الذي نقضوه ليكون حلفهم الحديد مع عدو محمد للد الأول قريش. وقد 
استطاعوا بنشاطهم السياسي أن يؤلبوا معظم العرب على حرب رسول الله 
ی فهم أقنعوا سليم وغطفان وقريش بحرب رسول الله وَل . 

'وواقم الحركة الإسلامية اليوم ليا بد من حريه مع اليهود عاجاكٌ أو 
أجل اف على التتخطيط اليهودي الماكر في رغبته باستئصال شأفة 
المسلمين يفيدنا اليوم كثيراً في هذه المعركة. فبنو النضير الذين أحنوا رقابهم 
لفترة مؤقتة ‏ سرعان ما اشتعل مرجل الحقد 5 قلرہم بعد الهزيمة. وراحوا 


. الكوم جمع كوماء وهي الناقة المشرفة السئان العالية‎ )١( 
.6١ / النساء‎ )۲( 
الأحابيش نسبة إلى جبل حبشي بأسفل مكة وهم بنو المصطلق وبنو الهون من هزيمة حلفاء‎ )۴( 


5000-5 


فريس , 


۲٦ 


يؤلبون العرب ضد الإسلام والمسلمين» ويتحالفون معهم لا على هزيمة محمد 
يله فقطء إنما على استئصال شأفته» واليهود اليوم يتحالفون مع الحكام 
العرب حلفا غير معلن» ومن وراء ستار في ضرب الحركات الإسلامية في 
بلادهم ضرباً يستاصل شأفتها وينهيها من جذورها. وكثيراً ما تصمت 
إسرائيل وتحقق الأمن مع بعض جاراتها العربيات ريثا يتمكن الحكام من 
إبادة المجاهدين في سبيل الله » وما أحداث حماة ولبنان إلا نماذج من هذه 
النماذج حيث تدك المدن على أهلها وتدفن مساجدها بأهليها؛ بترابها وركامها 
حتى لا يرتفع للاسلام صوت. أو تقوم قائمة» وما أشبه الليلة بالبارحة! . 

كا نفقه كذلك ما تبذله اليهودية من مال لذلك» وكم كان سلاح الال 
رائجاً عندهاء فلقد فكرت أن تشتري الخليفة المسلم بلمال مقابل السماح لحا 
با هجرة إلى فلسطين» بل اشترت الانكليز بالمال في الحرب العالمية الأولى 
مقابل وعد بلفور بالسماح لها بإقامة وطن بهودي في فلسطينء > فهي هنا تتبرع 
بشمر خيبر عاماً كاملا مقابل دخول غطفان الحرب ضد المسلمين وهي تمد 
الأعداء بالبضائع ليحاربوأ المسلمين. فلقد كانت أفريقيا سوقاً مبودية» وكان 
اعتراف سبع عشرة دولة أفريقية بإسرائيل هو الثمن. 


وفي عالم السياسة لا وزن للمبادىء إلا عند المسلمين» واليهود أكثر 
الناس تناقضاً مع مبادئهم حين يكون لهم مصلحة في ذلك مثلهم مثل 
النصارى والكافرين» بل هم أشد عداوة. ولذلك رأيناهم يفضلون المشركين 
الوثنيين على المسلمين الذين يؤمنون بالله وتحكيم كتابه وهم يعلمون أن محمداً 
نبي مرسل؛ ومع ذلك فهم يشهدون لقريش بصحة دينها الوثني. وعلينا أن 
لا نعتز كثيراً بالقواسم المشتركة بيننا وبين حلفائناء فسرعان ماتتغير المصلحة 
فتسقط المبادیء» ويرمى بها جانبا أمام مصلحتهم . 


والتضليل الفكري الذي يارسه اليهود ضد المسلمين والإسلام في العام 
يكاد يسد الأفق ومن خلال الأفكار المطروحة في العام تحت أي اسم لاجتئاث 
المسلمين من جذورهم وما المحافل الماسونية والأفكار التحررية والوجودية» 


۲4۷ 


والماركسية والعلمانية إلا صورة من صور هذا التضليل» إنهم يؤمنون بالجبت 
والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا. 
ولئن كان دورهم في البداية رهيباًء فلم يرعووا عن ذلك» بل راحوا 
يؤججون النار مع إخواهم من بني قريظة لنقض العهد. وذلك في قلب المعركة 
كما تروي السيرة عن عن زعيمهم حيي بن أخطب (وكان حبي بن أخطب يقول 3 
سفيان بن حرب ولقريش 5 سير 0 معهم -. إن قومي قريظة معكم. و 
أهل حلقة وافرة» وهم سبعمائة مقاتل وخهسون مقاتلا . فليا دنوا قال 1 7 
سفيان: إئت قومك حتى ينقضوا العهد الذي بينهم وبين محمدء فأق بني 
قريظة ‏ وكان رسول الله يلا حين قدم المدينة صالح قريظة والنضير ومن 
معهم من بود ألا يكونوا معه ولا عليه ويقال ضالحهم على أن ينصروه ممن 
دهمه. ويقيموا على معاقلهم الأولى بين الأوس والخزرج ‏ فأق كعب بن أسد. 
وكان صاحب عقد بني قريظة وعهدها. فكرهت قريظة دخحول 
حبي بن أخطب إلى دارهم فإنه كان يحب الرئاسة والشرف عليهم» وكان 
يشبّهُ بأي جهل في قريش. فلقيه عزال بن سموأل أول الناس» فقال له 
حبي : : قد جئتك با تستريح به من محمدء هذه قريش قد دخلت وادي 
العقيق: وغطفان بالزغابة! فقال عزال: جتتنا والله بذل الدهر! فقال: لا تقل 
هذا. .() (فل) سمع كعب حبي بن أخطب أغلق دونه باب حصنهء 
فاستاذن علیه» فا أن يفتح له فناداه حي : ويحك يا كعب! افتح لي؛ 
قال: ويحك يا حبي ! إنك امرؤ مشؤرم» وإني قد عاهدت مدا فلست بناقض 
ما بيني وبينه» ولم أر منه إلا وفاءٌ وصدقاً؛ قال: ويحك! افتح لي أكلمك؛ 
قال: ما أنا بفاعل؛ قال: والله إن أغلقت دوني إلا عن جشيشتك“ أن أكل 
معك منها؛ فأحفظ الرجل» ففتح له؛ فقال: ويحك يا كعب جئتك بعز 
الدهر, وببحر طام» جئنك بقريش على قادتها وسادتها. حتى أنزلتهم بمجتمع 
الأسيال من رومة؛ وبغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نقمى إلى 


)١(‏ إمتاع الأسماع للمقريزي ج١‏ ص ۲۲٣‏ و7759. 
(؟) الجشيشة: طعام يصنع من الجشيش وهو البر. 


۴4۹۸ 


جانب أحدء قد عاهدوني وعاقدوني على أن لا يبرحوا حتى نستأصل محمداً 
ومن معه. قال: فقال له كعب: جثتني والله بذل الدهرء وبجهام”" قد هَرَاقَ 
ماؤهء فهو يرعد ويبرق». ليس فيه شي *؛ ويحك ياحيي . فدعني وما أنا عليه 
فإني لم أر من محمد إلا وفاءً.وصدقاً. فلم يزل حيي بكعب يفتله في الذروة 
والغارب") حت سمح لهء على أن أعطاه عهداً من الله وميثاقاً: لش 
رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمداً أن أدخل معك في حصنك حتى 
يصيبني ما أصابك, فنقض كعب بن أسد عهده» وبرىء مما كان بيله وبين 
رسول الله صل الله عليه وسلم). 


(واستدعى روساءهم وهم الزبير بن باطاء ونباش بن قيس» وعزال بن 
سموأل وعقبة بن زيد. وكعب بن زيد» وأعلمهم با صنع من نقض العهد؛ 
فلحمه الأمر لما أراد الله بم من هلاكهم)9*) 


إننا' كثيراً ما نسمع لدى دعاة القومية عن التفريق بين الصهيونية 
واليهودية . وأنهم ار الصهيونيةء أما اليهودية» فلاء بل يعتبرون كثيراً 
من اليهود انصاراً لهم . وهم يحصرون معركتهم مع الصهيونية في فلسطين 
الأرض المغتصبة فإذا حلت مشكلة الأرض» بتحرير أو اعتراف» فلا حلاف 
بين القومية واليهودية» ودعاة القومية علمانيون ليسوا ضد دين أو تجمع ديني» 
بل هم ضد دعاة اغتصاب الأرض العربية وتسليمها لليهود» بل يحالفون هذه 
النماذج كذلك , 

هؤلاء جميعاً نسوق هذا النموذج ا لحي من انتهاء اليهود إلى معسكر 
واحد. في النهاية» وقد يكون بعضهم أشد حقداً من بعض لكنهم أعداء في 
النهاية محاربون» وناكثون للعهد ناقضون كذلك. وإن كان المسلمون وهم 
يتعاهدون أو يتحالفون لا يعاملون أعداءهم على ضوء تاريخهم فقط. لكنا 


)١(‏ الجهام : السحاب الرقيق الذي لا ماء فيه. 

(۲) مثل مأخوذ من البعير يضرب في المراوغة والمخاتلة. 
(۳) السيرة لابن هشام ج۳ ص ۲۳۱ ور۲٣‏ . 

(4) إمتاع الأسماع للمقريزي ج۱ ص٣۲٠‏ . 


البلاهة التامة أن يغيب هذا التاريخ الأسود عن اهن فل" يوضع ف 
الحسبان» وبلغت البلاهة ببعض دعاة القومية حداً أ نهم لا يعرفون شيئاً عن 
تاريخ اليهود مع المسلمين. وحين يدرسونهم ف التاريخ › يتحدثون عن 
تاريخهم في 5 وروسياء وأنحاء ۳ أما في أرض العرب» وفي حرم 
مع المسلمين فلا. وينسون أو يتناسون أو يتبالهون أن الشوكة اليهودية لم تنتزع 
من الأرض العربية | إلا بالإسلام وعلى يد رسول الله صلى الله عيّه وسلم» 

وانتهى وجودهم العسكري أربعة عشر قرناً من الزمان» وم يعودوا للظهور إلا 
عندما غاب اللإسلام عن الوجود والحكم. وعادوا يثأرون لقريظة وخيبر . 

لقد التقت كلمة اليهود جميعاً النضير وقريظة وقينقاع الذين تبقوا في 
خيبر على استئصال الوجود الإسلامي. جيشوا الجيوش» وحزبوا الأحزاب 
ووحدوا صفهم لحرب المسلمين. 

والطبيعة اليهودية هنا تظهر في حالة ضعف أعدائها. #كيف وإن 
يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم | لا ولاذمة, يرضونكم بأفواههم وتأی قلوبهم 
وأكثرهم فاسقون()# . . فهم وافون بالعهود طالما آم ضعاف أذلة» وهم 

من محمد؟ لا عهد بيننا وبين محمد. 


وذلك عندما ذكرهم السعدان بحلفهم مع رسول الله صلى الله عليه 
وسلم . 

ولم يمر على المسلمين ظروف أسوأ من ظروف الأحزاب يوم الأحزاب» 
وما كان العهد إلا لذلك اليوم» ومع ذلك نقضوا عهدهم في اللحظة 
الحاسمة› ورغم وجود بوادر الخير لدی زعيمهم كعب فهو في النباية يبودي 
غادر لا يرضيه شيء أكثر من إنهاء الوجود الإسلامي» وتم له من يوافقه على 
ذلك . إنه الهدف النهائي لليهود والنصارى مها أظهروا على الطريق من سلام 


وود. 


.۸ التوبةء الآية‎ )١( 


«ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حق نتبع ملتهم › قل إن هدی 
الله هو الهدى. ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من 
الله من ولي ولا نصير(١)‏ # . 
ذلك . 


غزوة بني قريظة 


الزهري ‏ معتمرا بعمامة من استبرق» على بغلة عليها رحالة"»» عليها. 
قطيفة من ديباج فقال: أوقد وضصعت السلاح يا رسول الله؟ قال: نعم ؛ فقال 
جبريل : ف وضعت الملائكة السلاح بعد وما رجعت إلا الان من طلب 
القوم» إن الله عز وجل يأمرك يا محمد بالمسير إلى بني قريظة ٠‏ فإني عامد 
إليهم فمزلزل بهم . فأمر رسول الله صل الله عليه وسلم مؤذناً» فأذن ف 
الناس: من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة. 


وقدَّم رسول الله صل الله عليه وسلم علي بن أبي طالب برايته إلى بني 
سمع منها مقالة خخبيئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع حتى لقي رسول 
الله بالطريق» فقال: يا رسول الله لا عليك ألا تدنو من هؤلاء الأخابث» 
قال: [؟ أظنك سمعت منهم لي أذى؟ قال: نعم يا رسول الله؛ قال لو رأوني 
لم يقولوا من ذلك شيئا. فلا دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم 
قال: يا إخوان القردةء هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته؟ قالوا؛ يا أبا 


.١١ البقرة الآية‎ )١( 
. ۲٤١-۲٤٤ السيرة لابن هشام‎ )۲( 


(وتقدمت الرماة من المسلمين وقال صلى الله عليه وسلم لسعد بن أي 
وقاص: يا سعد تقدم فارمهم. فرماهم والمسلمون ساعة. وود تراميهم ‏ 
ورسول الله صلى عليه وسلم واقف على فرسه فيمن معه. ثم انصرفوا إلى 
منازلهم. وباتوا وقد بعث اليهم سعد بن عبادة بأحمال تمر فأكلواء وقال 
رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم الطعام التمر واجتمع المسلمون عنده 
عشاء؛ ومنهم من صلى» ومنهم من لم يصل حتى جاء بني قريظة فا عاب على 
أحلٍ من الفريقين» ثم غدا سحرأ وقدّم الرماة وعبأ أصحابه فأحاطوا بحصون 
يبود ورموهم بالنبل والحجارة وهم يرمون من حصونهم حتى أمسواء فباتوا 
حول الحصون. فنزل نباش بن قيس وكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم 
على أن ينزلوا على ما نزلت عليه بنو النضير: له الأموال والحلقةء 
ويحقن دماءهم» ومخرجون من المدينة بالنساء والذراري»› وهم ما حملت 
الإبل إلا الحلقة. فى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن ينزلوا على 
حكمه. وعاد نباش إليهم بذلك. . . .٠().‏ 
هكذا كانت الجحولة الأولى من الغزوة» جبريل عليه السلام يقود 
الحرب ويزلزل الحصون ورسول الله ي يعلن: من كان سامعاً مطيعاً فلا 
يصلين العصر إلا في بني قريظة. وعلي بن أبي طالب يغرز الراية عند 
حصوم» وتتم تعبئة الجيش وتكامله عند الحصون» وتبتدىء الرماية عنيفة» 
وهكذا نجد اليهود في كل مرة لا يقاتلون» إنما يهزمون بالرعب. ففي بني 
قينقاع يخورون بعد الحصار» وفي بني النضير يخورون بعد الحصار وني بني 
أ قريظة يخورون بعد الحصار» وحسب اليهود أن تكون هذه المحاصرة 
كأخواتهاء وينجون بأنفسهم ولكن لا نجاة هذه المرة» فيرفض رسول الله كَل 
المفاوضات, ولا يقبل إلا الاستسلام التام له. لأن نقضهم للعهد كان أشنع 
نقض» ولأهم استغلوا أسوأ الظروف للبطش بالمسلمين» ولو انتصروا لأبادوا 
المسلمين عن آخرهم . وبلغ بهم السفه قبل أن يفاجأوا بقوة المسلمين أن 
يسبوا الرسول بء ويشتموه» ثم هاهم الان يتذللون ويتمسكنون» ويودون 


, ۲٤۳ امتاع الأسماع ص‎ )١( 


النجاة بأشخاصهم وأموالهم ونسائهم. مثل كل مرة» ويتنازلون عن 
سلاحهم» ولكن هيهات» فلن يلدغ المؤمن من جحر مرتين» وهل الخندق 
إلا ثمرة من ثمارهم المرة يوم نجوا بأرواحهم فراحوا مخططون لإبادة 
المسلمين فأين النجاة لهم بعد هذا الغدر والكيد. لقد وضعوا بين فكي 
الكماشة» الاستسلام بدون قيد ولا شرط› أو الوت جوعاً وعطشاً كا قال 
لهم حليفهم أسيد بن حضير: يا أعداء الله لا نبرح حصنكم حتى تموتوا 
جوعاء إنما أنتم بمنزلة ثعلب في جحر. ولقد ذكروه بحلفه قائلين: يا ابن 
الحضير نحن مواليك دوت الخزرج! وخاروا فقال: لا عهد بيني وبينكم ولا 
إل. لقد بعثوا نباش بن قيس بالمهمة التالية: أن ينزلوا على ما نزلت عليه بنو 
النضير: له الأموال والحلقة» ويمقن دماءهم . وخرجون من المدينة بالنساء 
والذراري وهم ما حملت الإبل على الحلقةء ولعلها مشورة حبي بن أخطب 
زعيمٍ بني النضيرء الذي ظن أن الحيلة تتكرر. وكان جواب رسول الله يل 
حاسراً قاطعا : أبى إلا أن ينزلوا على حكمه. 


وتتدارس يبود الأمر لقد كان كعب بن أسد زعيم بني قريظة أقل حقداً 
من حبي بن أحطب» ومن أجل ذلك كان في بعض الأحيان لا يغلبه الحقد 
ويدرك مصلحته. ولقد كان ثاقب النظر حين قال يي : إنك امرؤ مشؤوم › 
جثتني بذل الدهر» وبجهام قد هراق ماژه فهو يرعد ويبرق. وأنى له الندم 
ولات ساعة مندم» وراح يراجع رصيد حياته قبل قدوم محمد وبعده ودعا 
قادة اليهود وأولي الرأي منهم» وعرض عليهم أمام إصرار محمد - 8 - حلولاً 
ثلاثة قائلا لهم : (قد نزل بكم من الأمر ما ترون وإني عارض عليكم خلالاً 
ثلاثاً فخذوا أيها شئتم! قالوا: وما هي؟ قال: نتابع هذا الرجل ونصدقه 
فوالله لقد تبين لكم 3 لنبي مرسل» وأنه للذي تجدونه في كتابكم فتأمنون 

على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم . قالوا: لا نفارق حكم التوراة أبدأء 
ولا نستبدل به غيره. قال: فإذا أبيتم عل هذه فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءناء 
ثم نخرج إلى محمد وأصحابه رجالا مصلتين بالسيوف» لم نترك وراءنا ثقلاء 
حتى يحكم الله بيننا وبين محمد فإن نملك ول نترك وراءنا نسلا نخشى 
عليه» وإن نظهر فلعمري لنجدن النساء والأبناء. قالوا: نقتل هؤلاء 


۳ 


المساكين! فيا خير العيش بعدهم؟ قال: فإن أبيتم علي هذه الليلة ليلة 
السبت» وإنه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنونا فيهاء فانزلوا لعلنا 
نصيب من محمد وأصحابه غرة. قالوا: نفسد سبتنا عليناء ونحدث فيه مالم 
يحدث من كان قبلنا إلا من قد علمت فأصابه ما لم يخف عليك من المسخ! 
قال: ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازماً"). 

ها نحن 'نجد كعب بن أسد يدرك أبعاد المعركة ونتائجهاء ويعلم أن 
الموقف خاسرء وأن نزوله على حكم محمد بي يعني الإبادة التامة» والمقاومة 
يائسة خاسرة» ويبحث عن طرق النجاة فلا يراها إلا في الإسلام» والإسلام 
هو الذي يحقن دمه ودم بني قريظة جميعا. فمحمد يقول: أمرت أن أقاتل الناس 
حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله فإن قالوها عصموا مني دماءهم 
وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله" . 


وتفكير كعب بالإسلام ولو من باب المصلحة يدل على أنه أقل حقداً 
من حبي بن أخطب وتفانيه في الزعامة والرئاسة» وطمس الحقد على بصره 
وبصيرتهء ولش شبه حبي بابي جهل في حقده وكفره. فكعب أشبه ما يكون 
بعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة زعيمي بني أمية. إذ كانوا يدركون المصلحة 
كثيراً ويعجزون عن تنفيذها خضعاناً لقومهم. ولئن استطاع عبد الله بن سلام 
حبر اليهود رضى الله عنه أن يتجاوز عصبيته» ويستجيب لأمر ربه. فكعب 
عاجز عن ذلك. لأن الزعامة عنده كذلك هدف لا يفوت. إنه يعرف أن 
محمداً حق. وأن إصراره على التمسك باليهودية عناد وحقد. لكن رآها فرصة 
سانحة أن يقود قومه للإسلام ولو كان من باب حقن دمائهم وأمواهم ونسائهم 
وأولادهم . غير أن الأتباع كثيراً من الأحيان مايكونون أسوأ عصبية من 
القيادات وخاصة اليهود الذين وصفهم رب السموات والأرض بقوله: 
وأشربوا في قلوبهم العجل). ۰ 


.۲٤۷- 745 السيرة النبوية لابن هشام ج۴ ص‎ )١( 
. رواه البخاري‎ )۲( 
من الآية 97 من سورة البقرة.‎ )۳( 


لقد دخلت عبادة العجل في دمائهم وبطونهم فشربوها شرباً وامتزجت 
بكل شرايينبم. فكان جواب اليهود القاطع: لا نفارق حكم التوراة أبداًء 
ولا نستبدل به غيره. وكعب يعرف أن قضية اليهودية عندهم عصبية أكثر 
منبا عقيدة» ومن أجل ذلك حينها عرض عليهم الدخول في الإسلام ورفضوا 
أراد أن يضعهم عند التزامات هذه العقيدة. فعرض عليهم التضحية 
الخالصة» عرض عليهم قتل أبنائهم ونسائهم لتكون الحرب الطاحنة. فلا 
يأسوا على مال أو زوج أو ولد. فالقتل لا يخيفهم لاطمئنا:هم أن ذرارمهم لن 
تكون أسرى بيد المسلمين» ولن تفتضح أعراضهم. غير أن القوم حياتهم أغلى 
عليهم من أعراضهم وأولادهم فا لذة العيش بعدهم؟ وهكذا لم يتخل بنو 
قريظة عن ديهمء ولم يضحوا بنسائهم وأولادهم وأرواحهم من أجل هذا 
الدين» فلم يعد إلا الحل الثالث: المجوم المباغت على المسلمين ليلة السبت. 
فاعتذروا أنهم لا يفسدون سبتهم. وهكذا رفض الأتباع كل اقتراحات 
القيادة» ويس كعب من قومه. فليس أمامهم إلا الموت جوعاً وعطشاً أو 
النزول على حكم محمد أما أن يقاتلوا بشرف» أو يقاتلوا ببسالة أو يقاوموا 
ببطولة, فهذا في منطق اليهود لا يقوم . 

وما أحوجنا إلى أن نتعرف على هذه الطباع» والمعركة بيننا وبينهم 
قائمة. والحرب مستمرة. إن فقه نفسية العدو تعطينا كثيرا من الإضاءات على 
طبيعة مواجهته» والغريب أننا نواجه اليوم ظاهراً بنماذج جديدة حتى أصبح 
العربي يخشى اليهودي › وأصبح العرب وهم يناهزوتٍ الماثة مليون ونصف 
عاجزين عن المواجهة» عاجزين عن الحرب» هزموا نفسياً بعد حربين خاضوها 
وكانت الحربان خاسرتين. لقد أصبحوا جميعاً يتحدثئون عن السلام» 
وأصبحت قياداتهم تؤمن بالحل السلمي أو الاستسلامي أكثر من إيمانها بالله, 
وبعد حرب ال ۷۳ مع اليهود. انتهت فكرة الحرب والمواجهة عند العرب. 
وراحوا يحلمون باسترداد الأراضي بالطرق السلمية وتجمع مؤتمراتهم على 
ذلك» ويقدمون مشروع الحل السلمي هم. ولا يناقشون إطلاقا بالوجود 
اليهودي » بل يطلبون استعادة الضفة الغربية لتكون وطناً للفلسطينيين. وكفى 
الله العرب القتال. 


إن قرننا قد شهد هذه المأساةء - الاستسلام المتخاذل» مأساة 
اليقين عند حكام العرب وكثير من شعوبهم أن إسرائيل لن تقهر» وأن العرب 
لن ينتصروا. ام يمثلون تماما عرب الأوس والخررج قبل الإسلام» حين كان 
الكيان اليهودي في المدينة مهدد الكيان العربي ويقول له: أظل زمان نبي 

نتبعه» فنقتلكم به قتل عاد وإرم. وكان العرب يقبلون من اليهود أحكابهم 
فيتماوتون على التحالف معهم ويتسابقون. وهؤلاء هم عرب اليومء لقد كان 
الرعب يجتاح الإنسان العربي في الماضي من اليهود لأنهم أهل علم» وأهل 
سلاح . بل كان سلاح العرب في المدينة من صنع اليهود» فكيف يحاربونهم» 
وعرب اليوم الذين غدوا بلا عقيدة وبلا دين قد أكلهم الرعب من اليهود 
لعلمهم وسلاحهم. وعلم اليهود اليوم علم بشري وسلاحهم اليوم صنع 
غربي أو محل. لم تنقلب الاية بعد ولم تتخير الطبائع» ولم تتبدل النفوس . 


لقد كان اليهود يبددون الكيان العربي بالنبي الذي سيبعث وقد أطل 
زمانه» وكان العرب ينتظرون أن يأتي هذا النبي حتى يبادوا. فهم يعرفون أن 
اليهود أهل الكتاب الأول ب التوراة. لكن عندما تببى العرب هذا 
النبي» وساروا وراءه عرفوا أنهم لا بد قاتلو اليهود قتل عاد وارم» ١‏ (إن هذا 
هو النبي الذي توعدكم به یود فلا يسبقنكم إليه). وسبقوا اليهودء ! 
هذا النبي وآمنوا به» وعرف اليهود في قرارة نفوسهم أنهم مهزومون مالم 
يتبعوا هذا النبي» ومع ذلك رفضواء كا رأينا رفضهم مع كعب أن يدخلوا 
في الإسلام حقداً وضغينة وعصبية» لقد كانوا يعلمون أنهم يخوضون معركة 
خاسرة. وأنهم لو قتلوا عن بكرة أبيهم فلن ينتصروا على محمد النبي . وعرب 
اليوم حين يعودون إلى هذا النبي؛ ويعودون إلى هذا الدين» ويقاتلون به 
سوف تظهر طبائع اليهود» وسوف يعرى اليهود في جبنهم وتخاذهم كا تعروا 
في بني قينقاع والنضير وقريظة . 
ٍ إن الجديد في المعادلة هو أن عنصر التفاعل لم يقع بعدء. وقاتل اليهود 
عرباء ولم يقاتلوا مسلمين . وحين يقاتلون المسلمين يظهر اليهود على حقيقتهم 
بلا خلاف . وكانت المحاولة اليائسة الأخيرة من اليهود في استكناه طبيعة حكم 


۳۰٦ 


محمد ية من أحد حلفائهم أبي لبابة بن عبد المنذر. فسمح له رسول الله يك 
بالذهاب إليهم واستشاروه وسألوه عن حكم محمد بهم فاشار إليهم أنه 
الذيه2١)‏ . 

عه 


وتحركت ضمائر لائة من يهود ففروا ليلا إلى معسكر المسلمينء 
وأسلموا فعصموا دماءهم وأموالهم. كا وجد فيهم شريف واحد يرعى 
اللمام غادر معسكرهم يوم أعلنوا غدرهم برسول الله كل قائلاً: لا أغدر 
محمد أبدا . ومر على محمد بن مسلمة صاحب حرس رسول الله صلوات الله 
وسلامه عليه . فهش له بن مسلمة قائ : اللهم يا تحرمني إقالة عثرات 
الكرام» وخرج فلم يدر أحد أين توجه فقال عنه عليه الصلاة والسلام: ذلك 
رجل نجاه الله بوفائه. وكان الاستسلام الأخير: (فلا أصبحوا نزلوا على 
حكم رسول الله بء فتواثبت الأوس فقالوا: يا رسول الله إنهم موالينا دون 
الخزرج» وقد فعلت في موالي إخواننا بالأمس ماقد علمت“ فلما كلمته 
الأوس قال: ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم؟ قالوا: 
بلى؛ قال رسول الله يكل : فذاك إلى سعد بن معاذ. . . فلا حكمه رسول الله 
بل في بني قريظة أتاه قومه فحملوه على حار قد وطثوا له بوسادة من أدم؛ 
وكان رجلا جسياً جیا ثم أقبلوا معه إلى رسول الله يلد وهم يقولون: 
يا أبا عمرو» أحسن في مواليك» فإن رسول الله ب إنما ولاك ذلك لتحسن 
فیهم ؛ فلم أكثروا عليه قال: لقد أن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم. 
فرجع بعض من كان معه من قومه إلى دار بني عبد الأشهل. فنعى لهم رجال 
بي قريظة» قبل أن يصل إليهم سعد عن كلمته التي سمع منه. فلا انتهى 
سعد إلى رسول الله ب والمسلمين. قال رسول الله 5: قوموا إلى 
سيدكم . . . فقاموا إليهء فقالوا: يا أبا عمروء إن رسول الله ية قد ولاك أمر 
مواليك لتحكم فيهم؛ فقال سعد بن معاذ: عليكم بذلك عهد الله وميثاقه أن 
الحكم فيهم لا حكمت؟ قالوا: نعم» قال: وعلى من هاهناء في الناحية التي 


. ونعالج موقفه في غير هذا المجال لأن الحديث هنا عن اليهود بالذات‎ )١( 
. زفق إشارة إلى استشفاع عبدالله بن أي في بني قينقاع وقبول شفاعته‎ 


¥ 


فيها رسول الله كل وهو معرض عن رسول الله إجلالاً له؛ فقال رسول الله 
يه نعم ؛ قال سعد: فإني أحكم فيهم أن تقتل الرجالء وتقسم الأموال. 
وتسبى الذراري والنساء. فقال رسول اه علد لسعد : لقّد حکمت فيهم 


قال ابن اسحاق: ثم استنزلواء فحبسهم رسول الله ل بالمدينة في دار 
بنت الحارث. امرأة من بي النجار» ثم حرج رسول الله كل إلى سوق 
المدينة› التي هي سوقها اليوم فخندق بها خنادق» ثم بعث إليهم . فضرب 
أعناقهم في تلك الخنادق» يخرج بهم إليه أرسالاء وفيهم عدو الله 
حبي بن أخطب» وكعب بن أسد رأس القوم وهم ست مائة أو سبع مائة 
والمكثر لهم يقول: كانوا بين الثمافاثة والتسعماثة. وقد قالوا لكعب بن أسد 
وهم يذهب بهم إلى رسول الله يل أرسالاً: ياكعب» ماتراه يصنع 39 
قال: ئي كل موطن لا تعقلون؟ ألا ترون الداعي لا ينزع» وأنه من ذهب 
منكم لا يرجع؟ هو والله القتل! فلم يزل ذلك الدأب حتى فرغ منهم رسول 
الله يل وأتي بحي بن أخطب عدو الله وعليه حلة له فقاحية(“ قد شقها عليه 
من كل تلحية حت لا يسليها جموعة يداه إلى عن حل فلا نظر إلى رسول 
الله ية قال: أما والله مالمت نفسي في عداوتك. ولكنه من مخذل الله 
يخذل ثم ا الناس فقال: يا أا الناس» إنه لا باس بأمر الله» كتاب 
وقدر وملحمة كتبها الله على بني إسرائيل ثم جلس فضربت عنقه. . 


قال ابن اسحاق: ثم إن رسول الله بل قسّم أموال بني قريظة 
ونساءهم وأبناءهم على المسلمين وأعلم في ذلك اليوم سهمان الخيل» وسهمان 
الرجال» وأخرج الخمس. فكان للفارس ثلاثة أسهم. للفرس سهمان 
ولفارسه سهمء وللراجل من ليس له فرس سهم» وكانت الخيل يوم بني 
قريظة ست وثلاثين فرساًء وكان أول فيىء وقعت فيه السهمان. وأخرج منبأ 
الخمسس. .فعكى. سنتها وما مضى. ثم بعث رسول الله ب سعد بن زيد 


. فقاحية : تضرب إلى الحمرة. وقال ابن هشام: ضرب من الوشي‎ )١( 


۳۰۸ 


الأنصاري أخا بني عبد الأشهل بسبايا من بني قريظة إلى نجد فابتاع هم بها 
خيلا وسلاحا'؟. 

نزل اليهود على حكم رسول الله 2 ورفضوا كل اقتراحات زعيمهم 
كعب بن أسد» وقرروا أن يتلقوا مصيرهم على يد من نكثوا عهدهم معه. 
من حمايتهم كا فعل عبد الله بن أبي بحلفائه من بني قينقا ع. وكان تصورهم أن 
تسيطر العصبية على حلفائهم الأوس فينجوا بحياتهم على الأقل. 
الفريقين الأوس والخزرج واحدة غير أن اتجاه القيادة الف نجام القاعدة, 
فكيف يفعل رسول الله كَل أمام هذا الحرج. إنه يملك أن حسم الأمر بالقتل 
وانتهى الأمر. والأوس طوع بئأنه . غير أنه يحرص على أن لا تصدم عواطف 
جنده من الأوس» فاختار هذا الحل الموفق: ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل 
منكم . قالوا: بلى» قال: فذلك إلى سعد بن معاذ. فلقد تساوى الحيان في 
الحق. إذ حكم في بني قينقاع زعيم من الخزرج هو عبد الله بن أبي حليفهم» 
فليحكم في بني قريظة زعيم الأوس سعد بن معاذ. 

إن القيادة الحكيمة هي التي تتجنب دائ الصدام مع عواطف شبابها؛ 
و تحرص على أن مئل قناعاتهم وتطلعاتهم » بل تلبية رغباتهم » وحين تصطدم 
رغبة القيادة مع القاعدة فالقيادة بحاجة إلى حل مرح يفف جو الصدام . 

إنهم جنودها بهم تقاتل» ومن خلالمم سر قوتها ونجاحهاء وكلا 
استطاعت أن تعطي لهم الكرامة والاعتبار» كلما كان هذا أدعى إلى تلاحم 
الجانيين في صف واحد. بل راعى رسول الله كل في هذه الحرب رغبات كل 
فرد من أفراد هذا الصف. فلقد كان لرجل من اليهود جميل في علق 
القتل من قيادته فوافقت القيادة على ذلك غير أن الزبير بعد أن عفي من 


. ۲١٦-۲٤۹ السيرة النبوية لابن هشام مقتطفات من ص‎ )١( 


۳۹4 


القتل وسلم له ماله وولده وأهله قال لثابت: فإني أسألك يا ثابت بيدي 
عندك ألا الحقتني بالقوم» فوالله ماني العيش بعد هؤلاء من خير . 

وقد راعى رسول الله ية كرامة امرأة من المسلمين حين طلبت حماية 
رفاعة بن سموأل القرضي قائلة: يا نبي الله بأبي أنت وأمي هب لي رفاعة فإنه 
زعم أنه سيصلي ويأكل الحمل؛ قال: فوهبه لهاء فاستحيته. 

إن القيادة العبقرية لا تعدم وسيلة تطمشن بها جنودها على احترام رأيهم 
وتقديره حتى ولو كانت خطتها تعاكس أهواء فريتي من هؤلاء الجنود. إا لا 
تعطل خطتهاء لكن لا تتحدى رغبات جنودها بل تحرص على قناعتهم 
وإشعارهم بأمية رأيهم ووجاهته. 

صحيح أن على القاعدة أن تطيع» 'وصحيح كذلك» أن السمع 
والطاعة ليسا كل شي في علاقة القواعد مع القيادة» بل الحب» والثقةء 
والتفاني هو الأصل في العلاقة. ومن أجل ذلك كان حديث رسول الله يا 
يؤكد الخيرية في أمراء هذه الأمة من خلال الحب: خيار أئمتكم الذين تحبونهم 
ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضوهم 
ويبغضونكم, وتلعنونهم ويلعنونكم". وما أحوج قيادة الحركة الإسلامية أن 
تدرك هذا المعنى وتعمل من خلاله!. وكان بعدها حكم سعد بن معاد. 
ورسول الله يللد يرعى قيادات الجماعة المسلمةء ويعطيها الأهمية الكبرى . 
فسعد جريح في خيمة رفيدةء وكان بإمكان رسول الله يل أن مضي أمره 
بدون رأي سعد. لكنه التكريم العظيم لقائد من قادات هذه الأمة. فلا 
يحكم بأمر حلفائه إلا بحضوره. بل يوجه الجميع إلى إكبار هذا القائد: قوموا 
إلى سيدكم. فقاموا له: ويأتي دور سعد» ورسول الله ينغ مطمئن إليه. واثق 
باختياره» وعارف مدى تفانيه بحب الله ورسوله. وترفعه عن العصبية أو 
الموى أو حظ النفس» وكم أراده قومه على ذلك فقال: أن لسعد أن لا 


)١(‏ السيرة النبوية لابن هشام ص ۲٣۴۳‏ 014؟. 
(۲) السيرة النبوية لابن عشام ص ۲٣١‏ . 
(۳) رواه مسلم عن عوف بن مالك. 


۳1۰ 


تأخذه في الله لومة لائم. بل لسعد ثآر عند يبود بني قريظة حين واجهوه 
بالسباب والشتيمة» وذكرهم بعهدهم لرسول الله ي فهزئوا به. وحين 
أصايه سهم غادر من أحدهم فناجى ربه قائل 5 دعاء طويل. . . ولا متني 
حتى تشفني من بني قريظةء وها هو أمرهم كله له. فأخذ العهد على قومه 
أو بقبول حكمه» ثم على المهاجرين وأصدر حكمه بذبحهم لخيانتهم 
وغدرهم . 


إن الذي يدرك مرامي المعركة ١أبعادها‏ هم القادة الذين يعيشون 
جوهاء ومن أجل هذا وجدنا اتجاه سعد ,ضي الله عنه يمثل اتجاه الرسول تماما 
لمعرفته ببواطن الأمور وخفاياها بينما كان الأوس يدركون فقط في هذا المجال 
شرفهم وتساويهم في هذا الشرف مع الخزرج» ولا نقول الأوس جميعاًء إنها 
نقول هو تيار قوي فيهم. لكن الذي حدد الموقف تماما هو سيدهم 
سعد بن معاذ. وهذا يدعونا إلى القول: إن على القيادة العليا أن تعطي ثقتها 
الكبرى للقيادات الوسط التي هي سبيلها إلى الجنودء ونافذتها عليهاء وحين 
تعجز القيادة أن تقنع هذه القيادات الوسط فلن تصل إلى قلوب جنودهاء 
وستكبر اهوة بين الفريقين» ويتمزق الصف شذر مذر» بل يتمحور حول هذه 
القيادات الوسطى » ويشكل عقبة كؤوداً في وجه القيادة ومخططاتها. 


أما اليهودء وما أدراك ما اليهود» فها هم يساقون إلى مصارعهم. ولا 
يعرفون فيسألون زعيمهم كعب بن أسد عن الأمر فيقول لهم: أفي كل مرة لا 
تعقلون! أما ترون الداعي لا ينزع» وأنه من ذهب منکم لا يرجع؟ هو والله 
القتل. لقد أدرك ببصره الثاقب هذا المصير المروع» ونصحهم بمنعرج اللوى, 
فلم يستبيئوا النصح إلا ضحى الغدى وها هي رجاهم تبح ونساؤهم 
تسبىء وأموالهم تقسم. ويأتي زعيم الغدر والخيانة حبي بن أخطب ليمثل 
الجبلة اليهودية في كل جيل كما وصفها القرآن الكريم: (... أفكلما جاءكم 
رسول با لا تبوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون). إن 


.۸۷ البقرة من الآية‎ )١( 


۳14١ 


حبي بن أخطب ليدرك حظه من أوله. فهو يحارب الله ورسوله . وهو يعلم أن 
حمداً حق» ولكنها عنجهية الجاهلية. 

إنه أبو جهل الذي رفض الإيمان حتى لا يسبقه بنو عبد مناف» وحبي 
يرفض حت لا يسبقه بنو إسماعيل» أولاد هاجر الحاريةء إنه الحقد الأسودء 
والكيد الأعمى. والحرب لله ورسوله. ولا يشتفي من ذلك كله. والله ما لمت 
نفسي في عداوتك. إنه ليعلم أن حقده أكبر من دينه» ويعلم أنه يحارب الله 
ورسوله ولكنه من يخذل الله يخذل, إنها كلمات أبي جهل: أخبرني لمن 
الغلبة» وكان الجواب الغلبة لله ورسوله. ولقد أبقى الله لك مايخريك. 
ويجيب: وهل أعمد من رجل قتلتموه. إنه عميد القوم» وسيد البطحاء 
یقتل» وهو یری الخزي فلا ينسى شرفه» ولا ينسى حقده» إن فرعون خير 
منه حين رأى الغرق فقال: آمنت بالذي أمنت به بتو 
إسرائيل. . 

وتعود هذه الجحبلة اليهودية اليوم من جديد لتزكم الأفق» وتظهر من 
خلال آلاف الحوادث منها هذه الحادئة. وقف أحد المافقين في الشام في 
حرب حزيران عام ٩۷‏ يخطب على منبر الجامع الأموي والإذاعة تنقل خطبته 
ليحرف حديث رسول الله كل بقوله: لا تقوم الساعة حت يقاتل العرب 
اليهود فيقتل العرب اليهود. فيقول الحجر والشجر ياعربي. ياعبد الله 
ورائي بودي تعال فاقتله. إلا الفرقد فإنه من شجر اليهود. وتخرج | إذائة 
إسرائيل في اليوم الثاني لتصحح للشيخ المنافق الحديث. وتذكر له رواية. 
وتذكره به: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون 
حتى ختبىء اليهود وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر. يامسلم 
ياعبدالله. هذا بودي خلفى تعال فاقتله إلا الفرقد فإنه من شجر 
اليهود"') . ۰ 


والذي يعنيناأ من الحديث هو معرفة اليهود بمصيرهم المشؤوم ‏ أو 


. رواه مسلم‎ )١( 


۳۱۲ 


قياداتهم على الأقلء ومعرفتهم أن النصر للمسلمين» لكنهم واثقون كذلك 
أنهم يقاتلون عرياً بدون عقيدة وبدون إسلام. . وهم مطمئنون | إلى نصرهم في 
هذه الحالة لما يبذلون من جهد. ويخططون من كيد. ولأجم حين يحاربون 
المسلمين فهم منهزمون» ومع ذلك فهم يقاتلون» ويقولون كا قال زعيمهم 
حبي إنه لا بأس بأمر الله كتاب وقدر وملحمة كتبها الله على بني إسرائيل. 

أما الان فكا قال الله تعالى عنهم لإولن ترضى عنك اليهود ولا 
النصارى حتى تتبع 0 * وكما قال الله تعالى ولا يزالون يقاتلونكم 
حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا. . 4 وهم مطمئنون اليوم أن الحرب 
الحقيقية لم تقم بعد وأنهم حين يواجهون عنفاً في حرب فا يكون وراءه 
مسلمون حقيقيون» إنها تماذج بطولات فردية» وهاهم العرب اليوم كلهم 
يعلنون سلمهم مع مېود ويطلبون متها الصلح. ونباية اليهود التي كانت في 
بني قريظة ستكون نهايتهم إن شاء الله على أرض فلسطينء الأرض الباركة 
التي وعد الله تعالى فيها بنصر جنده المؤمنين. وكانت أسلحتهم وأموالهم 
غنيمة للمسلمين. يقول المقريزي في إمتاع الأسماع (وجمعت أمتعتهم وما 
وجد في حصونهم من الحلقة والأثاث والثياب. فوجد فيها ألف وخسمائة 
سيف وثلاثمائة درع. وألفا رمح» وألف وخسمائة ترس وجحفة» وأثاث 
كبير» وآنية كثيرة وخر وجرار سكر فهرق ذلك كله. ولم خمس» ووجد من 
الجمال النواضح عدة» ومن الماشية شيء كثير فجمع هذا كله. . .7). ول 
يكتف رسول الله لل بذلك. بل ابتاع بسبايا بني قريظة الخيل والسلاح من 
نجد. لقد كانت المعركة شوكة كبيرة للمسلمين ونصراً ماحقاً لليهردء وإنهاءً 
لوجودهم في المديئة بعد ست سئوات من التعايش القلق. وهذا ماقاله 
سلام بن مكشم زعيم بني النضير بعد حبي بن أخطب والذي أقام في خيبر 
وتلقى مع بقية اليهود نبا مقتل بني قريظة صبرأً بالسيف: (هذا كله عمل 
حبي بن أخطب لا قامت ودية بالحجاز بدا ). ولكن هذا الحكم العادل» 


.148 امتاع الأسماع للمقريزي ج١ ص‎ )١( 
.٠٠۳ امتاع الأسماع للمقريزي ج١ ص‎ )۲( 


۳1۳ 


لم يكن غضباً لنفس أو إهانة لادمية. فلقد حرص عليه الصلاة والسلام على 
أن لا يكون التشفي والثأر هو الذي يسيطر على الموقف. (فلقد جابذ نباش 
ابن قيس الذي جاء به (لقتله) حتى قاتله ودق أنفه فأرعفه. فقال يكل لذي 
جاء به: م صنعت به هذا؟ أما كان السيف كفاية! ثم قال: | أحسنوا 
إسارهم ٠‏ وقيُلوهم واسقوهم» لا تجمعوا عليهم حر الشمس وحر السلاح. 
وكان يوماً صائفاً» فقيّلوهم وسقوهم وأطعموهم . فلا أبردوا راح رسول الل 
ب فقتل من بقي منهم. .). 


إنبا عظمة النبوة التي تحترم آدمية الإنسان» ولو كان يهودياً حكم الله 
تعالى به القتل › واليوم وفي أقبية سيجول من يسمون (بالمسلمين) من المأسي 
وفنون التعذيب والتجويع والإهانة والسحق مايشيب من هوله الولدان» 
والأصل هو إهانة كرامة الإنسان وتمريغه بالتراب» وتجريعه غصص العذاب 
الذي يترفع عنه الوحوش» وكا يقول سيد رحمه الله: إن الوحوش تأكل 
لتقتات أما هؤلاء فيتلذذون بالعذاب . ويبقى الإسلام الذي يكرم الإإنسان 
بصفته إنساناً فيعاقبه با يستحق دون شهوة غضب وحقد وتشبٍ تنيله أكثر مما 


ويطالعنا في نباية المطاف التجاوب العميق بين الأرس وبين قرار 
سيدهم سعد رضي الله عنه بعد أن قال له رسول الله وَل : لقد حكمت 
بحكم الله من فوق سبع سموات والتسابق في التنفيذ. فجاء أسيد بن حضير 
السيد الثاني للأوس فقال: ريا رسول الله لا تبقين دارٌ من دور الأوس إلا 
فرقتهم فيها. ففرقهم في دور الأنصار فقتلوهم). وأعلن سعد أن الكاره لهذا 
القرار هو خارج عن الخيرية والهدى: ما كرهه أحد من الأوس فيه خير» ومن 
كرهه فلا أرضاه الله. وهكذا انتهث اليهودية في المدينة على تلك المراحل 
المتلاحقة حيث تلقى كل فريق جزاءه من جنس عمله» قينقاع والنضير 
وقريظة» وأعطانا هذا الحكم. حرية القيادة في مواجهة العدو با يناسب 


المصدر نفسه ص ۲٤۸‏ . 


۳14 


ظروف المعركة» وإمكانيات المسلمين» وجريمة العدو» دون قيود تغل حركة 
القيادةء إلى أن يأذن الله تعالى بالفتح المبين للمسلمين مع أعدائهم (تقاتلونهم 
أو يسلمون. 56 


السمة السادسة عشرة 
ليل المحئة الطويل وخطره 


لقد لقي المسلمون في مكة شدة. وتمت تربية الجيل الأول من 
المهاجرين من خلال المحنة. أما الأنصار فلقد عاشوا ميلاد الدولة الجديدة, 
وتوج هذا الميلاد الجديد بالنصر المؤزر يوم بدر» وطارت القلوب فرحا بهذا 
اللصر» حتى حسب المسلمون أنه لا هزيمة بعد اليوم» خاصة وقد قاتلث 
الملائكة ووقعت المعجزة الحسية. وانتصر المسلمون العزل القلة على الكفار 
الكثرة المدججين بالسلاح› ومن أجل ذلك عندما لاحت بوارق حرب جديدة 
تسارع المسلمون زرافات ووحداناً على دخوفاء ولم يتمالكوا أنفسهم من 
الانضواء فيهاء وعندما بدا لهم أن رسول الله كلع يرغب البقاء في المدينة 
للدفاع عنها ما تمالكت أعصابهم هذا الأمر» واندفعوا بوعي وبغير وعي 
يطالبون بالخروج لملاقاة العدو. وم لا يكون ذلك؟ فالعدو كافرء وهم 
مؤمنون» ونصر الله تعالى قائم للمؤمنين على الكفار. يقول المقريزي: 
(... فقال فتيان أحداث لم يشهدوا بدرأ» وطلبوا الشهادة. وأحبوا لقاء 
العدو: احرج بنا إلى أعدائنا. وقال حمزة. وسعد بن عبادة» 
والنعمان بن مالك في طائفة من الأنصار: «إنا نخشى يا رسول الله أن يظن 
عدونا أنا كرهنا الخروج إليهم جبناً عن لقائهم. فيكون هذا جرأة منهم 
علينا؛ وقد كنت في بدر في ثلاثمائة رجل فظفرك الله عليهم» ونحن اليوم 
بشر كثير؛ قد كنا نتمنى هذا اليوم وندعو الله بهء فساقه الله إلينا في 
ساحتنا». ورسول الله كل لما يرى من إلحاحهم كاره» وقد لبسوا السلاح. 
وقال حمزة: والذي أنزل عليك الكتاب بالحق لا أطعم اليوم طعاماً حتى 
أجالدهم بسيفي خارجاً من المدينةء وكان يوم الجمعة صائياً ويوم السبت 


۳10 


صائياً. وتكلم مالك بن سنان. وإياس بن أوس بن عيتك في معنى الخروج 
للقتال» فلم أبوا إلا ذلك صلى رسول الله يك الجمعة بالناس» وقد وعظهم» وأمرهم 
بالجد والجهاد. وأخبرهم أن النصر لهم ما صبروا('». ولقد وصف القران الكريم 
هذه الحالة النفسية العالية فقال: ولقد كنتم تمئون الموت من قبل أن تلقوه. 
فقد رأيتموه وأنتم تنظرون620. من هذه الذروة في الثقة بالنصرء والجيش 
يمضى بمعنويات عاليةء كانت المفاجأة الأول في انسحاب ثلث الجيش عائداً 
إلى المدينة» ومع ذلك فلم يفت هذا الأمر في أعضاد الناس» وتسارع 
الصبيان للانضمام للجيش. فأعادهم رسول الله ب إلى المدينة.» وتحقق 
النصر الأول كما قال القرآن الكريم كذلك. طولقد صدقكم الله وعده إذ 
تحسونهم بإذنه. .420 . واستطاع سبعمائة مقاتل أن يحققوا نصراً ساحقاً على 
ثلاثة الاف من المشركين: كا يقول المباركفوري عن هذا النصر: (هكذا 
دارت رحى الحرب الزبون» وظل الجيش الإسلامي الصغير مسيطراً على 
الموقف كله» حتى خارت عزائم أبطال المشركينء وأحذت صفوفهم تتبدد عن 
اليمين والشمال والأمام والخلف. كأن ثلاثة آلاف مشرك يواجهون ثلاثين 
ألف مسلم لا بضع مئات قلائل» وظهر المسلمون في أعلى صور الشجاعة 
واليقين . 

وبعد أن بذلت قريش أقصى جهدها لسد هجوم المسلمين أحست 
بالعجز والخورء واتكسرت همتها ‏ حتى لم يجترىء أحد منہا أن يدنو من لوائها 
الذي سقط بعد مقتل صواب . فيحمله ليدور حوله القتالء فأاخحذت في 
الانسحاب» ولجأت إلى الفرار» ونسيت ما كانت تتحدث به في نفوسها من 
أخذ الثأر والوتر والانتقامء وإعادة العز والمجد والوقار؛»). 


وقال ابن اسحاق: (ثم أنزل الله نصره على المسلمين» وصدقهم 
وغذه. فحسوهم بالسيوف حقى كشفوهم عن المعسكر» وكانت المزية لا شك 


.١١!//1١ امتاع الأسماع للمقريزي:‎ )١( 
.1417“ آل عمران: الآية‎ )۲( 

(۳) آل عمران من الآية ٠١۴۳‏ . 

(4) الرحيق المختوم ص ۲۹۳ . 


۳۹٦ 


فيها. روى عبد الله بن الزبير عن أبيه أنه قال: والله لقد رأيتنى أنظر إلى 
خدم - سوق هند بنت عتبة وصواحبها مشمرات هوارب ما دون أخذهن 
قليل ولا كثير"'“) . ومن هذه القمة السابقة تبدأ الابتلاءات والمحن. 
أ محنة أحل: 

يصف المقريزي هذه المحنة بقوله: (وكانت الريح أول النهار صباء 
فصارت دبورا وبيئا المسلمون قد شغلوا بالبب والغنائم ؛ إذ دخلت الخيل 
تنادي فرسانها بشعارهم (يا للعزى» يالهبل) ووضعوا في المسلمين السيوف 
وهم آمنون» وکل منهم في يديه أو في حضنه شيء قد أخذه» فقتلوا فيهم 
قتلاً ذريعاً» وتفرق المسلمون في كل وجه» وتركوا ما انتهبواء 58 
أسروا. وكسر خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل في الخبل إلى موضع 
الرماة» فرماهم عبد الله بن جبير بمن معه حتى قتل» فجردوه ومثّل به أقبح 
المئلء وكانت الرماح قد شرعت في بطنه حتى خرقت مابين سرته إلى 
خاصرته إلى عانته وخرجت حشوته» وجرح عامة من كان معه» وانتقضت 
صفوف المسلمين. ونادى إبليس عند جبل عينين - وقد تصور في صورة 
جعال بن سراقة ‏ إن محمدا قد قتل. ثلاث صرخات؛ فا كانت دولة أسرع 
من دولة المشركين. واختلط المسلمون وصاروا يقتلون» ويضرب بعضهم 
بعضاً ما يشعرون من العجلة والدهش» وجرح أسيد بن حضير جرحين ضربه 
أحدهما أبو بردة بن نيار وما يدري ؛ وضرب أبو زَعنة أبا بردة ضربتين وما 
يشعر» والتقت أسياف المسلمين على اليمان وهم لا يعرفونه حين اختلطوا 
وحذيفة يقول: أبي! أبي!! حتى قتل. فقال حذيفة: يغفر الله لكم وهو أرحم 
الراحمين. فزادته عند رسول الله كلا حيرا وأمر رسول الله بديته أن تخرج 2 
فتصدق حذيفة بن اليمان بديته على المسلمين. . 


وأقبل الحباب بن المنذر بن الجموح يصيح : يا آل سلمة!! فأقبلوا إليه 
عقا واحدة: لبيك داعى الله! فيضرب يومئذ جبار بن صخر في رأسه وما 


يدري» حتى أظهروا الشعار بينهم فجعلوا يصيحون: أمت أمت فكف 
)١(‏ السيرة النبوية لابن هشام "ا / كم 


۴1¥ 


بعضهم عن بعض . وقتل مصعب بن عمير وبيده اللواء. . وتفرق المسلمون في 
کل وجه» وأصعدوا في الجبل لما نادى الشيطان: قتل محمد. . . وصار أبو 
سفيان بن حرب يقول : يا معشر قريش أيكم قتل حمدا؟ فقال ابن قميئة : : أنا 
قتلته! قال: نسورك) كا تفعل الأعاجم بأبطالها. وجعل يطوف باي عامر 
الفاسق في المعرّكء هل يرى محمدأ؟ وتصفح القتل فقال: مانرى مصرع 
محمد؛ كذب ابن قميئة. ولقي خالد بن الوليد فقال: هل تبين عندك قتل. 
محمد؟ قال: رأيته قبل في نفر من أصحابه مصعدين في الجبل. قال أبو 
سفيان: هذا حق. وجعل رسول الله ية - وقد انكشف الناس إلى الجبل 
وهم لا يلوون عليه يقول: إل يا فلانء إل يا فلان؛ أنا رسول الله! فبا 
عرج واحد عليه. هذاء والنبل يأتيه ية من كل ناحية» وهو في وسطها والله 
يصرفها عنه. . 


وكان أربعة من قريش قد تعاهدوا وتعاقدوا على قتل رسول الله ول 
وعرفهم المشركون بذلك وهم : عبد الله بن شهاب› وعتبة بن أي وقاص» 
وعمرو بن قميئة وأبي بن خلف» ورمى عتبة يومئذ رسول الله - كك - بأربعة 
أحجار فكسر رباعيته» وشج في وجنتيه حتى غاب حَلْقُ المغفر('© في وجنته» 
وأصيبت ركبتاه ومحشتا'؟. . 


وقتل من المسلمين بأحد ریسا وسبعون: أربعة من قريش وسائرهم من 
الأنصار. . . وجعل عبد الله بن أبي والمنافقون يشتمون معه» ويسرون بما 
أصاب المسلمينء ويظهرون أب القول. فيقول ابن أي لابنه عبد الله - وهو 
جريح قد بات يكوي جراحه بالنار-: ما كان خروجك معه إلى هذا الوجه 
برأي! عصاني محمد وأطاع الولدان والله لكأني كنت أنظر إلى هذا؛ فقال 
ابنه: الذي صنع الله لرسوله وللمسلمين خير. . وأظهرت اليهود القول 
السيء فقالوا: ما محمد إلا طالب ملك! ما أصيب هكذا نبي قط أصيبفي 


(1) نسوّرك: نلبسك الأساور كسواري كسرى. 
(۲) المغفر: جلق وزرد ينسج من الدروع على قدر الرأس. 
زفية مجشتا: خدشتا خدشاً شديداً. 


۳1۸ 


بدنه» وأصيب في أصحابه! وجعل المنافقون يخذلون عن رسول الله ب 
أصحابه» ويأمرونهم بالتفرق عنه» ويقولون: لو كان من قتل منكم عندنا 
ماقتل. وسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذلك في أماكن. فمشى إلى 
رسول الله كلو يستأذنه في قتل من سمع ذلك منه من هود والمنافقين» فقال 
عليه السلام : ياعمرء إن الله مظهر دينهء ومعز نبيه» ولليهود ذمة فلا 
أقتلهم ؛ ؛ قال. فهؤلاء المنافقون!! قال: أليس يظهرون شهادة أن لا إله إلا 
اللهء وأني رسول الله؟ قال: بلىء يارسول الله! وإنما يفعلون ذلك تعوذاً من 
السيف. فقد بان لنا أمرهم. وأبدى الله أضغانهم عند هذه النكبة! فقال: 
نيت عن قتل من قال لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله: يا ابن الخطاب» 
إن قريشاً لن ينالوا منا مثل هذا اليوم حتى نستلم الركن). 


لقد كانت المعركة كا نرى انعطافة خطيرة في سلم النصر. ولم يعهد 
المسلمون مثل هذا أبدأء ولقد أوضح القرآن الكريم في الآبات التي نزلت 
في أحد هذه المعاني والأوضاع النفسية التي عاناها المسلمون ما هو أكبر من 
الوصف البشري القاصر. ولقد تناول الحديث الوضع والوهن الذي أصاب 
المسلمين عامة: ثم ا الخاصة للمنافقين منهم. ثم ثم الأوضاع الخاصة 
للربانيين منهم .ل . . إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله» وتلك الأيام 
نداولها بين الناس وليعله الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء, والله لا يحب 
الظالمين» وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين. أم حسبتم أن تدخلوا 
الجنة ولا يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين» ولقد كنتم تمنون 
الوت من قبل أن تلقوه» فقد رأيتموه وأنتم تنظرون؛ وما محمد إلا رسول قد 
خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم» ومن ينقلب 
على عقبيه فلن يضر الله شيئأء وسيجزي الله الشاكرين. . . 4 فلقد كان خبر 
مقتل رسول الله ي زلزلة عامة للصفوف» وكان الانقلاب على الأعقاب على 
أثره ظاهرة عامة لم ينج منها إلا القليلء وهم الربانيون الذين قاتلوا معه. 


. مقتطفات من غزوة أحد للمقريزي من الصفحات 155-1117 امتاع الأسماع جا‎ )١( 
من سورة آل عمران.‎ ١44 - ۱۳۴۹ الآيات‎ )۲( 


۳1۹ 


وأن يكون الحديث عن صف النبوة هذه الصرامة ليدل أعمق الدلالة على 
عظم هذه المحنة. 

إننا كثيراً ما نندفع في التقليل من شأن القائد بحجة أننا أصحاب 
فكرة» ونغالي في هذا الأمر. حتى لكأن القائد للجماعة لا يعدو أن يكون 
جندياً عادياً. ونرى حب القائد والتفاني في سبيله والتعلق به وثنية. فنكرر 
الجملة المعهودة: إذا غابت الفكرةء برز الصنم. وإن كنا في هذا الموقف أمام 
رسول رب العلمين» وليس قائدأ بشريا فقط. لكن هذا يعني من طرف آخخر 
أهمية القائد الذي تلتقي القلوب عليه» ودوره في تلاحم الصف وتاخيه, 
ولكم رأينا خالد بن الوليد رضي الله عنه في المعارك التي خاضها كيف كان 
يدفع بالصف كله إلى التضحية حين يكون أول من يخرج للمبارزة. 


القرآن الكريم يقرر أن المسلمين الصحابة من الجيل الأول تزلزلوا لخبر 
مقتل رسول الله صلوات الله عليه. وإن كان لا يعذرهم بهذا الموقف. لكنه 
في الوقت نفسه يثني الثناء العطر على الذين ذادوا عنه وقاتلوا بجواره. #وكاين 
من نبي قاتل معه ربيون كثيرء فا وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا 
وما استكانوا والله يحب الصابرين. .©2١.‏ 

إننا بحاجة ونحن نربي هذه الجماعة المسلمة أن نوازن بين هذين 
الأمرين دون طغيان . الأمرالأول: ربط الحنود بقائدهم ربطاً وثيقاًء ربط حياة 
وموت» واندفاعاً إلى الاستشهاد وراءه» وتلبية لأمره» وذوداً عنه. 

الأمر الثاني : أن يكون عمق العقيدة وحبها أكبر من حب القائد في 
القلبء فلو سقط القائد فلا بد من الموت على مامات عليه» والسير على 
مهجه. ولئن تزعزع فلتكن العقيدة أكبر منه» وما حبه والتفاني ذوداً عنهء إلا 
لأنه يمثئل الاستقامة على منهج اللهء ولا بد أن نشير كذلك إلى عذر الشباب 
حين يفقدون القائد الذي يرون به المثل الأعلى» ويتحركون من خلاله» وما 
أحوج الجماعة المسلمة إلى هذا النموذج» وهذه النماذج. ٠‏ 


.145 آل عمرانء الآية‎ )١( 


TY 


#... ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم. 
وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنياء 
ومنكم من يريد الآخرة» ثم صرفكم عنهم ليبتليكم» ولقد عفا عنكم» والله 
ذو فضل على المؤمنين , إذ تصعدرن ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في 
أخراكم. فأثابكم غا بغم . لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابکم» والله 
خبير بما تعملون. ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً يغشى طائفة 
منكمء وطائفة قد امتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظَنْ الجاهلية يقولون 
هل لنا من الأمر من شيءء قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم مالا 
يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا قل لو كنتم في 
بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله مافي 
صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور. إن الذين تولوا 
منكم يوم التقى الجمعان إنما استزمم الشيطان ببعض ما كسبواء ولقد عفا 
الله عنهم إن الله غفور حليم. يا أبها الذين أمنوا لا تكونوا كالذين كفروا 
وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزئ لو كانوا عندنا ما ماتوا 
وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يجبي ويميت والله بما تعملون 
بصير. ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير نما يجمعون, 
ولثن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون. فبا رحمة من الله لنت لهمء ولو كنت 
فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في 
الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين )4 . 

يقول المقريزي واصفاً هذه الحالة: (ولكن المسلمين أتوا من قبل الرماة 
فإن المشركين لا انبزموا وتبعهم المسلمون يضعون السلاح فيهم حيث شاؤوا 
ووقعوا ينتهبون عسكرهم» قال بعض الرماة لبعض لم تقيمون ها هنا في غير 
شيء؟ قد هزم الله العدو» وهؤلاء إخوانكم يتتهبون عسكرهم! فادخلوا 
عسكر المشركين فاغنموا مع إخوانكم . فقال بعضهم ألم تعلموا أن رسول الله 
يه قال لكم: احموا ظهورناء ولا تبرحوا مكانكم؛ وإن رأيتمونا نقتل فلا 


. ٠۵۹۔۱۵۲ سورة آل عمران. الآيات.‎ )١( 


۲١ 


تنصروناء وإن غنمنا فلا تشركونا احموا ظهورنا؟ فقال الاخرون لم يرد رسول 
الله هذا. وانطلقواء فلم يبق منهم مع أميرهم عبد الله بن جبير إلا دون 
العشرة. وذهبوا إلى عسكر المشركين ينتهبون"'“) . 

نحن أمام صورة حددها القران الكريم بقوله 0 . حتى إذا فشلتم 
وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم 
من يريد الآخرة. . . 4. فلقد حدث طارىء جديد قلب موازين القوى في قلب 
المعركة. هذا الطارىء هو الفشل والتنازع في الأمرء والميل إلى الدنيا. 
والفشل هنا ضعف ووهن أمام إغراء الدنيا وزينتهاء واختلفت الاراء حول 
الموضوع بين من يرى اللحوق بالغنائم ومن يرى الثبات في الجبل. يقول 
الشهيد سيد رحمه الله في التعليق على هذه الآية: «وهو تقرير لال الرماة. 
وقد ضعف فريق منهم أمام إغراء الغنيمة» ووقع النزاع بينهم وبين من يرون 
الطاعة المطلقة لأمر رسول الله بي - وانتهى الأمر إلى العصيان بعدما رأوا 
بأعينهم طلائع النصر الذي يحبونه. فكانوا فريقين: فريقاً يريد غنيمة الدنياء 
وفريقاً يريد ثواب الآخرة , وتوزعت القلوب فلم يعد الصف وحدة. وم بيعل 
الهدف واحداً. وشابت المطامع جلاء الإخلاص والتجرد الذي لا بد منه في 
معركة العقيدة. فمعركة العقيدة ليست ككل معركةء إنها معركة في الميدان 
ومعركة في الضمير. ولا انتصار في معركة الميدان دون الانتصار في معركة 
الضمير. إنها معركة الله فلا ينصر الله فيها إلا من خلصت نفوسهم لله 
وماداموا يرفعون راية الله وينتسبون إليهاء فإن الله لا يمنحهم النصر إلا إذا 
محصهم ومحضهم للراية التي رفعوها؛ كي لا يكون هناك غش ولا دخل ولا 
تمويه بالراية. ولقد يغلب المبطلون الذين يرفعون راية الباطل صريحة في بعض 
المعارك - لحكمة يعلمها الله أما الذين يرفعون راية العقيدة رلا يخلصرن ها 
إخلاص التجرد» فلا يمنحهم الله النصر أبداً حت يبتليهم فيتمحصوا 
ويتمحضوا. . . وهذا ما يريد القرآن أن لوه للجماعة المسلمة بهذه الإشارة 
إلى موقفهم في المعركة» وهذا ما أراد الله سبحانه أن يعلمه للجماعة 


ˆ .178 ۱۲۷ المقريزي. امتاع الأسماع ج1١ ص‎ )١( 


YY 


المسلمة. وهي تتلقى المريمة المريرة» والقرح الأليم ثمرة لهذا الموقف 
المضطرب المتأرجح: (منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة). والقرآن 
يسلط الأضواء على خفايا القلوب» التي ماكان المسلمون أنفسهم يعرفون 
وجودها في قلويهم . . عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ما كنت أرى 
أن أحداً من أصحاب رسول الله 5ة - يريد الدنياء حتى نزل فينا يوم 
أحد: «منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الأخرة) . وبذلك يضع قلوبهم 
أمامهم مكشوفة با فيها؛ ويعرف من أين جاءتهم الحزيمة ليتقوها! وفي الوقت 
ذاته يكشف لهم عن طرف من حكمة الله وتدبيره وراء هذه الالام التي 
تعرضوا لها؛ ووراء هذه الأحداث التي وقعت بأسبامها الظاهرة: ثم صرفهم 
عنكم لييتليكم» . 

لقد كان هناك قدر الله وراء أفعال. البشر. فلا أن ضعفوا وتنازعوا 
وعصوا صرف الله قوتهم وبأسهم وانتباههم عن المشركين» وصرف الرماة عن 
ثغرة الجبل. وصرف المقاتلين عن الميدان . فلاذوا بالفرار. وقم كل هذا 
مرتبا على ما صدر منهم . ولكن مديرا من الله ليبتليهم بالشدة والخوف واهزية 
والقتل والقرح› وما يتكشف عنه هذا كله من كشف مکلونات القلوب» ومن 
تمحيص النفوس» وتميز الصفوف ‏ كا سيجيء' . 

ويقف المسلم أمام قول الله عز وجل مرة ثانية #.. حتى إذا فشلتم 
وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا 
ومنكم من يريد الآخرة. . . 4 فمن الذي فشل وتنازع وأحب الدنيا؟ 

ظاهر الأمر أن هذا الكلام منصب على الرماة السبعين» وهم عشر 
الصف الإسلامي» هم عشر الجيش. والتنازع قد وقع بينهم بين من يريد أن 
ينفذ أمر رسول الله به ويريد الآاخرةء وبين من نازعته نفسه إلى الغنيمة في 
الدنيا. خطيئة يقع بها أقل من عشر الجيش - لأنه بقي على الجبل حوالي 
العشر- فتنزل العقوبة بالجيش الإسلامي كله. وينتزع منه النصر بأمر الله 
سبحانه ‏ وقائد الجيش محمد رسول الله فا هو الميزان في ذلك؟ 


)١(‏ في خلال القرآن» سورة آل عمران» ص ٠١8-1١١5‏ المجلد ۲ ط دار إحياء التراث العربي. 


Y۳ 


إن الله تعالى العليم با في القلوب» يعرف من هم من غير الرماة 
يريدون الدنياء فالظاهرة ليست محصورة فيهم. ولا شك في ذلك. لأن 
المنافقين الذين هاجمهم القرآن الكريم لتخاذههم أمام المحنة لم يكونوا من 
الرماةء ولا نشك في إرادتهم للدنيا وحبهم لما. لكننا نقول كذلك أن في 
جيش محمدٍ ئ غير الرماة وغير المنافقين» من يحبون الدنيا يركنون لما 
وإرادة الله تعالى سبحانه أن يعاقب جيش فيه أمثال هؤلاء. ولا شك أن 
معصية واحدة واضحة صريحة صدرت من عشر الجيش انعكس أثرها على 
الجيش نفسه» بل على قائده محمد و وقد شج وجهه» وكسرت رباعيته 
وأدميت شفته. ونقارن بين قضيتين: 


لقد كان المنافقون المنسحبون في بداية الأمر ثلث الجيش. ومع هذا 
العدد الضخم فلم يحرم المؤمنون النصرء أو يستحقوا العقوبة وثلثهم من 
المنافقين. ويشير القرآن كذلك إلى وجود المنافقين في الجيش بعد الثلث الذي 
انفصل» وذلك في الحديث عنهم طوطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير 
الحق ظن الجاهلية. . . # وذلك في الحديث عنهم كذلك يا أا الذين آمنوا لا 
تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخواهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو 
كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا. . . #. والمنافقون هم إخوان الكافرين من اليهود 
بلا شك. ومن هؤلاء المنافقين من مات أو قتل في المعركة في أحد. 


مع وجود المنافقين في الجيش» ومع انفصال المنافقين عنه. مع هذا 
العدد الضخم كله لم يحرم المؤمنون النصرء وفيهم قرابة النصف لأن الله تعالى 
قال: «ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه . فلقد استحقوا موعود 
الله بالنصر رغم انفصال ثلث الجيش» وانكشاف البقية من المنافقين. إثما 
كانت العقوبة من أجل هذا العشر الذي عصى بوضوح أمر رسول الله كا 
وقد رأى ما يحب من موعود الله» من أجل هذا العشر ومن معه من الذين 
أحبوا الدنيا وأرادوها فكانت العقوبة: لثم صرفكم عنهم ليبتليكم» وهذا 
الابتلاء عفو من الله وهذه المحنة عفو من الله ولقد عفا عنكم والله ذو 
فضل على المؤمنين. 


فس 


إن معصية الصف المؤمن. والخلل فيه أضخم بكثير من معصية 
المنافقين المدسوسين في الصف, فالمؤمنون أعظم عند الله تعالى من أن يعاقبهم 
لوجود المنافقين والمندسين فيهم بغير علمهم. إنما يستحقون العقوبة عندما 
ينحدرون هم أو ينحدر بعضهم فيعصي أمر قيادته» ويعصي أمر رسول الله 
يكل فيعاقب بهم الجيش كله. وحسبنا هذا الدرس العنيف ليكون أمام الحركة 
الإسلامية ولتعرف من أين تؤتى. إنها لا تؤق مما هو أكبر من طاقتهاء من 
المنافقين المتسللين المندسين في الصف» فالله تعالى يصرف بلاءهم وكيدهم, 
إنما تؤق من ضعف التربية في هذا الصف» فيكون الجندي المسلم أدنى من 
المستوى المطلوب» ولو كان هؤلاء قلة في الجيش. 

وليس بعيداً عنا ماوقع للحركة الإسلامية في بعض معاركها مع 
الطاغوت. فلقد كانت المخالفة الصريحة من جندي خرج على قيادثه بعد أن 
كان منها مع المجموعة التي معه. ومع التوجيهات التي أصدرها للداخل باسم 
هذه القيادة أن وقعت مأساة القرن في حماةومحاولة إبادة البلد با فيها ويمن 
فيها. وكانت المحنة الرهيبة التي ذهب ضحيتها الألوف من المقاتلين ومن 
الرجال والنساء والأطفال الذين لا يستطيعون حيلة ولا يبتدون سبيلا. ولا 
شك أن هذه المحنة أسباباً أخحرى غير هذه المخالفة. ولكن السبب المباشر لها 
هو هذا الموقف. كما كان السبب المباشر لمحنة أحد هو موقف الرماة الستين. 

ونستطيع أن نؤكد أن هله الأمور التي تم الامتحان من أجلها من 
الفشل والتنازع وحب الدنيا ليست خاصة ببؤلاء المخالفينء إنما هي ظاهرة 
عامة تشمل الصف كله قاعدة وقيادة. فمن هذا الصف من يريد الدنياء ومن 
هذا الصف من يريد الآخرة. فكان قدر الله تعالى أن يصرف المؤمنين عن 
الكفار» ويكون الابتلاء للمؤمنين» ويكون عفو الله وفضله عليهم أن لا 
ينالهم المحق كما نال الكافرين» وأن يتخل منهم شهداء والله لا يحب الظالمين. 

ولقد كان حكم الله تعالى على الصف الإسلامي في أحد أن أوضح 
الفرق كذلك بين الفريقين من المؤمنين ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة 
نعاساً يغشى طائفة منكم © . فالذين يريدون الاخرة جاهدوا وصبرواء وسكب 
الله تعالى في قلوبهم السكينة والأمن إلى درجة لا يكاد يصدقها العقل لو كانت 


9 


في غير كتاب الله وسيرة رسولهء أن يبلغ الأمن حد النعاس يغشى المؤمنين في 
قلب المعركة. والسيوف كالصواعق تنصب من كل جانب والتبال تتهمر 
كالمطر» وخيل المشركين ام الصفوف» والمؤمنون أثبت من الجبال في 
قلوهم كا يقول أبو طلحة: (رفعت رأسي يوم أحد. وجعلت انظ 
وما مہم يومئذ أحد إلا ميل : تحت جحفته من النعاس) . وفي رواية أخرى 
عنه: غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد. فجعل سيفي يسقط من 
يدي وآخذه» ويسقط وآخذه). والفريق الاخر وصل به الضعف والوهن إلى 
عودة النفسية الجاهلية لديه ودخل الخلل إلى تصوراته العقيدية كذلك 
«وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية» يقولون هل 
لنا من الأمر من شيء؛ قل إن الأمر كله لله » يخفون في أنفسهم ما لا يبدون 
لك » يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا» قل لو كنم في 
بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله مالي 
صدوركم» وليمحص مافي قلوبكم ولله عليم بذات الصدور». والفريق 
الثالث لم يتمالك في المعركة فلاذ في الفرار إن الذين تولوا منكم يوم التقى 
الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبواء ولقد عفا الله عنهمء إن الله 
غفور حليم420. لاذوا بالفرار وما يمر عليهم سنتان من الزمان بل سنة واحدة 
حين نزل عليهم قول الله عزوجل: يا أا الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا 
زحفاً فلا تولوهم الأدبارء ومن يوهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً 
إلى فئة فقد باء بغضب من الله » ومأواه جهنم وبئس المصير»4 . ورسول الله 
ية في المعركة. فليس فئتهم حتى يتحيزوا إليه في المدينة» ولقد عفا الله عنهم 
لشدة الهول الذي لاقوه. حين أطبق عليهم الكفار. 

إن ضخامة المحنة تظهر في الوضع الذي انتهى إليه خيش النبوةء بين 
النماذج الإبمانية العالية التي تمثلت في: 


(۱) رواه الترمذي والنسائي والحاكم . 
(۲) سورة ال عمران ٠١٤‏ . 
(۳) سورة آل عمران ٠١١‏ . 
(4) سورة الأنفال الأية ٠١‏ . 


قف 


١‏ الربانيين: «وكأين من نبي قاتل معه» ربيون كثير. فا وهنوا لما أصامهم في 
سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين» وما كان قوهم 
إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبئا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا 
على القوم الكافرين7' »4 . 

؟ ‏ الذين أصابهم النعاس أمنة منه: ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة 
نعاساً يغشى طائفة منكم. . .”“). 

 #“‏ الذين ثبتوا بعد المحنة : «الذين قال هم الناس إن الناس قد جمعوا لكم. 
فاخشوهم فزادهم إيماناً» وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل» فانقلبوا بنعمة 
من الله وفضل ل يمسسهم سوء. . .). 

٤‏ - الذين قضوا شهداء في المعركة: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله 
أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون» فرحين بما أتاهم الله من فضله. 
ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولاهم 
يحزنون» يستبشرون بنعمة من الله وفضل. . .). 

ه ‏ الذين استجابوا للنداء رغم القرح والجراح: «الذين استجابوا لله 
والرسول من بعدما أصابهم القرح» للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر 
عظیہ(“) . ۰ 

ثم النماذج الضعيفة التي هزتها المحنة من الأعماق وهي التي تحدثنا 
عنها من قبل لكن الصف كله قد نالته المحنة بصورة من الصورء إضافة إلى 
الجو العام » والرأي العام العربي الذي وصل إليه أبناء هذه المحنة» وأن 
قريشأ قد انتقمت من رسول الله يل وقتلت زهرة أصحابه» ولم يكن مقتل 
الحمزة ذا أثر قليل في هذه الأجواء خاصة. وهند بنت عتبة تملأ الدنيا ضجيجا 
في محافل العرب بثأرها لأبيها وعمها وأخحيها وبكرها في هذه المعركة. والمعركة 


. ٠٤١ آل عمران الآية‎ )١( 

(۲) آل عمران من الآية ٠١٤‏ , 

(۴) آل عمران الآيتان 31/8 ١74‏ . 
)٤(‏ آل عمران الآيات 9/1153 .١‏ 
(©) آل عمران الآية .١9/7‏ 


فض 


الشعرية الإعلامية التي اشتعلت بين المسلمين والمشركين بعد أحد تناقلتها 
المحافل في كل مكان من الأرض العربية. وحققت الغاية التي كان يحلم بها 
أبو جهل في بدر أن يرد بدراً وزم عمد ويقيم عليها عشرة أيام تعزف 
عليه القيان ويشرب الخمر» وينحر الجزر حتى تسمع العرب بمسيره فلا تزال 
تهابه أبدأء وهذا الذي جرى اليوم. فانقلبت الكفة لصالح قريش. وبدأ 
العرب بهمون بغزو المدينة. 


يقول المباركفوري حول هذه المرحلة: كان لأساة أحد أثر سيء على 
سمعة المؤمنين» فقد ذهبت ريحهم. وزالت هيبتهم عن النفوس وزادت. 
المتاعب الداخلية والخارجية على المؤمنين» وأحاطت الأخطار بالمدينة من كل 
جانب» وكاشف اليهود والمنافقون والأعراب بالعداء السافر» وهمت كل طائفة 
منهم أن تنال من المؤمنين» بل طمعت في أن تقضي عليهم» وتستاصل 
شأفتهم . فريح المسلمين التي كانت قد ذهبت في معركة أحد تركت 
المسلمين ‏ إلى حين ‏ يبددون بالأخطارء ولكن تلك هي حكمة محمد يل 
التي صرفت وجوه التيارات» وأعادت للمسلمين هيبتهم المفقودة» وأكسبت 
هم العلو والمجد من جديد» وأول ما أقدم عليه بهذا الصدد هي حركة 
المطاردة الي قام مها إلى حمراء الأسدء فقد حفظ ہا مقداراً كبيراً من سمعة 
جيشه. واستعاد مها من هيبتهم ومکانتهم ما ألقى اليهود والنافقين ف الدهش 
والذهول. ثم قام بمناورات أعادت للمسلمين هيبتهم بل زادت فيهاء وفي 
الصفحة الآتية شيء من تفاصيلها. 


ب - سرية أبي سلمة: 

أول من قام ضد المسلمين بعد نكسة أحد هم بنو أسد بن خزيمة, فقد 
نقلت استخبارات المدينة أن طلحة وسلمة اببى خويلد قد سارا في قومهما ومن 
أطاعهم| يدعون بني أسد بن خزيمة إلى. حرب رسول الله ي فسارع رسول 
الله بل إلى بعث سرية قوامها مائة وخمسون رجلا مقاتلاً من المهاجرين 
والأنصار» وأمر عليهم أباسلمة وعقد له لواءء وباغت أبوسلمة بني 
أسد بن خزيمة في ديارهم قبل أن يقوموا بغارتهم. فتشتتوا في الأمر» وأصاب 


۳۲۸ 


المسلمون إبلاً وشاءً لهم فاستاقوها وعادوا إلى المديئة سالمين غائمين لم يلقوا 
حرباً. وكان مبعث هذه السرية حين استهل هلال المحرم سنة ٤‏ للهجرة (أي 
أن بينبا وبين أحد شهرين ونيف فقط. 
ج. بعث عبد الله بن أنيس: 

وفي اليوم الخامس من نفس الشهر. المحرم سنة 4 ه- نقلت 
الاستخبارات أن خالد بن سفيان الهذلي يحشد الجموع لحرب المسلمين. 
فأرسل إليه النبي ية عبد الله بن أنيس ليقضي عليه. 


د بعث الرجيع : 

.. وفي شهر صفر من نفس السنة ‏ أي الرابعة من الهجرة» قدم عل 
رسول الله ي وفد من عضل والقارة» وذكروا أن فيهم إسلاماًء وسألوا أن 
يبعث معهم من يعلمهم الدين» ويقرئهم القران. فبعث معهم ستة نفر- في 
قول ابن اسحاق وفي رواية البخاري أنهم عشرة. . فذهبوا معهم فلا كانوا 
بالرجيع - وهو ماء طذيل بناحية الحجاز بين رابغ وجدة ‏ استصرخوا عليهم 
حيا من هذيل يقال لهم بنو ليان فتبعهم ما يقرب من مائة رام» واقتصوا 
آثارهم حتى لحقوهم, فأحاطوا بهم وكانوا قد لجأوا إلى فدفد ‏ وقالوا: لكم 
العهد والميثاق إن نزلتم إلينا ألا نقتل منكم رجلاء فأما عاصم فأبى النزول» 
وقاتلهم في أصحابه» فقتل منهم سبعة بالنبل» وبقي خبيب وزيد بن الدثنة 
ورجل آخر فأعطوهم العهد والميثاق مرة أخرى, فنزلوا إليهم. ولكنهم غدروا 
بهم وربطوهم بأوتار قسیهم › فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر» وأ أن 


يصحبهم» فجرروه وعالجوه على أن يصحبهم فلم يفعل فقتلوه» وانطلقوا 
بخبيب وزيد وباعوهما بمكة. . . 


ه ‏ مأساة بثر معونة: 
وفي نفس الشهر الذي وقعت فيه مأساة الرجيع وقعت مأساة أخرى 
أشد وأفظع من الأولى وهي التي تعرف بوقعة بئر معونة. وملخصها أن أبا 
براء عامر بن مالك المدعو بملاعب الأسئة قدم على رسول الله كلد بالمدينة» 
فدعاه إلى الإسلام فلم يسلم ولم يبعدء فقال: يارسول الله لو بعثت 
۳4 


أصحابك إلى أهل نجد يدعونهم إلى دينك لرجوت أن يجيبوهم. فقال: إني 
أخاف عليهم أهل نجد» فقال أبو براء: أنا هم جار» فبعث معه أربعين 
رجلا في قول ابن اسحاق» وني الصحيح أنهم كانوا سبعين» وأمر عليهم 
المنذر بن عمرو- وكانوا من خيار المسلمين وفضلائهم وساداتهم وقرائهم. 
فساروا يحتطبون النهار يشترون به الطعام لأهل الصفة» ويتدارسون القرآن» 
ويصلون بالليل حتى نزلوا بئر معونة.. ثم بعثوا حرام بن ملحان آخا أم 
سليم بكتاب رسول الله كل إلى عدو الله عامر بن الطفيل» فلم ينظر فيه. 
وأمر رجلا فطعنه بالحربة من خلفه. فلا أنفذها فيه ورأى الدم قال حرام : 
فزت ورب الكعبة. 

ثم استنفر عدو الله لفوره بني عامر إلى قتال الباقين» فلم يجيبوه لأجل جوار 
أبي براءء فاستنفر بني سليم » فأجابته عصية ورعل وذكوان فجاؤوا حتى 
أحاطوا بأصحاب رسول الله ككل فقاتلوا حتى قتلوا عن أخرهم إلا 
كعب بن زيد بن النجار فإنه ارتث من بين القتلى» فعاش حتى قتل يوم 
الخندق. . . ورجع عمرو بن أمية الضمري إلى النبي بل حاملا معه أنباء 
المصاب الفادح» مصرع سبعين من أفاضل المسلمين. تذكر نكبتهم الكبيرة 
بنكبة أحدء إلا أن هؤلاء ذهبوا في قتال واضح. وأولئك ذهبوا في غدرة 
شائنة. . . وقد تألم النبي ب لأجل هذه المأساة. ولأجل مأساة الرجيع اللتين 
وقعتا خلال أيام معدودة تألاً شديداًء وتغلب عليه الحزن والقلق(2 حتى دعا 
على هؤلاء الأقوام والقبائل التي قامت بالغدر والفتك في أصحابه"» . 


و- غدر بف النضير: 

قد أسلفنا أن اليهود كانوا يتخرقون على الإسلام والمسلمين. . ولكنهم 
بعد وقعة أحد تجرؤوا فكاشفوا بالعداوة والغدرء وأخذوا يتصلون بالمنافقين 
وبالمشركين من أهل مكة سرأء ويعملون لصالحهم ضد المسلمين. وصبر 


)١(‏ ذكر الواقدي أن خبر أصحاب الرجيع وخبر أصحاب بثر معونة أ النبي صل الله عليه وسلم 
في ليلة واحدة . 


(۲) كانت غزوة بني النضير في ربيع الأول سنة 4 من الحجرة. 


Pr. 


النبي يكل حتى ازدادوا جرأة وجسارة بعد وقعة الرجيع وبثر معونة حتى قاموا 
بمؤامرة تبدف القضاء على النبي ية . وبيان ذلك أنه ية خرج إليهم في نفر 
من أصحابه وكلمهم أن يعينوه في دية الكلابيين اللذين قتلهما عمرو بن أمية 
الضمري ‏ وكان ذلك يجب عليهم حسب بنود المعاهدة ‏ فقالوا: نفعل يا أبا 
القاسم» اجلس هاهنا حتى نقضي حاجتك» فجلس إلى جنب جدار من 
بيوتهم ينتظر وفاءهم مما وعدواء وجلس معه أبو بكر وعمر وعلي وطائفة من 
أصحابه. وخلا اليهود بعضهم إلى بعض» وسول لهم الشيطان الشقاء الذي 
كتب عليهم. فتأمروا بقتله كل وقالوا: أيكم يأخذ هذه الرحى ويصعد 
فيلقيها على رأسه يشدخه مها؟ فقال أشقاهم عمرو بن جحاش : : أنا. فقال لهم 
سلام بن مشكم: لا تفعلوا فوالله ليخبرن با هممتم بهء وإنه لنقض العهد 
الذي بيننا وبيئه» لكنهم عزموا على تنفيذ خطتهم(). 


ز - غزوة نجد: 

قبل أن يقوم النبي بتأديب أولئك الغادرين (الأعراب الذين آذوا 
المسلمين بعد أحد) نقلت إليه استخبارات المدينة بتحشد جموع البدو 
والأعراب من بني محارب وبني ثعلبة من غطفان» فسارع النبي كل إلى 
الخروجء يجوس فيافي نجدء ويلقي بذور الخوف في أفئدة أولئك البدو 
القساةء حتى لا يعاودوا مناكرهم التي ارتكبوها مع المسلمين. وأ 
الأعراب الذين مردوا على النبب والسطو لا يسمعون بمقدم المسلمين إلا 
حذروا وتمنعوا في رؤوس الحبال. وهكذا أرهب المسلمون هذه القبائل المغيرة 
وخلطوا بمشاعرهم الرعب» ثم رجعوا إلى المدينة أمنين. 


ج - غزوة بدر الثانية : 

(. . فشي اشعبان اسنة 4 اه خرج رسول الله ول لوعه في للف 
وخسماثة وكانت الخيل عشرة أفراس. وحمل لواءه علي بن أبي طالب» 
واستخلف على المدينة عبد الله بن رواحة وانتهى إلى بدرء فاقام 5 ينتظر 


. وكانت غزوة نجد في ربيع الثاني أو جمادى الأول‎ )١( 


۳۳١ 


المشركين. وأما أبو سفيان فخرج في ألفين من المشركين ومعهم خسون فرسأًء 
حتى انتهى إلى مر الظهران على بعد مرحلة من مكة. فنزل بمجنة ‏ ماء في 
تلك الناحية ‏ فاحتال للرجوع وقال لأصحابه: يامعشر قريش إنه لا 
يصلحكم إلا عام خصب ترعون فيه الشجرء وتشربون فيه اللبن» وإن 
عامكم هذا عام جدب» وإني راجع فارجعوا). ويبدو أن الخوف واهيبة كانت 
مستولية على مشاعر اليش أيضاً فقد رجم للقاء المسلمين. وأما المسلمون 
فأقاموا ببدر ثمانية أيام ينتظرون العدوء وباعوا ما معهم من التجارة. فربحوا 
بدرهم درهمين؛ ثم رجعوا إلى المدينةء وقد انتقل زمام المفاجأة إلى أيدييم 
وتوطدت هيبتهم في النفوس. وسادوا على الموقف , 

ط ‏ غزوة دومة الحندل : 

عاد رسول الله كلل من بدرء. وقد ساد المنطقة الأمن والسلام» 
واطمانت دولته» فتفرغ للتوجه إلى أقصى حدود العرب حتى تصير السيطرة 
للمسلمين على الموقف ويعترف بذلك الموالون والمعادون. 

مكث بعد بدر الصغرى في المدينة ستة أشهرء ثم جاءت إليه الأخبار 
بأن القبائل حول دومة الجندل» قريباً من الشام ‏ تقطع الطريق هناك» وتنبب 
ما يمر بهاء وأنها قد حشدت جمعاً كبيراً تريد أن مهاجم المدينة» فاستعمل 
رسول الله ككل على المديئة سباع بن عرفطة الغفاري» وخرج في ألف من 
المسلمين لخمس ليال بقين من ربيع الأول سنة ه للهجرة ة وأخذ رجلا من بني 
عذرة دليلا للطريق يقال له مذكور. خرج يسبر الليل ويكمن النهار حتى 
يفاجىء أعداءهم وهم غارون. فلا دنا منهم إذا هم مغربون» فهجم عل 
ما شيتهم ورعائهم فأصاب من أصاب وهرب من هرب. 
ي ‏ غزوة الأحزاب: 

. . خرجت من الجلوب قريش وكنانة وحلفاؤهم من أهل تهامة» 
وقائدهم أبو سفيان في أربعة آلاف» ووافاهم بنو سليم بر الظهران» وخرجت 
من المشرق قبائل غطفان. . واتجهت هذه الأحزاب وتحركت نحو المدينة على 
ميعاد كانت قد تعاقدت عليه» وبعد أيام تجمع حول المدينة جيش عرمرم 


فس 


يبلغ عدده عشرة آلاف مقاتل. جيش ربا يزيد عدده عن جميع من في المديئة 
من النساء والصبيان والشباب والشيوخ. ولو بلغت هذه الأحزاب المحزبة 
والحنود المجندة إلى أسوار المدينة بغتة لكانت أعظم خطر على كيان المسلمين 
ما يقاس» ربما تبلغ إلى استئصال الشأفة وإبادة الخضراء. وسارع رسول الله 
له إلى عقد مجلس استشاري أعلى» تناول فيه موضوع خطة الدفاع عن كيان 
المدينة» وبعد مناقشات جرت بين القادة وأهل الشورى اتفقوا على قرار قدمه 
الصحابي النبيل سلمان الفارسي رضي الله عنه. قال سلمان: يا رسول الله 
إنا كنا بأرض فارس إذا حوصرنا خندقنا علينا - وكانت خطة حكيمة لم تكن 
تعرفها العرب قبل ذلك. وأسرع رسول الله يكل إلى تنفيذ هذه الخطة» فوكل 
إلى كل عشرة رجال أن يحفروا من الخندق أربعين ذراعاً. . . . 


وأخذ المشركون يدورون حول الخندق غضاباً يتحسسون نقطة ضعيفة, 
لينحدروا منهاء وأخذ المسلمون يتطلعون إلى جولات المشركين» يرشقونهم 
بالنبل حتى لا يجترئوا على الاقتراب منه. ولا يستطيعوا أن يقتحموه أو هيلوا 
عليه التراب ليبنوا به طريقاً يمكنهم من العبور. وقد حاول المشركون في بعض 
الأيام حاولة بليغة لاقتحام الخندقء أو لبناء الطريق فيها. ولكن المسلمين 
كافحوا مكافحة مجيدة» ورشقوهم بالنبل وناضلوهم أشد النضال حتى فشل 
المشركون في محاولتهم. ولأجل الاشتغال بثل هذه المكافحة الشديدة فات 
بعض الصلوات عن رسول الله لِك والمسلمين. . وقد استاء رسول الله كل 
لفوات هذه الصلاة حتى دعا على المشركين. ففي البخاري . . أنه قال يوم 
الخندق: ملأ الله عليهم بيوتهم وقبورهم ارا كما شغلونا عن الصلاة الزسطى 
حتى غابت الشمس. وفي مسند أحمد والشافعي أنهم حبسوه عن صلاة الظهر 
والعصر والمغرب والعشاء فصلاهن جميعاً» قال النووي: وطريق الجمع بين 
هذه الروايات أن وقعة الخندق بقيت أياماً فكان هذا في بعض الأيام» وهذا 
في بعضها. 


المسلمين دامت أياماً, إلا أن الخندق لما كان حائلاً بين الجيشين لم يجر بين 


rr 


قتال مباشر وحرب دامية بل اقتصروا على المراماة والمناضلة. . . وبينما كان 
السلمون يواجهون هذه الشدائد على جبهة المعركة كانت أفاعي الدس والتامر 
تتقلب في جحورها تريد ايصال السم داخل أجسادهم. انطلق كبير مجرمي 
بني النضير إلى ديار بني قريظة فأق كعب بن أسد القرظي ‏ سيد بني قريظة» 
وصاحب عقدهم وعهدهم... فلم يزل حيبي بكعب نقيلة ف الذروة 
والغارب... حتى نقض كعب بن أسد عهده وبرىء نما كان بينه وبين 
السلمين» ودخل مع المشركين في المحاربة ضد المسلمين. . وقد كان أحرج 
موقف يقفه المسلمون فلم يكن يحول بينهم وبين قريظة شيء يمنعهم من 
ضرهم من الخلف. بينا كان أمامهم جيش عرمرم لم يكونوا يستطيعون 
الانصراف عنه» وكانت ذراريهم ونساؤهم بمقربة من هؤلاء الغادرين في غير 
منعة وحفظء وصاروا كا يقول الله تعالى: #وإذا زاغت الأبصار» وبلغت 
القلوب الحناجرء وتظنون بالله الظنونا)» هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا 
شديداً. ونجم النفاق من بعض المافقين حتى قال: كان محمد يعدنا أن تأكل 
كنوز كسرى وقيصرء وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى 
الغائط. . أما رسول الله كل فتقنع بثوبه حين أتاه غدر بني قريظة فاضطجع 
ومكث طويلاً حتى اشتد على الناس البلاءء ثم غلبته روح الأمل"٠‏ فنبض 
يقول: الله أكبر ابشروا يا معشر المسلمين بفتح الله ونصره. . ثم أخذ يخطط 
لمجاءبة الظرف الراهن. . . وكانت غزوة الخندق سلة حمس من المجرة في 
شوال على أصح القولين» وأقام المشركون محاصرين رسول الله اة والمسلمين 
شهرأ أو نحو شهر. . إن معركة الأحزاب لم تكن معركة خسائر» بل كانت 
معركة أعصاب» لم مجر فيها قتال مرير إلا أنها كانت من أحسم المعارك في 
تاريخ الإسلام مخضت عن تخاذل المشركينء وأفادت أن أية قوة من قوات 
العرب لا تستطيع استئصال القوة الصغيرة التي تنمو في المدينة لأن العرب لم 
تكن تستطيع أن تأي بجمع أقوى نما أتت به في الأحزاب» ولذلك قال رسول 


)١(‏ ليست القضية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قضية أمل أو يأس. بل هي قضية ثقة 
الله لا تحد. أو تخطيط لمواجهة حاسمة» أو تلت لوحي الله. وكنا نود من علامتنا المباركفوري 
أن لا يرى هذا التعليل هذا الموقف. 


Tt 


الله يل حين أجلى الله الأحزاب؛ رالان نغزوهم ولا يغزوناء نحن نسير 
إليهہ() ٠"‏ . 

تجمع هذه الأحداث التي استمرت ستتين متتاليتين خطوط عريضة تمثل 
طبيعة هذه المرحلة, وتوضح جوها العام . 

الخط الأول: تدهور السمعة الضخمة التى ارتفعت للمسلمين بعد 
بدر. وكيف استطاع لاماثة مقاتل أن ينتصروا على ألف مدججين بالسلاح» 
كا أعقب بدراً النصر على بني قينقاع. فالمسلمون مرفوضون في البيئة الوثنية» 
وهم منشقون عن قريش حامية الحرم. وجاؤوا بدين جديد» فا أن لاح 
للأعراب والقبائل المجاورة بوادر ضعف عند المسلمين حتى راحوا جيعا 
يتهياون لغزو المدينة أو الغدر بالمسلمين على طبيعة الأعراب في ذلك 
وطبيعة اليهود في ذلك» وإذا كان هذا البحر الزاخر من الأعداء هادثا قبل 
ا هجوم كلهء ولو كان أي شخصية غير نبي الله أو عقيدة غير الإسلام› 
لانتهى وأصبح كامس الدابر» لكنه الرسول والرسالة. 


الخط الثاني : فلو نظرنا في كل تحركات المسلمين العسكرية» خلال هذه 
المرحلة لوجدناها تعتمد الهجوم كأقوى وسيلة من وسائل الدفاع. وهو هجوم 
مركز مدروس مخطط له مهمته أن يضرب العدو قبل أن يتحرك نحوه» وم 
يكن خط فتح ٠‏ الجبهات كلها أو ضرب عدو هادىء هو المحرك هذه 
العمليات. إنما كان الهدف منها إحباط التجمعات المضادة للاسلامء والتي 
تعد لغزوه. والمسلمون يحسبون في كل يوم حساباً جديداً يكن أن ينقض 
عليهم من الشمال أو الجنوب أو الشرق. 

وما أحوج الحركة الإسلامية اليوم وهي تخوض معركتها الشرسة ضد 
الطاغوت أن تقف هذا الموقف بعد المحنة العنيفة التي نزلت بها. فلا شك أن 


.041/۲ عن صحيح البخاري‎ )١( 
فهر من‎ ."0١-17378 أخذنا هذا التلخيص الجيد من العلامة المباركفوري من الصفحات‎ )+( 
أدق ما كتب في هذا الموضوع وأوثقهء فجزاه الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء.‎ 


Pro 


سمعتها العسكرية قد تدهورت رغم ضروب البسالة والتضحية التي أبدتها في 
المعارك التي خحاضتها وأصبح الكثير من المحايدين يصبون م على هذه 
ارك اتا فحت حرباً غير قاور على خوضهاء بل تفضود | يديهم منهاء 

صبح المتعاطفون مع الحركة الجهادية منصرفين عنباء كما أن ظروف الحركة 
م اليوم بعد محنتها هي أفضل من ظروف الحركة الإسلامية بعد أحد. 

إن الخصوم الفكريين للحركة والمجاورين للطاغوت لهم مصلحة كبرى 
في سقوط النظام النصيري المقيت في الملطقة. بينا لم يكن لأحد من أعداء 
المسلمين في الجزيرة العربية مصلحة في سقوط نظام قريش وزوال سلطااء 
وهم يرونها تقدم الخدمة لحجيجهم وتتفانى في خدمتهم . 

صحيح أنه ليس من مصلحة الحركة الإسلامية اليوم أن تعدد جبهاتها 
أو تكثر خصومهاء وأن تحصر معركتها مع طاغوت مستبد واحد» حاربها 
أعنف المحاربة.» ولكن استمرار الركود بعد المحنةء يغير الحو كله ضدهاء 
ويطمع الجميع فيهاء بل بتعبير أدق. يمكن أن تفقد مواقعها التي ربحتها من 
خلال ثقة الناس بقوتها وقدرتها على الصمود والمواجهة وإسقاط النظام 
الطائفي الكافر. 

كا أننا لا ننسى صعوبة هذا الخط المجومي للحركة الإسلامية اليوم» 
وهي تنطلق من غير أرضهاء ومن غير سلاحهاء وليس عندها أرض محررة 
تتحرك فيها. لكن هذا لا يعفيها من المواجهة» وإلا خسرت رصيدها كله 
واطمعت الأعداء فيها بل الاصدقاء وكذلك . 

الخط الثالث: لم يكن هدف الدعوة لينسى أبداً على الطريق» إنه دائ 
الحدف الأول» وفي الوقت الذي رأى فيه رسول الله كله فرصة سانحة لهذه 
الدعوة أن تنتشر لم يتوان أبداً عن بث الدعاة لذلك» وما المحنتان الضخمتان 
اللتان حلتا بالمسلمين في الرجيع وبئر معونة إلا بسبب ذلك. وكان هذا بعد 
أشهر قليلة من عنة أحدء ولا شك أن انتشار الدعوة في أدص جديدة» يعني 

كسب أنصار جدد ضما هذا ما حدا برسول اله ييه أن يبعث عشرة إلى 
عضل والقارة وأن يبعث أضخم تجمع دعوي إلى نجد قوامه سبعون من قراء 


۳1 


المسلمين وفضلائهم وساداتهم . فنجاح هؤلاء في دعوتهم يعني أن تنضم نجد 
كلها لدولة الإسلام. وك الله بالفتح من عنده في أرض جديدة قد تكون 
أهم من المدينة ذاتها عاصمة الإسلام وقبائل نجد تشكل خطراً ضخا على 
الإسلام» وبالتالي ستكون أقوى أسلحته يوم تنضم له. وحتى ندرك بأس 
قبائل نجد نذكر موقف عامر بن الطفيل. يوم هدد رسول الله ب بغزو المدينة 
وذلك في المرحلة الثانية للدولة المسلمةء في ألف شقراء من الخيل وأ 
فارس. وما كان من رسول الله إلا إلا أن دعا: (اللهم آلفني 
عامر بن الطفيل). وكانت رسالة رسول الله بل إلى هذا الطاغية على أمل أن 
يسلم . . وتدخل قواته كلها في حظيرة الإسلام والجهاد. وهذا ما يحسن أن 
تذكره الحركة الإسلامية دائ وفي كل وقت - إنها دعوة قبل أن تكون ثورةء 
وإنبا مسؤولة عن نشر هذه العقيدة وإبلاغها إلى الناس في أي ظرف وأن لا 
تتحول إلى شباب يحملون السلاح ويحلمون بالنصرء فهذه نقطة قاتلة بالنسبة 
هاء ولن تصل إلى النصر حين تسى الدعوة» وتنسى بناء رجاها على ضوء 
هذا الدين بله دعوة الناس إليه . 


الخط الرابع: ولكن الواقع العملي كان على غير ما خطط وقدر له 

رسول الله 25 . فقد ذهب العشرة الأوائل غدراً في الرجيع › وذهب القراء 
السبعون عجزاً في بثر معونة وقضوا شهداء جميعاً. ولم تكن محنة بثر معونة 
بأقل من عحنة أحد من حيث حجم الخسائر» ونوعية الشهداء. وكانت ضخامة 
المحنة أن قضوا في شهر واحد. ول يملك رسول الله بل هم أكثر من استمطار 
الرحمة e‏ والدعاءً على الغادرين بهم في قنوته» ولم يكن قادراً على الثأر 
هم من أعدائهم. وأهمية هذا الخط بالنسبة للحركة الإسلامية اليوم يحتاج له 
شباب الدعوة ورجالها حين يفاجأون بفشل مخطط أقدمت عليه القيادة. 

إن ضعف التربية في صفوف الحركة الإسلامية سرعان ما يدفع شبابها 
إلى توجيه النقمة على القيادة» وتوجيه السباب والاتهام اء والطعن في 
صلاحيتها وإخلاصها ونيتهاء وإذا بنا أمام فاجعتين: 

الأولى: فشل مخطط أو خسارة معركة. 


فياف 


الثانية : تأزم الثقة في الصف المسلم وفقدانها أحياناً. وتخلخل هذا 
الصف وضعفه وهو أخطر من المحئة الأولى. 

ونود من شباب الدعوة أن لا يجدوا الغرابة أو يستهجنوا ضعفاً أو 
خسارة لأن هذه سنة الأنبياء في حربهم مع أعدائهم: «إن يمسسكم قرح 
فقد مس القوم قرح مثلهء وتلك الأيام نداولها بين الناس20*. وكا قال أبو 
سفيان بين يدي هرقل: الحرب بيننا وبينه سجال ينال منا وننال منه. كما يشير 
الأمر كذلك إلى إمكانية الثقة بمشرك والتعامل معه بأعرافه. فأبو براء مع أنه 
لم يدخل في الإسلام» فقد قبل رسول الله ية جواره للسبعين من صحبه» 
وم يخفر أبو براء ذمتهء لأن بني عامر حافظوا على جواره. إنما غدرت بنو 
سليم بهم بدعوة عامر بن الطفيل . ش 

ونود أن نشير إلى نقطة ثانية : 

إن شباب الدعوة كثيراً ما يحكمون بسقوط القيادة لأنها خدعت من 
عدو ولأنها لم تستطع كشف هريته. وهذا ما جرى في وقتنا الحاضر مع 
بعض قيادات الجماعة المسلمة حين دُخل عليها من بعض أعدائها. فليطامن 
الشباب من غلوائهم» وهم يرون سيد الخلق الموحى إليه من السماء يخدع 
بالله فينخدع» ويرسل الشباب العشرة يدعون للاسلام» فإذا مهم يسلمون 
للأعداء من هؤلاء الغادرين. 

الخط السادس: صبر وثبات الشباب على هول المحنة وضخامتها فرغم 
مرور سنتين على تتابع المحن دون تحقيق نصر حربي يذكر. فما فك ذلك في 
أعضاد المسلمين. وما ألان قناتهم» ولا نقول الصف كله. بل غالبية الصفء 
ولم يتخلف جندي عن أمر يوكل إليه سواءً أكان وحده ليدخل جيش عدو أو 
يغتال قائد جيش» أو يمضي في سرية صغيرة يواجه بها جيشاً عرمرماً أو 
يلاحقه. لقد كانت صفة الالتزام والطاعة هي السمة الأساسية في قلب هذه 
المحنةء وما قصة حذيفة عنا ببعيدة حين انتدب رسول الله يه رجلا يأتيه 


.١4٠ آل عمران من آية‎ )١( 


۳۸ 


بخبر القوم أيام الخندق» فلم يستجب أحد من الخوف والجوع والبرد رغم أن 
رسول الله ل اشترط لمن يمخرج ليأتيه بالخبرء السلامة ورفقته في الجلة. لكن 
عندما نادى حذيفة باسمه ماتردد حذيفة لحظة واحدة في تلبية الأسء لأنه 
أمر محدد لشخصه دون أن يعبأ بالجوع والبرد والخوف. 


الخط السايع: إن هذا التحرك العسكري خلال السنتين لم يرافقه 
مواجهة مع العدو لقد كان كله فض تجمع أو محاصرة موقع › حتى غزوة بني 
النضير التي رفعت معنويات المسلمين إلى الأوج. لم يقع فيها حرب تذكر. كما 
يقول تعالى: #وما أفاء الله على رسوله منهم فا أوجفتم عليه من خخيل ولا 
رکاب» ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدیر). 
فالله تعالى ألقى الرعب في قلوب المظاهرين من أهل الكتاب يخربون بيوتهم 
بأيدهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار. 

الخط الثامن: ويقظة القيادة واضحة تماماً خلال هذه المرحلة التي 
تراقب الحو كله من كل جهاته. من جهة مكة وقريش في الجنوب» ومن جهة 
نجد في الشرق» ومن جهة الشام في الشمال» وأي تجمع تسمع به. يود أن 
ينقض على المدينة تباغته قبل أن يتحرك وتلاحقه. فتحطم أعصابه وأعصاب 
حلفائه. وإذا كنا نجد العذر للقيادة أن تخدع مرة واحدةء فليس هذا يعني 
أن تكون دائ كذلك. أو أن تبرر غفلتها وسذاجتها تحت هذا الستار» فلئن 
وقعت المأساة والمحنة مرة أو مرتين» لكن اليقظة النبوية العجيبة حطمت 
عشرات المحن التي يمكن أن تحل بالمسلمين لو ركنت مرة واحدة أو هدأت أو 
انشغلت بنفسها عن المعركة. 


المخط التاسع : ومبذا التحرك خلال هذه المرحلة» وإن م يتحفق نصر 
عسكري حاسم» فقد تحقق نصر معنوي مؤزر» وذلك من خلال سرعة 
الحركة ودراستها المستانية وتخطيطها اللحكم» ول مكن قريشاً من أن تتغنى 
بأمجادها كثيراً خاصة عندما تم تحدي المسلمين لقريش التي نكلت عن 


.5 / الحشر‎ )١( 


r4 


موعدها في بدر الثانية» وتعلل أبو سفيان بالجدب؛ الذي لا يصلح للنفير 
واستطاع المسلمون في نزوهم ٠‏ ببدر مكاناً وزماناً أن يؤكدوا قوة معنوياتهم 
وتخاذل أعدائهم. كا أن جلاء بني النضير عن المدينة» أعطى سمعة معنوية 
عالية لهم. وأدخل الرعب في صفوف أعدائهم. والحركة الإسلامية مسؤولة 
دائ عن بث الروح المعنوية العالية في نفوس شبابها بالوسائل المكافئة . كما أنها 
مسؤولة عن تفتيت صف أعدائهاء وهزيمتهم معنو كذلك» بحيث يحسون أن 
يد الحركة الإسلامية قادرة على أن تطالهم في أي أرض فيحسبون هما ألف 
حساب . وإلا فالمحنة تذبح الصف من الداحل قبل أن تذبحه من الخارج» 
والنفوس ما لم تفتح أمامها أفاق العمل. لن تسلك غير طريق اليأس» إن 
المسؤولية التي تحملها القيادة في هذا المجال مسؤولية ضخمة» ولا يكفي أبد 
الكلام مالم يرافقه عمل ملموس يؤكد ثبات واستمرار الجهاد دون وهن 1 
توان أو يأس . 

الخط العاشر: وهو الذي حدد بهاية هذه المرحلة بالانتقال من موقع 
الدفاع إلى موقع المجوم. وذلك في ماية المطاف. وبعد انتهاء غزوة الأحزاب 
حين قال رسول الله ا الان نغزوهم ولا يغزوناء نحن نسير إليهم. إن 
هذه الكلمة لتؤكد المرحلية الضخمة في هذه الدعوةء وتؤكد التتخطيط 
المنبجي. والمنهجية الحركية التي تنتقل من خطوة إلى خطوة» مبصرة مواقع 
خطواتهاء عارفة منازل سيرهاء وأي عمل بدون خطة هو عمل فاشل» لقد 
قال رسول الله كلل كلمته'» بعد أضخم هجوم شهدته المدينةء من أضخم 
جيش شهدته الجزيرة في تاريخها كله» وجدير بمثل هذا الهجوم أن ينبي 
الإسلام» ويخضد شوكته» ويقطع أوصاله» غير أن الثبات في وجه الإعصار, 
وعبقرية التحرك للمواجهة رد الذين كفروا بغيظهم. ل ينالوا خيرء وكفى 
الله المؤمنين القتال. ولا شك أن الإرادة الربانية بنصر هذا الدين هي التي 
كشفت الغمة والمحنة عن المؤمنين. وهذا جانب في سنن الله لا يأتي إلا لمن 
يستحقه ولن هو أهل له» وصبر المؤمنين» وثباتهم خلف قيادتهم. وتحركهم 


)١(‏ الآن نغزوهم ولا يغزونا. 


4٠ 


لنصرة دينهم. رغم الجوع القاتلء والبرد القاتل والعدو الشرس الذي أحاط 
مهم إحاطة السوار با معصم» جعل هؤلاء مؤهلين لنصرالله تعالى وعونه» 
ومؤهلين لأن يعطيهم النصر بدون قتال. ومؤهلين لأن يتحقق بهم موعود 
الله فلقد صدقوا ماعاهدوا الله عليه بشهادة الله» من المؤمنين رجال 
صدقوا ما عاهدوا الله عليه» فمنهم من قضى نحبه» ومنهم من ينتظر وما 
بدلوا تبديلا'“) . ولم يضرهم وجود المنافقين في صفوفهم» ووجود من يقول 
ف هذا الصف: ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً. ووجود من ينظر إليك نظر 
المغشي عليه من الموت. ووجود من يلوذ بالفرار متسكعاً وراء طإن بيوتنا 
عورة». لم يضر المؤمنين وجود هذه النماذج كلهاء أمام الذين صدقوا 
ما عاهدوا الله عليه وما بدلوا تبدیاد» فجاءهم نصر الله » بعد أن زلزلوا زرالا 
شديداً. وكان هذا الثبات العظيم» ليس من ثمرته فقط أن يرد الله الكافرين 
بغيظهم دون أن ينالوا خيرأء بل كان وراء ذلك. ابتداء عهد جديد كل 
الجدة؛ عهد المجوم على الكافرين وغزوهم, الآن نغزوهم ولا يغزوناء نحن 
نسير [ليهم . فإذا ما اشتدت المحنة. ونزل الغم ؛ ووقع الكرب» فنصر الله 
قادم لمن ثبت وأخلصء ولم يرج | إلا الله تعالى وذكر الله كثيراً. ونستطيع أن 
نحدد طبيعة المعركة وأبعادها من خلال الرسالتين التاليتين المتبادلتين بين 
رسول الله كلل وأبي سفيان: فقد كتب أبو سفيان إلى رسول الله ب يقول: 
(باسمك اللهم . فإني أحلف باللات والعزى لقد سرت إليك في جمعناء وإنا 
نريد ألا نعود حتى نستأصلكم. فرأيتك قد كرهت لقاءناء وجعلت مضايق 
وخنادق. فليت شعري من علمك هذا؟ فإن نرجع عنكم فلكم منا يوم كيوم 
أحد). فقرأه أب بن كعب على رسول الله ب في قبته. وكتب إليه: (من 
محمد رسول الله إلى أبي سفيان بن حرب. أما بعد فقديما غرك بالله الغرور. 
أما ما ذكرت أنك سرت إلينا في جمعكم. وأنك لا تريد أن تعود حتى 
تستأصلنا فذلك أمر يحول الله بينك وبينه» ويجعل لنا العاقبة حتى لا تذكر 
اللات والعزى. وأما قولك: من علمك الذي صنعنا من الخندق؟ فإن الله 


. 758 / الأحزاب‎ )١( 


"1 


ألهمني ذلك لا أراد من غيظك وغيظ أصحابك . ولياتين عليك يوم تدافعني 
بالراح» وليأتين عليك يوم أكسر فيه اللات والعزى وإساف ونائلة وهبل». 
حتى أذكرك ذلك27). فالرسالتان تحددان تماما إخفاق أبي سفيان وجمعه 
الأحزاب كلها دون تحقيق هدفه وتوضح الغيظ الذي نزل به من جراء 
الخندق. وأنه عاد كما قدم دون أن يحقق شيئا من أهدافه» كا تحدد الرسالة 
الثانية الفشل الذريع الذي حل بهجوم الأحزاب» والثقة العميقة بنصر الله 
وتحطيم الطواغيت. 


الخط الحادي عشر: وعلى ما لقي المسلمون من هول هله المحنة 
وضخامتها. لم يرض رسول الله كله أن يضم إلى جيشه جندياً واحداً مشركاً 
يستعين به على العدوء على الرغم من كثرة العروض التي عرضت عليه من 
البهود وغيرهم» وحرص على أن يكون جيشه نقيأ من الشوائب. لا يقاتل 
تحت لوائه إلا من امن بأهدافه. بل خسر في أحد ثلث جيشه إضافة إلى 
الكتيبة الحسنة التسليح من اليهود التي أرادت أن تنضم إلى اليش 
الإسلامي. لقد كان التميز واضحاً تماماً في الجيش المسلم» وأعلن رسول الله 
بل رأيه صريحاً لليهود: مروهم فليرجعوا فإنا لا ننتصر بأهل الكفر على أهل 
الشرك. ورغم المعاهدات والعقود التي عقّدها عليه الصلاة والسلام مع 
خصوم الإسلام. وفتح في هذه العهود إمكانية طلب النصرة منهم إلا أن تلك 
العقود والأحلاف لم تكن تتجاوز الجانب السياسي في الكف عن حرب 
المسلمين. أو إمدادهم بال مال والسلاح» أو تخذيل العدو عنهم . لكن هذا لم 
يصل إلى مرحلة الاشتراك في الحرب. وما نعلم أن هذا الأمر يدخل في نطاق 
الحرفة. لأن الفقه الإسلامي قال كلمته ذا الصدد وجمهور الفقهاء على 
جوازه» ولكن الحرص يجب أن يكون على أعلى صورة لدى الحركة الإسلامية 
في هذا المجال. دون أن تشرك ولو كان جندياً واحداً في صفها غير مؤمن 
بعقيدتها وأهدافها, حتى لا يفسد الصف» ويبث فيه الوهن والضعف. 


.؟4٠0‎ ۲۳۹ امتاع الأسماع للمقريزي ج۱ ص‎ )١( 


3 


السمة السابعة عشرة 
تباشير النصر في قلب المحئة 


لقد كان شخص رسول الله ية يمثل أعظم قوة بشرية في التاريخ. فا 
عرف رجل يستطيع أن يؤثر في صفوف جيشه وجنده مثل شخص رسول 
الله لقد كان دائ 5 المحنة رجلها الأول» وبكلمات قلائل ينفح في جيشه 
روح الاستبسال والحهادء ويتحدث عن النصر حين يفقد الناس أملهم 
بالنصرء ويضرع إلى الله تعالى يجار بالدغاء حين يثق الناس بقدرتهم على 
النصر. ولنشهده عليه الصلاة والسلام في هذه المواقف العصبية. ها هو في 
بدرٍ يستمع لقول سعد بن معاذ رضي الله عنه: لعلك تخشى أن تكون 
الأنصار ترى حقاً عليها أن لا تنصرك إلا في ديارهم» وإنٍ أقول عن الأنصار 
وأجيب عنہم» فاظعن حيث شثت» وصل حبل من شئت» واقطع حبل من 
شكت وخذ من أموالنا ما شئت» واعطنا ما شئت. وما أحذت منا كان أحب 
إلينا ما تركت وما أمرت فيه من أمر فأمرنا تبع لأمرك, فوالله لئن سرت حتى 
تبلغ البرك من غمدان لنسيرن معك» والله لئن استعرضت بنا هذا البحر 
فخضته لخضناه معك(' ‏ . 


إن القول العظيم لسعد ليؤكد الولاء التام من الانصار لرسول الله كل 
واستعدادهم للتضحية والموت مع رسول الله . لكنه يؤكد من طرف آخخر أن 
الأمل بالنصر غير قائم . فخوض البحر يعني الاستشهاد أكثر مما يعني النصرء 
وأمام هذه الروح العالية كان جواب رسول الله يكلّهِ: سيروا وأبشروا فإن الله 
تعالى قد وعدي إحدى الطائفتين» والله لكأني الان أنظر إلى مصارع 
القوم" . 


ويقول المقريزي: (ثم أراهم مصارعهم يومئذ. هذا مصرع فلان. 


.۲۴۲ و (۲) الرحيق المختوم للمباركفرري ص‎ )١( 


"4 


وهذا مصرع فلان. فا عدا كل رجل مصرعه. فعلم القوم أنهم يلاقون 
القتال وأن العير تفلت( . 

ويحدثنا المقريزي عن موقفه يوم أحد» وفي أحرج اللحظات وأشدها 
8 قد عطش عطشاً شديداً. فذهب محمد إلى قناةٍ حتى استقى من 
حسی ۰ فاتی اء عذب فشرب رسول الله يله ودعا له بخير. وجعل الدم 
مثلها حتى تستلموا الركن7"). 

فالحيش المحطم. والوجه الجسريح. والعدو الطاغي› والشهداء 

السبعون» ومع ذلك يؤكد لحيشه العظيم أن المسلمين لن تنالهم مثل هذه 
المحنة حتى يستلموا الركن» وهذا يعني أن النصر قادم لا محالة له بإذن الله ء 
والنصر هذه العصبة بالذات التي تدخل مكة وتستلم ركن الكعبة المشرفة. 


وهذا موقفه عليه الصلاة والسلام يوم المحنة الكبرى» يوم الخندق. 
فقد روى البخاري عن جابر رضي الله عنه قال: إنا يوم الخندق نحفر 
فعرضت كدية شديدة فجاؤوا النبي بي فقالوا: هذه كدية عرضت في الخندق 
فقال: أنا نازل» ثم قام وبطنه معصوب بحجر - ولبثنا ثلاثة لا نذوق ذواقاً - 
فأخذ النبي ل المعول, فضرب فعاد كثيباً أهيل أو أهيم)» أي صار رملا ار' 
يتماسك وقال البراء: للا كان يوم الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صلخرة 
لا تأحذ منها المعاول. فاشتكينا ذلك لرسول الله يهي فجاء وأحذ المعول 
فقال: بسم الله» ثم ضرب ضربة وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح الشامء 
والله إني لأنظر قصورها الحمر الساعة. ثم ضرب الثنية فقطع آخر. فقال: 
لله أكبر أعطيت فارس والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض الآن. ثم 


)01 امتاع الاسماع ج۱ ص هل. 

(۲) رمل متراكم أسفله صخر صلد ينيع منه ماء عذب. 
(۳) المصدر نفسه ١‏ / ۱۳۸, 

(4) البخاري ؟ / 0۸۸ _ 0۸4 . 


T4 


ضرب الثالثة فقال: بسم اللهء فقطع بقية الحجر. فقال: الله أكبر أعطيت 
مفاتيح اليمن, والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني'). لقد بشر عليه 
الصلاة والسلام بذلك» والمسلمون يكادون يبلكون جوعاً فلم يذوقوا منذ 
ثلاثة أيام ذواقاًء والعدو مصبحهم ومسيهم» وتتناسب البشائر مع مراحل 
المعركة . 

فالبشارة الأولى في أول لقاء مع العدو» منصبة على مصرع كبار قادته 
وانتصار في معركة على وشك أن تمع . 

والبشارة الثائية بعد خسارة ضخمة في معركة مع هذا العدوء تؤكد أن 
النصر سيكون على هذا العدو في نهاية المطاف. مهما امتدت المعارك» فستعود 
الكعبة للمسلمين وينتهي الوجود الوثني في جزيرة العرب. 

والبشارة الثالثة قريب هجوم يود استئصال شأفة المسلمين وإبادة 
خضرائهم. بأن النصر سيتجاوز حدود معركة قائمة. وسيتجاوز حدود أرض 
العرب» وعدو عدد بل سيشمل الأرض كلها حيث يقبع العدو في الشام 
وفارس واليمن . في الشمال والشرق والجنوب. وستدين الأرض كلها لله . 


السمة الثامنة عشرة 
عمليات الاغتيال وأثرها في بث الرعب في صفوف العدو 


عاد المسلمون من بدرء ولا يزال بعضص المتحدين للاسلام يجاهرون ٤‏ 
عدائه (وكانت عصاء بنت مروان تحث يزيد بن زيد الخطمي» وكانت تؤذي 
رسول الله يلع وتعيب الإسلام» وتحرض على النبي با وقالت شعرأء فنذر 
عميربن عدي بن الخطميء لئن رد رسول الله بيا من بدر إلى المدينة 
ليقتلنها . فلا رجع رسول الله ل من بدر جاءها عمير ليلا حتى دخل عليها 
بيتهاء ووضع سيفه في صدرها حتى أنفذه من ظهرهاء وأق فصلى الصبح مع 


(19) سنن النسائي ۲ / ٦ه‏ وأحمد في مسندهء واللفظ ليس للنسائي . 


ةم 


النبي با فلا انصرف نظر إليه وقال: أقتلت ابنة مروان؟ قال: نعم 
يارسول الله. فقال: نصرت الله ورسوله يا عميرء فقال: هل علي شيء من 
شأنها يا رسول الله؟ فقال: لا ينتطح فيها عنزان. فكانت هذه الكلمة أول 
ما سمعت من رسول الله ية . وقال لأصحابه إذا أ حببتم أن تنظروا إلى رجل 
نصر الله ورسوله بالغيب» فانظروا إلى عمير بن عدي فقال عمر بن 
الخطاب رضي الله عنه: انظروا إلى هذا الأعمى الذي تشرى في طاعة الله تعالى 
فقال: لا تقل الأعمى ولكنه البصير. ٠‏ فلم رجع عمير وجد بنيها في جاع 
يدفئونها فقالوا: يا عمير أنت قتلتها؟ قال ؛ نعم فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون» 
فوالذي نفسي بيده لو قلتم بأجمعكم ماقالت لضريعكم بسيفي هذا حتى 
أموت أو أقتلكم . فيومئذ ظهر الإسلام في بني خطمة. فمدح حسان عمير بن 
عدي» وكان قتل عصراء لخمس بقين من رمضان مرجع النبي يِه من بدر 
على رأس تسعة عشر شهرا . 

إنها امرأة واستطاعت بكيدها للاسلام أن تحول بينه وبين بني خطمة. 
وخوف المؤمنين فيهم من سلاطة لسانها جعلهم يخفون إسلامهم. فكان 
شعرها كلسع النار على ظهر المؤمنين» وتحرك الإيمان في قلب عميرء الذي 
رأى من تبجحها وسفاهتها في غيبة رسول الله لله يك في بدر ما جعله ينذر قتلها 
إن عاد عليه الصلاة والسلام . أقدم على قتلها بحمية إيمانية عجيبة» ودون ن أن 
يستأذن قيادته» وصلى الصبح مع رسول الله يي في المدينة» وني قلبا بعض 
احرف من أ يكون قد أساء بقتلها فطمأنه عليه الصلاة والسلام. وأثنى e‏ 
بقوله: (إذا أحببتم أن تنظروا إلى رجل نصر الله ورسوله بالغيب» فانظروا إلى 
عمير بن عدي). 10 عجب أن يدهش عمر في إيمانه فيشير إليه عمر أمام 
الناس أنه الذي يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله. والذي أذهل عمر أنه أعمى 
وتمكن من البحث عن هذه الحية الرقطاء فقتلها في بيتها. فصحح له عليه 
الصلاة والسلام قوله: إنه البصير. ولم يكن عمير في قتله هذا بعد إجازة 
رسول الله كله له يخشى أحداً في هذه الأرض. لم يجمجم وم يتلعثم حين 


امتاع الأسماع للمقريزي ۱/-۲. 


85 


قوطاء وعدا : #فكيدوني جميعاً * 7 روني 7 


وكان لهذا الموقف الصلب من الأثر والقوة أكبر من مقتل ابنة مروان. 

فلا بد أن يغدو الكفر صاغراً ذليلا أمام المؤمنين. وأنقذ رقاب إخوانه جميعاً 

من الأذى» وصارت العزة لهم. والذل والصغار لمن خالف أمرهم» وظهر 
الإسلام في بني خطمة» وني الطريقة نفسهاء وللأهداف ذاتها تم مقتل أي 
عفك اليهودي بعد شهر واحد من مقتل عصماء بنت مروان. (وكان شيخا 
من بني عمرو بن عوف وقد بلغ عشرين ومائة سنةء وكان يحرض على عداوة 
النبي ب ول يدخل في الإسلام. وقال شعرأً فنذر سام بن عمير 
الأنصاري - أحد البكائين من بني النجار ليقتلنه أو يموت دونه» وطلب له 
غرة» حتى كانت ليلة صائفة - ونام أبو عفك بالفناء في بني عمرو بن عوف 
فأقبل سالم فوضع السيف على كبده فقتلهء والذي يربط بين الحادثتين أنها تمتا 
بدون إذن من القيادة» وأقرته) القيادة النبوية بعد ذلك وهذا يعني أن من 
يستحق القتل في حربه المسعورة ضد الإسلام» وليس هو محال شبهة في هذا 
العداءء وأقدم شاب على قتله» في الحرب المعلنة بين دولة الإسلام ودولته أو 
هو فهو نصر للإسلام بظهر الغيب» فزعاء الطاغوت اليوم الذين أشعلوا 
الحرب على المسلمين قتلوا رجاهمء ولم يستحيوا نساءهم. بل تجاوزوا فرعون 
الذي طغى» هؤلاء يتقرب إلى الله تعالى بدمائهم. وما فعله شباب الإسلام 
في الحاكم الذي تحدى المسلمين في الأرض فصالح عدوهم اليهود في يوم 
عيدهم. حين قتلوا هذا الطاغية إنما غسلوا عار المسلمين جميعا في أرض 
الكنانة» بل في كل مكان من الأرض الإسلامية ونصروا الله تعالى ورسوله 
بالغيب وشروا أنفسهم لله كما قال عمر رضي الله عنه. هومن الناس من 
يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله » والله رؤوف بالعباد». 


ح - مقتل كعب بن الأشرف: 
الأشرف لا يزال مشهراً لسانه في أعراض المسلمين ومنشباً سهامه في 


FEV 


نحورهم»› وازداد جرأة وحقداً وتحدياً بعد جلاء بني قينقاع عن المدينة. فقال 
رسول الله ية : من لي بابن الأشرف فقد آذاني . فقال محمد بن مسلمة: أنابه 
يارسول اللهء وأنا أقتلهء قال: فافعل وأمره بمشاورة سعد بن معاذ. فاجتمع 
محمد بن مسلمة ونفر من الأوس منهم عباد بن بشرء وأبو نائلة سلكان بن 
سلامةء والحارث بن أوس » وأبو عبس بن جبر . فقالوا: يارسول الله نحن 
نقتله فأذن لنا فلنقل» قال: قولوا. فأتاه أبو نائلة وهو في نادي قومه ‏ وكان 
هو ومحمد بن مسلمة أخويه من الرضاعة ‏ فتحدثا وتناشدا الأشعار حتى قام 
القوم فقال له: كان قدوم هذا الرجل علينا من البلاء. حاربتنا العرب ورمتنا 
عن قوس واحدة. وتقطمت السبل عنا حتى جهدت الأنفس » وضاع 0 
فقال كعب: قد كنت أحدثك ذا أن الأمر سيصير إليه» قال أبو 

ومعي رجال من أصحابي على مثل رأيي» وقد أردت أن آتيك ام 
منك طعاماً وتمراًء ونرهنك ما يكون لك فيه ثقة. واكتم عنا ما حدثتك من 
ذكر محمد؛ قال: لا أذكر منه حرفا لكنْ اصدقني› ماالذي تريدون في 
أمره؟ قال: خذلانه والتخلى عنه. قال: سررتنيىء فماذا ترهئنونني؟ قال : 
الحلقة<'». فرضي . وقام أبو نائلة من عنده على ميعادء فأق أصحابه فأجمعوا 
أن يأتوه إذا أمسى ليعاده» وأخبروا النبي مء فمشى معهم ووجههم من 
البقيع وقال: امضوا على بركة الله وعونه؛ وذلك بعد أن صلوا العشاء في ليلة 
مقمرة مثل النهار. فأتوا ابن الأشرف فهتف به أبو نائلة ‏ وكان حديث عهد 
بعرس» فوثب ونزل من حصنه إليهم. فجعلوا بتحائون ساعة» ثم مشوا 
قبل شرج العجوز("؟ ليتحادثوا بقية ليلتهم؛ فأدخل أبو نائلة يده في رأس 
كعب وقال: ما أطيب عطرك هذا!! ثم مشى ساعة وعاد لثلها وأخل بقرون 
رأسه فضربه الجماعة بأسيافهم ‏ ووضع محمد بن مسلمة مولا معه في سرة 
كعب حتى انتهى إلى عانته . فصاح صيحة أسمعت جميع أطام اليهود فأشعلوا 


)١(‏ الحلقة: السلاح عامة والدروع خاصة. 
(۲) شرج العجوز: موضع بقرب المدينة. 
(۳) مغول: سيف دقيق قصير ماض يكون في جوف سوط ليشده الفاتل على وسطه ليغتال به 
النا 
س. 


۳۸ 


نيراههم» واحتز الجماعة رأس كعب واحتملوه» وأتوا رسول الله ب وقد قام 
يصلي ليلته بالبقيع - فلا بلغوه كبروا. فكبر رسول الله ي ثم قال: أفلحت 
الوجوه» فقالوا: ووجهك يا رسول الله. ورموا برأس كعب بين يديه» فحمد 
الله على قتله وتفل على جرح الحارث بن أوس. وكان قد جرح ببعض سيوف 
أصحابه فبرأ من وقته وأصبح رسول الله بي من الليلة التي قتل فيها ابن 
الأشرف فقال:١١)‏ من ظفرتم به من رجال ود فاقتلوه؛ فخافت اليهود فلم 
بطلع عظيم من عظمائهم وم ينطقوا(". 
د - مقتل ابن سئيئة : 

وكان ابن سنينة من يبود بني حارثة حليفاً لحويصة بن مسعود. فعدا 
أخوه محيصة بن مسعود على ابن سنينة فقتله» فجعل أخوه حويصة يضربه 
ويقول: أي عدو الله أقتلته!! أما والله لرب شحم في بطنك من ماله» فقال 
محيصة: والله لو أمرني بقتلك الذي أمرني لقتلتك. قال: أوالله لو أمرك محمد 
بقتلى لقتلتني؟ قال: نعم والله لو أمرني بضرب عنقك لضربتهاء قال: والله 
إن ديناً بلغ بك هذا لعجب» فأسلم حويصة. فجاءت يبود إلى النبي يل 
يشكون ذلك فقال: إنه لوفر كما فر غيره ممن هو على مثل رأيه ما اغتيل» 
ولكنه نال منا الأذى وهجانا بالشعر» وم يفعل هذا أحد منكم إلا كان 
السيف. ودعاهم إلى أن يكتب بينه وبينهم كتاباً ينتهون إلى ما فيه فكتبوا 
بينهم وبينه كتاباً. وحذرت يهود وخافت وذلت من يوم قتل ابن الأشرف. 

أما الحادثتان الجديدتان وقد وقعتا في وقت متقارب قبيل غزوة أحدء 
هما اغتيال كعب بن الأشرف وابن سنينة كا نرى» ويجمع بينه| تقارب الوقت 
أولاء وأا كانتا بإذن من القيادة ثانياً - وإن اختلفت طبيعة الإذن والتكليف - 
وبسبب واحد هو الموقف العدائي من الإسلام والمسلمين وشخص رسول الله 
يه . ولعل ضخامة جريمة كعب بن الأشرف كانت أكبر من جريمة ابن 
سنينة . فلقد مضى كعب إلى مكة. والتقى بزعماء قريش» ورثا أصحاب 


. ٠١ / السيرة لابن هشام ج"‎ )١( 
. ٠٠١-٠٠۹ / ١ امتاع الأسماع للمقرزي‎ )5( 


۳44 


القليب في بدر منهم» وأعلن حلفه الصريح معهم» وراح يرد على شعراء 
المسلمين في الحجاء ويعلن تعاطفه الصريح القلبي والعلني معهم» ومشكلة 
كعب بن الأشرف وابن سنيئة أنما من يبود يثرب» أي من القبائل العربية 
نفسها الأوس والخزرج فها يعيشان بين ظهرانيهمء ورغم أن العهد بين 
رسول الله ب وبينهم على التحالف والتناصر إلا أن هؤلاء الزعاء اتخذوا 
موقفاً عدائياً من المسلمين» وتناسوا صحيفة العهد معهم. وراح 
كعب بن الأشرف يشبب بنساء المسلمين. وهو متمنع في حصنه. فكان أن 
انتدب رسول الله ل المسلمين لقتله. فتطوع محمد بن مسلمة» واختار أربعة 
من الفدائيين يشاركونه في عملية الاغتيال. من بينهم أبو نائلة أخو كعب بن 
الأشرف من الرضاعة . 

وهذا يعني أن أقدر الناس على تنفيذ عمليات الاغتيال» أبعدهم عن 
الشك فيهء ومن يت بقرابة أو صلة رحم أو صداقة من هذا المجرمء وهذا 
السبب نفسه هو الذي مكن محيصة ابن مسعود رضي الله عنه من قتل ابن 
سنينة. لأن ابن سنينة حليف أخيه حويصة فهو يتردد دائ عليه. وإنها 
مسؤولية ضخمة لأولئك الإخوة المنبثين في صفوف العدو حيث يأمن العدو 
جانبهم للقرابة أو موقع الوظيفة وهم أقدر من غيرهم آلاف المرات على الثأر 
من أولئك الطغاة. 

كا نلاحظ صورة جديدة في هذه العملية لم نشهدها من قبل» وهي 
صورة الخديعة التي تقتضي الكذب واختلاق الحوادث لتحقيق الهدف. لأن 
العملية من العسير جداً أن نتم بغير هذه الصورة» ولن يسلم كعب نفسه 
سهولة وهو يعرف خطورة عدائه للعصبة المسلمة وسيكون دائم) في حذر 
شديد من الغيلة. فكان لا بد من التحايل عليهء واقتضى هذا التحايل النيل 
من شخص رسول الله بيه ومن الإسلام ليركن الطاغية إليهم» وهو درس 
جديد نفقهه كذلك إن اتخاذ مظاهر الكفر. وإعلان الكفر. والنيل من 
الإسلام والمسلمين لتحقيق مثل هذه المهمة أمر لا حرج فيه. حيث قد تم 
بإذن رسول الله ي . وإذا كان اغتيال عصماء بنت مروان قد تم بالوضوح 
الإسلامي الكامل والتحدي الإيماني السافر لها ولبنيها ولقومها: «فكيدوني جميعا 


o: 


لم لا تنظرون“) . فليس بالإمكان أن يتم هذا الأمر وللعدو حصونه وقوته 

وشراسته ولكن هذا الأمر لا يتم بدون إذن في الأصل حين يرتبط المسلم 
بقيادته . 

إننا نلاحظ كثيراً من ضعاف النفوس ينافقون للطغاة والكفرة 
ويعايشونهم حوفاً من بطشهم» وهذا أمر نبى الإسلام عنه» واعتبره ركوناً 
للكفار وولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار» وما لكم من دون الله من 
أولياءء ثم لا تنصرون"“). الفرق واضح تماماً بين هذا النوع من الركون 
والمسارعة في الكفار» وبين من يفعل هذا الأمر بمهمة من قيادته المسلمة أو 
إذن منها على الأقل» أو تصميم على تنفيذ مهمة اغتيال أو تجسس لصالح 
المسلمين حين يعجز عن الصلة بالقيادة والتنسيق معهاء ولقد استطاع أبو 
نائلة رضي الله عنه أن يجعل الثقة بينه وبين كعب في الأوج حين نال من 
محمد ي وشهر به. وهؤلاء أحب الناس إلى قلوب الطغاة» وهم الذين 
يرتدون عن دينهم سخطة له وتشهيرا به. 

وكانت الخطة من الدقة والإحكام بحيث لا يوجد فيها ثغرة واحدة. 
فهدف هذه المجموعة الفدائية أن تكون بكامل سلاحهاء ولو جاءت هكذا 
لشراء البر والتمر لكانت موطن شك وألقى القبض عليها. غير أن إحكام 
الخطة بأن هذه المجموعة جاءت بسلاحها تسلمه لكعب بن الأشرف رهيئة 
للبر والتمر» ف فهو أمر مقبول ومستساغ. بل سال لعاب كعب له. أن يحصل 
على سلاح خسة من المسلمين يضمه إلى مخازن سلاحه التي عنده ,ويلهيهم 
بالتمر والبر. إن أقوى ما کون ني الخطة هي إل تبدو ساذجاً مغفلا مع 
خصمك. وتظهر له انخداعك به حتى يتابع خطته 

ولا نزال نذكر موقف تلك الأخت المسلمة التي قبضت عليها المخابرات 
وهي تحمل وثائق للقيادة» ومن خلال وثيقة السفر التي تحملها تم التأكد من 
علاقتها مع الحركة» واستعملت معها أساليب التهديد العجيبة» ونقلت إلى 


. ٠٠١ سورة هود من الآية‎ )١( 
. ٠١۳ سورة هود الآية‎ )۲( 


uC 


مركز لمحابرات العاصمة وراح يحقق معها شخصيتان كبيرتان من قادة 
المخابرات وضباطهم الكبار. واستمر التحقيق معها ساعات طويلة» أقنعتهم 
فيه أنها ستتعامل معهم لصالحهم ضد الجماعة المسلمة. فاحتفوا بها أا 
احتفاء ونقلوها إلى أرقى فنادق العاصمة» وأعطوها دفعة دسمة من الالء 
وأركبوها في السيارة معززة مكرمة إلى القيادة. فإحكام الخطة الذي يزيل 
الشبهة عنصر أساسي من نجاح المهمة» ومن أجل هذا راح كعب مع المجموعة 
الفدائية يتمشى دون حرج وهم مدججون بسلاحهم . 

كا أن أداة الفتك لا بد أن تكون متطورة متناسبة مع طبيعة المهمة» 
فالمغول الذي استعمله محمد بن مسلمة كان ضرورياً للتأكد من مقتل 
الطاغية» والابتعاد بكعب عن حصنه أمر ضروري جداً حتى لا يقبض عليهم 
عند الحصن» والمحاولة الأولى من أبي نائلة ليشم عطر كعب الطيب ضرورية 
كذلك حيث يحكم القبض عليه في المرة الثانية دون أن يفلت منه» ودون أن 
تتحرك الريبة في قلبه لو وجدهم محيطين به أثناء الاندفاع في الحديث. 

لقد أثبت الإخوة المجاهدون في الوقت الحاضر كفاءة عالية جداً في 
اغتيال شخصيات العدو وطغاته وذلك على هدى هله المجموعة الفدائية. 
لدرجة أن هذه العمليات استمرت قرابة ثلاث سنوات وعجزت الدولة 
بمخابراتها وسلطانها أن تتعرف على هوية المنفذين» وكانت تحسبهم من حركة 
قومية غير الحركة الإسلامية. 

وأخيراً نلحظ الأثر العظيم هذا الاغتيالء فلقد قضي على التحرك 
المعادي للمسلمين في عقر دارهم. وخفتت الأصوات الإعلامية المعادية. 
وكتب'" اليهود كتابا وميثاقا بذلك يعلنون تراجعهم عن هذا العداء السافرء 
ودخل الرعب في قلب العدو لدرجة أنه , يجرؤ أحد قادتهم على الخروج 
وحده. 

وكانت الصورة التي أعلها مخيصة بن مسعود لأخيه أنه على استعداد أن 
يضرب عنقه لو أمره رسول الله بذلك إيذاناً بتعرف العدو على الاستبسال 
المنقطع النظير لدى هؤلاء المجاهدين. وأن ديهم أقوى من كل شيء في 


oY 


حياتهم. وهم على استعداد للإطاحة بأبائهم وإخوانهم وأولادهم في سبيل هذا 
الدين. 

لقد حقق الاغتيال هدفه حين أحكمت خطته. ونفذت تمام التنفيذ, 
ومهمتنا نحن اوم أن نتقن هذا الفن» ونحكمه. ولا مانع من الاعتراف 
بالحقيقة. إن هذا الموضوع حين ابتذل من الحركة الإسلامية» وغدا ينصب 
على الناس العاديين» من المخبرين» وقد يقع أحياناً على متهمين لا مجرمين» 
فقد قيمتهء وولد جوأ من التململ والضيق من الناس المحايدين. فلا بد أن 
تكون عمليات الاغتيال هادفة محققة لعنصر بث الرعب في صفوف المجرمين 
وكفهم عن التمادي في حرب المسلمين. 


ه ‏ مقتل سفيان بن خالد اهندلي بعد أحد: 

(كان قد بلغ رسول الله ية أن سفيان بن خالد نزل عرنة وما حولها في 
ناس فجمّع لحربه. وضوى إليه بشر كشير من أفناء العرب. فبعث 
عبد الله بن أنيس وحله ليقتله وقال له: انتسب إلى خزاعة. فقال 
عبد الله بن أنيس : يا رسول الله! انعته لي حتى أعرفه قال: إذا رأيتهة هبه 
وفرقت منه وذكرت الشيطان» وآاية 1000 وبينه أن تجد له قشعريرة إذا 
رأيته» وأذن له أن يقول ما بدا له» وكان ابن انیس لا يباب الرجال فأخخل 
سيفه وخرج حتى إذا كان ببطن عرنة لقي سفيان يمشي وراءه الأحابيش 
فهابه» وعرفه بالنعت الذي نعت له رسول الله ية . وقد دخل وقت العصر 
فصلى وهو يمشى يومىء إيماء برأسه . فلا دنا منه قال: من الرجل؟ قال: 
رجل می خزاعة سمعت بجمعك لمحمد فجئتك لأكون معك. ومشى معه 
يحادثه وينشده» وقال: عجباً لما أحدث محمد من هذا الدين المحدث فارق 
الآباء وسفه أحلامهم! فقال سفيان: لم يلق محمد أحداً يشبهني! حتى انتهى 
إلى خبائه وتفرق عنه أصحابه فقال: هلم يا أخا خزاعة. فدنا منه وجلس 
عنده حتى نام الناس» فقتله وأخذ رأسه واختفى في غار والخيل تطلبه من كل 
وجه. ثم سار الليل وتوارى في النهار إلى أن قدم المدينة ورسول الله ب في 
المسجد فقال: أفلح الوجه! قال: أفلح وجهك يا رسول الله! ووضع الرأس 


Yor 


بين يديه» وأخبره الخبر» فدفع إليه عصا وقال: تخصر بهذه في الجنةء فإن 
المتخصرين في الجنة قليل. وكانت عنده حتى أدرجت في أكفانه بعد موته20. 

أما عملية الاغتيال هذه التى قام بها عبد الله بن أنيس وحده. فقد 
أنبت معركة» وقضت على عدو. وكان لا بد هنا ولا تجف الدماء بعد من 
أحد. والتحرك بجيش جديد للمدينةء يعنى خطرا كبيرا ولا تزال الجراحات 
تنزف من الجيش المؤمن» واستطاع عبد الله وحده بعون الله أن ينفذ مهمته 
كاملة» واختباؤه في غار حتى بدأ الطلب. ومسيره في الليل وكمونه في 
البار» يدل على عبقرية تخطيطه اقتداء بهدي قائده محمد ييه يوم الهجرة. 
وبطن عرنة هو قرب مكة بين عرفات ومزدلفة. وهذا يعني أن المهمة قرب 
مكة. فهي ذات أثر معنوي ضخم أن تصل قوة محمد إلى حدود مكة. وهو 
يقض مضاجع قريش بذلك. 

إن حسن اختيار الأشخاص للمهمات شيء مهم جداً. فابن أنيس 
وحده أمه يمضي إلى بطن عرنة ويقتل قائد جيش العدو في خبائه. ويختفي في 
أرضه» بعد أن يحتز رأسه ويعود به إلى المديئة. إنها لبطولة خارقة ولا شك. 
تذكرنا ببعض العمليات الفدائية التي قام مها الشباب المجاهدون بالشام. إذ 
كان أخ واحد في سيارته الملغومة يمضي فيفجر أكبر تجمعات العدو دون أن 
يعثر له على أثر ويقضي على أكبر شخصياته . 


و - مقتل أبي رافع بعد الخندق: 

(كان ما صنع الله به لرسوله ي أن هذين الحيين من الأنصار الأوس 
والخزرج كانا يتصاولان مع رسول الله كَل تصاول الفحلين. لا تضع الأوس 
شيئاً فيه عن رسول الله كيه غناءٌ إلا قالت الخزرج: والله لا تذهبون هذه 
فضلا علينا عند رسول الله 5ء وني الإسلام. قال: فلا ينتهون حتى يوقعوا 
مثلهاء وإذا فعلت الخزرج شيئاً قالت الأوس مثل ذلك. ولا أصابت الأوس 
كعب بن الأشرف في عداوته لرسول الله وء قالت الخزرج: والله لا تذهبون 


. ۲٠۵۰۲۵4 / ۱ امتاع الأسماع للمقريزي‎ )١( 


ot 


بها فضلاً علينا أبداً؛ قال: فتذاكروا من رجل لرسول الله كل في العداوة 
كابن الأشرف؟ فذكروا سلام بن أبي الحقيق» وهو بخيبر» فاستأذنوا رسول 
الله يكل في قتله فأذن لهم. فخرج إليه من الخزرج من بني سلمة خسة نفر 
عبد الله بن عتيك. ومسعود بن سنان وعبد الله بن أنيس» وأبو قتادة الحارث 
ابن ربعي» وخزاعي بن أسود حليف مم من أسلم. 5 وأمر عليهم 
رسول الله ي عبد الله بن عتيك ونهاهم أن يقتلوا وليداً أو امرأة“). قال 
عبد الله بن عتيك لأصحابه: (اجلسوا مكانكم فإني منطلق ومتلطف للبواب 
لعل أن أدخل» فأقبل حتى دنا من الباب ثم تقنع بثوبه كأنه يقضي حاجته» 
وقد دخل الناس فهتف به البواب: ياعبد الله إن كنت تريد أن تدخل 
فادحل» فإني أريد أن أغلق الباب. 


قال عبد الله بن عتيك: فدخلت فكمنت» فلما دحل الناس أغلق 
البابء ثم علق الأغاليق22 على ود" قال: فقمت إلى الأقاليد فأخذتهاء 
ففتحت الباب» وكان أبو رافع يسمر غنده» وكان في علال له. فلا ذهب 
مه أل مدره صمت إل فجعلت كلا فتحت باباً أغلقت علي من داخل 
: إن القوم لو نذروا بي لم يخلصوا إل حتى أقتله. فانتهيت إليه 
ذا هو في بيس مظلم وسط عله له أدري أين هو من الت قلت: 
أيا رافع , قال: من هذا؟ فأهويت نحو الصوت فأضربه ضربة بالسيف وأنا 
دهش » ا أغنيت شيا وصاح فخرجت من البيت ثم دخلت إليه» فقلت: 
وما هذا الصوت يا أبا رافع؟ فقال: لأمك الويلء إن رجلا في البيت ضربني 
قبل بالسيف» قال : فأضربه ضربة أثخنته ول أقتله. ثم وضعت ضبيب السيف 
في بطنه حتى أخذ في ظهرهء فعرفت أني قتلته» نجملت اع الأبواب باباً باب 
حتى انتهيت إلى درجة له» فوضعت رجلي وأنا أرى قد انتهيت إلى الأرض» 
فوقعت في ليلة مقمرة» فانكسرت ساقي» فعصبتها بعمامة» ثم انطلقت حتى 
جلست على الباب. فقلت: لا أخرج اليلة حت أعلم اقتت؟ فلا ملح 
الديك صاح الناعي على السور فقال: أنعي أبا رافع تاجر أهل الحجاز. 


)١(‏ و (۲) الأغاليق عل ود: المفاتيح على وتد. 


ممم 


فانطلقت إلى أصحابي فقلت النجاء فقد قتل الله أبا رافع . فانتهيت إلى النبي 
8 فحدثته. فقال ابسط رجلك. فبسطت رجلي فمسحها فكأما لم 
أشتكها( , 

فوذج فل فريد مثل عبد الله بن انيسن الذي كان أحد الخمسة الفدائيين 
اليوم ابن عتيك. ولئن كان ابن انيس قد قتل سفيان في خبائه» فابن عتيك 
قد اقتحم عل سلام بن أبي الحفيق حصنه» واغتاله في فراشه» وهو أعلى 
مستوىٌ يمكن أن تصل إليه عبقرية الاغتيال» في فراشه وبين أهله» وتصبح 
مفاتيح الحصن والبيت بيده» وهو في خيبر» في قلب حصون العدو» حيث 
أمضى المسلمون فيا بعد قرابة شهر وهم يفتحون هذه الحصون. 

وتذكر بعض الروايات أن أم عبد الله بن عتيك كانت في خيبر وهي 
التي هيأت له ولسريته الدخول إلى حصونهاء ولا يبعد ذلك غير أن رواية 
البخاري لم تذكر ذلك. والجرأة العجيبة التي لدى ابن عتيك تحير اللب 
وتذهل العقل» لقد غامر أولاً بإغلاق الأبواب. وحسب أسوأ الاحتمالات أن 
يصل العدو إليهء لكنه لن يكن أهل خبير من الوصو اليه قبل أن يصل إلى 
عدو الله أبي رافع فيجهز عليه» ثم غامر ثانياً فاختباء وأصبح الخطر جاثاً 
حوله لأنه لم يحقق هدفه بعد» دم سا راع مو الصو ليتأكد 
من مكانه فيه . ثم غامر ثالثاً. بأن کمن حتى تأكد من مقتل أي رافع» علماً 
بأن ساقه قد کسرت» فنسي ساقه من أجل تحقيق مهمته. ثم مضى إلى 
رفاقه» فغادروا خيبر متجهين إلى المديئة. ولم يتخل عن مهمته حتى أنفذ 
السيف في بطنه إلى أن خرج من ظهره. 


إنها أمثولة خالدة نضعها بين يدي المجاهدين نموذجاً حياً لتنفيذ المهمات 
الموكلة إليه. وتطالعنا كذلك صورة التنافس الكبير بين الحيين العظيمين في 
القضاء على أعداء الله » وهو تنافس محبب يحسن أن يتحرك بين المجاهدين 
حرصاً على مرضاة الله ويتسابقون في القضاء على خصوم الإسلام وهم 


. ٥۷۷ / ۲ صحيح البخاري‎ )١( 


۳٦ 


يحاربون هذه الدعوة. وسيان كانت هذه المنافسة من خلال المجموعات أو 
البلدان أو الأحياء. فهي تنتهي في حرب الطغاة وإبادة رؤوس الكفر. 
وتطالعنا كذلك» الآثار الضخمة هذه العملية التي أشعلت الرعب في صفوف 
اليهود في خيبر وعرفوا أن يد المسلمين تطالهم في مضاجعهم» وتجتثهم من بين 
أحضان نسائهم وتجتاهم من منيع حصونبهم . 

إن حرب الرعب حرب إسلامية يجدثنا رسول الله ل عنها بقوله:' 
نصرت بالرعب مسيرة شهر”'2: ويوم نخسر هذه الحرب نخسرها عقوبة 
كذلك. كا حدثنا رسول الله كيه ولينزعن من قلوب أعدائكم المهابة 
منكم29. فحين نخلص في الغايةء ونحسن التخطيط في الوسيلة» تنفتح 
أمامنا مغاليق العدو» ويصبح مثالا سهلاً وهدفاً حيوياً بمتناول اليد وحين 
تختل الغاية» وتختل الوسيلة» فيصبح هذا السلاح بيد العدو. 


لقد رأينا عبد الله بن عتيك رضي الله عنه يقوم بكل هذه العمليات 
الضخمة جهداً جسدياًء وجهداً عبقرياً مفكرأء وينال أكبر رأس من رؤوس 
الطغاة. ومع ذلك يأتي ليقول لإخوانه: النجاء فقد قتل الله أبا رافع . وم يقل 
هم: النجاء. فقد قتلت أبا رافع . إن عظمة العبودية لله عز وجل عنده أن لا 
ينسب القتل إليه مع أنه هو الذي خطط ونفذ وتاكد من نجاح مهمتهء 
وأصيبت رجله. نحن بحاجة لمثل هذه النفسيات التي تخلص الغاية لله 
وتحسن الوسيلة وتحكمها وتببىء لها وسائلها ليتاح لنا النصر على أعدائناء ولا 
حرج عندئذ في التنافس في الجهاد في سبيل الله» فلم يبحث الخزرج عن 
رجل عادي يقتلونه نفاسة للأوس» بل بحثوا عن رأس من رؤوس الطغاة 
على مستوى كعب بن الأشرف» ونود أن لا يدفعنا التنافس إلى هم الفتك 
فقطء بل لا بد من البحث عن طاغية جبار عنيد يكاقء الجحهد المبذول 
لذلك. 


)١(‏ متفق عليه. 
,0( 


ov 


فالتوفيق الإلهي يوم يتم في مثل هذه الأمور المعقدة لا يتم جزافاًء إن 
يتم ضمن سنن جارية سنها الله تعالى لتوفيقه. ويوم نجد ضخامة في الجهود 
المبذولة وفشلاً كبيراً في التنفيذء فإن هذا يعني أن خللا ضخأ كذلك قد وقع 
في نيائناء وفي إخلاصنا وفي قلوبنا ففاتنا الهدف. ومن يتق الله يجعل له 
غرجأ ويرزقه من حيث لا يجتسبء ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله 
بالغ أمرهء قد جعل الله لكل شيء قد راد » . هومن يتق الله مجعل له من 


أمره يسرا”2 4 . 


السمة التاسعة عشرة 
الحرب الإعلامية ودورها في المعركة 


كانت بوادر الحرب الإعلامية قد ابتدات مئذ الهجرة» غير أن ملاعها 
بدأت ٠‏ تتتضح رويداً رويداً في بعض السرايا قبيل بدر» لكنها انفجرت انفجارا 
فخا بعد بدر. لأن الجانب الإعلامي للقبائل المجاورة كان هدفاً مها من 
أهداف الفريقين» ويظهر أن الأشعار سرعان ما تطبر مها الركبان بين يثرب 
ومكة. فيأي الرد من الطرف الاخر. لكن عند النصر تكثر أشعار الفريق 
المتتصر بينا تكش المراثي عند الفريق الثاني . 


لقد دحل رسول الله يي المعركة بأسلحة غير متكافئة في العدد والعدة» 
أما في مجال الشعر فلم يكن الأمر كذلك, فإضافة إلى المقلين من الصحابة 
الذين يكتفون بقطعة أو قطعتين كان هناك الشعراء المتخصصون 
حسان بن ثابت على رأسهم رضي الله عنه» وكعب بن مالك وعبد الله بن 
رواحة. وكان أشدهم على الكفار حسان. 


(!) الطلاق من الآية ۲ و". 
(5) الطلاق من الأية ٤‏ . 


۳۵۸ 


في بدر 


كانت المعاني التي انصب عليها شعر بدر كله تتناول من قبل المسلمين 
قتلى القليب» السراة من قريش. وقلما يوجد شاعر لم يتناول هذا الجانب» ثم 
يربط الشعراء هذه افزيمة النكراء بالبغي والطغيان من قريش. وأن جزاء هذا 
البغي النار في الاخرة والخزي والذل في الدنيا. وتعير الذين لاذوا بالفران 
والذين وقعوا في ذل الأسرء وتشمت بالنائحين والنائحات على قتلاهم. ثم 
تحمل دعوة لقريش أن ترعوي عن غيها وتفيء إلى الله ورسوله. كما يتوضح 
الفخر الكبير بالنصر المؤزر الذي ناله المسلمون تحت راية محمد يي ومدد 
جبريل والملائكة معه. هذا في الجانب الإإسلامي . ومن تماذجه قول كعب 
رضي الله عنه : 


بهن أبدنا جمعهم فتبدوا 
فكب أبو جهل صريعا لوجهه 
وشيبة والتيمي غادرن في الوغى 
فامسوا وقود النار ف مستقرها 

وقول حسان رضي الله نه 
طحنتهم والله ينفلك أمره 
من بين مأسور يشد وثاقه 


لأصحابه مستبسل النفس صابر 
مقاييس يزهيها لعينيك شاهر 
وكان يلاقي الحين من هو فاجر 
وعتبة قد غادرته وهو عاثر 
وما منهم إلا بزي العرش كافر 
وكل كفور في جهئم صائر 


حرب يشب سعيرها بضرام 
جزر السباع ودسله بحوام 
صقر إذا لاقى الأسنة حامي 
حى تزول شوامخ الإعلام 


وم ينس أن يعر الحارث بن هشام لفراره : 


إن كنټ كاذبة الذي حدتتنى 


. ٠١ / ۳ ابن هشام‎ )١( 


o۹4 


فنجوٹ ی الحارث بن هشام 
ونجا بر برأس طمرة ولجام() 


بيدا نجد الجانب الجاهلي ينصب على الرثاء. فهذا الحارث يرثي أبا 
جهل : 
ألا يالهف نفسي بعد عمرو وهل يغني التلهف من قتيل 
وهند بنت عبتة التي كانت تفاخر بمصيبتها العرب: 
کہا امون | لمسلمين بتخليهم عن عشيرتمهم › وتعاونهم مع الغرياء ضد 
م 
أصيبوا كراما ' يبيعوا عشيرة ‏ بقوم سواهم نازحي الدار والأصل 
كا أصبحت غسان فيكم بطانة لكم بدلاً ما فيا لك من فعل 
عقوقاً وإثماأ بيناً وقطيعة يرى جؤركم فيها ذوو الرأي والعقل 
ولا ينسونت التهديد بالثأر من المسلمين > وخاصة الخزرج والأوس: 
فنترك صرعى تعصب الطير حوهم وليس لهم إلا الأماني ناصر 
من قريش» فيثني عليهم عصبية وحمية. 
نإن تطفروا في يوم بدر فإغا بأحمد أمسى جدكم وهو ظاهر 
وبالنفر الأخخيار ‏ هم أأولياؤ يحامون في اللأواء والموت حاضر 
يعد أبو بكر وحمزرة فيهم ويدعى علي وسط من أنت ذاكر 
وتظهر المتناقظات كذلك لدى طالب بن أبي طالب ابن عم رسول الله 
يبيد فهو يعتز بمحمد ولا يخفي هواه معه» ثم يبكي أصحاب القليب من 
قريش من جهة ثانية . 


۳ 


ألا إن عيني انفذت دمعها سکباً نبكي على كعب وما إن ترى كعباً 
ألا إن كعبا في الحروب تخاذلوا وأرداهم ذا الدهر واجترحوا ذا 
فعا إن جنينا في قريش عظيمة سوى أن حمينا خير من وطىء التربا 
لكنه يناشد قومه أن يكفوا عن حرب ابناء قومهم : 
فيا أخوينا عبد شمس ونوفلا فدا لكا لا تبعثوا بينكم حربا 
ولا تصبحوا من بعد ود وإلفة أحاديث فيها كلكم يشتكي النكبا 
ألم تعلموا ما كان من حرب داحس وجيش أي يسكوم إذ ملأوا الشعبا 
ثم يدعو بعدها للثأر من الخزرج: 
فوالله لا تنفك نفسي حزينة تُململ حتى تصدقوا الخزرج الضربا 
وراحت العرب التي عرفت أخبار بدر من الشعر ترقب الجحولة القادمة 
بين المسلمين وقريش. وحتفت كلها تخاف سطوة محمد ية . ولا ننسى كذلك 
أن مقتل كعب بن الأشرف كان درسا قاسيا للذين يريدون نصرة قريش في 
مواقفهم وأشعارهم . 
في أحد والمحنة 


سنة واحدة فقط بين الغزوتين. وقد دالت الدولة على المسلمين» وثأر 
المشركون منهم . فبحت أصواتهم في الفخر بالنصرء والتغني بالأمجاد. 
سقنا كنانة من أطراف ذي يمن عرض البلاد على ما كان يزجيها 
نحن الفوارس يوم الجر من أحد هابت معد فقلنا نحن نأتيها 
كأن هامهم عند الوغى خلق من قيض ربد نفته عن أداحيها 
لكن لدى المسلمين فخر كذلك في أحد حيث قتلوا حملة اللواء واحداً 
بعد الآخر. ' 
شددنا بحول الله والنصر شدة عليكم وأطراف الأسلة شسرع 


.٤۵ 4 مقتطفات من السيرة لابن هشام من الصفحات‎ )١( 


١ 


عمدنا إلى أهل الراء ومن يطر 


بذكر لواء فهو في الحمد أسرع 
ی الله إلا أمره ومو أصنع 


لكن قتلى المسلمين كثر. خاصة من الكرام الصيد من الخزرج 


والأوس . 
ليت أشياخي ببدر شهدوا 
فقتلنا الضعف من أشرافهم 


جزع الخزرج من وقع الأسل 
واستمر القتل في عبد الأشل 
وعدلنا ميل بدر فاعتدل 


فيرد حسان رضى الله عنه أن أحداً كانت جولتين لا جولة أحد: 


ولقد نلتم ونلنا منكم 
نضع الأسياف في أكتافكم 
إذ تولون على أعقابكم 


إذ شددنا شدة صادقة 


هرّبأ في الشعب أشباه الرّسَل 
فأجاناكم إلى سفح الجبل 


ولا ينسى كعب بن مالك رضي الله عنه وهو يرثي حمزة بن 
عبد المطلب» والشهداء معه أن يتحدث عن نعيم الحنة التي أعدها الله 


للشهداء , 

وأشياع أحمد إذ شايعوا 
فها برحصوا يضربون الكماة 
كذلك حتى دعاهم مليك 


على الحق ذي النور والمنهمج 
ويضون في القسطل المرهج 
إلى جسنسة الولح 
على ملة اله لم يحرج 


دوحة 


أوافك لا من ثوى» منكم من النار في الدرك المرتج. 

وهذه ميزة هذه العقيدة» فالشاعر الجاهليء تأكل المرارة قلبه وهو يبكي 
صرعاه» أما الشاعر المسلم فيرى في الشهادة دعوة زفت إلى الشهيد من المليك 
تعالى للنزل عنده. وحين يصر الشاعر الجاهلي على النيل من الخزرج 
والأوس. ثم يعرج على المهاجرين. 


۳۹۲ 


فغادرن قتلى الأوس عاصبة بهم 
وجمع بني النجار في كل تلعة 
ولولا علو الشعب غادرن أحمدا 
كبا غادرت في الكر حمزة ثاوياً 


ضباع وطير يعتضين وقصوع 
بأبدانهم من وقعهن لجيع 
ولكن علاء السمهري شروع 
وفي صدره ماضي الشباة وقوع 


لا يدعه الشاعر المسلم دوك أن يذكره بصبر الأوس والخزرج تحت راية 


محمد کل : 
وحامى بنو النجار فيه وصابروا 


وكان لهم ذكر هناك رفيع 


وهؤلاء الذين تنالون منبم هم سادتكم 5 القوم » محمد وحمرة وعلي 


وغيرهم : 

أولفك قوم سادة في فروعكم 
بين تعز الله حتى يعزنا 
فلا تذكروا قتلى وحمزة فيهم 
فإن جنان الخلد منزلة له 
وقتلاكم في النار أفضل رزقهم 


وفي كل قوم سادة وفروع 
وإن كان أمر يا سخين فظيع 
قتيل ثوى لله وهو مطيع 
وأمر الذي يقضي الأمور سريع 
حميم معاً في جوفها وضريع 


وهذا هو محور المنافسة في نهاية المعركة» فأبو سفيان يصرخ. أعل 


هُبَلء فيأتيه الجواب: الله أعلى وأجل. ويعيد أبو سفيان فخره: لنا العزى 
ولا عزى لكم. فيرتد عليه فخره: الله مولانا ولا مول لكم. لا سواءء قتلانأ 
في الجنة وقتلاكم في النار» غير أن هنداً لم ترو ظمأها في أحد» ولم تشتف 
ثأرها حتى حين بقرت بطن حزة عن الكبد. 

رجعت وقي نفسي بلابل جمة وقد فاتني بعض الذي كان مطلبي 
من أصحاب بدر من قريش وغيرهم بنى هاشم منهم ومن أهل يشراب 
ولکنني قد نلت شيشا ولم يکن كيبا كنت أرجو في مسيري ومركبي7) 


. ۱۷۸-۱۳۹ مقتطفات من السيرة لابن هشام ص‎ )١( 


۳۹۳ 


وتتالت المحن على المسلمين» فأحذت سرية الرجيع منهم مأخذاً ألياً. 
لکن أبيات خبيب مضت مثلا سائ ثرأ على الثبات على المبدأ: 


لقد جمع الأحزاب حولي وألبوا 
وكلهم مبدي العداوة جاهد 
وقد خيروني الكفر. 
وما بي حذار الموت 
فولله ماأرجو 


والموت دونه 
إني لميت 


قبائلهم واستجمعوا كل مجمع 
علي لأني في وثاق بمصيع 
وقد ملت عيناي من غير مجزع 
ولكن حذاري جحم نار ملفع 
علي أي جنب كان في الله مصرع 
ولا جزعاً ني إلى الله مرجع 


وما كان لمثل خبيب أن لا یرٹی وقد اغتالته قريش وصلبته على الجحذع: 


ما بال عينك لا ترقا مدامعها 


على حبيب فتى الفتيان قد علموا 
فاذهب خبيب جزاك الله طيبة 


سحا على الصدر مثل اللؤلؤ القلق 
لا فاشل حين تلقاه ولا نزق 
وجنة الخلد عند الحور في الرفق 


وبين المهجاء للغادرين › والرثاء للشهداء. كان حسان بخوض حر به فمن 


أقذع ما قال حسان بالغادرين : 

إن سرك الغدر صرفاً لا مزاج له 
قوم تواصوا بأكل الحار بينهم 
لو ينطق التيس يوماً قام يخطبهم 


فالكلب والقرد والإنسان مثلان 
وكان ذا شرف فيهم وذا شان( 


أما الشهداء فقل نظمهم ف سلك واحد: 


صلى الإله على الذين تتابعوا 


وابن لطارق وابن وئلة متم 
ممع المقادة أن ينالوا ظهره 
ومع اشتعال غزوة 


. ۱١۹۲و‎ ۱۸٩۹ / السيرة لابن هشام‎ )١( 


يوم الرجيع فأكرموا وأثيبوا 
ابن البكير إمامهم وخبيب 
وافاه ثم حمامة المكتوب 
كسب المعالي إنه لكسوب 
حتى يجالد إنه لنجيب“ 


بی النضبرء عادت حرب الشعر فاشتعلت من 


جديد» وفي هذه المعركة لا بد من دحض افتراءات اليهود أنهم على الحق. 


وأنهم أهل الكتاب الأول: 

لقد خزيت بغدرتها الحبور 
وقد أوتوا معاً فهيً وعلاً 
فقالوا ماأتيت بأمر صدقي 
فلم) أشربوا عذراً وكفراً 
فغودر منهم كعب صريعاً 
فتلك بنو اللنضير بدار سوم 


كذاك الدهر ذو صرف يدور 
وجساءهم من الله النليسر 
وأنت بمنكر منا جدير 
وحادهم عن الح النفور 
فذلت بعد مصرعه النضر 
أبارهم بما اجترموا المبير 


لكن اليهود وقد غلبهم الحقد الدفين لم يجدوا ما يردون به على المسلمين 


غير التغني بأمجاد قريش وأحد 
قتلتم سيد الأحبار كبا 


فإن نسام لک نترك رجالا 


وقدماً كان يأمن من يجير 
بكعب حوهم طير تدور 


وطالما أن ملة الكفر واحدة» فحن على بني النضير عباس بن مرداس 


فبك بني هارون واذكر فعاهم 
سراع إلى العلياء كرام لدى الوغى 


وقتلهم للجوع إذ كنت مجدباً 
يقال لباغي الخير أهلا ومرحبا 


وكان الرد عنيفاً عليه في تخليه عن أرومته العربية: 


فهلا إلى قوم ملوك مدحتهم 


تبنوا من العز المقل منصبا 
تراهم وفيهم عزة المجد ترتبا”) 


والعرب لا تزال ترمق الموعد الحديد بين محمد وقومه بدر الآخرة. فلم 
يدع المسلمون تخاذل أبي سفيات عن حضورها يمر دون هجاء وسبة : 


وعدنا أبا سفيان بدراً فلم نجد 
فأقسم لو وا فيتلا فلقيتنا 


ليعاده صدقاً وما كان وافيأ 
لأبت ذميماً وافتقدت المواليا 


. ۲۲۱-۲۰۹ السيرة النبوية : مقتطفات من الصفحات‎ )١( 


16 


تركنا به أوصال عتبة وابنه وعمراً أبا جهل تركناه ثاويا 
وحاول أبو سفيان أن يعتذر لكن السبة لحقتهء فقد فر من المواجهة. 


الخندق واثاره بين العرب 


لقد كانت قبائل العرب واقفة على الحياد بين الفريقين. تنتظر لمن الغلبة 
حتى تنضم إليهء ولا شك أن الدوي الضخم الذي رافق تحرك الأحزاب› 
كان له خطر كبير على الوجود الإسلامي» لكن فشل الهجوم كذلك. أياس 
العرب من إمكان القضاء على هذا الدين الحديدء وحاول كلا الفريقين ف 
الإذاعة الطائرة أن يفت من طاقة الاخر. ضرار بن الخطاب الفهري يفخر 
بالحصارء والتجمع الضخم الذي غزوا به محمدا ويصمهم بالفرار من 
المواجهة : 
فأحجرناهم شهراً كريتاً وكنا فوقهم كالقاهرينا 
نراوحهم ونغدو كل يسوم عليهم في السلاح مدججينا 
فلولا خحندق كانوا لديه لدمرنا عليهم أجمعينا 
ولكن حال دوهم وكانوا ‏ به من خوفنا متعوذينا 
وكان مقتل سعد بن معاذ أكبر هدف تحقق عندهم في الحصار» كما كان 
الحمزة في أحد: 
فإن نرحل فإنا قد تركنا لدى أبياتكم سعداً رهيناً 
إذا جن الظلام سمعت نوقى على سعد يرجعن الحنيئا 
ثم مهدد ويتوعد بالغزو ثانية فيقول : 
وسوف نزوركم عما قريب كما زرناكم متوازرينا 
فيحول كعب بن مالك الخندق إلى عرين الأسد: 
بباب الخندقين كأن أسداً شوابكهن يحئين العرينا 


ف 


وهو رد نفس المقولة أن جمعهم أسد غاب تحمي العرين. 

وأما مقتل سعد رضي الله عنه» فالحنة مثواهء ولن يضيره غيظهم 
وحقدهم : 
فإما تقتلوا سعدا سفاهاً فإن الله خير ,القادرينا 
سيدخله جناناً طيبات تكون مقامة للصالحينا 


لكن العار الذي جلل قريشاً وغطفان هو فشل هجومهاء وعودتها 
بالخزي والخيبة . 
كما قد ردكم فلأ شريداً يفك خزايا خائبينا 
خحزايا /م تنالوا ثم خيراً وكدتم أن تكونوا دامرينا 


لكن الكارثة الكبرى التي حلت بالمشركين تعادل مقتل سعد رضي الله 
عند المسلمين هي مقتل عمرو بن عبد ود العامري» فارس قريش الأول: 

فهو عند مسافع بن عبد مناف الجمحي : 
عمرو بن عبد كان أول فارسٍ جزع المذاد وكان فارس ا 
سمح الخلائق ماجد ذو مرةٍ يبغي القتال بشكة لم ينكل 
ولقد علمتم حين ولوا عنكم أن ابن عبد فيهم لم يعجل 


ومع ذلك فيضطر ذليلاً للاعتراف ببطولة علي بن أبي طالب رضي الله 
عنه وهو الذي صرعه: 
تسل النزال عل فارس غالب بجنوب سلع ليته لم ينزل 
فاذهب عل ف) ظفرت بثله فخراً ولا لاقيت مشل المعضل 
نفسي الفداء لفارس من غالب لاقى حمام الوت لم يتحلحل 
والعار الآخر الذي جللهم هو فرار الفوارس من حوله: 
عمرو بن عبد والجياد يقودها خيل تقاد له وخيل تنعل 
أجلت فوارسه وغادر رهطه ركنا عظيمً كان فيها أول 
وهبيرة المسلوب ولى هارباً عند القتال محافة أن يقتلوا 


1Y 


وضرار كان البأس منه محضراً 
نما اضطر هبيرة بن 

صاحبه : 

لعمري ما وليت ظهري محمدا 

ولكنني قلبت أمري فلم أجد 

فلا تبعدن يا عمر وحياً وهالكاً 


فعنك علي لا أرى مثل موقف 
فها ظفرت كفاك فخراً ممثله 


ولى كما ولى اللثيم الأعزل 


أي وهب أن يدفع العار عن نفسه» ويرثي عمراً 


وأصحابه جبناً ولا خيفة القتل 
لسيفي غناءً إن ضربت ولا نبلي 
وحق لحسن المدح مثلك من مثلي 
على البطل المغوار علي 

وقفت على نجد المقدم كالفحل 
أمنت به ما عشت من زلة النعل 


أما بنو قريظة والذل الذي حاق بهم فلا بد أن تتحدث عنه الإذاعة 
الطائرة كذلك وتربطه بسعد بن معاذ رضي الله عنه الذي حكم عليهم 


لقد سجمت من دمع عيني عبرة 
قتيل ثوى في معرك فحفت به 
على ملة الرحمن وارث جنة 
فأنت الذي ياسعد أبت بمشهد 
بحكمك في حبي قريظة بالذي 
فوافق حكم الله حكمك فيهم 
فإن كان ريب الدهر أمضاك في الألى 
فنعم مصير الصادقين إذا دعوا 


وحق لعيني أن تفيض على سعد 
عيونُ ذواري الدمع دائمة الوجد 
مع الشهداء وفدها أكرم الوقد 
كريم وأثواب المكارم والمجد 
قضى الله فيهم ما قضيت على عمد 
ول تعف إذ ذكرت ماكان من عهد 
شروا هذه الدنيا بجناتها الخلد 
إلى الله يوماً للوجاهة والقصد 


بينها كان اليهود يجترون الامهم بمقتل سراتهم وساداتهم. فلقد قضى 
رجال بني قريظة جميعا جزاء غدرهم وخيانتهم . 


لقد وجدنا الحرب الإعلامية للمسلمين تواكب تاماً الحرف العسكرية, 


وكانت هي التي تمثل لسان الناطق 
العرب . 


طق الرسمي بنتائج الحرب والمعارك عند 
فمن دیوان الأشعار يتعرف العرب على الأحداث. 


ول يكن هذا 


۳۹۸ 


الأمر كذلك بالنسبة للمسلمين. إذ كان القرآن الكريم بالنسبة لهم هو مصدر 
التلقي والحكم على الأحداث. ولم يكونوا يعيرون التفاتاً فيا بينهم للشعر بعد 
أن صار الوحي هو موطن التربية بالنسبة لهم. 

لقد كان الشعر للرد على العدو الذي لا يؤمن بالقرآن الكريم. 
واستطاع الشعراء المسلمون أن يخوضوا معارك الشعر كلها دون حرج أو 
تلجلج من أي ميدان. تكلموا بقيم العرب. وطرحوا مفاهيم الإسلام من 
خلال الشعر. ولم يتركوا مثلبة عربية يطعن منها الأعداء إلا وردوها عليهم . 


وما أحوج الحركة الإسلامية اليوم التي تخوض معركتها العسكرية أن 
تعطي الحانب الإعلامي حقه. وطبيعة الحرب العالمية اليوم حرب إعلامية . 
فالمعسكران يبتعدان ما استطاعا عن الصدام والمواجهة العسكرية. لكن 
حربهم المستمرة اليومية تنطلق من وسائل الإعلام. وإن ثقة الناس بإعلام 
الحركة يعني ثقة الناس بهاء فهم يحكمون على الحركة الجهادية من خلال 
إذاعتها ومجلاتها ونشراتها. وإذا كان الشعر وحده أيام الرسالة الأولى هو 
الوسيلة الإعلامية الأكبر إن لم تكن الأوحد فوضعنا اليوم يختلف كثيراً عن 
سالفه . 

إن وسائل الإعلام اليوم تسد الأفق» ولا يأخذ الشعر إلا حيزاً محدوداً 
جداً منبا. فهناك الموعظة والخطبة والمقالة والأقصوصة والقصة والتعليق 
السياسى. والتحليل الأخباري والادة الأخباريةء والأناشيد الحماسيةء كل 
هذه ذات أثر خطير في الواقع .الإعلامي . 

إضافة إلى وسائل البث الإعلامي. من إذاعة وتلفاز وجريدة ومجلة 
وكتاب وتسجيل سمعي وبصري. كلها غدت تتحكم في قلوب البشر 
وعقوم وتفكيرهم. وتوجه قناعاتهم وتبني عقائدهم . 

إن المعركة من الخطورة والدقة والأهمية ما يجعل الحكم على نجاح 
المعركة من خلال نجاح إعلامها والثقة به والتعامل معه» وأملنا كبير أن توجه 
الحركة الإسلامية طاقاتها لتكوين الاختصاصيين المبدعين في هذا الفن, 


۳۹4 


ويملكوا مقود الفكر والعاطفة» ليحققوا القاعدة الأساس التي يقوم عليها 
صرح البناء الجهادي. فيكون كا قال عز وجل :ألم تر كيف ضرب الله مثلا 
كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت. وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين 
بإذن ربهاء ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون420. إنها مواصفات 
واضحة للكلمة الطيبة. إنها من الأصالة والصدق ضاربة جذورها في 
الأرض» فلا يزعزعها كل برج الدنيا وزخرفها. وهي من جهة ثانيةمنتشرة في 
كل صقعء وطالت فروعها الباسقة حتى عمت الأرض وامتدت للسعاء. 
وهيمن جهة ثالثة مثمرة ترعاها عناية اللهء تحقق أهدافها التي قامت من 
أجلها. كاملةء ويكون ثمرها مذاقاً لكل قارىء أو راءٍ أو سامع. وفقدان 
أي من هذه المواصفات الثلاثة يعني أننا | نصل بعد إلى الكلمة الطيبة التي 
نريد, 


السمة العشرون 
ازدياد العدد والعدة 


لقد كانت أول سرية أرسلها رسول الله يه على رأس سبعة أشهر من 
مقدمه المديلة هي سرية حمزة بن عبد المطلب إلى سيف البحر يعترضون عيراً 
لقريش قد جاءت من الشام تريد مكة فيها أبو جهل في ثلاثمائة راكب. 
وكان عدد أفراد هذه السرية ثلاثين راكباء كلهم من المهاجرين. 

وحين ينظر المرء إلى خخطوات الجهاد الأولى التي ابتدأت بقلاثين راكباً 
ويلاحظ أنها ارتفعت وخلال مس سنوات إلى ثلاثة آلاف جندي في غزوة 
الخندق. يلاحظ مدى التقدم الضخم الذي أحرزه الجيش الإسلامي في 
المدينة . 

وملاحظة أخرى كذلك من حيث العدة. 

فالخيل من أهم عناصر الحرب على الإطلاق. والخيل معقود في نواحيها 


. 55-14 / سورة إبراهيم‎ )١( 


۳۷۰ 


الخير إلى يوم القيامة كا يقول عليه الصلاة والسلام. فإذا أعدنا إلى الذاكرة 
غزوة بدر وأنه لم يكن لدى المسلمين فيها إلا فرسان. ثم نذكر أن خيل 
المسلمين في الخندق بلغت متي فرس» تبين مدى التقدم العسكري 
الضخم في هذا المجال . حتى الإبل في بدر كان كل ثلاثة من المسلمين 
يتعقبون بعيراً. أي كان عند المسلمين حوالي سبعين من الإبل» يكفي أن 
لذكر أن غنائمهم من بدر وحدها كانت ماثة وخسين بعيراً. 

أما السلاح فحدث ولا حرج. كان سلاحهم في بدر السيوف في 
الخرق. فلننظر إلى بعض الغنائم التي حصل عليها المسلمون من أعدائهم في 
هذا المجال. كانت غنائم بني قاع من السلاح : : ثلاث قسي» وثلاثة سيوف 
وثلاثة رماح ودرعين ووجدوا في منازهم سلاحاً كثيراً وآلة الصياغة. ولم تكن 

نائم بتي قينقاع لتذكر في هذا المجال لأنهم مضوا بسلاحهم. وكان اليهود 

يمثلون ترسانة أسلحة عندهم ويقومون بصنعها. وعندما حاول بنو النضير أن 
يخرجوا بأسلحتهم منعهم رسول الله ي إلا بتسليم سلاحهم وكا يقول 
النص: (ثم نزلت يبود على أن هم ما حملت الإبل | إلا الحلقة (أي 
السلاح0)) . (وقبض رسول الله ي الأموال والحلقة فوجد سين درعاً 
وخسين بيضة وثلاثماثة وأربعين سيفً9©). 

أما غنائم بني قريظة فكانت كالتالي : 

(وجمعت أمتعتهم وما وجد في حصونهم من الحلقة والأثاث والثياب 
فوجد فيها ألف وخسمائة وثلاثماثة درع وألفا رمح» و وألف وخسمائة ترس 
وجحفة..0©. وبذلك غدا للمسلمين قوة ضخمة من السلاح والرجال 
وتحولت معظم قوة العدو من اليهود إلى المسلمين. إضافة إلى ما كانوا يبتاعونه 
من الأسواق. فكانت كل أنواع السلاح متوفرة عندهم . 

صحيح أن المسلمين ما خاضوا معركة مع عدوهم إلا كانوا أقل من 
عدوهم عدداً وعدة. وكانوا بإيمانهم وثباتهم أقوى من خصومهم» لكن هذا 
)١(‏ و(۲) امتاع الأسماع .٠۸١ / ١‏ 
(”) إمتاع الأسماع ٠٤١ / ١‏ . 


۳۷۱ 


التطور في العدد والعدة. يعني أن مقومات الدولة أصبحت أكبر. وأن إمكانية 
القضاء عليهم أصبح ميؤوساً منها. فقد كان أبو جهل يقول عندهم في بدرء 
نهم أكلة جزور يقلل من عددهم وقيمتهم . غير أن الصورة اختلفت اليوم , 
وازدادوا عشرة أضعاف ماكانوا عليه. وواجب الحركة الإسلامية حين تقرر 
خوض معركة مع العدو؛ أن تكون على مستوى الأحداث وتبيء من السلاح 
والرجال ما يؤهلها لخوض هذه المعركة إضافة إلى الحانب الإيماني الذي لا 
يملكه غير المؤمنين سلاحاً متميزاً في المعارك. 


السمة الحادية والعشرون 
الجهد البشري في البذل 


فليس المهم الأرقام الحسابية في الحرب. لا بد من النوعية الجيدة وكا 
يقول القرآن الكريم. «. . . إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين. 
وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون 
الان خفف الله عنكم» وعلم أن فيكم ضعفاًء فإن يكن منكم ماثة صابرة 
يغلبوا مائتين» وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع 
الصابرين'“) . فهذا يعني أن المؤمن القوي بعشر أضعافه من الكفار» وأن المؤمن 
الضعيف بضعفين والأمر في تفاوته بقدر المدى الإيماني عند المسلمء وهذا 
التفاوت هو الذي يجعلنا ننظر إلى المستويات العليا من التضحية والبذل حى 
لا نتصور أن النصر جاء بدون هذه التضحيات» ولكن يكون ها في هذه 
الفقرة أكثر من التنسيق والعرض لتكون هذه النماذج حية في أذهاننا وقلوبنا. 
أ ۔ من بطولات بدر: 

١‏ (بعثت قريش عمير بن وهب الجمحي ليحزر المسلمين فلا لم ير 
هم مدداً وا کمیناً دج فقال: القوم ثلاثماثة إن زادوا زادوا قليلا معهم 
سبعون بعيراً وفرسان ثم قال: يا معشر قريش» ألبلايا تحمل المناياء نواضح 


.55 الأنفال الآية: مك‎ )١( 


فض 


يغرب تحمل اموت الناقع » قوم ليست لهم منعة ولا ملجا إلا سيوفهمء | ألا 
متهم جل حت يقثل منکم رجلا ذا أصابوا متك مثل عددهم فا خير في 
العيش بعد ذلك. فروا رأيكو( )4 , 

۲ - يقول عليه الصلاة والسلام للمسلمين في بدر: قوموا إلى جنة 
عرضها السموات والأرض والذي نفسي محمل بيده لا يقاتلهم اليوم رجل 
بخ بخء فقال رسول الله إة مايحملك على قولك بخ بخ؟ قال: لا 
يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلهاء قال: إنك من أهلها. فأخرج 
تمرات من قرنه فجعل يأكل منبن. ثم قال: لثن أنا حييت حتى آكل تمراتي 
هله إا اة طويلة› فرمی عم كان معه من التمر لم قاتلهم حتى قتل 2 . 
وكذلك سأله عوف بن الحارث. ما يضحك الرب من عبده! قال: غمسه يده 
في العدو حاسراً فنزع درعاً كانت عليه فقذفها ثم أخخذ سيفه فقاتل القوم حتى 
قتل9 . 
الحرجة9*» وهم يقولون: أبو الحكم لا يخلص إليه. قال: فلا سمعتها جعلته 
من شأني فصمدت نحوهء فلا أمكنني حملت عليه فضربته ضربة أطنت قدمه 
بنصف ساقه. فوالله ما شبهتها حين طاحت إلا بالنواة تطيح من تحت مرضخة 
النوى حين يضرب بهاء قال: وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي 
فتعلقت بجلدة من جنبي. واجهضني القتال عنه. فلقد قاتلت عامة يومي 
هذا وأنا أسحبها خلفي . فلا آذتني وضعت عليها قدمي ثم تمطيت بها عليها 
حتى طرحتها. ثم مر باي جهل وهو عقير معوذ بن عفراء فضربه حتى أثبته 
فتركه وبه رمق . 

.۸۳-۸۲ / ۱ امتاع الأسماع:‎ )١( 

(۲) رواه مسلم» 1۹/۲ 

(*) مشكاة المصابيح / رض 

(4) الحرجة : الشجر الملتف وشبه رماح المشركين حوله بذلك. 
زفة الرحيق المختوم عن ابن اسحاق 4268 . 


VY 


٤‏ - ولي الصحيح أن الزبير لقي عبيدة بن سعد بن العاص وهو مدجج 
في السلاح لا يرى منه إلا الحدقء فحمل عليه الزبير بحربته فطعنه في عينه 
فمات» فوضع رجله على الحربة ثم غطى وكان الجهد أن نزعها وقد انثنى 
طرفها. فسأله إياها رسول الله ية فأعطاه إياها('؟ . 
من الحوض : أعاهد الله لأشربن من حوضهم › أو لأهدمنه» أو لأموتن دونه . 
فشد حتى دنا منه. فاستقبله حمزة بن عبد المطلب فضربه فأطن قدمه. فزحف 
الأسود حتى وقع في الحوض» فهدمه برجله الصحيحة وشرب منه وحمزة يتبعه 
فضربه في الحوض فقتله. فدنا بعضهم من بعض وخرج عتبة وشيبة والوليد 
ودعوا إلى المبارزة. فخرج إليهم ثلاثة من الأنصار فتيان وهم معاذ ومعوذ 
وكره أن يكون أول قتال في الأنصار» وأحب أن تكون الشوكة ببني عمه 
وقومه فأمرهم فرجعوا إلى مصافهم وقال هم خيرا. ثم نادى منادي المشركين : 
الذي بعث به نبيكم إذ جاؤوا بباطلهم ليطفئوا نور الله؛ فقام علي وحمرة 
وعبيدة بن الحارث بن المطلب» فمشوا إليهم» وكان عل رضي الله عنه معلا 
حمزةء ثم قام شيبة فقام إليه عبيدة فضربه شيبة فقطع ساقه. فكر حمزة وعلي 
فقتلا شيبة واحتملا عبيدة إلى الصف. فنزلت هذه الآية: إهذان خصمان 
اختصموا في رم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نارء يصب من فوق 
رؤوسهم الحميم) الحج  .)١۹‏ 

ب - بطولات من أحد: 

5 - كان أول وقود المعركة حامل لواء المشركين طلحة بن أبي طلحة 

العبدري . وكان من أشجع فرسان قريش » يسميه المسلمون كبش الكتيية . 


١417 السيرة النبوية لابن محمد بن عبد الوهاب‎ )١( 
.46-44 / ١ امتاع الأسماع‎ )۲( 


Y4 


خرج وهو راكب على جمل. يدعو إلى البارزة فأحجم عله الناس لفرط 
شجاعته. ولكن تقدم إليه الزبيرء ولم يمهله بل وثب إليه وثبة الليث حى 
صار معه على جمله. ثم اقتحم به الأرض, فألقاه عنه» وذبحه بسيفه ورأى 
النبي وله هذا الصراع الرائع. فكبر وكبر معه المسلمون وأثنى على الزبير وقال 
في حقه: إن لكل نبي حوارياً وحواري الزبير("؟. 
طلحة. فحمله أخوه أبو شيبة عثمان بن أبي طلحة» وتقدم للقتال وهو 
يقول: 
إن على أهل اللواء حقا أن تخضب الصعدة أو تندقا 
فحمل عليه حمزة بن عبد المطلب. فضربه على عاتقه بترت يده مع 
كتفه؟, حى وصلت إلى سرئة فيانت ركته . ثم رفع اللواء أبو سعد بن آي 
طلحة فرماه سعد بن أي وقاص بسهم أصاب حنجرنه فأدلع لسانه ومات 
لحينه . وقيل: بل خرج أبو سعد يدعو إلى البراز فتقدم إليه علي بن أبي طالب 
طلحة بن أبي طلحةء فرماه عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح بسهم فقتله. 
فحمل اللواء بعده أخوه كلاب بن طلحة بن أي طلحة. فانقض عليه الزبير 
طلحة فطعئه طلحة بن عبيد الله طحنة قضت على حياته. وقيل: بل رماه 
عبد الله بن عثمان بن عبد الدار قتلوا جميعا حول لواء المشركين» ثم حمله من 
بني عبد الدار أرطأة بن شرحبيل فقتله علي بن آي طالب» وقيل: 
حمزة بن عبد المطلب» ثم حمله شريح بن قازط فقتله قزمان. . ثم حمله أبو زيد 
عمرو بن عبد مناف العبدري فقتله قزمان أيضاء ثم حمله ولد لشرحبيل بن 
هاشم العبدري فقتله قزمان أيضاً. 


. ۲۸۸ الرحيق المختوم عن السيرة الحلبية‎ )١( 


كفن 


فهؤلاء عشرة من بني عبد الدار من حملة اللواء أبيدوا عن آخرهم. ول 
يبق منهم أحد يحمل اللواء. فتقدم غلام هم حبشي اسمه صواب فحمل 
اللواء وأبدى من صنوف الشجاعة والثبات مافاق به مواليه من حملة اللواء 
الذين قتلوا قبله فقد قاتل حتى قطعت يداهء فبرك على اللواء بصدره وعنقه؛ 
لئلا يسقط حتى قتل وهو يقول: اللهم أعزرت؟ يعني هل أعزرت. 

وبعد أن قتل هذا الغلام - صواب ‏ سقط اللواء على الأرضء ولم يبق 
أحد يحمله, فبقي ساقطا . 

قال الزبير بن العوام: وجدت في نفسي حين سألت رسول الله كل 
السيف فمنعنيه وأعطاه أبا دجانةء وقلت ‏ أي في نفسي -: أنا ابن صفية 
عمته» ومن قریش» وقد قمت إليه فسألته إياه قبله. فآتاه إياه وتركني» والله 
لأنظرن ما يصنع؟ . فاتبعته فأخرج عصابة له حمراء» فعصب بها رأسه فقالت 
الأنصار: أخرج أبو دجانة عصابة الموت فخرج وهو يقول: 
أنا الذي عاهدني خليلي ونحن بالسفح لدى النخيل 
أن لا أقوم الدهر في الكيول2) أضصرب بسيف الله والرسول 

فجعل لا يلقى أحداً إلا قتلهء كان في المشركين لا يدع لنا جريحاً إلا 
زفف عليه . فجعل كل واحد منهما يدنو من صاحبه. فدعوت الله أن يجمع 
بينهما فالتقياء فاحتلفا ضربتين» فضرب المشرك أبا دجانة فاتقاه بدرقته, 
فعضت بسيفه» فضربه أبو دجانة فقتله. ثم رأيته قد حمل السيف على مفرق 
رأس هند بنت عتبة» ثم عدل السيف عنها. قال الزبير: فقلت: الله ورسوله 
أعلم . 

قال ابن اسحاق: وقال أبو دجانة سماك بن خدرشة: رأيت إنساناً 
يخمش الناس خحمشاً شديداً فصمدت لهء فلا حملت عليه السيف ولرلء فإذا 
امرأة» فأكرمت سيف رسول الله ية أن أضرب به امرأة“. 
)١(‏ الرحيق المختوم ص۲۸۸ ۔ ۲۸۹ . 
(۲) الكيول: آخخر الصفوف. 
(۳) السيرة لابن هشام ۳ / ۷۳. 


۳۷٦ 


؛ - يقول وحشي بن حرب: كنت غلاما د بن مطعم» وكان عمه 
نك إن قعلت حزة عمي أحد بعمي فانت عتيق. قال فخرجت مع ل 
وكنت رجلا حبشياً أقذف بالحربة قذف الحبشة قلا أخحطىء بها شيئاً - فلا 
التقى الناس حرجت أنظر حمزة وأتبصره» حتى رأيته ف عرض الناس مثل 
الجمل الأورق ميك الناس هذا ما يقوم له شيء . فوالله اف لأا له أريذه 
فأستترمنه بشجرة أو حجر ليدنو مني إذ تقدمني | إليه سباع بن عبد العزى» فلا 
راه حمزة قال له هلم إلي يا ابن مقطعة البظور ‏ وكانت أمه ختانة قال فضربه 
ضربة كأنما أخطا رأسه<». قال: وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها 
إليه فوقعت في نته - أحشائه ‏ حتى خرجت من بين رجليه» وذهب ينوء 
نحوي فغلب» وتركه وإياها حتی مات9). 

٠-مر‏ أنس بن النضر بقوم وقد ألقوا ما بأيديهم فقال: ما تنتظرون؟, 
فقالوا : تل رسو الله 25 قال: قل ا بالحياة بعده؟ ا تومو فموتوا عل 
هؤلاء - يعنى يعنى المسلمين - وأبرأ اا ا صلع و يعني المشركين» ثم 0 
فلقيه سعد بن معاذ فقال: اين يا أبا عمر؟ كال ان : مو 
إني أجده دون أحدء ثم مضی فقاتل القوم حق فتل› فا عرف حتى عرفته 
أخته ببنانه» وبه بضع وثمانون مابين طعئة برمح وضربة بسيف ورمية 

نذا 

١-روى‏ مسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله بيا أفرد يوم أحد 
في سبعة من الأنصارء ورجلين من قریش› فلا رهقوه. قال: من يردهم عنا 
وله الحنة أو هو رفيقي ي |الحنة ؟ تدم رجل من الأنصار فقاتل حق 0 
لصاحبيه 1 القرشيين : ما أنصفنا أصحابنا. ٠‏ 
)١(‏ يقال عند المبالغة في الإصابة. 
(۲) السيرة النبوية لابن هشام ۳ / .۷١‏ 
(۳) عن الرحيق المختوم ك5" . 
(4) المصدر نفسه ۲۹۸ . 


YY 


حتى كان آخرهم زياد أو عمارة بن السكن فقاتل حتى أثبتته الجراحة 
ثم فاءت فئة من المسلمين فأجهضوهم عنه» فقال رسول الله ب أدنوه منى 
فأدنوه منه فوسده قدمه» فمات وخده على قدم رسول الله ه10 . 
-روى النسائى عن جابر قال: فأدرك المشركون رسول الله ية 
فقال: من للقوم فقال طلحة: أنا. ثم قاتل طلحة قتال الأحد عشر حتى 
ضربت يده فقطعت أصابعه فقال: حسء فقال النبي كله لو قلت: بسم الله 
لرفعتك الملائكة والناس ينظرون قال: : ثم رد الله المشركين . . ووقع عند الحاكم 
3 الأكليل أنه جرح يوم أحد تسعاً وثلاثين أو لم خمسا وثلاثين وشلت إصبعه 
أي السبابة والتي تليها. 
وروی ابن حبان في صحيحه عن عائشة قالت: قال أبو بكر الصديق : 
. الما كان يوم أحد انصرف ف الناس كلهم عن النبي ذِلِ. فكنت أول من فاء إلى 
البي وَل . فرأيت بين يديه رجلا يقاتل عله قلت: كن طلحة. فداك أبي 
وأمي» كن طلحةء فداك أي وأمي. كن طلحةء فداك أبي وأمي. فلم ألبث 
1 أدركني أبو عبيدة بن الحرا > وإذا هو يشتد كالطير» حتى لحقني» فدفعنا 
لى النبي كَل فإذا طلحة بين يديه صريعاً. فقال النبي كله: دونكم أخاكم 


فقد أوجب227. 


۴ - وكان علي بن أبي طالب يذب عن رسول الله كك من ناحية وأبو 
دجانة . ٠.‏ من ناحية . وسعد بن أبي وقاص يذب طائفة› وانفرد على بفرقة فيها 
عكرمة بن أبي جهل فدخل وسطهم بالسيف. فضرب به وقد اشتملواء عليه 
حتى أمضى إلى أخرهم. م كر يهم لا سق رچ امن ج جار وكان 
قد قتل» ثم برز والسيف في د يذه وافترقوا عنه› وجعل يحمل على فرقة هنهم 
وإنهم ليهربون مله وكان يومكل معلا بعصابة خحضراء9» . 

,٠٠١ المصدر نفسه‎ )١( 


. ١!" /١ امتاع الأسماع‎ )5( 


۴۷۸ 


1١‏ -وكان شماس بن عثمان لا يرمي رسول الله 6 ببصره بميناً 
وشمالا إلا رآه في ذلك الوجه يذب بسيفه حتى غشي رسولٌ الله كله فترس 
بنفسه دونه حتى قتل رحمه الله فذلك قول رسول الله : ما وجدت لشماس 
شبهاً إلا الحنة22, 

٠١‏ - ومر مالك بن الدخشم على خارجة بن زيد وهو قاعد. في حشوته 
ثلاثة عشر جرحاًء كلها قد خلصت إلى مقتل. فقال: أما علمت أن محمداً 

قد قتل! فقال خارجة. فإن كان محمد قد قتل فإن الله حي لا يموت. لقد 
بلغ محمدء فقاتل عن دينك› ومر على سعد بن الربيع وبه انا عشر جرحاً 
كلها قد خلص إلى مقتل» فقال: علمت أن محمداً قد قتل! فقال سعد: 
أشهد أن محمداً قد بلغ رسالة ربه. فقاتل عن دينك فإن الله حي لا 
يموت 97 2, 

5 وأقبل ثابت بن الدحداحة والمسلمون أوزاع قد سقط في أيديهم 
فصاح : يا معشر الأنصار! إلي إلي أنا ثابت.بن الدحداحة. إن كان محمد قد 
فتل فإن الله حي لا يموت فقاتلوا عن دينكم» فإن الله مظهركم وناصركم . 
فنهض إليه نفر من الأنصار فحمل بهم على كتيبة فيها خالد بن الوليد وعمرو 
بن العاص» وعكرمة بن أبي جهل وضرار بن الخطاب فحمل ع ساد بن 
الوليد بالرمح فقتله وقتل من كان معه من الأنصار رضي الله عنهم © 

۷ وقال عبد الله بن جحش: يا رسول الله! إن هؤلاء القوم قد نزلوا 
حيث تری» وقد سألت الله فقلت: اللهم اني أقسم عليك أن نلقى العدو 
غداً فيقتلونني ويبقرونني ويمثلون بيء فألقاك مقتولاً قد صُنع هذا بي. فتقول: 
فيم صنع بك هذا؟ فاقول فيك؛ وأنا أسألك أخرى: أن تلي تركتي من 
بعدي . فقال: نعم. فخرج حتى قتل ومثل به» ودفن هو وحمزة رضي الله 
عنما في قبر واحد” . 


.١44 / ١ المصدر نفسه‎ )١( 
.٠١١ المصدر نفسه‎ )۲( 
. ٠١١ المصدر نفسه‎ )"( 
. ٠١١ المصدر نفسه‎ )٤( 


۳۹ 


۸-ثم أخذ يي قوسهء فا زال يرامي القوم» وأبو طلحة يستره 
مترساً عله» حتى تحطمت القوس. وكان أبو طلحة قد نثر كنانته - وفيها 
سول سهاً - بين يدي الي كله وكان رامياً وكان صيتاء فقال مله : 
صوت أبي طلحة في الجيش خير من أربعين رجلا فلم يزل يرمي بها ورسول 
الله هة من خلفه بين رأسه ومنكبه ينظر إلى مواقع النبل حتى فنيت نبله وهو 
يقول: نحري دون نحرك جعلني الله فداك فإن كان يي ليأحذ العود من 
الأرض فيقول: ارم أبا طلحة! فيرمي بها سه جيداً(2. 


من بطولات الرجيع والخندق 


4 ورماهم عاصم حتى فنيت نبله» ثم طاعنهم حتى کسر رمحه. ثم 
کسر غمد سيفهء وقاتل حتى قتلء فبعث الله عليه الدبر"؟ فحمته. فلم 
يدن منه أحد إلا لدغت وجهه؛ ثم بعث الله في الليل سيلا فاحتمله فذهب به 
فلم يقدروا عليه . وذلك أنه كان قد نذر ألا یس مشركاً ولا سه مشرك› 
وكانوا يريدون أن يجزوا رأسه ليذهبوا به إلى سلافة بنت سعد لتشرب في 
قفة قحفه الخمر؛ فإنها نذرت إن أمكنا الله منه أن تفعل ذلك من أجل أنه 
قتل هما ابنتين في يوم واحد. 

٠‏ ثم أخرجوه (أي خبيب بن عدي) في الحديد إلى التنعيم ومعه 
النساء والصبيان والعبيد وجماعة من أهل مكة, ومعه ريد بن الدئنة» فصل 
خبيب ركعنين أتمهما من غير أن يطول بين - وكان أول من سن الركعتين عند 
القتل - - ثم قال: اللهم احصهم عددا واقتلهم بدداً ولا تغخادر منم 
أحداً. ثم أوثقوه رباطاً وقالوا: ارجع عن الإسلام ونخلي سبيلك. فقال: لا 
إله إلا الله! والله ماأحب أني رجعت عن 0 وأن لي ما في الأرض 

جميعاً! قالوا: فتحب أن محمداً الآن في مكانك وأنت جالس في بيتك؟ فقال: 


,.174 المصدر نفسه‎ )١( 


(۲) الدبر: ذكور النحل. 
(*) امتاع الأسماع ١‏ / 178. 


والله ما أحب أن يشاك محمد شوكة وإني جالس في بيتى؛ فجعلوا يقولون: 
يا خبيب ارجع!! فيقول: لا أرجع أ أبداً. قالوا: أما واللات والعزى لن لم 
تفعل لنقتلك. قال: إن قتي في الله لقليل؛ نجعاوا جه من حيث جال 
فقال: ما صرفكم وجهي عن القبلة؟ ثم قال: اللهم إني لا أرى إلا وجه 
عدو» اللهم ليس هاهنا أحد يبلغ رلك عني ار قلا فبلغه أنت عني 
السلام. فقال رسول الله ية - وهو جالس مع أصحابه وقد أخذته غمية -: 
وعليه السلام ورحمة الله وبركاته ثم قال: هذا جبريل يقرئني من خبيب 
السلام . .ثم حضروا أبناء من قر" ببدر وهم أربعون غلاماً - فأعطوا كل 
غلام رعا فطعنوه برماحهم فاضظرب على الخشبة. وقد رفعوه عليهاء وانفلت 
فصار وجهه إلى الكعبة فقال: الحمدلله. فطعنه أبو سروعة حتى أخرجها من 
ظهره فمكث ساعة يوحد ويشهد أن محمداً رسول الله ثم مات رضي الله 
عنه» وتولى قتل زيد نسطاس('. 

١‏ ثم أجمع رؤساء المشركين أن يغدو جميعاًء وجاؤوا يريدون مضيقاً 
يقحمون خيلهم إلى النبي ية حتى أتوا مكاناً ضيقاً أغفله المسلمون» فلم 
تدخله خيولهمء وعبره عكرمة بن أبي جهل» ونوفل بن عبد الله المخزومي› 
وضرار بن الخطاب الفهري وهبيرة بن أبي وهب» وعمروبن عبد ود» قام 
سائرهم وراء الخندق فدعا عمرو إلى البراز. . فلم يكن أسرع من أن قتله 
علي » فولى أصحابه الأدبار» وسقط نوفل بن عبد الله بن عبد الله عن فرسه 
بالحجارة حتى قتل. ومر عمربن الخطاب والزبير في | إثر القوم فناوشوهم 
ساعة» وسقطت درع هبيرة ؛ بن أبي وهب فأخذها الزبير رضي الله عنه. 

ثم "واف المشركون سحراًء وعبا رسول الله ب أصحابه فقاتلوا يومهم 
إلى هوي من الليل» وما يقدر رسول الله ولا أحد من المسلمين أن يزولوا 
عن موضعهم» وما قدر رسول الله ية على صلاة ظهر ولا عصر ولا مغرب 
ولا عشاءء فجعل أصحابه يقولون: يا رسول الله! ما صلينا! فيقول: ولا أنا 
والله ما صليت! حتى كشف الله المشركين؛ ورجع كل من الفريقين إلى منزلهء 


.١الإل//١ المصدر نفسه‎ )١( 


۳۸1 


وقام أسيد بن حضير في ماثتين على شفير الخندق؛ فكرت خيل للمشركين 
يطلبون غرة عليها خالد بن الوليد ‏ فناوشهم ساعة» فزرق وحشي الطفيل بن 
النعمان بمزراقه فقتله كا قتل حمزة رضي الله عنه بأحد. فلما صار رسول الله 
له إلى قبته أمر بلالا فاذن وأقام للظهر وأقام لكل صلاة إقامة فصل كل 
صلاة كأحسن ما كان يصليها في وقتها. . وقال يومئذ رسول الله ية : شغلا 
المشركون عن صلاة الوسطى ملأ الله أجوافهم وقبورهم نارأ“. 

۲۴ کان عمرو بن عبد ود قد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة؛ فلم 
يشهد يوم أحد فلا كان يوم الخندق خرج معلا ليرى مكانه. فلما وقف هو 
وخيله. قال: من يبارز؟ فبرز له علي بن أبي طالب» فقال له: يا عمروء إنك 
كنت عاهدت الله ألا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا أخحذتها 
منه: قال له: أجل؛ قال له علي: إني أدعوك إلى الله وإلى رسوله» وإلى 
الإسلام ؛ قال: لا حاجة لي بذلك؛ قال: فإني أدعوك إلى النزال؛ فقال له: 
لم يا بن أخي؟ فوالله ما أحب أن أقتلك» قال له علي: لكني والله أحب أن 
أقتلك. فحمي عمرو عند ذلك فاقتحم عن فرسه» فعقره» وضرب وجهه» 
ثم أقبل على علي فتنازلا وتجاولاء فقتله علي رضي الله عله» وخرجت 
خيلهم منهزمة» حتى اقتحمت عن الخندق هاربة. قال ابن اسحاق: وقال 
على بن أبي طالب رضوان الله عليه في ذلك: 
نصر الحجارة من سفاهة رأيه ‏ ونصرت رب محمد بصواب 
فصددت حين تركته متجدلا كالجذع بين دكادك وروابي 
وعففت عن أثوابه ولو اننىي كنت المقطرٌ بزني أثوابي 
لا تمحسبن الله خحاذل دينه ونبيه يا معشر الأحزابي9) 

وهكذا وجدنا أن الجهد البشري في البذل قد أدى دوره تماماً 5 
الحرب» ولم يبخل المسلمون بأرواحهم ودمائهم وقوداً للمعارك. حتى هيا الله 
تعالى لحم نصره الذي جعله حقا عليه للمؤمنين. 


. ۲۲۳-۲۲۲ / ١ امتاع الأسماع‎ )١( 
. 785 / ۳ السيرة النبوية لابن هشام‎ )۲( 


TAY 


السمة الثانية والعشرون 
دور النساء ف المعارك ومشاركتهن فيها 


أين كانت المرأة المسلمة في هذه الأحداث؟ 

لقد كانت جزءاً لا يتجزأ منهاء ساهمت في صنعها تربية للجيل للجيل المسلم 
ولا ثم رعاية للزوج المسلم ثانياً» ودفعاً له إلى الحهاد والبذل» ثم صبراً 
واحتساباً عند المصيبة ثالث ثم حضوراً للمعركة تسقي الظمأى وتداري 
الجرحى رابعاً. ثم حملا للسلاح جهاداً للعدو حين الضرورة أخيرأء ولا يتسم 
المقام لأكثر من نماذج توضح هذه الأدوار كلها لتكون نبراساً للمرأة المسلمة 
اليوم وهي تحمل رسالة الإسلام بجانب الرجل. 
ا - في التطبيق العمل للإسلام : 

كان المسجد للرجال والنساءء فلقد كانت الصفوف الأولى للرجال» 
والصفوف الأخيرة للنساء. ولم يكن المسجد دار عبادة فقط» بل كان الجامعة 
العلمية العليا التي يتلقى المسلمون علومهم منها وعلى رأس هذه الجامعة رسول 
الله ية ومن أجل هذا كان الحرص المستمر من النساء على شهود الخير 
وحماعة المسلمين. وكان رسول الله يل كثيراً ما يعقد لحن درساً خاصاً 
يعلمهن ويعظهن ويذكرهن. ولو كان المسجد للعبادة فقط. لأمكن استغناء 
كثير من النساء عن الحضور إليه إذ الإسلام جعل صلاة المرأة في بيتها خيراً 
من صلاتها في المسجد النبوي. لكن تلقي العلم من منبعه النبوي الموحى إليه 
لم يكن ليتاح للمرأة المسلمة إلا في المسجد. 

وكا كان المسجد دار عبادة ودار علم, فلقد كانت الأحداث تصنع 
فيه» وتقرر فيه. ولهذا كانت المرأة المسلمة تعيش هذه الأحداث يوماً بيوم 
وساعة بساعة, لم تكن أبداً معزولة عنهاء بل كانت تحياها بمشاعرها وأعصابها 
وفكرهاء وتذلل بذلك للرجل المسلم كثيراً من الخطوات التي يود أن يخطوها 
في بيته لإقناعها بما يريد. وهذه هي المشكلة التي تعانيها المرأة المسلمة اليوم» 
إنها تعيش بعيداً عن مصنع النور» وبؤرة الإشعاع. وليس كل رجل قادراً 


YAY 


على صهر المرأة في هذه الأحداث وجعلها تتفاعل معهاء المرأة تعيش 
اهتماماتها أكثر مما تعيش إسلامها. وهذا لا يعني أنا لا نملك النماذج 
الإسلامية الرائعة للمرأة المسلمة اليوم. لكنها نماذج فردية» وليست سمة عامة 
لنسائنا اليوم. 
وفي اعتقادي أن أكبر خطوة عملية تمت بالمرأة المسلمة على طريق 
الإسلام هو نقل عواطفها ومشاعرها وذوقها من الجاهلية إلى الإسلام في مجال 
الغناء» وذلك ببروز ظاهرة الأشرطة الإسلامية التي ملأت البيوت» ونسخت 
الفن الجاهلي الطابط الذي كانت تعيشه المرأة نهارها كله» وهي تغير أبرة 
المذياع من أغنية ماجنة إلى أخرى خليعة» وتحفظ نسوتنا هذه الأغاني جميعاً. 
وتشهد بها أفراحها وتبني من خلاها ذوقها وعاطفتها بل أفكارها كذلك ومن 
التطبيق العمل كذلك موقفها وهي تتلقى وحي الله تعالى» نشهد ذلك من 
خلال روايات عائشة رضي الله عنها الثلاث. 
١-يرحم‏ الله نساء المهاجرات الأول. لا أنزل الله «وليضربن بخمرهن على 
جيويين » شققن مروطهن فاختمرن بها. 
۲ -عن صفية بنت شيبة عن عائشة: لما نزلت هذه الاية»«وليضربن بخمرهن 
على جيومهن ) أخذن أزرهن فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها. 
“"-عن صفية بنت شيبة قالت: بينا نحن عند عائشة فذكرن نساء قريش 
وفضلهن فقالت عائشة رضي الله عنها إن لنساء قريش فضلاء وإني والله 
ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقاً لكتاب الله ولا إياناً 
بالتنزيل. لقد أنزلت سورة النور: «وليضربن بخمرهن عل جيوبين». 
انقلب رجالحن إليهن يتلو عليهن ما أنزل الله إليهم فيهاء ويتلو الرجل 
على امرأته وابنته وأخته» وعلى كل ذي قرابته فیا منهن امرأة إلا قامت إلى 
مرطها المرحل» فاعتجرت به تصديقا وإيمانا بما أنزل الله من كتابهء 
فأصبحن وراء رسول الله به معتجرات كأن على رؤوسهن الغربان. 


(۱) الطبقات الكبرى لابن سعد ج۸ ص 414 . 


TAS 


فهكذا كانت المرأة المسلمة تتعامل مع نصوص الكتاب والسنة» وهكذا 
كانت تحضر الصلاة في المسجد. وتلبي داعي الله. 
ب - في تربية الجيل المسلم : 
لقد كانت الأمهات اللاي دحلن 5 الإسلام ؛ ومن حلال تعايشهن مع 

الأحداث . خير عون ودافع لأبنائهن . ومن هذه النماذج : 

١‏ -عن عبد الله بن زيد قال: جرحت يومئذ جرحاً في عضدي اليسرى (يوم 
أحد)» وضربني رجل كأنه الرفل (النخلة الطويلة) ولم يعرج عل ومضى 
عني : وجعل الدم لا يرقأء فقال رسول الله كلِِ: اعصب جرحك» 
فتقبل أمي إلي» ومعها عصائب في حقويها قد أعدتها للجراح. فربطت 
جرحي والنبي واقف ينظر إلي» ثم قالت: انمض يا بني فضارب 
القوم!! فجعل النبي إل يقول: من يطيق ما تطيقين يا أم عمارة!! 

۲ -قال ابن اسحاق: وحدثني أبو ليى عبد الله بن سهل الأنصاري أخو بني 
حارثة أن عائشة آم المؤمنين كانت في حصن بني حارثة يوم الخندق» وكان 
من أحرز حصون المدينة . قال: وكانت أم سعد بن معاذ معها في الحصن؛ 
فقالت عائشة» وذلك قبل أن يفرض علينا الحجاب» فمر سعد وعليه 
درع له مقلّصةء قد خرجت منبها ذراعه كلهاء وني يده حربته يرقد بها 
ويقول: 

لث قليلا يشهد الميجا جمل لا بأس بالموت إذا حان الأجل 

قال: فقالت له أمه: الحق» أي بنى» فقد والله أخرت؛ قالت عائشة: 

فقلت لها يا أم سعد والله لوددت أن درع سعد كانت أسبغ مما هي» قالت: 

وخفت عليه حيث أصاب السهم مله(" . 


ج ف رعاية الزوج والولد 

وخحرج عمرو بن الجموح وهو أعرج وهو يقول: اللهم لا تردن إلى 
أهلٍ!! فقتل شهیدا» واستشهد ابنه خلاد بن عمرو» وعبد الله بن عمرو بن 
)١(‏ السيرة لابن هشام ج۳ ص ۲۳۸-۲۳۷ . 


A9 


حرام أبو جابر بن عبد الله فحملتهم هند بنت عمروبن حرام - زوجة 
عمروبن الجموح ‏ على بعير لها تريد بهم المديئة» فلقيتها عائشة(©2 رضي الله 
عنها - وقد خرجت في نسوة تستروح الخبر» ولم يضرب الحجاب يومئذ فقالت 
لها: عندك الخبرء فا وراءك؟ قالت: أما رسول الله فصالح» وكل مصيبة 
بعده جلل» واتخذ الله من المؤمنين شهداء. . قالت عائشة: من هؤلاء؟ 
قالت: أخي وابيي خلاد وزوجي عمرو بن الجموح؛ قالت: فأين تذهبين 
مهم؟ قالت: إلى المدينة أقبرهم فيها. ثم قالت: حل20- تزجر بعيرها_ 
فبرك» فقالت عائشة: لما عليه. قالت: ماذاك به» لريبما حمل مايحمل 
البعيران» ولكني أراه لغير ذلك. وزجرته فقام» فوجهته راجعة إلى أحدء 
فاسرعت إلى النبي يا فأخبرته بذلك فقال: فإن الجمل مأمور» هل قال 
شيئاً؟ قالت: إن عمراً لما وجه إلى أحد قال: اللهم لا تردني إلى أهلي خزيان 
وارزقني الشهادة! فقال رسول الله ككهِ: فلذلك الجمل لا يمضي؛ إن منكم 
يا معشر الأنصار من لو أقسم على الله لأبره: منهم عمرو بن الجموح. يا هند! 
مازالت الملائكة مظلة على أخيك من لدن قتل إلى الساعة ينظرون أين 
يدفن» ثم مكث ب حتى قبرهم. ثم قال: ياهند قد ترافقوا في الحنة» 
عمرو بن الجموح وابنك خلاد وأحوك عبد الله. قالت! قلت: يا رسول الله 
ادع الله أن يجعلني معهم وقال جابر بن عبد الله : كان أبي أول قتيل عن 
المسلمين يوم أحد قتله سفيان بن عبد شمس فصلى عليه رهزل الله ككل قبر 
ال مزيمة ". 
د - في الصبر والاحتساب عند المصيبة : 

١-جاءت‏ أم حارثة إلى رسول الله ب : فقالت: يا رسول الله أخبرني 
عن حارثة فإن كان في الجنة صبرت وإن كان غير ذلك ليرين الله ما أصنع 
)١(‏ لعل هذا كان قبل أن تلتحق عائشة رضي الله عا بالجيش مع فريق من النسوة. وذلك حين 

انتصر المسلمون. وكانت لهم الكرة الأولى. 


(۲) حل: زجر تزجر به الناقة إذا حنئتها على السير. 
(۳) امتاع الأسماع .١48-١45 / ١‏ 


۳A٦ 


قال: ويحك ياأم حارثة. إنها ليست جنةء إنها جنان وإن ابنك أصاب 
الفردوس الأعلى . 


" -مر رسول الله ي بامرأة من بني دينار» وقد أصيب أخوها وزوجها 
وأبوها مع رسول الله ي بأحد. فلا نعوا ها قالت: فا فعل رسول الله ككلن؟ 
قالوا: خيراً يا م فلان» هو بحمد الله كا تحبين؛ قالت: أرونيه حتى أنظر 
إليه؟ قال: فأشير ها إليه. حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل07). 

۴ قال ابن اسحاق: وقد أقبلت فيا بلغني» صفية بنت عبد المطلب 
لتنظر إليه (أي حمرة) . وكان أخاها لأبيها -وأمهاء فقال رسول الله يل لابا 
الزبير بن العوام : القها فأرجعها لا ترى ما بأخيها؛ فقال لها: يا أمة إن رسول 
الله ي يأمرك أن ترجعي , قالت: ول؟ وقد بلغتي أنه مثل بأحي» وذلك في 
اللهء فيا أرضانا بما كان من ذلك! لأحتسبن وأصبرن إن شاء الله. فلما جاء 
الزبير إلى رسول الله ككل فأخبره بذلك؛ قال: حل سبيلهاء فاتته» فنظرت 
إليهء فصلت' عليه» واسترجعت» واستغفرت له» ثم أمر به رسول الله يل 
فدفن 7 . 


٤‏ -ثم انصرف رسول الله بل راجعاً إلى المدينةء فلقيته حمنة بنت 
جحش ١‏ کا ذكر لي فلا لقيت الناس نعي إليها أخرها عبد الله بن جحش 
فاسترجعت واستغفرت له» ثم نعي الها خالها حمزة بن عبد المطلب فاسترجعت 
واستغفرت له» ثم نعي ها زوجها مصعب بن عميرء فصاحت وولولت؛ فقال , 
رسول الله ككل: إن زوج المرأة منها لبمكان! لا رأى من تثبتها عند أخيها 
وخالها. وصياحها عند زوجها». 

ه -أقبل (رسول الله بية) حتى طلع على بني عبد الأشهل وهم يبكون 
على قتلاهم فقال: لكن حمزة لا بواكي له! فخرج النساء ينظرن إلى سلامته. 
)١(‏ أي صغيرة. 

(۲) السيرة لابن هشام " / ٠٠١‏ . 


(۳) السيرة لابن هشام ۳ / .٠١"‏ 
(4) المصدر نفسه ۳ / 4 .١١‏ 


YAY 


فقالت آم عامر الأشهلية: كل مصيبة بعدك جللء وجاءت أم سعد بن معاذ 
تعدو نحو رسول الله يله وقد وقف على فرسه. وسعد بن معاذ اخذ بعنان 
الفرس فقال سعد: 

يا رسول الله! أمي !| فقال؛ مرحباً مها. فدنت حتى تأملت رسول الله 
يله وقالت: أما إذا رأيتك سالا فقد أشوت'“ المصيبة. فعزاها رسول الله 
يي بعمرو بن معاذ ابنها ثم قال : يا أم سعد! أبشري وبشري أهليهم أن قتلاهم 
قد ترافقوا في الجنة جميعاً وهم اثنا عشر رجلاً - وقد شُْعوا في أهليهم؛ 
قالت: رضينا برسول اللهء ومن يبكي عليهم بعد هذا؟ 5 قالت: ادع 
ڀا رسول الله لمن خلفواء قال : اللهم آذه حزن قلوہم وأجبر مصيبتهم 
وأحسن الخلف على من خلفوا؛ ثم قال: ياأبا عمرو. إن الحراح في أهل 
دارك فاشية وليس منهم مجروح إلا ياتي. ٠‏ يوم القيامة جرحه كأغزر ما كان : 
اللون لون الدم» والريح ريح المسك. فمن كان مبجروحاً 
فليقر في داره ولیداو جرحه. ولا يبلغ معي بيتي) عزمة مني. فلادى 
فيهم سعد: عزمة من رسول الله ألا يتبع رسول الله كله جريح من بي عبد 
الأشهل؛ فتخلف كل مجروح» فباتوا يوقدون النيران ويداوون الجراح» وإن 
فيهم لثلاثين جريحاً ومضى سعد مع رسول الله کی حتى جاء بيته فا نزل عن 
فرسه إلا حملاء واتكأ على سعد بن معاذ وسعد بن عبادة حتى دشحل بيته. فلا 
أذن بلال بصلاة المغرب خرج على مثل تلك الحال يتوكا على السعدين فصلى 
ثم عاد إلى بيته. 


ومضى سعد بن معاذ إلى نسائه فساقهن حتى لم تبق امرأة إلا جاء بها 
إلى بيت رسول الله كله فبكين حمرة رضي الله عنه بين المغرب والعشاءء 
والناس في المسجد يوقدون النار يتكمدون”») بها من الجراح» وأذن بلال 
رضي الله عنه حين غاب الشفق» فلم يخرج رسول الله و فجلس بلال 
عند بابه حتى ذهب ثلث الليل» ثم ناداه: الصلاة» يا رسول الله » فهب يلار 


)1١‏ أشوت: هانت. 


AA 


من نومه وخرج» فإذا هو أخف في مشيته من حين دخل. وسمع البكاء 
فقال: ما هذا؟ فقيل: نساء الأنصار يبكين على حمزة فقال: رضي الله عنكن 
وعن أولادكن وأمر أن ترد النساء إلى أولادهن» فرجعن بعد ليل مع رجالهن, 
وصلى رسول الله ب العشاء ثم رجع إلى بيت وقد صف له الرجال ما بين 

بيته إلى مصلاه يشي وحده حتى دخحل» وباتت وجوه الأوس والخزرج على 
ابه في المسجد يحرسونه فرقاً من قريش أن تكرء ويقال إن معاذ بن جبل 
رضي الله عنه جاء بنساء بني سلمة» وجاء عبد الله بن رواحة رضي الله عنه 
بنساء الحارث بن الخزرج فقال ب : ما أردت هذاء ونهاهن الخد عن النوح 
أشد العبي 20. 

همات ابن لأبي طلحة من أم سليم فقالت لأهلها: لا تحدثوا أبا 

طلحة بابنه حتى أكون أنا التي أحدثه. فجاءت فقربت إليه عشاء فاكل 
وشرب» ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنئع قبل ذلك فوقع بہاء فلما أن 
رأت أنه قد شبع وأصاب منها قالت: يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوماً أعاروا 
عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم الهم أن ينعوهم؟ قال: لا قالت: 
فاحتسب ابنك» قال: فغضب ثم قال: تركتني حتى إذا تلطخت ثم أخبرتني 
بابي فانطلق حتى أتى رسول الله يك فأخبره بما كان فقال رسول الله يله بارك 
الله في ليلتكها قال: فحملت. قال: وكان رسول الله 5 في سفر وهي معا 
وكان رسول الله يل إذا أتى المدينة من سفر لا يطرقها طروقاً. فدنوا من 
المدينة فضربها المخاضص. فاحتبس عليها أبو طلحة وانطلق رسول الله ۳ 
قال يقول أبو طلحة: إنك لتعلم يا رب أنه يعجبني أن أخرج مع 
رسول الله كله إذا حرج» وأدخل معه إذا دخل وقد احتبست باترى» تقول 
أم سليم: ياأبا طلحة ما أجد الذي كنت أجد الطلق فانطلقنا وضربها 
المعخاض حين قدما فولدت غلاماً. فقالت لي أمي : يا أنس لا يرضعه أحد 
حتى تغدو به على رسول الله ية . فلما أصبح احتملته فانطلقت به إلى رسول 
الله كل ). . . فحنكه وسماه عبد الله . 


.158-157 / ١ إمتاع الأسماع:‎ )١( 


(7) رواه مسلم . 
۳۸۹ 


وي رواية للبخاري . فقال رجل من الأنصار. فرأيت تسعة أولاد كلهم 

ه ‏ حضور المعارك للتطبيب والسقاية : 

١-روى‏ البخاري عن أنس رضي الله عنه أنه قال: لقد رأيت عائشة وأم 
سليم وابنهها المشمرتان تنقزان القرب على متونهاء تفرغان الماء في أفواه 
القوم ثم ترجعان فتملآنها ثم تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم . 
العرن لهم فكانت فاطمة فيمن خحرج. فلا لقيت النبي ييه اعتنقته 
وجعلت تغسل جراحاته بالماء فيزداد الدم. فلا رأت ذلك أخذت شيئاً 
الدم'؟. 

»' - وعن أم عطية قالت : غزوت مع رسول الله عليه سبيع غزوات. فكنت 
أصنع لهم طعامهم ‏ وأخلفهم ف رحاهم » وأداوي الج رحى › وأقوم عل 
مرضي . 

٤‏ قال محمد بن عمر: وقد حضرت أم يمن أحداً. كانت تسقى الماء 
وتداري الجرحى . وجاء ف الكامل لابن الأثير: إن أم أن كانت تسقي 
الجرحى ي االجيش فرماها حبان ابن العرقة بسهم فوقعثت وانکشفت 
له وقال: ارم به» فرمى به» فوقع السهم ف نحر حبان المشرك. فوقع 
مستلقيا حتى تكشف. فضحك رسول الله ب حتى بدت نواجذه ثم 
قال: استقاد لها سعد أجاب الله دعوته" , 


6 وخرج مد بن مسلمة يطلب مع النساء ماءٌ - وکن قد جئن أربع عشرة 
)١(‏ سمط النجوم العوالي ۲ / ۸۸. 
(؟) الطبقات الكبرى ج۸ / ٤٥٥١‏ . 


(۳) وقد أورده المقريزي في إمتاع الأسماع ٠١۳ / ١‏ . 


۳۹۰ 


امرأة منبن فاطمة عليها السلام» يحملن الطعام على ظهورهن» ويسقين 
الجرحى ويداوينہم» ومنهن أم سليم بنت ملحان» وعائشة أم المؤمنين 
رضي الله عنها تحملان على ظهورها القرب» ومنبن حمنة بنت جحش 
وكانت تسقي العطشى. وتداوي الجرحى. ومن أم أيمن تسقي 
الجرحى . 

و - المرأة المسلمة مقاتلة: 

وهو دور غير طبيعي» والأصل من المرأة ألا تقاتل إلا حين الضرورة» 
وحين تغشى أرض المسلمين من العدوء ولم تكن أحد إلا صورة من هذه 
الصور. وكانت بطلتها أم عمارة. 

١‏ -قالت أم عمارة: وأقبل الرجل الذي ضرب ابني» فقال رسول الله 
يله هذا ضارب ابنك. قالت: فأعترض له» فأضرب ساقه» فبرك. قالت: 
فرأيت رسول الله و يتبسم حتى رأيت نواجذه» وقال: استقدت (ثارت) 
يا أم عمارة. ثم أقبلنا نعله بالسلاح حى أتينا على نفسه فقال النبي كللل: 
الحمدلله الذي ظفرك, وأقر عينك من عدوك› وأراك ثارك بعينك0©.. 

۲ قالت أم عمارة: قد رأيتني وقد انكشف الناس عن رسول الله كل 
فا بقي إلا في نفير ما يتمون عشرة» وأنا وابناي وزوجي بين يديه نذب عنه 
والناس یرون به منہزمین» ورآني لا ترس معي . فرأى رجلا مولياً معه ترس 
فقال لصاحب الترس: الق ترسك إلى من يقاتل. فالقى ترسه فأخذته» 
فجعلت أتترس به عن رسول الله كل فيقبل رجل على فرس فضربني» 
وتترست له» فلم يصنم سيفه شيئا وولى وأضرب عرقوب فرسه» فوقع على 
ظهرهء فجعل النبي ككل يصيح يا ابن أم عمارةء أمك» قالت: فعاونني عليه 
حتى أوردته شعوب”)) . 

٣‏ وني رواية عن أم سعيد بنت سعد بن الربيع تقول: دخلت عليها 
فقلت: حدثيني خبرك يوم أحد. قالت: خرجت أول النهار إلى أحد وأنا أنظر 


(١)اتباع‏ الاسماع ٠١۸ / ١‏ . 
(۲) شعوب : اسم من أسماء المنية . 


۳۹۱ 


ما يصنم الناس ومعي سقاء فيه ماء. فانتهيت إلى رسول الله له وهو في 
أصحابهء والدولة والريح للمسلمين. فلا انهزم المسلمون انحزت إلى رسول 
الله يل فجعلت أباشر القتال» وأذب عن رسول الله بالسيف وأرمي بالقوس 
حتى خلصت إل الجراح. قالت: فرأيت على عاتقها جرحاً غور أجوف. 
فقلت: يا أم عمارة من أصابك هذا؟ قالت: أقبل إلي ابن قميئة. وقد ولى 
الناس عن رسول الله ييه وهو يصيح دلوني على محمد فلا نجوت إن نجاء 
فاعترض له مصعب بن عمير» وناس معه فكنت فيهم فضربني هذه الضربة› 
ولقد ضربته على ذلك ضربات» ولكن عدو الله كان عليه درعان. 

٤‏ كان ضمرة بن سعيد المازني يحدث عن جدتهء وكانت قد شهدت 
أحداً تسفي اماء. قالت: سمعت رسول الله بل يقول: لمقام نسيبة بنت 
كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان» وكان يراها يومئذٍ تقاتل أشد القتال» 
وإنها لحاجزة ثويها على وسطها حتى جرحت ثلاثة عشر جرحاً. وكانت تقول 
(جدة ضمرة): إني لأنظر إلى ابن قميئة وهو يضربها على عاتقهاء وكان أعظم 
جراحهاء فداوته سنة. ثم نادى منادي رسول الله ب إلى حمراء الأسدى 
فشدت عليها بثياءها فا استطاعت من نزف الدم! ولقد مكثنا ليلتنا نكمد 
الجراح حتى أصبحنا. فلا رجع رسول الله ب من الحمراءء ما وصل إلى بيته 
حتى أرسل إليها عبد الله بن كعب الازني يسال عنها فرجع إليه يخبره 
بسلامتها. فسر بذلك النبي كي . 

© وقال أبو رافع ‏ مولى رسول الله ككل -: كنت غلاماً للعباس» وكان 
الإسلام قد دخلنا أهل البيت» فأسلم العباس» وأسلمت أم الفضل 
وأسلمت. وكان العباس يكتم إسلامه» وكان أبو لهب قد تخلف عن بدرء 
فلا جاءه الخبر كبته الله وأخزاهء ووجدنا في أنفسنا قوة وعزأء وكنت رجلا 
ضعيفاً أعمل الأقداح» أنحتها في حجرة زمزم » فوالله إني لجالس فيها أنحت 
أقداحي» وعندي أم الفضل جالسة» وقد سرنا ما جاءنا من الخبرء إذ أقبل 
أبو لهب يجر رجليه بشر حتى جلس على طنب الحجرة» فكان ظهره إلى 


. 41١ / ۸ الطبقات الكبرى لابن سعد‎ )١( 


۳۹۲ 


ظهري» فبينا هو جالس إذ قال اسناس: هذا أبو 
سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قد قدم» فقال له أ بو لحب: هلم إلي. 
فعندك لعمري الخبرء قال فجلس إليهء والناس قيام عليه فقال: ياابن أخي 
أخبرني كيف كان أمر الناس؟ قال: ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا 
يقتلوننا كيف شاؤواء ويأسروننا كيف شاؤوا. وايم الله مع ذلك مالمت 
القوم , لقينا رجالاً بيضاً على خيل بلق بين السماء والأرضء والله ما تليق 
شيئأء ولا يقوم لها شيء. قال أبو رافع: فرفعت طنب الحجرة بيدي» ثم 
قلت: تلك والله الملائكة. قال فرفع أبو لهب يده» فضرب بها وجهي ضربة 
شديدة» فثاورته فاحتملني فضرب بي الأرض» ثم برك عل يضربني» وكنت 
رجلا ضعيفاً. فقامت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة فأخذته فضربته 
به ضربة فعلت في رأسه شجة منكرة. وقالت: استضعفته إن غاب عنه 
سيده» فقام مولياً ذليلاء فوالله ماعاش إلا سبع ليالٍ حتى رماه الله بالعدسة 
فقتله. وهي قرحة تتشاءم بها العرب فتركه بنوهء وبقي ثلاثة أيام لا تقرب 
جنازتهء ولا يحاول دفنهء فلا خافوا السبة في تركه حفروا له» ثم دفعوه بعود 
في حفرته» وقذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه(' . 

٦‏ - قال ابن اسحاق: وحدثني حى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن 
أبيه عباد قال: كانت صفية بنت عبد المطلب في فارع حصن حسان بن ثابت؛ 
وكان حسان بن ثابت معنا فيه مع النساء والصبيان. قالت صفية. فمر بنا 
رجل من يبودء فجعل يطيف بالحصن» وقد حاربت بنو قريظة» وقطعت ما 
بينها وبين رسول الله ككل وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عناء ورسول الله يكل 
والمسلمون في نحور عدوهم. لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إلينا إن أتانا 
آت . قالت: فقلت: يا حسان إن هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن. وإني 
والله ما آمنه أن يُدل على عوراتنا من وراءنا من يبودء وقد شغل عنا رسول 
الله هة وأصحابه فانزل إليه فاقتله؛ قال: يغفر لك الله يا أبنة عبد 
المطلب» والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا؛ قالت فلا قال لي ذلك» ولم أر عنده 


.؟5861١-18٠ المباركفوري في الرحيق المختوم‎ )١( 


۴۹۴۳ 


شيئاً. احتجزت22© ثم أخذت عموداً» ثم نزلت من الحصن إليهء فضربته 
بالعمود حتى قتلته. قالت: فلما فرغت منهء» رجعت إلى الحصن»ء فقلت: 
يا حسان» انزل إليه فاسلبه. فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل؛ قال: مالي 
بسلبه من حاجة يا ابنة عبد المطلب20)20. 


ز - في الدعوة إلى الله : 

(أخبرنا عفان بن مسلمء حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت أن أم سليم 
قالت: يا أبا طلحة ألست تعلم أن إلمك الذي تعبد؛ إنما هو شجرة تنبت من 
الأرض نجرها حبشي بني فلان؟ قال: بلى. قالت: أما تستحي تسجد لخشبة 
تنبت من الأرض نجرها حبشي بني فلان؟ قالت فهل لك أن تشهد أن لا إله 
إلا الله. وأن محمداً رسول الله. وأزوجك نفسي لا أريد منك صداقاً غيره؟ 
قال ها: دعيني حتى أنظر. قالت» فذهب فنظر ثم جاء فقيال: أشهد أن لا 
إله إلا الله وأن :محمداً رسول الله . قالت: يا أنس قم فزوج أبا طلحة©») ‏ 
وكان قد جاءها خخاطباً. فيا كان لما مهر إلا إسلامه. 


السمة الثالثة والعشرون 
عبقرية التخطيط القيادي 


إننا ونحن نستعمل هذا التعبير عن العبقرية» لا يغيب عن ذهننا إننا 
أمام رسول رب العالمين الموحى إليه. يقل انما أنا بشر مثلكم یو حی 


. احتجزت: شددت وسطي‎ )١( 

(۲) السيرة النبوية لابن هشام ۳ / ۲۳۹. 

() تشير الرواية إلى أن حسان بن ثابت شاعر رسول الله صل الله عيه وسلم كان جباناً وقد 
أنكر بعض العلماء أن يكون حسان رضي الله عنه جباناً. ولو كان كذلك هجي من خصومه 
شعراء قريش وعير بذلك» وحيث أن الحديث جاء بسند متصل حسن فاعتضد حديث ابن 
اسحاق. فعلل الأمر بأن حساناً كان في ذلك الوقت معتل بعلة منعته من شهود القتال. مع 
أن الخوف يوم الأحزاب كان عاماً في المسلمين. كا يقول الله تعالى:« وإذا زاغت الأبصارء 
وبلغت القلوب الحناجرء وتظنون بالله الظئونا. هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديدا » 
وما قصة حذيفة عنا بعيدة. 

. ٤۲۷ الطبقات الكبرى لابن سعد جم ص‎ )٤( 


۳4 


إلي. . 7 . وإنه مسدد من ربه. «وما ينطق عن الموى إن هو إلا وحي 
يوحي . . 2©4. لكئنا في الوقت نفسه نعتقد أن محمداً رسول الله هو سيد ولد 
آدم وهو خير البشر. فإذا كان في البشر عباقرة فهو سيدهم بلا منازع. ولقد 
استعمل رسول الله ب هذا اللفظ بحق عمر رضي الله عنه: (فلم أرَ عبقرياً 
يفري فرية حى ضرب الناس بعطن..)0©. ولا بد من الإشارة إلى أننا 
نخطىء بحق رسول الله وله كثيراً يوم نقدمه للناس على إنه آلة تلت من الله 
تعالى فقط. والله تعالى يختار خير خلقه لاداء رسالته ويكون عندهم من 
الذكاء والحلم والعبقرية ما لا يوجد عن غيرهم» أو يفوقهم على الأقل. 
«وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤق مثل ما أؤتي رسل الله» الله أعلم 
حيث يجعل رسالته » سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد 
بما كانوا كرون . 


كا إننا لا بد أن نوضح فكرة مهمة حين نتحدث عن جانب من هذه 
الحوانب. مثل هذا الموضوع» هذه الفكرة هي جانب القدوة البشرية» وهو 
الذي يستطيع البشر أن يقتدوا به. أما جانب الوحي . فقد انتهى مع النبي 
عليه الصلاة والسلام» ومن أجل هذا اختار الله تعالى لرسالته بشراً يكن أن 
يقتدى به ولم يختر ملكا. 


طومامنع م الناس أن يؤمنوا إذ 0 الهدى إلا أن ن قالو أبعث الله 
السياء ملكا رسول چ(“ . 


فكثيراً ما يفاجا الدعاة مع الناس إذا ذكروا لهم شيشا عن 
رسول الله كله أن يقول هؤلاء الناس: هذا رسول اللهء ونحن لسنا رسلا . 


)١(‏ سورة الكهف. من الآية الأخيرة. 
(۲) سورة النجمء الآيتان ۳ و 4. 
5) رواه ؟ 

.٠١١ الأنعامء الآية‎ )٤( 

(ه) الاسراء: الآيتان 84 و .٩۵‏ 


۳4٥ 


إنها كلمة حق أريد بها باطل يريدون أن يتنصلوا من المسؤولية› ويتحرروا من 
التطبيق العمل للإسلام تحت هذا الستار, حقاً إنه رسول الله . وحقاً إنه 
القدوة والأسوة : 


«لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم 
الآخر وذكر الله كثيراً»<©. وإذا كنا نعالج في هذه السمة الجانب البشري عند 
رسول الله ية وجهده في حرب عدوه» وتخطيطه في الانتصار عليه» فستكون 
السمة التالية» مكان الحديث عن المعجزات الإلهية التي رافقت هذه الدعوة, 
وحققت نصر الله ببذه الفئة المؤمئة. وبذلك نقتدي في الجاني البشري حتى 
ننال العون الإلمي. والكرامة الربانية التي تعطى لأولياء الله تعالى. كما تعطى 
المعجزات للأنبياء والرسل المصطفين منه سبحانه . 


أ قوة المخابرات النبوية 
لو وقفنا أمام السرايا والبعوث والغزوات في هذه المرحلة لأذهلتنا قوة 
المخابرات النبوية بصورة يكاد التاريخ لا يشهد ها مثيلا وذلك من خلال 

التقرير التالي : 

١‏ كانت أول سرية بعثها الرسول ية في المديئة لحمزة بن عبد المطلب إلى 
سيف البحر لأنه قد بلغه أن عيراً لقريش تمر من هناك, وذلك على رأس 
سبعة أشهر. 

؟-ثم كانت سرية عبيدة بن الحارث ليفاجىء المشركين عل ماء يقال له 
أحياء من بطن رابغ وكان على رأسهم أبو سفيان بن حرب أو عكرمة في 

"'- ثم كانت سرية سعد بن أبي وقاص على رأس تسعة أشهر تعترض عيراً 
لقريش عند الحجفة قريب من خم ففاتتهم. بيننا لم تفت المسلمون العير في 
السريتين السابقتين. 


. ۲١ الأحزاب» الآية‎ )١( 


۳4٦ 


٤‏ - ثم غزا رسول الله ل وذان (وهو جبل بين مكة والمدينة على رأس أحد 
عشر شهر يعترض عيرا لقريش. 

ه ثم كانت غزوة بواط على رأس ثلاثة عشر شهراً يعترض عيراً لقريش فيها 
أمية بن خلف ومائة رجل من قريش. 

١‏ ثم غزا غزوة العشيرة على رأس ستة عشر شهرأ يعترض عيراً لقريش 
حين أبدأت إلى الشام . وهذه العير هي التي خرج ف طلبها )ا عادت 
وكانت وقعة بدر. 


ا ثم كانت سرية عبد الله بن جحش رضي الله عنه إلى بطن نخلة (وهو 
بستان ابن عامر الذي بقرب مكة) في رجب على رأس سبعة عشر 
شهرا. فوجد عيرأ لقريش فيها عمرو بن الحضرمي واستاقوا العير, 

وكانت محملة خرا وأدما وزبيبا وقدموا مها على النبي يك . 


8 ثم كانت غزوة بدر الكبرى. وهي في الأصل لاعتراض عير قريش وهي 
قادمة من الشام وشاءت إرادة الله تعالى أن تفوت القافلة» وتكون ذات 
الشوكة للمسلمين. 


فهذه النماذج الثمانية صورة حية ليقظة عيون النبي ي الي ترصد 
تحرکات العدو في المنطقة, بل كانت محابراته تنقل إليه لحظة الخروج من 
مكةع ولحظة القفول من الشام . 


4- وخخرج رسول الله كلك بنفسه مع بعض أصحابه يتعرف على أخبار قريش 
بل من أنتم؟ قال رسول الله بل : فأخبرنا ونخبرك قال: وذاك بذاك» 
قال النبي › نعم» قال: سلوا عما شئتم ۰ فقال رسول الله لار فأخبرنا 
عن قريش» فقال: بلغني أنهم خرجوا في يوم كذا وكذا من مكة فإن كان 
الذي أخبرني صادقاً فهم اليوم بمكان كذا وكذا (أو فإنهم بجنب هذا 


.٠٠-۵١ ملخصة من إمتاع الأسماع للمقريزي من‎ )١( 


۳۹۷ 


الوادي). قال رسول الله ككل : فأخبرنا عن محمد وأصحابه» قال: خبرت 
أنهم خرجوا من يثرب يوم كذا وكذا فإن كان الذي أخبرني صادقاً فهم 
بجانب هذا الوادي» قال الضمري: فمن أنتم؟ قال النبي كق: نحن 
من ماء؛ وأشار بيده نحو العراق» فقال: ما من ماء! أمن ماء العراق؟ . 
ثم انصرف رسول الله بل إلى أصحابه» ولا يعلم واحد من الفريقين 
بمنزل صاحبه» بينهم قوز من رمل ٩.‏ 

ومضى فلقيه بسبس وعدي بن أبي الزعباء فأخبراه خبر العيرى 
ونزل النبي يل أدنى بدر عشاء ليلة الجمعة لسبع عشرة مضت من 
رمضان. فبعث علياً والزبير وسعد بن أبي وقاص وبسبس بن عمرو 
رضي الله عنهم يتحسسون”22 على الماءء وأشار لهم إلى ظريب» وقال 
أرجو أن تجدوا الخبر عند هذا القليب“ الذي يلي الظرب. فوجدوا على 
تلك القليب روايا قريش فيها سقاؤهم. فأفلت عامتهم وفيهم عجيرء 
فجاء قريشاً فقال: يا آل غالب» هذا ابن أبي كبشة وأصحابه قد أخذوا 
سقاءكم» فماج العسكر وكرهوا ذلك» والساء تقطر عليهم, وأخذ تلك 
الليلة أب بو يسارء غلام عبيدة بن سعيد بن العاص» وأسلم غلام منبه بن 
الحجاج. وأبو رافع غلام أمية بن خلف, فأتي بهم النبي بيه وهو يصلي 
فقالوا: نحن سقاة قريش بعثونا نسقيهم من الماء. فكره القوم خبرهم 
فضربوهم» فقالوا: نحن لأبي سفيان» ونحن في العير؛ فأمسكوا عنهم 
فسلم رسول الله بيه وقال: إن صدقوكم صربتموهم» وإن كذبوكم 
ترکتموهم» ثم أقبل عليه م يسأهم› فأخبروه أن قريشاً خلف هذا 
الكثيب» 5 ينحرون يوماً عشرأ ويوماً تسعاً وأعلموه يمن خرج من 
مكة. فقال كيه : القوم بين الألف والتسعمائة, قال: هذه مكة قد ألقت 
إليكم أفلاذ أكبادها . 


. القوز: الككثيب المشرف المستدير من الرمل‎ )١( 

(۲) يتحسسون : يتجسسون. 

(۴) ظريب: تصغير ظرب وهو الجبل المنبسط في حجارة دقاق. 
)٤(‏ القليب: البثر القديمة التي لا يعلم لما حافر, 

(ه) امتاع الأسماع 75 /الا. 


۳۹۸ 


فها هي المخابرات النبوية ف بر تكشف موقع العدوء وعدده 
وعدته قبل الدخول في المعركة والحوادث المذكورة بإيحاءاتها غنية عن أي 


٠‏ -ثم كانت غزوة قرارة الكذر وذلك إنه بلغه أن بقرارة الكدر جمعاً من 
غطفان وسلیم» فأحذ عليهم الطريق فلم يجد أحداأ فأرسل في أعل 
الوادي نفراً من أصحابه واستقبلهم في بطن الوادي فوجد رعاء فيها 
غلام يقال له يسار. فسأهم فأخبره يسار أن الناس ارتفعوا إلى المياى 
فانصرف وقد ظفر بالنعم يريد المدينة. 


١1-أما‏ غزوة أحد فقد كتب العباس بن عبد المطلب إلى رسول الله يكن من 
مكة كتاباً مع رجل من بني غفار يخبره بذلك» فقدم عليه وهو بقباء 
فقرأه عليه أبيّ بن كعب واستكتم أبيأء ونزل رسول الله يله على سعد 
بن الربيع فأخبره بكتاب العباس فقال: والله إني لأرجو أن يكون ل ف 
ذلك خيرء وقد أرجفت اليهود"" والمنافقون وشاع الخبر. وقدم عمرو بن 
سالم الخزاعي في نفر وقد فارقوا قريشاً من ذي طوىء فأخبر النبي د 
وانصرفوا. . . وبعث رسول الله ل أنساً ومؤنساً ابي فضالة ليلة 
الخميس عينيين» فاعترضا لقريش بالعقيق» وعادا إلى النبي كلك ' 
فأخبراه ونزل المشركون ظاهر المدينة يوم الأربعاء» فرعت إبلهم آثار 
الحرث والزرع يوم الخميس ويوم الجمعة حتى لم يتركوا خحضراء» وبعث 
رسول الله 5ة الحباب بن المنذر بن الجموح فنظر إليهم وعاد وقد حزر 
عددهم وما معهمء فقال ب : لا تذكروا من شأنهم حرفاء حسينا الله 
ونعم الوكيل اللهم بك أجول وبك أصول ٠”‏ . 


. ٠١١ / ١ المصدر نفسه‎ )١( 


(۲) معرفة اليهود والنافقين بالخبر سبقه أن أباعامر الفاسق قد حرج في مسين رجلا من المديئة إلى 
مكة وحرض قريشا على الحرب. وسار معها إلى أحد. 
(۴) امتا الأسماع .١١8 / ١‏ 


44 


أما عن الخندق: كانت خزاعة عندما خرجت من مكة: أىق ركبهم 
رسول الله ل في أربع ليال ‏ حتى أخبروه» فندب الناس وأخبرهم خبر 
عددهم . 
نكتفي بهذا القدر من النماذج لنؤكد هذا المعنى الكبير» من أن 
رسول الله هه كان أشد ما يكون حذراً ويقظة وتعرفاً على أخبار عدوه مع 
الإشارة إلى أن الأخبار التي كانت تأتي إليه لم يكن أي خبر منها غير صادق 
بغض النظر عن تحقيق الهدف من الغزوة أو عدم تحقيقه ولا نذكر في هذه 
المرحلة أن المسلمين غزوا بشكل مفاجىء إلا مرتين: 


الثانية: عندما نزل أبو سفيان سراً مع عدد من المشركين على سلام 
بن مكشم اليهودي . وعرف منه أخبار الرسول عليه الصلاة والسلام. ووجد 
رجلا من الأنصار في حرث ففتله وأجيره» وحرق بيتين بالغريض» وحرّق 
حرا لهم وذهب. 


ولقد ظهرت خطورة هذه القضية تماما مع تجربة الحركة الإسلامية مع 
أعدائها . فضعف المخابرات لديا أمكن أن تشتعل المعركة دون علم القيادة, 
ما نشأ عنه أكبر محنة للحركة راح ضحيتها عشرات الألوف نتيجة المعلومات 
الخاطئة التي وصلت للاخوة المجاهدين في الداخحل. ولعل ما شهدناه من 
عظمة المخابرات النبوية يدفعنا إلى أن نعطي هذا الموضوع حقه. ونوفيه 
أهميته. لأن الحركة الإسلامية. حين تفقد قوة المخابرات والأمن لدا إنما 
تفقد شريانها الرئيسي الذي تعيش منه. وحين لا تكون المعلومات صادقة 
وأمينة من عيونها. فإما تنحر نفسها بيدها. إنه درس قاس ولا شك» ولكنه 
التمحيص والعقوبة والابتلاء. 


ب - الغزو لمن يريد الغزو 
وهي قضية ذات صلة وثيقة بالفقرة الأولى. بأن تفاجىء العدو فتضر به 


دع 


وهو بعد لضربك» وقد تم هذا الأمر في التخطيط النبوي مرات عديدة نذكر 

مها 

١-كانت‏ غزوة ذي أَمَرَ بنجد. بعد بدر. وذلك إنه بلغه أن جمعا من بنى 
ثعلبة من عطفان وبني محارب قد تجمعوا يريدون أن يصيبوا من 
أطرافه يد جمعهم دعثور بن محارب». فأصاب رسول الله کا رجلا متهم 
بذي القصة» وسار معهم يدهم على عورات القوم حتى أهبطهم من 
كثيب فهربت الأعراب فوق الجبال. 

١‏ -وغزوة بني سليم بالفرع لم تكن إلا لفض تجمع منم كان يريد غزو 
المدينة , 

“' - وغزوة ذات الرقاع بعد أجل كانت بناءٌ على إخبارية جاءت إلى المدينة 
تقول أن بني أثمار بن بغيضر وبني سعد بن ثعلبة قد جمعوا لحرب 
المسلمين فخرج رسول الله ا في أربعمائة ثم قدم معام وقد ذهبواأ إلى 
رؤوس الحبال. 


5 - أما سرية أبي سلمة فقد نقلت استخبارات المدينة أن طلحة وسلمة ابي 
خويلد قد سارا في قومهها ومن لامها يدعوث بني أسد بن خزهة إل 
جرت رسول الله كلد - وباغت أبو سلمة بنى أسد ف ديارهم قبل أن 
يقوموا بغارتهم فتشتتوا في الأمر. 

ه وما مقتل خالد بن سفيان الحذلىي إلا لأن الاستخبارات قد نقلت إلى 
رسول الله َة إنه محشد الجموع لحرب المسلمين فأرسل النبي ياو عبدالله 
بن ایس يفضي عل علماً بأن خالداأ كان يجمع الجموع قرب مكة. 

وبذلك حطم رسول الله بي كل قوة تفكر مجرد تفكير في غزو ا مدينة 
وألقى الرعب في قلوب المجاورين لهذه القوى» دون أن يؤحذ على غرة من 
أحد. ويوفر على نفسه كثيراً من الخسائر المادية والمعنوية» التي كانت ستقع لو 
تماهل شيئاً طفيفاً في تحري حركات العدو. أو ضرب تجمعاته. إن على الحركة 
الإسلامية اليوم اقتداء برسول الله ية أن تكون على خبرة عميقة بطبيعة 


۰١ 


أعدائهاء وطبيعة تحركاتهم وتخطيطهم. وأن تبث عيونها في صفوفهم بحيث لا 
يفوتها شاردة ولا وأردة مس اتجاههم وخططاتهم » وأن تواجه هذه المخططات 
قبل التنفيذٌ, وتضرسا وهي ف دور الإعداد لتكون قادرة على الصمود 
والاستمرار. إنه الجهد البشري المطلوب في عالم الأسباب» ونود أن يتعرف 
شباب الدعوة على هذا المعنى تماماً. 

صحيح أن انعر د أل لد ر ولكن الله تعالى لا 
يرضى لدعوته أن تکوك تجمعاً من المتراكلين› وتشرذماً من القاعدين › وان 
تعمل الحركات المعادية لدنياها ولالتحام صفها خيراً ما تفعله الحبركة 
الإسلامية في ذلك. والصف المؤمن المتراص الموحد اليقظء البادر الدؤوب هو 
لذي تتحقق فيه مواصفات النصرء من الله عز وجلء أما أن نتخاذل عن كل 
الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذيين» . 
ج ‏ العهود مع الحوار 

وهو من جملة التخطيط النبوي القيادي. أن يقيم رسول الله يلا 
معاهدات حسن جوار وتحالف مع القبائل المجاورة بحيث يوحد الجبهة 
المقاتلة » ول تنقض هذه المعاهدات إلا على النادرء وي الأحوال الى يشعر 
فيها المعاهدون بضعف شوكة النبي كلل وقد استوفيت هذه الفقرة الحديث من 
قبل في بداية العهد المدني . 
د مهاجمة طريق العراق. 

وم يكتف عليه الصلاة والسلام بقطع طريق قوافل قريش من المديئة , 
التي اختارتها قريش هرباً من ملاحقة محمد بل لها. 


فقد (كانت سرية زيد بن حارثة إلى لى القردة» وهى ي أول سرية حرج فيها 


. ۱۳١ آل عمران الآية‎ )١١ 


زيد أميراً يريد صفوان بن أمية وقد نكب عن الطريق وسلك على جهة العراق 
يريد الشام بتجارة فيها أموال لقريش وف من وسول الله يل أن يعترضهاء 
فقدم نعيم بن مسعود الأشجعي على كنانة بن أبي الحقيق في بني النضير 
فشرب معه» ومعهم سليط بن النعمان يشرب» ول تكن الخمر حرمت» فذكر 
نعيم ر صفوان في عيره وما معهم من الأموال.» فخرج (سليط) من 
ساعته وأ خبر النبي ية » فأرسل زيد بن حارثة في مائة راكب» فأصابوا العير 
ولت أعيان القوم. فقدموا بالعير فخمسها رسول الله يل فبلغ الخمس 
عشرين ألف درهم وقسم ما بقي على أهل السرية. وكان فيمن اسر فرات 
ابن حيان فأسلم') . 


ه ‏ ثبات أحد وتحويل اهزية إلى نصر 
وندع هذا الوصف للمباركفوري على صورة مقتطفات سريعة» 
وإيضاحات أخرى يقتضيها الموقف : 


خالد بن الوليد يقوم بخطة تطويق الجيش.: وانتهز خالد بن الوليد هذه 
الفرصة الذهبية (خلو الجبل من الرماة) فاستدار بسرعة خاطفة حتى وصل 
إلى مؤخرة الجيش الإسلامي. فلم يلبث أن أباد عبد الله بن جبير وأصحابه 
ثم انقض على المسلمين من خلفهم» وصاح فرسانه صيحة عرف المشركون 
المنہزمون بالتطور الجديد فانقلبوا على المسلمين. وأسرعت إمرأة منهم ‏ وهي 
عمرة بنت علقمة الحارثية - فرفعت لواء المشركين المطروح على التراب» 
فالتف حوله امشركون ولاثوا به وتنادى بعضهم بعضأء حت اجتمعوا عل 
المسلمين وثبتوا للقتالء وأحيط المسلمون من الأمام والخلف ووقعوا بين شقي 
الرحى . 
موقف الرسول الباسل إزاء عمل التطويق: وكان رسول الله ل حينئل 
في مفرزة صغيرة ‏ تسعة نفر من أصحابه في مؤخرة المسلمين» كان يرقب 
مجالدة المسلمين ومطاردتهم المشركين إذ بوغت بفرسان خالد مباغتة كاملة, 


.7// السيرة لابن هشام ج‎ )١( 


۳ 


فكان أمامه طريقانء إما أن ينجوء ‏ بالسرعة ‏ بنفسه وبأصحابه التسعة إلى 
ملجا مأمون. ويترك جيشه المطوق إلى مصيره المقدورء وإما أن يخاطر بنفسه 
فيدعو أصحابه ليجمعهم حوله» ويتخذ بهم جبهة قوية يشق بها الطريق 
لميشه المطوق إلى هضاب أحد. 

وهنالك تجلت عبقرية الرسول الله بل الفذة. وشجاعته المنقطعة النظير 
فقد رفع صوته يادي أصحابه: عباد الله وهو يعرف أن المشركين سوف 
يسمعون صوته قبل أن يسمعه المسلمون. ولكنه ناداهم ودعاهم مخاطراً بنفسه 
في هذا الظرف الدقيق. وفعلا فقد علم به المشركون فخلصوا إليه قبل أن 
يصل إليه المسلمون. 


تبدد المسلمين في الموقف: أما المسلمون فلا وقعوا في التطويق طار 
وتركت ساحة القتال. وهي لا تدري ماذا وراءها؟ وفر من هذه الطائفة 
بعضهم إلى المدينة حتى دخلهاء وانطلق بعضهم إلى فوق الجبل» ورجعت 
طائفة أخرى فاختلطت بالمشركين» والتبس العسكران» فلم يتميزوا فوقع 
كان يوم أحد هزم المشركون هزيمة بينة. فصاح إبليسء أي عباد الله 
فوالله ما احتجزوا عنه حى قتلوه» فقال حديفة : يغفر الله لكم . قال عروة: 
فوالله ما زالت في حذيفة بقية حير حتى لحق بالله . 

وهذه الطائفة حدث داخل صفوفها ارتباك شديد» وعمتها الفوضى ٠.‏ 
وتاه منها الكثيرون» لا يدرون أين يتوجهون». وبينا هم كذلك إذ سمعوأ 
صائحاً يصيح: إن مدا قد قتل» فطارت بقية صوابہم» وانهارت الروح 
المعنوية أو كادت تنهار في نفوس كثير من أفرادها. فتوقف من توقف منهم عن 
القتال» وألقى بأسلحته مستکینا» وفكر أخرون ف الاتصال بعد الله بن 
أبي - رأس المثافقين ‏ ليأخذ لهم الأمان من أبي سفيان. . . 


(4 


احتدام القتال حول رسول اله : 

وبين كانت تلك الطوائف تتلقى أواصر التطويق» تطحن بين شقي 
الرحى المشركين. كان العراك محتدماً حول رسول الله ب . وقد ذكرنا أن 
المشركين لما بدأوا عمل التطويق لم يكن مع رسول الله كله إلا تسعة نفرء فلا 
نادى المسلمين: هلم إلي. أنا رسول الله سمع صوته المشركون وعرفوه 
فكروا إليه وهاجموه. ومالوا إليه بثقلهم قبل أن يرجع إليه أحد من جيش 
المسلمين فجرى بين المشركين وبين هؤلاء النفر التسعة من الصحابة عراك 
عنيف ظهرت فيه نوادر الحب والتفاني والبسالة والبطولة. 


روى مسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله ي أفرد يوم أحد 5 
سبعة من الأنصارء ورجلين من قریش» فلا رهقوه قال: من يردهم عنا وله 
الجنة؟ أو هو رفيقي في الجنة فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل» ثم 
رهقوه أيضاً فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة فقال رسول الله ل لصاحبيه 
(أي القرشيين) ما أنصفنا أصحابنا. وكان آخر هؤلاء السبعة هو عمارة بن 
يزيد بن السكنء قاتل حتى أثبتته الجراحة فسقط. 
أحرج ساعة في حياة الرسول اء : 

وبعد سقوط ابن السكن بقي الرسول بي في القرشيين فقط. ففي 
الصحيحين عن أبي عثمان قال: (لم يبق مع النبي به في بعض تلك الأيام 
التي يقاتل فيهن غير طلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص. ) وكانت أحرج 
ساعة بالنسبة إلى حياة النبي بي وفرصة ذهبية بالنسبة للمشركين» ولم يتوان 
المشركون في انتهاز تلك الفرصة. فقد ركزوا حملتهم على النبي ب وطمعوا 
في القضاء عليه... ولا شك أن المشركين كانوا يهدفون القضاء على حياة 
رسول الله ية إلا أن القرشيين سعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله قاما 
ببطولة نادرة» وقاتلا ببسالة منقطعة النظير حتى لم يتركا_وهما اثنان 
فحسب - سبيلاً إلى نجاح المشركين في هدفهم» وكانا من أمهر رماة العرب 
فتناضلا حتى أجهضا مفرزة المشركين عن رسول الله ية . فأما سعد بن أي 
وقاص» فقد نثل له رسول الله ية كنانته وقال: إرم سعد فداك أبي وأمي. 


۵ 


ويدل على مدى كفاءته أن النبي كل لم يجمع أبويه لأحد غير سعد. وأما 
طلحة بن عبيد الله فقد روى النسائي عن جابر قصة تجمع المشركين حول 
رسول الله يل ومعه نفر من الأنصار» قال جابر: فأدرك المشركون 
رسول الله ول فقال من للقوم؟ فقال طلحة: أناء ثم ذكر جابر تقدم الأنصار 
وقتلهم واحداً بعد واحد بنحو ما ذكرنا من رواية مسلم فلا قتل الأنصار 
كلهم تقدم طلحةء قال جابر: ثم قاتل طلحة قتال الأحد عشر حتى ضربت 
يده فقطعت أصابعه. فقال: حسن» فقال النبي له لو قلت: بسم الله 
لرفعتك اللائكة والناس ينظرون» قال: ثم رد الله المشركين» ووقع عند 
الحاكم ف الإكليل أنه جرح يوم أحد تسعاً وثلاثين أو خمساً وثلائين. وشلت 
إصبعه» أي السبابة والتي تليها. 

وروی البخاري عن قيس بن أبي حازم قال : رأيت يد طلحة شلاءء 
وقى بها النبي ية يوم أحد. وروى الترمذي أن النبي بي قال فيه يومثل : (من 
بنظر إلى شهيد يشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله). 
وروى أبو داود الطيالسي عن عائشة قالت: كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد 
قال : ذلك اليوم كله لطلحة, وقال فيه أبو بكر أيضاً 

يا طلحة بن عبيد الله قد وجبت لك الجحنان وبوئت الها العينا 

وفي ذلك الظرف الدقيق والساعة الحرجة أنزل الله نصره بالغيب ففى 
الصحيحين عن سعدء قال: رأيت رسول الله ب يوم أحد» ومعه رجلان 
يقاتلان معه(') عليها ثياب بيضء» كأشد القتال» ما رأيتها قبل ولا بعد 
وفي رواية يعني جبريل وميكائيل . 

بداية تجمع الصحابة حول رسول الله يكلْهُ: وقعت هذه كلها بسرعة 
هائلة في لحظات خاطفة وإلا فالمصطفون الأخيار من صحابته اة - الذين كانوا في 
مقدمة صفوف المسلمين عند القتال ا يرون تطور الموقف أو يسمعون 
صوته وَل حتى أسرعوا | إليه لكلا يصل إل ليه شي ء يكرهونه . . إلا آم وصلوا 


)١(‏ كان هذا في اللحظة التي سقط فيها طلحة جريحاً. ولم يبق حول رسول الله صلى الله عليه 
وسلم إلا قرشي واحل هو سعد بن أي وقاص راوي الحديث. 


4“ 


وقد لقي رسول الله يك ما لقي من الجراحات. وستة من الأنصار قد قتلواء 
والسابع قد أثبتته الجراحات.. فقد روى ابن حبان في صحيحه عن عائشة 
قالت: قال أبو بكر الصديق: لا كان يوم أحد انصرف الناس كلهم عن 
النبي ية . فكنت أول من فاء إلى النبي بء فرأيت بين يديه رجلا يقاتل 
عنه ويحميه» قلت: كن طلحةء فداك أي وأمي. كن طلحة» فداك أي 
وأمي» فلم أنشب أن أدركني أبو عبيدة بن الجراح» وإذا هو يشتد كأنه طير 
حتى لحقنيء فدفعنا إلى النبي كيْكِ. فإذا طلحة بين يديه صريعأء فقال 
النبي ب دونكم أخاكم فقد أوجب. وند ريي البي ب في وجنته حتى 
غابت حلقتان من حلق المغفر في وجنته» دذهبت لأنزعهما عن النبى إا فقال 
أبو عبيدة: نشدتك الله يا أبا بكر إلا تركتنى» قال: فأخذ بفيه فجعل ينضضه 
كراهة أن يؤذي رسول الله ل ثم استل السهم بفيه فندرت ثنية أبي عبيدة» 
قال أبو بكر: ثم ذهبت لآخذ الآخر فقال أبو عبيدة: نشدتك الله يا أبا بكر 
إلا تركتنيء قال فأخذه فجعل ينضضه حى استله» فندرت ثنية أبي عبيدة 
الأخحرى. ثم قال رسول الله يِه : دونكم أخاكم فقد أوجبء قال: فأقبلنا 
على طلحة نعالجه» وقد أصابته بضع عشرة ضربة. 


وخلال هذه اللحظات الحرجة اجتمع حول النبي بيا عصابة من أبطال 
المسلمين منهم أبو دجانة» ومصعب بن عميرء وعلي بن أبي طالب» وسهل 
ابن حتيف» ومالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري» وأم عمارة نسيبة بنت 
كعب المازنية وزوجها وولداها) وقتادة بن النعمان وعمر بن الخطاب؛ وحاطب 
ابن أبي بلتعة» وسهل بن حنيف» وأبو طلحة. 


تضاعف ضغط المشركين: كا كان عدد المشركين يتضاعف كل أن» 
وبالطبع فقد اشتدت حملاتهم وزاد ضْغطهم على المسلمين. حتى سقط 
رسول الله بي في حفرة من الحفر التي كان أبو عامر الفاسق يكيد بهاء 
فجحشت ركبته وأخذ علي بيده. واحتضنه طلحة بن عبيد الله حتى استوى 
قائأء وقال نافع بن جبير سمعت رجلا من المهاجرين يقول: شهدت أحداً 
فنظرت إلى النبل يأني من كل ناحية ورسول الله بَا وسطها كل ذلك يصرف 


{¥ 


عنه» ولقد رأيت عبد الله بن شهاب الزهري يقول يومئلٍ: دلوني على محمد 
فلا نجوت إن دناء ورسول الله يه إلى جنبه ما معه أحد. ثم جاوزه» فعاتبه 
في ذلك صفوان» فقال: والله ما رأيته» أحلف بالله إنه منا ممنوع. 

المتعاقدون على قتل رسول الله ية : وكان أربعة من قريش قد تعاقدوا 
وتعاهدوا على قتل رسول الله بي وعرفهم المشركون بذلك. وهم عبد الله بن 
شهاب الزهري وعتبة بن أبي وقاص'» وعمرو بن قميئة» وأبي بن خلف 
(وزاد بعضهم عبد الله بن حميد بن زهير..) ورمى عتبة يومئذٍ رسول الله و2 
بأربعة أحجار فكسر رباعيته أشظى باطنها اليمنى السفلى. وأقبل ابن قميئة 
وهو يقول: دلوي على محمد فوالذي يحلف به لشن رأيته لأقتلنه» فعلاه 
بالسيف» ورماه عتبة بن أبي وقاص مع تجليل السيف» وكان عليه درعان. 
فوقع كل في الحفرة التي أمامه على جنبه فجحشت رکبتاه» ولم يصنع سيف 
ابن قميئة شيئا إلا وهن الضربة بثقل السيف. فقد وقم ها يِه وانتهض » 
وطلحة يحمله من ورائه. وعلي اخحذ بيده حتى استوى قائيا. ورمى ابن قميئة 
بسهم فأصاب مصعب بن عمير رضي الله عنه فقتله» فقال بي ماله أقمأه 
الله"»؟ ورجع عدو الله إلى قومه فأخبرهم أنه قتل رسول الله. فعمد (بعد 
المعركة في مكة) إلى شاة يحتلبها فنطحته بقرونها وهو معتقلها فقتلته فوجد ميتا 
بين الحبال . 

وأقبل عبد الله بن حميد بن زهير حين رأى رسول الله على تلك الجال » 
يُركض فرسه مقنعاً في الحديد يقول: آنا ابن زهب! دلوني على محمد. فوالك 
لأقتلنه أو أموتن دونه. فقال له أبو دجانة: هلم إلى من يقي نفس محمد 
بنفسه. وضرب فرسه عرقبها ثم علاه بالسيف فقتله ورسول الله مهو ينظر 
إليه ويقول» اللهم ارض عن أي خرشة كا أنا عنه راض . 


)١(‏ إنها معجزات العقيدة أن يتعاقد عتبة بن أبي وقاص على قتل محمد رسول الله صلى الله عليه 
وسلم» ويرمي الرسول بأحجاره. بينها كان أخوه سعد بن أبي وقاص أحد الذين بقوا بجوار 
الرسول صلى الله عليه وسلم يحميه ويذود عنه. ول يتغيب عن الذود عنه لحظة واحدة. بل 
كان اشد ما يكون حرصاً على قتل أخيه عتة غير أن أجله كان على غير يده. 

(۲) وهو الذي صاح بقتل محمد حين حسب مصعباً رسول الله صلى الله عليه وسلم . 


£۹۸ 


وأقبل يومئدٍ أبي بن خلف يركض فرسه فجعل يصيح بأعلى صوته» يا : 
حمد» لا نجوث إن نجوت» فقال القوم : يا رسول الله ! ما كنت صانعاً حين 
يغشاك. فقد جاءك! وإن شئت عطف عليه بعضناء فاں ب , ودنا أبي ) 
فتناول النبي 5 له الحربة من الحارث بن الصمةء ويقال ا ا 
انتفض بأصحابه كا ينتفض البعير فتطاير عنه أصحابه - ولم يكن أحد يشبه 
رسول الله كه إذا جد الخد ثم أخذ الحربة فطعته بها في عنقه وهو عل 
فرسه فجعل يخور كما يخور الثورء ويقول له أصحابه: أبا عامر! والله ما 
بك من بأس» ولو كان هذا الذي بك بعين أحدنا ما ضرّه! فيقول: لا 
واللات والعزى. لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز لاتوا أجمعون أليس 
قال لأقتلنك7©. وقال عبد الله بن عمر مات أبي بن خلف ببطن رابغ 

وتبع حاطب بن أبي بلتعة عتبة بن أبي وقاص - الذي كسر الرباعية 
الشريفة - فضربه بالسيف حتى طرح رأسه. ثم أخذ فرسه وسيفه. 

إشاعة مقتل النبي ب وأثره على المعركة: ولم يمض على هذا الصياح 
دقائق حتى شاع خبر مقتل النبي كله في المشركين والمسلمين. وهذا هو 
الظرف الدقيق الذي خارت فيه عزائم كثير من الصحابة المطوقين, الذين لم 
يكونوا مع رسول الله ب وانہارت 0 حتى وقع داخل صفوفهم 
ارتباك شديد» وعمتها الفوضى والاضطراب إلا أن هذه الصيحة خففت 

بعض التخفيف من مضاعفة هجمات الشركين لظت أنهم جوا في غ 
مرامهم, فاشتغل الكثير منهم بتمثيل قتلى المسلمين. 


الرسول يي يواصل المعركة ويثقذ الموقف: وما قتل مصعب أعطى 
الصحابة الموجودين هناك ببطولاتهم النادرة يقاتلون ويدافعون. 

وحينئذ استطاع رسول الله يي أن يشق الطريق إلى جيشه المطوق. 
(۱) كان عند أبي فرس فكان يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: عندي فرس أعلفها كل يوم 


فرقاً من ذرة اقتلك عليها. فيقول له عليه الصلاة والسلام : بل أن أقتلك عليها إن شاء الله . 


۹ 


فأقبل إليهم» فعرفه كعب بن مالك وكان أول من عرفه- فنادى بأعلى 
صوته: يا معشر المسلمين أبشرواء هذا رسول الله ية فأشار إليه أن 
أصمت - وذلك ثلثلا" يعرف موضعه المشركون ‏ إلا أن هذا الصوت_ بلغ إلى 
أذان المسلمين» فلاذ إليه المسلمون حتى تجمع حوله ثلاثين رجلا من 
الصحابة . 

وبعد هذا التجمع أحذ رسول الله ياء في الانسحاب المنظم إلى شعب 
الجبل وهو يشق الطريق بين المشركين المهاجين» واشتد المشركون في 
هجومهم › لعرقلة الانسحاب إلا أنهم فشلوا أمام بسالة ليوث الإسلام . 

تقدم عثمان بن عبدالله بن المغيرة - أحد فرسان المشركين - إلى 
رسول الله ية وهو يقول: لا نجوت إن نجاء وقام رسول الله َيه لمواجهته. 
إلا أن الفرس عثرت قي بعض الحفر. فنازله الحارث بن الصمة فضربه على 
رجله فأقعده» ثم ذفف عليه وأخذ سلاحهء والتحق برسول الله كه . 

وعطف عبد الله بن جابر ‏ فارس آخر من فرسان مكة ‏ على الحارث 
ابن الصمةء» فضرب بالسيف على عاتقه فجرحه حتى حمله المسلمون. ولكن 
انقض أبو دجائة ‏ البطل المغامر ذو العصابة الحمراء ‏ على عبدالله بن جابر 
فضربه بالسيف ضربة أطارت رأسه. 

وأثناء هذا القتال المرير» كان المسلمون يأخذهم النعاس أمنة من الله 
ىا تحدث عنه القرآن. قال أبو طلحة: كنت فيمن تغشاه النعاس يوم أحد 
حتى سقط سيفي من يدي مراراً يسقط وآحذه» ويسقط وآخذه. 

ويمثل هذه البسالة بلغت هذه الكتيبة ‏ في انسحاب منظم ‏ إلى شعب 
الحبل وشق لبقية الجيش طريقاً إلى هذا المقام المأمون. فتلاحق به في الجبل» 
وفشلت عبقرية خالد أمام عبقرية الرسول ب . 


طلحة ينمض بالنبي كةِ: وني أثناء انسحاب رسول الله ية إلى الحبل 
عرضت له صخرة من الجبل. فنهض إليها ليعلوهاء فلم يستطع. لأنه كان 


قد بدن وظاهر بين الدرعين وقد أصابه جرح شديد. فجلس تحته 


4٠ 


طلحة بن عبيد الله فنہض به حتى استوى عليها وقال: أوجب طلحة› أي : 
الحنة . 


آخر هجوم قام به المشركون: ولا تمكن رسول الله يه من مقر قيادته 
في الشعب قام المشركون بآخر هجوم حاولوا به النيل من المسلمين. قال ابن 
اسحاق: بينا رسول الله بل في الشعب إذ علت عالية من قريش الجبل» 
يقودهم أبو سفيان وخالد بن الوليد ‏ فقال رسول الله كيو اللهم إنه لا ينبغي 
لحم أن يعلوناء فقاتل عمر بن الخطاب ورهط معه من المهاجرين حتى 

وفي مغازي الأموي أن المشركين صعدوا على الجبل» فقال رسول الله 
5 لسعد: أجنبهم - يقول: أرددهم ۔ فقال: كيفى أجنبهم وحدي؟ فقال: 
ذلك ثلاث فأخذ سعد سهيأ من كنانته فرمى به رجلا فقتله» قال: ثم 
أخذت سهمي أعرفه فرميت به آخرى فقتلته ثم أخذته أعرفه فرميت به آخخر 
فقتلته فهبطوا من مكانهم. فقلت: هذا سهم مبارك فجعلته في كنانتي. فكان 
عند سعد حت مات ثم كان عند بنيه . 


شماتة أبي سفيان بعد نباية المعركة وحديثه مع عمر: ولا تكامل تميؤ 
المشركين للانصراف» أشرف أبو سفيان على الجبلء فنادى أفيكم نحمد؟ فلم 
جيسوهء قال: أفيكم ابن أي فحافة؟ فلم نجيبسوه. فقال: أفيكم 
عمر بن الخطاب؟ فلم يجيبوه. ‏ وكان النبي يي منعهم من الإجابة ‏ وم يسأل 
ذكرتهم أحياء. وقد أبقى الله ما يسوءك فقال: قد كان فيكم مثلة لم أمر بها 
ول تسؤني. ثم قال: أعل هُبّل. فقال النبيككلِ: ألا تجيبونه؟ فقالوا: فا نقول؟ 
قال: قولوا: الله أعلى وأجل. ثم قال: لنا العزى ولا عزى لكم. فقال النبي 
ل : ألا تجيبونه؟ قالوا: ما نقول؟ قال: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم. 
ثم قال أبو سفيان: أنعمت فقال. يوم بيوم بدرء والحرب سجال. فأجابه 
عمر» وقال: لا سواع» قتلانا 5 الحنةء وقتلاكم 5 النار. ثم قال أبو 


٤١۱ 


سفيان: هلم إل يا عمرء فقال 4 : أئته فانظر ما شأنه؟ فجاءه فقال له أبو 
سفيان: أنشدك الله يا عمر أقتلنا محمدا؟ قال عمر: اللهم لا. وإنه ليستمع 
كلامك الان. قال: أنت أصدق عندي من ابن قميئة وأبر. 

التثبت من موقف المشركين: ثم بعث رسول الله با علي بن أبي 
طالب» فقال: اخرح في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون؟ وما يريدون؟. فإن 
كانوا قد جنبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة. والذي نفسي بيده 
لئن أرادوها لأسيرن إليهم فيهاء ثم لأناجزنهم . قال علي: فخرجت في 
آثارهم أنظر ماذا يصنعون فجنبوا الخيل وامتطوا الإبل . 

حالة الطوارىء في المديئة : بات المسلمون في المدينة ‏ ليلة الأحد الثامن 
من شهر شوال سنة # ه بعد الرجوع من معركة أحد ‏ وهم في حالة 
الطوارىءء باتوا - وقد أنبكهم التعب» ونال منهم أي منال ‏ يحرسون أنقاب 
المدينة ومداخلهاء ويحرسون قائدهم الأعلى رسول الله يل خاصة إذ كانت 
تتلاحقهم الشبهات من كل جانب. 

غزوة حمراء الأسد: وبات الرسول ييه وهو يفكر في الموقف. فقد 
يخاف أن المشركين إن فكروا في أنفسهم في أنهم لم يستفيدوا شيثاً من النصر 
والغلبة التي كسبوها في ساحة القتال. فلا بد أن يندموا على ذلك» ويرجعوا 
من الطريق لغزو المدينة ثانية» فصمم على أن يقوم بعملية مطاردة الجيش 
المكي . 

قال أهل المغازي ما حاصله: إن النبي ي نادى في الناس وندبهم إلى 
السير إلى لقاء العدو- وذلك صباح الغد من معركة أحد ‏ أي يوم الأحد 
الثامن من شهر شوال سنة ۳ ه ‏ وقال: لا مخرج معنا إلا من شهد القتال. 
فقال له عبد الله بن أي : أركب معك! قال: لاء واستجاب له المسلمون على 
ما بهم من الجرح الشديد؛ والخوف المزيدء وقالوا: سمعاً سمعاً وطاعة واستأذنه 
جابر بن عبد الله » وقال: يا رسول الله. إني أحب 0 لا نشهد مشهداً إلا 
كنت معك»› وإنما خلفني أبي على بناتهء فأذن لي» أسير معك. فأذن له. 
وسار رسول الله يل والمسلمون معه حتى بلغوا حمراء الأسد على بعد ثمانية 

£1۲ 


أميال من المدينة فعسكروا هناك. وهناك أقبل معبد بن معبد الخزاعي إلى 
رسول الله يل فأسلم ‏ ويقال: بل كان على شركه؛ فقال: يا محمد أما والله 
لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك. ولودنا أن الله عافاك. فأمره رسول الله 
يه وسلم أن يلح أبا سفيان فيخذله. 

ولم يكن ما خافه رسول الله كله من تفكير المشركين في العودة إلى 
المدينة إلا حقاً. فإنهم لا نزلوا بالروحاء على بعد ستة وثلاثين ميلا من المدينة 
تلاوموا فيا بينهم» وقال بعضهم لبعض: لم تصنعوا شيأ أصبتم شوكتهم 
وحدهم» ثم تركتموهم» وقد بقي معهم رؤوس يجمعون لكم. فارجعوا حتى 
نستأصل شأفتهم . 

ويبدو أن هذا الرأي جاء سطحياً ممن لم يكن يقدر قوة الفريقين 
ومعنوياتهم تقديراً صحيحاً: ولذلك خالفهم زعيم مسؤول (صفوان بن أمية) 
قائلا: ياقوم لا تفعلوا فإني أخاف أن يجمم عليكم من تخلف من 
الخروج. . فارجعوا والدولة لكم» فإني لا أمن إن رجعتم أن تكون الدولة 
عليكم . إلا أن هذا الرأي رفض أمام رأي الأغلبية الساحقة وأجمع جيش 
مكة على المسير نحو المدينة. ولكنه قبل أن يتحرك أبو سفيان بجيشه من مقره 
الحقه معبد بن أبي معبد الخزاعي» ولم يكن يعرف أبو سفيان بإسلامه؛ فقال: 
ما وراءك يا معيد؟ فقال معبد ‏ وقد شهد عليه حرب أعصاب دعائية عنيفة - 
محمدء قد خرج يطلبكم في جمع لم أر مثله قط يتحرقون عليكم تحرقاً 
قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم » وندموا على ما ضيعواء فيهم 
من الحنق عليكم شيء لم أر مثله قط. قال أبو سفيان: ويحك ما تقول؟ 
قال: والله ماأرى أن ترتحل حتى ترى نواصي الخيل - أو حتى يطلع أول 
الجيش من وراء هذه الأكمة. فقال أبو سفيان: والله لقد أجمعنا الكرة عليهم 
لنستأصلهم. قال: فلا تفعل فإني لك ناصح . 


وحينئذ انمارت عزائم اليش المكي ؛ وأخحذه الفزع والرعب» فلم یر 
بحرب أعصاب دعائية ضد اليش الإإسلامي , لعله ينجح في كف هذا 


t1۳ 


الجيش من مواصلة المطاردة. وطبعاً فهو ينجح في الاجتناب عن لقائه. فقد 
مر به ركب من عبد القيس يريد المديئة» فقال: هل أنتم مبلغون عني عمداً 
رسالة. وأوقر لكم راحلتكم هذه زبيباً بعكاظ إذا أتيتم إلى مكة؟ قالوا: 
نعم. قال: قأبلغوا محمداً أنا أجمعنا الكرة. لنستاصله ونستاصل أصحابه. 

فمر الركب برسول الله هة وهم بحمراء الأسد فأخبرهم بالذي قاله 
أبو سفيان وقالوا: إن الناس قد جمعوا لكم فاخمشوهم. فزادهم ‏ أي زاد 
المسلمين قوهم: ذلك - إياناً وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل . طإفانقلبوا بنعمة 
من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم . 

أقام رسول الله ية بحمراء الأسد ‏ بعد مقدمه يوم الأحد ‏ الاثنين 
والثلاثاء والأربعاء - 8/١1/١١/شوال‏ سنة " ه ثم رجع إلى المدينة. 
ز - الثيات يوم الخندق» ومحاولة تفتيت الصف: 

١-فندب‏ الناس وأخبرهم خبر عدوهم. وشاورهم : أيبرز من المدينة, 
أم يكون فيها ويخندق عليها؟ أم يكون قريباً والجبل وراءهم؟ فاختلفوا. وكان 
سلمان الفارسي یری رأي رسول الله كله يهم بالمقام في المدينة ويريد أن 
يتركهم حتى يردوا. ثم يجاربهم على المدينة وفي طرقها. فأشار بالخندق 
فأعجبهم ذلك وذكروا يوم أحد فأحبوا الثبات في المدينة» وأمرهم رسول الله 
وي بالمجدء ووعدهم النصر إن هم صبروا واتقوا وأمرهم بالطاعة . وركب 
فرسا له ومعه عدة من المهاجرين والأنصار ‏ فارتاد موضعا ينزله» وجعل 
سلعاً خلف ظهرهء وعمل في حفر الخندق لينشطهم . 

؟ ‏ فبينا رسول الله وه في قبته ‏ والمسلمون على خندقهم يتناوبونه, 
معهم بضع وثلاثون فرساً. والفرسان يطوفون على الخندق - إذ 
جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا رسول الله : بلغني أن بني قريظة 
)١(‏ أخذنا هذا التلخيص الجيد كله عن الرحيق المختوم للمباركفوري» عدا فقرة واحدة - من 

الصنفحات ۴۲١-۲۹٤‏ وهي من أوفى ما كتب في شرح الغزوة وإيضاح عبقرية الرسول 


صلل الله عيه وسلم وسلم في قيادتها وتحويل الحزيمة الساحقة إلى نصر مؤزر ترتجف له قلوب 
الجيش المكي هاربة من لقائه إلى مكة . 


ا٤‎ 


قد نقضت العهد وحاربت. فاشتد ذلك على رسول الله كله وقال: حسبنا الله 
ونعم الوكيل» وبعث الزبير بن العوام رضي الله عنه إليهم لينظرء فعاد بأنهم 
يصلحون حصونهم» ویدربون طرقهم وقد جمعرا ماشيتهم ؛ فقال ية : إن 
لكل نبي حوارياً. وإن حواري الزبير» ثم بعث سعد بن معاذى 
وسعد بن عبادة» وأسيد بن حضير لينظروا ما بلغه عن بي قريظة وأوصاهم 
إن كان حقا ۔ أن يلحنوا (أي يلغزوا) لثلا يفت في أعضاد المسلمين ويورث 
وهناء فوجدوهم مجاهرين بالعداوة والغدر فتسابوا ونال اليهود من رسول الله 
كو فسبهم سعد بن معاذ وانصرفوا عنهم. فقال رسول الله وَلك: 

ماوراءكم؟ قالوا: عَضل والقارة. (يعنون غدرهم بأصحاب الرجيع). فكبر 
يله وقال: أبشروا بنصر الله وعونه. 


* - وأقسام كله وأصحابه عحصورین بصع عشرة ليلة حتى اشتد 
الكرب. ٠‏ وأرسل إلى عيئية بن حصن › والحارث بن عوف - وما رئيسا 
غطفان ‏ أن يجعل لما ثلث ثمار المديئة ويرجعان بمن معهها فطلبا نصف الثمر 
فأبى عليهم إلا الثلث. فرضياء وجاءا 3 عشرة من قومهم) حتى تقارب 
الأمر, . , فدعا رسول الله عله سعد بن معاد وسعد بن عبادة فاستشارهما 
فقالا : 


إن كان هذا أمرأ من السياء فامض له وإن كان أمرأ لم تؤمر به ولك 
فيه هوی فسمع وطاعة. وإن كان إنما هوالرأي فا لهم عندنا إلا السيف. 
فقال رسول الله : إني رأيت لمر رمتكم عن قوس واحدة فقلت 
أرضيهم ولا أقاتلهم (أو فأحببت أن أخفف عنكم). فقالا: يا رسول الله 
والله إن كانوا ليأكلون العلهز في الجاهلية من الجهدء ما طمعوا بهذا منا قط : 
إن يأخذوا تمرة واحدة إلا بشراء أو قرى! فحين أتانا الله بك» وأكرمنا بك» 
وهدانا بك» نعطي الدنية! لا نعطيهم اا إلا السيف. فقال يله : شق 
الكتاب» فشقه سعد فقام عيينة والحارث. فقال ي: ارجعواء بيننا 
السيف. رافعاً صوته. وكان نعيم بن مسعود صديقاً لبني قريظة. فقذف الله 
في قلبه الإسلام. فأق رسول الله ب ليلا فأسلم, فأمر أن يخذل الناس» 


1١6 


وأذن له أن يقول. نقاط علامة ثلاث كما رأينا- في غزوة الخندق حولت 
مجرى المعركة كامللا: فحفر الخندق أحبط الحجوم كله» وحصر خسائر 
المسلمين في ستة قتلى فقط. والثبات عند خبر بني قريظة والتكبير والبشارة 
بالنصر رفع المعنويات للجيش» وأي قائد غير رسول الله ما كان أمامه إلا 
إعلان الاستسلام » ف الوقت الذي خطر الخبر على أركان جيشه فقط . لولا 
تسريب الخبر عن طريق اليهود للمنافقين . 

وقي الفكر البشري يجهد ويدابء فاتجه إلى تحطيم الحصار عن 
طريق شق صف العدو بإعطائه ثلث ثمار المدينة» ثم التراجع عن الفكرة 
عند استعداد الجيش للتضحية. ولكن شق صف العدو بقي هدفا في حد ذاته 
وضعه رسول الله يه بين يدي نعيم. حتى تحقق الهدف وحطم الحصار. 
وانجلى الموقف عن نصر مؤزر للمسلمين. 


السمة الرابعة والعشرون 


بعدما رأينا الجهد البشري في البذل رجالا ونسائء والجهد البشري في 
البناء والتخطيط. ووجدنا أنه المدى الأقصى الذي يملكه البشر في عالمهم. 
يصبح من المناسب جداً أن نتحدث عن سمة النصر الإلمي في قلب المحن» 
والعون الرباني في خضم المعارك فالله تعالى لا يفعل بعذاب عباده شيئاء 
والله تعالى وعد بنصر جنده وعباده الصالحين. 


«وعدالله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات» ليستخلفنهم في الأرض 
كما استخلف الذين من قبلهم» وليمكئن لحم ديهم الذي ارتضى هم 
وليبدلهم من بعد خوفهم أمنا. يعبدونني لا يشركون بي شيئا. . #62. «ولقد 


Tog -g المقاطم الثلائة من إمتاع الأسماع ۱ - ل‎ )١( 
5 زفق سور النورء من الأية كن‎ 


٤4١٦ 


سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين, إنهم لهم المنصورونء وإن جندنا هم 
الغالبون(»#. #ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض» ونجعلهم 
أئمة» ونجعلهم الوارثين» وتمكن طم في الأرض» ونري فرعون وهامان 
وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون 9#) . ولنلحظ تحقيق هذه الإرادة الربانية في 
نصر هذا الدين من خلال النماذج التالية : 

أ - في بدر: 

الجيش الإسلامي الخارج للقاء العير تفرض عليه المعركة فرضاً بإرادة 
ربانية أن تكون له ذات الشوكة. وحين أبدى استعداده للموت في سبيل الله 
جاءه المدد الرباني أرسالا . 

١‏ الملائكة : (وأما رسول الله ي فكان منذ رجوعه بعد تعديله 
الصفوف يناشد ربه ما وعده من النصر ويقول: اللهم أنجز لي ما وعدتني» 
اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك» حتى إذا حمي الوطيس» واستدارت رحى 
الحرب بشدة. واحتدم القتال» وبلغت المعركة قمتها قال: اللهم إن تهلك 
هذه العصابة اليوم لا تعبد, .اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبداً. وبالغ في 
الابتهال حتى سقط رداؤه عن منكبيه فرده عليه الدّيق» وقال: حسبك 
يا رسول الله » ألححت على ربك أود إن الله منجز ما وعدك). 


وأغفى رسول الله ية إغفاءة واحدة» ثم رفع رأسه فقال: أبشر يا أبا 
بكرء هذا جبريل على ثناياه النقع (أي الغبار) وفي رواية ابن اسحاق: قال 
رسول الله ككل : أبشر يا أبا بكرء أتاك نصر الله هذا جبريل أنعذ بزمام فرسه 
يقود على ثناياه النقع . .). 
ل إذ تستغيئون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بالف من الملائكة 
مردفين. 4040 . 


.198* 1/9 ۱۷۱ سورة الصافات الآيات‎ )١( 
." (؟) سور القصص. الآيتان © و‎ 

(۳) الرحيق المختوم 741١‏ . 

(5) الأنفال» الآية .١‏ 


$1۷ 


المطر والنعاس: وكانت ليلة الجمعة السابع عشر من رمضان» وبعث 
الله السماء فأصاب المسلمين ما لبد الأرض ولم ينع من السيرء وأصاب قريشاً 
من ذلك مالم يقدروا على أن يرتحلوا منهء وإنما بيهم قوز من رمل» وكان 
مجىء المطر نعمة وقوة للمؤمنين» وبلاء ونقمة على المشركين. وأصاب 
المسلمين تلك الليلة نعاس ألقي عليهم فناموا حتى أن أحدهم تكون ذقنه بين 
ثدبيه وما يشعر حت يقع على جنبه» واحتلم رفاعة بن رافع بن مالك حتى 
اغتسل أخخر الليل. وبعث رسول الله با عمار بن ياسر» وعبد الله بن 
مسعود رضي الله عن فأطافا بالقوم. ثم رجعا فأخبراه أن القوم مذعورون. 
وأن السماح تسح عليهم') . (إذ يغشيكم النعاس أمنة منه» وينزل عليكم 
من السماء ماءًٌ ليطهركم به؛ .ويذهب عنكم رجز الشيطان. وليربط على 
قلوبكم ويثبت به الأقدام" ). 
الملائكة تقاتل وتثبت: (.. وزادهم نشاطا وحدة أن رأوا رسول الله يا 
يشب في الدرع ويقول في حزم وصراحة (سيهزم الجمع ويولون الدبر) فقاتل 
المسلمون أشد القتالء نرم الملائكة» ففي رواية ابن سعد عن عكرمة 
قال: كان يومئذ يندر رأس الرجل لا يدري من ضربه» وتندر يد الرجل لا 
يدري من ضربهاء ا بينها رجل من المسلمين يشتد في أثر رجل 
من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه» وصوت الفارس يقول: أقدم 
حيزوم» فنظر إلى المشرك أمامه. فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله 
يك فقال: صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة. قال أبو داود المازني: إني 
لأتبع رجلا من المشركين لأضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي 
فعرفت أنه قد قتله غيري» وجاء رجل من الأنصار بالعباس بن عبد المطلب 
أسيراً فقال العباس: إن هذا والله ماأسرني» لقد أسرني رجل أجلح من 
أحسن الناس وجهاً على فرسل أيلق وما أراه في القوم. فقال الأنصاري: أنا 
أسرته يا رسول اللهء فقال: اسكت فقد أيدك الله بملك كريه9"). 


.۷۸ / ١ امتاع الأسماع‎ )١( 
, .1١ سورة الانفال» الآية‎ )۲( 
. 747 الرحيق المختوم للمباركفوري‎ )۳( 


۸ 


(فبينها هو جالس (أي أبو لهب) إذ قال الناس: هذا ابو 
سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قد قدم فقال أبو لحب: هلم إلي فعندك 
لعمري الخبرء قال: فجلس إليه. والناس قيام عليه» فقال: يا ابن أخي 
أخبرني كيف كان أمر الناس؟ قال: ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا 
يقتلوننا كيف شاؤواء ويأسرونا كيف شاؤوا. وإيم الله مع ذلك مالمت 
القوم» لقينا رجال بيض على خيل بلق بين السماء والأرض» والله ما تليق 
شیا ولا يقوم لها شيء'٠).‏ «إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا 
الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق» 
واضربوا منهم كل بنان) . 

القلة والكثرة: «إإذ يريكهم الله في منامك قلي ولو أراكهم كثيراً 
لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم إنه عليم بذات الصدور. وإذ 
يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمراً كان 
مفعولا وإلى الله ترجع الأمور"). 

سيف عكاشة: وانقطع يومئذ سيف عكاشة بن محصن. فأعطاه النبي 
جذلاً: من حطب: فقال: دونك هذا فلم) أخذه عكاشة وهزه عاد في يده سيفاً 
طويلاء فلم يزل عنده يقاتل به حتى قتل أيام أي بكرء قتله طليحة الأسدي 
شهیدا) . 


من المعحزات ف أحد 


النعاس: وأثناء هذا القتال المريرء كان المسلمون يأخذهم النعاس أمنة 
من الله كا تحدث عنه القران. قال أبو طلحة: ركنت فيمن تغشاه النعاس 


. ٠١۱ المصدر نفسه‎ )١( 

(؟) سورة الأنفال الآية ٠١‏ . 

(۳) الأنفال / 47 و٤٤.‏ 

فخ مختصر السيرة لابن محمد بن عبد الوهاب ۱۸۷ . 


414 


يوم أحد حتى سقط سيفي من يدي مراراء يسقط وأخذف ويسقط 
واحذه') . 


عن أن 31 أبي طلحة قال رفعت رأسي يوم أحد» وجعلت أنظرء وما 

لانم اول عل من بها لشم آمو مانا بشي طائفة یک" 40 

عين فتادة: وأصيبت عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته 
فجاء رسول الله ليد فأخذها وردها فعادت کا كانت وم تضرب عليه بعدها 
وكان يقول بعدما أسن: هي أقوى عيني! وكانت أحسنه|0). 

حنظلة غسيل الملائكة : وخرج حنظلة ؛ بن أبي عامر إلى رسول الله کل 
وهو يسوي الصفوف بأحدء. فلا انكشف المشركون ضرب فرس أي 
سفيان بن حرب فوقع على الأرض وصاح وحنظلة يريد ذبحه. فأدركه 
الأسود بن شعوب فحمل على حنظلة بالرمح فأنفذه - ومشى حنظلة إليه ف 
الرمح وقد أثبته ثم ضربه الثانية فقتله؛ ونجا أبو سفيان فقال رسول الله 
كل: إني رأيت الملائكة تغسل حنظلة بن أبي عامر بين السماء والأرض اء 
المزن في م الفضة. قال أبو أسيد الساعدي : فذهبنا إليهء فإذا رأسه 
يقطر ماءً. فلا أخبر النبي ي بذلك أرسل إلى امرأته فسأهها فأخبرته أنه 
خرج رر ج 
ما رأيتها قبل ولا بعد» وفي رواية يعني جبريل ومیکائيل(. 


. OA / Y۲ الرحيق المختوم ¥ عن صحيح البخاري‎ )١( 
. ٠١٤١ آل عمران من الآية‎ )۲( 
T/1 زسة امتاع الأسماع‎ 
امتاع الأسماع ها‎ )4( 
. ٥۸١ / ۲ عن صحيح البخاري‎ ٠١١ الرحيق المختوم‎ )0( 


{۹ 


وقال نافع بن جبير سمعت رجلا من المهاجرين يقول: شهدت أحداً 
فنظرت إلى النبل يأتي من كل ناحية ورسول الله ب وسطهاء كل ذلك يصرف 
عنه» ولقد رأيت عبد الله بن شهاب الزهري يقول يومئذ: دلوني على محمد. 
فلا نجوت إن دناء ورسول الله ب إلى جنبه. مامعه أحدء ثم جاوزه. 
فعاتبه في ذلك صفوان» فقال: ولله ما رأیته» أحلف بالل أنه منا منوع» 
فخرجنا أربعة فتعاهدنا وتعاقدنا على قتله. فلم نخلص إلى ذلك07). 
سعل : وف مغازي الأموي أن المشركين صعدوا على الحبل» فقال 
رسول الله يه لسعد: أجنبهم - يقول: أرددهم - فقال: كيف أجنبهم 
وحدي؟ . فقال ذلك ثلاثاء فأخذ سعد سهاً من کنانته فرمى به رجلا 
فقتله» قال : ثم أخيذت سهمي أعرفه فرميت به آخر. فقتلته. ثم أخملته 
أعرفه فرميت به آخر فقتلته» فهبطوا من مكانهم. فقلت: هذا سهم مبارك» 
فجعلته في كنانتي, فكان عند سعدٍ حتى مات» ثم كان عند بنيه». 


من المعجزات في الخندق 


في حفر الخندق: (إنا يوم خندق نحفر فعرضت علينا كدية شديدة 
فجاؤوا إلى النبي إل فقالوا: هذه كدية عرضت في الخندق. فقال: أنا 
نازل» ثم قام ويطنه معصوب بحجر ‏ ولبثئنا ثلاثة لا نذوق ذواقاً - فأخيل 
النبي كه المعول فضرب. فعاد كثيباً أهيل أو أهيم (أي صار رملا لا 
يتماسك27) . 


وقال البراء : لا كنا يوم الخندق عرضت لا في , بعض الخندق صخرة لا 
تأحذ منپا المعاول. فاشتكينا ذلك لرسول الله E‏ فجاء وأحذ المعول فقال: 


.١۷ / المصدر نفسه عن زاد المعاد, ؟‎ )١( 

(۲) المصدر نفسه عن زاد المعاد ۲/ 46. ولقد رآيت بأم عيڼي قوس سعد وسهمه ضمن حاجز 
زجاجي في بيت خرب في المديئة المثورة عام ۴۳ . ولعل الدار هدمت بعد ذلك وهي قريبة 
من المسجد النبوي . 

(۳) المصدر نفسه عن البخاري ۲ / ٥۸۸‏ . 


1 


بسم الله ثم ضرب ضربة وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام . والله إني 
لأنظر إلى قصورها الحمر الساعة» ثم ضرب الثانية فقطع آخر. فقال: الله 
أكبر» أعطيت فارس والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض الان. ثم ضرب 
الثالثة, فقال: بسم الله. فقطع بقية الحجرء فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح 
اليمن» والله إني لأبصر أبواب صنعاء مكاني(2. 

جوع رسول الله بل والمسلمين: كان المسلمون يعملون بهذا النشاط 
وهم يقاسون من شدة الجوع ما يفتت الأكباد. قال أنس: كان أهل الخندق 
يون بملء كفي من شعير. فيصنع لهم بإهالة سخنة توضع بين يدي القوم, 
والقوم جياع » وهي لشعة في الحلق وها ريح). 

وقال أبو طلحة: شكونا إلى رسول الله يل الحو ع فرفعنا عن بطوننا عن 
حجر حجر» فرفع رسول الله ب عن حجرين)0”©. 

© إطعام الله تعالى المسلمين ببركة رسول الله ل : وبهذه المناسبة وقع في 

حفر الخندق آيات من أعلام النبوة» رأى جابر بن عبد الله رسول الله لا 
يخفرء ورآه خیم فأتق امرأته فأخبرها ما رأى من خمص رسول الله يل 
فقالت: والله ما عندنا شيء إلا هذه الشاة ومدٌ من شعيرء قال: فاطحني 
واصلحي . فطبخوا بعضهاء وشووا بعضهاء وخبزوا الشعير» ثم أتى جابر 
رسول الله با فقال: يا رسول الله قد صنعت لك طعاماً فأت أنت ومن 
أحببت من أصحابك . فشبك ي أصابعه بين أصابع جابر. ثم قال: أجيبوا 
جابراً يدعوكم . فاقبلوا معه» فقال جابر في نفسه: والله إنها الفضيحة! دان 
المرأة فأخبرها فقالت: أنت دعوتهم أم هو؟ فقال: بل هو دعاهم! قالت 
دعهم» فهو أعلم» وأقبل رسول الله ب وأمر أصحابه» وكانوا فرقاً عشرة 
عشرة. ثم قال لجحابر: اغرفوا وغطوا البرمة» وأخرجوا من التنور الخبز ثم 
غطوه ففعلواء وجعلوا يغرفون ويغطون البرمة ثم يفتحونها فما يرونها نقصت 
)١(‏ المصدر نفسه عن سنن النسائي ۲ / 85 وأحمد في مسنده. 
(؟) الرحيق حيق المختوم "4١‏ عن صحيح البخاري ۲ / ۵۸۸ . 


(۴) المصدر نفسه عن البخاري ۲ / ۸۸ . 


{۲ 


شيئاً؛ ويخرجون الخبز من التنور ويغطونه فا يرونه ينقص شيئاً. فأكلوا حتى 
شبعوا وأكل جابر وأهله(›. 

وخاله» فمرت برسول الله كع فطلب منا التمر وبدده فوق ثوب» ثم دعا 
أهل الخندق فجعلوا يأكلون منه. وجعل التمر يزيد حتى صدر أهل الخندق 
عنه وإنه يسقط من أطراف الثوبي7©). 


إسلام نعيم بن مسعود وخطته الناجحة )ے٠‏ ثم إن نعيم بن مسعود 
وإث قومي م يعلموا بإسلامي . فمرني بما شئت؛ فقال رسول الله يك : إنما 
أنت فينا رجل واحد. فخذل عنا إن استطعت فإن الحرب خدعة. فخرج 
نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة وكان لهم ندياً في الجاهلية, فقال: يا بني 
قريظة» قد عرفتم ودي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم؛ قالوا: صدقت ما أنت 
عندنا بمتهم؛ فقال لهم: إن قريشاً وغطفان ليسوا كأنتم» البلد بلدكم» فيه 
أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم. لا تقدرون على أن تحوّلوا منه إلى غيره» وإن 
قريشاً وغطفان قد جاؤوا لحرب محمد وأصحابه» وقد ظاهرتموهم عليه 
وبلدهم ونساؤهم وأموالهم بغيره» فليسوا كأنتم» فإن أرادوا خهزة أصابوهاء 
وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم دخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم. ولا طاقة 
لكم به إن خلا بکم» فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منم هنا من 
أشرافهم. يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن تقاتلوا معهم محمدا حى 
تناجزوهء فقالوا له: لقد أشرت بالرأي . 

ثم خرج حتى أق قريشاًء فقال لأبي سفيان بن حرب ومن معه من 
رجال قريش: قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمداء إنه قد بلغي أمر قد رأيت 


. ۸4 ۰0۸۸ / ۲ امتاع الأسماع ١/4؟” وقد أوردها البخاري في صحيحه‎ )١( 

)۲( السيرة لابن هشام ۳ / ۲۲۸ - ۲۲۹ . 

(۳) اعتبرنا اسلام نعيم من المعجزات الإلية . لان أي تخطيط بشري لا يضع في حسبانه انضمام 
قائد من أعدائه إليه, ونحطيم جيشه وجيش حلفائه. وذلك 5 قلب المعركة . 


{۳ 


عليّ حقأ أن أبلفكموه. نصحاً لكم فاكتموا عني؛ فقالوا: نفعل؛ قال: 
تعلّموا أن معشر ود قد ندموا على ما صنعوا فيا بينهم وبين محمد» وقد 
أرسلوا إليهء إنا قد ندمنا على ما فعلنا؛ فهل يرضيك أن نأخذ لك من 
القبيلتين» من قريش وغطفان رجالا من أشرافهم. فنعطيكهم» فتضرب 
أعناقهم» ثم نكون معك على من رقي منهم حتى نستأصلهم؟ فارسل إليهم : 
أن نعم . فإن بعئت إليكم يبود يلتمسون رهنا من رجالكم فلا تدفعوا إليهم 
منكم رجلا واحداً. 


ثم خرج حتى اتی غطفان» فقال: يا معشر غطفان. إنكم أصلي 
وعشيرتي» وأحب الناس إلي› ولا أراكم تتهموني» قالوا: صدقت» ما أنت 
عندنا بمتهم , قال: فاكتموا عني ؛ قالوا: نفعل» فا أمرك؟ ثم قال لهم مثل ما 
قال لقريش » وحذرهم ما حذرهم. 


فلا كانت ليلة السبت من شوال سنة خحمسء. وكان من صنع الله 
لرسوله َة أن أرسل أبو سفيان بن حرب ورؤوس غطفان إلى بني قريظة 
عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان» فقالوا لحم: إنا لسنا بدار 
۳ قد هلك الخف والحافر» فاغدوا للقتال حتى نناجز محمد ونفرغ ثم 

بينلا وبينه؛ فأرسلوا | إليهم إن اليوم يوم السہت» وهو يوم لا نعمل فيه شيئاً: 
وقد كان أحدث فيه بعضنا حدثا فأصابه ما لم يخف عليكم» ولسنا مع ذلك 
بالذين نقاتل معكم محمداً حتى تعطونا رُهُناً من رجالکم» يكونون بأيدينا ثقة 
لناء حتى نناجز محمدأء فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب» واشتد عليكم 
القتال أن تنشمروا إلى بلادكم وتتركوناء والرجل في بلدناء ولا طاقة لنا بذلك 
منه. فليا رجعت إليهم الرسل با قالت بنو قريظة. قالت قريش وغطفان: 
والله إن الذي حدثكم نعيم بن مسعود لحق» فارسلوا إلى بني قريظة: إنا 
والله لا ندفع إليكم رجلا واحداً من رجالناء فإن كنتم تريدون القتال 
فاخرجوا فقاتلوا؛ فقالت بنو قريظة حين انتهت الرسل إليهم بهذا: إن 
الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق. ما يريد القوم إلا أن يقاتلواء فإن رأوا 
فرصة انتهزوهاء وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم» وخلوا بينكم وبين 


{4 


الرجل في بلدكم» فارسلوا إلى قريش وغطفان: إنا والله لا نقاتل معكم 
حمداً حتى تعطونا رهئا. فأبوا عليهم وخذل الله بينبه©. 


الريح التى بعثها الله على الأحزاب والجنود التى لم يرها المؤمنون: 
وبعث الله عليهم الريح 2 ليال شاتية باردة شديدة البرد. فجعلت تكفا 
قدورهم» وتطرح أبنيتهم. فلا انتهى إلى رسول الله 4ة ما اختلف من 
أمرهم . وما فرق الله من جماعتهم دعا حذيفة بن اليمان. فبعثه إليهم › لينظر 
ما فعل القوم ليلاً. 


قال ابن إسحاق : فحدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي 
قال : 


قال رجل من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان: يا أبا عبد الله أرأيتم 
رسول الله وصحبتموه؟ قال: نعم؛ قال: فكيف كنتم تصئعون؟ قال: والله 
لقد كنا نجهد؛ قال: والله لو أدركناه ما تركناه يشي على الأرض» ولحملناه 
على أعناقنا. قال: فقال حذيفة: يا ابن أخي. والله لقند رأيتنا مع 
رسول الله لل بالخندق: وصلى رسول الله وَل هويا من الليل ثم التفت إلينا 
فقال: من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع يشرط له 
رسول الله ا الرجعة ‏ أسأل الله تعالى أن يكون رفيقي في الجنة؟ فيا قام 
رجل من القوم. من شدة الخوف. وشدة الجوع. وشدة البرد؛ فلا لم يقم 
أحدء دعاني رسول الله هل فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني؛ فقال : يا 
حذيفة, إذهب فادخل في القوم» فانظر ماذا يصنعون, ولا تحدثن شيئاً حتى 
تأتينا. قال: فذهبت فدخلت في القوم والريح وجنود الله تفعل بم ما تفعل» 
لا تقر هم قدراً ولا ناراً ولا بناءً. فقام أبو سفيان. فقال: يا معشر قريش» 
لينظر امرؤ من جليسه؟ قال حذيفة: فأخذت بيد الرجل الذي كان إلى 
جنبي» فقلت: من أنت؟ قال: فلان بن فلان. 


.747- 540 السيرة لابن هشام‎ )١( 


{٥ 


ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام » 
لقد هلك الكراع“ والخفء. وأخلفتنا بنو قريظة» وبلغنا عنهم الذي نكرهء 
ولقينا من شدة الريح ما ترونء ما تطمئن لنا قدرء ولا تقوم لنا نار. ولا 
يستمسك لنا بناء» فارتحلوا فإني مرتحل؛ ثم قام إلى مله وهو معقول فجلس 
عليه؛ ثم ضربه فوثب به على ثلاث» فوالله ما أطلق عقاله إلا وهو قائم. 
ولولا عهد رسول الله يله إليّ وأن لا تحدث شيئاً حتى تأتيني» ثم شئت 
لقتلته بسهم. قال حذيفة: فرجعت إلى رسول الله ية وهو قائم يصلي في 
مرط 7 لبعض نسائه. مراجل. فلا رآني أدخلني إلى رجليه وطرح علي 
طرف المرط.ء ثم ركع وسجد وإني لفيه» فلما سلم أخبرته الخبر» وسمعت 
غطفان بما فعلت قريش. فانشمروا راجعين إلى بلادهم . وما أصبح 
رسول الله له انصرف عن الخندق راجعاً إلى المدينةء والمسلمون ووضعنا 
السلاح0©. 


السمة الخامسة والعشرون 
التربية الإلهية للنفوس عقب المعارك 


لقد كانت التربية الإلهية في الحقيقة مستمرة لا تنقطع أبدأ في الحضر 
والسفرء في الجهاد والإقامة» في الغزو وفي المرابطة. كان القرآن يتنزل ليبني 
هذه الأمة ويصنعها على عين الله سبحانه» وكان النبي ب إمام المربين» 
يعالج هذه النفوس البشرية حتى تستوي على منہج الله . وهو الخط الذي ل 
ينقطع أبداً خلال حياة الرسول يَلة. ‏ * 

وحيث أنه من الصعب التفصيل بكل معالم هذه التربية خلال هذه 
المرحلة» فيكفي أن نقف مع كتاب الله تعالى» وهو يعالج هذه النفوس 


(١)الكراع:‏ الخيل . 
(۲) المرط: الكساء. 
(۳) المصدر نفسه ۳ / .۲٤٤- ۲٤۲‏ 


البشرية بعد كل معركة, فيأتي البيان مختلفاً في أحيان كثيرة عن العرض 
بدر وسورة الأنفال 

ونترك للشهيد سيد قطب رحمه الله أن يقدم لنا معالم هذا البيان الرباني 
بعد المعركة: 

ف هذه الغزوة. . نزلت سورة الأنفال. . نزلت تعرض وقائم الغزوة 
الظاهرة وتعرض وراءها فعل القدرة المدبرة» تكشف عن قدر الله وتدبيرة ف 
وقائم الغزوةء وفيا وراءها من خط سير التاريخ البشري کله ونحدث عن 
هذا كله بلغة القرآن الفريدة» وبأسلوب القرآن المعجز. . . 

إن هنالك حادثاً بعينه في الغزوة يلقي ضوءاً على خط سيرها. ذلك هو 
ما روأه ابن إسحاق عن عبادة بن الصامت رضي الله عله قال : (فينا 
أصحاب بدر نزلت حين اخحتلفنا ف النفل وساءت فيه أخلاقناء فنزعه الله من 
أيديناء فجعله إلى رسول الله ية فقسمه عن بواء (يقول: على السواء) . 

هذا الحادث يلقي ضوءاً على افتتاح السورة» وعلى خط سيرها كذلك : 

لقد احتلفوا على الغنائم القليلة في الوقعة التي جعلها الله فرقاناً في 
مجرى التاريخ البشري إلى يوم القيامة! 
ولقد أراد الله سبحانه أن يعلمهم › وأن يعلم البشر كلهم من بعدهم 
أموراً عظاماً. . 

أراد أن يعلمهم ابتداء أن أمر هذه الوقعة أكبر كثيراً من أمر الغنائم 
التي يختلفون عليها فسمى يومها يوم الفرقان» يوم التقى لجمعان' 


وأراد أن يعلمهم أن هذا الأمر العظيم إنما تم بتدبير الله وقدره» في كل 
خحطوة وفي كل حركة ليقضي من ورائه أمرأ يريده. فلم يكن هم في هذا 
النصر وما وراءه من عظائم الأمور يد ولا تدبيرء وسواء غنائمه الصغيرة 
وآثاره الكبيرة» فكلها من فعل الله وتذبيرة ) إنا أبلاهم فيه بلاءُ حسناً من 
فضله! 


يفف 


وأراد أن يرهم مدى الفرق بين ما أرادوه هم لأنفسهم من الظفر بالعير؛ 
وما أراده الله لهم وللبشرية كلها من ورائهم من إفلات العيرء ولقاء النفيرء 
ليروا على مد البصر مدى ها بين إرادتهم بأنفسهم وإرادة الله بهم من فرق 
كبير! 

ولأن المعركة ‏ كل معركة يخوضها المؤمنون ‏ من صنع الله وتدبيره» 
بقيادته وتوجیهه» بعونه ومدده. بفعله وقدره. له وفي سبيله. تكرر الدعوة في 
السورة إلى الثبات فيهاء والمضي معهاء والاستعداد اء والاطمئنان إلى تولي 
الله فيهاء والحذر من المعوقات عنها من فتئة الأموال والأولاد. والاستمساك 
بآدايهاء وعدم الخروج ها بطراً ورثاء الناس» ويؤمر رسول الله يه بتحريض 
المؤمنين عليها. 

وفي ذات الوقت الذي تتكرر الأوامر بالتثبيت في المعركة يتجه السياق 
إلى توضيح معالم العقيدة وتعميقهاء ورد كل أمر وكل حكم وكل توجيه 
إليهاء فلا تبقى الأوامر معلقة في الفراغ إثما ترتكز على ذلك الأصل الواضح 
الثابت العميق . 


ويبرز في سياق السورة بصفة خاصة - إلى جانب خط العقيدة - خط 
آحر هو خط الجهاد وبيان قيمته الإيمانية والحركية» وتجريده كذلك من كل 
شائبة شخصية؛ وإعطائه مبرراته الذاتية العليا التى ينطلق بها المجاهدون في 
ثقة وطمأنينة واستعلاء إلى أخخر الزمان. 


وأخيراً فإن السورة تنظم ارتباطات الجماعة المسلمة على أساس العقيدة 
كا أسلفناء وبيان .الأحكام التي تتعامل بها مع غيرها من الجماعات الأخرى 
في الحرب والسلم إلى هذه الفترة التي نزلت فيها السورة ‏ وأحكام الغنائم 
والمعاهدات وتضع خطوطا أصيلة في تنظيم تلك الروابط وهذه الأحكام . 


هذا حمل لخطوط السورة الرئيسة. . فإذا كانت السورة بجملتها إنا 
نزلت في غزوة بدر وفي التعقيب عليهاء فإننا ندرك من هذا طرفاً من منهج 
القرآن في تربية الجماعة المسلمة. وإعدادها لقيادة البشرية» وجانباً من نظرة 


4۸ 


هذا الدين إلى حقيقة ما جري 5 الأرض وفي حياة البشر مما يقوم مله تصور 
صحيح هذه الحقيقة . 


لقد كانت هذه الغزوة هي أول وقعة كبيرة لقي فيها المسلمون أعداءهم 
من المشركين . فهزموهم تلك المزيمة الكبيرة. . . ولكن المسلمين لم يكونوا قد 
خرجوا ذه الغاية. لقد كانوا إغا خرجوا ليقطعوا الطريق على قافلة قريش 
الذين أخرجوا المؤمنين من ديارهم وأمواهم . فاراد الله للعصبة المؤمنة غير ما 
أرادت لنفسها من العثيمة. : أراد لها أن تنفلت منبأ القافلة وأن تلقى عدوها 
من عتاة قريش الذين جمدوا الدعوة في مكة» ومكروا مكرهم لقتل 
رسول الله کا بعدما بلغوا بأصحابه الذين تابعوه على الهمدى غاية التعذيب 
والتنكيل والأذى. . 


لقد أراد الله سبحانه أن. تكون هذه الوقعة فرقاناً بين الحق والباطل؛ 
وفرقاناً في خط سير التاريخ الإسلامي» ومن.ثم فرقاناً في خط سير التاريخ 
الإنساني. . وأراد أن يظهر فيها الآماد البعيدة بين تدبير البشر لأنفسهم فيا 
يحسبونه الخير لهم. وتدبير رب البشر لهم ولو كرهوه في أول الأمر. كا أراد 
أن تتعلم العصبة المؤمنة عوامل النصرء وعوامل الحزيمة. تتلقاها مباشرة من 
مدريها ووليهاء وهي في ميدان المعركة وأمام مشاهدها. 


و السورة التوجيهات الموحية إلى هذه المعاني الكبيرة؛ وإلى هذه 

ثق الضخمة الخطيرة. كا تضمنت الكثير من دستور السلم والحرب» 

رال والأسرى. والمعاهدات والمواثيق , وعرامل النصر وعوامل المزيمة 

كلها مصوغة في أسلوب التوجيه مربي الذي ي: ينشىء التصور الاعنقادي› 

ويجعله هو المحرك الأول والأكبر في النشاط الإنساني. وهذه هي سمة المج 
القرآني في عرض الأحداث وتوجيهها. 


ثم ل تضمنت مشاهد ن الموقعة. ومشاهد من حركات النفوس قبل 
وصورها رسماتیا؛ کان قارىء القرآن يراها فيتجاوب معها تجاوباً عميقاً. 


۹ 


واستطرد السياق أحياناً إلى صور من حياة المرسول - وَل - وحياة 
أصحابه في مكة» وهم قلة مستضعفون في الأرض. يخافون أن يتخطفهم 
الناس. ذلك ليذكروا فضل الله عليهم في ساعة النصرء ويعلموا أنهم إنما 
سينصرون بنصر الله وببذا الدين الذي آثروه على الال والحياة. وإلى صور 
من حياة المشركين قبل هجرة رسول الله هة - وبعدها وإلى أمثلة من مصائر 
الكافرين من قبل كدأب آل فرعون والذين من قبلهم لتقرير سنة الله التي لا 

تتخلف في الانتصار لأوليائه والتدمير على أعدائه. 

وإن كان الشهيد سيد قد قدم لنا وصفاً حيأ عن السورة فسأكتفي 

بعرض هذه الخطرات من خلال السورة الكريمة ومن وحيها: 

١‏ لكل أمة نشيدء ونشيدنا نحن الأمة المسلمة سورة الأنفالء فلقد تجاوزت 
هذه السورة الزمان والمكان» وصارت نشيد المسلمين قبل أية معركة 
يخوضونهاء يتلوها الجيش المسلم كله بصوت واحد. يجار فيها بالدعاء إلى 
الل أن ينزل نصره المؤزر كما أنزل في بدر» وتعلن كتائب الإيمان قبل 
خوضها المعركة براءتها من حوها وقوتها وضعفها وعجزها وإيوائها إلى 
الركن الشديد إلى الله رب العالمين «فاواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من 
الطيبات لعلكم تشكرون). 

۲ - لقد افتتحت السورة الكريمة بعتاب لصفوة الله من خلقه. لخير أهل 
الأرض » للذين قال الله تعالى فيهم :اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم 4 
وبلغ العتاب من الشدة والعنف ما جعلهم يخافون على إيمانهم . 

«يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا 
ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمئين. إنما المؤمنون الذين إذا 
ذكر الله وجلت قلويهم وإذا تليت عليهم آياته زادهم إيمانا وعلى ربهم 
يتوكلون. الذين يقيمون الصلاة وما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون 
حقا هم درجات عند رہم ومغفرة ورزق كريم». 


. في ظلال القران مقتطفات من ص 184- ۷۹4. ط دار إحياء التراث العربي‎ )١( 


f 


 "#‏ وبعد أن يرتفع بقلوبهم الوجلة ‏ ويجردهم من ذواءهم وأشخاصهم» يعود 
بهم بعد هذا التطواف العنيف ليقول لحم في آخخر السورة. إنكم أنتم 
المؤمنون حقاء وبالذات . 
«والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين أووا ونصروا 
أولئك هم المؤمنون حقا لهم مخفرة ورزق كريم). 

الملائكة عاجزة عن نحقيق النصر. وهى مفتقرة إل معية الله سبحائه » 
والذي حقى النصر› هو رب العالمين وسحدة . 


«إذ تستغيئون ربكم فاستجاب لكم إني ممدكم بألف من الملائكة 
مردفين. وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم» وما النصر إلا 
من عند الله إن الله عزيز حكيم». 

«إذ يوحي ربك إلى الملائكة إني معكم. . » فالملائكة تحتاج إلى 


ھ _الله تعالى هو الذي يدير المعركة جنه من البشر والملائكة ضد المحادين 

لله ورسوله. 

«إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا. سألقي 
في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق» واضربوا منهم كل 
بنان# . 

5 كانت المعالجة من الضخامة على قدر ضخامة النصرء وإلا لاستخفهم 
النصر حين طاروا فيه فكما قال الأنصاري سلمة بن سلامة رضي الله 
عنه حن رأى المسلمين الذين ١‏ يشهدوا المعركة مبنؤون الظافرين: 

ما الذي تبنؤوننا به؟ فوالله إن لقينا إلا عجائز صلعاً كالبدن. 


فتبسم رسول الله يل ثم قال: يا ابن أخخي أولئك الملا . 


ا۳ 


هذا بيان للناس 


١‏ -اهتداؤنا بالبيان يعني أننا مؤمنون. طهذا بيان للناس وهدى 
وموعظة للمتقين». 

؟ المۇمنون هم الأعلون. وتلك أولى فقرات البيان: #ولا تهنوا ولا 
تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) . 

۴لا عبرة بالخسائر المادية : #إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح 
مثله وتلك الأيام نداوها بين الناس. .4 . 

؛ ‏ المحنة ضرورة» لاذا؟ . أ #وليعلم الله الذين أمنوا» . ب - #ويتخذ 
منكم شهداء# . حى «والله لا يحب الظالمين©. فلو أحبهم الله لاتخذ منهم 
شهداء. إنها محنة الحب للمؤمنين الصادقين. د -طليمحص الله الذين امنوا» . 
ها #ويمحق الكافرين# . فلا بد أن يتميز المحبون المخلصون من الأدعياءء 
وشتان شتان؛ بين التمحيص وبين المحق والإبادة. 

هلا جنة بلا جهاد: «أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولا يعلم الله 
الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين € . 

5 بين الحقيقة والادعاء: «ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه 
فقد رأيتموه وأنتم تنظرون # . 

۷ الارتباط بالرسالة لا بشخص الرسول: #وما محمد إلا رسول 
قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم: ومن ينقلب 
على عقبيه فلن يضر الله شيئا» وسيجزي الله الشاكرين) . 

۸ النصر ثواب الدنياء والمغفرة ثواب الاخرة: «وما كان لنفس أن 
تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاء ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منهاء ومن يرد 
ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين) . 

4 الرباني لا يعرف الوهن والضعف: «وكأين من نبي قاتل معه ربيون 
كثير فا وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانواء والله يحب 
الصابرين . 


TY 


٠‏ -غاية الرباني المغفرة فالثبات فالنصر: «وما كان قوهم إلا أن قالوا 
ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في أمرنا وثبت أقدامناء وانصرنا على القسوم 
الكافرين. فاتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة» والله يحب المحسنين» . 

١‏ الخسارة بطاعة الكافرين: «يا أبها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين 
كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين#. 

۲ الله خير الناصرين» وخر من كل أهل الأرض #بل الله مولاكم » 
وهو خير الناصرين ‏ . 

١‏ - الرعب من الله يلقى على الكافرين: «سنلقي في قلوب الذين 
كفروا الرعب با أشركوا بال ما لم ينزل به سلطاناً ومأواهم النار. وئس 
مثوى الظالمين ¢ . 

4 النصر تم: «ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسوهم بإذنه. .4 . 

6 أسباب فقدان النصر: الفشل والتنازع في الأمر وحب الدنيا: 
حت إذا فشلتم وتنازعتم في الاس وعصيتم من بعد ما أراكم ما حبون منكم 
من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة. . *. 

5 _الابتلاء عفو وفضل : ثم صرفكم غم ليبتليكم › ولقد عفا 
عدكم والله ذو فضل على المؤمنين # ولولا عفو الله لانتهى المسلمون. ولأبيدوا . 
لكن عين الله ترعاهم حتى ف الابتلاء والعقوبة . فالمۇمن يفشل › والمؤمن 
يعصي » والمؤمن يحب الدنياء فإن عوقب فيها فذلك فضل من الله كبير. 

٠‏ -لا حزن على عقوبة الخطيئة : «إذ تصعدون ولا تلوون على أحدء 
والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غم| بغم لكي لا تحزنوا على ما فاتكم 
ولا ما أصابكم والله خبير با تعملون#. 


۸ - الصامدون كوفئوا بالأمن النفسي : «ثم أنزل عليكم من بعد الغم 
أمنة نعاساً يغشى طائفة منكم .  .‏ ثم فزعوا من نومهم وكأنهم لم يصبهم من 
قبل نكبة. 


rr 


4 المؤمن الضعيف يتزلزل: #وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله 
غير الحق ظن الجاهلية؛ يقولون: هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله 
للهء يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون: لو كان لنا من الأمر شيء 
ما قتلنا ها هناء قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى 

٠‏ المعركة تكشف مستويات الإيمان #... وليبتلي الله ما في 
صدورکم » وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور». 

١‏ الخطيئة تورث الفرار: #إن الذين تولوا منكم يوم التفى 
الجمعان إنما استزهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله 
غفور حليم . فلقد كان التولي نتيجة استدراج من الشيطان. ونتيجة خطأ أو 
معصية أورثت وهنا في القلب» وضعفاً في الإيمان. أدى إلى التولي يوم 
الزحف» ومن فضل الله عليهم أنه عفا عنهم. وكفاهم من العقوبة الجزع 
النفسي والندم الداخلي العميق . 

57 الأخوة بين الكافرين والمنافقين: يا أا الذين آمنوا لا تكونوا 
كالذين كفروا وقالوا لإحواهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا 
عندنا ما ماتوا وما فتلوا. ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيى ويميت. 
والله بما تعملون بصير € . فالحسرة تأكل قلب المنافق من الخوف. وتأكل قلبه 
جزعاً من الموت» ويثاقل إلى الحياة» بل ميم في حبهاء وترتعد فرائصه من 
اموت . 

۳ - المغفرة ولقاء الله : «ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله 
ورحمة خير مما يجمعون. ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون# . وشتان ما بين 
من يرى الموت حسرة على ملذاته» وحرقاً لفؤاده على شهواته» وبين من يراه 
زغرودة النصر وربيع الأماني بالمغفرة والرحمة ولقاء الله من المؤمنين) . 

٤4‏ -حدود الرسالة: رحمة ولين» عفو واستغفار وشورى» عزيمة 
وتوكل : #فبا رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظأ غليظ القلب لانفضوا من 
حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على 

t4 


الله إن الله يحب المتوكلين#. وكا يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله: (ثم 
يجبىء الأمر الإهي بالشورى بعد المعركة كذلك تثبيتاً للمبدأ في مواجهة 
نتائجه المريرة - إن الإسلام لا يؤجل مزاولة المبدأ حتى تستعد الأمة لمزاولته 
وإن الأخطاء في مزاولته مها بلغت من الجسامة لا تبرر إلغاءه. . كا أن 
المزاولة العملية للمبادىء تتجلى في تصرف الرسول ية عندما رفض أن يعود 
إلى الشورى بعد العزم» واعتبار هذا تردداً وأرجحة وذلك صيانة لمبدأً 
الشورى» ومن أن يصبح المؤمنون وسيلة للأرجحة أو الشلل الحركي). 

لا نصر إلا من الله: إن ينصركم الله فلا غالب لكم. وإن 
يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون4 . ونحن 
أمام شيئين: إما أن نكون كافرين فنبحث عن غير الله وإما أن نكون 
مؤمنين. فيجب أن نعتقد اعتقاداً جازماً أن الذي ينصر هو اللهء وأن الذي 
يخذل هو الله ولا قبل لأحد بحرب الله ولا طاقة. 

_ #وما كان لنبى أن يغل»: فالقائد لا بد أن يكون القدوة لجندهء 
فكيف إذا كان نبي القائد الذي يتعب ليستريح جنده» ويفتقر ليغنواء ويحرم 
نفسه ليعطيهمء ويجهد ليسعدوا فيا يمكن للرسول القدوة أن يغل. إنما يكن 
للملأء للقادة المترفين» لطغاة الأرض ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم 
توفي كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون». 

7 - نعم ليسوا سواء: «أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من 
الله ومأواه جهنم ويس المصير هم درجات عند الله والله بصير با يعملون#. 

8 من الظلمات إلى النور: #لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم 
رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن 
كانوا من قبل لفي ضلال مبين). إنها منة الرسالة من الله تعالى لخلقه. وكم 
الفرق شاسعء وكم النقلة بعيدة بين الضياع في التيه والانبثاق من القران). 

4 -عودة إلى المعركة. فلماذا المصيبة؟ لاذا الانتكاسة؟. إنها من 
النفس» إنها من الأعماق, إن الضعف في الداخل. ليس من السلاح» وليس 


fo 


من تكالب الأعداء. إنها من النفس» #أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها 
قلتم : أ هذا؟ قل هو من عند أنفسكم | إن الله على كل شيء قدير». 

٠‏ المصيبة للتميز والتطهير: إنها بإذن الله. وعلمه وإرادته» لا بد من 
تميز الصف لا بد من كشف المؤمن من النافق» لا بد من تطهير الصف 
الداخلي» لا بد من صدق التعاقد مع الله . هوما أصابكم يوم التقى الجمعان 
فبإذن الله وليعلم المؤمنين» وليعلم الذين نافقوا وقيل لحم تعالوا قاتلوا في 
سبيل الله أو ادفعوا قالوا: لو نعلم قتالا لاتبعناكم. هم للكفر يومئذ أقرب 
منهم للإيمان. يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم با يكتمون. 
الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا: لو أطاعونا ما قتلوا: قل فادرأوا عن أنفسكم 
اموت إن كنتم صادقين) . 

كيف يمكن أن يكون هؤلاء المتخاذلون الخائرون المنافقون مثل من 
قدّموا دمهم وحياتهم ولحمهم دون رسول الله» ولو تم النصر وانتهت المعركة 
في الجولة الأولى لبقي كثير من النوعيات الخائرة المتخاذلة التي همت أن تفشل 
في جانب الادعاء والتبجح . 

١-أما‏ مقام الشهداء فياله من مقام: (لقي رسول الله كل 
جابر بن عبد الله فقال: يا جابر ألا أحدئك عن أبيك؟ قلت: بلى يا 
رسول الله. قال: إن الله لم يكلم أحداً شفاهاً وكلم أباك فقال: تمن 
يا عبدي. فقال: يارب أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا فأقتل ثانية في سبيلك. 
فقال الله له: أما هذه فقد سبق القول مني أنهم إليها لا يرجعون. تن غير 
ذلك. فقال: يارب أخبر إذن إحواننا الذين في الدنيا أننا أحياء في الجحنة 
تأكل ونتنعم حتى لا ينكلوا عن الجهاد'», ولا يتحلفوا عن رسول الله. 
فأنزل الله عز وجل : 
ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون. 
فرحين بما آتاهم الله من فضله» ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم 


.505 / أورده الإمام أحمد غتصراء الفتح الرباني ج۲۲‎ )١( 


4۳٦ 


ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون؛ يستبشرون بنعمة من الله وفضل» وأن الله 
ليه يضيع أجر المؤمنين )00‏ . 

تحدي الطاغوت: وبالرغم من الجراحات التي اثقلت جند الله 
كان الجيش يخرج مع إطلالة الفجر للاحقة المشركين ومطاردتهم . نستمع إلى 
مشاعر الجيش والامه على لسان أحد جنوده الذي يقول: شهدت أحدا مع 
رسول ككل أنا وأخ لي. فرجعنا جريجين. فلا أذن مؤذن رسول الله كيه 
بالخروج في طلب العدو. قلت لأخي : أتفوتنا غزوة مع رسول الله يكِه؟ والله 
ما لنا من دابة نركبها. وما منا إلا جريح ثقيل. فخرجنا مع رسول الله كك 
وكنت أيسر جرحاً. فكان أخي إذا غلب حملته عقبة» ومشى عقبة حتى انتهينا 
إلى ما انتهى له المسلمون). أما بيان الله تعالى عن الحملة فكان: «الذين 
استجابوا لله والرسول من بعدما أصابهم القرح» للذين أحسنوا منهم واتقوا 


أجر عظيم» . 


مم _ حسبنا الله ونعم الوكيل: أبو سفيان تحتقن روحه في حلقه يوم 
عاد مع جيشه دون أن يستأصل شافة المسلمين» وقلبه يخفق رعباً من أن 
يلحق به جيش محمد. فحاول تحقيق نصر مزعوم بأن قال لوفد بني عبد 
القيس: (إذا وافيتموه ‏ أي رسول الله فأخبروه أنا قد أجمعنا السير إليه وإلى 
أصحابه لنستاصل بقيتهم) . فجاءت شهادة الله تعالى بجنده المؤمنين: «والذين 
قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناء وقالوا 
حسبنا الله وعم الوكيل. فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء. 
واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيمء إثما ذلكم الشيطان مخوف أولياءه. 
فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين». 

٤‏ _ الفئة المسلمة صفوة الله من خلقه: وقد تكون مثخنة بالجراح» 
وقد تكون عبقة بالالام وقد تكون مثقلة بالتضحيات» ولكنها تبقى صفوة 


(3 آل عمران / ۱٦۹‏ ۱۷۷. 
(؟) السيرة الثبوية لابن هشام ج۳ ص ٤٤‏ . ط دار الجبل. 


TY 


الله من خلقه ولو تبجح الكفر وتمردء فهذه في ميزان الله خواء. فالمواساة إذن 
من الله يوم تطبق الأرض على المؤمنين فيقول الله تعالى لنبيه الكريم : «ولا 
يخرنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيغاء يريد الله ألا 
يجعل هم حظاً في الأخرة وهم عذاب عظيم» إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان 
لن يضروا الله شيئاً وهم عذاب أليم . ولا يحسبن الذين كفروا آما غلي هم 
خير لأنفسهم إنما غي هم ليزدادوا 5 وهم عذاب مهين#. 

ه” ‏ ليميز الخبيث من الطيب. هذه سنة الله تعالى مع جنده المؤمنين» 
وهذه خلاصة المحنة وهذه زبدة الدرس التربوي الخالد المستمر على مر 
العصور. 

«وما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى ييز الخبيث من 
الطيب. وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يحتبي من رسله من 
يشا . فامئوا بالله ورسله وان تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم»#. وما كانت 

محنة أحد إلا تطبيقاً عملياً هذا الدرس ولهذه السنةء السنة الثابتة المستمرة 
على مر العصور ابتدات قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض 
فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين# . وانتهت: هما كان الله ليذر المؤسين على 
ما أنتم عليه حتى ييز الخبيث من الطيب» وما كان الله ليطلعكم على 
الغيب“) , 


مع سورة بني النضير 
كان لهذه السورة صدى طيب عظيم في نفوس المسلمين» فهي أول 
نصر تحقق بعد المحن المتتابعة: أحد والرجيع وبثر معونة. والغيظ من اليهود 
وقد بلغ ذروته حيث أنهم أظهروا الشماتة للمسلمين بعد محنتهم. وأظهروا 
العداوة» وحاولوا اغتيال الرسول يل . فكانت شفاء للصدور المؤمنةء وبلسا 
للجراح الراعفة» وفضيحة للمنافقين المتواطثين مع اليهودء وذلك في معالم 


واضحة : 


. ٠۷۹ الآيات التي نزلت في غزوة أحد من سورة آل عمران من ۱۳۷ إلى‎ )١( 


۳۸ 


١‏ الله تعالى أخرج اليهود من حصونهم: - فلم يكن يتصور المؤمنون 
نهم قادرون على إخراجهم وإذا بالنصرالمؤزر يتحقق بأن البيوت ترب بأيدي 
المؤمنين» وبأيدي اليهود أنفسهم. وهذه سنة الله تعالى في دحر المشاقين 
والمصادين له. طإوهو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم 
لأول الحشر ما ظئنتم أن خرجواء وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله 
فأتاهم الله من حيث لم يحتسبواء وقذف في قلويهم الرعب بخربون بيوتهم 
بأيديهم وأيدي المؤمنينء فاعتبروا يا أولي الأبصار”“) . 

۲ - واستغل اليهود حادثة قطع نخيلهم » وراحوا يتحدئون عن الفساد 
فيه ومحمد ينبي عن الفساد. وكاد الأمر يلبّس على بعض المؤمنين. فنفى 
الله تعالى الحرج عنهم. ثم أكد لهم بعد ذلك أن النصر الذي تحقق لم يتحقق 
بجهد المؤمنين» إنما تحقق بقذف الرعب في قلوب الكافرين. ومن أجل هذا 
كان الفيء كله لرسول الله ي مع ربط هذه الأمور جميعاً بالعبودية لله 
وطاعة رسوله «. . . وما أتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله 
إن الله شديد العقاب9')# . 


۳ ولئن حرم المؤمنون الفيء: فلم يحرموا الثناء من رب العبادء 
المهاجرون والأنصار والتابعون لهم بإحسان إلى يوم القيامة» إنما بقي الفيء 
للفقراء المؤمنين. ولعل هذه الصورة تعطينا الحكمة من هذا الثناء على هذا 
اليل الفريد: 

لا غنم رسول الله ييه بني النضير بعث ثابت بن قيس فدعا الأنصار 
كلها الأوس والخزرج ‏ فحمد الله وأثنى عليه وذكر الأنصار وما صنعوا 
بالمهاجرين» وإنزا لمم إياهم في منازهم» وأثرتهم على أنفسهم. ثم قال: 
إن أحببتم قسمت بينكم وبين المهاجرين ما أفاء الله علي من بني النضير؛ وكان 
المهاجرون على ماهم عليه من السكنى في مساكنكم وأموالكم. وإن أحببتم 
أعطيتهم وخرجوا من دياركم. فقال سعد بن عبادة وسعد بن معاذ: يارسول 


(1)الحشر /؟. 
)۲( الحشر من الآية ۷. 


عرق 


الله بل نقسمه للمهاجرين ويكونون في دورنا كما كانوا. ونادته الأنصار: 
رضينا وسلمنا يا رسول الله . فقال رسول الله ل : اللهم ارحم الأنصار وأبناء 
الأنصارء وقسم ما أفاء الله عليه على المهاجرين دون الأنصار إلا رجلين كانا 
محتاجين سهل بن حنيف» وأبو دجانة سماك بن خرشة» وأعطى سعد بن 
معاذ سيف ابن أبي الحقيق وكان سيفاً له ذكر"». ش 

٤٠‏ ثم كانت فضيحة المنافقين» وكشف خيانتهم وتواطئهم مع بني 
النضير على حرب المسلمين» وكشف جبنم وغدرهم, إنهم أحقر من أن 
يواحهوا المسلمين وجها لوجه» وإن اليهود مثل المنافقين لا يقابلون المسلمين 
إلا وهم خلف حصونهم #بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعاً وقلومهم شتى ذلك 
بأهم قوم لايعقلون 206 , 

ثم تاي الفقرة الأخيرة من السورة عقيدة خالصة. وتسبيحاً وتنزيهاً 
لله تعالى رب السموات والأرض» مع تذكير المؤمنين بحسن الإابانة» ودعوة 
المنافقين إلى التوبة. إا آيات تبني عقيدة وتصوراًء كا تبني نفوساً صادقة 
ممحضة الولاء لله . ١‏ 


مع آيات الأحزاب في سورة الأحزاب 


١-لثن‏ كانت المعركة قد استمر الحصار فيها للمسلمين بضعاً وعشربن 
ليلة. فشتان ما بين الحصارين لقد انتهى حصار اليهود باستسلامهم وجلائهم 
أذلاء صاغرين عن المديلة . محلفين وراءهم بيوتهم وأرضهم غنيمة للمؤمنين. 
بيدا انتهى حصار قريش وغطفان لرسول الله ية وللمؤمنين بالفشل الذريع 
لقريش وغطفان. ولخص القرآن الكريم المعركة كلها بآية واحدة: «يا أيها 
الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسانا عليهم ريحاً 
وجنودا ١‏ تروها وكان الله بما تعملون بصيرا# . 


)١(‏ امتاع الأسماع: ج۱ / 15م147-1. 
(۲) 'لآيات من سورة الأحزاب من الآية ٩‏ للآية ۲١‏ . 


لقف 


؟ ومع ذكر النعمة فلا بد من استعادة ذلك الجو الصعب» والظرف 
الدقيق» والحظر للداهم الذي نزل بالمسلمين. وكيف وصلوا إلى حالة قريبة 
من اليأس «إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار 
وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنوناء هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا 
زلزالا شدیدا) . 


- ثم التميز المطلرب بعد کل حلة» وفضيحة النافقن وحصرهم › 
وفرارهم من المعركة بحجة #إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا 
فرارا» . 


٤‏ - ثم الثناء العطر على المؤمنين بثباتهم على الح وإخخلاصهم لله. من 
المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه» ومنهم من 
ينتظر وما بدلوا تبديلا» . 


ه-ثم فضل الله تعالى على المؤمنين» من مرحلة طإذ جاؤوكم 
من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر 
وتظنون بالله الظنوناء هنالك ابتلي المثننون وزلزلوا زلزالا شديداً» 
أقول من هذه المرحلة إلى مرحلة: لورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا 
خيرأء كفى الله المؤمنين القتال» وكان الله قوياً عزيزاً وأنزل الذين ظاهروهم 
من أهل الكتاب من ا وقذف ف قلوبهم الرعب فريقاً تفتلون 
وتأسرون فريقاًء وأورئكم أرضهم وديارهم وأمواهم› وأرضاً لم تطعوها وكان 
الله على كل شيء ديرا“ . 


لقد كانت آيات سورة الأحزاب. تشيع الجو النفسي الحديد. بارتفاع 
المحنة» وكشف الغمة, > وتضع معام 0 القادمة من النصر المؤزر الذي 
افتتح بالقضاء على بود بني قريظة قضاء تاماًء وورائة أرضهم وديارهم 
وأموالهم , وشتان ما بين حصار وحصار. حصار بني قريظة الذي انتهى (فريقاً 
تقتلون وتاسرون, فريقأ) وحصار المؤمنين الذي انتهى , «ورد الله الذين كفروا 
بغيظهم م ينالوا خيرأً» وكفى الله المؤمنين القتال. . ) 


ا4 


الإسلام في الأرض. وانسياح هذا الدين في الوجود: «الآن نغزوهم ولا 
يغزونا». 

وما أحوجنا إلى فقه سمات كل مرحلة لنكون على بنية منهاء ونحن 
بشقى طريقنا الحديد لإقامة دولة الإسلام ف الأرض» ونعرف موطن القدوة 
والأسوة. وتتمثل ألسمات نفسها لكل مرحلة. دون أن نعسف الطريق› 
ونتعجل الخطى » فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى . 

وإلى معام المرحلة الحديدة وسماتها. ف الحزء القادم إن شاء اللهء وخر 
دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. 


{EY 


الموضوع الصفحة 
الجزء الأول ا ا 0 إن 
بين يدي البحث Vs‏ 
ماذا نعلي بالمنبج الحركي srs‏ ل ا NO‏ 
المرحلة الأولى: سرية الدعوة وسرية التنظيم NV esen‏ 
١‏ -الدعوة سرا eens‏ 4 
۲ - قيام الدعوة على الااصطفاء PI reee‏ 
۴ العمل من خلال ثقافة الداعية ومركزه الاجتماعي ۲۲ 
٤‏ -الدعوة عامة E reee‏ 
ه -دور المرأة في المرحلة السرية NV ns‏ 
5 -الصلاة reese sess‏ لجا 
۷ -معرفة قريش بخبر الدعوة A Sees‏ 
8 المعايشة بين المسلمين وغيرهم e ns‏ 
٩‏ - التركيز على بناء العقيدة 0 Pe‏ 
٠‏ _ الحهر بالدعوة بعد بناء النواة الصلبة MN reuse.‏ 
المرحلة الثانية : جهرية الدعوة وسرية التنظيم لان الاسم 
١‏ -دعوة الأقربين ا N‏ 
۲ - الإعراض عن المشركين ا رق 
۳ معام الدعوة الحديدة eee‏ كك 


¢ الدعوة عامة essences‏ 
ه -سرية التنظيم ا ا ا ا ا 0 
5 -القرآن مصدر التلقي ا 
۷ -اللقاء المنظم المستمر ا ا 0 
۸ -الصلاة خفية في الشعاب فللا ءءء ما للة 
4 التركيز على الجانب الروحي ا 
٠‏ الدفاع عن النفس عند الضرورة ا 00 
١‏ تحمل الأذى والاضطهاد في سبيل الله e.‏ 
٢‏ _ السماح للضعفاء في إظهار تغيير ديهم eens‏ 
١‏ محاولة إنقاذ المستضعفين بكل الوسائل الممكنة a.‏ 
٤‏ _ الطريق الثانية للحماية عن طريق اهجرة 00 


6 البحث عن مكان أمن للدعوة وقاعدة جديدة للانطلاق 


5 الاستفادة من قوانين المجتمع المشرك (الحماية والخوار)» .. 
١١‏ المحاولات السلبية من العدو في المواجهة eens‏ 
۸ _المحاولات الانجابية 5 الخرب 0 
4 _الجهرية الثانية » إسلام حمرة؛ إسلام عمر 0 
٠‏ _إعلان التحدي ودور الشخصيات القيادية فيه 0 


١‏ _ملاحقة العدو لتجمعات المسلمين واحباط 


المسلمين لهذه الملاحقة nnn‏ 0 
7 - عبقرية الوفد الإسلامي في حوار الملوك e.‏ 
7 _ لا مساومة على العقيدة ا 0 
4 إثارة الحرب في صف حلفاء المسلمين ا 
٠‏ _ المفاوضات المباشرة بين رسول الله ي وقريش r...‏ 
5 - تحييد بعض الشخصيات والبطون 0 
۷ - التجمع القبلي لحماية القيادة ع ع ار 


۸ - الحصار الاقتصادي والمقاطعة العامة 


لتحطيم الدعوة وحلفائها 0 
4 _ التفجرات الجاهلية تحطم الحصار والمقاطعة n.‏ 


13: 


۰ - دور المرأة ف هذه المرحلة جهاداً ودعوة وسرية 


"١‏ - المقاومة السلمية ا 
9" الاستفادة من العناصر المشتركة بين الاسلام 
والعقائد الأخحرى ل 0 


۳ عدم التنازل عن جزثية واحدة من أجل الحماية 


المرحلة الثالئة : مرحلة قيام الدولة 0 


- طلب الإجارة من العدو في مكة اللاي 


١‏ -طلب الاعة خارج مكة 

۲ 

* _طلب المنعة والحماية لتبليغ الدعوة من القبائل 
٤‏ 

0 


- فشل المساومات ا 0 
- توجيه الأنظار لمركز الانطلاق 0 
5 -البيعة الأولى وقيمها الجديدة اا 
۷ -الإذن بالقتال cenan‏ 
۸ -التهيئة لمباحئات قيام الدولة 0 
4 -البيان السياسي (البيعة) 0 
٠‏ - توثيق البيان وإقراره . , ع ]0 
١‏ - تشكيل الحكومة الإسلامية بالانتخاب بنيلء 
القيادة تحدد المعركة ع ع ع 0 
۳ - القيادة تحدد ميلاد الدولة الإسلامية 0 
٤‏ - ابتداء الحرد » الإعلامية بين الدولتين الا 
6 اختيار الأرض وسرية التجمع فيها والهجرة إليها 
- اجتماع انه.دو للقضاء على القيادة نعلي 
۷ - عبقرية التختليط البشري في الهجرة لمعيه 
- قاعدة جديدة تنضم إلى الإسلام ملم ةلله 
8 أول إعلان رسحي لشعائر العبادة ممم ةلله 
- نجاح الخطة ووصول القائد الأعلى 
إلى مركز القيادة ns‏ 


a a ®‏ وعدم 


anu RH ٠ RQ ¢ 


Coen 


SS ®‏ ها هاه هد م 


هه ها هاه وهاه 


لوا م ماع ره 


م م6 م 6ام ٠‏ 


وم اماع و مم 


$4 »® ع وا وو 


الجزء الثاني : 


المرحلة الأو لى : مرحلة تأسيس الدولة وتنتهي بغزوة الخندق eens‏ 


سا چ چ اعم نج لها جح لج ضط 


(مواصفات المرحلة الأولى) 


الهدنة مع الأعداء ما عدا قريشاً وحلفاءها 0 
بئاء القاعدة الصلية 0 
اعلان إسلامية الدولة ens‏ 
لا خيار من المعركة 0 
التجمع الوثني في المدينة 0 
- تفتيت التجمع بالنزعة الوطنية والعشائرية 0 
- محاولة تفتيت الصف الإسلامي 0 
العدو يتنكر لقيمه من أجل مصلحته ns.‏ 
الخطر على القيادة erer rnnns‏ 


e. -حالة الحرب» وتجمع القوى كلها ضد المسلمين‎ ٠ 
0 -اعلان الحرب على العدو‎ ١ 
0 التميز الإسلامي قبيل المواجهة‎ ١ 
eens المواجهة الحاسمة في بدر والفرقان فيها‎ ١ 
معسكر المنافقين بروزه وخطره وتحجيمه بل ةم ممم لله‎ ١8 
0 الوجود اليهودي في المدينة واغهاؤه‎ © 


ecer rasan ليل المحنة الطويل وخطره‎ - ۱٦ 
تباشير النصر في قلب المحئة ا‎ 


۸ - عمليات الاغتيال وأثرها في بث الرعب في صفوف العدو . 
8 الحرب الاعلامية ودورها في المعركة ا 


٠‏ -ازدياد العدد والعدة 


o o‏ وهاه GS HR RS DS‏ مه قاع قاه ناماه رام 


0 الجهد البشري في البذل‎ ١ 
0 -دور النساء 5 المعارك ومشاركتهن فيها‎ ۲ 


۳ _ عبقرية التخطيط القيادي 


ens النصر اللي في قلب المحن‎ - ٤ 


٥‏ - التربية الإلهية للنفوس عقب المعارك 


٤٦ 


رقم الإيداع بدار الكتاب : ۱۹۸۰ / ۲۸۹۷ 


سر ا مون 
ا 8 3-8 ابه لعز 
#تسدا بك ایا چ عا ا د 


التسمالئاك 


كافة حقوق الطبع محفوظة 


مكزيك امزال شارع انارو بجاب جّمعية الركزالإسد ع 


الاردسة -التزرقاء مت ۸۳۹۵۹ ۔ صنانبب ا ۸46 


منز لبان 


هد ص 8 
١|‏ مس Cl‏ 7 ا اہ 
22 «( ے2 بی نی صم مھ 7 1 0 


التسوالثالك 


مكايا المزار 


0 SSS ت‎ 


4 


YDS 


هيد 
المرجلة الناسة ؛ المجهلاد السسيامي واننصارالريالة 


الخط العام الذي ينتظم هذه المرحلة هو الخط السياسي . لكن ضمن إطار القوة المكافثة . 
فتعاظم قوة المسلمين» وتحوهم إلى شوكة مرهوبة الجانب أتاح لقائد الدعوة محمد ية الفرصة 
لعرض أفكاره» وهيا النفوس للاستماع ها إذ أن الناس قلما يصغون الى غير القوي . وكا نشهد 
اليوم الحرب الدعائية بين الدولتين القويتين في العالم إذ تتقاسمان مناطق النفوذ. وأن هذه الدول 
قلا تضطر لاستعمال قوتها العسكرية إلا تحت ضغط الظروف الطارئة . نجد تلك الصورة في ذلك 
الوقت. 

صحيح أن غزوة الخندق لم تحقق نصراً قوياً للمسلمين. لكنبا أكدت في الوقت ذاته أن 
المسلمين قوة لا تقهر. وفشل أضخم هجوم عرب على المديئة . يعني أن الكفة بدأت بالرجحان 
لصالح المسلمين. وجعل هذا الأمر عند المشركين يأساً قاتلا من إمكانية الانتصار على محمد 
صلوات الله وسلامه عليه . 


وكان رسول الله هة حريصاً كل الحرص على أن يعمق هذا المعنى في صفوف المشركين . 
فراح يطاردهم في أعماق أرضهم. وهوينفذ القول الذي أعلنه : 


«الآن نغزوهم ولا يغزونا» 
وستعرض للسمات المحددة هذه المرحلة بالتفصيل: 


السسمة الأول «الخدي المعنوي للمشركين 


ولعل عرض المقريري لغزوة بني يان يوضح هذه السمة حيث كانت غزوة تحمل طابع 
حرب الأعصاب أكثر بما تحمل طابع الحرب النظامية. . فلقد كانت قوة المسلمين فيها لا تعدو 
مائتي رجل معهم عشرون فارساً . وكانت المهمة بث الرعب في صفوف العدو, والثار لأصحاب 
الرجيع . خبيب وأصحابه الذين غدر مهم بنو لحيان وقتلوهم , وكان هذا الأمر قبل سنتين من هذا 
ا موعد . : 
أما المدف الأول فقد تحقق حين فر بنو لحيان وتمنعوا في رؤوس الجبال ولم يجرؤوا على 
المواجهة ولكن لهذا الهدف امادا أبعد وأعمق . 


ك 


يقول عليه الصلا والسلام : «لوأنا هبطنا عسفان لرأى أهل مكة أنا قد جثنا مكةر(٠»»‏ وتحرك 
فوته لعسفات» وم يحتف هذا الأمر بل أقدم على خطوة أشد خطورة. 

فبعث أبا بكر رضيٍ الله عنه إلى كراع الغميم التي تبعد عن مكة أميالا عدة في عشرة فوارس . 
وكان المدف واضحاً من هذا التحدي كا تقول رواية الواقدي : 

(إن هذا يبلغ قريشاً فيذعرهم, ويخافون أن نكون نريدهم . وكان خبيب بن عدي يومئذ في 
أيديهم . فخافوا أن يكون جاء ليخلصه:). 


وإن كان ادف الثاني لم يتحقق ٠‏ من حيث الأخذ بالثار المادي من بني لحيان . لكن الخوف 
الذي لزم بني لحيان؛ جعلهم يشعرون بخطورة المسلمين في المنطقة . 

وم يكن | إختيار أبي بكر هذه الفوارس العشرة ليمضي إلى كراع الغميم) » اتحتياراً عشوائيا . 
بل كان مرتبطاً بالهدف ارتباطاً وثيقاً. فأبو بكر المهاجر إبن مكة. يعرف القاصي والداني في 
الأرض الحجازية . وليس نكرة عند أهل كراع الغميم . بل هو الصاحب الأول لمحمد رسول الله . 

ويكفي أن نذكر ان بين الخندق التي كان المسلمون فيها تحاصرون. وبين بني لحيان التي 
تحول المؤمنون فيها إلى مهاحين أقل من خسة أشهر. وهذا يعني التنفيذ العمل للكلمة الخالدة : 

«الآن نغزوهم ولا يغزونا». 

وهذه دروس عميقة للحركة الإسلامية . فالقيادة حين تعلن هدفاً أو موقفاً؛ أو تعد بعملية 
معينة . وتتلكأ في التنفيذ تفقد ثقة قواعدها اء وتزلزل طبيعة العلاقة بين طرفي الحماعة المسلمة . 
فالتجسيد العمل للكلمة هو الذي يكسب احترام العدو والصديق . 


صحيح أن هذه الغزوة لم تحمل في ثناياها أنباء انتصارات عسكرية حاسمة . لكنها أصابت 
كبد العدو» وبثت الذعر في قلبه. وغزته في عقر داره ومن جهة ثانية» رفعت معنويات اليش 
السلم» وأعادت إليه الثقة في نفسه بعد الحرب الطاحنة في غزوة الخندق , 

وانتصار المسلمين في بني فريظة. رغم رفعه المعنويات الضخمة للمسلمين. لكنه لم ينه 
عقدة التفوق القرشي عندهم, وكانت هذه الغزوة كفيلة بمحو هذه العقدة. 

ودرس أخير تحتاجه الحركة الاسلامية اليوم > هو ان رسول الله به رافق الحملة إلى عسفان» 
التي تبعد أميالاً عن مكة . وهو الحدف الأول من العدو, وكان بإمكانه عليه الصلاة والسلام أن 
يبعث في هذه الغزوة مئات بل ألوفا من أصحابه . لكنه مع ذلك اثر أن يرافق الحملة بنفسه» لرفع 
معنويات أصحابه كذلك ودفع بأعزالقادة عند إلى كراعم 


)1( السيرة لابن هشام ج :4۳ 
(۲) امتاع الأسماع ص ٠١۷‏ 


الغميم ليؤكد ضرورة الالتحام العمل بين قيادة الأمة ورعيتها. 

وفكرة ان لا تذهب دماء المسلمين هدراً فكرة إسلامية أصيلة . فتحرك رسول الله بتي الى 
بني لحيان للثأر لأصحاب الرجيع » وذلك بعد مرور سنتين على اغتيالهم والغدر بهم يعني درس ثالث 
للحركة الإسلامية. أن الثأر من الطغاة فيا يقتفرون من جرائم . هو الذي يردع هؤلاء الطغاة 

إن طبيعة الحرب لا تقبل التضحيات فقطى ولا تقبل الخسارة من جانب واحد فقط . بل لا 
بد أن يشعر الجندي المسلم بقيمته عند قيادته. وكرامة دمه عند جماعته . فهناك من يثأر له. وهناك 
من يدافع عنه» أما أن يجس الحندي المسلم انه مدفوع به للذبح والتضحية؛ وقيادته في حصن 
حصين من آلعدو» فلا يكن أن يتابع الطريق مها ارتفع المستوى الايماني عنده. 

وأخيراً فحاجة الحركة الإسلامية إلى ا هجوم على العدو بعد المحنة هي خط أصيل في طبيعة 

لقد رأينا رسول الله يِه يلاحق قريشاً بعد أحد بثلاثة أيام في حمراء الأسد وها هويصل إلى 
مشارف مكة بعد الخندق بأربعة أشعر. كي يبقى الحيش على تحفزه وتوثبه واقتناعه بقدرته الحربية 
وكفاءته القتالية كذلك , 

وحري بنا أن نفقه هذه الدروس» ونتعلم من خلاها أسباب أزمة الثقة التي تسود أحياناً 
الصف المسلم بين قيادته وقاعدته » وحين نهتدي بهداها نجد أن هذه الأزمة تذوب وتتلاشى مئل 
هذا الالتحام وهذه التضحيات . 


السمة الثابية : حمّد يشا لاروائاك 


واخخترت هذا العنوان» على طبيعته » لأصل بهذا المصطلح الخاص إلى النص العام الذي لا 
بد أن يشعر به أبناء الصف المسلم وخطورة أخذهم بالاشاعة دون تثبت وكيف أن الاشاعة كفيلة 
بتحطيم هذا الصف كله. 

إنه وإن تجسد باتهام الصديقة بنت الصديق عائشة رضي الله عنها. لكنه صورة قد تتكرر 
في كل جيل وتضع النيل هن القيادة هدفا رئيسيا لا بد من تحطيمه» وحين تعجز القوة المادية عن 
النيل من القيادة فليس أمام العدو إلا الحرب المعنوية على هذه القيادة وتحطيمها من خلال هذه 
الحرب ولذلك لن نتناول حادثة الإفك كحدث تاريخي بتفصيلانه ودروسه . ولكننا سنتناوله من 
خلال حرب الإشاعة التي يبثها العدو المنيث في الصف ضد القيادة . 


5 _ 


وأهم .ما في هذا الحدث هو أن مصدر الفرية على ما يبدو هم المنافقون تحت راية زعيمهم 
.عبدالله بن أي» وحين يتحصن الصف من الفرية . وتبقى في صفوف المنافقين فلا حطر منهم ولا 
هم لكن عندما تنتقل الى داخل الصف المسلم فتسري فيه سريان النار في الهشيم عندئذ يبدو 
خطرهم الكبير. 

والنص القراني حين تحدث عن هذه الحادثة . كان يخاطب الصف المسلم أكثر ما يخاطب 
صف المنافقين. ويحمل على المؤمنين الصادقين الذين تأثروا بهذه الفرية. واستجابوا للحديث في 
الظنة دون بينة والنقاط المحددة التي نعرض لما في هذا الحديث المؤتفك هي ما يلي : 
أولا : البعد عن مظان التهمة واجب أساسي على الصف المسلم » وعليه أن يعلم ‏ وخاصة القيادة 

_ أنه هدف لأنظار العدو والصديق » فيتجنب ما استطاع البعد عن موطن الريبة. 


8 


ثانيا: عدم الأخذ بالإشاعة كا يقول القران الكريم : 
ولولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء . فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبوذرى» 
وأي خبر غير موثق بالنسية به للفرد المسلم هو مرفوض عندة. وليعلم هذا الاخ أن روايه 
الإشاعة: وتناقل الخبر غير اموق تحيله إلى أخ كاذب. . وهذا حكم القرآن في أمثال 


هؤلاء . هم الكاذبون عند الله ولو لم يفتر الكذب . لو کان نقله صدقا محصداً عمن سمح 
مله فهو عند الله تعالى من الكاذبين . 


الثاً: ليبق الميزان الحساس في الحكم على الاشاعة هو الميزان الذاتي. فلا بد من ثقة الأخ بإخوانه 
ثقته بنفسه» وقد أقر القران الكريم هذا الميزان وأثنى عليه وذلك بمناسبة الحديث الذي 
جرى بين أبي أيوب الأنصاري وزوجة أم أيوب رضي الله عن إذ قالت لزوجها: رأ 
تسمع ما يقول الناس في عائشة ئشة؟ قال : نعم وذلك الكذب. أكنت فاعلة ذلك يا أم أيرب 
قالت : لا والله ما كنت لأفعله . فقال: فعائشة والله حبر منك000 ونتمنى لكل أخ وهو يثير: 
الإشاعة بحق أخيه أو قيادته أن بحسب على أقل تقدير أن أخاه أو مسؤوله ليس أقل حرصاً 
على دينه منه» ولیس أقل ديئاً وورعاً منه . ولو نفذ هذا الميزان الذاتي. لاخهارت الإشاعة 
وإمار الافك من جذوره. 


رابعا : أن لا يتدخل الهوى إطلاقا في قضية النقل للإشاعة والمساهمة فيها وصورتان متنافرتان 
لاتباع الهوى في الافك » وللتبرؤمنه والصورتان هما لأختين مسلمتين شقيقتين الأول : هي 
زينب بنت جحش رضي الله عنها والثانية: لأختهاحمنة 

)١١( النور الآية‎ )١( 

(۲) السيرة لابن هشام ج ۳: ص ٠٠١‏ 


بنت جحش فقد أورد المقريزي عن زينب هذا الحوار بينها وبين رسول الله يل : قالت: 

(حاشى سمعي وبصري» ما علمت عليها إلا خيرا. والله ما أكلمها وإني لمهاجرتبها وما 

كنت أقول إلا الحق )0 . 

وأن تستطيع ضرة ان تكتم هواها فلا تمضي ني الإشاعة يدل على المستوى العظيم الذي 
بلغته هذه المرأة المسلمة والأفق العالي الذي ارتقت عليه . وهذا ما دعا عائشة رضي الله عنها أن 
تبرىء ساحة زينب من ولوغها في هذه الفرية. 

تقول رضي الله عنبها »( ماکان أحد يساميني عند رسول الله ی إلا زينب بنت جحش) فقد 
مح في لولمه اصح من مع فة بع عائشة رضي الله عذواء > لكنها مع ذلك لم تجد 


اما زينب فقد عصمها له بديتا فلم تقل شيئاً) . 
أما الموقف الثاني فهو موقف أختها حمنة . الي لي انطلقت في الإشاعة تنقلها من بيت إلى 
بیت » ولا شيء يقف في وجههاء وذلك ثأراً لأختها زينب . 
( أما أختها حمنة فأشاعت من ذلك ما أشاعت تضادني لأختها فهلكت ). 
ولا نتمالك من الإعجاب العظيم بعائشة رضي الله عنهاء إذ استطاعت أن تفصل بين 
الموقفين لأ خت ن الشقيقتين. ول تحمل زينب شيئاً من ورر أختها حمنة . 
حامسا : موقف الممترء ى عليه ۰ هو أئقا ل الأدوار وأضخمها في حديث الإفك . 
والمنبج الذي ي يجب أن يسود في هذا الصدد هو أن لا يقابل الافتراء بافتراء آخر ولا تقابل 
الإإشاعة المؤتشكة بإشاعة أخرى. وأن يتمالك الأخ المفترى عليه فلا يطلق لسانه بي 
أعراف ر الآخرين ولو اعتدي عليه حتى تتم براءته وتبرئته . هو موقف أصيل ندعو إليه هذا 


الأخ في هذا المحال . ونلحط موطن القدوة م ى العناصر الثلاثة الدين نيل من عرضهم في 
حديث الإفك. 


أولهم : تحمد رسول الله يذ وهو سيد الأمة والبشرية . وهوالحاكم 
والقائد. و بيده السلطة. وبإشارة واحدة منه يکنه أن ينبي حياة الوالغين في عرضهء ومع 


ذلك 1 يلك في هذا الأمر بعد أن استشاء ر كبار أصحابه إلا أن يخطب في المسلمين قائلا على 
المنبر بعد أن حمد الله وأثنى عليه أمبا الناس ما بال رجال يؤذونني في أ هلي ويقولون عليهم 


امتاع ١‏ ع للم ای = ۸١‏ 
)١(‏ امتاع الاسماع للمقريزي ج ۲٠۸:۱‏ 


غير الحق والله ما علمت منهم إلا خيراً. ويقولون ذلك لرجل والله ما علمت عليه إلا خيراً» وما 
يدخل بيتا من بيوتي إلا وهو معي). . 

وعندما وقعت الأزمة بين الفريقين الأوس والخزرج لم يكن ليملك عليه الصلاة والسلام إلا 
أن يكون حك بينهها رغم أن أحد الفريقين يدافع عن الوالغين في عرض عائشة رضي الله عنها 
والآخر بهاجمهم ومع ذلك. فقد أرضى الفريقين ولم يتحيز لأحدهما لأنه لا يملك البينة ليرد مها على 
الفريق المتهم» وحتى عندما جاوز صفوان رضي الله عنه في ثورته لنفسه وضرب حسان بن ثابت 
على اتهامه لم يسنده رسول الله وقد من الخلف ويشجعه على تجاوزه قبل صدور البينة مع أنه يبرىء 
إلى تلك المحاكمة المادئة للجنديين المتجاوزين! 

(قال صفوان بن المعطل : يا رسول الله اذاني وهجاني فا 2 حتملو الود لغضِب فضربته . فقال 
رسول الله َة لحسان: أحسن يا حسان أتشوهت على قومي أن هداهم الله للإسلام ثم قال: 
أحسن يا حسان في الذي أصابك قال: هي لك يا رسول الله. 

قال ابن اسحاق: فحدثني محمد بن إبراهيم: أن رسول الله ية أعطاه عوضاً عنها 

. . . وأعطاه سيرين أمة قبطية فولدت له عبدالرحمن بن حسان)ر. 

وهكذا كلفت ضربة صفوان لحسان أرضاً وجارية وهبها رسول الله هة لحسان بن ثابت 
بعد عفوه عن صفوان بن المعطل» وكان هذا العطاء لمن ينشد الشعر في اتبام زوجته ويمضي في 
الإشاعة دون توقف . 

وثانيهم : هو أبو بكر رضي الله عنه وزوجه أم رومان وقد نزل بهم من البلاء مالم ينزل 
بمسلم وأقصى ما قالته أم عائشة التي تعرض عرضها للثلم والاهانة : 

أي بنية خفضي عليك الشأن. فوالله لقلم| كانت امرأة حسناء عند رجل يحبها ها ضرائر إلا 
كثرن وكثر الناس عليها. 

ولم يتمالك أبو بكر رضي الله تعالى عنه أن يقول: 

( ما أعلم أهل بيت من العرب دخل عليهم ما دخل على آل أي بكر. والله ما قيل لنا هذا في 
الجاهلية حيث لا نعبد الله » فيقال لنا في الإسلام! !) . 


وثالئهم : عائشة رضي الله عنما التي لم تنته عن البكاء حتى ظنت أن البكاء سيصدع 
كبدها. 


)١(‏ السيرة النبوية لابن هشام ج ا ماخر ةا" 


وحين ووجهت بالأمر من رسول الله ية يسأ ها عن الحديث فقالت : 
(إني والله قد علمت أنكم سمعتم هذا الحديث» فوقع في أنفسكم فصدقتم به فلشن قلت 
لكم إني بريئة لا تصدقوني, ولئن اعترفت لكم بأمر يعلم الله أني منه بريئة لتصدقني . وإني والله 
ما أجد لي مثلا إلا أبا يوسف إذ يقول: فصبر ميل والله المستعان على ما تصفون). ‏ 


إنها مواقف لا يحمل التاريخ لما مثيلا من أطهر أهل الأرض يوصمون بشرفهم وعرضهم . 
ومع ذلك فلم يخرج أحد منهم عن طوره» ولا أطلق لسانه في عرض أحد, وضبط كل واحد منهم 
أعصابه . وأما الذي خرج عن طوره فهو صفوان بن المعطل رضي الله عنه» وضرب حسان 
بالسيف وكاد الأمر أن يستفحل لولا أن عالجه رسول الله عليه الصلاة والسلام . 

إنه أدب الإسلام العظيم مع الذين يرددون الإشاعة ويسيرون في الإفك قبل أن تعرف أا 
إفك أو إشاعة . 

سادساً: والموقف الأخير الذي نستخلصه من حديث الافك هو عقوبة المغترين اللاغطين 
المثيرين للفتنة . فلا يكفي أن تثبت براءة المتهم » ولا يكفي أن تدفع القيادة عنها قالة السوء وانتهى 
الأمر. 

بل لا بد في الصف المسلم من العقوبة الصارمة مع من يثير الإشاعة ويسعى في نشرها بعد 
التثبت منها. وما تعانيه الحركة الاسلامية اليوم هو إهمال ملاحقة مثير الاشاعة وناقل الإفك» 
وبذلك لا تنتهي الجماعة من فتنة إلا وتقع في أخرى. ويكفي ان نعلم أن حكم الاسلام كان في 
هؤلاء الثلاثة الذين ساروا ف الآأفك. مسطح بن أثاثة» وحسان بن ثابت» ونه بنلت جحش » 
أن أقيم عليهم حد القذف ثمانين جلدة» وإن كانت بعض الروايات تشير إلى أن هذا الحد طبق 
فيم بعد ولم ينفذ عليهم لأنهم خاضوا في التهمة قبل نزول الحدود. 

والحديث عن هذه السمة يأتي في هذه المرحلة لأن تاريخ الدعوة لم يشهد مثيلا ها من قبل 
وفي الصف المسلم بالذات وطبيعة المرحلة إذن هي أن الإشاعة تسري حين يه يضعف البناء الداخلي 
ويستجيب لها. لكن عندما تنشغل الأمة بالجهاد والمواجهة . فقلم| تستطيع الإشاعة أن تفعل فعلها 
في النفوس . 

عه ل ١‏ 4 
السقة الشثالثئة: الؤواج ولمشره ج الدعوه 

في هذه المرحلة تم زواج رسول الله هة من حمس نسا' هن: 


زينب بنت جحشء أم حبيبة بنت أبي سفيان» جويرية بنت الحارث» صفية بنت حبي ‏ 
ميمونة بنت الحارث . رضى الله عنبن حميعا. 


- 1١ ل‎ 


وحين نقارن بين زواج هذه المرحلة وسابقتهاء نلاحظ فرقاً واضحاً في الاتجاه يحدد ملامح 
المرحلة نفسها ونستطيع القول إن سمة الزواج في المرحلة السابقة ينصب على بناء وتمتين الصف 
الداخلي بينما تظهر سمة الزواج في هذه المرحلة من خلال العمل على كسب الصف الخارجي 
وجعله مغبراً لنشر الدعوة في الأرض العربية. ولنقف لحظات سريعة عند كل واحدة منهن : 

آم حبيبة» رملة بنت أبي سفيانء وقد عقد عليها رسول الله يله وهي في أرض الحبشة 
وأكرم غربتها في سبيل الله بعد ردة زوجها عبيدالله بن جحش. وكوما ابنة زعيم قريش ذات 
دلالة ضخمة على تقريب القلوب وتأليفها من هذا القائد الكبير. ولقد رأينا أثر هذا الزواج قريب 
فتح مكة حيث جاء أبو سفيان ونزل ضيفا على رسول الله ا وني بیت ابنته ولا يزال على شركه. 
وموقفه من الدعوة . ولا نشك أن موقف ابنته منه من خلال فراش رسول الله هة ورغم أنه جرحه 
في أعماقه . لكن كان له أكبر الأثر الخفي في أن يعيد النظر في مواقفه وعدائه للدعوة. وأن يفقه من 
خلاله عظمة هذا الدين وعظمة رجاله ونسائه . 

لقد طوت فراش رسول الله ية عن أبي سفيان فقال ها : 


(يا بنية أرغبت بي عن هذا الفراش» أم رغبت به عني؟ قالت: بل هو فراش رسول الله 
كيه . وانت رجل نجس على شركك». فقال : والله لقد أصابك بعدي شر)(١).‏ 

وللتعرف على أثر هذا الزواج في نفس أبي سفيان نلاحظ أنه بعد إسلامه يعرض ابنته الثانية 
على رسول الله بي للزواج منهاء فيعتذر رسول الله انه لا يحل له ذلك , 

زينب بنت جحش ١»‏ وهي زوجة مولاه زيد. رضي الله عنه وقد هاب رسول الله تی هذا 
الزواج هيبة عظيمة تحدث عنها القسران بقوله جل وعلا: (.. وتخشى الناس والله أحق أن 
تخشاه . . )رم لكن الأمر الرباني حاءه بذلك ليحطم العادة المستاصلة في المجتمع عادة التبنى ص 
خلال الواقع العملي بعد القرار النظري ولتعلم الدنيا ذلك كا يقول القران الكريم . 

(لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم اذا قضوا منهن وطراً. . ):) 

وإن كان هذا الزواج يحتمل صفة البناء الداخلي فهو يحمل كذلك صفة البناء الخارجي إذ 
أن زينب رضي الله عنها هي أول امرأة غير قرشية يتزوجها عليه الصلاة والسلام فهي من بني أسد 
وإن كانت ابنة عمته . 


448 الرحيق المختوم ص‎ )١( 
و (۳) الآية ۳۷ من سورة الأحزاب.‎ )۲( 


١7١‏ ب 


جويرية بنت الحارث : وهي ابنة سيد بني المصطلق » وكان زواجها سببا في فداء أهلها 
وقبيلتها من الأسرء ثم سببا في إسلام قومهاء ونستمع إلى أثر هذا الزواج عند ابن اسحاق ره 
الله : قال . . . وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله بل قد تزوج جويرية ابنة الحارث بن أبي 
ضرار فقال الناس : أصهار رسول الله ل , وأرسلوا ما بأيدءهم . 

قالت : (أي عائشة : فلقد اعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بنى المصطلق . فا أعلم 
امرأة كانت أعظم على قومها بركة منها)رم 
لكن الزواح من صفية فيم| بعد كان له افاق أبعد وأعمق . إذ أنه ربط أهل الكتاب برابطة المصاهرة 
وعندما كانت عائشة رضي الله عنها تعير صفية بأنبا من سلالة يبود كان رسول الله يل يغضب 
ويقاطعها ويقول لصفية قولي ها أن أبي موسى وعمي هارون . 

وهذا العمل الاجتماعي الضخم يعني كثيراً في مفهوم الدعوة. ويعني ان التعايش بين 
يصفو قلبها بعد وتدخل في الاسلام كا يتالف قلب طائفتها في هذا المجتمع . 

وعلى غرار هذا المستوى كان زواج رسول الله َة من مارية القبطية والتي ربط زواجها بأمة 
كاملة إذ قال : 

( استوصوا بالقبط خيراً فإن لي فيهم نسباً وصهراً) 

وقد أثرت هذه الدعوة فيا بعد وحدت بأهل مصر أن يدخلوا في دين الله أفواجا حين رأوا 
حسن معاملة المسلمين لمم تنفيذأً لوصية رسول الله عليه الصلاة والسلام . وكان من حكمة الله 
تعالى في هذا الأمر أن رسول الله ب لم يرزق ولدا بعد خديجة إلا من مارية رضي الله عنها . وكان 


بعد وفاته : 


«إن العين لتدمع وإن القلب ليخشع » وإنا على فراقك يا ابراهيم لمحزنون». 


«تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي الرب . وإنا على فراقك يا أبراهيم 
لمحزونوك ٠"‏ 


1( السيرة لابن هشام ج۳ : لانن 


ميمونة بنت الحارث الملالية : وهي التي وهبت نفسها للنبي بي . وقد حرص عليه الصلاة 
والسلام ان ي يستثمر هذا الزواج في تقريب قلوب قريش بعد عمرة القضاء إذ قال لهم عندما جاؤوا 
لايذانه بالخروج من مكة : 

(وما عليكم لوتركتموني فأعرست بين أظهركم » وصنعت طعاما؟ فقالا : لا حاجة لنافي 
طعامك أخرج عنا : : ننشدك الله والعهد الذي بيننا وبينك إلا خرجت من أرضنا)0 . 

وهذه السمة ذات دلالة واضحة على الاتجاه العام 5 تأليف قلوب الخصوم وتقريبهم 
للإسلام وأن الجهاد السياسي قد يكون من وسائله الناجعة الزواج والمصاهرة من الخصوم . 

وما أحوج شباب الإسلام إلى هذا الفقه السياسي والأفق الواسم في فهم طبيعة هذا الدين 
إن الشباب المسلم كثيراً ما يتحمس في قضية التميز والمفاصلة . حتى يتحجر على نفسه » وينغلق 

على ذاته» ويجعل سد منيعاً على أفراده . فلا يدخل في الصف الاسلامي أحد ولا حرص على 

دخوهم 5 الأصل › وتسيطر عليه فكرة الحرب والكراهة لأعداء الله » وفكرة الإذلال والاهانة 
هم » وينسى أنه داعية قبل كل شيء وأن هدفه الأخير كذلك أن يدخل الناس في دين الله أفواجاً 
وبالتالي فللا بد أن يدرك الداعية أن هذاية هؤلاء الخصوم ودخوهم 5 الإسلام هوالهدف الأول 
ولیس ذبحهم والقضاء عليهم › وأن تالف كبار الخصوم ودح قلويهم هو ربح لقلوب اتباعهم 
جميعا ونتمنى ان يفرق الأ بين أساليب التأليف والتحبيب بالإسلام وبين أساليب المداهنة في دين 
الله والتنازل عن الإسلام في سبيل ذلك . 


وشيء آخخر ما أحوج دعاة الإسلام إليه . فالزواج نفسه قد مسخ عن مفهومه الأول واقترب 
في الواة قع العمل وفي صفوف شباب الإسلام من الزواج الكهنوتي النصراني » حيث أن التعدد قد 
أصبح نشازاً في الصف الإسلامي › وأصبح غريبا غربة اقتراف المنكر . وقادة الدعوة هم الملل 
القادى به قي هذه الدعوة فلا بد أن يكونوا اذم حية في تطين هذا الفه النبوي في جعل الزوا 
والتعدد وسيلة من وسائل بناء الدعوة وتقريب القلوب والالتحام مع الخصوم والاصدقاء وما رأيناه 
من إقدام رسول الله َة على الزواج من زينب وتحطيم عادة التبني من خلال الزواج بمطلقة متبناه 
وما تحمله من مواجهة المجتمع الجاهلي الذي يحرم هذا الزواج حتى يزيل الحرج 
عملياً عن المؤمنسين في الإقدام على هذا الزواج هودفع للدعاة الكبار 
أن يتسأسسوا برسول الوق وينقلوا قضية الزواج من مفهومها المحدود حيث 
البحث عن الحمال والبكر والسن الصغير للارتقاء مها الى الأفق الواسع الذي يشيع المودة والرحمة 


84٠ : ١ج امتاع الأسماع للمقريزي‎ )١( 


5 1 2 


بين ابناء الأمة جميعاً ورفع مستوى المرأة الثيب وزوجات الشهداء إلى المستوى الكريم اللائق بهن 
أنهن محط أنظار القيادة ولسن من المحرومات اللواتي انصرف النظر عنهن فقط لأسن ثيبات . 

إنها مسؤولية جسيمة يضطلع بها الدغاة وأخص بالذكر القيادات لوضع الزواج في وظيفته 
الاجتماعية العامة وجعل الكفاءة حقيقة من خلال الدين والخلق لا من خلال الجمال والحسب 
والبكارة ومن خلال مصلحة الإسلام العليا لا من حلال الرغبة الجنسية المحدودة . 

والنظر إلى الزواج على أنه وسيلة هامة من وسائل الدعوة لا على أنه معيق من معيقاتها ولا بد 
أن تتدرب الأخوات المسلمات كذلك على هذه المعاني ويلجمن أهواءهن وأنانيتهن وغيرتهن أمام 
مصلحة الإسلام وعقيدة الإسلام ومصلحة أخواتهن اللاي لم يكن لمن من ذنب الا أن فقدن 
أزواجهن في سبيل الله . 


السمة الرابعة ؛ 
الصف الداخايا لتوي من خلال سلح الحديبية 


لشن كانت غزوة بني يان إرهاصاً لابتداء امرحلة الجديدة . فلقد كانت عمرة الحديبية هي 
التنفيذالعملي, البين لقوله عليه الصلاة والسلام «الآن نغزوهم ولايغزوناء» ولكن هذا الغزولم يكن 
غزواً عسكرياً بحتا . بل كان غزواً سلمياً يدف العمرة الى البيت الحرام لكن لا يغيب عن ذهن 
رسول الله يل أبعاد هذه العمرة. وأنه قد يلقى مقاومة مسلحة . غير أن التحرك السياسي في 
الاتجاه الجديد كان لا بد منه (وقد استنفر الأعراب ومن حوله من أهل البوادي ليخرجوا معه وهو 
يخشى من قريش الذي صنعوا-أن يعرضوا له بحرب أو يصدوه عن البيت-. فأبطأ عليه كثير من 
الأعراب . وخخرج رسول اله 5ة بمن معه من المهاجرين والأنصار ومن لحق به من العرب وساق 
معه الحدي » وأحرم بالعمرة ليأمن الناس على حربه وليعلم الناس أنه إثما خرج زائرا هذا البيت 
ومعظ]ً له . . وكان جابر بن عبد الله يقول كنا أصحاب الحديبية أربع عشرة ماثة . 00 

ولن نستطيع دراسة صلح الحديبية من كل جوانبه . لكننا سنعالج هذا الجانب في هذه 
السمة ونرجىء الحديث عن الفتح المبين في السمة التالية . 


۳٠۹-۳۰۸ : ٤ج السيرة لابن اسحاق‎ )١( 


أما مظاهر هذا الصف القوي الموحد فقد بدت على الصور التالية : 

ألا : إن مجرد استجابة المهاجرين والأنصار للنفير هو دليل حي على مدى الطاعة والالتزام 
والانضباط في هذا الصف. فبعد أقل من سنة على غزوة الأحزاب كان هذا التحرك بهذا العدد 
الضئيل الف وخمسمائة فلا ينسى المسلمون أن الأحزاب غزوهم بعشرة الاف مقاتل . 

فكيف يتحرك هذا الجمع الضئيل من المئات إلى مشارف مكة . ولا شك أن الدافع الإيماني 
القوي هو الذي حدا بالمسلمين إلى الإستجابة . إذ أن رسول الله يي قص عليهم رؤياه أنه دخل 
البيت وحلق رأسه وأخذ مفتاح البيتٌ. وعرّف مع المعرفين(1) › وإنها رأة متناهية أن يغامر 
المسلمون بألف وخمسمائة رجل يتجهون بهم إلى مكة التي تعلن الحرب عليهم . 

ثانياً : وكانت حرب الأعصاب الأولى التى تلقاها هذا الصف المسلم بعُسفان حيث لقيه 
بشر بن سفيان قائلا له : يا رسول الله هذه قريش قد سمعت بمسيرك فخرجوا معهم العوذ 
المطافيل:) قد لبسوا جلود النمور وقد نزلوا بذي طوى يعاهدون الله لا تدخلها عليهم أبدأ . وهذا 
خالد بن الوليد في خيلهم قد قدموها إلى كراع الغميم . فقال عليه الصلاة والسلام يا ويح قريش 
لقد أكلتهم الحرب ماذا عليهم لو خلوا بین وبين سائر العرب فإن هم أصابون كان ذلك الذي 
أرادوا وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين وإن لم يفعلوا قاتلوا ومهم قوة . 

فا تظن قريش فو الله لا أزال أجاهد على الذي بعثنى الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه 
السالفةرم؛ (؛) ظ 
محمد َة لا بد أن يصيبه الذعر ويتخلخل من الرعب وتنتشر به الفوضى وصراع الآراء لكن 
حيش النبوة الملتزم بقيادته قل تجاوز هذه المرحلة والضعفاء المخذولون المتخاذلون ولو كانوا 
ويدعوا إلى الاستسلام أو الفرار. فأي قوة في الصف تعدل هذه القوة؟ 

لكن الجانب الآخر من القضية هو ا جانب السياسي . فهذه أول مرة يعلن فيها رسول الله 


(۱) أي وقف في عرفة 
(۲) يريد أنهم خرجوا ومعهم النساء والصبيان 
(*) السالفة : صفحة العنق وكتنى بانفرادها عن الموت 


5١1 


واضح متميز أن يقفوا على الحياد بينه وبين العرب» ولم يكتف عليه الصلاة والسلام بذلك إنما 
أوضح أبعاد هذا الموقف بأنه لصالح قريش سواءً انتصر محمد عليه الصلاة والسلام أم لم ينتصر . 
وفي هذا كبح لجماح التهور القرشي من الاستمرار في المعركة . وفتح لآفاق الدعوة أن تخطو 
الطريق الذي سدته فريش من كل جانب . إنه السلام القائم على مصلحة قريش ذاتها قبل أن 
يكون مصلحة المسلمين . 

إلا أن هذا الكلام يعني من طرف آخرخفي أن وهناً قد حل بالمسلمين فراحوا يبحثون عن 
الحل السلمي للابتعاد عن المواجهة فكان لا بد من اسماعهم منطق القوة الذي يفهمون فيه . 
وهو : 

«فوالله لا أزال أجاهد على الذي بعثنى الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة)إنه المنطق 

امتوازن الذي لا يريد الحرب للحرب إغا لإظهار هذا الدين وإعلانه وهو جاهز لأن يتفهم وجهة 
نظر الخصم » غير أن هذا المنطق لا يعني خللا في القوة أووهناً في الصف ونحن نرى الصف القوي 
هنا كذلك بعد إعلان النبي بل عن استعداده لخوض المعركة دون أن يعترض جندي واحد على 
دلك . في الوقت الذي خرج الحيش فيه للعمرة لا للقتال . 


الثاً: والتحام الصف الإسلامي مع قيادته يبدو جلياً كذلك في أثناء عرض عضلات 
فريش من قادة وفودها وذلك على أربعة ماذج . 


النموذج الأول : وهو بديل بن ورقاء الخزاعي . وهو أقرب ما يكون لمحمد يله لما بين 
خزاعة ومحمد من ود . واعتبرت قريش أن هذا الرجل كفيل بأن يثني محمداً عن عزمه على دخول 
مكة , 


فأحبرهم عليه الصلاة والسلام أنه لا يريد حرباً. وأنه إغاجاء رائرا لهذا البيت 
معظا له واسرع بديل ليقول لقريش : إن محمداً أت لقتال, وإنغا جاء زائراً هذا البيت . 

فقالت قريش لهم : وإن كان جاء لا يريد قتالا . فوالله لا يدخلها علينا عنوة أبدأ ولا تحدث 
بذلك عنا العرب . 


النموذج الثاني: مكرز بن حفص حيث حدد عليه الصلاة والسلام طبيعته . قائلاً: هذا 
رجل غادر وقال له مثل ما قال لبديل . وكان الأمر حتى الآن طبيعياً لا يثبر حميظة هذا الجيش 
القوي . 


1۷ 


النسوذج الشالث : وقصدت به قريشاً أن تعلم محمداً أن قريشاً ليست وحدها في 
المعركة » بل معها القبائل المجاورة لمكة. فالحليس بن علقمة سيد الأحابيش(0). ولم تفت هذه 
القضية رسول الله با . فقال للمسلمين : إن هذا من قوم يتألهون» فابعثوا في وجهه اهدي حتى 
يراه » فلما رأى الهدي. رجع إلى قريش ولم يصل إلى رسول الله كه إعظاما لما رأى . فقال لهم 
ذلك . فقالوا له : إجلس فإما أنت أعرابي لا علم لك . 

وغضب الحليس عند ذلك وقال : يا معشر قريش والله ما على هذا حالفناكم » ولا على هذا 
عاقدناكم » لتخلن بين محمد وما جاء له أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد, فقالوا له : مه, 
كف عنا يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به . 


والدلالة في هذا النموذج صارخة على العبقرية العظيمة للنبوة حين صرف سيد الأحابيش 
وقد تبنى رأيه بالعمرة دون أن يلقاه » وكاد صف مكة الداخحلي أن يتفجر وتقع المواجهة بين 
الأحابيش وقريش لولا أن تداركت قريش الأمر وأصلحته مع الرجل » ومع ذلك فقد أصبح في 
صف مكة تيار قوي » أعلن عن رأيه بضرورة السماح لمحمد ية بالاعتمار» وهدد بالسلاح مالم 
يتم تنفيذ ذلك, وقد تم هذا الأمر حتى دون لقاء بين رسول الله ية وسيد الأحابيش . بحسن 
اختيار الأسلوب المناسب الذي يفهم به هذا الرجل » وهو بعث المدي في وجهه . 

النموذج الرابع : وقصدت به قريشاً حرباً نفسية كذلك لمحمد وأصحابه لتعلمه أن ثقيفاً مع 

قريش حليفة في هذه المواجهة . فبعثت بأذكى وأدهى ما عندها ليفت في أعضاد أصحاب محمد 
» وكان تخطيط قريش أن جرد رؤية عروة بن مسعود زعيم ثقيف يأتي ممثلا لقريش في هذه 
المفاوضات كفيل بأن يزلزل هذا الصف المتين . فكيف اذا استعمل خبثه ودهاءه . ولننظر إلى هذه 
الحرب السياسية من المنتصر فيها في نباية المطاف . 

(خرج حتى أتى رسول الله يو فجلس بين يديه ثم قال : 

يا حمد: أجمعت أوشابم الناس ثم جئت بهم إلى بيضت كر لتفضهاره مهم ٠‏ إنها 
فريش قد حرجت معها العوذ المطافيل قد لبسوا جلود النمور. يعاهدون الله لا تدخلها عليهم 
عنوة أبدا وايم الله » لكأني مبؤلاء قد انكشفوا عنك غداً. قال : وأبو بكر الصديق خلف رسول 


(1) الأحابيش : قبائل كانت حول مكة وتسكن في جباها . 
(۲) يتأهون : يتعبدون ويعظمون أمر الإله 

(؟) أو شاب الناس : أخلاطهم 

(1) بيضة الرجل : أهله وقبيلته 

(9) تفضها: تكسرها 


- ۱۸ 


الله َه قاعد » فقال : امصص بظر اللات . أنحن نتكشف عنه؟ قال : من هذا يا محمد : قال : 
هذا ابن ابي قحافة. قال: أما والله لورلا يد كانت لك عندي لكافأتك 
بها ولكن هذه مهاء قال . ثم جعل يتناول لحية رسول الله يكل وهويكلمه . والمغيرة بن شعبة واقف 
على رأس رسول الله يفي الحديد. قال فجعل يقرع يده إذا تناول لخحبة رسول الله ويقول: أكفف 
يدك عن وجه رسول الله ية قبل أن لا تصل إليك . فيقول عروة : ويحك ما أفظك وأغلظك . 
قال : فتبسم رسول الله َة فقال له عروة : من هذا يا محمد؟ قال هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة 
قال: أي غدر» وهل غسلت سوءتك إلا بالأمس . . . فقام من عند رسول الله يي وقد رأى ما 
يصنع أصحابه لا يتوضاً إلا ابتدروا وضوءه ولا يبصق بصاقا إلا ابتدروه ولا يسقط من شعره شيء 
إلا أخذوه . فرجع إلى قريش فقال يا معشر قريش إني قد جئت كسرى في ملكه » وقيصر في ملكه . 
والنجاشي في ملكه . وإني والله ما رأيت ملكا في قوم قط مثل محمد في أصحابه ولقد رأيت قوماً لا 
يسلمونه لشيء فروا رأیکم)(۱). 


فلقد عاد عروة بن مسعود بعد هذه الحولة داعية لمحمد ينه على غير وعي منه بدل ان 
يحمس الناس على حربه لقد هزمت قريش وهزم عروة أمام صلابة الصف المسلم الذي أبدى من : 
ضروب الطاعة والانضباط والالتزام ما أذهل عروة وهزمه في أعماقه لقد بالغ المسلمرن في إظهار 
الطاعة أمام العدو الغادر ما لم يفعلوه ه من قبل » وجيش هذا طبيعته وهذه نفسيته . ابه به قوی 
الأرض لا قريش وحدها أو قريش ومعها ثقيف والأحابيش » حتى الحادىء الوديع الحليم أبو بكر 
ينقلب أمام عدو الله ليث يزأرء ويتهكم بأسلوب فج, من عروة سيد ثقيف وعقله حين اراد أن يفتن 
الصف بتخويفه من قوة قريش ويضرب القيادة بالقاعدة فيثثي عزيمة محمد عن الحرب لتفرىق 
أصحابه عنه فكان لا بد أن يسمع ما يكره بأسلوب ما عهد عن أي بكر قط رضي الله عنه . وكلام 
غير عفيف يجعل عروة في جحره لا يتعداه وكان الرد الثاني أعنف وأشد من المغيرة بن شعبة فلئن 
اعتدت قريش بعروة الثقفي معها فالبطل الثقفي المغيرة هو سيف محمد صلوات الله عليه ولا يفل 
الحديد إلا الحديد إن عظمة النبوة السياسية التي لا تدانيها عظمة هي في حسن استعمال اللين ف 
عله والعنف في محله . . لقد ارتد كيد قريش في نحرهاء وهزمت نفسياً أمام محمد صلوات الله 
عليه وصحبه وجنده وراحت تعالج أمرها بعد خطبة ابن مسعود فيها من باب المفاوضة لا من باب 
التهديد والمواجهة وصار الصف المسلم القادم إلى العمرة بألف وخمسمائة أقوى بألف مرة من صف 
قريش وثقيف والأحابيش الذي تزعزع وهدد بعضه بالسلاح . 

إنه درس عظيم للحركة الاسلامية. درس للقيادة التي تتقن فن التعامل مع العدو فتحطم 
أعصابه » وتهز نفسه من الأعماق وتتعامل مع الخصوم كل حسب طبيعته ونفسيته . 


)١(‏ السيرة النبوية ج۳ : ۳۲۷ ر۳۲۸ 


ودرس إلى القاعدة كي تففه معنى الالتزام والانضباط خخاصة أمام العدو وعلى أ رضه فتكون كلها 
سھا واحداً ويد واحدة وقلا واحداً في مواجهة العدو. 


رابعاً : وكانت المحاولة الرابعة من قريش في ايجاد ثغرة في الصف المسلم . من خلال عملية 

ائية كلف بها حوالي خمسين من قريش علهم ينالوا بعضاً من أصحابه أسرا أو قشلا فيجزع 
ملحو وحاولون ايقاع الرعب فيه . فماذا كانت النتيجة؟ ! 

أخذوا جميعاً أسرى بيد المسلمين حيث ظفر بهم محمد بن مسلمة قائد حرس المسلمين . 


وبلغ قريشاً حبس أصحابهم » فجاء جمع منهم ورموا بالنبل والحجارة . فرماهم المسلمون 

وكانت هذه العمليات المرتجلة من قريش صدمة عنيفة أخرى لهم . وكانت مع آراء الوفود 
كفيلة بأن توقع الوهن في صف العدو. 

وترى كم یسر انود المسلمون حين يرون بين ظهرانيهم خمسين رجلا واثني عشر فارساً 
اسری بيدهم . 

امسا : : وكانت محاولة عرض العضلات الأخيرة والتهديد بالسلاح من فريش هی من 
خلال خيلهم التي كان على رأسها خالد , بن الوليد. 

ودنا حالد بن الوليد في خيله حتى نظر إلى المسلمين فصف خيله فيا بيهم وبين القبلة . 
فقدم رسول الله يه عباد بن بشر في خيله . فقام بإزائه وصف أصحابه. وحانت صلاة الظهر 
فأذن بلال وأقام » فصلى رسول الله ية بأصحابه مستقبل القبلة وهم خلفه . يركع مم ويسجد ثم 
قاموا فكانوا على ما كانوا عليه من التعبئة . فقال خخالد بن الوليد . قد كانوا على غرة . لو كنا حملنا 
عليهم أصبنا منهم . ولكن تأي الساعة صلاة هي احب إليهم من أنفسهم وأبنائهم . فنزل جبريل 
عليه السلام بين الظهر والعصر مهذه الآية (وإذا كنت فيهم . . ) فحانت العصر فصلوا صااة 
ا لخوفر) . 

يقول خالد رضي الله عن : فعلمت أن الرجل مر 
م ' ن غدر؟ لقد عرف خالد بن الوليد أنه أعجز من أن ينال شيئا مد محمد ٠‏ وأضيف هذا الرصيد 


من الوهن إلى الرصيد السابق فأسقط في يد قريش . وعرفت أن لا جدوى من المواجهة ففكرت في 
المصالحة . 


امتاع الأسماع للمقريزي ج١‏ . ٠۸١‏ 


وها هما الصورتان متقابلتان صورة الصف المسلم الملتحم القوي المصمم على الثبات. 
وصورة الصف التناقض في الرأي والمهزوم نفسيا في أعماقه من هؤلاء المكات القلاثل . 


سادساً: وكانت الصورة المقابلة التي لا بد أن يقوم مها رسول الله هة هو أن يبعث بسفير من 
عنده يسمع مباشرة من قريش وينقل لهم وجهة نظره حتى لا تلتبس الأمور فكان. (وبعث رسول 
الله يي إلى قريش خراش بن أمية على جمل لرسول الله ية ليبلغ أشرافهم أنه إنما جاء معتمراً. 
فعقر الجمل عكرمة بر بن أبي جهل وأرادوا قتله فمنعه من هناك من قومه فرجع فأراد النبي هة أن 
يبعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه فخاف على نفسه. وأشار بعثمان رضي الله عنه. فبعثه 
ليخبرهم إنا نات لقتال أحدء راغا جنا زوااً ذا اليت معظمين حرمت , ومع ادي تتحرة 
وننصرف فأبوا على عثمان أن يدل عليهم رسول الله پک ورحب به أبان بن سعيد بن العاص 
وأجاره» وحمله من بلده إل مكة وهو يقول: : أقبل وأدبر ولا تخف أحدا بنو سعيد أعزة الحرم , 
فيل عثمان من بمكة ما جاء فيه ٠‏ فقالوا جميعاً : لا يدخل علينا محمد عنوة أبدا. . وبلغ النبي يتن 
بعد إقامة عثمان بمكة ثلاثاً أنه قتتل» وقتل معه عشرة رجال مسلمون قد دخلوا مكة بإدن رسول الله 
يك ليروا أهاليهم . . وأم رسول الله يذ منازل بني مازن بن النجار» وقد نزلت في ناحية من 
الحديبية جميعاً فجلس في رحاهم وقد بلغه قتل عثمان رضي الله عنه» ثم قال: إن الله أمرني 
بالبيعة فأقبل الناس يبايعونه حتى تداكو. فا بقي لهم متاع إلا وطئوه ثم لبسوا السلاح وهو معهم 
قليل. وقامت أم عمارة إلى عمود كانت تستظل به فأخذته بيدهاء وشدت سكينا في وسطها وكان 
رسول الله يليه يبايع الناس وعمر بن الخطاب رضي الله عنه اخذ بيده فبايعهم على ألا يفرول 
وقيل بايعهم على الموت. . فبايعوه إلا الجد بن قيس اختبا تحت بطن بعير. . وبعثت فريش إلى 
عبد الله بن أبي بن سلول: إن أحببت أن تدخل فتطوف بالبيت فافعل فقال له ابنه : يا أبت أذكرك 
الله أن تفضحنا في كل موطن, تطوف ولم يطف رسول الله ها فأبى حينئذ وقال: لا أطوف حتى 
يطوف رسول الله فبلغ رسول الله كلامه فسر به)(١).‏ 


الحرب بين الفريقين قائمة» وخراش بن أمية الخزاعي يقابل بديل بن ورقاء الخزاعي 
فخزاعة مسلمهم ومشركهم عليه نصح لرسول الله ب وهي مع قريش كذلك. ومن أجل هذا 
وکانت الشخصية الثانية المرشحة للسفارة هي عمر بن الخطاب رضي الله عله 
ولعل ما نزل بخراش من جهة وحقد قريش على عمر رضي الله عنه من جهه ثانية وكول شوكة بي 
عدي في مكة ضعيفة كل هذه العوامل حدت بعمر رضي الله عنه أن يبسط عذره بين يدي قائده 
)١(‏ امتاع الأسماع للمقريزي ج ا: 789 و ۲۹۰ و۲۹۱ (مقتطفات) 
5١‏ 


لأن سفارته لن تحقق ال هدف المطلوب منها ومن أجل ذلك قال : 

يا رسول الله إني أخاف قريشاً على نفسي . وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني 
وقد عرفت فريش عداوتي إياها وغلظتي عليها ولكني أدلك على رجل أعز بها مني عثمان بن عفان . 

وقبل رأي ابن الخطاب دون تردد. فليس هو نحل تبمة أو ظنة. لكن لكل أمر رجاله. 
وعشمان للسفارة خير من عمرء مع العلم أن السفارة في الجاهلية كانت عند بني عدي » غير أن مكة 
اليوم يتقاسم النفوذ فيها بنو خزوم وبنوأمية. ومن أجل ذلك وجد عثمان رضي الله عنه من يحميه 
حتى يؤدي رسالة رسول الله مَل . وكان لعثمان كذلك مهمة سرية أخرى هي الاتصال بالمؤمنين في 
مكة ودعوتهم إلى الصبر والثبات حتى يأذن الله تعالى بالفتح من عنده. ولا فرغ من تأدية رسالته 
عرضوا عليه أن يطوف بالبيت. فأبى أن يطوف حتى يطوف رسول الله . 

وكان هذا درساً بليغاً في الالتزام حتى ولو كان طواف الكعبة الذي يحلم به المسلم منذ سنين 
خلت, لكنه لم ينفذ أمراً حتى يرجع إلى قيادته فيسألها . وامتنم عن الطواف قبل طواف النبي عليه 
الصلاة والسلام . 

وحين يلتزم الجندي بأمر قائده عند الأعداء رغم الإحراجات الكثيرة من عشيرته . فهذا 
يعني أن الولاء لن يكون إلا لله ورسول. لكن هذا الولاء لم يمنع من قبول حماية أبان بن العاص 
أحد قادة بنى أمية › وما أحوجنا إلى أن نفرق بين القضيتين . لأن الأولىلا علاقة لها بطبيعة المهمةء 
وتم اللهمة بدوتها أماالثانية فهي صلب مهمة عثمان رضي اله عن" فلم يجد حرجا أو إثمأ بقبول 
إجارة أبان بن سعيد . 

ونتتقل إلى المعسكر الإسلامي وقد بلغه إشاعة مقتل عثمان رضي الله عنه. وكان هذه 
الإشاعة وقع البارود المتفجر فيه. فمضى رسول الله ية إلى أعز معقل من معاقل الأنصار إلى 
منازل بني مازن بن النجار» وأخبرهم بأمر البيعة . 

(فأقبل الناس عليه حتى تداكوا فيا بقي متاع إلا وطئوه» ثم لبسوا السلاح» وهو معهم 
قليل. .) 

يقول أبن اسحاق : ( فكانت ببعة الرضوان حت الشجرة. فكان ؛ الناس يقواوث : e‏ 
ولكن بايعنا عل أن لا تف . 

وإنه لمن أغرب ما روى التاريخ من ولاء والتزام ونصرة. لقد خرج القوم للعمرة. وألحوا 
على رسول الله ية أن يحملوا السلاح. فرفض ذلك وقال: لست أحمل السلاح إنما حرجت 
معتمرا. وساهم في هذا الرأي قادة المهاجرين والأنصار. ومع ذلك فها هو يدعوهم إلى المواجهة 

5 ۲ 


والموت فيتزاحمون إلى البيعة حتى لا يبقى متاع إلا وطئوه. 

لقد أصبح الصف الإإسلامي ص القوة والتلاحم بحيث نكاد نقول أن النفاق قد انتهى 
منه . : 

وحين نذكر أن المنافقين كانوا بضعة عشر في غزوة الأحزاب» فها نحن لا نجد وجودا لهم في 
الحديبية . 

إن الصورة الواقعية في عالم الأسباب تقول أن لا يستجيب للبيعة على الموت والمواجهة إلا 
أفراد قلائل . لأن القوم لم يخرجوا للقتال» وقائدهم أكد لهم أن خروجه للعمرة» ولم يعدوا سلاحا 
لذلك» وما نعلمه عن عالم الأحزاب اليوم في مثل هذه الحالة أن يغتال القائد ويحاكم بتهمة توريط 
الجيش في الهلاك . أما أن يسارع الجيش كله للبيعة ويتزاحم عليها. فهذا يعني أن النفاق في هذه 
المرحلة قد ولى كأمس الدابرء وأن ينفرد رجل واحد من هذا نيش فيختبى. ء بظل بطن ناقته ولا 
يبايع » وأن يكون عبد الله بن أي من بين المبايعين. فهذا د يعني أن الجيش الإسلامي قد تجاوز 
أزمته . وأجهز على عناصر الضعف فيه. 


ونذكرمع هذا الالتزام العجيب النسوة الأريم اللاي شاركن الحملة . فقد شاركن في البيعة 
كذلك. وكأني بأم عمارة رضي الله عنهاء وقد التمع بعينيها بريق أحد بعد أن تسلحت بعمود 
البيت وشدت السكين على وسطها وجددت بيعتها كا بايعت يوم العقبة. لتكون مع الصف 
المسلم المقاتل وهؤلاء النسوة القليلات هن اللاي شددن نظر عروة بن مسعود. وكان نما قاله 
لقريش: (رأيت نسيات معه . إن كنَّ ليسلمنه أبدأ على حال )11 . 


ولم يفكر جندي واحد من هذا الصف القوي أن يعتب على قائده عليه الصلاة والسلام 
الذي يطلب منه الآن البيعة على الموت» وقد جاء به إلى العمرة ومنعه أن يبيء سلاحه . 

ومن قوة هذا الالتزام كذلك أن نجد عبد الله بن أبي الذي جاءه وفد خاص من قري 
يدعونه ليدخل مكة ويطوف بالجرم. وكان بإمكان ابن أبي أن يمتبل الفرصة. 
ويطوف بالكعبة في عز حراب فريش . لك ظل ابنه عبدالله والموقف الرهيب الذي وقفه منه يوم 
المريسيع ووضع السيف على عنقه آنذاك عاد فارتسم أمامه. وابنه يذكره بالله فا كان س زعيم 
النفاق إلا أن رضخ لهذا الحو العام وأحنى رأسه للعاصفة وقال : 

لا أطوف حتى يطوف رسول الله . 

وهذا درس عظيم للجماعة المسلمة تتعلم منه أصول الانضباط والسمع والطاعة للقيادة. 

وکانت الببعة هي محك الرجال فلم يتخلف منهم أحد بل سارع النساء إليها كدلك. 


)١(‏ امتاء الاسماع ج١‏ : 788 والنسيات: حمع تقليل وتصغير للنسوة 
r 3‏ 


والنقطة الأخيرة في هذا المجال وهى التى نتوجه بها لقيادة الحركة الإسلامية أن تستوعبها 
بعد درس القاعدة هى أهمية الجندي المسلم عند قيادته . 

لقد قرر رسول الله د بي أن يشن حرباً عا لى فريش مع من بايعوه على الموت ثأرا لجندي واحد 
من جنوده هوعثمان بن عفان عندما أشيع أنه قتل . 

والحندى الذى يبرق هذا الاهتمام من قيادته به » وهذه الكرامة والحظوة له عندها. د ضير 
أن يفتدى هذه القيادة بروحه ودمه ووجوده وأعز ما لديه ف هذا الوجود . ولا ضير إذن أن تعر 
والسلام . 


سابعاً : ونحن نعرض للصف الداخلي القوي لا بد أن تعرض للصلح نفسه كا تعرضه 
كتب السير. 

( فلها اصطلحوا ولم يبق إلا الكتاب . وثب عمر رضي الله عنه . فقال: يا رسول الله : السنا 
بالمسلمين؟ قال رسول الله َه : بلى . فقال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ فقال رسول الله : أنا 
عبد الله ورسوله ولن أخالف أمره» ولن يضيعني . فذهب عمر إلى أبي بكر رضي الله عنبم| فقال : 
يا أبا بكر ألسنا بالمسلمين؟ قال: بل! قال: فلم نعطي الدنية في ديننا؟ فقال: الزم غرزه فإ 
أشهد أنه رسول الله . وأن الحق ما أمر به» ولن يخالف أمر الله ولن يضيعه الله . ولقي عمر من 
القضية أمرأً كبيرأ» وجعل يردد على رسول الله َة الكلام وهويقول : أنا رسول الله ولن يضيعني . 
ويردد ذلك فقال أبوعبيدة بن الجراح رضي الله عنه : ألا تسمع يا ابن المخطاب رسول الله يقول ما 
يقول ! تعوذ بالله من الشيطان واتهم رأيك ! فجعل يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم حينا وكان 
المسلمون يكرهون الصلح > لأخهم خرجوا ولا يشكون في الفتح لرؤيا رسول الله َه أنه حل رأسه 
وأنه دخل البيت فأخذ مفتاح الكعبة وعرّف مع المعرفين» فلا رأوا الصلح داخلهم في ذلك أمر 
عظيم حتى كادوا ہلکون . . 


( وبينا الناس قد اصطلحوا والكتاب لم يكتب. أقبل أبو جندل بن سهيل. . وقد أفلت 
يرسف في القيد متوشح السيف. . ففرح المسلمون به وتلقوه حين هبط من الجبل فسلموا عليه 
واووه فرفع سهيل رأسه فإذا بابنه أبي جندل» فقام إليه فضرب وجهه بغصن شوك وأخذ بتلابيبه 
فصاح أب جندل بأعلى صوته : يا معشر المسلمين أأرد | إلى المشركين يفتلوني في ديني؟ ؟ فزادالمسلمين 
ذلك شراً إلى ما بهم وجعلوا ييكون لكلام أبي جندل. فقال حويطب بن عبد العرى لمكرز بن 
حفص : ما رأيت قوماً قط أشد حباً لمن دخل معهم من أصحاب محمد لمحمد وبعضهم لبعض ! 
أما إن ي أقول لك لا تأخذ من محمد نصفاً بعد هذا اليوم حتى يدخلها عنوة! فقال مكرز: وأنا أرى 

دن 5 


رو 


ذلك وقالسهيل بنعمرو: هذاأول من قاضيتك عليهرده! فقالرسول وه إنالم نقض 
الكتاب بعد فقال سهيل : والله لا أكاتبك على شيء حتى ترذه إلي فرده عليه وكلمه أن يتركه, 
فأبى سهيل وضرب وجهه بغصن من شوك فقال رسول الله كو. هبه لي أو أجره من العذاب. 
فقال: والله لا أفعل» فقال مكرز وحويطب: يا محمد نحن نجيره لك. فأدخلاه فسطاطأ فأجاراه 
فكفٌ عنه أبوه ثم رفع رسول الله يك صوته فقال : يا أبا جندل اصبر واحتسب فإن الله جاعل لك 
ولن معك فرجاً ومحرجاً. إنا عقدنا بيننا وبين ل القوم صلحاً وأعطيناهم على ذلك عهداً وإنا لا نغدر 
وعاد عمر بن الخطاب رضى الله عنه الى رسول الله َه فقال: يا رسول الله : ألست برسول الله : 
قال: بلى! قال: ألسنا على الحق؟ قال: بلى! قال: أليس عدونا على الباطل؟ قال: بلى! قال: فلم 
نعط الدنية في ديننا؟ فقال: إني رسول الله ولن أعصيه» ولن يضيعني . فانطلق إلى أبو بكر رضي 
الله عنه فقال له مثل ذلك . فأجابه بنحوما أجاب به رسول الله ثم قال: ودع عنك ما ترى ياعمر 
فوثب إلى أبي جندل يشي إلى جنبه وسهيل يدفعه وعمر يقول: اصبر أبا جندلء فإفاهم 
المشركون» وإنما دم أحدهم دم كلب! وإنما هو رجل» ومعك السيف. (يحرضه على قتل أبيه) 
وجعل يقول : يا أبا جندل: إن الرجل يقتل أباه في الله ! والله لو أدركنا اباءنا لقتلناهم في الله فرجل 
برجل» فقال له أبوجندل: مالك لا تقتله أنت؟ قال عمر: ماني رسول الله عن قتله وقتل غيره. 
قال أبو جندل : ما أنت أحق بطاعة رسول الله مني! وقال عمر ورجال معه : يا رسول الله : ألم تكن 
حدثتنا أنك تدخل المسجد الحرام وتأخذ مفتاح الكعبة» وتعرّف مع المعرّفين؟ وهدينا لم يصل إلى 
البيت ولا نحن! فقال : قلت لكم في سفركم هذا؟ قال عمر: لا فقال يك : أما إتكم ستدخلونه ؛ 
والحذ مفتاح الكعبة وأحلق رأسي ورؤوسكم ببطن مكة وأعرف مع المعرّفينء 
ثم أقبل على عمر فقال: أنسيتم يوم أحد إذ تصعدون ولا تلوون على أحد وأنا أدعوكم في أخراكم؟ 
أنسيتم يوم الأحزاب إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم واذ زاغت الأبصار؟ أنسيتم يوم 
كذا؟ أنسيتم يوم كذا؟ والمسلمون يقولون: صدق الله ورسوله. يا نبي الله ما فكرنا فيها فكرت 
فيه . 
( فليا حضرت الدواة والصحيفة بعد طول الكلام والمراجعة دعا رسول الله باذ أوس بن 
خولي یکتب» فقال سهيل : لا يكتب إلا ابن عمك على أو عثمان بن عفان» فأمر عليا فكتب 
فقال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم . فقال سهيل: لا أعرف الرحمن. اكتب ما نكتب : 
باسمك اللهم فضاق المسلمون بذلك وقالوا: هو الرحمن . والله لا نكتب إلا الرحمن. قال سهيل 
إذن لا أقاضيه على شي *» تقال رسوك ال : اكتب باسمك اللهم . هذا ما اصطلح عليه محمد 
رسول الله فقال سهيل : لو أعلم | نك رسول الله ما خالفتك» واتبعتك» أفترغب عن اسمك 
واسم أبيك محمد بن عبدالله؟ فضج ج المسلمون ضجة هي أشد من الأولى حتى ارتفعت الأصوات 
وقام رجال يقولون : لا نكتب 35 محمد رسول الله! وأخذ أسيد بن حضير وسعد بن عبادة رضي 


د 50 - 


الله عنبم| بيد الكاتب فأمسكاها وقالا: لا تكتب إلا محمد رسول الله » وإلا فالسيف بيننا علام نعط 
لدنية في دیغا؟ فجمل رسول الل تتفضهيم وير * الام ب : اسكتوا وجعل حويطب يتعجب 
مما يصنعون؛ ويقول لكرز. ما رأيت قوماً أحوط لدينبم من هؤلاء فقال رسول الله وه : أنا محمد 

( فلا فرغ رسول الله َة من الكتاب» وانطلق سهيل وأصحابه قال: 

قوموا فانحروا واخلقوا ورو ر ر ر إلى ذلك. رودا اث مرات فلم يفار 
0 . ثم قال عجبأيا أم سلمة! إن قلت للثاس انحروا واحلقوا وحلوا مرارً 
فلم يجبني أحد من الناس إلى ذلك وهم يسمعون كلامي» وينظرون في وجهي . فقالت: يا رسول 
الله انطلق أنت إلى هديك فانحره فإهم سيقتدون بك. فاضطبع بثوبه وخرج فأحذ الحربة ويمم 
هديه. وأهوى بالحربة إلى البدنة رافعا صوته بسم الله والله اكبر ونحر فتواثب المسلمون إلى 
اهدي وازدحموا عليه پنحرونه› حتى كاد بعضهم يقع على بعض وأشرك به بين أصحابه في 
اهدي .. فلا فرغ رسول اه يل من تحر الي دن دحل فة له من أدم را 
رحم الله المحلقين . قيل يا رسول الله والمقصرين إل“ : رحم ا المحلقين | 05 ثم قال ؛ 
والمقصرين )0١)‏ 


هذا العرض المسهب يعطينا صورة بينة عن طبيعة هذا الصف العظيم بكل شعابه ومشاعره 
فنحن أمام وضع جديد كل الحدة» وقد انتقل من النقيض إلى النقيض . وبعد أن ارتفعت موجة 
المد الشعوري الحماسي إلى أقصاه بالبيعة على الموت» وبعد ذلك التزاحم والتلاحم. نجد الآن 
صورة معاكسة تتجه إلى المصالحة في شروط تبدو ظاهر الأمر يجحفة بحق المسلمين أيما إجحاف 
وأضخم هذه الشروط وأثقلها على أعصاب المسلمين هي أن يرجعوا هذا العام عن مكة خاصة 
وهم على أعتاب مكة وقلويهم تتلظى شوقاً للمسجد الحرام . وها نحن نرى عمر بن الخطاب يفقد 
أعصابه, ولم يجرؤ أحد على إبداء هذا الانفعال غير عمر بن الخطاب . 


إن عمر رضي الث عنه الذي م حمل أمصابة في أول ةن لات أسادم طحي ل 
دار الأرقم . واستأذن رسول الله بنفس الصيغة التي يتحدث بها اليوم (ألسنا على الحق؟ أليسوا على 
الباطل؟ فف ففيم التخفي إذن)؟ وها هويقول الآن . فلم نعط الدنية في ديننا . وراح عمر يتنقل بين 
رسول اله يه وأي بكر واي عبيدة رضي الله عنهم . والحواب يأتيه أن الوحي قد أمر بذلك. 


١ (‏ ) إمتاع الأسماع للمقريزي ح ١مقتطفات‏ من الصفحات ۲۹۲ حتى ۲۹٩‏ 
١‏ 5 


والضغط الثاني على أعصاب المسلمين كان من خلال رؤيا رسول الله ية أنه دخل الكعبة 
واخذ مفتاحها وعرف مع المعرفين وهم يعلمون أن رؤيا الأنبياء حق . 

والضغط الثالث على أعصاب المسلمين كان من خلال بروز أبي جندل على الساحة وهو 
يصرخ يا معشر المسلمين أأرد إلى المشركين يفتنونني في ديني . وأبوه يضربه بغصن الشسوك. 
والمسلمون عليهم أن لا يحركوا ساكناً أمام هذا التحدي لمشاعرهم أمام نص المعاهدة . 

والضغط الرابع على أعصاب المسلمين حين رفض سهيل بن عمرو أن يكتب بسم الله 
الر حمن الرحيم ولم لا تثور الدماء 5 العروق؟ وتشتعل ا لحرب الضروس للحفاظ على الرحمن 
الرحيم؟ ولم كانت هذه الحروب في السنوات التي خحلت؟ إلا لإعلان الرحمن الرحيم في الأرض؟ 

والضغط الخامس على أعصاب المسلمين كان حين كتب اسم رسول الله هة على 
الصحيفة . ورفض سهيل بن عمرو اسم رسول الله » وأعلن عن إلغاء المعاهدة لوذكر . 
والضغط السادس على أعصاب المسلمين كان من بنود المعاهدة المجحفة في ظاهر الأمر.. 


حيث أن عليهم أن يعودوا عن مكة هذا العام . وأنه جاء من أهل مكة مسل رده رسول الله 
اة » ومن جاء من المسلمين إلى مكة مشركاً لم يرده المشركون . 
هذه الضغوط جميعاً جعلت المسلمين في حالة نفسية صعبة لا يعلم مداها إلا الله خاصة 
وهم يتحولون من المد الشعوري العالي بالبيعة على الموت . ونصر الله المقترب بدخول مكة والذى 
لا يشكون فيه طالما أن رسول الله قد حدثهم عنه , 


حتى أن وفداً منهم كا مر لم يتمالك أن ذكرٌ رسول الله يل برؤياه» وكان على رأس هذا 
الوفد عمر رضي الله عنه الذي لم يفقد أعصابه كما فقدها اليوم» فأجابهم عليه الصلاة والسلام : 
قلت لكم في سفركم هذا؟ قال: عمر. لا فقال ية ؛ أما إنكم ستدخلونه. واخحذ مفتاح 
الكعبة . وأحلق رأسي ورؤوسكم ببطن مكة. وأعرف مع المعرفين. 

والدرس الذي نود ان تدركه القاعدة من هذه الأمور حيعا هو أنه ليس بإمكان القيادة دائ 
أن تعطي المبررات لتصرفاتها وأوامرها. والمطلوب من جنود الدعوة أن تكون ثقتهم بقيادتهم أكبر 
من ثقتهم بارائهم وقناعاتهم . وليس بإمكان القيادة أن تفشي أسرار تصرفاتها للمستويات العامة. 
وحق جنود الدعوة هو إبداء الرأي والمشورة وبذل النصيحة وعليهم من طرف آخر السمع والطاعة 
فيا يحبون ويكرهون وفي العسر واليسر وفي المنشط والمكره. 

وما برز من صحابة النبي ية يعطي صورة واضحة عن هذا التصرف فرغم أن عمر رضي 
الله عنه فقد أعصابه. وأكثر من التساؤل لكنه لم يقم بأي تصرف أو مخالفة تحول دون تنفيذ أوامر 

5 


قائده عليه الصلاة والسلام. ولم يكن أصلا يبيح لنفسه أكثر من ابداء الرأي قبل أن يسمع قول 
النبي عليه الصلاة والسلام . 


ولا شك أنه كان متوتر الأعصاب من هذه المعاهدة» وتمنى في قرارة نفسه لو فشل الصلح ‏ 
وانفض القوم بدونه لكن ما كان له أن يتصرف أي تصرف يحقق هذا الغرض» وحين عرض على 
أي جندل أن يقتل أباه وسأله أبو جندل: مالك لا تقتله أنت؟ قال عمر : هاني رسول الله ية أن 
أقتل أحدا. فأجابه أبو جندل : ما أنت أحق بطاعة رسول الله مني . 


وكلمته التي كررها مراراً هي التذكير بالبنود المجحفة كا ظهر له من خلال قوله : فلم نعط 
الدنية في ديننا. 


وإذا وقفنا عند تصرف الصحابة أثناء كتابة الصحيفة عند الحديث عن البسملة . والرسالة 
نلاحظ أن رسول الله بل ترك لهم إبداء الرأي قبل أن يعلن رأيه فأظهروا 
احتجاجهم وأعلنوا رفضهم . وأمسكوا بيد الكاتب لكن إشارة واحدة منه ية كانت كفيلة 
بالصمت التام والقبول. 
وهذه القضية أثران اثنان : 
الأول : إشعار قريش قوة المسلمين واندفاعهم واستعدادهم للمواجهة والحرب فليست 
المعاهدة عن ضعف أو تخاذل من الصف . 
ولا بد من بروز هذين المعنيين أمام العدو ليعرف حقيقة هؤلاء الجنود. وقوة شكيمتهم . فلك 
تسول له نفسه نقض العهد. 
إن السمع والطاعة في المكره والعسر هو أعظم أثرا منه في حالة المنشط واليسرء والذي يلتزم 
في المكره والعسر لا شك أنه ملتزم عندما يتجاوب الأمر مع حبه وقناعته واستعداده وهوالمعى 
الحقيقي للسمع والطاعة. 
والدرس الذي نود أن نتوجه به إلى القيادات الإسلامية والمسؤولين في الحركة هو أن يرحموا 
أعصاب جنودهم حين لا يستطيعون تفسير الأوامر لهم . 
ففي صلح الحديبية . وقائدهم رسول الله وي الموحى إليه من عند الله عز وجل ومع ذلك لم 
A -‏ 5 


تحتمل أعصابيم هذه الضغوط وانتهى الأمر بهم أن توقفوا عن تلبية نداء الرسول عليه الصلاة 
والسلام لهم بالإحلال. 


انفض القوم» ووقعت المعاهدة. وان نتهى الأمر. الذي أصبح حقيقة واقعة. فلا دخول 
للحرم اليوم ولا حرب ولا مواجهة . 


ولعلنا نقول أن الموقف الأخيرء هوالموقف الوحيد الذي يصدر فيه أمر نبوي ولا ينفذ للتو. 
ومن أجل ذلك كان هم النبي َة عظيياً على جنده الذين يهلكون إن خالفوا أمره ورفضوا 


تلفيذ توجيهاته . 

ونؤكد أنه لا يوجد في الأرض قيادة معصومة أو قيادة يوحى إليها وبالتالي فعلى القيادة أن 
تعذر الصف حين يتلكأ في أمر هو عكس قناعته . أو يتباطأ في تنفيذ قرار يناقض هواه . فإذا كان 
مجتمع الصحابة الذي هو حر يجتمعات الأرض لم يتمكن من الطاعة التامة بنفس الاندفاع السابق 
وقائده رسول الله لد فلا غرابة أن يظهر مثل هذا التصرف في أي صف مسلم قيادته منه تخطىء 


وتصيب . 


كا نشير كذلك في موطن استفادة قيادة الحركة الإسلامية من هذا الدرس إلى أهمية القدوة 
العملية من القيادة . 

إن الأمر النظري حين لا تكون القيادة أسرع الناس لتنفيذه لن تستجيب القاعدة له ولقد 
أدركت أم سلمة رضي الله عنها هذا المعنى حين ذكرت لرسول الله هة ضرورة الإحلال والحلق 
مله . واستجاب عليه الصلاة والسلام لاستشارة أم المؤمنين وخرج دون أن يتكلم بشيء فنحر 

فلم يعد لديهم عذر في احتمال تغير الرأي . 

إن القيادة التي تريد طاعة جنودها لا بد أن تكون أسرع الناس في تنفيذ ما تأمر به أما إذا كان 
واقعها يخالف أوامرها فقد تستجيب القواعد مرة أو مرتين لكنها سترفض الأوامر في المرة الثالثة 
وتتخل عن قيادتها وتديز لها ظهرها غير عابئة بالأمر. وتكون المسؤولية في مثل هذه الظروف على 
القيادة نفسها لا على الجنود. 

لقد شهدت الحركة الاسلامية في إحدى فصائلها صورة شبيهة هذه الصورة حين استنفرت 
جنودها لمواجهة الطاغية. وتسارع الشباب من أقصى الأرض ملبين النداء. وإذا بهم يشهدون 
انصرافاً عن المعركة في ظاهر الأمر إلى حلف سياسي مع خصوم تاريخيين همذه الحركة . وانسحب 
هذا التراجع الظاهري على الصف الداخلي فزلزل الصف وبقيت الحركة تعاني منه شهوراً طوالاً 

- 55 


وسنين كذلك ونا تمح اثاره بعد. 

والحقيقة أن الانضباط في كف اليد عن المعركة هو أصعب بكثير من التوجيه والدفع 
للمعركة فنفسية الجندي المسلم هي نفسية شجاعة ترغب في مصارعة العدو وحربه لتحقيق موعود 
الله . وحين تأتي الأوامر إليه بكف اليد يمس أن الأمر كبت وخحنقٌ له فيتذمر وكثيراً ما تفقد الحركة 
الإسلامية النصر في معاركها حين لا تملك السيطرة على جنودهاء وتحدد هي موعد المعركة ويلتزم 
شابها بوضع اليد على الزناد فترة طويلة دون إطلاق . 

نحن بحاجة أن نعيش هذه السيرة المطهرة جنوداً وقيادات ونعرف من خلالها الذي يهب 
علينا فنؤديه والذي يحق لنا فنطالب به . 

وإذا كان تاريخ الدعوة لم يشهد اندفاعاً أعظم من الاندفاع نحو بيعة الرضوان . فهو كذلك 
لم يشهد تلكوا وتأزما كا شهد يوم صلح الحديبية. 


ولم يترك الله تعالى هذا الصف المسلم في قلقه بعد أن أدى امتحانه العسير العسير. 
واستجاب لأوامر نبيه. بل جاء القران بعد ذلك ليهدىء النفوس الثائرة ويشرح أبعاد 
المعاهدة , . ويؤكد للصف المسلم أنها كانت الفتح البين في تاريخ الدعوة بل كانت بداية عهد جديد 
فحت أمامه افاق وافاق. وكان نقلة هائلة للدعوة غيّرت مجرى التاريخ وبقي الصف القوي 
الملتزم هو العدة الحقيقية للاستفادة من هذه الظروف 

وندع الحديث عن هذا الصف المسلم القوي للشهيد سيد قطب رحمه الله في الظلال ومن 
خلال حديثه عن سورة الفتح . 

(هذا الدرس كله حديث عن المؤمنين» وحديث مع المؤمنين مع تلك المجموعة الفريدة 

السعيدة التي بايعت رسول الله ية تحت الشجرة. والله حاضر البيعة وشاهدها وموثقها ويده فوق 
أيديهم فيها . تلك المجموعة التي سمعت الله تعالى يقول عنما لرسوله وَل : «لقد رضي الله عن 
المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرةء فعلم مافي قلويمم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً»» 
وسمعت رسول الله يي يقول ها: «أنتم اليوم حير أهل الأرض:0 » حديث عنها من الله سبحانه 
وتعالى الى رسوله يقي وحديث معها من الله سبحانه وتعالى يبشرها با أعد ها من مغانم كثيرة 
وفتوح» وما أحاطها من رعاية وعناية في هذه المرحلة. وفيا سيتلوهاء وفيم| قدر لها من نصر 
موصول بسنته التي لا ينالها التبديل أبدا. 

(لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلومهم فأنزل السكينة 


)١(‏ أخرجه البخاري في كتاب المغازي 


عليهم » وأثابهم فتحا قريبا ومغانم كثيرة يأخذونهاء وكان الله عزيزاً حكميا) . 

وإني لأحاول اليوم من وراء ألف وأريعمائة عام أن استشرف تلك اللحظة القدسية التي 
شهد فيها الوجود كله ذلك التبليغ العلوي الكريم من الله العلي العظيمء إلى رسوله الأمين عن 
جماعة المؤمنين. أحاول أن أستشرف صفحة الوجود في تلك اللحظة وضميره المكنون وهو يتجاوب 
جميعه بالقول اوي الكريم عن أولئك الرجال القائمين اذ ذاك في بقعة معيئة من هذا الوجود 
وأحاول أن أستشعر شيعا من حال اولئك السعداء الذين يسمعون بذَامهع أنهم هم بأشخاصهم 
وأعيا:هم يقول الله عنهم لقد رضي عنهم ويحدد المكان الذي كانوا فيه والحيئة التي كانوا عليها حين 
استحقوا هذا الرضا إذ يبايعونك تحت الشجرة يسمعون هذا من نبيهم الصادق المصدوق على 
لسان ربه العظيم الجليل . 

يالله ! كيف تلقوا ‏ أولئك السعداء ‏ تلك اللحظة القدسية وذلك التبليغ الإلهي التبليغ 
الذي يشير إلى كل أحد في ذات نفسه ويقول له : أنت. أنت بذاتك . يبلغك الله لقد رضي عنك 
وأنت تبايع تحت الشجرة إذ علم ما في نفسك فأنزل السكينة عليك . 


إن الواحد مناليقرأ ويسمع : : «اللهولي الذين أمنوأعفيسعد يقول في نفسه : ألست أطمم أن 
أكون داحلا في هذا العموم؟ ويقرأ ويسمع : «إن الله مع الصابرين» فيطمئن, ويقول نينف 
ألست أرجو أن أكون من هؤلاء الصابرين؟ وأولئك الرجال يسمعون ويبلغون واحدا واحدا أن 
الله يقصده بعينه وبذاته . لقد رضي عنه اد علم ما في نفسه ورضي عا في نفسه . 


يالله ! إنه أمر مهول . . .). 


ê @ 


الاصتزافا لرس حي من الوثنية بدولة الاإسلام 


شهدنا في السمة الماضية الصف القوي . وها نحن نشهد الآن عظمة القيادة النبوية من 
خلال صلح الحديبية . 


(... فلا جاء سهيل بن عمروء قال رسول الله َد : سهل أمرهم! فقال سهيل يا محمد 
إن هذا الذي كان من حبس أصحابك وما كان من قتال من قاتلك لم يكن من رأي ذوي رأينا 
بل كنا له كارهين حين بلغنا ولم نعلم به» وكان من سفهائنا. فابعث إلينا بأصحابنا الذين أسرت 
أول مرة» والذين أسرت آخر مرة . قال : إن غير مرسلهم حتى ترسلوا أصحابي . قال : أتصفتنا. 
فبعث سهيل ومن معه إلى قريش فبعثوا بمن كان عندهم» وهم عثمان وعشرة من المهاجرين 
وأرسل رسول الله َة أصحابهم الذين اسروا وكان َة يبايع الناس تحت شجرة خحضراءء وقد 
نادى عمر رضي الله عنهء إن روح القدس قد نزل على الرسول وأمر بالبيعة» فاخرجوا على اسم 
الله فبايعوا. فلما رأى سهيل بن عمرو ومن معه ورأت عيون قريش سرعة الناس إلى البيعة 
وتشميرهم إلى الحرب اشتد رعبهم وخوفهم وأسرعوا إلى القضية ولا جاء عثمان رضي الله عنه 
بايع تحت الشجرة وقد كان قبل ذلك حين بايع الناس قال رسول الله َا إن عثمان ذهب في حاجة 


(ورجع سهيل وحويطب ومكرز فأخبروا قريشاً با رأوا من سرعة المسلمين إل التنعيم 
فأشار أهل الرأي بالصلح على أن يرجع رسول الله ية ويعود من قابل )١(‏ فيقيم ثلاثا فلا أجمعوا 
على ذلك أعادوا سهيلا وصاحبيه ليقرر هذا. فلا راه النبي ية قال: أراد القوم الصلح . وكلم 
رسول الله فأطالا الكلام وتراجعاء وارتفعت الأصوات . وكان ية يومئذ جالسا متربعا وعبّادُ بن 
بشر وسلمة بن أسلم مقنعان بالحديد قائمان على رأسه فلما رفع سهيل صوته . قالا: اخحفض من 
صوتك عند رسول الله! وسهيل بارك على ركبتيه رافع صوته والمسلمون حول رسول الله از 
جلوس. .). 

(... فلا حضرت الدواة والصحيفة ‏ بعد طول الكلام والمراجعة ‏ دعا رسول الله از 
أوس بن حولي بکتب» فقال سهيل لا يكتب إلا ابن عمك علي أو عثمان بن عفان فأمر علياً فكتب 
فقال: اكتب. . .). 


)١(‏ قابل : العام القادم 
۲ 5 


(باسمك اللهم. هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبدالله وسهيل بن عمرو اصطلحا على 
وضع اشرب عشر سنن يأمن فيها اناس ويكف بعضهم عن بعض على أنه لا إسلال:» ولا 
إغلال(5 » وأن بيننا عيبةرم مكفوفة » وأنه من أحب حب أن يدخل في عهد محمد وعقده فعل . وأنه من 
أحب أن يدخل في عهد قريش وعقدها فعل . وأنه من أ محمداً منهم بغير إذن وليه رده محمد إليه» 
ران من أ قريشاًمن أصحاب محمد | بردو . وأن تحمداً يرجم عنا عامه هذا بأصحابه؛ ويدخل 
من قابل في أصحابه فيقيم بها ثلاث لا يدخل علينا بسلاح إلا سلاح المسافر. السيوف في 
ا 


شهد أبو بكر بن أبي قحافة. وعمر بن النطاب. وعبدالرحمن بن عوف. وسعد بن ابي 
وقاص › وعثمان بن عفان» وأبوعبيدة , بن الجراح؛ ومحمد بن مسلمة» وحويطب بن عبدالعزی» 
ومكرز بن حفص وكتب عل صدر الكتاب . 
الله ية الكتاب الأول» وأخذ سهيل نسخته. ووثب من هناك من خزاعة فقالوا: نحن ندخل في 
عهد عمد وعقده ونحن على من وراءنا من قومنا. ووثبت بنو بكر فقالوا: ندخل مع قريش في 
عهدها وعقدها» ونحن على من وراءنا من قومنا. . 

(ثم أذن رسول الله َة بالرحيل» فلم| ارتحلوا مطروا ما شاؤوا وهم صائفون() فنزل ونزلوا 
فقال رسول الله بد : ألا أخبركم خبر الثلاثة قالوا: بلى يا رسول الله قال: أما واحد فاستحيا 
فاستحيا الله منهء وأما الآخر فتاب فتاب الله عليه» وأما الثالث د تأعرض تأعرض ال الله عنه . 
د ال فل ی فا ١‏ ك أملك با م ا برت وول الله لو ؛ كل ذلك لا يبك ! 
وحرك بعيره حتی تقدم الس وخحشي أن يكون نزل فيه قرآن فأخذه ما قرب وما بعد مراجعته 
نادي : با عمر بن الخطاب! فوقع في نفسه ما الله به أعلم : لم أقبل حتی انتهى إلى رسول ال 8 
فسلم. فرد عليه السلام وهو مسرور ثم قال: تلت عل سورة هي أحب إل ما طلعت عليه 
الشمس . 

فإذا هو يقرأ : «إنا فتحتأ لك فتحاً مبينا. .» فأنزل الله في ذلك سورة الفتح فركض الناس 
وهم يقولون : أنزل على رسول الله ! حتى توافوا عنده وهو يقرؤها ويقال: لما نزل بها جبريل قال : 
ا سس 
)١(‏ الاسلال: السرقة الخفية والرشوة ويقال هو الغارة الظاهرة بسل السيوف (۲) الاغلال: الخيانة 
(۳) العيبة المكفوفة : كناية عن الصلح المعقود على الوفاء . (4) صائفوں: أقاموا بالمكان صيفا أو مروا به. 

TY 


(بنئك يا رسول الله! فلا هنأه جبريل هنأه المسلمون. . ١‏ )(). 

لقد كان اتجاه رسول الله ية إلى المصاحة منذ اللحظة التي بركت فيها ناقته فقال الناس: 
خحلأتر» القصواءء خلأت القصواءء فقال النبي ب : ما حلات القصواء وما ذاك ها بخلقء 
ولكن حبسها حابس الفيل . ثم قال: والذي نفسي بيده لا بسألوني خطة يعظمون فيها حرمات 
الله إلا أعطيتهم إياها) . 

والظاهر أن الوحي نزل على رسول الله يكل بالصلح مع العدو. لأن رسول الله َد لم يستشر 
كا تشير النصوص أحداً في هذا الأمرء واكتفى باعلان هذا الاتجاه بعد بروك الناقة وفي ذلك إشارة 
دقيقة : حبسها حابس الفيل عن مكة. وهذا يعني أن احتمال الرجوع عن مكة وارد. 

ومع وصول سهيل بن عمرو الذي تفاءل به عليه الصلاة والسلام قائلا : سهل أمرهم . 
وانتهاء المفاوضات الأولى بتبادل الأسرى بين الفريقين . لكن وصول هذا الوفد والبيعة على أشدها 
كان المهماز الأخير في اتجاه فريش إلى الصلح › وكان هدقها الأول: ألا تتحطم سمعتها 
العسكريةء وقرغ كرامتها بالتراب نتيجة دخول الرسول به مكة عنوةء أما بقية البنود فقابلة 
للأخذ والرد, 

وبين رغبتين جامحتين: رغبة لقريش أن لا يدخل عليهم مكة هذا العام أبدا. ورغبة 
المسلمين أن يدخلوا مكة ويطوفوا بالبيت الحرام» ورجوعهم هو هزيمة عسكرية لهم . 

بين هاتين الرغبتين الجامحتين كان النبي بها يوازن بآفاق أبعد واماد أرحب. وهل من هزيمة 
أعظم من قبول قريش المصالحة وبعثه وفد بذلك. قريش قبل عام واحد تحاصر المسلمين مع من 
جيشت من العرب . وتأتيهم من فوقهم ومن أسفل منهم وهي اليوم تبعث وفداً للمصالحة مع 
المسلمين على مشارف مكة . 
إنه نصر ساحق ولا شك والنصر الآخر هوأن تقف مكة على الحياد وتقف الحرب في جزيرة العرب 
وتفتح أبواب الجزيرة أمام المد الإسلامي . 

إنه نصر ساحق ولا شك . 

وأن يعود المسلمون في العام القادم ويدخلوا مكة باعتراف رسمي وحماية رسمية دون ان 
يتعرض لهم أحل بسوء . 

إنه نصر ساحق ولا شك . 


0 7 ع ٤‏ و 42و ر و و 


د 78 - 


وأن تفتح قريش صفحة جديدة مع المسلمين وتعترف بكيانهم ودولتهم » ويسود الأمن والود 
بين الفريقين. ويفتح باب الحوار الجديد مع قادة مكة من موقم القوة. 

إنه نصر ساحق ولا شك . 

هذا من جهة. ومن جهة ثانية : مادا ب يعني إصرار المسلمين على دخول مكة عنوة. 

إن أول معانيه » أن يكون الحقد والثأر هو الذي يطبم نفوس أهل مكة جميعاً. وهذا يسد إلى 
فترة غير قليلة باب الدخول في الإسلام أو التفكير به. 

وما كان رسول الله ية يغيب عن قلبه أبداً رغبته في إسلام أهل مكة . وهذه خسارة فادحة . 

وأن تقع معركة غير متكافئة يسقط فيها مئات الشهداء من المسلمين لدخول مكة. وهم قرة 
عيئه وخخيرة جنده؛ فهذه نحسارة فادحة ثانية , 

وأمام هذه التوازنات جميعاً وبتسديد الوحي . كان رسول الله ييه ماضن في خطته, لا 
يراوده فيها أدنى شك نلحظ ذلك من خلال إجابته الواضحة الصارمة لعمر بن الخطاب : 


(أنا عبدالله ورسوله؛ ولن أخالف أمره. ولن يضيعني) . 


والملاحظ أن رسول الله با لم يفصح عا ني نفسه إلا مضطرا وذلك أمام الحا المسلمين 
على دخول مكة. فأعاد لهم شريط الأحداث. لينتقلوا منه ومعه إلى النصر الجديد القادم . 

(أنسيتم يوم أحد إذ تصعدون ولا تلوون على أحد وأنا أدعوكم في أخراكم؟ أنسيتم يوم 
الأحزاب» إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر, 
أنسيتم يوم كذاء أنسيتم يوم كذا؟ والمسلمون يقولون: صدق الله ورسوله, يا نبي الله ما فكرنا فيا 
فكرت فيه » ولأنت أعلم بالله وبأمره منا) . 

وعودة إلى نصوص العاهدة» نلحظ من خلاها أول اعتراف رسمي من قريش بدولة 
الإسلام. إنه اعتراف بالدولة وليس اعترافا بالرسالة ومن أجل هذا ناقشوا كثيراً ب(الرحمن 
الرحيم) وب(رسول الله) ولكنها الخطوة الأولى على الطريق وإيقاف الحرب عشر سنين تهيء 
لرسول الله َه وللمسلسين جال رحبا للانطلاق بالإسلام إلى العرب كل العرب 
دون مقاومة أو مواجهة من أحد. فقد كانت العرب تنتظر مصبر الحرب بون الفريقين . واقفة عل 
الحياد ولا جرؤ أي تجمع عربي على الانضمام لأحد الفريقين خوفا من غلبة الفريق الآخر» وإن 
كانت بعض القبائل العربية ظاهرت قريشاً على رسول الله ية لكن تلك المظاهرة كانت منطلقة 
من الثقة المطلقة بقوة قريش . أما بعد الأحزاب» وبعد فشل الحجوم الضخم., إنتهت التحالفات 
العربية في المنطقة ضد الإسلام » وأيس الناس من إمكانية القضاء على الإسلام ورسول الإسلام . 

6 


۳ - وأهم بند من بنود المعاهدة إنتهاءعنصر الخوف في الأرض العربية فمن أحب أن يدخحل 
في عقد محمد وعهده دل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدها دخل فيه لقد فتحت 
آفاق الدعوة على مصراعيها دون وجل أو خوف من أحد, وهذا ما كان يريده رسول الله ييه منذ 
بداية الحملة. 

(إنالم نأت إلى قتال أحدء إنما جثنا لنطوف بهذا البيت فمن صدنا عنه قاتلناه وقريش قوم قد 
أضرت - بهم الحرب ونبكتهم . ٠‏ فإن شاؤوا ماددتهم مدة يأمنون فيهاء ويخلون فيم بيلنا وبين الناس ‏ 
والناس أكثر منهم - فإن ظهر أمري على الناس كانوا بين أن يدخلوا فيا فيا دخل فيه الناس. أو يقاتلوا 
وقد جموا والله لأجهدن على أمري هذا إلى أن تنفرد سالفتي, أو ينفذ الله أمره)رم . 

٤‏ - والبندان الأخيران اللذان أثارا حفيظة المسلمين يجد الناظر فما لأول وهلة أنبها يجحفان 
بحق المسلمين. لكن النظرة الأبعد. تؤكد أنهما لمصلحة المسلمين . 

وأول هذين البندين: 

«وأنه من أت محمداً مہم بغير إذن وليه رده محمد إليه» . 

ولا شك أن هذا البند فيه في ظاهر الأمر - تخل عن المستضعفين المؤمنين في مكة غير أن ما 
ذكره القرآن حوهم يؤكد أن تأجل المعركة مع قريش وتأخبرها هو لصالح هؤلاء المستضعفين في 


«ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤوهم فتصيبكم منہم معرة بغير علم 
ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا مغهم عذاباً أليها. . (OC.‏ 

لأن الحرب'لو اندلعت لتعرض المستضعفون في مكة للابادة بينها قامت هذه المعاهدة 
بتحقيق نصر معنوي هم أهم ما فيه العهد مع دولتهم بالموادعة. 

ومع أن الإجحاف الجزئي من خلال هذا النص قد أثر قليلا على أعصاب المسلمين لكنه ما 
لبث أن تعدل بعد أقل من شهرين. وذلك بعد خروج أبي بصير ومن معه من المسلمين إلى ذي 
المروة بالساحل . 

وثاني هذين البندين: (وأنه من أق قريشاً من أصحاب محمد لم يردوه) 

ورسول الله ية مطمئن إلى المؤمنين عنده وكيا قال لصحبه : 

(ومن جاءهم منا فلا رده الله) 


١85 ص‎ ١ امتاع الأسماع ج‎ )١( 
الآية 8 : الفتح‎ )۲( 
5 ۳1 


إذ ماذا يجدى وجود عسلاء لقريش في الصف المسلم أو منافقين يكيدون للإسلام؟ 
- ورجوع رسول الله َة عن مكة في ظاهره فشل لحملة الحديبية وفي حقيقته اعتراف 

رسمي بحق المسلمين بدخول مكة في العام القادم . 

وكم الفرق بين نصر جزئي لن يصل له المسلمون دون مئات الشهداء والقتل من الفريقين . 

وبين دخول رسمي لمكة من المسلمين بإقرار المشركين . 
قائل : 

(إنا فتحنا لك فتحاً مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر, ويتم نعمته عليك 
وديك صراطاً مستقيهاء وينصرك الله نصراً عزيزا):م. 

واقتضت هذه الآيات» تهنئة أهل السماء على لسان جبريل عليه السلام. وتبيئة أهل 
الأرض وعلى رأسهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقد استدعاه رسول الله.ية من بين 
المسلمين جميعاً أ. ليتلر عليه آيات الله. ويسكب الطمأنينة والسكينة والأمن في قلبه. 


والأرض . وکان الله علي جک 


(ما كان فتح أعظم في الإسلام من فتح الحديبية . ولكن الناس يومئذ قصر رأمبم عا كان 
بين محمد وريه . والعباد يعجلون, والله لا يعجل كعجلة العباد حتى تبلغ الأمور ما أراد. 

لقد نظرت إ إلى سهيل بن عمرو في حجة الوداع قائ عند المنحر يقرب إلى رسول الله يد 
بدنه . ورسول الله ينحرها بيده ! ودعا الحلاق فحلق رأسه فأنظر | إلى سهيل يلقط من شعره صقن 
وأراه يصعه على عينيه ! وأذكر إباءه أن يقر يوم الحديبية بأن يكتب بسم الله الرحمس الرحيم! وإباءه 
أن يكتب أن محمداً رسول الله! فحمدت الله الذي هداه للاسلام. فصلوات الله وبركاته على 
نبى الرحمة الذي هدانا به. وأنقذنا به من اهلكة)ر). 


والحركة الإسلامية اليوم بحاجة إلى أن تراجع رصيدها على ضوء هذه السمة وأن لا تشغلها 
)١(‏ سورة الفتح الآيات ٣-١‏ 


(۲) الآية 4 من سورة الفتح 
(" ) امتاع الأسماع ص ۲۹۹ 


5 ۷ 


النزوات والانفعالات الحزئية عن الخطة العامة التي تجعل الهدف العام يضحى من أجله بالمنفعة 
القريبة العاجلة. 

إن الانتقال بالدعوة إلى المجال السياسي بحيث تثبت وجودها فيه. بجانب الجهد 
العسك ي الذي تبذله هو الذي يمكن هذه الدعوة ف الأرص . وإن الدعوة حن تسد في وجهها 
السبل» وتوضع في عجلاتها العصي » وينزل الاضطهاد بها من كل صوب. لا تجد أمامها محيصاً 

من اللجوء إلى القوة حتى تضرب جذورها في الأرض . لک ن هذه القوة ة هي ال لوسيلة الناجعة للعودة 

إلى الحوار الفكري والمجال السياسي مع الخصوم . وتستطيع ان تحقق بترافق ذينك الجانيين معظم 
أهدافها. أما التخلى عن واحد منها فهو خلل كبير تصاب به الدعوة. 

لقد رأينا الحركات الإسلامية حين تعتمد على الحرية الديمقراطية دون سند لما من قوة. ولو 
وصلت إلى بعض المواقع . لكنها سرعان ما تخسرها لان الباطل لا يرضى ها الغلبة وهو قادر على 
إزاحتها. وتجارب الحركة الإسلامية من خلال منح وزارة أو إعطاء قطاع من القطاعات حرية 
محدودة سرعان ما ينهار ذلك العطاءء وتجتث تلك الثمرات. كما أن اعتماد القرة وحدها ونسيان 
هدف الدعوة الرئيسى واعتماد التحرك السياسي . سرعان ما يفصم بينبأ وبين الناس ويوسم اطوة 

أما أن يكون الحانب الجهادي بجوار التحرك السياسي . وكلاهما يخدمان دعوة الاسلام هر 
الطريق ١‏ لطبيعو لتحقيق نصر الله . 

يقول الزهري رحمه الله عن فتح الحديبية : 

(فا فتح ف الاسلام ف كان أعظم منهء إثما كان القتال حيث التفى الناس فلا كانت 
المدنة. ووضعثت اسرب وامن الناس بعضهم بعضاً والتقوا فتفاوضوا ف الحديثت 
والمنازعة فلم يكلم أحد بالإسلام يعقل شيئا إلا دحل فيه ولقد دخل في تينك السنتين مثل من 
كان في الاسلام قبل ذلك أو أكثر)ر١)‏ . 

قال ابن هشام : والدليل على قول الزهري أن رسول الله به خرج إلى الحديبية في ألف 
وأربعمائة في قول جابر بن عبدالله ثم خرج عام فتح مكة بعد ذلك بسنتين بعشرة الاف. 

ومن الآلاف العشرة يوم الأحزاب. إلى الآلاف العشرة يوم فتح مكة يظهر حقيقة هذا 
الفتح المبين. 


ولا شك أن رسول الله هة استثمر هذا الفتح أعظم استثمار. 


٣٣۳۷ السيرة لابن هشام 4 ص 785 و‎ )١( 


والمؤمنون المجاهدون بحاجة إلى أن يستثمروا المواقم التي يربحونها أعظم استثمار. 

وها نحن نشهد في السمات التالية اثار هذا الاعتراف ونتائج هذا الفتح بحيث قلب 
الموازين كلها لصالح الإسلام والمسلمين. 

(لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله امنين محلقين 

رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم مالم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحاً قریبا )“ . 


© © © 


ااا م س 
)١(‏ سورة الفتح الآية لا 


السمة السادسة بحربالستصحنين 


لقد بقي القلق يساور المسلمين على المستضعفين في مكة . ومنظر أبي جندل بن سهيل رضي 
الله عنه فتت أكبادهم . غير أن قدوم أبي بصير رضي الله عنه قلب الموازين كلها لصا حهم وصالح 
دولة الإسلام الحديدة. ولنشهد مفهوم العهود الدولية . ومفهوم حرب العصابات من خلال هذه 
السمة: 

(فلما قدم رسول الله يهاز المدينة أتاه أبو بصير عتبة بن أسيد» وكان ممن حبس بمكة . فلما 
قدم على رسول الله كتب فيه أزهر بن عبد عوف, والأخنس بن شريق [إلى رسول الله كتاباً مع 
خنيس بن جابر من بني عامر وخرج معه مول له يقال له كوثر وفي كتابه| ذكر الصلح . وأن يرد 
فيه : قد عرفت ما شارطناك عليه وأشهدنا بيننا وبينك من رذ من قدم عليك من أصحابناء 
فابعث إلينا بصاحينا . تأمر رسول الله يق أب بصير أن يرجع معهم ودف اس فقال : يا رسول 

علمت. ول يصاع لاي يت ادر وإن الله جاعل لك ومن معك من المسلمين فرجأً وغرجا. 
فقال: يا رسول الله أتردني إلى المشركين! قال: إنطلق يا أبا بصير فإن الله سيجعل لك محرجا]) 
فانطلق معهما حتى إذا كان بذي الحليفة جلس إلى جدار وجلس معه صاحباة. قال أبو بصير: 
أصارم سيفك هذا يا أخا بني عامر؟ فقا 0 : أربيه أنظر | ليه؟ قال : انظر إن شت شئت» قال: 
السجد فلب رآ رسول الله هة طالاء قال إلا جل ترا عا لا تی لل مسوك 
عنك أسلمتني بيد القوم وقدامتنعت بديني أن أفتن فيه أو يعب ثبي . قال رسول الله اة ويل أمه 
حش ۲) حرب لو كان معه رجال)© [وقدم سلب العامري ورحله وسيفه ليخمسه رسول الله 
يك . فقال: إني إذا خسته رأوا أني لم أوف لهم بالذي عاهدتهم عليه . ولكن شأنك بسلب 


۳۰۳:۱ بين المعترضين من امتاع الأسماع للمقريزي ج‎ )١( 
السيرة لابن هشام ج ۳: ۳۳۷ و۳۳۸‎ )*( 


لأبي بصير: إذهب حيث شئت ]رم 


فخرج حنى أت العيص فنزل منه ناحية على ساحل البحر على طريق عير قريش إلى الشام 
وعندما حرج لم يكن معه إلا كف تمر فأكله ثلاثة أيام : وأصاب حيتاناً قد ألقاها البحر بالساحل 
فأكلها. وبلغ المسلمين الذين حبسوا بمكة خبره فتسللوا | ليه. وكان عمر بن الخطاب رضي الله 
عنه هو الذي كتب | إليهم بقول رسول الله ية لأبي بصير: ويل أمه محش حرب لو كان معه رجال 
وأخبرهم أنه بالساحل فاجتمع عند أبي بصير قريب من سبعين مسلا فكانوا بالعيص . وضيقوا 
على قريش» فلا يظفرون بأحد منهم إلا قتلوه. ولا تمر عير إلا اقتطعوها ومر مہم ركب يريدون 
الشام معهم ثمانون بعيرأ فأخذوا ذلك وأصاب كل رجل منهم قيمة ثلاثين دينارأى وكانوا قد أمروا 
عليهم أبا بصير. فكان يصل مهم . ويقرئهم ويُجِمُعُهِم, وهم له سامعون مطيعون. فغاظ قريشاً 
صنيع أبي بصير وشق عليهم وكتبوا إلى رسول الله ية يسألونه بأرحامهم إلا أدخل أبا بصير إليه 
ومن معه: فلا حاجة لنا بهم . فكتب ب إلى أبي بصير أن يقدم بأصحابه معه فجاءه الكتاب وهو 
يموت. فجعل يقرأه ومات وهو في يده فدفنوه. وأقبل أصحابه إلى المدينة وهم سبعون. .). 

(وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط قد أسلمت بمكة. فكانت تخرج إلى بادية أهلها 
فتقيم أيامأ بناحية التنعيم ثم ترجع حتى أجمعت على المسير مهاجرة . فخرجت كأنما تريد البادية 
على عادتبها فوجدت رجلا من خزاعة فأعلمته بإسلامها؛ فأركبها بعيره حتى أقدمها المدينة بعد 
ثمان ليال . فدخلت على أم سلمة رضي الله عنها وأعلمتها أنها جاءت مهاجرة وتخوفت أن يردها 
سول الله وك قم دنعل على أم متلمة أعلمته فرحب بام كانوم وسیل فذكرت له همجرت وأا 
تخاف أن يردها فأنزل الله فيها اية الممتحنة. . فكان رسول الله ية يرد من جاءه من الرجال ولا 
يرد من جاءه من النساء . وقدم أخواها من غد قدومها الوليد وعمارة ابنا عقبة بن أبي معيط فقالا: 
يا محمد ف لنا بشرطنا وما عاهدتنا عليه . فقال: قد نقض ذلك . فانصرفا إلى مكة فأخبروا قريشاً 
فلم يبعثوا أحداً ورضوا بأن تحبس النساء)رم. 

إننا نشهد مبادىء حرب العصابات من خلال حادثة أي بصير رضي الله عنه . 


فلا بد لمن يفكر ببذه الحرب أن يكون ذا إرادة قوية وعزيمة فولاذية وتفكير أي بصير با هروب 
من سجن قريشء. وتنفيذ ذلك والهجرة إلى المدينة يعني أنه يلك التصميم على 
المقاومة إنها النفسية الحية التي 'ترفض الذل وتأى الهوان. وهذه هي نقطة الانطلاق الأولى في أية 
مقاومة مسلحة للطغاة في الأرض . 


م١4‎ .١ امتاع الأسماع ج‎ )١( 
(؟) امتاع الاسماع ج أ بهد" وكام‎ 


۲ وكان من الممكن أن ينتهي أبو بصير رضي الله عنه لو اكتفى بنزوحه إلى المدينة وعودته 
إلى مكة مع صاحبيه اللذين جاءا لاستلامه غير أن هذه الإرادة برزت في الالحاح على قيادته أن لا 
يعود إلى الذل» وكان جواب النبي كله : 

إنه لا يحل في ديننا الغدرء فاصبر واحتسب فإن الله جاعل لك فرجاً وخرجاً. 

وها هو يتلقى مبادىء ثلاثة من قيادة الدعوة : 

المبدأ الأول: الوفاء بالعهود والمواثيق ولو مع المشركين المجرمين المعتدين . 

المبدأ الثاني : إن مصلحة الجماعة فوق مصلحة الفردء ولهذا الأمر كان هذا الشرط 
المجححف. 

المدأ الثالث : الثقة بالله وبموعوده أنه لا بد من فرج ورج بعون الله. 

ولكنه لم يكن يدري أنه هو صاحب الفرج والمخرج» إذ أعده الله تعالى لذلك . 

۴ - ولعل ايجاءات إخوته في المدينة كانت أن لا يدع سبيلا للمقاومة إلا ويسلكهاء ومن 
أجل ذلك بيت في نفسه أمرأً وهو القضاء على هذين الصاحبين اللذين جاءا لإعادته إلى ربقة الذل 
والعبودية» وإعادته إلى قريش يفتنونه في دينهء ونفذ ما عزم عليه في حيلة بارعة توصل بها إلى 
سيف العامري وقتله يه » ولحق بمولاه إلى المدينة , 

4- وكانت الخطوة الثالثة من التصميم عندما جاء إلى رسول الله ب قاثاد له : وفت ذمتك يا 
رسول الله وأدى الله عنك, وقد أسلمتني بيد العدو. وقد امتنعت بديني من أن أفتن » ويعيث 
بي أو أكذب باحق . 

وكانت هذه القوة الفتية من أي بصر منطلقاً للتوجيه إلى الحرب الواسعة من خلال تخطيط 
محكم ومدد بالرجال بدلا أن تكون مبادرة فردية أو نزوة طارئة . 

وحتى تبرؤ الذمة تماما قال عليه الصلاة والسلام لكوثر المولى الذي نجا: ترجع به إلى 
أصحابك فقال: يا محمد مالي به قوة ولا يدان فقال يله لأبي بصير: إذهب حيث شئت. 

لا بد من اختيار المكان. واختيار الرجالء والتخطيط لحرب طويلة الأمد. لكن المدينة 
ليست هي الأرض المناسبة هذه الحرب . فالمدينة ملتزمة بمواثيق دولية مع مكة. ولا بد من اختيار 
أرض هناسبة هذه الحرب والرجال ليسوا من المدينة . الرجال هم من رعايا مكة نفسها والمكان لا 
بد أن يقض مضجع مكة. فكان ذا المروة بالساحل . 

ومن تام الوفاء بالعهود والمواثيق الدولية من رسول الله ية أنه رفض تخميس سلب 
العامري لأن هذا يعني الإعتراف بشرعية انتمائه للمدينة وهذا الانتهاء غير شرعي . فلا بد من 

85 


البحث عن أرض أخرى» ورجال اخرين» ومضى أبو بصير بهذا الخط العام الذي رسمه له 
رسول الله عليه الصلاة والسلام . 

ه - ومضى رضي الله عنه بكف تمر أكله خلال ثلاثة أيام» والثائر الحقيقي لا بد أن يوطن 
نفسه على ادوع والعري والفاقة. وأن يتجلد على القسوة والشدة والمحنة. ثم لحأ بعد انتهاء كف 
التمر إلى حيتان البحر. ورجل الثورة بحاجة إلى أن ينمى الامكانات الذاتية للثورة لا أن يكون 
اعتماده على المعونات الخارجية, لأن هذه المعونات من المحتمل أن تنضب في كل لحظة » أو تنقطع 
وبالتالي هلك بذلك . 


5 _لقد كان أبو بصب ر بحو قائد ژ نورة» ومبادىيء الثورة تہ تبيح المواجهة المباشرة وغير المباشرة . 
وما احتال به على العامري لقتله وأخذ سيفه . خط إسلامى أصيل حين بجمم المدو على القضاء 
على الحركة الإسلامية وذلك بأن تلجأ إلى التعمية والتغرير بالخصم لقتله وأخذ سلاحه . 


والثورة الإسلامية حين تنطلق . تستطيع أن تتبع الأساليب المناسبة الناجعة مع أزلام الطغاة 
وزبانيتهم . لأخهم يعلمون الجريمة التي يساهمون بها. 
راما . ولا تحرجها حين تتحرك على ا بصي عل کی ا مويق 
ظ لقد رأينا أبا بصير وارتباطه بالإسلام ارتباط عقيدةء وارتباطه برسول الله َة ارتباط عقيدة 
وإيمان. ومع ذلك لم يحرج رسول الله ية بالتحرك على أرضه أو طلب المدد منه وقد تعلم هذا 
الدرس حين رفض رسول الله ييو حتى أن يخمس له سلبه. 

وما أحوج الثورة الإسلامية إلى أن تدرك هذه المعاني وخاصة عندما لا يكون ارتباطها ارتباط 
عقيدة مع الدولة التي تتحرك في أرضها. 

كا أن على شباب الحركة الإسلامية أن يدركوا الظروف الصعبة التي تمر بها قيادتهم » 
وتضطر إلى التخلٍ عن معونتهم ومددهم لمصلحة الدولة ذاتها . فلقد وقع عليه الصلاة والسلام 


ميثاقاً من صلب نصوصه عدم حماية الثوار المسلمين ومددهم وإعادتهم وتسليمهم للدولة العدولو 
جاؤوا إليه. 


۸ - وكان الرصيد الحقيقي للثورة هم رجال مكة المسلمون المستضعفون الذين انضموا إلى 


أي بصير واحداً تلو الآخر حتى بلغ عددهم سبعين رجلا من المجاهدين والدرس الذي تستفيده 


- 3 


الثورة الإسلامية من هذا الحدث هو أن الرصيد الحقيقي للثورة هومن أبناء البلد الثائر. هذا هو 
الرصيد الحقيقي . ومن أجل ذلك لم ينضم لحيش الثورة رجل واحد من المسلمين في المدينة . لأنه 
جندي نظامي في دولة رسمية . اما المستضعفون المسلمون قي مكة فقد انضموا إلى أبي بصير عن 
بكرة أبيهم وكانوا هم أصحاب القضية وأبناؤها الأصليين والثورة التي تقوم وتعتمد في رصيدها 
على الرديف من الدول الأخرى لن يكتب ها النجاح . 


9 واختيار المكان المناسب للثورة ذو أهمية قصوى في نجاحها فعصب قريش هو التجارة 
وتجارتها إلى الشام هي المحور الأول. ولم يرتفع الاختناق عنها إلا بعد صلح الحديبية . فإذا بها 
تفاجأ من جديد بعودة الإرهاب إلى الطريق» والقافلة إثر القافلة يباد رجاها وتقضي أموالها. 
فا موقع الاستراتيجي المناسب الذي يمكن الثورة من قطع شريان الحياة عن أعدائها هو الذي يجعل 
هذا العدو يلين ويرضخ أما إذا لم يشعر العدو أنه مهدد بحياته ووجوده وأمنه فسوف يسحق هذه 
الثورة ويبيدها عن أخر رجل فيها. 


وكل ثورة لا تجد منطلقاً تنطلق منه إلى حدود العدو ستنتهي في الغباية إلى لاجشين 
سياسيين يعيشون على موائد الأخرين . وكل ما من شأنه أن يقصم ظهر العدو ويفل مقاومته هو 
من حق الثائرين سيان كان أهدافا مدنية أو عسكرية وهدف الثورة هورفع الظلم والااضطهاد عن 
المستضعفين . ولن يتراجع الطغاة عن طغياهم مالم يصابوا بأرواحهم وحياتهم وأمواهم وأمنهم . 
عندثذ يسقط في يدهم ويشعرون أنه قد أحيط مهم فيستسلمون. 


٠‏ - وليس هدف الثورة الإرهاب والفتك للارهاب والفتك. إن هدفها هو رفع الظلم 
والاضطهاد عن المسحوقين الملاحقين بعقائدهم وفكرهم ومقدساتهم وحين يتحقق الهدف تنتهي 
الثورة ومن اجل ذلك عندما استفحل أمر الثوار المسلمين في الساحل . وعرفت مكة أنها عل وشك 
الاختناق. وأن جبهة جديدة فتحت عليها تقض مضجعها وأمنها راحت إلى رسول الله يله 
تتفاوض معه وترجوه وتسترحمه أن ينبي هذه الثورة ويضسم 
هؤلاء المسلمين إلى جيشه النظامي . فيسري عليهم ما يسري على جيشه بالتزام الهدنة والصلح . 

(وكتبوا إلى رسول الله ية يسألونه بأرحامهم إلا أدخل إليه أبا بصير ومن معه. وتحقق 
هدف الثورة وانضم الثوار إلى دولة الإسلام. وهم سبعون من المجاهدين الذين تزيلوا من 
صفوف العدو وتميزوا). 


ولا بد أن نلاحظ حدود الثورة وطاقتها وإمكاناتها. فلم يكن هدف ثورة أبي بصير. هو 
٤‏ 5 


إسقاط نظام مكة والسيطرة عليه بمقدار ما كان هدفه هو ضم قوات المستضعفين إلى قيادتهم في 
المدينة . وحفقت الثورة أهدافهاء وقائدها على فراش الوت . وكتاب رسول الله ید ده أن يقدم 
بأصحابه معه. فمات قرير العين بتحقيق موعود الله تعالى له بالنصر والشهادة. 


لكننا نرى تصرفاً آخر قامت به أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط أعدى أعداء الله . لا بقل 
بطولة عن أبي بصير إذا روعيت النسبة بين طاقات الرجال والنساء . 


فأم كلثوم رضي الله عنبا وقد خالطت بشاشة الإسلام فلبها وهي ف بۇرة ة العداوة 
للمسلمين, > حططت وغافلت أهلها حتى استطاعت أن تجد رجلل من خزاعة فسافرت معه مهاجرة 
إلى المدينة . 


ويبدو فقهها رضي الله عنها في جانبين : 

الجانب الأول : في التخطيط للهجرة حتى تخلص من جحيم أهلها ونار عداوتهم للإسلام . 

الجانب الثاني : بحسن اختيارها لمن تنتقل معه فهي تعلم من بنود المعاهدة أن خزاعة هم 
حلفاء محمد ية بعد الحديبية ومن أجل ذلك انتظرت حت لقيت الرجل الحليف لمحمد وانطلقت 


معة , 


ويبدو فقهها رضي الله عنها كذلك حين نزلت عند أم سلمة رضي الله عنها. فهى تعلم 
من بنود العاهدة أن على رسول الله وي أن يعد من بأيه مل من الي فاخشأت عندهاء 
وكانت الأقدار العجيبة » أن تنزل عند المهاجرة الأولى أم سلمة رضي الله عنهاء والتي قامت 
بالمغامرة نفسها قبل ست سنين أو سبع وفي الطريق نفسه» وحيدة فارة بديتها من مكة إلى زوجها في 
المدينة . والتقت المهاجرتان في بيت واحد. وفي بيت رسول الله بء وأعلم عليه الصلاة والسلام 
بالأمر فرحب بأم كلثوم . وجاء أمر الله تعالى أن لا تعود إلى مكة . 

ونلاحظ من هذه المغامرة الحريئة أمورا تحتاجها الخركة الإسلامية حين تكون في مرحلة 
الثورة فالأصل أن لا تسافر المرأة إلا مع محرم . وها نحن نجد أم كلثوم رضي الله عنها تسافر مسيرة 
ثمان ليال بدون حرم لأن محارمها أعداء الله . ولأن وجودها في محضنها الطبيعي بعيدأ عن عارمها 
وتحت ظل دولة الإسلام هو الأصل . 

وليس الأخ المسلم فقط هو الذي يؤمن على عرض المرأة المسلمة. بل كذلك الحليف المشرك 


ب 58 سه 


ولو رافقها في سفر طويل . لأن هذه الضرورة تقدر بقدرها والحركة الاسلامية وقيادتها ها الولاية 
على كل امرأة مسلمة تقع في برائن العدو ولو كان هذا العدو أباها أو أخاها أو زوجها لقد قرر 
الإسلام هذا المبدأ 5 هذا الظرف واعتبر رابطة الاسلام فوق رابطة الزوجية وذلك في قوله 
تعالى : 

يا أبها الذين امنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانين فإن 
علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون هن واتوهم ما أنفقوا 
ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا أتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا ب بعصم الكوافر واسألوا ما أنفقتم 
وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حکیم » وإن فاتكم شيء ء من أزواجكم 
إلى الكفار فعاقبتم فاتوا الذين ذهبت ت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتقوا الله الذي أنتم به 
مؤمنون #(1). 

وكان رسول الله هة على استعداد أن ينقض الاتفاق كله بأمر الله عز وجل لحماية المرأة 
المسلمة المهاجرة . 


وما أروع هذا المعنى أن تفقهه المرأة المسلمة. 


فقيادة الاسلام على إستعداد أن تشن حرباً كاملة وتخسر أضخم الامتيازات لحماية إمرأة 
مسلمة مهاجرة مجاهدة . 


ونما كتبه عروة د بن الزبير رضي الله عنه للزهري حول هذه الآية . ما يزيد المعنى وضوحا 
وجلاء قال: إن رسول الله يق كان صالح قريشاً يوم الحديبية على أن يرد إليهم من جاء بغر إذن 
وليه. فلا هاجر النساء إلى رسول الله ية وإلى الإسلام أب الله أن يُرددن | إلى المشركين إذا هن 
امتحن بمحنة الإسلام . فعرفوا أنما جئن رغبة في الاسلام وأمر برد صدّقاتين إليهم إن احتبسن 
عنهم . إن هم ردوا على المسلمين صداق من حبسوا عنهم من نسائهم . ذلكم حكم الله يحكم 
بينكم والله عليم حكيم . فأمسك رسول الله النساء ورد الرجال وسأل الذي أمره الله 
به أن يسأل من صدقات نساء من حبسوا منبن. وأن يردوا عليهم مثل الذي 
يردونه عليهم إن هم فعلوا . ولولا الذي حكم الله به من هذا الحكم لرد رسول 
الله النساء كا رد الرجالء ولولا المدنة والعهد الذي كان بينه وبين قريش يوم الحديبية لأمسك 
النساء ول يردد هن صداقاً . وكذلك كان يصنع يمن جاءه من المسلمات قبل العهد . 


لقد انتهت رابطة الزوجية بين المسلم والكافرة وبين المسلمة والكافر» وأصبحت العلاقة 


١١ . ٠٠١ سورة الممتحنة الآيتان‎ )١١ 
3 ٤ 


علاقة عقيدة فحسب لكن هذا لا يلغي الحقوق المالية بين الطرفون» ويمكن استيفازها بين 
الدولتين. 1 

وهكذا نلحظ طبيعة الظروف التي تضطر الحركة الاسلامية أحيانا أن تتخلى عن بعض 
البنود وطبيعة الظروف التي تضطر المرأة المسلمة أحيان أن تتخلى عن بعض الأحكام الجحزئية تلافيا 
لخطر أكبر مثل قضية السفر مع محرم ومثل قضية اهرب من الزوج الكافر والأولياء الكافرين إلى 
أرض الإسلام والمسلمين. 


626 


السكةالسبابعة ؛ 
الاعلان العا لي للاسلام؛ مإسلةالملوك والأمااء 


في أواخر السنة السادسة حين رجع رسول الله ية من الحديبية كتب إلى الملوك يدعوهم إلى 
الإسلام : 


ولا أراد أن يكتب إلى هؤلاء الملوك قيل له : | نهم لا يقبلود | إلا وعليه خاتم » فاتخذ النبي 
خاماً م فضة ؛ تفغ : محمد رول الله » وكان هذا اقش ثلاثة أسطر : محمد سطر › 
رسول سطر » والله سطر ۽ هكذا . محمد رسول الله . 

واختار من أصحابه رسلا لهم معرفة وخبرة » وأرسلهم إلى الملوك وقد جزم العلامة المنصور 
فوري أن النبي بَا أرسل هؤلاء الرسل غرة المحرم سنة سبع من الهجرة قبل الخروج إلى خيبر 
بأيام . وفيها يلي نصوص هذه الكتب وبعض ما تمخضت عنه . 

: الكتاب إلى النجاشي ملك الحبشة‎ - ١ 


وهذا النجاشي اسمه أصحمة بن الأبجر » كتب إليه النبي اة مع عمرو بن أمية الضمري 
في اخحر سنة ست أرني الحرم سنة سبع من الحجرة وقد ذكر الطبري نص الكتاب ولكن النار 
الدقيق في ذلك النص . يفيد أنه ليس بنص الكتاب الذي كتبه با بعد الحديبية » بل لعله نص 
كتاب بعثه مع جعفر حين خرج هو وأصحابه مهاجرين | إلى الحبشة في العهد المكيٍ 3 فقد ورد في 
آخر الكتاب ذكر هؤلاء المهاجرين بهذا اللفظ ( وقد بعثت إليكم ابن عمي جعفراً ومعه نفر من 
المسلمين » فإذا جاءك فأقرهم ودع التجبر ) . 


وروى البيهقي عن ابن اسحاق نص كتاب كتبه النبي اة إلى النجاشي وهو هذا: هذا 
كتاب من محمد النبي إلى النجاشي الأصحم عظيم الحبشة » سلام على من اتبع الهدى » وآمن 
بالله ورسوله » وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ؛ لم يتخذ صاحبة ولا ولدا » وأن محمدأً 
عبده ورسوله . وأدعوك بدعاية الإسلام , فإني أنا رسوله أسلم تسلم ٠‏ يا أهل الكتاب تعالوا إلى 
كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيثا » ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من 
دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون » فإن أبيت فإن عليك إثم النصارى من قومك . 

ولا بلغ عمرو بن أمية الضمري كتاب النبي ية الى النجاشي أخذه النجاشي » ووضعه 
على عيئه » ونزل عن سريره على الأرض » وأسلم على يد جعفر بن أي طالب » وكتب إلى النبي 
كيه بذلك . وهاك نصه : 

- A - 


بسم الله الرحمن حمن الرحيم 


إلى محمد رسول الله من النجاشي أصحمة سلام عليك يا نبي الله ورحمة الله وبركاته الله 
الذي لا إله إلا هو أما بعد: 


فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيه| ذكرت من أمر عيسى » فورب السماء والأرض إن عيسى 
لا يزيد على ماذكرت تفروقا » إنه كما قلت » وقد عرفنا ما بعثت به إلينا وقد قرينا ابن عمك , 
وأصحابك فأشهد أنك رسول الله صادقاً مصدقا وقد بايعتك » وبايعت ابن عمك » وأسلمت 
على يديه لله رب العالمين . 


وكان النبي ب قد طلب من النجاشي أن يرسل جعفراً ومن معه من مهاجري الحبشة » 
فأرسلهم في سفينتين مع عمرو بن أمية الضمري . فقدم بهم على النبي ب وهو بخيبر » توفي 
النجاشي هذا في رجب سنة تسع من الحجرة بعد تبوك ونعاه النبي َة يوم وفاته وصلى عليه صلاة 
الغائب » ولا مات وتخلف على عرشه ملك آخر كتب إليه النبي يك كتاباً آخر ولا ندري هل أسلم 
أم لا ؟ 

؟ - الكتاب إلى المقوفس ملك مصر : 

وكتب النبي إلى جريج بن متى الملقب بالمقوقس ملك مصر والاسكندرية: «بسم الله 
الرحمن الرحيم» من محمد عبدالله ورسوله الى المقوقس عظيم القبط» سلام على من اتبع الهدى. 
أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم» وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين» فإن توليت فإن 
عليك إثم أهل القبط «يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا نا وبینکم » أن لا نعبد إلا الله ولا 
نشرك به شيئاً. ولا يتخذ بعضنا بعضاً أربابا من دون الله. فإن تولوا فقولوا: اشهدوا بأنا 
مسلموت). 

واخختار لحمل هذا الكتاب حاطب بن أبي بلتعة » فلها دحل حاطب على المقوقس قال له: إنه 
كان قبلك رجل يزعم أنه الرب الأعلى. فأخذه الله نكال الآخرة والأولى فانتقم به ثم انتقم منه» 
فاعتبر بغيرك, ولا يعتبر غيرك بك . 

فقال المقوقس : إن لنا دينا لن ندعه لما هو خر منه . 

فقال حاطب : ندعوك إلى دين الإاسلام الكاقي به الله فقط ما سوا إن هذا النبي دعا 
الناس فكان أشدهم عليه قريش. وأعداهم له اليهود. وأقرمهم منه النصارى, ولعمري ما يشارة 
موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى محمد وما دعاؤنا إياك الى القران إلا كدعائك أهل التوراة الى 
الانجيل ٠‏ فكل نبي أدرك قوماً فهم أمته فالحق عليهم أن يطيعو يطيعوه» وأنت ممن أدركه هذا النبي 

6۹4 _ 


ولسنا نمباك عن دين المسيح. ولكنا نأمرك به . 

فقال المقوقس : إني قد نظرت في أمر هذا النبي » فوجدته لا يأمر بمزهود فيه ولا ينه عن 
مرغوب فيه » و أجده بالساحر الضال . ولا الكاهن الكاذب ووجدته معه اية النبوة بإخراج 
الخبء والإخبار بالنجوى وسأنظر . 

اوا تتاب ابي تلط فيص في حن عن لج وتم علد ودع به ال ج ا 2 ثم دعا 

١‏ بم اله الرحن الرحيم محمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبطا > سلام عليك 
أما بعد 3 فقد قرأت كتابك 3 وفهمت ما ذكرت فيه 3 وما دعر إليه رد علمث ألا نيا بي + 3 
وكنت أظن أنه يخرج بالشام » وقد أكرمت رسولك » وبعثت إليك بجاريتين » هما مكان في القبط 
عظيم » وب ة » وأهديت إليك بغلة لتركبها » والسلام عليك 


ولم يزد على هذا ولل يسلم . والجاريتان مارية » وسيرين » والبغلة دلدل بقيت الى زمن 
معاوية » واتخذ النبى يِذ مارية سرية له »> وى التي ولدت له إبراهيم 2 وأما سير ين فأعطاها 
لحسان بن ثابت الأنصاري . 


۳ . الكتاب إلى كسرى ملك فارس : 

وكتب النبي َة إلى كسرى ملك فارس : 

بسم الله الرحمن ¿ الرحيم من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم'فارس » سلام على من اتبع 
الهدى » وآمن بالله ورسوله » وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأن حمداً عبده ورسوله 


وأدعوك بدعاية الله فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة , ۽ لينذر من كان حيا ويح القول على 
الكافرين ¿ فأسلم تسلم » ٠‏ فإ أبيت فان إ ثم المجوس عليك 


واختار لحمل هذا الكتاب عبد الله بن حذافة السهمي » فدفعه السهمي إلى عظيم 
البحرين » ولا ندري هل بعث عظيم البحرين رجلا من رجالاته . أم بعث عبد الله السهمي » 
وأياً ما كان فلم| قرىء الكتاب على كسرى مزقه » وقال في غطرسة : عبد حقير من رعيتي يكتب 
اسمه قبل . ولا بلغ ذلك رسول الله قال : مزق الله ملكه . وقد كان کا قال . فقد كتب كسرى 
إلى باذان عامله على اليمن : إبعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين من عندك جلدين › 
فليأتياني به فانحتار باذان رجلين من عنده وبعثهم| بكتاب إلى رسول الله يك يأمره أن ينصرف معه 
إلى كسرى . فلا قدما المديلة » وقابلا النبي ب قال أحدهما : إن شاهنشاه ( ملك الملوك ) كسرى 
قد كتب إلى الملك باذان يأمره أن يبعث إليك ك من يأتيه بك وبعثني | إليك لتنطلق معي وقال قولا 
تبديدياً فأمرهما النبي ا أن يلاقياه غدأ . 


وفي ذلك الوقت كانت قد قامت ثورة كبيرة ضد كسرى من داخل بيته بعد أن لاقت جنوده 
هزيمة منكرة أمام جنود قيصر » فقد قام شيرويه بن كسرى على أبيه فقتله وأخذ الملك لنفسه . 
وكان ذلك في ليلة الثلاثاء لعشر مضين من جمادى الأول سنة سبع وعلم رسول الله جج الخبر من 
الوحي . فلما غدا عليه أخبرهما بذلك . فقالا : هل تدري ما تقول ؟ إنا قد نقمنا عليك ما هر 
أيسر أفتكتب هذا عنك . ونخبره الملك . قال: نعم اخبراه ذلك عني . وقولا له : إن ديثي 
وسلطاني سيبلغ ما بلغ كسرى وينتهي إلى منتهى الخف والحافر . وقولا له : إن أسلمت أعطيتك 
ما تحت يدك » وملكتك على قومك من الأبناء فخرجا من عنده حتى قدما على باذان فأخيراه الخبر 
. وبعد قليل جاء كتاب بقتل شير ويه لأبيه وقال له شيرويه في كتابه : انظر الرجل الذي كان كتب 
فيه أبي إليك فلا تبجه حتى يأتيك أمري . 


وكان ذلك سبباً في إسلام باذان ومن معه من أهل فارس باليمن . 
؛ - الكتاب إلى قيصر ملك الروم : 


وروى البخاري ضمن حديث طويل نص الكتاب الذي كتبه النبي + تة إلى ملك الروم 
هرقل وهو هذا : 

« بسم الله الرحمن الرحيم : من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من 
اتبع الهدى » أسلم تسلم » أسلم يؤتك الله أجرك مرتين . فإن توليت فإئما عليك اثم الأريسيين 
(يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا ننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتتخل 
بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله » فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ) . 


واختار لحمل الكتاب دحية بن خليفة الكلبي » وأمره أن يدفعه الى عظيم بصرى ليدفعه 
إلى قيصر . وقد روى البخاري عن ابن , عباس أن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل اليه 
في ركب من قريش » وكانوا تجار بالشام » في المدة التي كان رسول الله يذ ييخ ماد فيها أبا سفيان 
وكفار تريش - فأتوه ووم یلاع العام في ت وح ا الروم ثم دعاهم ودعا ترجمانه 
فقال : أيكم أقرب نسباً لهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ؟ قال أبو سفيان فقلت أنا أقربهم نسبا . 
فقال : أدنوه مني » وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره . ثم قال لترجمانه : إبي سائل هدا عن 
هذا الرجل » فإن كذبني فكذبوه فوالله لولا الحياء من أن يأثروا على كذبا لكدبت عنه . ٠‏ 

ثم قال : أول ما سألني عنه أنه قال : كيف نسبه فيكم ؟ فقلت : هوفينا دو نسب . قال : 
ھل قال هذا القول م أحد قط قبله ؟ قلت : لا . قال : فهل كان من ابائه من ملك ؟ قلت : 

. قال : فأشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم ؟ قلت : بل ضعفاؤهم . قال : أيزيدون أم 
تون قلت . بل زیون مال فهل يريد أحد متهم سخطة لديل بع أن يدخل فيه . قلت 


~2١ _ 


: لاقال : فهل تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال: قلت : لا . قال : فهل يغدر ؟ قلت : لا 
ونحن منه في مدة لا ندري ما هوفاعل فيها ‏ قال : ول تمكني كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة 
قال : فهل قاتلتموه ؟ قلت : نعم . قال : فكيف كان قتالكم إياه ؟ قلت : الحرب بيئنا وبيئه 
سجال » ينال منا وننال مله . قال : ماذا يأمركم ؟ قلت : يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به 
شيئاً » واتركوا ما يقول آباؤكم ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة . فقال للترجمان : قل 
له : 

سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب » وكذلك الرسل تبعث في نسب من قومها . 
وسألتك هل قال أحد منكم قبله . فذكرت أن لا . قلت : لوكان أحد قال هذا القول قبله لقلت 
رجل يأتسي بقول قيل قبله . وسألتك هل كان من ابائه من ملك . فذكرت أن لا فقلت : لو کان 
من آبائه من ملك قلت : رجل يطلب ملك أبيه . وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب فذكرت أن 
لا فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله وسألتك أشراف الئاس اتبعوه أم 
ضعفاؤهم فذكرت ان ضعفاءهم اتبعوه وهم أتباع الرسل» وسألتك أيزيدون أم 
ينقصون فذكرت أنهم يزيدون وكذلك أمر الايمان حتى يتم . وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد 
أن يدخل فيه ؟ فذكرت أن لا وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب » وسألتك هل يغدر ؟ 
فذكرت أن لا وكذلك الرسل لا تغدر وسألتك بماذا يأمر ؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا 
تشركوا به شيئا » وينهاكم عن عبادة الأوثان » ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف . فإن كان ما 
تقول حقأ فسيملك موضع قدميّ هاتين . وقد كنت أعلم أنه خارج » ول أكن أظنه أنه منكم . 
فلوأني أعلم أي أخلص إليه لتجشمت لقاءه ‏ ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه » ثم دعا بكتاب 
رسول الله بتي فقرأه فلا فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده » وكثر اللغط » وأمر بنا 
فأخرجنا » قال : فقلت لأصحابه حين أخرجنا لقد أمرأمرٌ ابن أبي كبشة » إنه ليخافه ملوك بني 
الأصفر . فا زلت موقنا بأمر رسول الله با أله سيظهر حت أدحل الله علي الإسلام ' 

ه ‏ الكتاب الى المنذر بن ساوى 


وكتب النبي بتي إلى المنذر بن ساوى حاكم البحرين كتاباً يدعره فيه إلى الإسلام وبعث إليه 
العلاء ب“ ن الحضرمي بذلك الكتاب. فكتب المنذر إلى رسول الله ييخ : أما بعد يا رسول الله فإني 
قرأت كتابك على أهل البحرين . فمنهم من أحب الإسلام وأعجبه » ودحل فيه › ومنهم من 
كرهه. وبأرضي مجوس ومبودء فأحدث إل في ذلك أمرك . فكتب إليه رسول الله تيد 


«( يسم الله الرحمن الرحيم » من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوى سلام عليك ٠‏ فإ 
أحمد اليك الله الذي لا إله إلا هو وأشهد أن محمد عبده ورسوله أما بعد فإني أذكرك الله عز وجل 
فإنهمن ينصح لنفسه وإنه من يطيع رسلي ويتبع أمرهم فقد أطاعني . ومن نصح لهم فقد 


5 0۴ 


نصح لي » > وإن رسلي قد أثنوا عليك خيرا > وإني قد شفعتك في قومك » فاترك للمسلمين 
ما أسلموا عليه › وعفوت عن أهل الذنوب » فاقبل منهم » وإنك مهما تصلح فلم نعزلك عن 
عملك » ومن أقام على بهودية أو مجوسية فعليه الجزية » . 

5 الكتاب الى هوذة بن علي صاحب اليمامة : 

وكتب النبي يله إلى هوذة بن علي صاحب اليمامة : 


« بسم الله الرحمن الرحيم » من محمد رسول الله إلى هوذة بن علي » سلام على من اتبع 
المدى » واعلم أن ديني سيظهر الى منتهى الخف والحافر » فأسلم تسلم » واجعل لك ما تحت 
يديك » . 

واختار لحمل هذا الكتاب سليط بن عمرو العامري » فلم قدم سليط على هوذة بهذا 
الكتاب مختوماً أنزله وحياه وقرأ عليه الكتاب فرد عليه ردأ دون رد وكتب الى النبي يك : ما أحسن 
ما تدعو إليه وأجله ‏ والعرب تهاب مكاني » فاجعل لي بعض الأمر أتبعك » وأجاز سليطاً بجائزة 
وكساه أثواباً من نسج هجر » فقدم بذلك كلهعل النبي يا فأخبره » وقرأ لبي كل كتابه فقال: لو 
سألني قطعة من الأرض ما فعلت » باد » وباد ما في يديه » فلما انصرف رسول الله وة من الفتح 
جاءه جبريل عليه السلام بأن هوذة مات . فقال النبي ي : أما إن اليمامة سيخرج بها كذاب 
يتنبى يقتل بعدي » فقال قائل : يا رسول الله من يقتله ؟ فقال : أنت وأصحابك » فكان ذلك : 


: الكتاب إلى الحارث بن أبي شمر الغساني صاحب دمشق‎ ١ 


كتب إليه النبي هة : « بسم الله الرحمن الرحيم » من محمد رسول الله إلى الحارث بن أبي 
شمر »› سلام على من اتبع الهدى » وامن به وصدق وإني أدعوك | إلى أن تؤمن بالله وحده لا شريك 
له » يبقى لك ملكك ) . 

واختار لحمل هذا الكتاب شجاع بن وهب من بني أسد بن خزيمة » ولا أبلغه الكتاب قال : 
من ينزع ملكي مني ؟ آنا سائر | ليه » ولم يسلم . 

۸ ۔ الكتاب إلى ملك عمان : 

وكتب النبي اة كتاباً إلى ملك عمان جيفر وأخيه عبدا بني الجلندي » ونصه : « بسم الله 
الرحمن الرحيم » من محمد بن عبد الله إلى جيفر وعبدا بني الجلندي سلام على من اتسع 
الهدى. آما بعد. فإني أدعوكا بدعاية الإسلام أسلم| تسلماء فإني رسول الله ية إلى الناس كافة 
لأنذر من كان حي ويحق القول على الكافرين » فإنكا إن أقررتما بالإسلام وليتكما وإن أبيتما أن تقرا 
بالإسلام فإن ملككما زائل» وخبيل تحل بساحتکا وتظهر نبوتي على ملككياء . 


خرن 85 


واختار لحمل هذا الكتاب عمرو بن العاص:١)‏ رضي الله عنه . قال عمرو: فخرجت حتى 
انتهيت إلى عمان» فلا قدمتها عمدت إلى عبد وكان أحلم الرجلين وأسهله) خلقا ‏ فقلت: إني 
رسول رسول الله َة إليك وإلى أخيك؛» فقال: أخحي المقدم علي بالسن والملك. وأنا أوصلك إليه 
حتى يقرأ كتابك ثم قال : وما تدعو إليه؟ قلت : أدعو الى الله وحده لا شريك له وتخلع ما عبد من 
دونه تشهد أن مدا عبده ورسوله . قال: : يا عمروإنك ابن سيد قومك فكيف صنع أبوك؟ فإن 
لنا فيه قدوة قلت: مات ولم يؤمن محمد با » ووددت أنه كان أسلم وصدق به وقد كنت أناعل 
مثل رأيه حتى هداني الله للإسلام» قال: فمتى تبعته؟ قلت: قريبا. فسألني أين كان إسلامك؟ 
قلت: عند النجاشي » وأخبرته أن النجاشي قد أسلم, قال: وكيف صنع قومه بملكه؟ فقلت: 
أقروه واتبعوه. قال: والأساقفة والرهبان تبعوه؟ قلت: نعم. قال: انظر يا عمرو ما تقول إنه 
ليس من خصلة في رجل أفضح له من الكذب . قلت: ما كذبت وما نستحله في ديئناء ثم قال: ما 
أرى هرقل علم بإسلام النجاشي» قلت: بلى. قال: فبأي شيء علمت ذلك؟ قلت: كان 
النجاشي يخرج له خرجاء فلما أسلم وصدق بمحمد ب قال : لا والله لو سألني درهماً واحداً ما 
أعطيته فبلغ هرقل قوله فقالله النياق أخوه: أتدع عبدك لايخرج لك خرجاً ودين بدين غير دينا 
محدثا؟ قال هرقل: رجل رغب في دين» فاحتاره لنفسه» ما أصنع به؟ والله لولا الضن بملكي 
لصنعت كما صنع قال : أنظر ما تقول يا عمرو؟ قلت : والله صدقتك . قال عبد : : فأحبرني ما الذي 
يأمر به وينبى عنه؟ قلت : يأمر بطاعة الله عز وجل وينبئ عن معصيته ويأمر بالبر وصلة الرحم . 
وينبى عن الظلم والعدوان» وعن الزناء وعن الخمر وعن عبادة الحجر والوثن والصليب . قال: 
ما أحسن هذا الذي يدعو إليه . لوكان أخي يتابعني عليه لركبنا حتى نؤمن بمحمد وَل ونصدق به 
ولكن أخي أضن بملكه من أن يدعه ويصير ذَلْباً. قلت: : إن أسلم ملّكه رسول الله على قومه. 
فأخذ الصدقة من غنيهم فيردها على فقيرهم. قال : إن هذا لخلق حسن وما الصدقة؟ فأخبرته با 
فرض رسول الله َة في الصدقات في الأموال حتى انتهيت إلى الإبل. قال: يا عمرو وتؤخذ من 
سوائم مواشينا التي ترعى الشجر وترد المياه؟ فقلت: نعم. فقال: والله ما أرى قومي في بعد 
دارهم وكثرة عددهم يطيعون لهذاء قال: فمكثت ببابه أياماً وهو يصل إلى أخيه 
فيخبره كل خبري » ثم إنه دعاني یوما فدحلت عليه . فأحذ أعوانه بضبعي فقال دعوه. فأرسلت 
فذهبت لأجلس. فأبوا ان يدعوني أجلس . فنظرت إليه فقال: تكلم بحاجتك فدفعت إليه 
الكتاب محتوماًء ففض خاتمه وقراً حتى انتهى إلى آخره, ثم دفعه | إلى أحيه فقرأ ه مثل قرانه» إلا أني 
رأيت أخاه أرق منه» قال ؛ ألا تخبرني عن قريش كيف صنعت؟ فقلت: تبعوه» إما راغب في 
الدين وإما مقهور بالسيف. قال: ومن معه؟ قلت: الناس قد رغبوا في الإسلام واختاروه على 
غيره وعرفها بعقولهم من هدى الله إياهم أهم كانوا في ضلال. ٠‏ فا أعلم أحدا بقى غيرك في هذه 


(1) لا شك أن هذا الكتاب كان متأخراً. لأن عمرو رضي الله عله أسلم قبيل الفتح . 


0 د 


الخرجة» وأنت إن لم تسام اليوم وتبعته تواطئك اليل وتبيد خضراءك. فأسلم تسلم ويستعملك 
على قومك. ولا تدخل عليك الخيل والرجال قال: : دعني يومي هذاء وارجع إل غداً. 

فرجعت إلى أخيه فقال: يا عمرو إني لأرجو أن يسلم | ن لم يضن بملكه حتى إذا كان الغد 
أتيت إليه فأ أن يأذن لي فانصرقت إلى اخيه؛ قايرت ل م أصل إليه ارصن | إليه. فقال: إني 
فكرت فما دعوتني إليه فإذا أ نا أضعف العرب إن ملكت رجلا ما في يدي وهولا تبلغ خيله هاهناء 
وإن بلغت خیله لقت قتالاً ليس كقتال من لاقی » قلت : أنا خارج غداء فلا أيقن بمخرجي خلا 
به أخوه فقال: ما نحن فيها ظهر عليه» وكل من أرسل إليه قد أجابه » فأصبح فأرسل إليّ فأجاب 
إلى الإسلام هو وأخوه جيعأء وصدقا النبي إل وخليا بينه وبين الصدقة وبين الحكم فيم بينم 
وكان لي عونا على من خالفني . 

وسياق هذه القصة تدل على أن إرسال الكتاب إليههما تأخر كثيراً عن كتب بقية الملوك 
والأغلب أنه كان بعد الفتح . 


وبهذه الكتب كان النبي اة قد أبلغ دعوته إلى أكثر ملوك الأرض فمنهم من أمن به. ومنهم 
من كفر ولكن شغل فكرة هؤلاء الكافرين وعرف لدبهم باسمه ودينه . . 

إن الرسائل المذكورة تفصح عن نفسها ولا تحتاج إلى تعليق . . فهذه الحركة العالمية نقلت 
الاسلام من المحيط المحلي إلى المحيط العالي . وهزت عروش ملوك وأدخلت ملركاً في 
الاسلام» ووجهت بعض الملوك إلى الحرب. وما كان هذا الأمر ليتم قبل صلح الحديبية. حيث 
أصبحت الدولة الاسلامية هي الدولة الأقوى في جزيرة العرب بلا منازع . وانباء الحرب الطاحنة 
كان إيذاناً بالتفرغ إلى الدعوة وتبليغها للناس كافة , والاشارة التي لا بد منها في هذا البصدد هي 
أن رأياً قد يرد بخطورة هذه الرسائل على الدولة الإسلامية الفتية . التي توجه الأنظار نحوهاء 
وخخصوصاً | إلى كسرى وقيصر. وقد جرى ذلك في تنوم الشام ولدى كسرى الفرس الذي مزق 
الرسالة واستدعى محمدا يد حياً أو ميتا . وهل بإمكان المدينة أن تواجه دول الأرض ؟ 


ولا بد من إيضاح هذه النقطة بأن تبليغ الدعوة في الوقت المناسب وحي رباني والله تعالى هر 
الذي يتكفل بحماية دينه . فحين كانت المديئة عاجزة عن مواجهة دولة الفرس الكبرى هيأ الله 
تعالى لحماية نبيه ودعوته انقلاباً عالمياً على كسرى. أدى هذا الانقلاب لقتل الحاكم الطاغية 
وتراجع ابنه عن موقف أبيه من محمد َة كما يقول نص الكتاب (انظر الرجل الذي كتب فيه أي 
إليك فلا مبجه حتى يأتيك أمري) . وكان من طرف آخر فتحاً جديداً بإسلام باذان عامل الفرس 
على اليمن ودخول أهل اليمن في الاسلام . 

وقد اشترك في هذا الخطر على الدولة الاسلامية الحارث بن أبي شمر الغساني الذي هدد 


00 


بغزو المدينة» ومن أجل ذلك كانت الاستعدادات العسكرية مرافقة للشحرك السياسي فكانت 
سرية مؤتة والصدام مع الروم فلا بد من تحمل تبعات الرسالة وكان تحرك سرية مؤتة ثأرا للرسول 
الذي قتل على يدي شرحبيل بن عمرو الغساني . 

بين اشترك في موقف المراوغة والمهادنة قيصر الروم ومقوقس مصرء والدي حال بيهما وبين 
الإسلام هو خوفه) على ملكهما وجزعهما من الرعية أن تثور عليهماء ولعل ما نقله أبو سفيان رضي 
الله عنه عن لقاء قيصر يعطى صورة واضحة وصادقة عن تصديق قيصر لرسول الله وكيف نخرت 
الرهبان بعد ذلك وهددوه لو أسلم بحربه. 

ودخل الاسلام نجاشي الحبشة وحاكم البحرين وملك عمان. 

وراوغ صاحب اليمامة وأراد أن يشترك في الغنيمة والرسالة فأهلكه الله تعالى بعد ذلك . 

ولعل من أهم اثار الكتب غزو أبي سفيان من داخله وقد ساقه قدر الله إل بلاط قيصر 


ليسمع رأيه بمحمد صلوات الله وسلامه عليه وقرع أذنه قول قيصر: (فلو أني أعلم أني أخلص إليه 
لتجشمت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه). 


والأشد من هذا على أ بي سفيان قول قيصر (فإن كان ما تقوله حقأً فسيملك موضع قدمي 
هاتين) وأبو سفیان يدري أنه قال الحق كل الحق رغم أنفه . وكان يحسب أن تبوينه من شأن محمد 
وأتباعه سوف يدفم قيصر للاستهانة بخصمه . لكنه يفاجأ بأن هذا التهوين زاد قناعة قيصر بنبوة 

محمد . وكان الغزو الداخلي لأبي سفيان حيث اعترف بذلك قائلا: (لقد أمر أمر ابن أ كبشة أن 
تخافه ملوك بنى الأصفر. فيا زلت موقناً بأمر رسول الله هة أنه سيظهر حتى أدخل الله عل 
الإسلام) . إن التحرك السياسي الذي تقوم به الحركة الاسلامية يجب أن يبدف أول ما ببدف إلى 
تبليغ دعوة الله إلى حكام الأرض وملوكهم . ولو كلفت هذه الدذعوة الحركة 
الاسلامية عتا وحرجاً إن من الخيانة لدعوة الله وشريعته أن تبارك الحركة 
الاسلامية أنظمة الكفر أو توحي إليهم أن أنظمتهم هي الإسلام بعينه. وأن 
شريعة الله تبارك طغيائهم وظلمهم وحكمهم بغير ما أنزل الله. وهذه الرسائل التي بين أيدينا 
تعلمنا طريقة الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة لا بالسباب والتحدي . 


ولا بد أن نوضح الخط الفاصل بين قضيتين : 
القضية الأولى : أسلوب التعامل مع الحاكمين» وحسن اخحتيار الكلمة المناسبة. والضرب 
على الأوتار النفسية هم والاستفادة من الواقع العمل . 


القضية الثانية : حلط احق بالباطل . ومداهنتهم على كفرهم. ومباركة طغيانهم وطمس 
1 ب 


معام الاسلام. والتزلف فؤلاء الحكام بجعل الإسلام وشريعة الله أداة لتقرير ظلمهم؛ وعدم 
القدرة على التفريق بين هاتين النقطتين. يمزق الصف المسلمء ويفجره. 

فلقد رأينا هذه الرسائل تخاطب الملوك بألقاييم. ولكنها لا تقدمهم أبداً على رسول الله 
وهذه القضية البسيطة هي التي فجرت غيظ كسرى (عبد حقير من رعيتي يكتب اسمه قبلي) فلم 
يكن حرجا أن نجد في نص الكتاب : عظيم فارس وعظيم القبط؛ والنجاشي» وعظيم الروم 
ونلاحظ كذلك في قضية الدعوة أن فكرة الوحدانية والرسالة لا بد من أن تكون واضحة جلية لا 
لبس فيها ولا غموض حتى إذا أدى الأمر إلى التحديد حتى لا تطمس معانيها فلا بد من ذلك . 
حيث يكون الأمر جلا في رفض عبادة الأوثان لمن يعبد الأوثان. ورفض عبادة الصليب لمن يعبد 
الصليب, 


غير أن هذا الايضاح الجلي للشهادتين. كان يرافقه كثيرا الحديث عن المبادىء الإسلامية 
الخلقية من الصدق والعفاف والصلة وغير هذه الأمور التى يلتقى عليها الناس. ونلاحظ كذلك 
أن رسول الله هة كان يضرب على الأوتار النفسية التى يخشاها الحاكمون» فكانت رسله تطمئن 
هؤلاء الحاكمين على ملكهم» وأنه سيحفظ هم إذا دخلوا في الاسلامء حتى أولئك الذين عادوا 
الاسلام وحاربوه» لم يكن الغيظ أو الحقد ليغير هذه السياسية بل كان إكرامهم هو الأساس بعد 
دخوهم بالاسلام أو حتى بعد انقطاعهم عن حربه. 

لقد كانت هذه الرسائل منعطفاً كبيرأ وخطيراً في تاريخ الاسلام. وسمة عظيمة من 
سماته. حيث ربطت المسلمين بالعالم كله بين تأيبد أو بيعة أو مواجهة وكانت ثمرة عظيمة من 
ثمار الفتح المبين الذي حدثنا الله تعالى عنه والانتقال من الحرب الضروس على الأرض المحلية إلى 
تجاوب ملوك الأرض مع الاسلام هو نقلة واسعة بعيدة المدى هائلة الآفاق. وجاءت في وقتها 
المناسب بعد أن أعلنت قريش هدنتها لعشر سنين لتتيح لدولة الاسلام أن تأخذ أبعادها وجذورها 
في الأرض كالكلمة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء . 


© © © 


_ 0¥ ب 


السهة الثامته مح القوئ والثقةبالنتصى 


وتتضح هذه السمة من خلال التوجيه النبوي لجمع هذه القوى : 
وقدم أهل السفينتين من عند النجاشي بعد أن فتحت خيبر فيهم جعفر بن أبي طالب وأبو 
موسى عبدالله بن قيس الأشعري» في جماعة من الأشعريين يزيدون على سبعين وذكر ابن سعد 
عن الواقدي يسنده. إنهم لا سعموا حبر هجرة رسول کڈ إلى المدينةء ورجع معهم ثلاثة وثلاثون 
رجلا وثماني نسوةء فمات منهم رجلان بمكة, وحيس بمكة سبعة نفرء وشهد بدرا منهم أربعة 
وعشرون رجلا . فلا كان شهر ربيع الأول سنة سبع من الهجرة كتب رسول الله اة إلى النجاشى 
يدعوه إلى الإسلام مع عمرو بن أمية الضميري » فأسلم» وكتب إليه أيضا أن يزوجه أم حبيبة بنت 
أي سفيان ‏ وكانت فيمن هاجر إلى الحبشة ‏ فزوجه إياها. وكتب إليه أيضا أن يبعث يمن بقى عنده 
من أصحابه ويحملهم ٠‏ فحملهم في سفيئتين مع عمروين أمية فارسوا بساحل پولا وهر اجار ثم 
ساروا حتى قدموا المدينئة, فوجدوا رسول الله بخيبر فأتوه فقال يج : ؛ ما أدري بأ آنا أسر بفتح 
خيبر أم بقدوم جعفر ثم ضمه وقبل ما بين عينيه, وهمٌ المسلمون أن يدخلوا جعفرا ومن قدم معه 
في سهمانہم ففعلوا» وقدم الدوسيون فيهم أبو هريرة والطفيل بن عمرو الدوسي وأصحابهم , 
ونفر من الأشعريين» فكلم رسول الله بي أصحابه فيهم أن يشركوهم في الغنيمة فقالوا: نعم يا 
رسول الله )(۱). 
لقد مرت الهجرة إلى الحبشة بمراحل ثلاث : 
اهجرة الأولى : وكانت في السنة الخامسة . وعدد المهاجرين قليل . وعادوا في السنة السابعة 
عندما تناهى إلى أسماعهم خبر إسلام أهل مكة. وكان خبرا غير صحيح . 
الهجرة الثانية : وبلغ عدد المسلمين فيها ثمانين ما بين رجل وامرأة. وهو نجمع في عدده 
عقب الهجرة» وحضر منهم بضعة وعشرون غزوة بدر, 
العودة الأخيرة : وكانت بدعوة رسمية من رسول الله بلا عن طريق النجاشي . ولا شك 
أن جعفراً رضي الله عنه لايغيب عن ذهن رسول الله . ومدى الحاجة الماسة إليه في المعارك الضارية 
مع قريش . ومع ذلك لم يستدعه النبي ب وصحبه مع حرصه عليه الصلاة والسلام أن يكون 
أقرباؤه هم وقود المعارك. والذادة عن حى الاسلام . 


٣٣١ر‎ ۳۲٣ :١ج‎ . إمتاع الأسماع‎ )١( 
د‎ 08 


ولقد كان لمصرع حمزة رضي الله عنه في أحد أعظم الأثر على رسول الله وك وقال عنه : لن 
أصاب بمثلك أبداء وقال: ما وقفت موقفاً قط أغيظ لي من هذا. وبقي من أقاربه الأدنين علي 
رضي الله عنه, وعندما برز لعمرو بن عبدود في الخندق يروى أنه قال عليه الصلاة والسلام : : رب 
لا تذرني فرداً وأنت حير الوارئين» ويؤكد حرص الرسول ية على أن يكون أهله معه في المعركة . 

ما رأيناه في مؤتة إِذ أنه في أقل من أشهر كان جعفر على رأس المجاهدين في مؤتة وأحد الأمراء 

الثلاثة . 

وحاجة رسول الله َة إلى المجاهدين من صحبه وأهله المهاجرين كانت حاجة ماسة ومع 
ذلك لم يستدعهم وتفسير ذلك والله أعلم ‏ يعود إلى حرص النبي يز على إبقاء مراكز احتياطية 
للدعوة يمكن الانتقال إليها لو فقدت المدينة ء وكان احثمال تعرض المدينة هجوم مباغت كاسح 
قائ] في كل لحظة. ومن أجل هذا بقي الأشعريون في اليمن» والدوسيون في دوس ومهاجروا 
الحبشة في الحبشة» والغفاريون في غفار بقي هؤلاء جميعاً قوى احتياطية لمتابعة المعركة فيا لو فقد 
موقم من هذه المواقع . 

ولا شك أن الحبشة هي موقع غير استراتيجي للمواجهة وبين الأبعدين الغرباء لكنها 
بصفتها مركزً آمناً وملجاً للدعوة هي من خير المواقع لذلك . خاصة ران التجاشي ملكها قد اسا 
سرا وبايع رسول الله ي . 

أما بعد صلح الحديبية ؛ فقد اختلف الأمرء وزال الخطر عن المدينة» وأمن الناس» 
وأتاحت اهدنة للمحيط العربي والعالمي أن يفقه الإسلام في هذه المرحلة استدعى رسول الله پډ 
رصيده الاحتياطي . إذ لم يعد بحاجة إليه في اليمن أو الحبشة. بل صار بحاجة ماسة إليه ليشارك 
ف الحبهات الحديدة المفتوحة خارج جزيرة العرب» ومع غير العرب من الروم والفرس. 


وهذا درس مهم يحسن أن تقف أمامه الحركة الإسلامية طويلاء وهي تخوض حرو ها مع 
الطغاة أن لا تكون قوتها جميعا في موقع واحد . . فإذا ضرب هذا الموقع انتهت - لا سمح الله بل 
لا بد ها أن تبحث عن أكثر من مكان آمنء وأكثر من قاعدة احتياطية. فإذا تغيرت الظروف 
الصعبة وكشفت المحنة وصارت المواقع كلها امنة ومراكز للدعوة تستطيع عندئذ أن تنبي بعض 
المراكز. أو تستقطب القوى حول المركز الرئيسي الذي يرفد كل المراكر الثانوية والتمكن في 
الأرض هو الذي يتيح المجال مثل هذه الخطوة. 

يقول الشهيد سيد رحمه الله : 

ومن ثم كان بحث الرسول ية عن قاعدة أخرى غير مكة. قاعدة تحمي هذه العقيدة؛ 
وتكفز هاالحرية. ويتاح لها أن تخلص من هذا التجميد الذي انتهت إليه في 


65 


مكة» حيث تظفر بحرية الدعوة وبحماية المعتنقين لها من الاضطهاد والفتئة. . . وهذا في تقديري 
كان هو السبب الأهم والأول للهجرة. 

ولقد سبق الاتجاه إلى يثرب. لتكون قاعدة الدولة الحديدة عدة اتجاهات سبقها الاتجاه إلى 
الحبشة» حيث هاجر إليها كثير من المؤمنين الأوائل» والقول بأنهم هاجروا إليها لمجرد النجاة 
بأنفسهم لا يستند إلى قرائن قوية . فلو كان الأمر كذلك طاجر إذن أقل الناس جاها وقوة ومنعة من 
المسلمين غير أن الأمر كان على الضد من هذاء فالموالي المستضعفون الذين كان ينصب عليهم 
معظم الاضطهاد والتعذيب والفتنة لم هاجروا إنما هاجر رجال ذوو عصبيات شم من عصبيتهم في 
بيئة قبلية» ما يعصمهم من الأذى» ويحميهم من الفتنةء وكان عدد القرشيين يؤلف غالبية 
المهاجرين منهم جعفر بن ابي طالب وأبوه وفتيان بني هاشم معه هم الذين كانوا يحمون النبي للا 
ومنهم الزبير بن العوام ‏ وعبدالرحمن بن عوف. وأبو سلمة المخزومي وعثمان بن عفان الأموي . . 
وغيرهم, وهاجرت نساء كذلك من أشرف بيوتات مكة ما كان الأذى ليناهن أبدأًء وربما كان من 
وراء هذه الهجرة أسباب أخرى كإثارة هزة في أوساط البيوت الكبيرة من قريش وأبناؤها الكرام 
الكرمون يباجرون بعقيدتهم. مراراً من الجاهلية تاركين وراءهم كل وشائج القربى. في بيئة قبلية 
تبزها هذه الهجرة ة على هذا النحو هزأ عنيفاً وبخاصة حين يكون من بين المهاجرين مثل أم حبيبة 
بنت أبي سفيان زعيم الجاهلية وأكبر المتصدين لحرب العقيدة الجديدة وصاحبها. ولكن مثل هذه 
الأسباب لا ينفي احتمال أن تكون الهجرة إلى الحبشة أحد الاتجاهات المتكررة في البحث عن 
قاعدة حرة» أو امنة على الأقل للدعوة الجديدة. وبخاصة حين نضيف إلى هذا الاستنتاج ما ورد 
عن إسلام نجاشي الحبشة. ذلك الإسلام الذي لم يمنعه من إشهاره نبائياً إلا ثورة البطارقة عليه 
کا ورد في روايات صحيحة)ر . 


ويؤيد ما ذهب إليه سيد رحمه الله إنه محرد ظهور التاعدة الأمنة والعاصمة الحديدة غادر 
حوالي ثلث المهاجرين إلى المدينة وبقيت الأكثرية منبم هناك حفاظاً على هذه القاعدة بأمر رسول 
الله ب . إلى أن زال الفطرء وأمن الناس. وقويت شوكة المسلمين بحيث أصبحت مستعصية على 
الإبادة كما يقول عليه الصلاة والسلام: الآن نغزوهم ولا يغرونا أمكن عندها استدعاء الحالية 
الاسلامية في الحبشة لتمارس دورها الفعال في الجهاد في المعارك القادمة . 


وحري با أن قتفي أثر هذا الهدي النبوي. ونتعلم ونحن نواجه هذا المجتمع. أ 
نرعى هذا الحانب» ولا زد نضع البيض في سلة واحدة كا يقول الئل فبتهي الوجود الحوكي والمياة 


الله , 


. في ظلال القران ج١ 4؟وه؟ ط الخامسة‎ )١( 


السمة التاسعة: 
ار لاء الوجودا لهودي ل جزير الع غزوةخيتر 


«لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما لي قلومهم. وأنزل السكينة 
عليهم وأثابهم فتحا قريباء ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا حكيما):). 

وستأخذ تلخيص المبار كفوري عن الغزوة فهو من أشمل ما كتب عنها وأوفاه : 

(كانت خيبر مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع على بعد ستين أو ثمانين ميلا من المدينة في 
جهة الشمال؛ وهي الآن قرية في مناخها بعض الوخامة. 

سبب الغزوة : ولا اطمأن رسول الله اة من أقوى أجنحة الأحزاب الثلاثة وأمن منه أمنا 
بات بعد الهدنة أراد أن يحاسب الحناحين الباقيين ‏ اليهود وقبائل نجد ‏ حتى يتم الأمن والسلام» 
ويسوذ المدوء في المنطقةء ويفرغ المسلمون من الصراع الدامي المتواصل إلى تبليغ رسالة الله 
والدعوة إليه. 

ولا كانت خيبر هي وكرة الدس والتأمر» ومركز الاستفزازات العسكرية ومعدن التحرشات 
وإثارة الحروب؛ كانت هى الحديرة بالتفات المسلمين أولا. 

أما كون خيبر هذه الصفة, فلا ننسى أن أهل خيبر هم الذين حزبرا الأحزاب ضد 
المسلمين وأثاروا بني قريظة على الغدر والخيانة» ثم أخذوا في الاتصالات بلمنافقين - الطابور 
الخامس في المجتمع الإسلامي ‏ وبغطفان وأعراب البادية ‏ الجناح الثالث من الأحزاب_وكانواهم 
أنفسهم مبيؤون للقتال فألقوا المسلمين بإجراءاتهم هذه في محن متواصلة حتى وضعوا خطة لاغتيال 
النبي بد وإزاء ذلك اضطر المسلمون إلى بعوث متوالية وإلى الفتك برأس هؤلاء المتامرين» مثل 
سلام بن ابي الحقيق ؛ وأسير بن رزام » ولكن الواجب على المسلمين إزاء هؤلاء اليهود كان أكبر من 
ذلك وإنما أبطأوا بالقيام بهذا الواجب لأن قوة أكبر وأقوى وألد وأعند منهم ‏ وهي قريش - كانت 
مجاببة للمسلمين» فلا انتهت هذه المجابهة صفا الحو لمحاسبة هؤلاء المجرمين. واقترب هم يوم 
الحساب . 


الخروج إلى خيبر : قال ابن اسحاق: أقام رسول الله بل بالمدينة حين رجع من الحديبية ذا 
الحجة وبعض المحرم: ثم حرج في بقية المحرم إلى خيبر. . فلما أراد رسول الله الخروج إلى 
خيبر. أعلنهأنه لا يرج معه إلا راغب في الجهاد. فلم يخرج إلا أصحاب 


٠١و‎ ۱۹ سورة الفتح الآيتان‎ )١( 
5 د‎ 75 


الشجرة وهم ألف وأربعمائة . . . وقد قام المنافقون يعملون لليهود فقد أرسل رأس المنافقين 
عبدالله بن أبي إلى مبود خيبر» إن محمداً قصد قصدكم وترجه إليكم فخذوا حذركم . ولا تخافوا 
منه» فإن عددكم وعدتكم كثيرة» وقوم محمد شرذمة قليلون. عزّل لا سلاح معهم إلا قليل» ۽ فلا 
علم ذلك أهل خيبر» أرسلوا كنانة بن أبي الحقيق» وهوذة بن قيس إلى غطفان يستمدونهم لأنهم 
كانوا حلفاء يبود خيبرء ومظاهرين هم على المسلمين وشرطوا هم نصف ثمار خيبر إن هم غلبوا 
على المسلمين. 

الجيش الإسلامي إلى أسوار خيبر : بات المسلمون الليلة الأخيرة الي بدأ في صباحها 
القتال قريبا من خيبرء ولا تشعر - مهم اليهود» وكان النبي ب إذا أتى قوماً بليل لم يقربهم حتى 
يصبح . فلا أصبح صل الفجر بغلسس» وركب السلمون فخرج أهل خيير ساحيهم ومكاتلهم 
ولا يشعرون بل خرجوا لأرضهم فلا رأوا الجيش قالوا : محمد, والله محمد والخميس ثم رجعوا 
هاربين إلى مدينتهم » فقال اللبي هة الله أكبر خحربت خيبر الله أكبر خربت خيبر . إنا إذا 
نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين(١).‏ . 

التهيؤ للقتال وحصون خيبر : ولا كانت ليلة الدخول قال : لأعطين الراية غداً رجلا يحب 
الله ورسوله » ويحبه الله ورسوله » فلا أصبح غدوا على رسول الله َة : كلهم يرجو أن يعطاها 
فقال : أين على بن أ طالب . فقالوا : يا رسول الله هويشتكى عينيه قال : فأرسلوا اليه » فبصق 
رسول الله في عينيه ودعا له فبرى»؛ كأن لم يكن به وجع فأعطا الراية فقال : يا رسول الله أقاتلهم 
حتى يكونوا مثلناء قال : انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم » ثم ادعهم إلى الاسلام , 
وأخبرهم ا يجب عليهم من حق الله فيب فواله لان يبدي الل بلك وجاك واحدا خير لك من أن 
يكون لك حمر النعم(؟) . 

٠‏ وكانت خيبر منقسمة الى شطرين » شطر فيها خمسة حصون : ١-حصن‏ ناعم » 7 حصن 
الصعب بن معاذ, ۳.. حصن قلعة الزبير؛ 4- حصن أبي » 6 حصن النزار. والحصون الثلاثة 
الأولى تقع في منطقة يقال لها النطاة؛ وأما الحصنان الآخران فيقعان في منطقة تسمى الشق . أما 
الشطر الثاني ويعرف بالكتيبة ففيه ثلائة حصون فقط ١‏ حصن القموص (وكان حصن بني أبي 
الحقيق من بني النضير) ۲- حصن الوطيح ‏ حصن السلا م . وفي خيبر حصون وقلاع غير هذه 
.الثمانية » إلا أنها كانت صغيرة لا تبلغ إلى درجة هذه القلاع في مناعتها وقوتها والقتال المرير إنما 
دار في الشطر الأول منباء أما الشطر الثاني فحصونها الثلاثة مع كثرة المحاربين فيها سلمت دوثما 
قتال . 9 


(١)صحيح‏ البخاري ۲/ ٠١40708‏ باب غزوة خبير 
(۲) صحيح البخاري . الباب نفسه ص ١٠٠و٦٠٠‏ 
_ ۲ 


بدء المعركة وفتح حصن ناعم : وأول حصن هاجمه المسلمون من هذه الحصون الثمانية هو 
حصن ناعم » وكان حط الدفاع الأول لليهود لمكائه الاستراتيجى وكان هذا الحصن هو حصن 
مرحب البطل اليهودي الذي كان يعد بالألف . 
فرفضوا هذه الدعوة وبرزوا إلى المسلمين ومعهم ملكهم مرحب فلا حرج إلى ميدان القتال دعا إلى 
المبارزة » قال سلمة بن الأكوع . فل أتينا خيبر خرج ملكهم يخطر بسيفه يقول : 

إذا الحروب أقبلت تلهب 

فاختلفا ضربتین » فوقع سيف مرحب في ترس عمي عامر وذهب عامر يسفل له وکان سيقه 
قصیرا فتناول به ساق اليهودي ليضربه فيرجم ذباب سيفه فأصاب عين ركبته فمات منه . وقال فيه 
النبي بي : إنه لأجرين وجمع بين إصبعيه . .() 

ويبدو أن مرحب دعا بعد ذلك إلى البراز مرة أخرى وجعل يرتجز بقوله : 

قد علمت يبر أني مرحب- فبرز له على بن أبي طالب قال سلمة بن الأكرع : فقال علي : 

أنا الذي سمتني أمى حيدرة كليث غابات كريه المنظرة 


فضرب رأس مرحب فقتله » ثم كان الفتح على يديه . 


ولا دنا على رضى الله عنه من حصوهبم اطلع بودي من رأس الحصن وقال : من أنت. قال : أنا 


ثم حرج ياسر أخو مرحب وهويقول: من يبارز؟ فبرز إليه الزبيرء فقالت صفية أمه : يا 


۲۲ /۲ صحيح مسلم باب غزوة خيبر‎ )١( 
5 r 


ودار القتال المرير حول حصن ناعم » قتل فيه عدد من سراة اليهود إنهارت لأجله مقاومة 
اليهود وعجزوا عن صد هجوم المسلمين › ويؤخذ من المصادر أن هذا القتال دام أياما لاقى 
المسلمون فيه مقاومة شديدة » إلا أن اليهود يسوا من مقاومة المسلمين فتسللوا من هذا الحصن إلى 
حصن الصعب». واقتحم المسلمون حصن ناعم . 

فتح حصن الصعب بن معاد : 

وكان حصن الصعب الحصن الثاني من حيث القوة والمناعة بعد حصن ناعم قام المسلمون 
بالهجوم عليه تحت قيادة الحباب بن المنذر الأنصاري . ففرضوا عليه الحصار ثلاثة أيام , وفي اليوم 
الثالث دعا رسول الله يد لفتح هذا الحصن دعوة خاصة » وروى ابن اسحاق : أن بي سهم من 
أسلم أتوا رسول الله به فقالوا: لقد جهدنا وما بأيدينا من شيء فقال : اللهم إنك قد عرفت 
حاهم , وأن ليست بهم قوةٍ وأن ليس بيدي شيء أعطيهم إياه . فافتح.عليهم أعظم حصونها عنهم 
ناء وأكثرها طعاماً وودكاً . فغدا الناس ففتح الله عز وجل حصن الصعب بن بن معاذ» وما بخيبر 
حصن كان أكثر طعاماً وودكاً مند )ر١‏ . 


ولا ندب النبي كد المسلمين بعد دعائه لمهاجمة هذا الحصن كان بنو أسلم هم المقاديم في 
المهاحمة » ودار البراز والقتال أمام الحصن » ثم فتح الحصن في ذلك اليوم قبل أن تغرب الشمس › 
ووجد فيه المسلمون بعض المنجنيقات والدبابات . 


ولأجل هذه المجاعة الشديدة التى ورد ذكرها في رواية ابن اسحاق كان رجال من الجيش قد 
ذبحوا الحمير» ونصبوا القدور على النيران فلا علم رسول الله بَا بذلك نى عن حوم الحمر 
الأنسية , 

فتح قلعة الزبير : وبعد فتح حصن ناعم والصعب» تحول اليهود من كل حصون النطاة الى 
قلعة الزبير وهو حصن منيع في رأس تل > لا تقدر عليه الخيل والرجال لصعوبته وامتناعه . ففرض 

عليه رسول الله يكو الحصار. وأقام محاصراً ثلاثة أيام » فجاء رجل من اليهود» وقال : : يا أبا 
القاسم إنك لو أقمت شهراً ما بالوا | ن لهم شراباً وعيوناً تحت الأرض يخرجون بالليل ويشربون 
منبا. ثم يرجعون إلى فلعتهم فيمتنعون منك > فإن قطعت مشريهم عليهم أصحروا لك( فقطع 
ماءهم عليهم فخرجوا فقاتلوا أشد الفتال ‏ قتل فيه نفر من المسلمين , وأصيب نحو العشرة من 
اليهود. وافتتحه رسول الله ول . 


e 0000‏ 
0 5 اوج" ص 5145 


لوا الى الصحراء 


~٤ 


فتح قلعة أب : وبعد فتح قلعة الزبير انتقل اليهود إلى قلعة أبي وتحصنوا فيها. وفرض 
المسلمون عليهم الحصار وقام بطلان من اليهود واحد بعد الآخر يطلب المبارزة . وقد قتلهما أبطال 
الملسلمين » وكان الذي قتل المبارز الثاني هو البطل المشهور أبو دجانة سماك بن خرشة الأنصاري 
صاحب العصابة الحمراء . وقد أسرع أبو دجانه بعد قتله إلى اقتحام القلعة واقتحم معه الجيش 
الإسلامي وجرى قتال مرير ساعة دخول ا حصن . ثم تسلل اليهود من القلعة وتحولوا إلى حصن 
النزار اخر حصن من الشطر الأول . 


فتح حصن الئزار : كان هذا الحصن أمنع حصرن هذا الشطرء وكان اليهود على ثقة بأن 
المسلمين لا يستطيعون اقتحام هذه القلعة وإن بذلوا قصارى جهدهم في هذا السبيل ولذلك 
أقاموا في هذه القلعة مع الذراري والنساء بينا كانوا قد أخلوا منها القلاع السابقة. وفرض 
المسلمون على هذا الحصن أشد الحصار؛ وصاروا يضغطون عليهم بعنف ولكون الحصن بقع على 
جبل مرتفع منيع لم يكونوا يجدون سبيلا للاقتحام فيه. أما اليهود فلم يجترئوا للخروج من 
الحصن . ؛ للاشتباك مع قوات المسلمين لكنهم قاوموا المسلمين مقاومة عنيدة برشق النبال. وبإلقاء 
الحجارة وعندما استعصى حصن النزار على قوات المسلمان أمر النبي اة بنصب الات المنجنين 
ويبدو أن المسلمين قذفوا مها القذائف فأوقعوا الخلل في جدران الحصن وافتحموه ه ودار قتال مرير في 
داخل الحصن انبزم أمامه اليهود هزيمة منكرة » وذلك لأنهم لم يتمكنوا من التسلل من هذا الحصن 
كا تسللوا من الحصون الأخرى . بل فروا مس فروا من هذا الحصن تاركين للمسلمين نساءهم 
وذرارهم. وبعد فتح هذا الحصن النيع. تم فتح الشطر الأول من خيبرء وهي ناحية النطاة 
والشق وكانت في هذه الناحية حصون صغيرة أخرى إلا أن اليهود بمجرد فتح هذا الحصن المنيع 
خاو هذا الحصن وهربوا إلى الشطر الثاني من بلدة خيبر 
فتح الشطر الثاني من خيبر : ولا فتح ناحية النطاة والشق تحول رسول الله د إلى أهل 
الكتيبة والوطيع والسلالم حصن أب الحقيق من بني النضير, وجاءهم كل فل كان انبزم من النطاة 
والشق وتحصن هؤلاء أشد التحصن . 
واخحتلف أهل المغازي هل جرى هناك قتال في أي حصن من حصوما الثلاثة أم لا؟ فسياق 
ابن اسحاق صريح في جریان القتال لفتح حصن القموص . بل يؤخذ من سياقه أن هدا الميصن 
تم فتحه بالقتال فقط من غير أن يجرى هناك مفاوضات للاستسلام أما الواقدي فيصرح تمام 
التصريح أن قلاع هذا الشطر الثلاثة إنما أحذت بعد المفاوضة ويمكن أن تكون المفاوضة قد جرت 
لاستلام حصن القموص بعد إدارة القتال. وأما الحصنان الآخخران فقد سلما إلى المسلمين دوغا 
قتال. ومهم كان فلم أتى رسول الله بذ إلى هذه الناحية_الكتيية 
فرض على أهلها أشد الحصارء ودام الحصار أربعة عشر يومأ واليهود لا يخرجون من حصونهم 
358 


حتى هم رسول الله ل أن ينصب عليهم المنجنيق فلا أيقنوا با هلكة سألوا رسول الله للا الصلح . 

المفاوضة : وأرسل ابن أبي الحقيق إلى رسول الله يق : انزل أكلمك؟ قال : نعم فنزل» 
بذرارهم ويخلون بين رسول الله ب وبين ما كان لهم من مال, وأرض وعلى الصفراء والبيضاء- أي 
الذهب والفضة- والكراع والحلقة إلا ثوبا على ظهر إنسان › فقال رسول الله عله : وبرئت منكم 
ذمة الله وذمة رسوله إن كتمتموني شيئاً فصا حوه على ذلك وبعد هذه المصالحة تم تسليم الحصون 
إلى المسلمين وبذلك تم فتح خيبر. 

قتل ابن أي الحقيق لنقض العهد : وعلى رغم هذه المعاهدة غيبٌ ابنا أبي الحقيق مالا كثيرا 
غيبا مسكاً فيه مال وحلى لخبي بن أخطب. كان احتمله معه إلى خيبر حين أجليت النضير. 


قال ابن اسحاق : وأق رسول الله ية بكنانة بن الربيع . وكان عنده كنز بني النضير فسأله 
عنه . فجحد أن يكون يعرف مكانه . فأتى رجل من اليهود فقال : إني رأيته يطيف بہذه الخربة كل 
غداة . فقال رسول الله ين لكنانة : أرأيت إن وجدناه عندك أأقتلك؟ قال : نعم فأمر بالخربة 
فحفرت» فأخرج منها بعض كنزهم » ثم سأله عا بقي منه فأ أن يؤديه » فدفعه إلى الزبيرء 
وقال : عذبه حتى تستأصل ما عنده» فكان الزبير يقدح بزند في صدره حتى أشرف على نفسه » ثم 
دفعه رسول الله اة إلى محمد بن سلمة فضرب عنقه بمحمود بن سلمة(١)‏ . 


قسمة الغئائم : وأراد رسول الله َة أن مجلي اليهود عن خيبر فقالوا : يا محمد دعنا نكون في 
هذه الأرض نصلحهاء ونقوم عليهاء فنحن أعلم بها منكم ٠‏ وم يكن لرسول الله اة ولا 
لأصحابه غلمان يقومون عليهاء وكانوا لا يفرغون يقومون عليها فأعطاهم خيبر على أن هم 
الشطر من كل زرع » ومن كل ثمر ما بدا لرسول الله ب أن يقرهم » وكان عبدالله بن رواحة 
بخرصهار» عليهم » وقسم أرض خيبر على ستة وثلاثين سه وجمع كل سهم ماثة سهم فكان ثلاثة 
الاف وستمائة سهم فكان لرسول الله ية والمسلمين النصف من ذلك وهو ألف وثمانمائة سهم 
لرسول الله هة سهم كسهم أحد المسلمين وعزل النصف الآخر وهو ألف وثمامائة سهم. سهم 
لنوائبه وما يتنزل به من أمور المسلمين؛ وإنما قسمت 
على ألف وثمانائة سهم لأنبا كانت طعمة من الله لأهل الحديبية من شهد منهم ومن غاب » وكانوا 
الفا وأربعمائة وكان معهم مائتا فرس . لكل فرس سهمان فقسمت على ألف وثمائمائة سهم فصار 


٠٠١۱ص السيرة لابن هشام ج۳‎ )١( 
يخرصها: يقدّرها‎ )1( 
35 للد‎ 


للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم واحد. 


قتلى الفريقين في معارك خيبر : وحملة من استشهد من المسلمين في معارك خيبر ستة عشر 
رجلا » أربعة من قريش وواحد من أشجع . وواحد من أسلم ٠‏ وواحد من أهل خير والباقون 
من الأنصار أما قتلى اليهود فعددهم ثلاثة وتسعون قتيلا . 


فدك : ولا بلغ رسول الله وليه إلى خيبر» بعث مخيصة بن مسعود إلى يبود فدك ليدعوهم إلى 
الإسلام فأبطأوا عليه فلا فتح الله خيبر قذف الرعب في قلومهم . فبعشوا إلى رسول الله بيع 
يصا حونه على النصف من فدك بمثل ما صالح عليه أهل خيبر فقبل ذلك مم . فكانت فدك 
لرسول الله ية خالصة لأنه لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب . 


وادي القرى : ولا فرغ رسول الله اة من حيبر انصرف إلى وادي القرى وكان بها جماعة من 
هود وانضاف اليهم جماعة من العرب . فلا نزلوا استقبلتهم مهود بالرمي وهم على تعمئة . فقتل 
مدعم عبد لرسول الله ل . فقال الناس هنيئاً له الجنة . فقال النبي يق كلا والذي نفسي بيده إن 
الشملة التي أخذها يوم خيبر من الغنائم لتشتعل عليه نارا. . 


ثم عبأ رسول الله َة أصحابه للقتال › وصفُهم > ودفع لواءه إلى سعد بن عبادة . وراية إلى 
الحباب بن المنذرء وراية إلى سهل بن حنيف. وراية إلى عباد بن بشرء ثم دعاهم إلى الإسلام 
فأبوا وبرز رجل منهم فبرز إليه الزبير بن العوام فقتله » ثم برز آخر فقتله » ثم برز آخر فبرز له علي 
بن أبي طالب رضي الله عنه فقتله. حتى قتل منهم أحد عشر رجلاء كلما قتل منهم رجل دعا من 
بقي إلى الإسلام . وكانت الصلاة تحضر هذا اليوم فيصل بأصحابه؛ ثم يعود فيدعرهم إلى 
الإسلام وإلى الله ورسولهء ؛ فقاتلهم حتى أمسواء وغدا عليهم فلم ترتفع الشمس قبد رمح, حتى 
أعطوا ما ایدیم ۽ وقنحها عنوة » وشنمه ال اروام اا ا كثير . وأقام رسول الله 
يل بوادي القرى أربعة أيام . وقسم على أصحابه ما أصاب بها ونرك الأرض والنخل بأيدي 
اليهود. وعاملهم عليهار, ى) عامل أهل خيبر . 
تيهاء : 
ولا بلغ يبود تيماء خبر استسلام أهل خيبر ثم فدك ووادي القرى ل يبد أي مقاومة ضد 
المسلمين بل بعثوا من تلقاء أنفسهم يعرضون الصلح فقبل ذلك مهم رسول الله يه 
)١١‏ زاد المعاد ۱٤۷۰۱1٩/۲‏ 
لا 


واقاموا بأمواهم() . وكتب لهم بذلك كتاياً وهاك نصه : هذا كتاب محمد رسول الله لبني عاديا إن 
لهم الذمة وعليهم اللحزية , ولاعداء ولا جلاء الليل مد والنبار رشد» وكتب تخخالد بن سعيد . 

العود إلى المديئة : 

ثم أخذ رسول الله في العودة إلى المدينة وفي مرجعه ذلك سار ليلة ؛ ثم نام في آخر الليل 

ببعض الطريق وقال لبلال : اكلا لنا الليل فغلبت بلالا عيناه» وهو مستند إلى راحلته. ٠‏ فلم 
اتيف امد حت ضريتهم الشمس» > وأول من استيقظ بعد ذلك رسول الله وليه , ثم خرج من 
ذلك الواديء وتقدم صلى الفجر بالناس» وقيل : إن هذه القصة في غير هذا السفرد» . 

وبعد النظر في تفصيل معارك خيبر يبدو أن رجوع النبي ب كان في أواخر صفر أو في ربيع 
الأول سنة /لاه)رم ش 

أمر الأسود الراعي في حديث خيبر : 

قال ابن اسحاق : 


وكان من حديث الأسود الراعي في| بلغي : أنه أق رسو الله يل وهو محاصر لبعض 
حصون خيبرء ومعه غنم له » كان فيها أجيراً لرجل من يبود فقال :يا رسول الله : اعرض علي 
الإسلام » فعرضه عليه > فأسلم وكان رسول لله و لا يحقر أحداً أن يدعوه إلى الإسلام 
ويعرضه عليه » فليا أسلم قال : يا رسول الله > إني كنت أجيرا لصاحب هذه الغنم . وهي أمانة 
عندي » فكيف أصنع بها؟ قال : اضرب في وجوهها فإنها سترجع إلى ربها- أو كا قال- فقام الأسود 
فأخط حفنة من الخصى › فرمى بها في وجوههاء وقال : ا لد إل لك الي لقال 
أبداً. فخرجت مجتمعة كأن سائقاً يسوقها. حتى دخلت الحصن ثم تقدم إلى ذلك الحصن ليقاتل 
مع المسلمين. اکا حجر تله ورا صل لل صلا قط قان يه رسو الله و فوش خف 
وسجي بِشْمُلة كانت عليه , فالتفت إليه رسول الله يو ومعه نفر من أصحابه » ثم أعرض عله , 
فقالوا : يا رسول الله ل أعرضت عنه؟ قال: إن معه الآن زوجتيه من الحور العين . قال ابن 
اسحاق : 


وأخبرني عبد الله بن أبي نجيح أنه ذكر له : أن الشهيد إذا ما أصيب تدلت له زوجتاه من 
الحور العين عليه تنفضان التراب عن وجهه» وتقولان: ترب الله وجه من تربك وقتل منْ 


٠٤۷/۲ نفس المصدر‎ )١( 
١٤۷/۳١ زاد المعاد‎ "٠ / ۲ ابن هشام‎ )۲( 
٠٠٠١-٤۱۲ الرحيق المختوم بتصرف من ص‎ )"( 
5 ۸ 


أمر الحجاج بن علاط السلمي : 
قال ابن اسحاق : 


ولا فتحت خيبر كلم رسولٌ الله يل الحجاج بن علاط السلمي : ثم البهتري , فقال: يا 
رسول الله » إن لي بمكة مالا عند صاحبتي أم شيبة بنت أبي طلحة ة- وكانت عنده له منها مغرض بن 
الحجاج- مال متفرق في تجار أهل مكة » فأذن لي يا رسول الله , فأذن له قال . إنه لا بد لي يا رسول 
الله من أن أقول قال : قل الحجاج : فخرجتٌ حتى إذا قدمت مكة وجدت بثئيّة البيضاءرى رجالا 
من قريش يتسمعون الأخبار؛ ويسألون عن أمر رسول الله تة ء وقد بلغهم أنه قد سار إلى خيبر» 
وقد عرفوا أا قرية الحجاز» ريفاً ومنعة ورجالاً فهم يتحسسون الأخبار ويسألون الركبان فل 
رأوني قالوا : الحجاج بن علاط » قال : ولم يكونوا علموا بإسلامي » عنده والله الخبر أخبرنا يا أبا 
محمد فإنه قد بلغنا أن القاطع قد سار إلى خيبر» وهي بلد يبودء وريف الحجاز. قلت: قد 
بلغي ذلك وعندي من الخبر ما يسركم ؛ قال : فالتبطوارم بجنب ناقتي يقولون Ee‏ 
قال : قلت : هزم هزية لم تسمعوا بمثلها قط . وقتل أصحابه قتلاً وأسر محمد أسرا . وقالوا: لا 
نقتله حتى نبعث به إلى أهل مكة فيقتلوه بين أظهرهم تمن كان أصاب من رجاهم , قال : فقاموا 
وصاحوا بمكة وقالوا: قد جاءكم الخبر» وهذا محمد إثما تنظرون أن يقدم به عليكم فيقتل بين 
أظهركم . قال : قلت : أعينوني على جمع مالي بمكة وعلى غرمائي فإني أريد أن أقدم خيبر» فأصيب 
من فل") محمد وأصحابه قبل أن يسبقي التجار إلى هناك . 

قال : فقاموا فجمعوا مالي كله كأحثر) جمع سمعت به قال : وجئت صاحبتي فقلت : 
مالي . وقد كان لي عندها مال موضوع لعلي ألحق بخيبر فأصيب من فرص البيع قبل أن يسبقني 
التجار؟ قال : فليا سمع العباس بن عبد المطلب ؛ وجاءه عني » أقبل حتى وقف إلى جنبي وأنا في 
خيمة من خيام التجار فقال: يا حجاج ما هذا الخبر الذي جئت به؟ قال» فقلت: وهل عندك 
حفظ لماو ضعت عندك؟ قال: نعم. قلت: فاستأخر عن حتى 
ألقاك على خلاء. فإنيٍ في جمع مالي كما ترى» فانصرف عني حتى أفرغ . حتى إذا فرغت من جمع كل 
شيء كان لي بمكة » وأجمعت الخروج لقيت العباس» فقلت: احفظ عل حديثي يا أبا الفضل فإني 


)١(‏ ثنية البيضاء : هي ثنية التنعيم في مكة 
(۲) التبطوا بجني ناقتي : مشوا إلى جنبها ملازمين ها 
(۳) فل محمد : القوم المنبزمون معه 
)٤(‏ كاحث : كأسرع 
ها 


أخشى الطلب ثلاثأ ثم قل ما شعت شئت قال : : أفعل قلت: فإني والله تركت ابن أخيك عروساً عر 
بنت ملكهم . - يعني صفية بنت حبي ولقد افتتح خيبر» وانتثل:ا) ما فيها وصارت له ولاصحابه. 
فقال: ما تقول يا حجاج؟ قلت: إي والله فاكتم عني ولقد أسلمت وما جثت جئت إلا لآخذ مالي 
رفا من أن أغلب عليه > فإذا مضت ثلاث فاظهر أمرك فهر والله على ما تحب قال: حتى إذا كان 
اليوم ثالث لبس العباس حلة له وتخلقَرم وأخذ عصاه ثم خرج حتى أق الكعبة فطاف مہا فلا 
رأوه قالوا: يا أبا الفضل هذا والله التجلد لحر المصيبة. . قال: كلا والله الذي حلفتم به لقد 
افتتح محمد خيبر وترك عروساً على بنت بنت ملكهم » وأحرز أمواهم وما فيهاء فأصبحت له 
ولأصحابه. قالوا: من جاءك هذا الخبر؟ قال * الذي جاء كم بما جاءكم به ولقد دخل عليكم 
مسلا فأخذ ماله فانطلق ليلحق بمحمد وأصحابه فيكون معه» قالوا: يا لعباد الله انفلت عدو 
الل أما والله لو علمنا لكان لنا وله شان قال» وم ينشوا أن جاءهم الخبر بذلكرم. 

خرص ابن رواحة ثم جبار على أهل خيبر : 

قال ابن اسحاق : فكان رسول الله ب کا حدئني عبدالله ! بن آي بكر يبعث إلى آهل خير 

شلتم فلکم وإن شثتم فلناء فقول مېود ذا قامت السموات والأرض. وإغا خرص عليه 
عبدالله ب ن رواحة عاماً واحداء ثم أصيب بمؤته يرحمه الله فكان جبار بن صخر أخو بني سلمة هو 
الذي يخرص عليهم بعد عبدالله بن رواحة فأقامت يبود على ذلك لا يرى بهم المسلمون بأسا في 
معاملتهم حتى عدوا في عهد رسول الله َة على عبدالله بن سهل أخي بن حارثة فاتبمهم رسول 
الله يل والمسلمون عليه . 

إجلاء اليهود عن خيبر أيام عمر : قال ابن اسحاق : وسألت ابن شهاب الزهري كيف كان 
إعطاء رسول الله يل بود خيبر نخلهم حين أعطاهم النخل على خرجها > أبت ذلك لهم حتى 
قبض. أم أعطاهم إياها لضرورة من غير ذلك. فأخبرني ابن شهاب: أن رسول الله إا افتتح 
خيبر عنوة بعد القتال وكانت خيبر ما أفاء الله عز وجل على رسول الله يل وقسمها بين 
رسول الله عة فقال إن شئتم دفعت إليكم هله الأموال على أن تعملوها وتكون ثمارها بيننا 
ويبنكم ؛ وأقرّكم ما أقركم الله فقبلوا فكانوا على ذلك يعملونهاء وكان رسول الله ل يبعث 
عبدالله بن رواحة فيقسم ثمرهاء ويعدل عليهم في الخرص. فلم| توى الله نبيه وة أقرها أبو بكر 
)١(‏ انتثل : استخرح 
(۲) تخلّق : تطبّ بالخلوق وهو نوع من الطيب 
(۳) السيرة لابن هشام ج ‏ ص 771-8094 


رضي الله تعالى عنهء بعد رسول الله يق بأيديهم على المعاملة التي عاملهم عليها رسول الله حتى 
توفي» ثم أقرها عمر رضي الله ممنه صدراً من إمارته ثم بلغ عمر أن رسول الله پا قال في وجعه 
الذي قبضه الله فيه : لا يمتمعن بجزيرة العرب دينان» ففحص عمر عن ذلك حتى بلغه الثبت. 
فأرسل إلى مهود فقال: | اناكم عزوجل فد لذن في جلائكم .قد بغني أن رسول اله :فال لا 
يجتمعن بجزيرة العرب دينان» فمن كان عنده عهد من رسول الله يله من اليهود فليأتني به أنفذه 
له ومن لم يكن عنده عهد من رسول الله يل من اليهود فليتجهز للجلاء فأجلى عمر من لم يكن 
عنده عهد من رسول الله ا مهم( . 

من شهد خيبر من النساء: وشهد خيبر عشرون امرأة مهن أم المؤمنين أم سلمة. وصفية 
بنت عبدالمطلب» وأم أيمن وسلمى امرأة أي رافع مولاة النبي 5ة وامرأة عاصم بن عدي وأم 
عمارة وأم منيع وكعيبة بنت سعد وأ م مطاع الأسلمية. وأم سليم بنت ملحان. وأم الضحاك 
بنت مسعود» وهند بنت عمرو بن حرام وأم عامر الأشهلية. وأم عطية الأنصارية. وأم سليط 
وأمية بنت قيس الغفارية”) , 


لم يعض على موعود الله لحند الحديبية أكثر من شهرين بالفتح القريب والمغانم الكثيرة حتى 
كانت حصون خيبر بما حوي من خيرات بين يدي المسلمين؛ وشاء قدر الله أن لا يشارك مع أهل 
الحديبية أحد معهم في خيبر» اللهم إلا بعض النساءء والوفود القادمة من اليمن والحبشة . 

ولقد بلغ من جهد المسلمين وجوعهم وفاقتهم في هذه المعركة أن ذبحوا الحمر الأهلية, 
ونصبوا القدور على النيران» وجاء منادي رسول الله ية : إن رسول الله يناكم عن أكل لوم 
الحمر الأهلية . 

(قال ابن اسحاق : فحدثني عبدالله بن عمرو بن ضمرة عن عبدالله د“ ن أبي سليط عن أبيه 
قال: أتانا نبي رسول الله ية عن أكل لحوم الحمر الأنسية. والقدور تفور ا فكفأناها على 
وجوهها)(٣)‏ . 

وإنها لتجربة قاسية ولا شك. وفريدة كذلك أن المسلمين قد عض الحوع بنامهم وليس 
لديم ما يأكلون حتى التمر لا يجدونه. وهم مكلفون بخوض حرب طاحنة مع اليهود وليسوا 
مسترخين نائمين في المعسكر» وذبحوا الحمر وطهوهاء وسال لعامم عليهم والقدور تفور 
باللحم الطازج ثم يأتي الأمر النبوي بالنبي عن أكل لحوم الحمرء فا يترددون لحظة واحدة. أو 


۳۷١ السيرة النبوية لابن هشام ج ۳ ص‎ )١( 
TYY TT ص‎ ١ زفهة امتاع الاسماع ج‎ 


(۳) السيرة النبوية لابن هشام ص 40" 


يشكلون استعصاء مسلحاء أويشكلون فراراً من الجيش وال معركة أو يتموا هذه الوجبة وينتهوا بعد 
ذلك أو ينبشوا نهشة واحدة تقيم أودهم م يفعلوا ذلك كلهء إنما كفؤوا القدور باللحم. 
واستجابوا لأمر الله ورسوله. وهو درس حي ولا شك في الالتزام والانضباط بالأوامر بالعسر 
واليسر والمنشط والمكره. وأن يكون الجندي المسلم خارجاً من سلطان بطنه» وهو على أشد ما 
يكون من الجوع ‏ وهو مكلف بخوض معركة؛ هو مستوى رفيع جداًء حين نرقى إليه نرقى معه 
إلى مستوى, نصر الله . 


وكان بالإمكان أن ينبى رسول الله ية عن أكل لحوم الحمر الأهلية قبل ذبحهاء أو بعد 
ذبحها. وقبل العناء بطهيها وجمع الحطب ونفخ النار تحتهاء لكن حتى تكون التجربة في أعمق 
أبعادها شاءت إرادة الله تعالى أن يكون النبي والقدور تغلي بلحوم الحمر. حتى يكشف الالتزام 
في أصعب أحواله. والذي يلتزم في هذا الظرف قادر على الالتزام بجا هو أدنى منه. 

وشيء آخر لا يقل صعوبة ومرارة عنه. هذا الشيء ء هو حفظ الفرج عن الحرام . 

مضى السالموت يبر والمتعة حلال مء و هد الود عدأ عن اهم کی یدوز 
خلال الاستمتاع المؤقت بالنساء ٠‏ وكان لنمي عن نکام امتعة كذلك في هذه المناسبة. ولم يكن 
الي وهم بجوار نسائهم في المدينة» ولل يكن النبي تجرد وصولهم إلى خيبر لقد كان الي في 
اصعب مظان في فلب المعركة» وبعد الغياب اویل عن الزوجات . وحيث الامكانات المتاحة 
ل 0 اا ا 
أن افتتح قرية من قرى المغرب فقال: 

(يا أا الناس إ ای الول فيكم إلا ما سسمت من رسول الل يقوه فين يوم خبي قام فين 
رسول الله م فقال: لا يحل لامرىء يؤمن بالله واليوم الآثخر أ ل يسقي ماءه زرع غيره ‏ يعني 
إتيان الحبالى من السبايا - ولا يحل لامرىء يؤمن بالله واليوم الاسر أن بص 
امرأة من السبي حتى يستبرثها. ولا يحل لامرىء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيع مغن حتى 
يقسم؛ ولا بحل لامرىء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها 
رذها فيد ولا يحل لامرىء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يلبس ثوباً من فيء المسلمين حتى إذا أحلقه 


رده فيه)(١)‏ , 


إنها أمور تمس ثلاث شهوات هي من أعمق ما تحمله النفس البشرية من شهوات . 


5 ج ۳ ص‎ ٣٤۵١ السيرة النبوية لابن هشام ص‎ )١( 


YY 3 


شهوة ة الجوع الي يتشدق الماديون فيهاء حتى ليبيحوا من أجلها الأعراض والسرقة . 

وشهوة لجنس التى يعتبرها الماديون جزءاً من تركيب الإنسان وحاجة عضوية فيه 

وشهوة التملك التي يستعبد الناس ويستذلون من أجلها. 

لياق الأمر النبوي . وهذه الشهوات على على أشد ما تكون يقظة وحاجة وشدة بالامتناع عنهاء 

فيستجيب الصف المسلم كله دون أن تسجل مخالفة إلا مخالفة واحدة سنعرض هما فيا بعد. 

وتن حلت الحدبية إنسانً واحداً تباط عن البيعة عل الوت" فلقد شهدت خيبر من أهل 
الحديبية مخالفة لا تكاد تذكر في هذه الأمور. وذلك من خلال ربط هذه الأمور فقط بالإيمان بالله 
واليوم الآخر. 


وأمام هذا الصبر على الجوع » والصبر على الجنس في سبيل الله» والصبر على الغنائم حتى 
توزع وبعد هذه التجربة القاسية الفريدة. كان عطاء الله تعالى وفيض رحته أكبر من كل 
التوقعات وشهدنا دعاء رسول الله به للأسلميين الذين جاؤوا يشكون لرسول الله يبد جوعهم 
وفاقتهم وكان الدعاء الخالد : 


فافتح عليهم عم وبا عنم ائ ارما ا را فنا الا E‏ وجل 
حصن الصعب بن معاذ وما بخيبر حصن كان أكثر طعاما وودكا منه, 


وحدثنا المقشريزي عن بعض هذه الغنائم فيقول: (واقتحم المسلمون الحصن يقتلون 
ويأسرون فوجدوا فيه من الشعير والتمر والسمن والعسل والزيت والودك كثيرا . فنادى منادي 
رسول الله َو كلوا واعلفوا ولا تحتملوا (يعني لا تخرجوا به إلى بلادكم) فأخذوا من ذلك الحصن 
طعامهم وعلف دوامهم ولم يمئع أحد من شيء ولم جمس ووجدوا بزا في عشري ن عكيبار١)‏ حزومة 
من متاع اليمن. ووجدوا واي شسكرء فأمر ا 
خوابيه(؟)) ووجدوا آنية من نحاس وفخار كانت مبود تأكل فيها ونشرب 
اغسلوها واطبخوا وكلوا فيها واشربواوأخرجوا منها غا وبقرا وجرا والة الخرب. ومنجنيقاً 

بابات › عدة» وخمسمائة قطيفة. . .)(4) 

١‏ وهذا هو الصف الذي كنب الله تعال له النصر في خیبر بالتزامه وانضباطه في القليل 
والكبير ونحن بحاجة لمذا الصف الذي يلتزم بالأوامر من منطلق الإيمان قبل الت زامه من منطلق 
(۲) السكر (ما يسكر به من الخمر) 
(۳) الخابية: الوعاء الكبير 
( 4 ) امتاع الأسماع ج ١‏ ص ۰۳۱۸ 15" 


الخوف والسلطة . 

؟ ‏ أما الحديث عن المخالفات فهو عجيب حقاً. نستمع إلى النماذج التي حدثت في هذه 
الغزوة: (وشرب الخمر رجل من المسلمين يقال له: عبدالله الحمار. فخفقه رسول الله بنعليه» 
وأمر من حضروه فخفقوه بنعالهم, ولعنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فقال كله : فإنه يحب 
الله ورسوله؛ ثم راح عبدالله كأنه أحدهم فجلس معهم)ر). 

(ونادى منادي رسول الله ية : أدوا الخياط 0 والمخيط ر( فإن الغلول عار وشئار ونار يوم 
القيامة . فعصب فروة رأسه بعصابة ليستظل بها من الشمس فقال رسول الله وه عصابة من نار 
عصبت بها رأسك فطرحها. . وتوفي رجل من أشجع فلم يصل عليه وقال: إن صاحبكم غل:») 
في سبيل الله فوجد في متاعه خرز لا يساوي درشمين» .) 

نذكر هذه الهنات ونذكر معها مثلاً آخر ما وقع بين يدي المسلمين وكانوا قادرين على الغلول 
فيه : 1 
(قال ابن وهب: قلت لالك: وما الكتيبة؟ قال : من أرض خيبر وهي أربعون ألف عذق 
فوجد خمسمائة قوس عربية. ومائة درع» وأربعمائة سيف. وألف رمح) () 

وفي مكان احر: وصالح كنانة بن أبي الحقيق رسول الله يليه على أهل الكتيبة فأمّن الرجال 
والذرية» ودفعوا إليه الأموال والذهب والفضة والحلقة والثياب إلا ثوبا على إنسان بعد ما 
حصرهم أربعة عشر يوأ © 

في هذه الغنائم الكثيرة المثقلة من المال والمتاع والسلاح والطعام» وجد من أحذ خرزا لا 
يساوي درهمين» ومن عصب رأسه بعصابة. وكان الحزاء الصارم أن قيل لصاحب العصابة 
عصابة من نار تعصب بها رأسك«م). ولم يضَلَّ على الثاني لهذا الغلول. 


(1 المصدر نفسه < ۱ ص "1١9‏ 
ا 

ر۲ الخياط : الخيط 

)۳( المخيط: الابرة تخاط بها 

(4) غل من الغنم : خان وسرق 

(ه) المصدر نفسه ج ١‏ ص ۳۲۳ 

وى امتاع الأسماع ج ١‏ ص ۳۱۹ ۳۲١‏ 

(۷) المصدر نمه ۳۱۹ 

(4) يحسن أن ندكر أن صاحب العصابة هو المسؤول عن حفظ الغنائم وتوزيعهاء ولشدة عمله وصعوبته استظل 

_ لاس 


أمر لا يعرفه تاريخ الأمم والحروب في الدنيا إلا لدى الصف المسلم . 

وخالفة ثالثة أن يوجد بين الألف والأربعمائة انسان. رجل لم يبلك نفسه أمام حوابي الخمر 
وهي تكسر» فشرب الخمر في لحظة ضعف, وكانت العقوبة الصارمة أن خفقه رسول الله جيه 
بلعليه. وخفقه المسلمون بنعالهم » فتلقى العقوبة بصدر رحب, ول مض ليبيت ليلا اغتيال رسول 
الله بللا وصحبه هذه الإهانة بل أنمى العقوبة وراح يمزح ويضحك مع المسلمين. بل رفض 
رسول الله ملا لعنه. وقال عنه» وهو يتلقى عقوبة المعصية: إنه بحب الله ورسوله . 


فليست مهمة العقوبة أن ن تسلخ الحندي من الصف. وتحوله إلى حاقد موتور. بل مهمتها 
تطهيره من الذنب ليغدو أهلا للجندية في هذا الصف المسلم. واللعن يرفض. لأنه عقوبة فوف 
العقوبة . بل الثناء عليه ليبقى بقلبه الحي المؤمن لاصقاً بالصف ملتحياً فيه. 


وما أحوج صفنا وجنودنا إلى هذه المستويات حيث يتقبل الأخ المسلم العقوبة بصدر رحب . 
وحيث يفقه إخوانه فلسفة العقوية لا لطرده وتحطيم نفسيته؛ بل م لتطهيره وضمه جندياً في الصف 


هذا هو الصف المسلم الذي انتصر بخيبر على اليهود. ويكفي هذا الوصف. لنتعرف على 
الصف العربي الذي لا يزال يحارب اليهود ثلث قرن ويتلقى الهزائم المكررة : 

نذكر ذلك الصف في خيبر. حيث يخفق شارب الخمر بالنعال. والصف العربي الذي قال 
عنه مدير خابرات العدو» سوف أهزم العرب بجا يحرمه عليهم دين محمد بالخمر والنساء. 

وفعلل هزم الصف بالمعصية, إذ كان الطيارون ليلة الخامس من حزيران في عربدة مع الخمر 
والنساء وعلى رأسهم العقداء والألوية والفريق الأول قائد سلاح الطيران وذلك حتى الفجر. 


ومبذه المقارنات ندرك من ذلك الجيش» ومن هذا الجيش. وفيه الغنى عن أي تعليق . 


٣‏ - وبقيت الفةأرجاباللمقارنة مع صورة مقابلة . نلحظ من تلك المقارنة كيف يكون 
الحكم على الأشخاص لأن صف الحركة الإسلامية يستهجن وجود نوعيات انتهازية فيه : 


(قال ابن اسحاقف : فحدئني ثور بن زيد بن سام عن أبي هريرة قال : فلما انصرفنا مع رسول 
الله يله عن خيبر إلى وادي القرى ونزلنا مها أصيلاً مع مغرب الشمس» ومع رسول الله 
الله كا غلام له > أهداه له له رفاعة بن زيد. فوالله إنه ليضع رحل رسول الله بي إذ أتأه سهم 
غرب() فأصابه فقتله . فقلنا هيا له الجنة » فقال رسول الله َة : كلا والذي نفس محمد بيده إن 


ا ا ا ا ا 
)١(‏ سهم غرب: سهم طائش 
¥0 35 


شملتهرم الآن لتحترق عليه في النار» كان غلّها من فيء لمسلمين يوم خيبر. فسمعها رجل من 
أصحاب رسول الله يق فأتاه فقال: يا رسول الله: أصبت شراكين لنعلين لي» قال فقال: يقد 
لك مثلهما في النار)” . 


نضع هذا الغلام الذي راه الناس من أهل الجنة وهو يعيش في الصف المسلم منذ فترة غير 
قليلة» ثم أصبح من خواص رسول الله ب وخدمه مع الغلام الآخرء الأسود الراعي الذي قص 
لنا ابن اسحاق خبره حين قال: يا رسول الله: اعرض عل الإسلام فعرضه عليه » فأسلم وكان 
رسول الله لا يحقر أحداً أن يدعوه إلى الإسلام» ويعرضه عليه فلم| أسلم قال يا رسول الله إني 
كنت أجيراً لصاحب هذه الغنم وهي أمانة عندي » فكيف أصنع بها؟ قال : اضرب في وجوهها 
فإنها سترجع الى ربها. فقام الأسود. فأخذ حفنة من الحصى > فرمى بها في وجوههاء وقال : 
ارجعي إلى صاحبك. فوالته لا أصحبك أبداأء فخرجت مجتمعة كأن سائقاً يسوقها حتى دخلت 
ا حصن > ثم تقدم إلى ذلك الحصن ليقاتل مع المسلمين فأصابه حجر فقتله » وما صلل لله صلاة 
قط » فأ به رسول الله ل فوضع خلفه» وسجي بشملة كانت عليه » فالتفت إليه رسول الله 
ّل ومعه نفر من أصحابه ثم أعرض عنه ققالوا : يا رسول الله : [ أعرضت عنه » فقال : إن معه 
الآن زوجتيه من الحور العين)7© , 

صورتان متقابلتان عجييتان لغلامين في الصف المسلم» ونبايتان أغرب وأعجب 


غلام رسول الله ب ويقتل بين يديه » ويبئأ بالجلة على ظاهر الأمر وغلام بردي لم يصل ل 
صلاة قط» ويقدل عل باب الحصن اللي خصرج منه. والشملة التي غلّها غلام 
رسول الله يه وهي خيانة كانت كفيلة أن تشتعل عليه في النار» ويحرم من الحنةء ولم يشفع له 
خدمته لرسول الله وماضيه السابق في الصف المسلم . وأمانة الغلام اليهودي تحولت كرامة له 
بحفنة من حصباء في وجه الغنم يقول ها : فوالله لا أصحبك أبداً. ويدخل في الاسلام طاهرا من 
مبوديته ومن ذنوبه مبذه الأمانة العظيمة. وما هي إلا ساعة حتى يغدو الغلام اليهودي قتيلاً. 
فتتدلى له زوجتاه من الحور العين تحفانه إلى الجنة . 

يا شباب دعوة الإسلام: 

ليكن هذا الدرس حياً في نفوسكم, فالخطيئة الصغيرة تؤدي إلى النار ولو كانت شملة من 
غنيمة لا يؤبه لها. ولا يشفع معها قدم في الدعوة أو ماض في الجهاد أو موقع في التنظيم . 

والاستقامة على الممبج ولو كانت من أعدى أعدائكم لحظة واحدة كفيلة بالشهادة في سبيل 


)١(‏ الشملة: كساء غليظ يلتحن به 
(۲) بقد: يُقطع 
(۳) السيرة لابن هشام ج ۱ : 8146 


الله لا يحول دونها حرب عنيفة للإسلام» أو تحتاج إلى رصيد من الطاعة والعبادة. بل النية 
الصادقة والتصميم على الاستقامة تكفي في ميزان الله لدخول الحنة . 

ودعوا عنكم المظاهر فالله تعالى لا ينظر إلى صوركم وأعمالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم . 

وآن لقيادة الحركة الإسلامية أن لا تغالي في الحكم على الأشخاص وخاصة أبناءها من خلال 
القدم التنظيمي فترفع هذا الجندي إلى المستوى الأعلى عندها بغض النظر عن سلوكه وتربيته . 

وان لشباب الحركة الإسلامية أن لا يغالوا في المكابرة جن يأتيهم صادقاً إلى الصف فيحرموه 
من كل ثقة لأنه لم يمر عليه قدم تنظيمى في الجماعة. 

فقد يكون ذلك الأخ النقيب من أهل النار, وقد يكون هذا الجندي الحديد الذي لا تزال 
اثار حربه للإسلام بادية عليه من أهل الحنة. 

ولتأحذ التربية الحقة دورها في الصف المسلم وليكفكف الشباب المسلم من غلوائه. في 
قضية الثقة بالمنتسبين الجدد إلى الصف وليبق في ذهنهم . . 

غلام رسول الله َه وخيانته التي أودت به إلى النار. 

والغلام اليهودي الذي.لم يسجد لله سجدة وأمانته التي افتتح بها إسلامه فقادته إلى الجلة 
وليكفكف الشباب المسلم من غلوائه كذلك فيستبيح كل صور الغنيمة من العدو اذا ارتبطت بلوثة 
مع الإسلام وشباب الإسلام . 


4 - وحين نتناول هذه السمة بمظاهرها العامة سمة إنهاء الوجود اليهودي من جزيرة العرب 
وقد عرضنا للصف المسلم وأمانته بينم استحق الصف اليهودي أن تحق عليه لعنة الله وغضبه بعد 
أن خان الأمانة لا يغيب عن البال غدر كنانة بن أبي الحقيق والذي خان رسول الله وأخخفى ما لديه 
من ثروة مع أنه هُذّد بالقتل إن أخفى شيا من ذلك ثم قتل عقوبة له على غدره. لا ننسى أن 
الصف الداخلي لليهود قد تمزق ومضى بعض أفراده ليدل المسلمين على ثغرات الحصون وثرواتها . 
وما كان ذلك ليقع لولا أن هؤلاء اليهود قد كفروا بقياداتهم فراحوا يتطوعون بإعطاء الأسرار 
للجيش المسلم دون مقابل بل ساهم بعضهم بكشف خيانة كنالة بن أبي الحقيق حين راه يتردد على 
خربة له وقد أخفى فيها ثروة مبود. ونلحظ معه كذلك المحاولات الإجرامية للاعتداء على 
المسلمين ونقض العهود حين يتاح لهم ذلك حيث قتلوا عبدالله بن سهل حين أمنوا إخفاء الجريمة 
وحاولوا اغتيال رسول الله ية بوضع السم في الشاة التي أهدوها لرسول الله ومات على اثرها بشر 
ن البراء بن معرور رضي الله عنه واستحقوا هذه الهزيمة. 

وحين يكون الصف المسلم يمثل هذه المواصفات فستقع عليه العقوبة ويحال بينه وبين 


د لاد 


النصر. 

ه ‏ لكن هذه الأمور على مستوى الصف لا تعفي الصف من تقديم التضحيات المناسبة 
واللازمة فلقد عانى المسلمون من الجهد في هذه المعركة مالم يعانوه في معركة سابقة فالخندق أطول 
معاركهم استمرت عشرين يوماً أو تزید» وهم في بيوتهم وبلدهم وحصونهم » بينما راهم هناء ولا 
يملكون من الطعام حتى التمرء وهم في أشد الحاجة يصبرون قرابة شهرين على الحرب . فلم تتم 
نهاية اليهود ذه السهولة؛ ولقد دافع اليهود دفاع المستميت عن وجودهم وحصونهم. وقاتلوا 
وصبرواء لكن المؤمنين كانوا أصبر الفريقين» وأشجع الفرقتين وما بذله أبطال المسلمين من بسالة 


وبذل 5 النفس والنفيس › فاق تصورات ا وكان البذل مشترکا من الفريقين المهاجرين 
والأنصار, 


نعلي بن أبي طالب والزبير بن العوام وعمر بن ال خطاب في المبارزات الفردية وكذلك الحباب 
بن المنذر ومحمد بن سلمة وأبو دجانة سماك بن خرشة حطم كل البطولات الفردية عند اليهود 
الذين كانوا حسبون كل بطل من أبطلهم بألف رجل . 

والقتال العام الذي كان يستمر أياماً. فيضطر اليهود للانسحاب والتراجعء وقد شارك فيه 
الجيش كله بلا إستثناء يعني أن المعركة لم يبخل المسلمون عنها بشيء من أرواحهم ودمائهم وهي 
أطول معركة عجم فيها عودهم » واختبر فيها صبرهم فكانوا على مستوى ال معركة . 

١‏ - وتبدو ضراوة المعركة وضخامتها حين نتصور المعركة مع المتحصنين في القلاع والحصون 

من اليهود. رکا وصف القرآن الهرد (لا يقاتلونكم جيعاء إلافي قر حصت أو من وراء جدر 

بأسهم بينهم شديد تحسبهم جیعأ وقلويم شتی)(۱). 

وكل هذه الحصون والقلاع م تفل من عزيمة المسلمين, ولم توهن من مقاومتهم. وهذه 
طبيعة اليهود اليوم كذلك فمن وراء دباباتهم ومتاريسهم وتحصيناتهم يقاتلون المسلمين اليوم لكن 
مسلمي اليوم سرعان ما انكشفوا امام تلك التحصينات وكم أبيد من الألوية العربية في الحروب 
أمام حصون اليهود. 

وحين نقارن بين حرب الخامس من حزيران وبين فتح خيبر. فليست مقارنة عرضية. بل 
هي مقارنة حقيقية. ملقد أعلن موشي دايان وزير الدفاع الاسرائيلٍ بعد أن احتل القدس واكتسح 
بجيشه الأرض العربية في سورية والأردن ومصر. قال وقد مس ثرى القدس : هذه بخيبر. 

لقد لقي اليهود قبل خمسة عشر قرناً تلك الهزيمة النكراء التى أت الوجود اليهودي في 
جزيرة العرب ولم تنبه لعقد أو عقدين من الزمان أو لقرن أو لقرنين من الزمان. إغا أنبته لخمسة 


١14 سورة الحشر! من الأية‎ )١( 
5 VA ف‎ 


عشر قرناً من الزمان لم يقم بعدها لليهود قائمة. ول يرتفع لهم علم ول تخفق لمم راية. إلى أن كان 
منتصف هذا القرن وقامت دولة اسرائيل فرق ربا فلسطين. ولم يغب عن ذهن اليهود مرارة خيبر 
وقد تجرعوا الذل والحوان فيهاء وبقي الجيل بعد الجيل يرويباء ويؤرث سلفهم الحقد لخلفهم 
ويذكره بالثأرمن رسول الله َة . حتى كانت معركة الخامس من حزيران. حيث سلمت الحولان 
غنيمة باردة لليهود من الخائن العربي الأكبر. رغم الحصون الضخمة التي فيهاء والتي كانت كفيلة 
أن تقاوم اليهود بعدة جنود قلائل أشهراً طوالاء سلمت بدون قتال» على الحبهة السورية, 
واغمارت تحصينات الحولان التي كان يقال عنها ‏ خط ماجينو- لا بالشجاعة اليهودية ولكن بالخيانة 
العربية . 


لقد كان النصر الإسلامي في خيبر من القوة والضخامة بحيث أنهئ الوجود العسكري 
لليهود. خلال هذه القرون الطوال. وقي غفلة من الزمن» وفي غياب لجند الإسلام عن الأرض 
وفي غياب لخلافة الإسلام وحكم الإسلام برز الوجود اليهودي من جديد . 

۷ وحين نعالج ذلك الواقع ندرس من خلاله الصيغة التي انتهى يهود إليها أن يكونوا خولا 
عند المسلمين وأجراء فيخدمو الأرض وهم نصف الثمر وللمسلمين 
النصف. ولقد كانت القيادة النبوية من العظمة ما جعلها فوق أحقاد اليهود. وجعل التعامل 
معهم بصفتهم بشرا ومدنيين غير مقاتلين بحيث لا يستغل جهدهم, ولو كانوا أعداء الله 
ورسولهء ولا تستنزف طاقاتهم عبيداً كالعبيد» بل أمكن إيجاد جو من التعايش معهم. بحيث 
يشتغلون بأرض المسلمين ولهم نصف الثمر. والحركة الإسلامية اليوم بحاجة إلى فقه هذا المعنى . 
فمن أجل الجهاد رفض رسول الله يه أن ينكب الحيش المقاتل الثائر على الزراعة؛ فيفقد 
جاهزيته ويفقد عسکریته» ويفقد جندیته» كما علمهم القرآن الكريم . 

(ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)ر٠).‏ 

وليست التهلكة إلا الإنشغال بالزرع والضرع عن المعركة فلا بد أن توجه كل الطاقات 
للمعركة أما الأرض فلن تلهى عنها ولن تشغل عنهاء واليوم والحركة الإسلامية تعد نفسها لمواجهة 
شاملة لا بد ها أن تجند كل طاقاتها للمعركة . فالإسلام لم يقبل هذا الموقف بعد النصر المؤزر 
المبين . فكيف تقبله الحركة الإسلامية وهي تخوض معركة وجودها أو لا وجودها في الساحة . 

ومع ذلك . فقد استفاد رسول الله ولي من الخبرة الزراعية المختصة » ولو كانت من اليهود 
لتلبي هذا القطاع وتؤمن حاجته ومضى العام الأول والثاني ورسول الله بتي والمسلمون ماضون في 
حريهم» وتنقل لهم ثروات أرضهم فهل يستطيع المسلمون اليوم أن يعيدوا اليهود إن الأرض 


١5ه البقرة: س الآية‎ )١( 
- كلا‎ 


وتكون هم القيادة والسيادة من جديد؟ 


4 - وإذا كان أمر التعامل مع اليهود وهم أذلة فإن هذا لا يعني في المفهوم الإسلامي بخسهم 
حقهم ولو كانوا مستضعفين أو مضطرين للعمل مع النبي ب وصحبه وتذكر كتب السيرة عن 
ذلك الخرص الوحيد الذي قام به عبدالله بن رواحة رضي الله عنه لعام واحد وهو يوزع الثمر 
مناصفة بين اليهود والمسلمين قالوا له: ما نراك عدلت. فيجيب رضي الله عنه: يا إخوة القردة 
والخنازير» والله ما أحد على ظهر الأرض أبغض إل منكم وما يدفعني بغضي لكم أن أنقصكم 
تمرة واحدة . ووالله ما أحد على ظهر الأرض أحب إل من محمد ية وما يدفعني حبي له أن أزيده 
تمرة واحدة. إن شئتم هذه أو شئتم هذه» ويشير رضي الله عنه إلى الخصتين أمامه. أو كا روى 
ابن اسحاق: (قالوا له : تعديت عليناء قال: إن شئتم فلكمء أو شئتم فلناء فتقول يبود: مبذا 
قامت السماوات والأرض)(١)‏ . 


وإذن فمفهوم دولة الإسلام وحكم الإسلام الذي نرقبه ونسعى له » ونقاتل من أجله هوني 
تحقيق هذا العدل بين العدو والصديق والقريب والخصم وهو أكبر ميزان على تحقيق شريعة الله في 
الأرض أن يأمن العدو قبل الصديق » والخصم قبل الأخ » ولا يطمع شريف في ظلم . ولا ييأس 
ضعيف من عدل وأن يطمئن المسالم الآمن على ماله وعرضه وعقيدته وأرضه واليهود الذين عاشوا 
في ظل هذا الإسلام العظيم » نعموا بهذا الأمن » وطردتهم دول الأرض واوتهم دولة الخلافة 
الإسلامية فكان جزاؤها أن هدموا هذه الخلافة إنهم يعلمون أن عدل محمد يليه لن يستطيعوه هم 
على أنفسهم » ومن أجل ذلك قالوا : هذا العدل قامت السموات والأرض » وأن يتعامل عبد الله 
بن رواحة وهو المبغض الألد لهم بنفس الصيغة التي يتعامل فيها مع حبيبه عليه الصلاة والسلام . 

إنه مالم تقتنع قاعدة الحركة الإسلامية بأن قيادتها على الجادة » وأا تحقق العدل في صفوفها 
وتؤثر الحق على العاطفة في تعاملها , فلن تخطو خمطوة واحدة حارج صفها في حقيق الهدف الذي 
ترنو | ليه وعندما يطمئن الصف المسلم إلى أن قيادته رائدها العدل دائ وأنه لن يضيع حق لفرد من 
أفراده فيه . فحينئذ تستطيع أن تكون داعية لهذا المعنى في صفوف الخصوم > ولا بد أن یتر 
الصف كذلك على قبول هذا العدل والرضوخ له . ولو كان على حسابه ومن مصلحته . 

فالقضية ذات طرفين متوازنين الطرف الأول : طرف القيادة الصارمة العادلة التي لا 
تأخذها في الله لومة لاثم ٠‏ وتكون قوامة بالقسط شاهدة لله ولو على نفسها أو الوالدين والأقربين 
وطرف القاعدة التي لا تعتبر الاسلام مغناً ومكسباً ؛ وحقاً متسلطا على رقاب العباد بل تعطي من 
ذاتها ونفسها ما يعين القيادة على تطبيق هذه العدالة وأن تخضع للحق ولا تستجيب للنزوة الطارئة 


88014 : ٤ السيرة النبوية لابن هشام ج‎ )١( 


أو الهوى الجموح . 

٩‏ - والمعنى الآخر الذي نلحظه من خلال خيبر هو إخراج اليهود من جزيرة العرب إذ لم 
يكن نقضا للعهد كا يحلو للمغرضين أن يسموه » بل كان جزءا من الاتفاق الأول حين عرض 
اليهود على رسول الله ا أن يعملوا مع المسلمين في الأرض فكان جوابه عليه الصلاة والسلام 
(فأعطاهم خيبر على أن لهم الشطر من كل زرع ومن كل ثمر ما بدا لرسول الله وَل أن يقرهم ) 
وعند ابن اسحاق : (وأقركم ما أقركم الله ) . 

وعندما أصبحت المصلحة بإجلائهم عن خيبر » وتأكد لأمير المؤمنين رضي الله عنه هذا 
المي ووم نبي يهلا تمع بجزيرة المرب دیدن ؛ أمر باجلاثهم إلا من كان ممه عهد من 

تبقى دوماً مصلحة المسلمين العلا وأ مہم » أهم من مصلحتهم العادية في زرعهم 
وضرعهم » ويضحى بكل شيء حفاظاً عل نمله الصلححة علا بان اسان قد اكت ا ال 
المطلوبة في الأرض . وصاروا قادرين على الانتاج ولديهم السعة للعمل في الزراعة بعد التمكين 
الكبير هم فاستغني عن هذه الطاقات كا تستغني كل دولة وحركة عن خدمات وخبرات من هم 
خارج صفها عندما تمتلك هذه الخبرات أو تستغني عنها وتعتمد الاكتفاء الذاتي في تسيير دولتها . 

٠‏ - ويبرز المعنى الأخير في خيبر من خلال السبر العام لنفسية قريش حين جاءها الحجاج 
بن علاط السلمي » ولم تعط فرحتها لأحد بهزيمة محمد وأسره » لكنها فوجئت بالصاعقة على 
رأسها حين عرفت أن الحجاج عبث بها حتى أخذ حقه وماله ورحل عنهم 


الجانب الأول : في التيقظ من المهادنين » والتعرف على حقيقة نفسياتهم وإمكانية نكثهم 
للعهد إن أتيح هم ذلك وعلى الحركة الإسلامية أن تقدم الاختبارات المتتالية للتعرف على نفسية 
الحلفاء والمسالمين . 


الجانب الثاني : حق الجندي المعترف على شركه أن يصل إلى حقه عن طريق التضليل 
بالصف المشرك وإلا لحرم هذا الحق لإسلامه وطالا أن الأخ لم يعلن التزامه في الصف الإسلامي 
فالمجتمع الجاهلي يحمل وزر تصرفه لا المجتمع الإسلامي فالحجاج في ظاهر الأمر مشرك وأعطي 
المال على ضوء شركه واستعمل المخادعة للوصول إلى حقه لكنه لم يقدم على هذا الأمر إلا بعد 
استئذان قيادته . 


وحري بشباب الحركة الإسلامية خاصة السريين منهم الذين يحسبون في الأصل جواز مثل 
هذه التصرفات ألا تتم إلا من خلال الإذن من القيادة الشرعية التي تحدد حدود هذه التصرفات 
١8م‏ - 


والاجتهاد الفردي مرفوض ولو كان صواباً حضا واستئذان القيادة الشرعية ولو كان خطأ محضاً من 
حيث السلوك فهو صواب محض من حيث التنظيم . 

١‏ -ومن المعاني الواضحة في خيبر والتي لم تغب في كل للحظاتها الدعوة إلى الله تعالى فيا من 
مواجهة بين اليهود والمسلمين إلا والتوجيهات النبوية تؤكد على ضرورة الدعوة إلى الله قبل 
المواجهة . 

( فأعطاه الراية فقال : يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا . قال : انفذ على رسلك حتى 
تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام . وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه . فوالله 
لأن هدي الله بك رجلا واحداً خير من أن يكون لك حمر النعم )زم . 

فإذن ليست الدعوة إلى الله في حالة السلم فقط . ومقابل المعركة . إن المسلم وهو في,قلب 
المعركة داع إلى الله تعالى قبل أن يكون مقائلا . والبطل العظيم علي رضي الله عنه يحمل الراية 
بشهادة رسول رب العالمين . يحب الله ورسوله . ويحبه الله ورسوله ٠‏ ويفتح الله تعالى على يديه › 
ومع ذلك فالدعوة إلى الله تعالى هي الأصل . والحداية حير من القتل . 

وهداية امرىء واحد خير من حمر النعم . فليدرك هذا الأمر شباب الحركة الإسلامية أن 
قضية الدعوة إلى الله يجب أن ترافق المسلم في كل لحظة من لحظات حياته قبل المعركة وخخلاها 
وبعدها وأن يصبح تقييم القيادة والحركة من خلال المعركة ونسيان الأصل الذي قامت عليه الجماعة 
هوانحراف في الفهم الإسلامي ولا شك . ولئن كانت هذه المرحلة بعد صلح الحديبية هي مرحلة 
الانطلاق السياسية والدعوية وكانت معركة خيبر ظاهرة خاصة في قلب هذه الأحداث لكنها 
بقيت تحمل طابع الدعوة إلى الله مع اليهود الذين حاربوا هذه الدعوة منذ مهدها وحاربوا سيد 
الدعاة محمد ية منذ ولادته . 

۲ - ولا ننسى في النباية دور المرأة المسلمة وقد شاركت في خيبر في أكبر تجمع نسوي بلغ 
عدده عشرين امرأة » ورضخ رسول الله يغ هن من الفيء وتبقى هذه الذكرى حت لا ننسى دور 
المرأة المسلمة في الصف الإسلامي بجوار الرجل . فإذا كان ها دور في المعركة فمن باب أولى أن 
يكون ها الدور في الدعوة إلى الله . والمرأة نهبة لدعاة الشر في الأرض يريدون ها أن تدم فتهدم 
الأسرة معها . وبالتالي بهدم المجتمع كله . ولعل القلادة التي أهداها النبي بع للفتاة الغفارية 
تعدل كثيرا من غلوائنا ونحن نتعامل مع النساء وذلك كما روى ابن اسحاق عن امرأة من بني غفار 
قالت : : أتيت رسول الله يليه في نسوة من بني غفار , فقلنا : يا رسول الله » قد أردنا أن نخرج 
معك إلى وجهك هذا وهويسير إلى خيبر » فنداوي الجرحى ونعين المسلمين بما استطعنا . فقال : 


(۱) صحيح البخاري 0.0/۲ 
AY -_‏ - 


على بركة الله . قالت : فخرجنا معه » وكنت جارية حدثة . فأردفنى رسول الله ييه على حقيبة 
رحله » قالت : فوالله لنزل رسول الله بل إلى الصبح وأناخ ونزلت عن حقيبة رحله وإذا بها دم 
منى » وكانت أول حيضة حضتها قالت فتقبضت إلى الناقة واستحييت » فلا رأى رسول الله ين 
ما بي ورأى الدم قال : مالك لعلك نفست . قالت قلت : نعم قال : فأصلحي من نفسك » ثم 
خذي إناء من ماء فاطرحي فيه ملحأ » ثم اغسلى به ما أصاب الحقيبة من دم ثم عودي لمركبك , 
فلا فتح رسول الله ين خيبر رضخ لنا من الفيء هذه القلادة التي ترين في عنقي فأعطانيها . 
وعلقها بيده في عنقي › فوالله لا تفارقني أبدا)) 


5 کک 


(۲) السيرة لابن هشام ج ۳ : ٠47‏ 
AY --‏ - 


السمة الها سمرة + 
قاد انتالید وتضر الا الاستلام 


اسلام عمرو بن العاص : قال ابن اسحاق : وحدثني يزيد بن أبي حبيب عن راشد مولى 
حبيب بن أبي أوس الثقفي . عن حبيب بن أي أوس الثقفي قال : حدثي عمرو بن العاص من 
فيه قال : 

لا انصرفنا مع الأحزاب عن الخندق . جعت رجالا من قريش كانوا يرون رأبي » 
ويسمعون مني » فقلت لهم : تعلمون والله أني أرى أمر محمد يعلو الأمور علواً منكرا . وإني قد 
رأيت أمرأ فيا ترون فيه ؟ قالوا : وماذا رأيت ؟ قال : رأيت أن نلحق بالنجاشي فنكون عنده » 
فإن ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشي فإنا أن نكون تحت يديه أحب إلينا من أن نكون تحت 
يدي محمد . وإن ظهر قومنا فلحن من قد عرفوا » فلن يأتينا منهم إلا خير » قالوا : إن هذا الرأي 
قلت : فاجمعوا له ما نهديه له . وكان أحب ما يبدى إليه من أرضنا الأدم » فجمعنا له أدماً كثيرا 


فوالله إنا لعنده إذ جاءه عمرو بن أمية الضمري وكان رسول الله قد بعثه إليه في شأن جعفر 
وأصحابه قال : فدخل عليه ثم خرج من عنده . قلت لأضحابي : هذا عمروبن أمية الضمري . 
لوقد دحلت على النجاشي وسألته إياه فأعطانيه » فضربت عنقه ‏ فإذا فعلت ذلك » رأت قريش 
أني قد أجزأت عنها حين قتلت رسول محمد . قال : فدخلت عليه فسجدت له کا كنت أصنع » 
فقال : مرحباً بصديقي » أهديت إل من بلادك شيعا ؟ قلت : | نعم . أا الملك قد أهديت إليك 
أدما كثيراً » قال : ثم قربته إليه » فأعجبه واشتهاه » ثم قلت له : أيها الملك » إني قد رأيت رجلا 
خرج من عندك » وهورسول رجل عدولنا . » فأعطنيه لأقتله » فإنه قد أصاب من أشرافنا وخيارنا 
۽ قال : فغضبء ثم مد يده فضرب بها أنفه ضربة ظننت أنه قد كسره فلو انشقت لي الأرض 
لدخلت فيها فرقاً منه » ثم قلت له : أا الملك » والله لو ظئنت أنك تكره هذا ما سألتكه . قال : 
أتسألنى أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى لتقتله ! قلت : أيها 
الملك , أكذاك هو؟ قال: ويحك يا عمرو . أطعني واتبعه » فإنه والله لعلى الحق » وليظهرن على 
من خالفه کا ظهر موسى على فرعون وجنوده » قلت : أفتبايعني له على الإسلام ؟ قال : نعم . 
فبسط يده فبايعته على الإسلام » ثم حرجت إلى أصحابي وقد حال رأبي عا كان عليه » وكتمت 
أصحابي إسلامي() . 


۲۸۹ السيرة النبوية لابن هشام ج ۳ ص‎ ) ١( 
~A 


اسلام خالد بن الوليد (قالالواقدي : حدثي يحبى بن المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث 
بن هشام قال : سمعت أبي يحدث عن خالد بن الوليد قال : لما أراد الله بي ما أراد من الخير قذف 
في قلبي الإسلام وحضرني رشدي فقلت قد شهدت هذه المواطن كلها على محمد ية فليس في 
موطن أشهده إلا انصرف » وأنا أرى في نفسي أني موضع في غير شيء » وأن محمدا سيظهر › > فلا 
خرج رسول الله يت إلى الخديبية حرجت في خيل من المشركين › فلقيت رسول الله بل في 
أصحابه بعسفان . فقمت بإزائه » وتعرضت له » فصل بأصحابه الظهر أمامنا فهممنا أن نغير 
عليهم ثم لم يعزم لنا . وكانت فيه خيرة » فاطلع على ما في أنفسنا من الحم به فصلى بأصحابه صلاة 
العصر ضلاة الخوف . فوقع ذلك منا موقعا » وقلت لجل مقن اما عن ر 
خيلنا وأخذ ذات اليمين فلا صالح قريشاً بالحديبية ودافعته قريش بالرواح » قلت في نفسي : أ 
شيء ء بقي ؟ أين أذهب إل الشجائي ! فقد انم عحمداً وأصحل عند أمنون » فأخرج إل هرقل 
فأحرج من ديني إلى نصرانية أو هودية . فأقيم في عجم » فأقيم في داري بمن بقي » فأنا ني ذلك إذ 
دخل رسول الله يق مكة في عمرة القضاء فتغيبت ولم أشهد دخوله وكان أخي الوليد بن الوليد قد 
دحل مع النبي يكين في عمرة القضاء فطلبني فلم يجدني فكتب إلي كتاباً فإذا فيه : 


بسم الله الرحمن ن الرحيم أما بعد » فإني لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام وعقلك 
عقلك ! ومثل الإسلام جهله أحد ؟ وقد سألني رسول الله ييه عنك . وقال : أين خالد . فقلت 
يأتي الله به فقال مثله يجهل الإسلام ؟ ولوجعل نكايته وجدّه مع المسلمين كان خيرا له » ولقدمناه 
على غيره فاستدرك يا أخي ما قد فاتك من مواطن صالحة . 


قال : فلا جاءني كتابه نشطت للخروج وزادني رغبة في الإسلام وسرني سؤال رسول الله 
كب عني » وأرى في النوم كأني في بلاد ضيقة مجدبة . فخرجت في بلاد حضراء واسعة فقلت : إن 
هذه لرؤيا . فلا أن قدمت المدينة قلت ؛ لأذكرما لأبي بكر . فقال : مخرجك الذي هداك الله 
للاسلام والضيق الذي كنت فيه من الشرك . فلا أجمعت الخروج إلى رسول الله ية قلت : من 
أصاحب إلى رسول الله ؟ فلقيت صفوان بن أمية فقلت : يا أيا وهب أما ترى ما نحن فيه إنما نحن 
كأضراس . وقد ظهر محمد على العرب والعجم فلو قدمنا على محمد واتبعناه » فإن شرف محمد لنا 
شرف ؟ فأبى أشد الاباء فقال : لولم يبق غيري ما اتبعته أبدا . فافترقنا .» وقلت : هذا رجل قتل 
أخوه وأبوه ببدر فلقيت عكرمة ر بن أبي جهل . فقلت له مثل ما قلت لصفوان بن أمية فقال لي مثل 
ما قال صفوان . قلت فاكتم عني . قال: لا أذكره . فخرجت إلى منزلي فأمرت براحلتي ‏ 
فخرجت بها إلى أن لقيت عثمان بن طلحة. فقلت: إن هذالي صديق. 
فلوذكرت له ماأرجي ثم ذكرت من قتل من آبائه فكرهت أن 
أذكره ثم قلت : وما عل وأنا راحل من ساعتي فذكرت له ما صار الأمر إليه فقلت 
6م - 


: إنما نحن بمنزلة ثعلب في حجر لو صب فيه ذنوب من ماء نرج وقلت له نحواً ما قلت لصاحبي 
> فأسرع الإجابة » وقلت له : إني غدوت اليوم . وأنا أريد أن أغدو وهذه راحلتي بج مناخة , 
قال : فاتعدت أنا وهو بيأجج إن سبقني أقام وإن سبقته أقمت عليه ٠‏ فأد لجنا سحراً » فلم ر 
الفجر حتى التقينا بيأجج » فغدونا حتى انتهينا إلى الهدة فنجد عمرو بن العاص بها قال : مرحبا 
بالقوم فقلنا و بك . قال : إلى أين مسيركم ؟ فقلنا : وما أخرجك ؟ فقال : وما أخرجكم ؟ قلنا 
: الدخول في الاسلام ٠‏ واتباع, محمد َة قال : وذاك الذي أقدمني فاصطحيئا جميعاً حتى دخلنا 
المدينة فأنخنا بظهر الحرة ركابنا فأخبر بنا رسول الله ل فسر بنا فلبست من صالح ثيبي ثم عمدت 
إلى رسول الله لا فلقيني أخي : فقال : اسرع فإن رسول الله هة قد أخبر بك فسر بقدومك وهو 
ينتظركم » ااسرع كشي الات عل أ ب DO‏ 
عل السلام بوجه طلق » > فقلت : إني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقال : تعال , 
قال : الحمد لله الذي هداك قد كنت أرى لك عقلا رجوت أن لا يسلمك إلا إلى خير . قلت 7 
رسول الله : إني قد رأيت ما كنت أشهد عليك من المواطن معانداً للحق > فادعو الله أن يغفرها لى 
٠‏ فقال رسول الله ل : الاسلام يجب ما كان قبله . قلت : يا رسول الله على ذلك قال : اللهم 
اغفر لخالد ب بن الوليد كل ما أوضع فيه من صدٍ عن سبيل الله قال خالد : وتقدم عثمان وعمرو 
فبايعا رسول الله ية ٠‏ قال : وكان قدومنا في صفر سنة ثمان قال : والله ما كان رسول الله يل 
يجدل بي أحداً من أصحابه فيها حز بهر) . 

كانت غزوة خيبر قد انتهت وحطمت ما بقى في نفسية مكة من مقاومة . فقد سقط حليف 
ضخم ها في المنطقة » كانت تأمل أن ينهي على محمد إن فاتها هي ذلك . وحتى غطفان » فقد قام 
محمد يه بغزوات ها في عقر دارها > خلال هذه المرحلة » وكان عمرو بن العاص بعيد النظرة» 
حين حكم بعد الخندق بانتهاء قريش كقوة عسكرية بعد أن جيشت الجيوش وقادت عشرة الاف 
مقاتل لتستأصل شأفة محمد في المديلة » ورجعت تجرجر أذيال الخيبة . فقد انتهى عمرو بن 
العاص رضي الله عنه كقائد حربي في مكة منذ الخندق > کا حدثنا عن ذلك » وصمم أن يغادر 
مكة إلى الحبشة لاجئأ سياسياً يعيش عند صديقه النجاشي » تاركاً الأمور في أعنتها حيث لا 
جدوى من المقاومة . 

وكان الغزو النفسي لخالد رضي الله عنه إبانصلح الحديبية حين صلى رسولصلاة 
الخوففي الوقت الذي همفيه خالد بغزوه وأقسم أن الرجلممنوع . وتلقى 
عمرو بن العاص هزيته الأخيرة بين يدي النجاشي حيث تمنى لو أن الأرض ابتلعته فرقاً من 
النجاشي . ورواية الواقدي تقول إن النجاشي لم يضرب أنفه إنما ضرب أنف عمرو وتناثر الدم 


۱۹۸۰ ط ۳ مكتبة المعارف‎ ۲٠۰١ البداية والنہاية لابن كثيرجة ص‎ )١( 
- 61 


منه . وكانت تلك الهزة الوجدانية التي لامست عمرو فهزته من مفرق رأسه إلى أخص قدميه . ول 
تنته إلا ببيعة عمرو للنجاشي على الإسلام في ذات اللحظة التي كان يود أن يضرب عنق عمرو بن 
أمية الضمري لو سلمه النجاشي إليه فلقد كانت اهزة من العمق والضخامة بحيث كسرت 
أثقال الجاهلية وأغلاهها وفتحت عينيه على الاسلام . وكانت الضربة العنيفة هي التي أعادته إلى 
رشده » وقرر أن يرحل من ظلمات الجاهلية إلى نور الاسلام . 

بينا كانت الهزة الضخمة التي زلزلت كيان خالد بن الوليد رضي الله عنه تلك الرسالة 
الصغيرة المعدودة الكلمات . وقد غيرت كل تخططات حياته . فلقد غادر خالد مكة والغيظ 
والحقد يأكل قلبه أن يدخل محمد مكة . بعد سبع سنوات من المقاومة دون أن يقف في وجهه أحد 
بل بإقرار قريش واعترافها ولا شيء على القائد العسكري أشد مرارة من الهزيمة . وأن يرى بأم 
عينيه خصمه مظفراً منتصرا » ومن أجل ذلك غادر مكة عند دخول رسول الله يك ها » بل فكر 
أكثر من ذلك بأن يفعل ما فعله عمرو وصحبه . أن يمضي إلى النجاشي أوكسرى أو فيصر :ر 
أنه وجد الذل واحدا وليس له من الصداقة عند النجاشي ما لصاحبه عمرو وسيكون نكرة في أي 
مكان يمضي إليه حتى ولو م يكن نكرة مجهولة أي معي أن يضع إمكاناه وعقريه لينصر قرا 
على روم أو روما على فرس . ومن أجل هذا ضاقت الدنيا في عينيه » وهو يعرف في أعماقه أن 
موقعه الحقيقي في مكة . 

وجاءت هذه الرسالة . لتعيد تركيبه من جديد . فلقد قدم مكة وخف الضغط على أعصا 
أن محمداً ي قد غادر مكة . ول يكن غصة في حلقة أن براه وهو يطوف حول الكعبة ويستلم 
الركن . ويرى من حوله أنباعه من كل مكان يسرحون ويمرحون في بلده . وكانت رسالة أخيه عند 
والدته . وفض الرسالة » ولم يأبه في بادىء الأمر إلى دعوة أخيه له للإسلام فهولا يقيم هذا الوزن 
لرأي أخيه وطالما ساهم في حبسه ومنعه عن المسير إلى المدينة لكن الذي شدّه » وشد نظره أن يكون 
محمد رسول الله قد سأل عنه : وكاد يلتهم الكلمة التهاماً ليرى طبيعة السؤال ويرى دوافعه رأي 
محمد فيه » وعلى الغالب أنه لم يخطر على باله دافعاً للسؤال عنه من محمد ية إلا الرغبة في إذلاله 
وإشعاره بالهزيمة والاستخفاف مبؤلاء المعاندين » لكن المفاجأة الضخمة التق هزت أعماقه ھی 
هذه الكلمات العادية في الصحيفة المائلة في التأثير والمعبى . ( فقلت : يأت الله به . قال : مثله 
جهل الإسلام ؟ ولو كان جعل نكايته وجدّه مع المسلمين لكان خيراً له ولقدمناه على غيره ) . 


فإذن ليس هو أمام قائد متعجرف أذل كبرياءه أو حتى غاضب ثأر لحروب ضخمة سابقة أو 

حتى عاتب لائم على مواقف معاندة مكابرةء ليس أمام هذا كله. إنه أمام إنسان لا مثيل له ي 

البشر. إنه أمام رسول الله َة وأعاد القراءة الثانية وما يكاد يصدق عقلهء ولو كان جعل نكايته 

وجه مع المسلمين لكان خيرا له ولقد مناه على غيره» إذن فقد وجد ضالته» ورأى موقعه» تحت 
AV -‏ د 


لقد حققت هذه الكلدات القلائل تلك النقلة الهائلة لخالد بن الوليد رضى الله عنه من 
الجاهلية إلى الإسلام . وكانت في ضخامة تأثيرها أشد بكثير من لطمة النجاشي . فلقد بتي عمرو 
ابن العاص رضي الله عنه شهورا طوالا قبل أن يعزم عزمته الأخيرة على المسير إلى المدينة أما خالد 
بن الوليدء فقد كان التحول الضخم عنده ليهبىء متاعه دون توان ويمضي إلى محمد يلة. وإن 
كان له من شبه في الأثر ففي تلك الضربة العمرية لختنه سعيد بن زيد ولأخته وفي تلاوته لصدر 
سورة طه تلك الكلمات مست أعماق عمر ومضى إلى دار الأرقم مؤمناً منيباً بعد أن غدا قاتلل. 
وهذه الكلمات اليوم حولت خالد بن الوليد من حاقد ناقم إلى مؤمن ملتزم . 

ول تستطع معارك عشرين عاماً وحوار عشرين عاماً أن يفعل فعله في خالد بن الوليد رضي 
الله عنه ىا فعلت تلك الكلمات في أعماق خالد. وهويرى الأرض قد ضاقت عليه ويبحث عن 
الموقع الذي يصع قدميه فيه. فجاءته الرسالة لتقول له: تعال : هذا هو موقعك . وحلت أكير 
عقدة نفسية عنده . 


ومضى ليستلقى قليلا فيرى الرؤيا التي تتناسب وهذا الوضع النفسي الجديد الذي خرج 
من صحراء قاحلة مجدبة إلى أرض خضراء مرعة. 

والدعاة إلى الله اليوم بحاجة إلى وقفة طويلة مع هاتين القضيتين. قضية إسلام خالد, 
وإسلام عمرو فأعماق الحادثتين أكبر من الحدث الآني وهو دغوة ملحة لؤلاء الدعاة أن يتعاملوا 
مع نفوس الناس . وأخص بالذكر الخصوم وقيادات الخصوم , ليحولوا تلك النفوس إلى الإسلام . 


وتذود نه , تماماً کا قال عليه الصلاة والسلام (ولو كان جعل جدّه ونكايته مع المسلمين. ( 
وليكن لدى الدعاة من سعة الصدر أن يقولوا لخصومهم ما قاله عليه الصلاة والسلام لأكبر أعداء 


الإسلام دات يوم لخالد بن الوليد (ولقدمناه على غيره) . 


أن تنتصر الحركة الإسلامية في معركة حربية . فتجندل بعض القيادات قتلى ويلوذ بعض 
القواد بالفرار ثم يتأجج الحقد والرغبة في الثأر في معركة جديدة شىء عظيم لكن الأعظم منه بلا 
شك أن تنتصر الحركة الإسلامية في معركة النفوس الكبرى وفي حلبة الصراع العظمى بين 
الجاهلية والإسلام فتفتح هذه القيادات صدورها للاسلام وتنضوي تحت لوائه هو النصر الأكبر 
ولا شك. ومن أجل ذلك كان الفتح المبين في الحديبية . حيث أزيح السيف من الطريق » وفتحت 
معركة العقيدة وسرعان ما انتصرت العقيدة في النفوس. ومن أجل ذلك كان نصر الله والفتح 
ليس في هزيمة الجيش المكي اهزية المنكرة وعدد القتلى والحرحى فيه . إنما كان في دخول الناس في 

- AA - 


دين الله' أفواجاً «إذا جاء نصر الله والفتح , ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً ‏ فسبح 
بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) . 

النصر الحقيقي هو أن تدخل قادة العدو في الإسلام لا أن تيزمهم في معركة من معارك 
الإسلام . ويبقى هذا الهدف هو الأعل. 

نفس تحييها خير من إمارة لا تحصيهاء 

لأن يمدي الله بك رجلا واحداً حير لك من حمر النعم . 

لكن فنّ الدعوة لا بد أن يلامس تلك النفوس لمساً حاداً» وينفذ إلى أعماقها نفوذاً حكياً 
بحيث يكون هو المصير للمدعو ولا مصير غيره هو الحل ولا حل غيره. 

أما إذا شعر العدو أو الخصم أن الإسلام هو الذي يذل» ويحطم مصالحه. فسيبقى في إطار 
العداء لله عل الدوام , 

ومن إسلام خالد إلى خطواته في الدعوة بعد لحظات إلى رفاق دربه صفوان بن أمية» 
وعكرمة ب بن أي جهل وعثمان بن طلحة . 

وحين شرح الله صدر خالد للإسلام صار على التو داعية إلى الله وتذكر أحب الناس إليه 


هؤلاء الثلاثة وراح يعرض عليهم الإسلام فطووا عنه كشحاًء فلم تنلهم هزة الد ولم يشرح الله 
صدورهم بعد غير أن اقدامه على دعوتهم ليعطي دلالة واضحة على ضخامة هذه الهزة فلقد كان 
بإمكانه أن يكتم خبره ويمضي وحده إذا كان هذا الإيمان ذاتياً من جهة. وباردا من جهة ثانية. 
لكن حرارته وصدقه, هما اللذان دفعاه إلى عرض هذا الدين على رفاق الدرب معه' بل أصبح صبح 
يدرك ببصيرة المؤمن. أن عناد هؤلاء الرفاق مرتبط بنزعات جاهلية عميقة ولا ير عليه في الإسلام 
ساعات بعد . إذ أن مقتل آبائهم وإخوانهم هو الذي يعمي بصرهم عن الحقيقة ولن يدرك الحقيقة 
موتور ثائر إنما يدركها حلص . بعيد عن الهوى والغرض . 
ولعلنا قبل أن ننتقل مع القادة الثلاثة إلى المدينة نستمع لعمرو رضي الله عنه ينقل لنا طرف 
من الحديث من خلال رواية البيهقي عن الواقدي : 
(. . . فغضب من ذلك ورفع يده فضرب بها أنفي ضربة ظئنت أنه كسره. فأبندر منخراي 
فجعلت أتلقى الدم بثيابي. فأصابني من الذل ما لو انشقت بي الأرض دخلت فيها فرقا منه ثم 
قلت: أا الملك لو ظنئدت أنك تكره ما قلت ما سألتك . قال فاستحياء وقال يا عمرو تسألنى أن 
أعطيك رسول من يأتيه الناموس الاكبر الذي كان يأتي موسى. والذي كان يأني عيسى لتقتله؟ 
قال عمرو: فغير الله قلبي عما كنت عليه وقلت في نفسي. عرفب هذا الحقٌّ العربٌ والعجم 
_ 46م - 


وتخالف أنت. . ثم دعا بطست» فغسل عي الدم وكساني ثياباً وكانت ثيابي قد إمتلأت بالدم 
فألقيتها ثم خرجت على أصحابي فلا رأوا كسوة النجاشي سروا بذلك. وقالوا هل أدركت من 
صاحبك ما أردت؟ فقلت لهم : كرهت أن أكلمه في أول مرة. وقلت أعود إليه . فقالوا: الرأي ما 
رأيت. قال ففارقتهم وكأني أعمد إلى حاجة فعمدت إلى موضع السفن . فأجد سفينة قد شحنت 
تدفع قال: فركبت معهم ودفعوها حتى انتهوا إلى الشعبة. وخرجت من السفينة ومعي نفقة: 
فابتعت بعيرا وخرجت أريد المدينة حتى مررت على مر الظهران ثم مضيت حت إذا كنت باهوة فإذا 
رجلان قد سيقاني بغير كثير يريدان منزلا وأحدهما داخل في الخيمة والآخر يمنسك الراحلتين. 
فنظرت فإذا خالد بن الوليد: قال: قلت: أين تريد؟ قال: محمداء ء دخل الناس في الإسلام فلم 

ببق أحد به طعم» والله لو أقمت لأخذ برقابنا كما يؤخط برقبة الضبع في مغارتهاء قلت : : أنا والله قد 
أردت محمداً وأردت الإسلام فخرج عثمان بن طلحة فرحب بي فنزلنا جميعاً في المنزل ثم 
اتفقناحتى أتينا المدينة فا أنسى قول رجل لقيناه ببئر أبي عتبة يصيح : ب رباجيا رباجيا رباج قفالا 
بقوله وسرناء ثم نظر إلينا فأسمعه يقول: أعطت مكة المقادة بعد هذين وظننت أنه يعنيني 
ويعني خالد ب بن الوليدء وولى إلى المسجد سريعاً فظننت أنه بشر رسول الله اة بقدومنا فكان كما 
ظننت» وأنخنا بالحرة ة فلبسنا من صالح ثيابنا ثم نودي بالعصر فانطلقنا على أظلعئا عليه. وإن 
لوجهه تبللاً والمسلمون حوله قد سروا بإسلامنا فتقدم خالد , بن الوليد فبايع » ثم تقدم عثمان بن 
طلحة فبايم » ثم تقدمت فوالله ما هو إلا أن جلست بين يديه فما استطعت أن أرفع طرفي حياءٌ منه 
بايعته على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي ول يحضرني ما تأخر فقال إن الاسلام يجب ما كان قبله 
واهجرة جب ما كان قبلها قال: فوالله ما عدل بي رسول الله ية وبخالد بن الوليد أحداً من 
أصحابه في أمر حزبه منذ أن أسلمنا. ولقد كنا عند أي بكر بتلك المنزلة؛ وقد كنت عند عل 
بتلك المنزلة وكان عمر على حالد كالعاتب. 


ولقد عرضنا هذه الرواية الثانية التي تعطي ايضاحات أكثر على إسلام عمرو رضي الله 
عله . وتلقي أضواء على طبيعة شخصيته . فعمرو داهية العرب وقد بايع النجاشي على الإسلام م 
يكن من سمته ولا من طبعه أن يطرح ما في نفسه على صحبه كبا فعل خالد رضي الله عنه . بل كتم 
الأمر عنهم وأوهمهم بكسوة النجاشي أنه لا يزال على عهده واستحيا طلب رسول محمد يل هذه 
الهدية. وانسل عن صحبه يبحث عن سفينة تقوده إلى يغرب . 

وتبرز طبيعة شخصيته انيا حين التقى مع خالد ولم يظهر مقدمه للإسلام حتى اطمأن إلى 
خالد أنه ماض إلى المدينة ليسلم. فشخصيته التي تقوم على أساس الحذر والحيطة المناسبتين 
لطبيعة الداهية تقتضى منه هذه المواقف. 

والملاحظ أن عرض عمرو رضي الله عنه لإسلامه وإسلام خالد بين يدي الرسول و لا 

5 _ 


يختلف في المضمون لكن نرى في بعض الحزئيات إشارات لمعنى ضخم في طبيعة الدعاة فخالد 
رضي الله عنه یری ابتسام رسول الله و له منذ لقياه. وأنه ينظر به وعمرو رضي الله عنه یری 
تبلل وجه رسول الله َة منذ أن راهما. 


وخالد يقول: إن رسول الله ية لم يعدل به أحد إذا حز به أمرء وعمرو رضي الله عله 
يقول: إن رسول الله يكن لى يعدل مهما أحد إذا حز به أمر وهذه الإشارات تدل على عظمة هذا النبي 
سيد ولد ادم . فكل صحابي كان يشعر أنه أحب الناس إلى رسول الله َة وأنه موطن فته . وحده 
من دون الناس» وهكذا كان عمرو وخالد يشعران أنما قد احتلا الموقع المناسب وأن كفاءته| 
العسكرية والسياسية لم تذهب هدرا أو عبئا. بل كان لما حل القيادة والريادة بين المسلمين رغم 
حداثة دخخوطه| ف الإسلام . 


ويبقى المعنى الأعمق والأشمل بإسلام هذه القيادات وأثر هذا الإسلام على المعسكر المكي 
الذي بدأ ينهار إثر هذه الضربة القاضية حتى أبو سفيان القائد العام شهد بأم عينه عند هرقل ما 
قاله قيصر في حق النبي ب وكانت بداية الغزو النفسي له. لقد أهدت مكة إلى المعسكر 
الإسلامي ثلاثة أبطال من أبطاها وكل بطل ركن في عشيرته فخالد سيد بني خزوم وعمرو سيد بني 
سهم» وعثمان سيد بني عبدالدار وصدق فيهم قول رسول اله فك لقد رمتكم مكة بأفلاذ 
أكبادهاء فهم قرة عين مكة» وقادتها الكبار ينضمون إلى معسكر النبوة . 


ولإسلام عثمان بن طلحة أثر فوق هذه الآثار حميعاً هو أن مفتاح الكعبة معه» نبلو 
عبدالدار عندهم حجابة الكعبة» وعثمان بن طلحة قد انتهت إليه هذه المأثرة. وهذا الأمر مهد 
فريشاً هداً فهي تفاخمر العرب بالبيت الحرام وأنبا حاميته والذائدة عنه فإذا كان حامل 
مفتاح الكعبة قد غدا جندياً في جيش محمد يت فلقد انتهت ادعاءاتها في الحامية وصار عثمان بن 
طلحة المسلم صاحب الحجابة هو المسؤول أمام العرب عن حجابة الكعبة ورعاية البيت الحرام كا 
أن بني هاشم قد انتهت عندهم السقاية والرفادة وليس موقف العباس بتأييده المطلق الواضح 
لمحمد ية بخاف عن أحد» وقد رأينا نموذجا من هذا التأييد المطلق في خيبر» حيث لبس حلته 
وتخلق بطيب» ومضى يطوف حول الكعبة ابتهاجا بنصر ابن أخخيه محمد عليه الصلاة والسلام . 


وتبدو صورة هذه المعاني في وقتنا الحاضر حين ينضم إلى الحركة الاسلامية من كان يمثل 
موقعا مهمأ في المجتمع الجاهلي. كأن يكون سفيراً أو وزيراً أو ضابطاً قائدأ فكم يكون لمثل هذا 
الانضمام من أثر على قوة الحركة الإسلامية» وضربة نجلاء في صميم المجتمع الأنخر. وحق هذا 
العرض أن يكون سمة واضحة في هذه المرحلة من تاريخ الدعوة. 
64١‏ 


السمّة الخادية عش الصدام الأول الرهم مته 

قال ابن اسحاق: حدثبى محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير قال : 

بعث رسول الله ب بعثة إلى مؤته في جمادى الأولى سنة ثمان واستعمل عليهم زيد بن حارثة 
وقال: إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس فإن أصيب جعفر فعبدالله بن رواحة على 
الناس» فتجهز الناس ثم تهيؤوا للخروج. وهم ثلاثة الاف. فليا حضر خروجهم ودع الناس 
أمراء رسول الله يق وسلموا عليهم . فلما ودع عبدالله بن رواحة من ودع من أمراء رسول الله يك 
بكى . فقالوا: ما يبكيك يا ابن رواحة؟ فقال: أما والله ما بي حب الدنيا ولا صبابة بكم . ولكني 
سمعت رسول الله يقرأ اية من كتاب الله عز وجل يذكر فيها النار «وإن منكم إلا واردها كان على 
ربك حت مقضيأً» . فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود فقال المسلمون: صحبكم الله 
وردكم إلينا صالحين . فقال عبدالله بن رواحة ! 


لكنني أسأل الرحمن مغفرة وضربة ذات قرع تقذف الزبدا 
أو طعنة بيدي حران جهزة بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا 
حتى يقال إذا مروا على جدثي أرشده الله من غاز وقد رشدا 
ثم إن.القوم تهيؤوا للخروج فأتق عبدالله بن رواحة رسول الله يي فودعه ثم قال : 
فثبت الله ما اتاك من حسن تثبيت موسى ونصراً كالذي نصروا 
أنت الرسول فمن يحرم نوافله والوجه منه فقد أزرى به القدررى 


وشيعهم رسول الله ية إلى ثنية الوداع. ثم وقف وهم حوله وقال: أوصيكم بتقوى الله 
ومن معكم هن المسلمين خيرأً اغزوا في سبيل الله فقاتلوا من كفر الله لا تغدروا ولا تغلوا ولا 
تفتلوا وليدا وإذا لقيت عدوك من المشركرن. فادعهم إلى إحدى ثلاث . فأيتهن ما أجابوك إليها 
فاقبل منهم واكفف عنبم . ادعهم إلى الدخول في الإسلام فإن فعلوا فاقبل منہم واكفف عم ثم 
ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين فإن فعلوا فأخبرهم أن هم ما للمهاجرين. 
وعليهم ما على المهاجرين. وإن دخلوا في الاسلام واختاروا دارهم . فأخبرهم أنهم يكونون 
كأعراب المسلمين. يجري عليهم حكم الله ولا يكون لهم في الفيء ولا في العنيمة شيء إلا أن 
يجاهدوا مع المسلمين, فإن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية فإن فعلوا فاقبل منهم واكفف عنهم فإن 
أبوا فاستعن بالله وقاتلهم . 
)١(‏ السيرة لابن اسحاق ج ۳ ص ۳۷۳ ۳۷١‏ 

د ۲ 


وإن أنت حاصرت اهل حصن او مدينة فأرادوك ان تستنزلهم على حكم الله فلا تستنزهم 
على حكم الله ولكن انزهم على حكمك. فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا؟ وإن 
حاصرت أهل حصن أو مدينة فأرادوك على أن تبعل لهم ذمة الله وذمة رسوله . ولكن اجعل لهم 
ذمتك وذمة أبيك وذمة أصحابك » > فإنكم إن تخفروا ذمتكم وذمة ابائكم خير لكم من أن تخفروا 
ذمة الله وذمة رسوله . وستعجدون رجالا في الصوامع معتزلين الناس فلا تتعرضوا هم وستجدون 
أخرين في رؤوسهم مفاحص ١:‏ فاقلعوها بالسيوف . لا تقئّلنٌ إمرأة ولا صغيراً ولا كبيرً فانياً, ولا 
تغرئن نخلا ولا تقلع شجرا ولا تهدموا بيتأرم . 


قال : 


خلف السلام على امرىء ودعته في النخل خير مشجع وخليل 


ثم مضوا حتى نزلوا معان فبلع الناس أن هرقل قد نزل ماب من أرض البلقاء في ماثة ألف 

من الروم . وائةذ نضم إليهم من لخم وجذام والقين ومهراء وبلى مائة ألف منهم . > عليهم رجل من بل 
ثم أحد إراشة يقال له مالك بن زافلة فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على معان ليلتين يفكرون في 
أمرهم وقالوا : نكتب إلى رسول الله ا فلخبره بعدد عدونا 3 فإما أن مدا بالرجال» وإما أن 
يأمرنا بأمره . فنمضي له . فشجع الناس عبد الله بن رواحة وقال: يا قوم » والله إن التي تكرهون 
اي رجتم ته لبون الشهحدة » وم نقائل ا خاس بعاد ولا قوة ولا كثرة» ما تقاتلهم إل ذا دين 
الذي أكرمنا الله به . فانطلقوا فإئما هي إحدى الحسنيين إما ظهور وإما شهادة . قال : : فقال 
اناس : : قد صدق والله ابن رواحة » فمضى الناس فقال عبد الله بن رواحة في حبسهم ذلك 
شعرا. ثم مضى الناس . حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية 

من قرى البلقا يقال لها مشارف ثم دنا العدو, وانحاز امون إلى قرية يقال ا مؤت فالتقى 
الناس عندهاء » فتعبأ هم المسلمون» فجعلوا على ميمنتهم رجلا من بني عذرة يقال له : قطبة بن 
فتادة . وعلى ميسرتهم رجلا من الأنصار يقال له عباية بن مالك . ثم التقى الناس واقتتلوا . فقاتل 
زيد بن حارثة براية سول اله کا حتى شاط د في رما القوم . شم أخذها جعفر فقتل بباحتى | إذا 
ألحمهرى القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرهاء ثم قاتل القوم حتى قتل » فكان جعفر أول 


)١(‏ المفحص : حيث تجشم القطا وتفرخ » والمقصود عشعشة الشيطان بالفي 
(۲) امتاع الأسماع ج ١‏ ص ١٤٤۳ء‏ 7145 

(۳) شاط الرجل : إذا سال دمه فهلك 

)٤(‏ الحمه القتال: نشب فيه فلم يجد مخلصاً. 


شي 5 


رجلا من المسلمين عقر ا في الإسلام . 


ركان د و وكان في تلك الغزوة غروة مؤته قال ا 
اقتحم عن فرس له شقراء. ثم عقرها ثم فاتل حتى قتل وهو يقول: 
يا حبذا الحنة واقترابها طيبة ويارد شراأسهبا 
والروم روم قد دنا عذاسا كافرة بعيلكلة أنساها 
عل إذ لاقيتها ضراببا 

قال ابن هشام : وحدثني من أثق به من أهل العلم: إن جعفر بن أي طالب أخذ اللواء 
بيمينه فقطعت » فأخذه بشماله فقطعت› فاحتضنه بعضديه حتى قتل رضي الله عنه وهو ابن 
ثلاث وثلاثان سنة» فأثا به الله جناحين في الحنة يطير با حيث يشاء . ويقال : إن رجلا من الروم 
ضربه يومئذ ضربة فقطعه نصفين . 

قال ابن اسحاق: (وبالسند السابق): 

فليا قتل أخذ الراية عبدالله بن رواحة» ثم تقدم بهاء وهو على فرس فجعل يستنزل نفسه 
ويتردد بعض التردد. ثم قال : 
أن أجلب الناسى وشدوا الرنةرم 2 مالي أراك تكرهين الجنة 
قد طال ماقد كنت مطمئنة هل أنت إلا نطفة من شئةر؛) 

وقال أيضاً: 
يا نفس إلا تقتلىي تموق هذا حمام الموت قد لقيت 
وما تمنيت فقد أعطيت إن تفعلي فعله)ا هديت 

يريد صاحبیه ١‏ زيدا وجعفراً. ثم نزل» فلا نزل أتاه ابن عم اله بعرق(ه) من لحم فقال : : شد 
هذا صلبك فإنك قد لقيت في أيامك هذه ما لقيت. فأخذه من يده ثم انتهسر» منه نبسةء ثم 
سمم الحطمة”” في ناحية الناس. فقال: وأنت في الدنيا! ثم ألقاه من يده ثم أخحذ سيفه فتقدم . 


)١١‏ عقرها! صرب فرائمها وهي قائمة بالسيف (8) العرق : العظم الذي عليه بعض اللحم 

(۲) أجلب الناس : صساحوا واجتمعوا )١(‏ انتهس : أنحذ مله بغمه يسيرا 

(۴) الرلة : صوات ترجيع شبيه بالبكاء (۷) الحطمة: صوت ازدحام الناس وحظم بعضهم بعضا. 
(4) الشنة: الفه الما 


£ 


فقاتل حتى قتل . 

ثم أخحذ الراية ثابت بن أقرم أخو بني العجلان فقال: يا معشر المسلمين اصطلحوا على 
رجل منكم . قالوا: أنت. قال: ما أنا بفاعل. فاصطلح الناس على خالد بن البليد. فلا أخذ 
الراية دافم القوم وحاشى (Oper‏ ثم انحاز وانحيز عنه حتى انصرف الناس . 

وقد أورد ابن كثير روايات البخاري والنسائي والبيهقي حول نباية الغزوة وبعض جزئياتها 
نسوقها لتستكمل صورة هذه المعركة . 
قبل أن يأتيهم خبر فقال: أخذ الراية زيد فأصيب. ثم أخذها جعفر فأصيب ثم 
أخذها ابن رواحة فأصيب؛ وعيناه تذرفان. حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله 

وروی البخاري عن عبدالله بر ن عمر قال: : أمر رسول الله بتي في غزوة مؤته زيد س حارئه 
فقال رسول الله ثا إن قتل زيد فجعفر. وإن فقتل جعفر فعبدالله بن رواحة قال عبد الله :۽ كنت 
فيهم في تلك الغزوة فالتمسنا جعفر بن أي طالب فوجدناه في القت تلى ووجدنا في جسده بضعا 
وتسعين من ضربة ورمية . 

وروف البخاري عن قيس بن أبي حازم قال: سمعت خالد بن الوليد يقول 

لقد دق في يدي يوم مؤته نسعة أسياف وصبرت في يدي صفحة بانية . 

قال الواقدي حدثي عبدال حبار 8 ن عمارة بن غزية بن عبد الله ب ن أبي بكر س عم و بن حم 
قال : لما التقى الناس بمؤتة جلس رسول الله ج كيه عل المنبر. وكشف له له ما ينه وبين الشاه فهو ينظر 
إلى معتركهم فقال أحذ الراية زيد بن حارثة فجاء الشيطان محبب إليه الحياة وكره إليه الموت 
وحب ب إليهالدنيا فقال: الآن حين استحكمالإيمان في قلوب المؤمنيس تحبب إلي الدنيا. فمضى قدم 
حتى استشهد. فصلى عليه رسول الله يي وقال : استغفروا له فقد دخل الخلة وهو شهيد. ود فقتل 
زيد أخذ الراية جعفر بن أبي طالب فجاءه الشيطان فحبب إليه الحياة وكره إليه الموت ومناه الدنيا. 
فقال الآن حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين يمليني الدنياء م مضى قدما حتى استشهد 
فصلى عليه رسول الله يي وقال : استغفروا لأخيكم فإنه شهيد دخل اة وهو يطير فى حة 
بجناحين من ياقوت حيث يشاء ثم انحل الراية عبد الله بن رواحة فاستشهد 59 دحا ج معت صا 
فشي ذلك على الأنصار فقيل يا رسول الله : ما اعتراضة؟ قال : لما أصابته اراح لكر فعاتب سه 
فتشجع واستشهد ودخل الحنة فسري عن قومه. 


(1) حاشی مهم : انحاز ہم 


وقال الواقدي حدثنى عبدالله بن الحارث بن الفضيل عن أبيه قال : 

لما أخذ الراية خالد بن الوليد قال رسول الله د : الآن حمي الوطيس . 

قال الواقدي وحدثني العطاف بن خالد قال: لا قتل ابن رواحة مساءً بات خالد بن الوليد 
فلا أصبح غدا وقد جعل مقدمته ساقته وساقته مقدمته» وميمنته ميسرته. وميسرته ميمنته فأنكروا 

لقد كان قدر هذا الجيل أن يواجه أمم الأرض بهذا الدين وها نحن الآن أمام منعطف جديد 
في تاريخ دولة الإسلام هو الصدام المباشر مع الروم» ويحسن أن لا يغيب عن البال أن السبب هذه 
المعركة هو أن رسول الله َة بعث الحارث بن عمير الأزدي بكتابة إلى عظيم بصرى» فعرض له 
شرحبيل بن عمرو الغساني» وكان عاملا على البلقاء من أرض الشام من قبل قيصرء فأوثقه رباطا 
ثم قدمه فضرب عنقه(2) 

فالمعركة إذن نتجت عن الدعوة. ومقتل فرد مسلم يعني عند رسول الله اة حرباً ضروساً 
مع المعتدين» ولعل هذا المعنى لا يغيب عن أذهان بعض الدعاة الذين يرون أن بالإمكان تجنب 
المعركة مع العدو إذا سالمناه وعرضنا عليه فكرنا فحسب. 

إن الصدام مع أعداء الله أمر لا مفر منه. لكن تحديد وقت الصدام وإمكانيته يعود إلى 
قيادة الجماعة المسلمة . الفقه النبوي يعني أن مقتل جندي مسلم ‏ وهو رسول إلى العدو ‏ إشعال 
معركة ضارية وقد فعلها رسول الله يلي مرتين : 

الأولى: يوم الحديبية حين بلغه أن عثمان رضي الله عنه قد قتل» وأخذ البيعة من جيشه 
على الموت وهذه المرة الثانية . فلا بد إذن من توطين الحركة الإسلامية نفسها على المواجهة وهو 
تأكيد من جهة ثانية على الدرس السابق » على أهمية الفرد المسلم عند قيادته وأن اليش كله مستعد 

لكن الملاحظ أن هذا الأمر مرتبط بإمكانيات الجماعة المسلمة على ذلك ففي حالات 
الضعف كان كل ما يملكه رسول الله َة أن يقول صبرا ال ياسر فإن موعدكم الجنة. أو يدفعهم 
إلى الذهاب إلى النجاشي الذي لا يظلم عنده أحد. حتى والمسلمون دولة؛ قد تكون الدولة 
المسلمة عاجزة عن الثأر لشهدائها فمأساة بكر معونة والتي ذهب ضحيتها سبعون من خيار 
المسلمين لم يتمكن رسول الله َة من الثأر لهم إلا بعد لأي . 
لكن المعنى الأساسي يبقى ثابتاً في التحام الصف المسلم. وقيمة الجندي فيه.إنه 


7145 07145 ص‎ ٤ البداية والنهاية لابن كتير ج‎ )١( 
الرحيق المختوم ه68‎ )۲( 


۹٦‏ ب 


حين تكون الظروف مواتية. فلا يجوز أن يذهب دم الشهيد هدراً. ولا بد أن يثأر له 

ونقف أمام هذا العدد الضخم الذي تحرك للقاء الرومء فلم يتحرك جيش خارج المدينة 
أكثر من ألف وخمسمائة مقاتل » وأكبر جيش حشده المسلمون داخل المدينة هو جيش الخندق وكان 
قوامه ثلاثة الاف مجاهد. وها هو الجيش الإسلامي يتحرك اليوم مغادراً المديئة إلى الشام بثلاثة 
آلاف مجاهد. وهنا نشير إلى الفتح المبين في الحديبية. حيث تضاعف عدد الجيش الاسلامي بعد 
الحديبية بسنة ونصف على التقريب. وبدأت تظهر أسماء جديدة لم تكن تعرف من قبل فقائد ميمنة 
المسلمين في الحديبية قطبة بن قتادة وهو من بلي وهذا معنى مهم إذ القبائل التي تواجه المسلمين 
فيهم تجمع كبير من هذه القبيلة . 

ونضيف في الحديث عن هذا الحشد إلى شعور الرسول به بخطورة المواجهة مع دولة 
عظمى. فلن يصلح هذه المواجهة عدة مئات . 

ويؤكد هذا المعنى كذلك تعيين الأمراء الثلاثة فلم يسبق لرسول الله ا خلال المراحل 
السابقة أن عين أكثر من أمير على الحيش لكنه كان يعلم عليه الصلاة والسلام با أوحى الله 
تعالى إليه أن الأمراء يلقون مصرعهم في هذه المعركة , 

ولقد أدرك اليهود هذا المعنى حيث قال أحدهم : (إن الأنبياء في بني اسرائيل كانوا إذا سموا 
الرجل على القوم فقالوا إن أصيب فلان ففلان. فلوا سموا مائة أصيبوا جميعا ثم جعل يقول 
لزيد : اعهد فإنك لا ترجع أبدأ إن كان محمد نبياً قال زيد: : أشهد أنه نبي صادق):) وقد يقول 
قائل كان بإمكان رسول الله يخ ييخ عجنب هذه المواجهة مع العرب الغساسنة في الشام لكن الصورة 
المقابلة كذلك إن فقتل هذا !! لرسول ول يثارله. فقد يدفم فع عرب الشام مع الروم إلى غزو المدينة . 
وكثيراً ما یکون اهجوم وسيلة ضخمة من وسائا ل الدفاع عن النفس . 

وإذا كانت قوة الحيش تقاس بمعنوياته. فلن نجد أقوى من هذا اليش والاصل أن يكون 
المسلمون اليوم في هذا الاتجاه عندهم بعض اخوف والتردد فهم يقدمون على حرب في البلقاء على 
تخوم ال روم. واحتمال المواجهة واردة معهم . ولم يسبق هم رصيد من التجربة في الحرب مع الروم 
أو الفرس والدولتان الكبريان انذاك تتقاسمان الأرض ومع ذلك فقد كان أحد القادة الثلاث 
يبكي وقد حضره المسير. وم يكن سبب بكائه جزعاً من الوت إنما كان خوفا لما بعد اموت خوفا 
مين النار الج قى يرد علي ها الناس جميعا: #وإن منكم إلا واردها 
كان على رر بك حتم) مقضيا. * وتصور الناس أن الدعاء بالسلامة هو الذي يثلج الصدر فقالوا له 
ولاخواله: صحبكم الله ودفع عنكم وردكم إلينا صابين. فكان جواب القائد الشاعر ابن رواحة 


)١(‏ البداية وا لدباية لابن كثيرج ٤‏ ص 11١‏ عن البيهثي 


~~ ¥ _ 


طلب الشهادة في أرض الشام والمغفرة. 

هذه نفسية اليش وقيادته قبل التحرك . 

وكانت أزمته الثانية عندما بلغه التجمع الهائل وهو في معان وهو وجود حوالي مائتي الف من 
العرب والروم قد تبيؤوا للقائهم ومضوا يناقشون الأمر وقالوا: تكتب إلى رسول الله ية فنخبره 
بعدد عدونا فإما أن يمدنا بالرجال. وإما أن يأمرنا بأمره ولم يكن من بين الحلول المطروحة أن يعودوا 
إلى المديئة . وكل ما بخشونه أن تكون المواجهة مغامرة غير جائزة أن يواجهوا هذا العدد الضخم 
بقوتهم الضئيلة . وما أعتقد أن جيشا في الأرض لا تنهار معنوياته أمام هذه المواجهة وبينهم هذا 
الفارق في العدد والعدة ولكن هذا الدين الذي صرب جذوره في أعماق هذه العصبة المؤمنة , 
جعل منهم نموذجا آخر لا يبارى في التاريخ وجعل لدى الجيش تلك الأرضية التي تقبل قول الأمير 

(والله إن التي تكرهون للقي خرجتم تطلبون الشهادة . وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا 
كثرة إنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به فانطلقواء فإنما هي إحدى الحسنيين إما ظهور وإما 
شهادة) . 

وأمكن هذه الكلمة أن تفعل في اليش كله فعل السحرء وانطلق الجيش للمواجهة قائلين 


قل والله صدق ابن رواحة. 


إن فكرة الشهادة والأمل برضوان الله تعالى ودخول الجنة قد أثبت التاريخ عملياً أنها أقوى 
دافع في هذا الوجود للمواجهة والموت . لأن المسلم على يقين ان ما عند الله خير وأبقى للمسلم من 
كل شيء فلا يتوانى لحظة واحدة عن الإقبال على الموت تغمره السعادة ويحدوه الرضا بقضاء الله 
وقدره. وكلا الأمرين لا يدري أيما أحب إليه النصر أو الشهادة . وهذه الروح المعنوية التي رافقت 
الجيش المسلم في كل معاركه هي التي رجحت كفته دائ على عدوه. ودانت له الأرض بسبب 
ذلك . 


وكانت الأزمة الثالثة العنيفة لحظة المواجهة, أو المفروض أن تكون الأزمة لكن الروح 
المعنوية العالية» على ما تذكر الروايات. لم تفارق الجيش وهو بعدده الضئيل أمام ذلك الجيش 
العرمرم وكانت القيادات من الكفاءة بحيث تتسابق أمام جنودها على الموت . وكأنما هي تتجهز له 
تجهز العروس لعروسه . 


(قال ابن اسحاق : ثم التقى الناس فاقتتلوا » فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله َل حى 
A _‏ - 


ومقتل فائد واحد خلال لحظات قليلة كفيل أن يعيد النظر في المواجهة حيث كان الأمير 
الثاني جعفر بن أبي طالب . . لكن شوق الجنة هو الذي حدا بجعفر رضي الله عنه أن يقتحم عن 
فرسه الشقراء ويتراقص فرحا بالجنة وهو يواجه العدو: 
يا حبذا الجحنة واقتراببا ‏ طيبة وباره ‏ شرابها 
والروم روم قد دنا عذابهبا ا كافرة بيهيدة أنسابها 
عل إذ لاقيتها ضرابها 
واستشهد القائد الثاني فجرى بعض الفتور في هذه الروح المعنوية عند ابن رواحة . وكان 
الفرق واضحا بين طلبه الشهادة وهو في المديئة وبين معاينتها وهو في مؤتة . لقد كانت الرؤى 
الشعرية الوجدانية عنده أقوى من الواة قع العملي . فراح يبرز خلجات نفسه في هذا الحديث الرائع 
قد طال ماقد كنت مطمثنة مالي أراك تكرهين الجنة 
ولم يكتف بهذا الحديث النفسي . فراح ينقل حديثاً آخر : 
يا نفس الا تقتلي توت هذا حمام الموت قد لقيت 
إن تفعلي فعلهما هديست أو تعرضي عنهم فقد شقيت 
ولكن مهما تزعزع القائد إذا كان له من إيمانه ما يعصمه . فلا بد من الثبات بعد ذلك وهذا 
ما جرى لدى ابن رواحة فقد طغى التدفق الإيماني عليه » وانخرط في القتال حتى قضى شهيداً في 
سبيل الله . 
وكانت الأزمة الأخيرة , > وهذه الروح المعنوية العالية كفيلة ان تحطم أي روح مها سمت» 
وبعد مقتل الأمراء الثلائة وانتهاء القيادة من المعركة . / يعد إلا ذبح هذا الجيش كله . فمن هؤلاء 
من مضى لائذاً بالفرار إلى المدينة لكن أكثرية الجيش عادت فتمالكت . وأخذ الراية ثابت بن 
أقرم رضي الله عنه , وهو بحس بثقل الأمانة . 
(وصاح : يا للانصار . فأتاه الناس من كل وجه وهم قليل › وهويقول : إل أيها الناس فلم 
نظر إلى خالد بن الوليد قال : حل اللواء يا أبا سليمان! فقال: : لا أحذه أنت أحق 
بهء أنت رجل لك سن > وقد شهدت بدرا قال ثابت : خذه أيها الرجل . فوالله ما أخذته إلا لك 
فأخذه خالد . . )رم 


وهكذا استطاع هذا الجيش المسلم أن يواجه ذلك البحر المتلاطم من البشر بتلك الروح 


۳٤۸ : امتاع الاسماع ج۱‎ )١( 
- ۹٩ 


المعنوية العالية التي لم يرو ها التاريخ مثيلا إلا في المحضن الإسلامي . 


والذي نؤكده بحمد الله عز وجل أن هذه الروح المعنوية العالية بقيت خلال خمسة عشر قرنا 
في الأجيال الإسلامية يرثها الجيل بعد الحيل. وماتنبت فئةمؤمنة بالإسلام إلا ووجدت في 
صفوفها هذه الروح . حتى جيلنا المعاصر . فلم يعرف تاريخ الحركات السياسية اليوم بطولة نادرة 
واستبسال منقطع وضحايا في سبيل الهدف كما عرف تاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة . وثرى 
فلسطين وأفغانستان وحماة هي أصدق شاهد على ما نقول . 

وإذا كان جيش العقيدة بهذه الروح المعنوية العالية فهو جيش البادىء التي بقيت معلا 
للبشرية خلال تاريخها الطويل حتى صحت البشرية اليوم ووضعت مبادىء في أصول الحرب . لم 
ترتفع بعد إلى المستوى الإسلامي فوصية النبي يه للجيش ال معد لمقابلة أمم الأرض . توضح أن 
المدف الأعظم فيه هي نشر هذه العقيدة وإبلاغ هذا الدين على يد هذه العصبة المؤمنة التي هيأها 
الله تعالى لذلك. (فادعهم إلى الإسلام فإن فعلوا فاقبل منهم واكفف عنهم) ليس الأمر طمعاً في 
مال أو أرض أو جاه إنما دعوة الناس إلى الدخول في دين الله . 

وحين يحال بين الناس وبين دين الله فلا أقل من ألا يحال بينہم وبين شريعة الله والخضوع 
هذه الشريعة من خلال الحزية كاف لانهاء الحرب والكف عن الدماء . 

وما | يكن هذا ولا ذاك, فمن يحارب شرعة الله تعالى يحَارَبُ ء ولا يجوز لحيش المبادىء أن 
يخالف المبادىء التي انطلق لتحقيقها والدعوة إليها ومن أجل ذلك بى رسول الله بل هذا الجيش 
عن الأخلال بهذه المبادىء قائلا : (لا تغدروا ولاتغلواء ولا تقتلوا وليدا . . . وستجدون رجالا 
في الصوامع معتزلين الناس فلا تتعرضرا لحم » ولا تقتلن امرأة ولا صغيراً ضرعاً ولا كبيراً فانيً)رم 

فهؤلاء الذين نشدوا السلامة وهجروا الحرب كالوليد والمرأة والشيخ الفاني والمتبتل 
للعبادة. ليس هم الإسلام القضاء عليهم بل هو يحارب من أجلهم» ويقاتل الذين 
يشرعون سيافهم ورماحهم في وجه هذه العقيدة وهذه الشريعة » ويحولون بين الناس وبين دين الله 
وشرعته , ولا يقتل من المدنيين إلا دعاة البغي والانحلال (وستجدون آخرين في رؤوسهم 
مفاحص فاقلعوها بالسيوف) . 

وهؤلاء الذين انطلقوا في الأرض وابتعثهم الله ليخرجوا من شاء من عبادة العباد إلى عبادة 
الته » ليسوا أوصياء على البشرية حين تستجيب هم البشرية » ولا يعني براءتهم . من الخطأء وأنهم 
الناطقون باسم الله. بل هم بشر ممن خخلق ومن أجل هذا يدعوهم رسول الله ية إلى أن ينزلوا 
الناس على ذممهم لا على ذمة الله ورسوله » وبذلك يكون الخطأ عليهم لا على هذا الدين الذي 


۳٠۹ : امتاع الاسماع ج۱‎ )١( 


مضوا يدعون إليه » ويدعوهم إلى أن ينزلوا الناس على حكمهم لا على حكم الله ورسوله (فإنك لا 
تدري اتصيب فيهم حكم الله أم لا) . 
وبذلك يلتصق الخطأ بالإنسان لا بعقيدته , بالقائد لا بدينه . 
وهكذا نرى أن هذا الجيش 0 هو كتيبة دعاة حضرت الل أرض الشام لتابع رسالة 
ولا عطي ونحن نتحدث عن مؤته إلا الوقوف عند أبطاها الكبار. 
فلقد كان زيد رضي الله عنه مولى رسول الله وك ومن أخص خاصته . فلقد كان 
حب رسول الله ب له حباً مشهورا عند الصحابة جميعا فيطلقون على ابنه أسامة الحبٌُ ابن الحب . 
وهو أول مول على الأرض أشرق قلبه بنور الإسلام » والمهمات الصعبة كانت عليه » فهو المكلف 
بعد بدر بإحضار أهل رسول الله ب من قلب مكة. وحين يحدق الخطر في أشد أهواله ‏ فليكن 
رجل المهمات الصعبة على رأسه . وحين يقدّم رسول الله ية هذه المخاطر أحب الناس إليه, لا 
يضن الناس بمهجهم وأرواحهم بين يدي رسول الله عليه الصلاة والسلام . 
وكان الرجل الثاني . . . طرازاً رفيعاً من الرجال . 
إنه جعفر بن أبي طالب » الذي شهدناه داعية إلى الله عز وجل في الحبشة » ورئيس الحالية 
الإسلامية فيهاء وأكرمه الله تعالى أن تسلم الملوك على يديه فهو الذي أوضح الإسلام للنجاشي › 
فاعتئقه ‏ ولم نشهده إطلاقاً مقاتلا ني معركة , إنه سفير فوق العادة لفترة خمسة عشر عاماً خلت في 
رض الغربة لسان وطن وديا إذا به الوم قاد معركة . 
جندي في المعركة مها علت مرتبته واختلفت وظيفته» ولا نسى أنه لم يمر على انضمام 
جعفر للصف الإسلامي في المدينة السنةء أو تزيد قليلا عن ذلك فقد وصل خيبر بعد الفتح » 
وكانت خيبر في ربيع الأول لسلة سبع وكانت مؤتة الجمادى الأولى سنة مان . 
عام واحد فقط . متع رسول الله يي نفسه برؤية حبيبه جعفر» ويكفي أن نعرف مبلغ حب 
رسول الله اة لجعفر بعد غربة خمسة عشر عاماً عله . إن رؤيته له كانت تعادل هزية اليهودء 
فقال عليه الصلاة والسلام : (والله ما أدري بأمهما أنا أسر بفتح خيبر أم بقدوم جعفر) وعلى شدة 
هذا الجب. وعلى طول تلك الغربة › عندما لاحت بوارق الصدام مع الروم فكان الرجل الثاني 
لذلك جعفر بن أي طالب . وكان الدرس العم , الأضخم أن يكون المولى زيد بن حارثة أميرا على 
وقد شهدنا جعفر رضي الله عنه يمضي من أرض الغربة إلى أرض الغربة فيسلخ قرابة 
١١‏ 


نصف عمره فيهاء وحين يحين القتال» وهولم مخض معركة من قبل قط »› يبدي من ضروب 
البسالة والقوة والمقاومة ما تتصاغر أمامه الصناديد الأبطال » يأخذ الراية بيمينة فتقطع » ثم يأخذها 
بشماله فتقطع , ثم يأخذها بعضديه » ثم يسقط شهيدا وقد أفضى إلى ربه وقد انشق نصفين, 
فلم يجد إخوته المؤمنون حرجا أن ينظروا إلى عدد طعناته ورمياته فكانت تسعين ما بين ضربة سيف 
وطعنة رمح . 

وكان لا بد لأنصار الله ورسوله من أن يشاركوا في هذا الشرف العظيم على مستوى القيادة 
فكان الأمير الثالث هو شاعر الإسلام العظيم عبدالله بن رواحة . 

وأن تكون قيادة اليش بين مول وسفير وشاعرء ليؤكد أن طاقات الإسلام كلها في خدمة 
المعركة . وأن وقودها في حالة الخطر هو كل شباب الإسلام . 

وحافظ ثابت بن أقرم الأنصاري بعد عبدالله بن رواحة الأنصاري على الراية حتى دفعها في 


وإذا كانت الغرابة عندنا أن ينضم جعفر رضي الله عنه وهو من أوائل من أسلم إلى جيش 
مؤتة بعد سنة من عودته . لكن الأغرب ان يكون خالد بن الوليد في هذا الجيش ولا مض ثلاثة 
أشهر على انضمامه للصف الإسلامي بعد حرب عشرين عاماً ضد رسول الله و . فلقد أسلم في 
صفر ثمانٍ للهجرة . وتحرك للحديبية في جمادي الأولى سنة ثمانٍ للهجرة كذلك . أي أنه أمضى في 
مدرسة النبوة فقط شهر ربيع الأول وربيع الثاني وبقايا صفر وجمادى . هذه هي كل حياته في 
الصف الإسلامي . ولو كان في الحركة الاسلامية اليوم لما حق له أن يوجه أسرة بله يقود معركة . 


لقد مضى خالد رضي الله عنه بعزيمة الرجال يريد أن يطوي تلك الصفحة السوداء من 
الله؛ ومن أجل ذلك فا أن لاحت بوارق التعبئة لمؤته حتى كان من أوائل المنضمين هذا الجيش . 
ونفسه تتوق إلى تلك اللحظة التي يشهر فيها سيفه في سبيل الله . 

ولكنه قدر الله تعالى الذي ادخر هؤلاء الرجال هذه الأزمات . . 


م يكن يدري ابن الوليد أنه سيكون في موقع الاختبار ومنذ اللحظات الاول » في موضع 
لقيادة العليا في الجيش ., والغريب أن الذي اختاره لذلك هو أنصاري بدري ورضى المسلمون 
بذلك . وكانت مفاجأة مذهلة لخالد. هكذا وبكل هذه البساطة يغدو قائداً لجيش محمد عليه 
الصلاة والسلام . ويسلمه القيادة واللواء الأنصاري البدري ثابت بن أقرم » بل لم يدع المسلمون 
له لحظة اعتذار. فهو بطل المرحلة » والجيش الآن على أتون المذبحة الرهيبة بين يدي الروم لقد 
دفع إليه اللواء . والمسلمون معدون للفناء بسيوف الروم . 

كي ل 5 


وظهرت معادن الرجال . وبطولات الرجال» وعبقريات الرجال . 
ويا لعظمة هذا الدين . 


خالد الذي هم قبل عام ونصف أن ينقض على محمد ية في صلاة العصر في الحديبية لبهي 
هذا الصابىء وجنده على حد زعمه۔ يطلب منه الآن وبعد أقل من ثلاثة أشهر من إسلامه أن ينقذ 
جيش محمد صلوات الله وسلامه عليه من المذبحة المحتمة مذبحة الروم . 


وخالد الذي انقض فعلاً على محمد وَل قبل حمس سنوات من الخلف وحطم النصر المؤزر 
الذي حققه المسلمون يطلب منه اليوم أن يعيد الكرة . فينقذ الجيش المهزم المعروض للذبح من 
الفناء . مع فارق واحد هو إن جيشه الذي استعاد النصر فيه في أحد كان أربعة أضعاف جيش 
محمد و بينما يطلب منه الآن أن يستعيد النصر بجيش قوامه ثلاثة الاف مقاتل عل جيش قوامه 
مثتي ألف أي يطلب منه أن يستعيد النصر على جيش يبلغ سبعون ضعفاً من جيشه على التق 
ومع ذلك . فقد تحقق النصرء وفتح الله تعالى على يديه . 

إن روايات السيرة تذكر إنه نجا بالجيش وفر فيه . لكن أصح الروايات . والتي سقنا ثلاث 
روايات ما في البخاري فقط. تؤكد أن فتح اله تعالي قد تم على يديه وأن ال روم قد هزموا هزيمة 
منكرة » بعد أن استعمل حيلته الحربية البارعة في فت عضد الروم بتخيبر مواقع جيشه . 

ويجمع ابن كثير رحمه الله بين روايات السيرة التي تؤكد خروج أطفال المدينة ملاقاة الجيش 
بالحجارة لأنبم فروا من المعركة وبين روايات البخاري عن رسول الله ب بانتصار المسلمين في أن 
فصيلة من هذا الجيش وفيها عبد الله بن عمر رضى الله عله قد فرت بعد أن أطبقٌ الموت عليها 
ونجت بأنفسها إلى المدينة » أما أكثرية الجيش فقد بقيت في أرض المعركة تذود عن حى الإسلام . 
واستحق خالد رضي الله تعالى عله في هذه المعركة أرفع وسام في الجيش الإسلامي , وأعلى رتبة ولم 
ينل هذا الوسام أحد بعده ولا أحد قبله. أعلنه رسول الله َة على المنبر. فقال : 

(وأخذ الراية سيف من سيوف الله سله الله تعالى على المشركين » جعل الله النصر على يديه 
إنها لقفزة هائلة في الميدان العسكري من جندي عادي مغمور إلى قائد فذ يقلده رسول الله يتخ هذا 
الوسام » ومضى معه حتى لقي به العرب والفرس والروم » فقال له قائد جيش الروم في اليرموك : 
هل أنزل الله سيفاً من السماء فأعطاكه . فلا تسله على قوم إلا هزمتهم؟ ول ينزل الله تعالمى سيفا 

من السماء . بل أنبت هذا السيف من صلب الوليد بن المغيرة الذي هجاه الله تعالى في كتابه » 
ونقله بعد عشرين عاماً من قلعة الشرك إلى قلعة الإيمان . فإذا معادن الرجال تبرز صارمة صارخحة 
كما يقول عليه الصلاة والسلام : الناس معادن خيارهم في الجاهلية حيارهم في الاسلام إذا 
فقهوا)ر١).‏ 
)١(‏ رواه البخاري في باب المناقب. ومسلم كذلك 
_ 5 


وتبدو أهمية هذه السمة في هذه المرحلة في أا كانت توطثة للفتح الأعظم في مكة . وكانت 
كذلك تبيئة للقبائل العربية أن تنضم للاسلام . ولا'شك أن ارتفاع معنويات المسلمين قد بلغ 
الذروة بعد غزوة مؤتة . حيث حدثهم رسول الله يي عن الفتح الذي تم على يد خخالدٍ رضي الله 
عنه على المنبرء وقبل وصول الجيش الإسلامي من مؤتة . وعاشت المدينة افراح النصر والام 
الضحايا في لحظة واحدة. وكان أطفال المديئة من اليقظة والوعي ما يضاهئون به يقظة ووعي 
أبطال الأرض » فمع الحيصة الأولى كانوا يقذفون الفصيل المنهزم بالحجارة ويقولون : أنتم الفرار 
في سبيل الله » ولم يخفف من وطأة هذا اهجوم إلا قول الرسول ب لهم : بل أنتم الكرارون إن شاء 
الله » ومع ذلك فقد عاشوا جوا من الهم والقلق . رغم عذر رسول الله يث . بينما خرج الأطفال 
أنفسهم يشتدون مع رسول الله َة يستقبلون الحيش المنتصر وعلى رأسه سيف الله المسلول 
خالد بن الوليد . 

والحركة الإسلامية اليوم بحاجة إلى أن تتدبر هذه المعاني العظيمة في هذه المعركة . وتبحث 
عن افذاذ الرجال الذين يعدل الواحد منهم الألف بل المائة ألف. والذين غمروا أو حالت 
الظروف دون بروزهم وظهورهم » وقد يكون بين خصومها الأقوياء من يره الله 
تعالى ليكتب نصره على يديه فما ندري؟ إذ ما الذي يمنع من أن تتكرر تجربة أفلاذ كبد مكة مرة 
ثانية . ولعل في رجاهها وشبابها المنتثرين في أراضى ي الغربة في أوربة وأمريكا من هو مؤهل لمثل هذه 
المواقع » وما أحوج الدعوة الى أمثال جعفر الطيارء وسيف الله ابن الوليد . 

لقد قال الله تعالى للمؤمنين الغاضبين الحائقين يوم صلح الحديبية : 

«ولولا رجال مؤمئون ونساء مؤمنات أن تطؤوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم . . 0١)‏ . 

وتحقق موعود الله بالثورة الاسلامية التي قادها أبو بصير رضي الله عنه. وأنقذ الرجال 
المؤمنين والنساء المؤمنات » وشاء قدر الله تعالى أن تتأجل المعركة كذلك رغم هم وغم المسلمين ثم 
كان الوعد الآخر . 

(. .ليدخل الله في رحمته من يشاء )ر . 

وأدخل اھ في رمت يعد احديية هذه النماذج ل بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان 
بن طلحة (لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا مغهم عذابا أليها)” . 

إنها الأقدار. . ولعل أقدار الحركة الإسلامية في هذا الجيل حين يبطىء النصر . . وتدهم 
المحنة » ويفدح الخطب . أن تكون إرهاصات لأن يدخل الله في رحمته من يشاء . فيكون منعطفاً في 
تاريخ الأمة والحركة » وينقذ الله تعالى الرجال المؤمنين والنساء المؤمنات . من برائن الكفر وأيدي 


(1) 9(؟) و (۳) الآية ٠٠١‏ من سورة الفتح 
°٤‏ 


الطغاة فيشاركون في معركة الحق الأبلج . . ويكونون الوقود الأساسي لعارك الإسلام وهم 
عشرات الالوف . 

وني أعقاب مؤتة وعلى خطاها كانت غزوة ذات السلاسل » وكان بطلها فلذة كبد مكة الثاني 
عمرو بن العاص (وقد ذكرها الحافظ البيهقي ها هنا قبل غزوة الفتح فساق من طريق موسى بن 
عقبة وعروة بن الزبير قالا : بعث رسول الله بهو عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل من مشارف 
الشام في بلى وعبد الله ومن يليهم من قضاعة . قال عروة بن الزبير وبنو بلى أخوال العاص بن 
وائل » فلا صار إلى هناك خاف من كثرة عدوه فبعث إلى رسول الله ب يمستمده فندب رسول الله 
كل المهاجرين الأولين فانتدب أبو بكر وعمر في جماعة من سراة المهاجرين رضي الله عنهم 
أجعين » وأمر عليهم رسول الله يو أبا عبيدة , بن الجراح . قال موسى بن عقبة » فلا قدموا على 
عمرو قال: أنا أميركم وأنا أرسلت الى رسول الله ية استمده بكم . فقال المهاجرون . 
فقال عمرو: إنما أنتم مدد أمددته . فلما رأى ذلك أبو عبيدة؛ وكان رجلا حسن الخلق لين 
الشكيمة- قال : تعلم يا عمرو أن آخر ما عهد إلي رسول الله َة أن قال : إذا قدمت إلى صاحبك 
فتطاوعا . إنك إن عصيتني لأطيعنك فسلم أبو عبيدة الإمارة لعمرو بن العاص . 

قال الواقدي : حدثني ربيعة بن عثمان عن يزيد بن رومان أن أبا عبيدة لما اب إلى عمرو بن 
العاص فصاروا خمسمائة فساروا الليل والنبار حتى وطىء بلاد بلى ودُوخها. وكلم| انتهى الى 
موضع بلغه أنه قد كان بهذا الموضع جمع فلما سمعوا بك تفرقوا حتى انتهى إلى أقصى بلاد بل 
وعذرة وبلقين . ولقي في آخر ذلك جمعاً ليس بالكثير فاقتتلوا ساعة . وتراموا بالنبل ساعة » وحمل 
المسلمون عليهم فهزمواء وأعجزوا هربا في البلاد وتفرقوا ودوخ عمرو ما هناك وأقام أياماً لا 
يسمع لهم بجمع ولا مكان صاروا فيه . وكان يبعث أصحاب الخيل فيأتون بالشاة والنعم فكانوا 
ينحرون ويذبحون . وم يكن في ذلك اكثر من ذلك . ول تكن غنائم تقسم . 

وقال أبوداود عن . . عمروين العاص قال : احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل 
فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك . فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك لرسول الله 
هة فقال : يا عمرو وصليت بأصحابك وأنت جنب؟ قال : فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال 
وقلت إني سمعت الله يقول : (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيراً):) فضحك نبي الله ول 
يقل شيئا . 

وقال الحافظ البيهقي عن أبي عثمان النبدي سمعت عمرو بن العاص يقول : بعثني رسول 


)١(‏ النساء (9؟) 


الله َة على جيش ذات السلاسل وفي القوم أبو بكر وعمر» فحدثت نفسي أنه لم يبعثني على أبي 
بكر وعمر إلا لمنزلة لي عنده» فال ذانيته حتى قعدت بين يديه قلت : يا رسول الله! من أحب 
الناس إليك. قال: عائشة . قلت : إني لست أسألك عن أهلك قال : فأبوها. قلت : ثم من 
قال : عمر» قلت : ثم من؟ ؟ حتى عدد رهطأ . قال . قلت في نفسي لا أعود أسأل عن هذا . 

وقد حرجاه في الصحيحين , وي رواية : فسكت مخافة أن يجعلبي آخرهم 2.0 

فقد كانت ذات السلاسل على غرار مؤتة وللهدف نفسه . ونجد هنا رسول الله بلا يختار 
عمرو مباشرة ليعجم عوده في الخط الإسلامي » وبطبيعة عمرو الحذرة الداهية طلب 
المد حيطة لما بلغه من كثرة العدو » وكان مددا من خيار أهل الأرض فمعظمهم من المهاجرين 
الأولين وأمر عليهم أبو عبيدة وفيهم أبو بكر وعمر . 

إنها ليست معركة , أو ساحة تدريب » إنها مدرسة تربوية فذة يشهد فيها عمرو بن العاص 
ابن الثلاثة أشهر في حضن الإسلام. . كيف يمد بخيرة أهل الأرض أب بكر وعمر » ويشمخ أنفه 
أن يكون أميراً على الذين أمضوا قرأبة عشرين عاماً في حضن الدعوة » ولا يرضى أن يكون تبعا 
لأبي عبيدة وعظمة أب عبيدة وسماحته ووصية رسول الله يكل له أن لا يختلفا دفعته للقول : لئن 
عصيتني لأطيعنك , وسلّم إمرة الجيش لعمرو بن العاص الذي كان قبل فترة وجيزة بخطط لضرب 
عنق رسول محمد بيا في الحبشة . 

ومن حيث الحرب فلقد أبدى إمكانات فائقة ونفذ الهدف المرسوم كله ووطىء أر 
قضاعة إذ كان مهيا لذلك فأمه أو أخواله من بلى من قضاعة . 


إن أحداث المعركة وتحقيق أهدافها العسكرية لا يعنينا كثيرا بمقدار ما يعنينا بناء هذا الصف 
المسلم . 

هذا الصف الذي دخله من جديد أفواج ضخمة بالألوف وفيهم من الشخصيات النابهة 
أمثال خالد وعمرو . إنه مجتمع يبنى بسرعة فائقة . ويعد لحرب طاحنة فيم] بعد فلا بد أن ينصهر 
هذا المجتمع الجديد . وتتمكن القاعدة الصلبة الأولى أن تضم هذه العناصر الجديدة » وتتكيف 
معها وتكيفها مع الإسلام . لا بد أن يقوم الرعيل الأول بالتجارب الرائدة الفذة » بالإيثار 
المطلوب » بالتضحية المناسبة بالبعد عن مراكز الشهرة ليتيح للطاقات الجديدة أن تأخذ مداها 
وحجمها وتبرز مكئون مواهبها . 

واستطاعت هذه القاعدة الصلبة التي لم تكن تتجاوز ثلاثة الاف أن تفتح صدرها لثلاثة 


۲۷۹۰ البداية والنہاية لابن كثير ج 4 ص۲۷۹‎ (١ 


أضعافها خلال هذين العامين . وبسرعة هائلة امتصت هذه الطاقات دون أن يقع الصراع أو 
يقع التصادم ؛ أو تبرز الأنانيات ٠‏ والصراع على السلطة فيكون أبو بكر وعمر وأبو عبيدة رضي 
الله عنم جنودا تحت إمرة عمرو بن العاص . 

نكتب هذا الكلام وتقف الذاكرة عند واقع الحركة الإسلامية المعاصرة لتنج هذا النيج 
وإني لأتصور بعض قادة الكفر وقد هداه الله تعالى للاسلام . كيف تكون نظرة الشباب المسلم 
الحادة له » وتبالغ في الصفاء والنقاء والحديث عنه لدرجة تتهم فيها قيادة الحركةبممالأةالأعداء 
والانطلاق في تيار الاحتواء . وأتصور كذلك هذه العواطف الصادقة . وقد شهدت مثل حادثة 
الصلاة التي صلاها عمرو رضي الله عنه . حتى ليصلي بعد التيمم ٠‏ ويظهر أن الأمر فى يكن 
واضحا للقاعدة الإيبمانية بجواز التيمم عل الحنلابة ٠‏ 
ومن أجل هذا كان الأمر مستغربا » ووصل إلى رسول الله ي ويسأله : أصليت بالناس وأنت 


ومن ظاهر جواب عمرو رضى الله عنه أنه اجتهد دون الاستناد على حكم ابت بجواز 
التيمم عن الحنابة ولذلك ذكر لرسول الله هة اعتماده على قول الله عز وجل « ولا تقتلوا أنفسكم 
إن الله كان بكم رحيها » وضحك رسول الله بيغ وم يقل شيكاً . 

لقد أقر عمراً على اجتهاده وليس ضحكه إلا دعابة له وموافقة على سلوكه . 

أقول لو جرت مثل هذه الحادثة في الصف المسلم اليوم . وأقدم قائد حديث العهد 
بالاسلام على هذا الأمر فصلى بالناس وهو جنب لا تهمت قيادة الجماعة بالكفر البواح ولخرج أكثر 
الصف على هذه القيادة . 

فالحركة الإسلامية اليوم تعاني أزمة ثقة ضخمة بقياداتها والأصل أا تضعها موضع الشبهة 
والظنة والتهمة » في صلاتمها مع خصومها . 

وما أحوج شباب الحركة الإسلامية الذين هم وقود معاركها . أن يفتحوا صدرهم لثل هذه 
الحادثة من السيرة » ويروا أكبر أعداء الإسلام > قد صار بعد ثلاثة أشهر من إسلامه أميرا على 
المهاجرين الأولين وفيهم أبو بكر وعفر وأبو عبيدة وأمثالهم » ثم يصلي بالناس على جنابته بعد 
التيمم ويقتدي به المهاجرون الأولون . 

إن هذه التجربة الرائدة في تاريخ الأمم ما كانت لتنجح في إضافة ثلاثة أضعافها ونيف 
خلال سنتين وتأخذ هذه الأعداد موقفها الحقيقي في الصف وتقدم كل طاقاتها في سبيل الله » لوم 
تكن القاعدة الصلبة الأولى على المستوى المطلوب من الانضباط والالتزام والطاعة والصبر والإيثار 

والتفانى في سبيل الله وغياب الذات . 
_ ۷ 


ونحن لا ننفي إطلاقاً بل نقول إن الدور الأضخم والأكبر الذي ساعد هذه القاعدة على 
تمثل هذه العناصر الجديدة هو شخص القائد الأعظم محمد بهة الموحى إليه من الله تعالى » ومن 
أجل ذلك لا يقف الحندي المسلم ليفكر لحظة في مناقشة الأمر طالما أنه من رسول الله هة لكنه 
يفكر في كيفية التنفيذ وسرعته في التو واللحظة . 

فأبو عبيدة رضي الله عنه لم يقف ليوازن كثيراً نتائج تنازله عن الإمرة لعمرو . واحتمالات 
أخطائه الكثيرة وهو الجديد على الإسلام . بل كانت وصية رسول الله و منارا هادياً له : ولا 
تختلفا » تطاوعا ) . فاستجاب على التو وقال . لئن عصيتني لأطيعنك . 


وتبدو أهمية التربية هؤلاء القادة الكبار الذين انضموا للصف الإسلامي من جديد من 
خلال العرض الأخير الذي عرضه لنا عمرو رضي الله عنه , إذ حدثنا صراحة أن إمرته 
على أبي بكر وعمر وأمثاهم جعلت لديه غرورا بأنه أفضل من هؤلاء حمیعا أه وعلى الاقل أحب إلى 
رسول الله لا منهم . ولكي يؤكد هذا المعنى . يأتي ليسأل نبي الله عليه الصلاة والسلام عن أحب 
الناس إليه . وكان يتوقع الجواب أن يكون هو ذلك الإنسان فإذا به يفاجأ بان أحب الناس إلى 
رسول الله ينغ بعد عائشة زوجه هو جنديه الذي كان تحت إمرته أبو بكر وجنديه الذي كان تحت 
إمرته عمر » وجنديه الذي كان نحت إمرته أبوعبيدة » وعدد رهطا من الصحب . واستحيا عمرو 
من ذكر هؤلاء الرهط حتى توقف عن الاستفسار خشية أن يكون أخخرهم . وكان لا بد أن يتلقى 
عمرو في مدرسة النبوة هذا الدرس الشديد حتى يفرق بين المهمة المحددة والموقع الأصيل . يفرق 
بين التكليف والإكرام وبين الثقة بالمجاهدين الأولين الذين أمضوا حياتهم وأفنوا عمرهم في سبيل 
الله , 
واكتفى هذه الإجابات لتجعله ضمن المدى الذي حدد له ٠‏ ورضي الله عنهم أجمعين 
فلم يغضب ول تتحرك الجاهلية في كيانه » بل أصبح لاحقاً بهذا الرعيل » فيقدم لنا ذاته ببخطأ 
تصوره وعظمة إكباره للشيخين أبي بكر وعمر م وإخوانهها من المهاجرين الأولين . 


وليستفد الشباب المسلم من هذا الدرس كذلك . وليضعوا ذاعم خلفهم وليتقبلوا تقويم 
قيادتهم لهم في المهمات والملمات دون أن يضعوا أنفسهم فوق ما يستحقون ودون أن يحملوا على 
قيادهم حين لا تستجيب لأهوائهم کا يشتهون . 

ونعرض أخيراً هذه الجوانب ال حزئية كلها لتنضم في إطار هذه السمة التي لاحظنا خطوطها 
العريضة في مواجهة الروم » وفي بناء الصف الداع المتلاحم المذهل . وأن هذه التوطئة قد 
كانت إيذانا بالتوجه نحو مكة لتحقيق الفتح الأكبر » وكان جنود المرحلة الأولى كأئما كلف كل 
واحد منهم بالعديد من إخوانه يثقفه فقهأ ويربيه سلوكاً . وينصحه قدوة ويبنيه مسلا حلصا 

5 1°۸4 


خالصاً من برائن الجاهلية لتتسع القاعدة الصلبة المتجهة إلى مكة إلى عشرة آلاف مقاتل . 
والحركة التي تعجز عن استيعاب عناصرها الجديدة » سوف تنفصم وتتشرذم إلى جماعات 
عدة . 
وحركتنا الاسلامية التي تعاني من هذا الداء العضال . يحسن أن تفقه هذا الدرس وتخطط 
للإستيعاب الحقيقي للطاقات الحديدة الفتية . قبل أن تأكلها هذه الطاقات وتقضي عليها . بدل 
أن تكون البنيان المرصوص الجديد . 


60 6( 6( 


السمّة الثابية عثرة ؛ ماده والفعَ ؛ فح مَك 


قال ابن اسحاق : ثم أقام رسول الله يك بعد بعثه إلى مؤته جمادى الآخرة ورجباً ثم إن بى 
بكر بن عبد مناة بن كنانة عدت على خزاعة وهم على ماء لهم بأسفل مكة يقال له الوتير : 

فلا تظاهرت بنو بكر وقريش على خزاعة وأصابوا مهم ما أصابوا ونقضوا ما كان بينهم وبين 
رسول الله ب من العهد والميثاق بما استحلوا من خزاعة وكانت في عقده وعهده خرج عمرو بن 
سالم الخزاعي ثم أحد بني كعب حتى قدم على رسول الله هة المدينة » وكان ذلك ما هاج فتح مكة 
> فوقف عليه وهو جالس في المسجد بين ظهراني الناس . فقال : 
يا رب أي ناشد محملا حلف أبينا وأبسيه الأتلدا 
إن قريشاً أخحلفوك الموعدا ‏ ونقضوا ميثاقك المؤكدا 

فقال رسول الله َو : نصرت يا عمرو بن سام ثم عرض لرسول الله َة عنان من السماء 
فقال : إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب . 

ثم حرج أبوسفيان حتى قدم على رسول الله و المدينة » فدخحل على ابتته أم حبيبة بنت أي 
سفيان فلا ذهب ليجلس على فراش رسول الله يلي طوته عنه : فقال : يا بنية ما أدري أرغبت بي 
عن هذا الفراش . أم رغبت به عني . قالت: بل هو فراش رسول الله وق وأنت رجل مشرك 
نجس . ولم أحب أن تجلس على فراش رسول الله يهو » قال : يا بنية لقد أصابك بعدي شر. 

ثم حرج حتى اتی رسول الله اة » فكلمه فلم يرد عليه شيئاً » ثم ذهب إلى أبي بكر فكلمه 
أن يكلم له رسول اله . فقال : ما نا بفاعل . ثم أ عمر بن الخطاب فكلمه فقال : انا اشع 
لكم إلى رسول الله بي ؟ والله لولم أجد إلا الذر لجاهدتكم به ثم خرج فدخل على علي بن أي 
طالب رضوان الله عليه . وعنده فاطمة بنت رسول الله 5ة ورضي الله عنها وعندها حسن بن علي 
الام ياب يان ياه > فقال : يا علي إنك أمس القوم بي رحا . وإني قد جئت في حاجة فلا 
أرجعن کا جكت خائباً . فاشفع لي إلى رسول الله بهد . فقال : ويحك يا أبا سفيان والله لقد عزم 
رسول الله اة على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه . فالتفت إلى فاطمة فقال : يا ابنة محمد هل لك 
العرب إلى آخر الدهر ؟ قالت : والله ما بلغ بن ذاك أن بجر بين الناس إذ ما يجير أحد على رسول 

~۱۰ 


الله نة . قال : يا أبا الحسن إني أرى الأمور قد اشتدت عل فانصحني قال : والله ما أعلم لك 
شيئاً يغنيك » ولكنك سيد بني كنانة فقم فأجر بين الناس ثم الحق بأرضك » قال : أوترى ذلك 
مغنياً عني شيئا . قال : لا والله ما أظنه ولک لا أجد لك غير ذلك . فقام أبوسفيان في المسجد 
فقال : بها الاس إني قد أجرت بين الناس » ثم ركب بعيره وانطلق فلا قدم على قريش ‏ قالوا : 
ما وراءك ؟ قال : جشت محمداً فكلمته » فوالله ما رد علي شيثاً » ثم جئت ابن أبي قحافة فلم أجد 
فيه خيراً ٠‏ ثم جلت جئت ابن المخطاب فوجدته أدنى العدو » ثم جثت عليا فوجدته ألين القوم » وقد 
أشار علي بشيء صنعته » فوالله ما أدري أيغني ذلك شيئا أم لا ؟ قالوا : وبم أمرك ؟ قال : أمرني 
أن أجير بين الناس » ففعلت . قالوا : فهل أجاز ذلك محمد ؟ قال : لا قالوا : ويلك إن زاد 
الرجل على أن لعب بك فا يعني عنك ما فلت . قال لا والله ما وجدت غير ذلك . 


تجهيز الرسول لفتح مكة : وأمر رسول الله ب بالجهاز وأمر أهله أن يجهزوه فدخل أبوبكر 
على ابنته عائشة رضي الله عنها » وهي تحرك بعض جهاز رسول الله ية » فقال : أي بنية : 
أأمركم رسول الله باز أن تجهزوه ؟ قالت : نعم » فقال : فأين ترينه يريد ؟ قالت : لا والله ما 
أدري » ثم إن رسول الله َا أعلم الناس أنه سائر إلى مكة » وأمرهم بال حد والتهيؤ . وقال : 
اللهم خحذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادهاء فتجهز الناس. 
کتاب حاطب الى فریش : قال ابن اسحاق : وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة 
ابن الزبير وغيره من علمائنا قالوا : لما أجمع رسول الله ب المسير إلى مكة كتب حاطب بن أي بلتعة 
كتاباً إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله يك من الأمر في السير إليهم  ٠‏ م أعطاه امرأة 
٠...‏ وجعل لا جعلاً على أن تبلغه قريشاً ؛ فجعلته في رأسها , ثم فتلت عليه قروا » ثم 
خرجت به وأتى رسول الله باو الخبر من السماء بما صنع حاطب . فبعث علي بن أبي طالب والزبر 
بن العوام رضي الله عا فقال : أدركا امرأة قد كتب معها حاطب بن أبي باتعة بكتاب إلى قريش 
يجذرهم ما قد أجمعنا له في أمرهم ٠‏ فخرجا حت ادركاها ( با ايق > خليقة بني أب أحمد ) 
فاستنزلاها فالتمسا في رحلها فلم يجدا شيثاً فقال لها علي بن أبي : إني أحلف بالل ما كذب 
يسول ال رلا زاء راسخر چن تا هنا اكاب وشا E‏ 
أعرض » فأعرض » فحلّت قرون رأسها فاستخرجت الكتاب منها » فدفعته إليه فى به رسول 
الله يِه » فدعا حاطباً فقال: يا حاطب ما حملك على هذا ؟ فقال: يا رسول الله 
أما والله إنني لممن بالله ورسوله مسا غيرت وما بدّلت . ولكني كنت امرءاً 
ليس لي في القوم أصصل ولا عشيرة» وكسان لي بين أظهرهم 
ولد وأهل» فصانعتهم عليه . فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله دعني فلأضرب عنقهء فإن 
الرجل قد نافق » فقال رسول الله اء وما يدريك يا عمر » لعل الله اطلّع على أهل بدر يوم بدر 
فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم » فأنزل الله تعالى في حاطب :.(ياأيها الذين آمنوا لا 
۱۱۱ 5 


تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة . . ) إلى قوله ( قد كانت لكم أسوة حسنة في 
ابراهيم والذين معه إذ قالوا لقرمهم إنا براء منكم وما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيئنا 
وبینکم العداوة والبغضاء أبدأً حتى تؤمنوا بالله وحده . . )زى الى اخخر القصة . 

خروج الرسول في رمضان : قال ابن اسحاق : وحدثني محمد بن مسلم بن شهاب 
الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبدالله بن عباس قال : ثم مضى رسول 
الله َة لسفره واستخلف على المدينة أبا رهم كلثوم بن الحصين بن عتبة بن خلف الغفاري وخرج 
لعشر مضين من رمضان فصام رسول الله هة وصام الناس معه . حتى إذا كان بالكديد بين 
عسفان وأمج أفطر ٠‏ ثم مضى حتى نزل مر الظهران في عشرة الاف من المسلمي ن فسعت سليم . 
وبعضهم يقول : أت وات مزينة . وفي كل القبائل عدد وإسلام . وأوعب مع رسول ال 
د المهاجرون والأنصار فلم يتخلف عنه منهم أحد فلا نزل رسول الله هة مر الظهران . وقد 
عميت الأخبار عن قريش ٠‏ فلم يأتهم حبر عن رسول الله يها ولا يدرون ما هو فاعل . وتخرج في 
تلك الليالي أبو سفيان بن حرب . وحكيم بن حزام . وبديل بن ورقاء يتحسسون الأخبار . 
وبنظرون هل يجدون خبراً أو يسمعون به . وقد كان العباس بن عبد المطلب لقي رسول الله ي 
ببعض الطريق , 

هجرة العباس : قال ابن هشام : لقيه بالجحفة مهاجراً بعياله . وقد كان قبل ذلك مقي 
بمكة على سقايته » ورسول الله هة عنه راض ٠‏ فيا ذكر ابن شهاب الزهري . 

اسلام ابي سفيان بن الحارث وعبد الله بن أمية : وقد كان ابو سفيان بن الخارث بن عبد 
المطلب وعبدالله بن أبي أمية بن المغيرة قد لقيا رسول الله بهذ أيضا بنيق العقاب فيا بين مكة 
والمدينة فالتمسا الدخول عليه » فكلمته أم سلمة فيهما . فقالت ؛ يا رسول الله ابن عمك وابن 
عمتك وصهرك » قال : لا حاجة لي ا . أما ابن عمي فقد هتك عرضي . وأما ابن عمتي 
وصهري فهو الذي قال لي بمكة ما قال ٠‏ قال : فلما حرج الخبر إليهما بذلك » ومع أبي سفيان بنياً له 

. فقال : والله ليأذئن لي أو لآخذن بيدي بني هذا ٠‏ ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت عطشاً وجوعاً 

فلا بلغ ذلك رسول الله َة رق لما ثم أذن ليا فأسلما . 


قصة إسلام أبي سفيان على يد العباس : فلم نزل رسول الله هة مر الظهران؛ قال العباس 
بن عبدالمطلب: فقلت: واصباح قريش والله لئن دحل رسول الله ها مكة عنوة قبل أن يأتوه 
فيستأمنوه؛ إنه ملاك قريش إلى آخر الدهر قال: فجلست على بغلة رسول الله إو البيضاءء 
فخرجت عليهاء قال : حتى جئت الأراك؛ فقلت: لعلي أجد بعض الحطابة أو صاحب لبن أو ذا 


١ (‏ ) الآبات من أوائل سورة الممتحنة 
(I‏ _ 


حاجة يأني مكة, فيخبرهم بمكان رسول الله به ليخرجوا إليه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عليهم 
عنوة . قال : فوالله إني لأسير عليهاء وألتمس ما خرجت له ؛ إذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن 
ورقاء» وهما يتراجعان, وأبو سفيان يقول: ما رأيت كالليلة نيراناً قط ولا عسكراء فال يقول 
بديل : هذه والله نحزاعة حمشتها الحرب؛ قال» يقول أبو سفيان : خزاعة أذل وأقل» من أن تكون 
نيرانها وعسكرهاء قال: فعرفت صوته, فقلت: أبا حنظلة» فعرف صوتي فقال: أبو الفضل؟ 
قال: قلت: نحمء قال: مالك؟ فداك أبي وأمي , قال: قلت: ويحك يا أبا سفيان هذا رسول الله 
ل في الناس . واصباح قريش والله» قال: فما الحيلة؟ فداك أبي وأمي » قال: قلت: والله لشن ظفر 
بك ليضربن عنقك . فاركب في عجز هذه البغلة حتى اتى بك رسول الله به فأستأمنه لك . قال: 
فركب خلفي ورجم صاحباه. قال: فجئت به كلما مررت بنارمن نيران المسلمين قالوا: من هذا؟ 
فإذا رأوا بغلة رسول الله يق وأنا عليها قالوا: عم رسول الله َة على بغلته حتى مررث بنار عمر 
ابن الخطاب رضي الله عنه فقال: من هذا؟ وقام إلي . فلا رأى أبا سفيان على عجز الدابة قال : أبو 
سفيان عدو الله! الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد. ثم خرج يشتد نحو رسول الله 
هة وركضت البغلة فسبقته بما تسبق الدابة البطيئة الرجل البطىء. قال: فاقتحمت عن البغلة» 
فدخلت على رسول الله اؤ ودخل عليه عمر» فقال: يا رسول الله هذا أبوسفيان قد أمكن الله 
منه بغير عقد ولا عهد فدعبي فلأضرب عنقه, قال: قلت: يا رسول الله إني قد أجرته ثم جلست 
إلى رسول الله په فاخت برأسه فقلت : والله لا يناجيه الليلة دوني رجل» فلم| أكثر عمر في شأنه 
قال. قلت : مهلا يا عمر فوالله أن لو كان من بني عدي بن كعب ما قلت هذاء ولكنك قد عرفت 
أنه من رجال بني عبد مناف فقال : مهلا يا عباس فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إل من 
إسلام الخطاب لو أسلم. وما بي إلا أن قد عرفت إسلامك كان أحب إلى رسول الله و من 
إسلام الخطاب لو أسلم . فقال: اذهب به يا عباس إلى رحلك فإذا أصبحت فأتني به. قال: 
فذهبت إلى رحلي فبات عندي فليا أصبح غدوت به إلى رسول الله ييه فلماراءرسول الله إل قال: 
ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟ قال: بأبي أنت وأمي» ما أحلمك 
وأكرمك أوصلك ؛ وال لقد ظننت أن لوكان مع لل إلهآخرغيه قد اغى عني شين بعه . قال : 
ويحك يا أبا سفيان! ألم يان لك أن تعلم أني رسول الله؟ قال: بأبي أنت وأمي ما أ حلمك وأكرمك 
وأوصلك أما هذه والله فإن في النفس منها شيئ فقال له العباس . ويحك! أسلم واشهد أن لا إله إلا 
الله وأن تحمداً رسول الله قبل أن تضرب عنقك؛ قال: فشهد شهادة ا حق» فأسلم قال العباس . 
قلت: يا رسول الله. إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر فاجعل له شيئاء قال: نعم : من دحل 
دار أبي ي سفيان فهو امن ومن أغلق بابه فهو آمن ومن دحل المسجد فهو امن فلا ذهب لينصرف قال 
رسول الله كي . يا عباس احبسه بمضيق الوادي عند خطم(ى الجبل . حتى تمر به جنود الله فيراها 


)١(‏ نحطم الجبل: انه حيث يضيق 


قال: فخرجت حتى حبسته بمضيق الوادي حيث أمرني رسول الله أن أحبسه. قال: ومرت القبائل 
على راياتها كلما مرت قبيلة قال: يا عباس من هذه؟ فأقول سليم : فيقول: مالي ولسليم» ثم تمر 
القبيلة فيقول: يا عباس من هؤلاء؟ فأقول: مزينة فيقول: مالي ولمزينة. حتى نفذت القبائل ما تمر 
به قبيلة إلا يسألني عنہم » فإذا أخبرته بهم قال : مالي ولبني فلان» حتى مر رسول الله ا في كتيبته 
الخضراء فيها المهاجرون والأنصار رضي الله عنهم لا يرى منهم إلا الحدق من الحديدء فقال: 
سبحان الله يا عباس من هؤلاء؟ قلت: هذا رسول الله في المهاجرين والأنصار. قال: ما لأحد 
ببؤلاء قبل ولا طاقة والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن اخيك عظيأً قال: قلت : يا أبا سفيان 
إنها النبوة. قال: فنعم إذن. 

ليس ببعيد أن تكون الأنباء قد وردت متضاربة لأهل مكة حول نتائج سرية مؤته . لأن 
نقض قادة قريش للعهد لا بد أن يكون وراءه خلفية معيئة حول ضعف محمد وأصحابه. فبعد 
خيبر ارتفعت الثقة بقوة المسلمين» أما إذا وصلت الانباء | إلى مكة عن فرار جيش ممما من الروم. 
فهذا يطمع في فتح هذه الجبهة. > خخاصة وأن الذين ساهموا في تقض العهد هم الذين أبرموه سهيل 
بن عمرو ومركز بن حفص. وحويطب بن عبدالعزى. مع آحرين» وقد تكون القضية اندفاعا 
وحية عمياءء إذ يذكر المقريزي (أن أنس بن زنيم لدبي هجا رسول الله يق فسمعه غلام من 
خزاعة فضربه فشجه. فثار الشر بين بني بكر (حلف قريش) وبين خزاعة (حلف رسول الله 
005 . 

وتبدو محاولة مكشوفة تلك التى لجأت إليها قريش في إرسال أبي سفيان لتلافي الأمر وزيادة 
المدة وتأكيد العهد . لأنه لن يغيب عن ذهن قريش أن خزاعة ستستنجد برسول الله بيا حليفها 
الأكبسر. ولقد أدرك أبو سفيان منذ اللحظات الأولي فشل مهمته حين تأكد من 
أن بديل بن ورقاء الخزاعي قد وفد إلى المديئة والتقى برسول الله ة بعد أن فرك بعر راحلة بديل 
بيده وقال: أحلف بالله لقد جاء بُدَيل محمداًء وذلك حين رأى النوى في بعر البعير, 


وكان ذهاب بديل وهو أحد قادة مكة رفدا لعمرو بن سالم الذي جاء المسجد وعرض قضية 
الغدر بأسلوب مشرق مثير. وذكر بضرورة الالتصار للمضطهدين من خزاعة . وقبل أن نتحدث 
عن رحلة أبي سفيان لمكة. لا بد من التركيز على بعض النقاط المهمة حين نتحدث عن فتح مكة 
بصفته سمة بارزة في العهد المدني لا حدثاً تاريخياً مر. 


فالأصل في العهود بين المسلمين والمشركين أن يكون الوفاء بها من الطرفين. ورأينا عظمة 
تمسك النبي ية بعهده وعقده. حتى ولو برفض قبول المؤمنين المستضعفين في المدينة , وقد شكل 


) امتاع "١‏ 5 
)١(‏ امتاع الأسماع ج ١‏ ص لاوم 


١١8 ب‎ 


هذا الأمر لرسول الله يل إحراجاً كبيراً امام هؤلاء المؤمنين الذين اختاروا الإسلام على الكفر. 
ومع ذلك أعاد أبا بصيير التزاماً بالعهد وقال: إنه لا يحل في ديئنا الغدر. 

هله الصورة الإسلامية المشرقة . 

بينما تقابلها تلك الصورة الغادرة من التواطؤٌ مع المعتدين» والاشتراك معهم في غزو حلفاء 
محمد يل من خزاعة . 

هل هى القضية الأول . 

والقضية الثانية : هناك فرق واضح بين الاستقامة وبين الغفلة فالمسلمون لا بد أن يكونوا 
على يقظة تامة من تحركات مَنْ هادنوهم. وأن يكون التعامل معهم بصدق لكن بحذر. ولعل هذا 
الأمر يوضح فيا بعد من تحرك أبي سفيان. 

والقضية الثالثة : حول طبيعة الحلف في الإسلام فانضمام خزاعة ودخوها في عقد محمد يك 
وعهده يعني كل مستلزمات هذا الحلف» علما بأن خزاعة لم تكن كلها مسلمة . بل كانت قيادتها لا 
تزال خاضعة للمشركين. ولم تعلن هذه القيادة إنضمامها إلى المسلمين في المدينة. . صحيح قد 
تفشى فيهم الإسلام. ولكن فيها المسلم والكافرء وعندما عاهد رسول الله يليه حزاعة عاهدها 
على أنها مشركة . وهذا يعني أن من حق الدولة الإسلامية حين ترى مصلحتها في حلفب محدد. لا 
يقتضي بالضرورة أن يكون الحليف مسلاً. کا أنه لا"تناقض بين هذا التحالف وبين موادة الذين 
يحادون الله ورسوله. 

إن الشباب المسلم بحاجة إلى التفريق بين قضيتين كبيرتين: 

الأولى: موادة أعداء الله ورسوله الذين يحاربون المؤمنين ويضطهدونهم من خلال قناعات 
فردية للشباب المسلم دون إذن أو علم قيادتهم 

الثانية : التحالف مع كافرين إختاروا أن يكونوا مع المؤمنين ضد عدو مشترك فما معا. 

وهذه هي الصورة الثانية التي تمت بين خزاعة والمسلمين. فليس الكفر مانعاً من هذا 
التحالف ورسول الله هة قد شرع لنا هذا الأمر. 

وتبقى القضية الخلافية . حول مشروعية هذا التحالف هل هو مرتبط بكون المسلمين دولة 
فوية يحق لهم ذلك فقطء لأنهم وهم ليسوا دولة قد يبتلعهم حليفهم أو يفرض عليهم شروطه؟ أم 
إن الأمر عام مرتبط بحاجة المسلمين هذا الأمر إذ ما رأوا مصلحة في ذلك . وإن كان لا دليل على 
التخصيص واضح فيدحل الأمر ‏ والله أعلم - ضمن إطار تقدير المصلحة. 

القضية الرابعة : هي الحدية في تنفيذ بنود التحالف. فعندما وقع اعتداء على خزاعة وثبت 

- 1١١6 


لرسول الله ب تواطؤ قريش مع بني بكر. لم يتمالك ان أعلنها في المسجد صريحة مدوية صرت يا 
عمرو بن سالم» أو قوله: إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب أو قوله : لا نصرت إن لم أنصر 

فهذء الجدية في تفيل نود الحلف تبعل الثقة لدى الأخرين بان ينضووا تحت لواء المسلمين 
لضمان نصرهم وعونهم . لكئنا لو تصورنا أن رسول الله بد لم يعر اهتماماً لهذا الأمر, فهذا قد 
يدفع خزاعة إلى البحث عن حليف قوي ينصرهاء أو التخلي على الأقل عن حلف رسول الله 
صلوات الله وسلامه عليه . 

القضية الخامسة: هي أثر هذا التحالف في صف المتحالفينء فهذا الأمر يكسر الحدود 
المصطنعة بين هؤلاء الحلفاء والإسلام؛ أولاً. وبينهم وبين المسلمين ثانياً . . فهي فرصة مواتية لكي 
يعرض الإسلام على حقيقته دون غبش في صفوف هؤلاء الخصوم . وفرصة مواتية ثانية ليتعرف 
الحلفاء عل طبيعة المسلمين وأخلاقهم وأفكارهم عن كنتب . فتكون القدوة والدعوة من حلا شا 
مهيأة أمام الآخرين . 

وكل هذه القضايا هي في رصيد الحركة الإسلامية ذات بال تحتاج إلى استيعامبا وتوضيحها 
لقواعدها حتى يزول اللبس في الأمور لدى شباب الحركة الذين يسيطر عليهم داثاً ثقاء الصف 
وتميزه وطهره. 

وننتقل إلى مهمة أبي سفيان في المدينة . | 

فقد قذّر رسول الله عة هذا الأمر سلفاً بثافب نظره» وعميق فكره فقال : (كأني بأي سفيان 
قد جاء كم ليشد العقد. ويزيد في المدة) . 


ووصل أبو سفيان المدينة » وكان يفاجأ بالفشل أين! مضى . وكيفما انمه وذلك لأن الصف 
الداخلي القوي كان قلعة منيعة في وجهه. عجز من أن يتسلل إليه ولو من ثقب إبرة. ويكفي أن 
نعلم أن في هذا الصف المسلم القوي ابنة أبي سفيان وألصق الناس به. وقد تلقى منبا منذ 
اللحظات الأولى أقسى درس في حياته . لا ينساه ما عاش . وذلك حين طوت فراش رسول الله 
يل عله لأنه نجس على شركه , 


ولو استطاع أن يتسلا ل من هذه الثغرة لكالت أخطر ثغرة عل الإطلاق . فهو بيت النبي 
تة ولا شك أن العدو يحاول دائ أن ينفذ من مثل هذه الثغرات إلى الصف المسلى, 


وم يكن لدی رسول الله به حرج من أن تستقبل أم حبيبة بنت أبي سفيان ابا سفيان أله 
في بيت رسول الله فهو مطمئن إلى أهل بيته وان بروجه. 
5 1 8 


وما أروع الثقة حين تسود في الصف المسلم . فلم يتطرق الشك إلى رسول الله ية ولا إلى 
أصحابه الأدنين والأبعدين. ولا إلى بيوت أزواجه الأخرى فيغمزن من قناة ضرتن أم حبيبة , 
وحتى طوي فراش النبي بي عن أبي سفيان لم يكن بإيحاء نبوي بمقدار ما كان فطرة إسلامية خالصة 

وهنا نذكر الشباب المسلم بالفرق بين الموادة. وبين المعاملة الدبلوماسية اللازمة . 

فلم ينبش المسلمون عرض أم حبيبة رضي الله عنها وهي تستقبل أباها وترحب به. ولم 
تتهم في دينها أو بمالأتها للكفار. وأبو سفيان يمثل في هذه المرحلة مسؤولية غدر قريش ونقضها 
للعهد. وهي رضي الله عنها لم تجد حرجا في مثل هذا الاستقبالوهذه الضيافة فهي مطمئنة إلى ثقة 
النبي بيد والمسلمين بهاء لكنها من الطرف الآخر. وصلت بالتميز والمفاصلة مع أبيها أكثر من 
المطلوب منبا حين ملعت أباها عن الجلوس على فراش رسول الله َو ولا شك أن عصبة تصل 
الثقة في صفوفها أن تخل بين قائد العدو وابنته في جلسة خحاصة . دون أن يتطرق الشك هذه المرأة 
في عصبة مؤهلة أن محكم الارض ويدين ها الحافقان. 

ثم كانت المواجهة الثانية بين النبي َه وبي سفيان : 

يقول أبوسفيان: (يا محمد إني كنت غائباً في صلح الحديبيةء فاشدد العهد وزدنا في المدة , 
فقال رسول الله په : ولذلك قدمت يا أبا سفيان؟ قال: نعم! قال : هل كان قبلكم حدث؟ قال : 
معاذ الله! قال؛ فنحن على مدتنا وصلحنا يوم الحديبية):١)‏ 

لقد كان أبو سفيان القائد العام لجيش المشركين يريد أن يضع كل عبقريته في عقد جديد 
يلغي ما كان من إحلاله قبله. وتذرع بغيابه عن صلح الحديبية. ولكن أنى له أن تسري أحابيله 
بين يدي رسول رب العالمين فقال له عليه الصلاة والسلام : ولذلك قدمت يا أبا سفيان؟ قال: 
نعم ! وكان بإمكان النبي هة أن ينفعل ويغضب, ويكشف غدر قريش . لكن العلاقات السياسية 
لا تحل عن طريق الانفعالات. ثم استجره أكثر لعله يعترف بغدر قريش. فسأله: هل كان قبلكم 
حدث؟ قال : معاذ الله. 

وأبو سفيان مضطر لنفي الأمر رغم معرفته به ورغم توقعه أن يكون محمد ل قد عرف به» 
لأن الاعتراف فيه قد يودي بضرب علقه. أو علمه على الاقل بهذا الغدر. ومع هذا النفي فكان 
الحواب الحاسم : فنحن على مدتنا وعهدنا وصلحنا يوم الحديبية. 


يقول الشاعر: 
ليس الضبي بسيدفي قومه لكل سيد قومه المتغابي 
وأن تكون هذه الصورة فعلا حقيقية, وهي نجاح أبي سفيان في مهمته, أو إيهام النبي كله 


٠١۸ ص‎ ١ إمتاع الأسماع ج‎ )١( 
۷ -- 


بالوفاء التام . فهو عبقرية من أي سفيان ولا شك لكن هذه العبقرية تبدو سذاجة أمام عبقرية 
النبي َة في جام أبي سفيان بأنه اقتنعم بجوابه. وأن العهد لا يزال على ما هو عليه . فلقد سد 
المنافذ كلها على أبي سفيان. إذ ما معنى تجديد العقد وزيادة المدة» طالما أن قريشاً على عهدها 
ومدتبا. 

ولتمام نجاح هذه المهمة. فلقد كانت الأسرار في الصف المسلم من المناعة م ومن الكتمان 
بحيث لا يكن أن تبرز ولومن صفحات الوجه أن المسلمين على علم بغدر قريش . وهكذا برزت 
براعة لسياسية بلعل صودها جين سنت عل العو كل ماله وميك . 
سيطرت عل أحد الجن الین اش يهم أو سفيك وكا یکن أذ يجح في شيء من مهمه وان 
سرا قد أفشي من أسرار المسلمين من خلال لقاءات أي سفيان في المديئة. 


وحين ير تفع الصف المسلم إلى هذا المستوى . فلن يكون العدو قادرا على تحقيق النزر اليسير 
من مهمته. بله الأمر الكبير. فليس الداهية هو الذي يخدع الآخرين فقط. بل الأدهى منه هو 


لقد كان بإمكان النبي ية أن يعتقل أبا سفيان أو دد به.أومبدده ولكن لم يكن تخطيط النبي 

ييه أن يحل الأمر بالطرق السلمية أو بحلول, محدودة لقد رأى أن الأوان قد أن 
لفتح مكة . بعد أن أصبح حرأ من العقود والعهود التي نقضها العدو. ومن أجل ذلك حرص على 
إخفاء أية صورة من صور التحدي والإثارة أمام أبي سفيان ثم كانت خخطوات أبي سفيان المتلاحقة 
في اللقاء مع أبي بكر وعمر وعثمان وعلي. بين من يراه أمس الناس رما به. ومن يراه أعدى العدو 
ولئن اختلفت لمجة الاستقبال من عظيم إلى آخخر لكنها كانت جميعاً ذات مضمون واحد هي أنه لا 
يجير أحد على رسول الله يق ولا يقبل أحد أن يكون وسيطأ في قضية رفضها رسول الله عليه 
الصلاة والسلام. وم يتورع أبو سفيان في الوساطة أن يطلب من فاطمة بنت محمد والحسن بن 
فاطمة بنت محمد رضي الله عنهم أن يكونا وسطاء في زيادة المدة وتجديد العهد. وفاطمة أحب 
خخلق الله تعالى إلى أبيها وكان الجواب واحداً لا يتغير. فلن يشفع أحد عند رسول الله لز في هذا 
الأمر. بعد أن صدر الجواب الحاسم . فنحن على مدتنا وصلحنا يوم الحديبية لا نغير ولا لبدل. 

وهو درس كذلك لقواعد الحركة الإسلامية وقياداتها في أن لا تحرج أمير الجماعة في أمر 
أعلنه والتزم به حاصة حين يكون هذا الأمر مع خصوم الجماعة أو أعدائها أو حلفائها على السواء 
أو أن يبرز حلاف في الرأي أمام هذا الحليف أو ذاك العدو مهما كانت الأسباب الموجبة لذلك 
فالأصل أن يصدر الجميع عن رأي واحد حلف قيادتهم وبدون تردد. 

- ١١8 


وأبو سفيان يدرك أن رسول الله با لن يرد شفاعة وجاه أقرب المقربين إليه مثل أصحابه 
الأربعة » وابنته وابن ابنته» وإدراك هذا المعبى عند أبي سفيان جعله يقول لفاطمة رضى الله عنها: 
يا ابئة محمد هل لك أن تأمري بنك هذا فيجير بين الناس فيكون سيد العرب إلى آخر الدهررام؟ 
لأنه يتصور أن هذه الإجارة ستوقف حرباً ضروساً بين مكة والمديئة لأنه يعلم أن الأخبار لا بد 
واردة إلى النبي و . ولن يقبل محمد أن يكون مهيض ال حناح» فيسكت على ذبح حلفائه. 
وننظر هنا إلى الخطوط العامة التي سادت مكة بعد عودة أي سفيان فثراها تنصب على الاتجاه 
الذي سلكه رسول الله يك في أمر الناس بالتجهز والتهيؤ في بادىء الأمر» حتى أن أبا بكر الوزير 
الأول ما يدري لأي مكان الاتجاه ويسال ابنته عائشة عن الأمسر: فأين تسرينه 
يريد؟ قالت: لا والله ما أدري ثم يوضح الهدف بعد ذلك بإعلام الناس بالتهيؤ إلى مكة. مع 
المحافظة على سرية التحرك : (اللهم حذ العيون والأخبار عن قريش حت نبغتها في بلادها) . 
ولل يند عن هذه السرية في المدينة إلا حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه. وكانت زلة 
ضخمة دفعه لها حرصه على ولده وأهله. ومثل هذا المستوى مرفوض من حاطب البدري» وهو 
من الثقة لدى رسول الله اة أن كان بمهمة ضخمة بعد الحديبية » أن كان ممثل الرسول هة إلى 
المقوقس وقام بدور إيجاي ضخم في شرح رسالة الإسلام» ومع ذلك كانت هذه السقطة منه. 
ورأى عمر رضي الله عله فيها أا نفاق يستحق صاحبها القتل. غير أن الماضي العظيم لخاطب 
شفع له عند رسول الله باو حيث أجاب: (لعل الله اطلع على أهل بدر. يوم بدر فقال: إعلموا ما 
شثتم فقد غفرت لكم). ولا شك أن خطيئة القدوة ضخمة في صفوف العامة. ومثل حاطب 
رضي الله عنه في موطن القدوة. غير أن رسول الله اة لا يستغني عن أحدٍ من أصحابه . ويكفي 
ما جاء من المحاكمة العلنية أمام الناس» والقران الكريم الذي جاء بإدانته على هذا التصرف. 
وتأتي خخطورة القضية في أنها تمت دون علم القيادة »ودوافعها مصلحة الأهل والولد. 
وهذا الدرس يعني بالنسبة للشباب المسلم أنه لا معصوم إلا من عصمه الله تعالى» وقد تقع 
الزلة والخطيئة ممن هم في موقم الولاية والمسؤولية والذين هم أصحاب الأسرار العامة والخاصة 
ومثل هذه الخطيئة تستحق القتل فهي بمثابة الخيانة العظطمى » ولعل هذه الخاصية ‏ حضور بدر- 


(1) لم يكن ابر سفيان يدري أنه يتكلم في ظهر الغيب وأن الحسن بن علي صار سيد العرب والسلمين إل اثر 
الدهر وذلك بعد ثلث قرن من فتح مكة على التقريب حين أجار بين الناس» وأوقف نزيف الدماء بين 
المسلمين بعد سئة أشهر من خحلافته» وحقق نبوءة جده عليه الصلاة والسلام حين قال فيه : (إن ابني هذا سيد 
ولعل الله يصليح به بين فثتين من المسلمين. ) وكانت سيادته تكمن في حقنه للدماء بعد عشرات الألوف من 
القتل في صفوف المسلمين» ولا نبعد أہداً أن يكون حديث النبح ينه عن ابنه الس في تلك الفترة» وعقب 
كلمة أي سفيان لان النبي تة توفي ولا يناهز الحسن من العمر مس سنين . 


11١5 ا‎ 


هي التي شفع تلحاطب رضي الله عنه» وما أعتقد أن أي عمل في الإسلام اليوم يعدل حضور بدر 

إذ أن ذلك وحي من الله تعالى غير أن المعنق العام الذي يفقهه الدعاة . هوأن بلاء الرجا ل وجهاده 
قد يشفعان له في تخفيف العقوبة لا بإلغائها. وهو ضلال عن سواء السبيل كما ذكره القران 
الكريم . 

وتأتي الصورة الأخيرة في الاستنفار العام للعرب جميعاً من المدن والحضر الذين دخلوا في 
دين الله وكانت صيغة الاستنفار: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحضر رمضان بالمديئة , . 
وبعث رسلا في كل ناحية حتى قدموا فقدمت أسلم وغفار ومزينة وجهينة وأشجع المدينة وأتت بنو 
سليم بقديد. وعسكر ببثر أبي علبة» وقد الألوية والرايات) , 

ومع كل هذا التوسع فقد حافظ المسلمون جميعاً على سرية التحرك» وكان الدرس القاسي 
الذي نزل قرأنا يتلى بحق حاطب رضي الله عنه قد تعمم على الحيش كله. وم 
تصل الأخبار إلى مكة , 

وما كان لمثل هذا التحرك الضخم أن ينجح لولا قوة هذا الصف وسلامته . 

وم تكن الخطيئة الكبيرة من حاطب لتغير من هذه النظرة . رغم أن المهاجرين والأنصار ا 
يبلغون نصف الجيش (فقد كان المهاجرون سبعمائة ومعهم ثلائمائة فرس . وكانت الأنصار 1 ربعة 
الاف ومعهم خمسماثة فرس» وكانت مزينة ألفأً فيها ماثة فرس ومائة درع . وكانت أسلم أريعه بعمانة 
فيها ثلاثون فرساء وكانت جهيئة ثمانمائة معها خمسون فرسأء وكانت بلو كفب بن رد 
خسمائة) . 


الفرق بين تحرك الناس قبل قبل الکن وتمركهم بعده ولقد فرُع القرآن الكريم في سورة العم 
أولئك الأعراب الذين تباطؤوا وتخاذلوا عن هذا النفير حتى حرموا من حضور خيبر بعذهاء هم 
هم أنفسهم اليوم ينضمون بالآلاف إلى الجيش الإسلامي ٠‏ وهذا المعنى يرتبط بالفتح المبين يوم 
الحديبية . فثبات النفر القليل أيام المحنة والأيام السود هو الدرس الحى الذي يقود جحافل الناس 
بعد المحنة. وثبات النفر القليل هو الذي هيأ الجو للثل هذه المعاهدة وهذا اجو هو الذي فتح 
القلوب للإسلام. والجو المفتوح البعيد عن الخوف. الخالي من المخاطر. هو الذي هيأ المجال 
للتحرك الجاد من القاعدة الصلبة إلى نفوس الئاس المتعطشة هذا الدين, وما كان للمثل هذا 
التجمع أن يعطي فعاليته لولا ثبات الرواد الأوائل على الطريق؛ وقدرتهم على ضم هذه الأعداد 
الهائلة إلى المعركة . 
۲۰ 


ونلتقي مع أبي سفيان بن الحارث وعبدالله بن أي أمية والعباس بن عبدالمطلب من أهل 
بيت النبي ب يتحركون للإسلام أما مهمة العباس فقد انتهت فكان لا بد له أن يدرك الهجرة وأما 
أبو سفيان بن الحارث وعبدالله بن أب أمية هم أعدى العدو بالحسام وبالبيان. ولقد رفض رسول 
الله ْو بادىء ذي بدء قبوهم| بقوله :(أما ابن عمي فقد هتك عرضي» وأما ابن عمتي فهو الذي 
قال لي بمكة ما قال) . وقول عبدالله بن أي أمية بقي جرحأ غائراً حفر في قلب اللبي يك بعد مرور ' 
ما ينوف عن خمسة عشر عاماً. فهر الذي قال: (والله لا أؤمن بك حتى تصعد إلى السماء» وتدخل 
فيها ثم ترجع ومعك كتاب ومعك أربعة من الملائكة يشهدون أن هذا من عند الله ولو فعلت هذا 
ما أظن أني أصدقك,) وضاقت الأرض بما رحبت بهذين الطريدين فقال أبو سفيان: والله ليأذئن 
لي أو لآخذن بيدي بي هذا ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت غعطشا. . ويلجأ أبو سفيان بن 
الحارث لابن عمه علي بن أبي طالب» ويشكو عبدالله بن أب أمية لأم المؤمنين أم سلمة (فقالت: يا 
رسول الله لايكن ابن عمك وابن عمش ك أشقى الناس بك» وقال علي لأبي سفيان بن الحمارث: أئت 
رسول الله َة من قبل وجهه فقل له ما قال إحوة يوسف ليوسف (قالوا تالله لقد آثرك الله علينا 
وإن كنا لخاطئين) فإنه لا يرضى أن يكون أحد أحسن قولاً منه. ففعل ذلك أبو سفيان فقال له 
رسول الله و) لاتثريب عليكم اليوم يخفر الله لكم وهو أرحم الراحمين) ومسيحت حرب عشرين 
عاما من الهجاء والإقذاع بكلمة واحدة أمام أعظم نفس بشرية لأن مفتاحه أنه لا يرضى أن يكون 
أحد أحسن منه قولارا) فلقد أدرك علي رضي الله عنه مفتاح شخصية النبي بإ وهذا المفتاح هو 
أنه قمة الكمال البشري . فلا يرضى عليه الصلاة والسلام لنفسه موقفاً أدى من غيره وهو المؤهل 
للقدوة العليا للبشرية ف الأرض. 

ومن الموقع نفسه نشهده مع أبي سفيان بن حرب وقد جاء به العباس بن عبدالمطلب ليأخذ 
له أمانا من النبي بها عله ينقذ مكة من المواجهة وما يثلج الصدر أن تكون رواية العباس بن 
عبدالمطلب رضي الله عنه بين أيديئاء وهو يعرض لنا حرصه على نجاة مكة. 


(فقلت: واصباح قريش . والله لن دحل رسول الله ب مكة عنوة قبل أن يأنوه فيستأمنوه 
إنه هلاك قريش إلى آخر الدهر) . 


ونجد أن هذا الانجاه لا يرج عن رغبة النبي لاء فهو حريص على أن تستسلم مكة دون 
قتال. وهو حريص على حقن الدماء في مكة لتسلم له قلوب أهلها. وتكون مستعدة بالمعاملة 
الحسنة الكريمة الطيبة أن تنضم إلى الإسلام . 


فنحن لسنا أمام قائد عسكري فقط. وهو سيد القادة في الأرض تبيئة وتخطيطا. وإعدادا 


444 :418 الرحيق المختوم ص‎ )١( 
ا‎ 


ومواجهة لكننا كذلك أمام رسول رب العالمين» لا لا يريد أن يشقى أحد على يديه. فهو الرحمة 
المهداة س رين عام من نفس اطا 
على اثارهم | ن لم يؤمنوا هذا الحديث أسفا)ر١)‏ . وم تغير حرب عشرين عاما من نفسه الطاهرة 
الشريفة بأن يكون الانتقام رائده . بل بقي النور الذي ب بفمر الفا ا . ويمثل هذه النفسية 
العليا في الأرض رؤيا أبي بكر وتفسير النبي عليه الصلاة والسلام ها : (فرأى أبو بكر الصديق 
رضي الله عنه» في الليلة التي أصبح فيها بالجحفة. أن النبي ب لما دنوا من مكة حرجت عليهم 
كلبة تبرء فلا دنوا منها استلقت على ظهرها . فإذا أطباؤهارم تشخب لبنأ 
فذكرها أبو بكر فقال رسول الله هة : ذهب كلبهم”.وأقبل درهم. 
هم سائلوكم بأرحامكم! وأنتم لاقون بعضهم فإن لقيتم أبا سفيان فلا 
تقتلوه)(۲) . 

لقد أطلقنا على هذه المرحلة. مرحلة الجهاد السياسي» ولكنه من أعلى مواقع القوة 
العسكرية. 

فليس هذا الاتجاه عن عجز أو وهن . بل لأن القوة الضاربة هي التي تلجم اندفاعات العدو 
وتكبح جماحه وتتيح الفرصة لصوت الحق أن يظهر فحرص النبي بهذ على سلامة مكة من حرب 
ضروس هو الذي دفعه لأن يدعو (اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها) 
وحرص العباس على سلامة قريش هومن مشكاة النبوة يريدها أن يسقط في يدها فتستسلم دون 
حرب وتستأمن لنفسهاء فلا تجد حرجا أو غضاضة بعدها في الإسلام» أما لو وقعت المقتلة 
العظيمة في كل بيت من قريش وفي بطحاء مكة. فستدخل هذه القلوب في الإسلام ذليلة, 
ويتضح حرص. النبي ب على هذا المعنى كذلك من موقفه من سيد الخزرج سعد بن عبادة فقد 
(كانت راية الأنصار مع سعد بن عبادة» فلا مر بأبي سفيان قال له: اليوم يوم الملحمة» اليوم 
تستتحل الحرمةء اليوم أذل الله قريشاً» فلما حاذى رسول الله ل أبا سفيان قال : يا رسول الله ألم 

ما قال سعد؟ قال : وما قال؟ فقال : كذا وكذا. فقال عثمان وعبد الرحمن بن عوف: 
يا رسول الله ما تأمن أن يكون له في قريش صولة : فقال رسول الله َة : بل اليوم يوم المرحمة, 
اليوم تعظم فيه الكعبة. اليوم يوم أعز الله قريشاًء ثم أرسل إلى سعد فنزع منه اللواء» ودفعه إلى 
ابنه قيس » ورأى أن اللواء لم يمخرج عن سعد وقيل بل دفعه إلى الزبير):ه) 


5 الكهف: الآية‎ )١( 

(0) أطباؤها: جمع طبي . وهي حلمات الضرع التي فيها اللبن 

(؟) كلهم : سعار بأخذ الكلاب فتنبح وتعض 

)4( امتاع الاسماع ج ١‏ ص ۳٦۷‏ ۳۹۸ 

فيه الرحيق المختوم ص 1487 . وفد وردت عند ابن اسحاق وابن عساكر وموسى بن عقبة بروايات متقارية , 
١5253‏ - 


فعز قريش وتعظيم الكعبة والحرص على حقن الدماء هو الخط العام الذي يتحرك رسول 
الله قو من خلاله لكنه مع ذلك لا يريد أن يؤذي أكبر أنصاره سعد رضى الله عله وهو الذى كان 
والخزرج كتائب الفداء الأول في الإسلام فأخذ الراية وأعطاها لابنه قبس. وقيس في حلمه 
ورجاحة عقله ودهائه ما يجعل رسول الله بللا يطمئن إلى جانبه ألا'يندفع في ثورته ونقمته على 
قريش بمقدار ما يندفع ضمن الخط التبوي المرسوم . 

وكان ذلك اللقاء التاريخي بين قائد جيش العدو- أي سفيان ‏ الذي وصل شبيه الأسيربين 
بدي محمد ة. وتحققت نبوءة عتبة بن ربيعة ند أبي سفيان الذي قال له ذات 
يوم في بطحاء مكة ( لكأني بك يا أبا سفيان تساق إلى محمد كا يساق الجدي ليفعل بك ما يشاء ) . 


وها هوبين يدي رسول الله ييخ . ولا يحتمل الأمر أكثر من إشارة . أو حركة في العم ن ليطاح 
رأسه عن جسده . لكن سيد الدعاة ية لا ينسى أن إسلام أي سفيان يعني تحولا تامأ في مكة ولي 

بى أمية بالذات . وهم أعدى الأعداء . ورمى عليه الصلاة والسلام عداء عشرين عاماً خلف 
ظهره ليقول لي سفيان : (أماان لك أن تشهد أن لا إله إلا الله ؟ فيجيبه : بأبي أنت وأمي ما 
أحلمك وأكرمك وأوصلك . والله لقد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عني شيئاً بعد) 
إنه وهو الذي لا يزال على جاهليته يصعقه نبل محمد تة ومبزمه في أعمق أعماقه . فيفديه بأبيه 
وأمه وما يتمالك عن القول : ما أحلمك وأكرمك وأوصلك . ثم يأني السؤال الثاني ألم يأن لك أن 
تعلم أن رسول الله قال : بأي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك أما هذه والله فإن في 
النفس منها حتى الآن شيئاً . 


وإنبا لقمة الانتصار في موازين الرجال وفي معارك النفوس أن يبهت القائد العام للعدر 
بخلق خصمه الأول فلا يتمالك عن الثناء على حلمه وكرمه وصلته للرحم بل يفديه بأبيه وأمه . 
وأدرك العباس رضي الله عنه أن عدم إسلام أبي سفيان لن يضمن تجديد معركة وحرب ولي هذه 
الحالة فقتل أبي سفيان قبل أن يجيش الجيوش من جديد هو الذي تقتضيه طبيعة الخطة البوية . 
ومن أجل ذلك قال العباس لأبي سفيان : ويحك أسلم واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول 
الله قبل أن تضرب عنقك . قال : فشهد شهادة الحق فأسلم . ومع أن هذا الإسلام واضح أنه 
خوف من السيف . لكن ليس من طبيعة زعيم كأبي سفيان أن يرضى غدْرة من خلال إسلامه أو 
يرضى تلطيخ تاريخه أنه جبن أمام رسول الله محمد , فتعضي سبة عليه بين العرب والعباس اخير 
نفس آي سفيان طلب من رسول انه وق شمن لخر لان حرب فال علي الصلاة وام ٠‏ 
من دحل الكعبة فهو أمن ومن دخل دار أ بي سفيان فهو امن » ومن ۽ أغلق عليه بابه فهو امن 

فالميزة التي أخذها من هذا الفخر » إظهار لزعامته في قريش » وهذا حق مكتسب له لكن 
دون أن يبني عليها تعديل ذرة واحد من الخطة » وحين لا تتعارض الحزئية مع الكليات العامة فلا 

5 Y۳ _ 


ضير في ذلك . 

ولتحقيق ال هدف الأساسى من تفويت الفرصة على قريش في أن لا تعد العدة ولا تواجه 
الحرب كان لا بد من استعراض القوات الإسلامية المسلحة أمام أبي سفيان وذلك عند خطم الجبل 
حتى بأس نائياً من المقاومة فيقنع قريشأً بضرورة الاستسلام وها هي نفسيته تلوح وهو يشهد 
قبائل العرب التي كانت قبل عامين كلهامعهضد محمد. فيقول 
وهويرى الكتيبة الخضراء بعد أن هدته القبائل ( ما رأيت مثل هذه الكتيبة فط ولاخبرنيه مخبرما 
لاحد به طاقة ولا يدان » لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيأ ) . إا حطتان تمشيان جنبا إلى 

الخطة الأولى : تلامس نفس هذا القائد في أعماقه وتدعوه إلى الإسلام لتفت في عضد 
قريش فماذا بعد إسلام قائدها الأكبر أو استسلامه , 

الخطة الثانية : أن يحطم نفسية المقاومة عنده بحيث يشهد بأم عينه جيش النبوة الذي مبتز 
الأرض اعتزازاً به . وهويعلم أنه فشل في حربه ولا يتجاوز جيش محمد ثلالمائة رجل فكيف به 
أمام عشرة الاف مقاتل ؟ 

ولا يسعنا قبل أن نغادر أبا سفيان أن نعرض له وهويرى سيف عمر بن الطاب ينتظر أمر 
رسول الله َة ليهوي عليه فيقطع رأسه عن جسده . ويرى إلحاح عمر والحاح العباس فيه حق 
لبكادان يختصمان عليه وفيه . فيحميه رسول الله و ويراجع رصيده قبل عامين وهو في بلاط 
قيصر الذي يقسم أن محمدأ سيطأ ما بين رجليه . وأنه يتمنى أن يكون عنده فيقبل الأرض بين 
قدميه ونستطيع القول » أن إنهاء أي سفيان من المعركة هو القضاء على ثلثي العدو فيها . ركم 
يكون ربح الحركة الإسلامية في القمة حين ينهى جيش العدو بالإجهاز على قائده . وليس إجهاز 
الإفناء » بل هو إدخاله في الإسلام . وأن تجتنب معركة بتحييد قائدها لصالح الإسلام مع أن 
الطريق الوحيد لذلك هو القوة الرادعة القادرة على أن تقنع هذا القائد فتعطيه عوضاً عن الل 
حلأ وكرماً وصلة تجعله يفدي أمير المسلمين بأمه وأبيه . إنه الشوط الطويل لكنه هو الطريق . 


نصر الله والفتح 


رجوع أي سفيان إلى أهل مكة : 
قال : قلت النجاء إلى قومك » حت إذا جاءهم صرخ بأعل صوته : يا معشر قريش » هذا 
محمد قد جاءكم فيا لاقبل لكم به » فمن دخل دار أي سفيان فهو آمن » فقامت إليه هند بنت عتبة 
٤‏ 


فأخذت بشاربه . فقالت : اقتلوا الحميت الدميم الأمسرم قبح من طليعة قوم ! قال : ويلكم 
لا تغرنكم هذه من أنفسكم فإنه قد جاءكم مالا قبل لكم به » فمن دحل دار أبي سفيان فهو امن » 
قالوا : قاتلك الله وما تغني عنا دارك » قال : ومن أغلق عليه بابه فهو امن » ومن دخل المسجد 
فهو امن » فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد . 


وصول النبي إلى ذي طوى : قال ابن اسحاق : فحدثني عبد الله بن أبي بكر : أن رسول 
الله ی للا انتهى | لى ذي طوى . وقف على راحلته معتجرا بشقة برد حبرةر» حمراء وإن رسول الله 
کا ليضع رأسه تواضعاً لله حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح » حتى إن عثنونه ليكاد يمس 
واسطة الرحل . 

دخول جيوش المسلمين مكة : وحدثني عبد الله بن أبي نجيح أن رسول الله ب حين فرق 
جيشه من ذي طوى ؛ أمر الزبير بن العوام أن يدخل في بعض الناس من كدى » وكان الزبيرعل 
المجئبة اليسرى 3 وأمر سعد بن عبادة أن يدخل في بعض الناس من كداءرم . 

طريق المسلمين في دخول مكة : قال ابن اسحاق : وقد حدثني عبد الله بن أبي نجيح في 
حديثه : أن رسول الله يك أمر خالد بن الوليد . فدحل من الليط » أسفل مكة في بعض الناس . 
وكان خالد على المجنبة اليمنى » وفيها أسلم وسليم وغفار ومزيئة وجهينة وقبائل من قبائل العرب 
وأقبل أبوعبيدة بن الجراح بالصف من المسلمين ينصبٌ لمكة بين يدي رسول الله وك ودل رسول 
له من أذاخر حتى نزل باعل مكة ؛ وضربت له هنل ت" 
مد تالا وقد كان جا بن قبس بن غا عدي بكري سلا أل دول رسو 
الله به ویصلح منه » فقالت له امرأته : لماذا تعد ما أرى ؟ قال ؛ لمحمد وأصحابه قالت : والله ما 
أراه يقوم لمحمد وأصحابه شيء : قال والله إز ني لأرجو أن أخدمك بعضهم › » ثم قال : 
إن يقبلوا اليوم فمالي عله هذا سلاح كامل وألهر» 

وذو عزارين سريم السلهر م ) 
ثم شهد الخندمة مع صفوان » وسهيل وعكرمة » فلما لقيهم المسلمون من أصحاب خالد 


)١(‏ الحميت الدميم الاحمس : الشديد اللحم والمعنى عل تشبيهه الرجل بالزق لعبالته وسمنه 
(1 )الحبرة : ضرب من ثياب اليمن (4) اله : الحربة لها سنان طويل 
(" ) جبل باعل مكة ( كداء ) )٩(‏ ذو عزارين ۽ ذو حدين 

د ۱۲۵ - 


ابن الوليد ناوشوهم شيئاً من قتال » فقتل كرز بن جار » أحد بني محارب . . . وخنيس بن خالد 
حليف بني منقذ وأصيب من جهينة سلمة بن ايلاء 3 وأصيب من المشركين نساس 
IEEE‏ ثم امزموا فخرج هاس مهزم أ حت دخل به ؛ 


إلك شهدت يو الخندمة ‏ إذ فر صفوان وفر عكرمة 
وأبو يزيد قائم كالوقة واستقبالتهم بالسيوف المسلمة 
بقطعن كل ساعد وجمجمة ضرباً فلا يسمعإلاغمفمة 
لحم بيت خحلفنا وهصهمة الم تنطقي باللوم أدش كلمة 

وكان شعار أصحاب رسول الله ية يوم فتح مكة وحنين والطائف شعار المهاجرين يا بي 
عبد الرحمن » وشعار الخزرج : يا بني عبد الله وشعار الأوس : يا بني عبيد الله , 


عهد رسول الله إلى أمرائه وأمره بقتل نفر من سماهم : وإن كان رسول الله بل قد عهد إلى 
أمرائه من المسلمين » حين أمرهم أن يدخلوا مكة , أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم . إلا أنه قد عهد 
إلى نفر سماهم أمر بقتلهم وإن وجدوا تحت أستار الكعبة منهم عبدالله بن سعد . . . وإنما أمر 
رسول الله يك بقتله لأنه قد كان أسلم وكان يكتب لرسول الله ول الوحي . فارتد مشركا راجعاً 
إلى قريش . ففْرٌ إلى عشمان بن عفان وكان أخاه للرضاعة فغيبه حتى تی به رسول الله ا بعد أن 
اطمأن الناس وأهل مكة فاستأمن له فزعموا أن رسول الله يله صمت طويلا ثم قال نعم . فلا 
انصرف عنه عثمان قال رسول الله يه لمن حوله من أصحابه لقد صمت ليقوم إليه بعضكم 
فيضرب عنقه . فقال رجل من الأنصار : فهلا أومات إل يا رسول الله ؟ قال : إن النبي لا يقتل 
بالإشارة . وعبدالله بن خطل رجل من تيم إنما أمر بقتله أنه كان مسلا . فبعثه رسول الله 8 
مصَدّقاً وبعث معه رجل من الانصار وكان معه مول له يخدمه . وكان مسلا فتزل منزلاً > وأمر 
المولى أن يذبح له تيساً فيصنع له طعاما . فنام واستيقظ ولم بصع له شيئا » فعدا عليه فقتله » ثم 
ارتد مشركاً وكانت له قینتان : وكانتا تغنيان مبجاء رسول الله ب فأمر رسول الله بقتلهها معه . 
والحويرث بن نقيذ . وكان من يؤذيه بمكة . ( قال ابن هشام : وكان العباس بن عبد المطلب قد 
حمل فاطمة وأم كلثوم ابنتي رسول الله بل من مكة يريد با المديئة » فنخس بهما الحويرث فرمى 
با إلى الأرض ) ومقيس بن حبابة . وإنما أمر رسول الله يكل بقتله ؛ لقتل الأنصاري الذي كان 
قتل أخاه خط ورجوعه إلى قريش مشركاً وسارة مولاة بني عبد المطلب :. > وعكرمة بن أي جهل 
وكانت سارة من يؤذيه بمكة . فأما عكرمة فهرب إلى اليمن » وأسلمت امرأته أم حكيم بنت 
الحارث بن هشام . فاستامنت له من رسول الله يه فأمنه . فخرجت في طلبه إلى اليمن حتى أتت 
به إلى رسول الله اة فأسلم » وأما عبد الله بن حطل فقتله سعيد بن حريث وأبو برزة الاسلمي » 

5 7 - 


حركافي دمه » وأما مقيس بن حباية فقتله نميلة بن عبد الله زجل من قومه وأمسا 
قينتا ابن خطل فقتلت إحداهما . وهربت الأخرى . حتى استؤمن ها . . . وأما سارة فاستؤمن ها 
فأمّها . . وأما الحويرث بن نقيذ فقتله علي بن أب طالب . 
حديث الرجلين اللذين أمنتهما أم هانىء : قال ابن اسحاق : وحدثني سعيد بن أي هند عن 
أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب . أن أم هانىء ابنة أبي طالب قالت : لما نزل رسول الله َة بأعلى 
نكة ‏ فر إل رجلان من أماثي ۽ من بني زوم . وكانت عند هبيرة بن أي وهب المخزومي . 
قالت: فدخحل عل علي بن أبي طالب أخي فقال: والله لأقتلمبما. فسأغلقت عليهم) 
باب بيقي ٠‏ ثم جلت رسول الله يل وهو بأعلى:مكة » > فوجدته يغتسل من جفنة إن فيها لأثر 
العجين » وفاطمة ابنته تستره بثوبه » فلم| اغتسل أخل ثوبه فتوشح به . ثم صلى ثماني ركعات من 
الضحى » ثم انصرف إلي فقال : مرحباً وأهلا يا أم هاننء » ما جاء بك ؟ فأخبرته خبر الرجلين 
وخبر علي ؛ فقال : قد أجرنا من أجرت وأمئًا من أمّنت » فلا يقتلهها . 
طواف الرسول بالبيت وكلمته فيه : قال ابن اسحاق : وحدثني محمد جعفر بن الزبير. 
عن عبدالله بن عبدالله بن أي ثور » عن صفية بنت شيبة » أن رسول الله يت لما نزل مكة . 
واطمأن الناس حرج حتى جاء البيت » فطاف به سبعاً على راحلته » يستلم الركن بمحجن في يده 
> فلا قضى طوافه دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة ففتحت له . فدخلها . فوجد فيها 
حامة من عيدان فكسرها بيده » ثم طرحها , ثم وقف على باب الكعبة وقد استكف رى له الناس 
في المسجد . 


قال ابن اسحاق : فحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله هة قام على باب الكعبة فقال : 
لا إله إلا الله وحده لا شريك له . صدق وعده » ونصر عبده . وهزم الأحزاب وحده , ألا كل 
مأثرة أودم أومال يدعى فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة البيت وسقاية الحا ألا وقتيل الخطا 
شبه العمد بالسوط والعصا ففيه الدية مغلظة . مائة من الإبل ٠‏ أربعون مما في بطونما أولادها . 
يا معشر قريش . إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء الناس'من ادم . وادم من 
تراب ثم تلا هذه الآية :ويا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا 
؛ إن أكرمكم عند الله أتقاكم , إن الله عليم خبير». ثم قال : يا معشر فريش ما ترود أني فاعل 
بكم ؟ قالوا : حيرا أخ كريم وابن أخ كريم قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء . 


علب اط ا لجو ل اجن الجا ع اي سل ا فقال رسول 


١ (‏ ) استكف له الناس : تجمعوا له وتحلقوا حوله 
ا ۷~ 


الله 4ة : أين عثمان بن طلحة فدعي له . فقال : هال مفتاحك يا عثمان اليوم يوم بر ووفاء . 


أمر الرسول بطمس ما في البيت من صور : قال ابن هشام : وحدثني بعض أهل العلم » 
أن رسول الله بتي دحل البيت يوم الفتح > فرأى فيه صور الملائكة وغيرهم » فرأى ابراهيم عليه 
السلام مصوراً في يده الأزلام يستقسم بها ٠‏ فقال : قاتلهم الله جعلوا شيخنا يستقسم بالأزلام , 
ما شأن ابراهيم والأزلام «ما كان إبراهيم مهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلا وما كان من 
المشركين» ثم أمر بتلك الصور كلها فطمست . 

سبب إسلام عتاب والحارث بن هشام : قال ابن هشام : وحدثني أن رسول الله و دخل 

الكعبة عام الفتح ومعه بلال ‏ » فأمره أن يؤذن وأبوسفيان بن حرب عاب بن أسيد والحارث بن 

هشام جلوس بفناء الكعبة » فقال عتاب بن أسيد : لقد أكرم الله أسيدا ألا يكون سمع هذا 

فيسمع منه ما يغيظه . فقال الحارث بن هشام : أماواله لوأعلم أنه عق لاتبعته » فقال أبو فيان 

: لا أقول شيئاً لوتكلمت لأخبرت عني هذه الحصى ٠‏ فخرج عليهم النبي اة فقال : قد علمت 

. الذي قلتم ثم ذكر ذلك هم : فقال الحارث وعتاب : نشهد أنك رسول الله والله ما اطلّم على هذا 
أحد كان معنا فنقول أخبرك . 


سقوط أصنام الكعبة بإشارة من الرسول : قال ابن هشام : وحدثني من أثق به من أهل 
الرواية في إسنادٍ له عن ابن شهاب الزهري » عن عبيد الله بن عبدالله عن ابن عباس قال : دحل 
رسول الله يك مكة يوم الفتح على راحلته » فطاف عليها وحول البيت أصنام مشدودة بالرصاص 
» فجعل النبي بَا يشير بقضيب في يده إلى الأصنام ويقول : ( جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل 
كان زهوقا ) . فا أشار إلى صنم منها في وجهه إلا وقع لقفاه . ولا أشار إلى قفاه إلا وقع لوجهه . 
حتى ما بقي منها صلم إلا وقع . فقال تميم بن أسد الخزاعي في ذلك : 
ولي الأاصنام ععتبر وعلم المن يرج والشواب أوالعقابا 


كيف أسلم فضالة : قال ابن هشام : وحدثني : أن فضالة بن عمير بن الملوح الليثي أراد 
قتل الرسول بهل وهويطوف بالبيت عام الفتح . فلما دنا مئه . قال رسول الله إا : أفضالة ؟ قال 
: نعم فضالة يا رسول الله : قال : ماذا كنت تحدّث به نفسك ؟ قال لا شيء كنت أذكر الله » 
قال : فضحك النبي ب ثم قال: استغفر الله » ثم وضع يده على صدره 
فسكن قلبه . فكان فضالة يقول : والله ما رفع يده عن صدري حت ما من خلق الله شيء أحبٌ 
إل منه . قال فضالة : فرجعت إلى أهلي . فمررت بامرأة كنت أتحدث إليها » فقالت : هلم إلى 
الحديث فقلت : لا . وانبعث فضالة يقول : 


قالست هلم إلى الحديث فقلت لا يأبى عليك الله والاسلام 
1۲A -‏ 5 


لو ما رايت محمداً وقبيله ‏ بالفتح يوم تكسي الأصنام 
لرأيت دين الله أضحى بيننا والشرك يغشئ وجهه الإظلام 
أمان الرسول لصفوان بن أمية : قال ابن اسحاق : فحدثني محمد بن جعفر » عن عروة بن 
الزبير » قال : حرج صفوان بن أمية يريد جدّة ليركب منها إلى اليمن » فقال عمير بن وهب : يا 
نبي الله إن صفوان بن أمية سيد قومه » وقد خرج هاربا منك , ليقذف نفسه في البحر فأمنه صلى 
الله عليك » قال: هو امن ؛ قال : يا رسول الله فاعطني اية يعرف بها أمانك » فأعطاه رسول الله 
هة عمامته التي دحل فيها مكة » فخرج بها حتى أدركه » وهو يريد أن يركب البحر . فقال ؛ يا 
صفوان » فداك أبي وأمي . الله الله في نفسك أن تهلكها . فهذا أمان من رسول الله إا قد جئتك 
به » قال : ويحك ! أغرب عني فلا تكلمني . قال : أي صفوان » فداك أي وأمي أفضل الناس 
وأبرٌالناس » وأحلم الناس » وخير الناس » ابن عمك » عه عرّك وشرفه وملكه ملكك قال : إني 
أخافه على نفسي > قال : هو أحلم من ذاك وأكرم » فرجع معه حتى وقف به على رسول الله وك 
فقال صفوان : إن هذا يزعم أنك أمنتبي . قال : صدق » قال : فاجعلني في الخيار شهرين ؛ قال 
: أنت بالخيار فيه أربعة أشهر . 
إسلام عكرمة وصفوان : قال ابن اسحاق : وحدثني الزهري : أن أم حكيم بنت الحارث 
بن هشام » وفانحتة بنت الوليد » وكانت فاختة عند صفوان بن أمية » وأم حكيم عند عكرمة بن 
أي جهل . أسلمتا » فأما أم حكيم فاستأمنت رسول الله ب لعكرمة فأمنه . فلحقت به في اليمن 
فجاءت به . فلا أسلم عكرمة وصفوان أقرهما رسول الله َة عندهما على النكاح الأول . 
إسلام ابن الزبعري : قال ابن اسحاق : وحدثني سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن 
ثابت. قال : رمى حسان ابن الزبعري وهو بلجران بيت واحد ما زاده عليه : 
لاتعدمن رجلا أحلك بفضه نجرن في عيش أخحد ليشم 
فللا بلغ ذلك ابن الربعرى حرج إلى رسول الله يله فأسلم » فقال حين أسلم : 
يا رسول المليك إن لساني رائق ها فتقت إذ أنا بور 
إذاباري الشيطان في سنن الفي ‏ ومن مال ميله مثبور 
امن اللحم والعظام لرن سم قلبي الشهيد أنت السذير 
إلني عنك زاجر ثم حيا من لؤي وكلهم مغرورر) 
إسلام سهيل بن عمرو : وكان سهيل بن عمرو أغلق عليه بابه » وبع إلى ابنه عبد الله بن 
سهيل أن يأخذ له أماناً فامنه رسول الله پل وقال : من لقي سهيل بن عمرو فلا شد النظر اليه 


)١(‏ مقتطفات من السيرة لابن اسحاق من ص 114-1406 ج4 ط . دار الكنوز الأدبية 
ل ١55‏ .هه 


فلعمري إن سهيلاً له عقل وشرف وما مثل سهيل جهل الإسلام » ولقد رأى ما كان يوضم (١)فيه‏ 
أنه لم يكن له بنافع . فخرج عبدالله إلى أبيه فأخبره فقال : سهيل : كان والله برا صغيرا وكبيرا 
فخرج وشهد حنين وأسلم بالجعرانة0). 

نتحدث عن هذا النصر والفتح من خلال النقاط التالية التي تحدد معالم هذه السمة : أو تتمة 
معالمها . 
اوا : إنميار المقاومة المسلحة . 
انيا : رسول الله بی في مكة والبيت الحرام 


شالع : المحكوم عليهم بالإعدام 
رابعاً : إسلام القيادة حميعا جميعا : 


النصر يبتدىء دائ عندما تتحفق الهزيمة النفسية في صفوف العدو» وكان أبو سفيان هو 
بطل الاستسلام الرسمي فهو القائد العام لمكة وكان كل اهتمامه يلنصب على حماية مكة من 
التدمير» ولن تتم حمايتها إلا إذا أعلنت الانسحاب والتخلي عن المقاومة . ولا نشك أبدأ أن إسلام 
1 بي سفيان رضي الله عنه كان دافعاً قوياً لفتح الطريق أمام محمد يك لدخول مكة . 


غير أن التطورات كانت على غير ما مبوى أبو سفيان . لقد حملت هند بنت عتبة زوجه لواء 
المعارضة ضده.؛ ودعت إلى قتله لأنه استسلم » وراحت تبج المشاعر والنفوس للمقاومة 
واستطاعت أن تقود تياراً قوياً مع القادة الشباب الذين عز عليهم أن تمرغ كرامتهم بالتراب لو 
لجؤوا إلى بيوتهم مذعورين خائفين؛ وضبط القائد العام لكة أعصابه على هول 
الصفعة من زوجه هندء واكتفى للمحافظة على الحذف أن يقول : لا تغرنكم هذه عن أنفسكم 
فإنه قد جاءكم ما لا قبل لكم به . 

وكان الجيش الإسلامي كما وزعه رسول الله يي مكلفاً بدخول مكة من عدة محاور . وكان 
خالد بن الوليد على المجنبة اليمنى وكلف بدخول مكة من أسفلها وتحت إمرته أسلم وسليم وغفار 
ومزينة وجهينة . وكان سلاح الفرسان مع هذه الكتيبة رخالد هو قائد سلاج الفرسان دات ذأ 
أسلم وحدهاء حين انضمت للجيش الإسلامي قدمت بألف فرس وفارس 


وتحركت القيادات الشابة تقود الكثير من هؤلاء الشباب للمقاومة وشاء قدر الله أن يلتقى 
رفاق السلاح في مكان واحد. فخالد قبل أقل من عام هو قائد سلاح الفرسان لقريش وقبل أقل 
من عام كان يخطط مع صفوان وعكرمة وسهيل لمواجهة محمد بهاذ وهذه أول موقعة يقف فيها خحالد 


(1) يوضع . يجتهد ويشتد . كناية عا كان يعبد 
(5) امتاع الأسماع ج۱ ص 1١‏ ؤم 


تجاه أعز أصدقائه من قبل » وأقرب أفربائه الأدنين تجاه عكرمة وصفوان اللذين دعاهما إلى الإسلام 
من بين كل الناس حين مضى الى المدينة ليسلم . 
ولكنها العقيدة هي التي فرقت بينه وبينها| اليوم » وهم يعرفون من خالد بن الوليد» وكانت 
مفاجأة صاعقة لحم أن يواجهوا به » وإن كان المهم وغيظهم منه أكثر من كل من سواه فهو الذي 
تخلى عنهم » وانضم إلى صف محمد وهم الموتورون منه . وحاول خالد رضي الله عنه أن يحول بين 
المواجهة غير أنه عجز عن ذلك فلقد كان الغرور والعجرفة هوالذي يسيطر على هؤلاء المقاتلين » 
وقد رأينا مدى ثقتهم بقوتهم أن كان حماس بن قيس يعد امرأته أن يخدّمها أحدهم . فسيكون 
إن يقبلوا اليوم فمالي عله هذا سلاح كامل وله 
ولن تستطيع قوة الشرك أن تصمد أمام قوة الايمان حين يكون جند الابمان هم القلة فكيف 
إذا كانوا هم الكثرة عددا وعدة» ومن أجل هذا ما تمالك المشركون ساعات حتى تبارى القادة 
بالفرار صفوان وعكرمة وسهيل » ومع فرار القيادة لاذ الجنود بالفرار والمسلمون في ظهورهم كالنار 
المشتعلة كا وصفهم حماس نفسه : 
لهم شير هيت لحلفناوههمة م ت تنلطقىي باللوم أدن كلمة 
ونلاحظ أن الخسائر كانت قليلة » فقد قتل من المشركين حوالي ثلاثة عشر رجلا بين 
الفريقين ناتجة عن سرعة فرار المشركين من جهة بعد فرار قياداتهم . وعدم رغبة المسلمين في متابعة 
القتال حسب أوامر الرسول ية من جهة ثانية . 


والدرس الذي نفقهه من خلال هذه المواقف أن نحسب كل الحسابات في مواجهة العدو. 
فلا يكفي الاعتماد على الاستسلام العام له إذ أن بعض فصائل هذا العدو قد تثور على من وقم 
وثيقة الاستسلام . فلا بد أن يعد لمثل هذا الأمر في التخطيط الذي تقوم به القيادة . والإرهاب 
بالقوة في أحيان كثيرة ليس هدفه القتل والذبح بمقدار ما ييدف إلى إحباط مقاومة العدو. والحركة 
الإسلامية تستفيد كثيرا من هذا الدرس حين تفت في أعضاد خصومها بما تملكه حقيقة من قوة 
رادعة لهؤلاء الخصوم . ولقد رأينا مثل هذا الموقف في عمرة القضاء حين قال المشركون : سيأتيكم 
محمد وجيشه قد أوهنتهم حمى يثرب ٠‏ فاضطبع رسول الله بلا بردائه وقال لحيشه والمشركون 
ينظرون إليهم من دار الندوة : رحم الله امرءاً أراهم من نفسه قوة ومضى عليه الصلاة والسلام 
مهرول والمسلمون وراءه . لا بد أن تملك الحركة الإسلامية القوة الرادعة . أو تخطط لذلك» وهذا 

- ۳۱ - 


هو الضمان الوحيد الذي يمنم الخصوم من حربها . وامتلاك هذه القوة الرادعة لا يعني أن تتحول 
إلى عصابة قاتلة بل تستطيع ببذه القوة أن تحطم النفوس المعاندة وتردع العدوان الكامن. وفي 
معظم الأحيان نجد أن هزيمة العدو مرتبطة مبزيمة فيادته . فمع فرار صفوان وعكرمة وسهيل 
انتهت الحرب . 

وعلى الحركة الإسلامية أن تقدم إضافة إلى القوة الرادعة القوة المكافئة . فخالد هو الذي 
واجه سهيلاً وصفوان وعكرمة . وهو الأدرى بهم وبإمكاناتهم . وهذا يعني كذلك أن الحركة 
الإسلامية لا بد أن تعد الوسائل المكافئة كذلك لمواجهة حصمهاء وتجربة الحركة الإسلامية حين 
خاضت حرباً ضروساً ضد أعدائها قبل أن تمتلك السلاح والرجال المكافئين للخصم فكانت كارثة 
مروعة راح ضحيتها عشرات الألوف من القتلى والجرحى والمفقودين . ولا بد أن تأتي الفرصة التي 
تحدد فيها مسؤولية هؤلاء المسؤولين عن هذه المرحلة . إن فرطوا في هذه الأمالة . 

أولآ : فلقد كان وهو القائد المنتصر الذي دانت له رقاب العرب بعد أن أهدر دمه . وقال 
عنه ربه #إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني ان ثنين إذ هما في الغار إذ يقول 
لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وابده بجنود ل تروهاء وجعل كلمة الذين 
كفروا السفل, وكلمة الله هي العلياء والله عزيز حكيم )١(#‏ . 

من ذلك الموقع الذي يقول فيه أبو بكر رضي الله عنه , لونظر أحدهم إلى حلل قدمه لرأنا . 
إلى هذا الموقف ويحيط به عشرة الاف مقائل على قلب رجل واحد . يفتح بهم الأرض ٠‏ ويمضيٍ إلى 
الذين حاربوه عشرين عاماً أو تزيد وها هو اليو م يدخل في قلب هذا النصر (يضع رأسه تواضعاً لله 
حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح » حتی إن عكنونهليكاد بيس واسطة الرحل) . فهوالآن عبد الله 
ورسوله الذي أنعم الله تعالى عليه بالفتح . وليس هو كما تقول الجاهلية بطل النصرء وصانعه 
ومفجره » بل كان المتاف الإسلامي الخالد: 

لا إله إلا الله وحده» صدق وعده» ونصر عبده وأعر جنده » وهزم الأحزاب وحده لا 
شيء قبله ولا شيء بعده . 

فالنصر هو نصر العقيدة » نصر كلمة التوحيد. وليس انتصار الذات, أو انتصار الثأر أو 
انتصار الهوى وبالتالي فالتذلل لله تعالى في هذه الساعات هو التي يتنزل فيها نصر الله . وهذا 
الدرس لكل قادة الأرض الذين حفل بهم التاريخ أن يتعلموا من معلمهم الأول كيف يكون 
القائد المنتصر بين يدي ربه الذي أعطاه هذا النصر. 


4٠: سورة التوبة‎ )١( 


3 ررد 5 


وكلم يغيب هذا المعنى عن القادة المسلمين بله الفرد العادي من المسلمين فتأخذه نشوة 
النصر فلا يكاد يطا له أحد وهو قد انتصر بمظاهرة أو كلمة ألقاها أو كلمة عابرة اثنى عليه مها عابر 

ثانياً: ودخل رسول الله هة مكة بعد أن أعلنت استسلامها الأخير وكان أول ما يقصده 
الذي يدخل مكة هو البيت. ولا بد أن نقارن بين طوافين . لقد كان الطواف الأول في عمرة 
القضاء والمسلمرن معه والأصنام الثلاثئمائة والستون تملا فجاج الكعبة وأركان البيت . ولكنه كان 
عاجزأ عن المساس بها. وليس له الحق في ذلك . إذ أن دخول الكعبة في عمرة القضاء دخول 
سلمي بحماية قريش وموافقتها . فطاف والأصنام قائمة أما اليوم فقد اختلف الأمرء لقد دحل 
مكة فانحا » واستسلمت بعد قتال؛ غزيت بعد نقض للعهد . فالسلطة العليا له . ولا عهد لأحد 
عليه . فكان أول ما أقدم عليه هة هو تحطيم الأصنام . ( فا أشار إلى صنم منها في وجهه | إلا وقع 
لقفاه ء ولا أشار إلى قفاه إلا وقع لوجهه حتى ما بقي منها صلم إلا وقع) . 


وليت شباب الحركة الإسلامية يدركون هذه المقارنة . ويدركون أن الإسلام لا يطبق طفرة 
واحدة» فمع أن المسلمين دولة قوية في عمرة القضاء لكن لا سلطة ولا سلطان لهم على مكة . 
والذين صالحوهم وهادنوهم منحوهم حق العمرة| في مكة فقط ولأيام حدودة دون مس بأمن مكة 
أو شعائرها أو عقائدها., لكن لا يطوفون بإعلان شعائرغيرهم كذلك 
فالمسلمون يعلنون كلمة التوحيد في مكة وهذا نقض كامل لبادىء قريش . غير أنهم عاجزون عن 
القضاء على شعائر المشركين ومفقدساتهم من الأصنام . ولقد قبل رسول الله بيه هذا الواقع من 
خلال معاهدة أقبل على توقيع بئنودها , وهو درس هام وهام جداً للحركة الإسلامية يوضح خطوط 
تحركها. ويوضح المرحلية في الرصول إلى أهدافهاء ف) كان جائزا من خلال معاهدة بين قريش 
ورسول الله بيو وهو عدم التعرض لأصنام قريش . ل يعد جائزا . بعد مرحلة القوة الجديدة التي 
فتحت أبواب مكة أمام رسول الله ينيد دون قيد أو شرط . 

فقد تقدم الحركة الإسلامية على ميثاق هدنة أو صلح أو تحالف لا يتم من خلاله التميز 
الكامل لشعائر الاسلام . أو التنفيذ الكامل لبادىء الإسلام . لكن الذي لا عذر فيه أن يقدم 
المسلمون شعائر جاهلية . أن تشترك الشعائر كل حسب مقدساته . فلا غرابة في ذلك إذ لم يثبت 
أن المسلمين وهم يطوفون حول الكعبة منعوا طواف بقية الناس . ومنعوا إعلان شعائر الشرك الي 
تقول : لبيك اللهم لبيك . لبيك لا شريك لك لبيك . إلا شريكا هو لك وما ملك . أو منعوا 
السجود للا صنام وتقديسها أثناء الطواف لكن كان هم كامل ا لحن أن يطوفوا بشعائرهم دون أن 
يتقيدوا بشعائر المشركين . 

وهذا التدرج الذي يصل المسلمون إليه خطوة بعد خطوة لا بد أن يفقهه الدعاة إلى الله 


5 \YT _ 


تعالى . ولا يسارعوا إلى النيل من قياداتهم حين تسير في هذه الخطوات في التدرج حسب القوة التي 
تمتلكها. إن معاملة القاعدة للقيادة دائ على أن عليها أن تطبق أحكام الاسلام النبائية كما هي 
بعد براءة . فهو ظلم هذه القيادة من جهة » وجهل بحقيقة هذا الدين ومرحلتيه وحركتيه في الوصول 
إلى أهدافه . وحين نبين الحد الواضح بين الاحتواء الذي يمثل نطقنا بفكر غيرنا الذي لا نؤمن به أو 
يجمارب عقيدتنا وبين التعامل الذي يحفظ لكل طرف حقه في شعائره وعقيدته . والدليل عل هذه 
المرحلية كا نرى هو احتلاف الموقف بين طواف عمرة القضاء وطواف الفتح . فقد رافق طواف 
الفتح هدم للأصنام في الكعبة ؛ إعلان كلمة التوحيد على بابها . والمشركون لا يملكون حتى رفع 
بصرهم إلى رسول الله يي حوفاً ورهبة وإجلالاً كذلك هذا الافتراق بين بين الطوافين هو الذي يعلمنا 
كيف لنطلق ذا الاسلام في منبجه الحركي » ومن خلال سماته . المتتابعة التي تحقق نصرأ عقب 
نصر من خلال خحطة واضحة المعالم» محددة المراحل في ذهن رسول الله ة الذي خطط لفتح مكة 
دون أن يضطر لقيد واحد أو شرط واحد على الفتح . بينم قام رسول الله يني بذاته الشريفة في 
إعلان مبادىء الهدئة المشتركة بين قريش ومحمد بن عبدالله . 


وما كسر كذلك صنم قريش الأكبر الذي كان مفخر عزهاء وهو الذي نادى أبو سفيان 
باسمه يوم أحد فقال : أعل هبل . . ولم يترك الزبير رضي الله عنه هذا الأمر. فذكر أبا سفيان 
بذلك قائلاً له : (يا أبا سفيان قد كسر هبل أما إنك كنت يوم أحد في غرور حين تزعم أنه قد 
أنعم ! فقال : دع هذا عدك يا ابن العوام فقد أرى لو كان مع | إله عمد غيره لكان غير ما كان) . ومم 
انتهاء الطواف . وإلغاء كل مظاهر الوثنية الظاهرة . كان الناس ينظرون إلى القائد العظيم يثيابه 
الحربية الدرع والمغغر وعلى راحلته وهو بينم حيث قام عليه الصلاة والسلام بعد الطواف بالشرب 
من ماء زمزم والوضوء مئه استعدادا لخطوات لاحقة . 
الث : ثم كان دخول الكعبة المشرفة , حيث دعا عثمان بن طلحة رضي الله عنه وأخحذ منه 
مفتاح الكعبة ودخلها فكسر شعائر الوثنية داحلها وهي الحمامة من العيدان. وصورة ابراهيم 
عليه الصلاة والسلام وهو يستقسم بالأزلام . وصلى بالكعبة ثم خخرج إلى الناس . وكانت فرصة 
مواتية» أن طلب العباس بن عند المطلب ضم الحجابة إلى السقاية وتكونان لبي هاشم . 
وكان هذا أمام الناس جميعاً. ومن يستطيع أن يناش رسول الله يفل في أمرء حتى عثمان 
بن طلحة ٠‏ فلقد غدا جندياً مسل ينفذ أمر رسوله والناس جميعاً كأن على رؤوسهم الطير» وهم 
ينتظرون ما تتحرك به شفتي النبي َة في هذا الأمر وبيده أن يلغي الحجابة ويضعها في يده . أو 
يعطيها لبي هاشم رهط النبي من بعده . لكن المسلمين والمشركين فوجئوا برسول الله وة يقول : 
(ادعوا إل عثمان بن طلحة - وكان 345 قال له یوما بمكة ' وهو يدعوه إل وا عثمان 
الممتاح , فقال : لعلك سترى هذا المفتاح يوماً بيدي أضعه حيث ف شئت . فقال له عشمان : 
١55‏ 


هلكت إذن قريش وذلت. فقال َة بل عمرت وعزت يومئذ. فأقبل عشمان فقال له عليه الصلاة 
والسلام > حذوها يا بني أبي طلحة تالدة خالدة, ولا ينزعها منكم إلا ظالم! يا عثمان إن الله 
استأمنكم على بيته » فكلوا بالمعروف . فلم ولى عثمان ناداه عليه الصلاة والسلام فرجع إليه فقال 
له : ألم يكن الذي قلت لك؟ فذكر عثمان قوله له بمكة . فقال : بلى أشهد أن رسول الله . فقال : 
قم عل الباب ٠‏ دگل بالعروف دع عليد ا ا لسثاية إلى العباس رقي لله م1 


ف الحاهلية أو دم أو مال أومائرة نهر تحت قدمي هاتين إلا سد اله البيت وسقاية اي 


ولا بد من التذكير أن هذا التوزيع هذه المأثر بالاصل هو توزيع جاهلي بحت على يدي 
الدار بكره فقال له قصي لالحقنك بالقوم وإن شرفوا عليك , فأوصى له با كان يليه من مصالح 
قريش فأعطاه دار الندوة والحجابة واللواء والسقاية والرفادة. وكان قصى لا يخالف ولا برد عليه 
شيء صنعه . وكان أمره في حياته وبعد موته كالدين المتبع . فلم| هلك أقام بنوه أمره لا نزاع بينم 
ولكن لما هلك عبد مناف نافس أبناؤه بني عمهم عبد الدار في هذه المناصب. وافترقت فريشس 
فرقتين وكاد يكون بينهما قتال, إلا أنهم تداعوا إلى الصلح واقتسموا هذه المناصب. فصارت 
السقاية والرفادة إلى بي عبد ملاف» وبقيت دار الندوةٌ واللواء والحجابة بيد بنى عبد 
الدار, . )«ى . 


ومع أن هذا التقسيم كا رأينا أعراف جاهلية ودين متم عندهم . لم يكن لدی رسول الله 
اة وهر من بني هاشم أن يعيد اتاج إلى عثمان بن طلحة ابن عمه البعيد . تقيدا بأعراف مكة , 
التى تخالف الإسلام . بينا أعلن عليه الصلاة والسلام أن بقية الماثر تحت قدميه . 

ونحن نعلم أن هذا الأمر من رسول الله بت هو من عند الله لأن الله تعالى أقر نبيه على 
ذلك . وشاءت إرادة الله تعالى أن تبقى حراسة بيئه بيد بى عبد من عبيده وهر عثمان بن طلحة , 
وحتى خمسة عشر قرناً من الزمان . لم يتغير الأمر طالما أن رسول الله تيه هو الذي شرعه . وأما 
السقاية فقد تحولت على يد زبيدة زوج الرشيد (العباسية) ابلة العباس بن 
عيد | لطلب إلى سقاية رسمية من خلال مشروع المياه الذي مددته من الطائف الى مكة نسقاية 
لحجيج حين لم يعد زمزم كافيا لذلك . 

ونفقه من هذا الدرس كذلك أن أن بإمكان الحركة الإسلامية وهي في ذروة قوتها أن تحافط 


۳۸۸ ۰۳۸۷ إمتاع الأسماع ج۱ صن‎ )١( 
٣۷ )الرحيق المختوم ص‎ ۲( 


على بعض الماثر التي لا تتعارض مع المفهوم الإسلامي . حفاظاً على مشاعر الأمة أن تصدم فيها 
حن دعل في سس حا ی دون ات فمن حن دوا السلا أن تلفي ين ترفن بع 


قد حافظ رسول الله كك فى بداية الأمر على اللواء. حتى أحد حيث كان بيد مصعب بن 
عمير رضى الله عنه العبدري . لكنه بعد ذلك تخى عنه, ولم يدل اللواء في إطار هذا الخلود . 
لأن الته تعالى يعلم أن ألوية المسلمين سوف تملأ فجاج الأرض . وسوف تنتثر تحت كل نجم » فلا 
يمكن أن يحصرفي إنسان بل في أمة بل في جيل من الأجيال. أما 
حين يرد سكان الأرض إلى البيت الحرام . فلا يصعب أن تكون سدانته في يدي بني أي طلحة, 
ولا تزال في عهدتهم إلى اليوم» حتى إن سادن الكعبة قد أعلن عن وفاته قبل عشرة أعوام فقط. 
وقد استلم أبنه بعده وسيبقى إلى يوم الدين كما قال عليه الصلاة والسلام . خذوها تالدة خالدة, لا 
ينزعها منكم إلا ظا . 

ونفول في نباية المطاف مع هذه الفقرة: إن المسلمين وهم في ذروة نصرهم, حيث لا يملك 
أحد أن يحول بيهم وبين ما يريدون ومع هذا كله في فيستطيعونٍ المحافظة على أعراف وتقاليد الدولة 
التي كانت قبل الحكم الإسلامي مالم يتعارض ذلك مع الإسلام . 

رابعاً: : ثم كانت الخطبة التي أعلن فيها عليه الصلاة والسلام في بداية الأمر عفوه عن قريش 
(يا معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم ٠‏ قالوا خيراً > أخ كريم وابن أخ كريم وقد قدرت . فقال 
فإني أقول لكم. كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم 
الراحمين. اذهبوا فأنتم الطلقاء) . 

ثم أعلن مبادىء الحكم الإسلامي صريحة مدوية. والتي سيبدأ بتنفيذها على التو. بعد أن 
صار عليه الصلاة والسلام قادرا على تنفيذ هذا الحكم : وها نحن رى هذه المبادىء. 

ا إعلان إسلامية الدولة : الحمد لله الذي صد وعدم ولصر عبده؛ وأعز جندهء وهرم 
الأحزاب وحده. 

ب اسقاط الثارات والأمجاد السابقة : أة إن كل ربا في الجاهلية أودم أو مال أو مأثرة فهو 
تحت قدمي هائين الا سدانة البيت وسقاية الحاج , 


ج - إسقاط الرابطة الجاهلية: إن الله قد أذهب عنكم نخرة الجاهلية وتكثرها بالآباء. 
كلكم أده وادم من تراب» وأكرمكم عند الله أتقاكم . 


د - جرمة الكعبة : : ألا إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض› فهي حرام بحرام 
الله لم تحل لأحد كان قبليء ولا نحل لأحد كائن بعدي» ولم تحل لي إلا ساعة من الغهار, ألا لا ينفر 
۱۲٣ 7‏ 


صيدها ولا يعضدر) عضاههارى ولا تمل لقطتها إلا نشد ولا يختى حلا مار . فقال العباس: 
فإنه حلال . 

ه . في جال المرأة: ولا وصية لوارث» وأن الولد للفراش وللعاهر الحجرء ولا بحل لامرأة 
أن تعطي من ماما إلا بإذن زوجها. 

و إعلان الرابطة الحديدة: : والمسلم أو المسلم . والمسلمون إخوة والمسلمون يد واحدة 
عل من سواهم يتكافؤون دماءهم» برد عليهم أقصاهم» ويعقد عليهم أدناهم . ومشدهم عل 
مضعفهم ومسيرهُم على قاعدهم . 

ز - بعض الحقوق للطوائف الأخرى: ولا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد ني عهده ولا 

ح ‏ بعض الأحكام الاقتصادية : ولا جلب ولا جنبا(ه)) ولا تؤخل صدقات المسلمين إلا 
في بيوتهم وبأفنيتهم . . . 

ط - في التكاح : ولا تُنكح المرأة على عمتها وخالتها. 

ي - في القضاء: والبينة على من ادعى» واليمين على من أنكر 

ك ‏ في المحارم : ولا تسافر المرأة مسيرة ثلاث إلا مع ذي مرم . 

ل في العبادات : ولا صلا بعل العصر وبعد الصبح › وأنباكم عن صيام يوصين يوم 
الاضحى ويوم الفطر. 

م في الألبسة : وعن لبستين : لا يتب أحدكم في ثوب واحد يفضي بعورته إلى السماء» ولا 
يشتمل الصماء ولا إخا لكم إلا قد عرفتموهااه . 

وهم نباية الخطبة ألغي الوجود الجاهلي» وصار الحكم للاسلام. وتم تنفيل حكسين 
شرعيين خلال وجود رسول الله وه في مكة . 

أولما: دية القتيل من بكر وقد قتلتم هذا القتيل والله لأدنيه فمن فتل بعد مقامي هذا 
ااال ا کا اا کے 
)١(‏ ويمضد» يقط 
(۲) العضاه: شجر عظام له شوك 
(*) اللقطة : الملقى في الأرص والمنشد : المغرف بالضالة 
(4) الخلا : المشيش › ٠‏ واختل فطع 
(©) لاجلب ولا جنب: يجلب اموال الزكاة أو تجنيها له 
(5) أورد المقريزي هذه الخطبة في إمتاع الأسماع ج ج ١‏ ص ۳۸۷ وهي وإن لم تثبت كاملة في هذا اليوم لكنها ثابتة 
بنسبتها إلى البي وله بأحاديث صحيحة . 

١757 


فأهله بالخيار إن شاؤوا فدم قتيلهم وإن شاؤوا فعقلّه) . 
ثم أمر خزاعة يخرجون ديته فأخرجوها مائة من الإبل فكان أول قتيل وداه رسول الله ةز 
الإسلام 


انيه : المرأة المخزومية التي سرقت. وكانت امتحاناً مباشراً لدولة الإسلام ف الأرض» 
ونو تحزوم من أشراف الناس وبدأت الوساطات من كل جانب وكان أسامة بن 
زيد رضي الله عنه أحب الناس إلى رسول الله ل . فجاء يشفع في حدها. فكان الجواب قاسيا 
جداً عليه : يا أسامة أتشفع في حد من حدود الله!! 

ثم أعلن عليه الصلاة والسلام. أسباب محق الأمم وهلاكها: إثما أهلك من كان قبلكم 
كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه» وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. 

ثم أعلن كذلك يه أنه لا أحد في هذه الأرض فوق حدود الله بعد بلوغها للحاكم : والله 
لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) . 

والحركة الإسلامية تبلك يوم لا تعدل في أحكامها بين قيادتها وقواعدهاء وطالما أنها ترهب 
أن تقول كلمة الحق في صفهاء فلن تعلن كلمة الحق في الناس» وميزان الحكم على النصر والهزيمة 
من خلال هذه الكلية الضخمة. وإنه لامتحان عسير أن تساوى القيادة في احكامها على أبنائها 
مع الآخرين؛ وحين تنفذ ذلك فتكون لها القوامة على الآأخرين. 
| أما الذين أهدر رسول الله ية دمهم » وكانوا ستة نفر فكان أغلبهم من المرتدين أو الذين 
اذوا رسول الله ب في هجاء مقذع أو اعتداء أثيم . . وقد قتل نصفهم ونجا نصفهم . وتقبل رسول 
الله ب على كره منه - وساطة عثمان في عبدالله بن سعد في الوقت الذي أتاح فيه للمسلمين أن 
ينفذوا حكم رسول الله هة فيه » وشاءت إرادة الله أن لا ينتبه المسلمون لذلك فينجو عبدالله , ثم 
مرات على إجارته . 

وهو موقف كريم من نبي كريم . مع صحابي كريم من صحابته. نرى من خلاله إلى أي 
مدى. ترتفع قيمة الجندي عند قائده ولوفي تغيير خطة أعلنها على الملأ. وكرامة عثمان عند رسول 
الله ب . كانت يوم تمت بيعة الحديبية على الموت ثأرأ له بعد إشاعة مقتله . وها هو اليوم في مكة 
يشفع لمرتد لا يمكن أن ينجو لولا الموافقة النبوية على ذلك . 

والإشارة العظيمة إلى أن النبي لا يقتل بالإشارة ذات دلالة على شرف النبوة التي لا تتعامل 

5 ۳A 


بالغدر من الناس مهما كانت التكاليف الباهظة في حقها. 

إن كرامة العهد غالية جداً على المسلم . 

وكرامة الرجل المسلم غالية جدأ على الحركة الإسلامية . 

وكرامة حدود الله غالية جدأ على الجيش المسلم . 

ولا بد من الموازتات بین هذه الأمور بحيث لا يطغى جانب على جائب. 

ونلاحظ أن رسول الله وه رفض قبول شفاعة زيد ووساطته من أجل المرأة المخزومية التى 
سرقت. بينها قبل وساطة عثمان في حد المرتد. ولكن في هذا الأمر شبهة لجحوئه إلى مكة. بين 
حدثت السرقة في ظل الدولة الإسلامية دون أية شبهة» ودائ) تدرأ الحدود بالشبهات . 

والخركة الإسلامية التي حمل عبء إقامة دولة الله في الأرض» لا بد لها أن تتحمل مسؤولية 
التطبيق العمل لذلك. مهما كان الثمن غاليا. والمجرمون الذين يحملون كبر الاجرام من كبار 
العتاة في الأرض لا بد من عقوبتهم دون مراعاةلعواطفهم طالا أمہم قادة لهذا الشر أو مراوغون 
مرتدون ثبت غدرهم وكفرهم . هذا بالنسبة لخارج الصف المسلم. وكذلك الأمر داخل هذا 
الصف فليست الغرابة أن يقع فيه الخطأ. بل نقول أكثرمن ذلك إن الغريب ألا يقم الخطأ في هذا 
الصف . لأن طبيعة النفس البشرية محبولة على الخطأ. 

لولم تذنبوا لذهب الله بكم ولحاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر الله لهم #(). 

إنما الأشد غربة أن يقع الخطأ في كبيرة أوحدٍ من الحدود. ويتهاون به؛ وينفذ على الصغير 
دون الكبي وعلى الضعيف دون الشريف. فهذه قاصمة الظهر للجماعة وللحركة الإسلامية 
كاملة فالحركة الإسلامية العاجزة عن تحقيق العدل في صفوفها هي من باب أولى عاجزة عن تحفيقه 
في صفوف غيرها. . ومن هنا تأي أضخم أزمة ثقة بين القيادة والقاعدة في صف الحركة حين 
يصبح المثل المحتذى. والقدوة محل نقد وشك من شباب الدعوة» وجنودها الأوفياء. 


القيادات حميعاً تعتئق الإسلام 
وم نحدث في تاريخ الأرض كلها أن يدخل قادة جيش العدو في دين عدوهم إلا في تاريخ 


الإسلام . 
الثلائة الكبار: وهم قادة جيش العدو صفوان بن أمية وعكرمة بن أي جهل» وسهيل بن 


)١(‏ روا الامام امد عن ابن عباس ومسلم عن أي هريرة. 
١55‏ مه 


عمرو. وإسلام كل واحد منهم ملحمة فخار في تاريخ هذه الدعوة . 

أما عكرمة : فهو الذي قال لابن عمه خالد عندما دعاه للإسلام : لولم يبق غيري ما اتبعته 
أبدا . 

ولاذ بالفرار إلى اليمن لينبي حياته هناك . غير أن المفاجأة أذهلته وهويرى زوجه قد قدمت 
إليه وحسب إنها فارة إليه . ولكنها الآن تدعوه إلى أمان محمد بن عبد الله ية وعكرمة يعرف عهد 
محمد ووفاءه وكراهيته للغدر. 

وعلى الصيغة نفسها كانت دعوة صفوان بن أمية للاسلام إذ لحق به صديقه السابق عمير بن 
وهب أما سهيل فاختب في بيته يننظر أماناً من رسول الله يلد فأعطاه إياه. 

وطبيعي أن يفر هؤلاء الثلاثة أو مختبئوا . فقد رفضوا الأمان الأول وحاربوا الجيش 
الإسلامي , وأعلنوا العداء الصريح الواضح أن لا لقاء مع محمد إلا من خلال السيف, 


لكن حرص النبي ب على طوي صفحة الحرب حتى مع هؤلاء القادة المحاريين. كان 
واضحاً بحيث أعطى أمانه لهم دون تردد . وحمل هذا الأمان زوجة وولد وصديق . 


(وطلبت أم حكيم أماناً لعكرمة وقد هرب إلى اليمن . فأمئه . فخرجت إليه حتى قدم» فلا 
دنا من مكة قال رسول الله اة : يأتيكم عكرمة ب بن بي جهل مؤمنا مهاجرأًء فلا تسبوا أباء . فإن 
سب الميت يؤذي اللحي ولا يبلغ إليه! فلم| رآه وثب إليه فرحأ فوقف ومعه امرأته متنقبة. فقال : يا 
محمد إن هذه أخبرتني أنك أمنتني . فقال؛ صدقت. فأنت امن ؛ : فأسلم)را). 


وحين تذكر الخالدات في التاريخ تبرز أم حكيم في ذروتين. ذ فهي التي استطاعت أن يغلب 
حكمها جهلها والمرأة تنطلق من الحب والكره أكثر بكثير من الرجل . وم تكتف بذلك بل اعتبرت 
رسالتها الحقيقة هي أن تقنع زوجها بالإسلام» وكم تثق بنفسها حين تقطع الأرض إلى اليمن 
باحثة عن زوجها تدعوه إلى أمان رسول الله بء وطاعة إلى إسلامه . وهي في أعتى بيئة عداء 
للإسلام. فأبوها الحارث بن هشام. الذي لم يدخل الاسلاء 
بعد» وعمها أبو جهل, وزوجها عكرمة. فالبيئة تنضح بالكره ه لمحمد والحقد عليه. ومع ذلك 
استطاعت أن تتجاوز هذا كله.وتمضي الداعية العظيمة في فجاج الأرض لتعود بزوجها إلى رسول 
الله ل . 

ومدرسة النبوة الحية في عظمة حلمها وصلتها وبرها تجل عن الوصف. حتى إن النبي يك 
يوصي المسلمين بالامتناع عن سب أي جهل أمام عكرمة. وتوارث سب أبي جهل في الصف 


۳۹۲ ص‎ ١ امتاع الأسماع ج‎ )١( 


الاسلامي هو مدرسة بحد ذاتها. فلم يشتف المسلمون من كافر شفاءهم من أبي جهل. ورغم 
هذا الحقد المتوارث في النفوس والكره المستأصل فيها. فقد صدرت أوامر النبي ول بإغلاق هذه 
المدرسة . إكراماً لعكرمة المؤمن المهاجر. وإذا كان المسلمون قادرين على كبت مشاعر الحقد والكره 
على أي جهل فرعون هذه الأمة. لكنهم عاجزون تماما عن إبداء مشاعر الحب | إلى الذي بقي حتى 
أخمر الحظة يحارب الإسلام ومحارتب الله تعالى ورسوله . لكن النبي بو الذي حمل في 
قلبه تاريخاً كاملا من أذى أبي جهل وحربه له ولعقيدته . كان أكبر من بشر الأرض جميعاً في سموه. 
واستطاع أن يظهر كل معاني الحب والود لعكرمة . فيئب إليه فرحا منذ رؤيته . أو لا بحس عكرمة 
رضي الله عنه أنه يذوب حياءً من رسول الله وه وأنه أعجز من أن يصمد لحظة واحدة أمام هذا 
الاستقبال العظيم بعد الحرب الكؤود . وأنه لن يقدر على هذا إلا أولوا العزممن الرسل أو بالأحرى 
سيد هؤلاء الرسل جميعا . ومع ذلك تمالك وتجلد وتأكد قبل أن يعلن إسلامه من أمان رسول الله 
هة له . وأعلن إسلامه بعد أن نال أمانه . 


إنبا مدرسة في التربية وليس درساً فقط. تجري أمام هذا الجيش المسلم. تتجلى في هذه 
المعالم الثلاثة كظم الكره والحقد عن أكبر كفار في التاريخ ومجرميهم أبي جهل إكراما للعدو الألد 
ابنه الذي يأتي للاسلام . القيام والوثوب لاستقبال هذا العدو الألد. ومظاهر الفرح تملأ كيان 
البي ويد ولا يعلن عكرمة إسلامه بعد. 

إعطاء الأمان لعكرمة قبل أن يعلن إسلامه وهو الذي ملا الدنيا حرباً ضد الإسلام 
والمسلمين . وهكذا دحل عكرمة في هذا الدين دون أن تخدش كرامته أوتمس . فقد كان بإمكانه أن 
يغادر مكة, أو يبقى على كفره بهذا الأمان إلى فترة حددة. ولكنه حرص على أن يدخل في هذا 
الدب“ ن دون أن يكون هذا الأمر تحت وطأة السيف وطريق الإرهاب . واستطاع النبي ينيغ أن يستل 
حقده كله وأن يضبط عواطف جيشه كله . فلا پال من عدو الله أبي جهل إكراما لهذا المستأمن 
أولاء ثم المسلم بعد ذلك , 

والذي يؤكد هذا المعنى هو صفوان بن ' أمية الذي ي طلب أماناً لشهرين فأعطاه رسول الله يل 
الأمان لأربعة أشهر . وتأخر في إسلامه حتى حضر حن مشركاً. 


والذى لا شك فيه أن معاملة هؤلاء القادة كانت معاملة خاصة استشائية . فلا أمان لكافر 
حارب في الأصل , وإعطازه الأمان هو فسح الصدر هذه النفوس أن مهدأ وترعوي . 


وصفران رضى الله عله. بلغ من حقده أنه رفض في بداية الأمر أن يكلم صديق عمره. 
عمير بن وهب الحمحى والذي لم يكن حقده عليه أقل من حقده على محمد يتنه حين عاهده في 
الحجر بعد بدر على فقتل عمد وا وراح يحدث القوم : سيأتيك عمير بخبر تتحدث به الركباد . 

2 ال 5 


وجاء الخير بإسلامهء فأقسم أن لا يكلمه. وها هو الآن يلحق به إلى البحر ويدعوه ويلاطفه ويلح 
عليه ويذكره بابن عمه محمد وَل أبر الناس وأوصل الناس وأحلم الناس حتى تلين قناته . وتبدأ 
نفسه . وعاد يطلب الأمان. وقبل منه أن يدخل مدرسة المسلمين وهو على شركه . إنه يعيش وسط 
البيثة المسلمة. وهو على شرکه وهو على حقده. وجرت حادثة كان من الممكن أن توتر الحو حين 
جاءه رسول محمد 35 . 

حيث بعث رسول الله 6 يستقرض من صفوان مسين ألف درهمء وأدراعاً من عنده 
للحرب فقال: أغصباً يا محمد, قال: لا. ولكن عارية مؤداة. وأداها رسول الله اة له من غنائم 
حنين» ولئن كفت المعاملة الطيبة لعكرمة مباشرة في دخوله في الإسلام. لكن صفوان تأخر بعد 
حنين حتى أسلم يقول رضي الله عنه : 

والله ما كان على ظهر الأرض أحد أبغض إل من محمد فيا زال يعطيني من غنائم حنين 
حتى لم يعد أحد على ظهر الأرض أحب إل من حمد. 

ولش كان الوثوب لاستقبال عكرمة والأمان والنبي عن سب أي جهل استطاعت أن تسل 
حقد عكرمة فيسلم . وكانت غنائم حئين كفيلة بأن تستل حقد صفوان بعد شهرين . فكان الحواب 
رسول الله عليه ية لسهيل بن عمرو. أعظم الأثر في اسثلال حقده. وكانت مدرسة سهيل بن 
عمرو من مدرسة خالد بن الوليد رضي الله عنه. حيث أسلما من خلال الكلمة الطيية , 

كانت كلمة رسول الله هة لخالد: ما مثل خالد يجهل الإسلام» وعقله عقله ولو جاء إلينا 
لقدمناه على غيره . 

وكانت كلمة رسول الله اة لعبد الله بن سهيل عن أبيه ؛ 

من لقي سهيل بن عمرو فلا يشد النظر إليه» فلعمري إن سهيلا له عقل وشرف» وما مثل 
سهيل جهل الإسلام .. ولقد رأى ما كان يوضع فيه أنه لم يكن بنافع . 

فقال سهيل» كان والله برأ صغيراً وكبيراً. 

فخرج وشهد حنيئاً وأسلم بالجعرانة . 

إن هلا الصبر القليل على هؤلاء القادة الغلاثة . جعلهم يدخلون الإسلام كا قال ابن 
الزبعري . بعد أن أسلم اللحم والعظام لربهمء ولا يدخلونه خيفة أو نفاقا. 

إن الشخصيات العظيمة لا تتقن النفاق» فقد كان بالإمكان أن يموتوا طريدين مشردين» 
حاقدين على الإسلام . لكن عظمة المعاملة النبوية. نقلتهم وهم قادة إلى الصف المسلم ليتبوؤوا 
موقع القيادة فيه . ويكونوا سادة على قومهم يقاتلون هم أعداء الله. ور يسقطون شهداء في المعارك . 

3 E 


لقد مثل هذه الصورة واحد فقط من قادة مكة هو هبيرة بن ¿ أبي وهب زوج أم هانء وم 
يتراجع عن حقده» ومات في اليمن طريدا على كفره . فماذا يذكر التاريخ عن هبيرة . وأم هانيء 
رضي الله عنبا. استطاعت أن تنقذ اثنين من احمائها ليدخلوا في حظيرة الاسلام . ول تتمكن أن 

شيوخ مكة : وكان إسلامهم وهم يبثون حقدهم على رؤية بلال رضي الله عنه يؤذن فوق 
الكعبة تقول جويرية بنث أبي جهل وهي تسمع وأشهد أن محمد رسول الله (قد لعمري رفع لك 
ذكرك أما الصلاة فسنصلي . والله لا نحب من قتل الأحبة أبداً . ولقد كان جاء أبي الذي جاء محمد 

من النبوة فردها وكره حلاف قومه) , 

عتاب بن أسيد : الحمد لله الذي أكرم أبي فلم يسمع هذا اليوم. 

الحارث بن هشام : والكلاه! ليتنى مت قبل هذا اليوم : قبل أن أسمع بلالا ينبق فوق 
الكعبة , 


الحكم بن أبي العاص : هذا والله الحدث العظيم أن يصبح عبد بي جمح على بنية أبي 
طلحةر؛ى , 

سهيل بن عمرو: إن كان هذا سسخطأ للهفسيغيره؛ وإن كان رضى فسيقره. 

أبو سفيان بن حرب: أما أنا فلا أقول شيئاًء لو قلت شيئا لأخبرته هذه الحصباء. فاق 
جبريل عليه السلام رسول الله په فأخبره خبرهم)2). 

(فخرج عليهم رسول الله هة فقال: قد علمت الذي قلتم ثم ذكر ذلك لهم : فقال الحارث 
وعتاب : نشهد إنك رسول الله ما اطلع على هذا أحد كان معنا فنقول أخخبرك.)0). 

وهكذا انضم الحارث شيخ بني محزوم إلى الإسلام» وهو أخو أبي جهل. وانضم الشاب 

لسان مكة : وكان الناطق الرسمي باسم مكة ابن الز بغري الذي أمضى حياته ووطن شعره 
روظفه في حرب محمد بلا . وفر إلى اليمن. فأرسل إليه حسان بن ثابت بالبيت المشهور: 
لاتعدمن رجلا أحلك بنغضه نجرن في عبش أحذ ليثم 

وحرّك هذا البيت مشاعر ابن الزبعري. فتقدم إلى مكة؛ حيث كان رسول الله يه ہیی ء 
(1) بنية أي طلحة : الكعبة وديت لابي طلحة نسبة لاي طلحة بن عبدالدار سادا 
(۲) امتاع الاسماع ج ۱ ص ۰۳۹۰ ۳۹٣۱‏ 
(۳) البداية والنباية لابن كثيرج 4 صن ٣٠۲‏ 

1١45‏ ل 


الحو لقدومه ويقول في صحبه : هذا ابن الزبعري ومعه وجه فيه نور الإسلام ولا يغيب عن البال 
الشاعر الفحل الآخر. كعب بر" , زهير الذي فر هارباً إلى الطائف فجاءته رسالة أخيه المسلم بجير 


بن زهير يقول فيها : 

من مبلغ كعباً فهل لك في التي 
إلى انت لا العرى ولا اللات وحله 
لدي يوم لا ينجووليس بمفلت 


تلوم عليها باط وهو أحزم 
فتنجوإا كان التجاء وتسلم 


فدين زهبير وهو لا شيء دينه ي سللمى عل حرم 

بلغ كمب الكناب ساقت به الارض وأشفق عل نفسه, وأرجف به من کان في حاضره 
من عدوه وقالوا: هو مقتول. فلم|لم جد من شيء بد قال قصيدته التي بمدح بها رسول الله اة وذكر 
فيها حوفه وإرجاف الوشاة به . ثم حرج حتى قدم المدينة فنزل على رجل كانت بينه وبينه معرفة من 

جهينة؛ كا ذكر لي فغدا إلى رسول الله يقي في صلاة الصبح فصلى مع رسول الله : ثم أشار له إلى 
رسول الله يكل فقال هذا رسول الله فقم إليه فاستأمنه فذّكر لي أنه قام إلى رسول الله ج فجلس 
إليه ووضع يده في يده وكان رسول الله يلل لا يعرفه فقال؛ 

يا رسول الله إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمن منك تائباً مسلا فهل أنت قابل منه إن 
جئتك به؟ فقال رسول الله هة : نعم . فقال: إذن أنا يا رسول الله كعب بن زهير. 

قال ابن اسحاق : فحدثني عاضم بن عمرو بن قتادة أنه وثب عليه رجل من الانصار فقال : 
يا رسول الله دعني وعدو الله أضرب عنقه؟ فقال رسول الله له : دعه عنك فإنه جاء تابا 


نازعارى , 

وكان مما قاله : 
مهالا هداك الذي أعطاك نافلة القران فيهسا مواعيظ وتفصيل 
١‏ الرسول لور بستضاء به مهسدمسن سيوف الله ملل 


نسوة فريش : وأسلمت هند بنت عتبة» وأم حكيم بئت الحارث امرأة عكرمة بن أي 
جهل. والبغوم ب' بنت المعذّل امرأة صفوان ؛ بن أمية » وفاطمة بنت الوليد بن المغيرة. وهلكل دلت مه 


ابن الحجاج ام عبد الله بن عمرو بن العاص في عشرة نسوة من قريش. فأتين رسول الله فة 
بالأبطح » وعنده زوجتاه وفاطمة ابنته» في نساء من نساء بني عبدالمطلب, فبايعته ولم تمس يده يد 


)١(‏ البداية والنهاية ج 4 ص 55م 
ب ١58‏ مهس 


امرأة . . (ورؤيت فيهن هند بنت عتبة وهي متلكرة لاجل صنيعها بحمزة فقال رسول الله وله : 
أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئاً. فبايع عمر النساء على أن لا يشركن بالله شيئاً فقال رسول 
الله ند : ولا تسرقن. فقالت هند : إن أبا سيفيان رجل شحيح . فإن أنا أصبت من ماله هنات؟ 
فقال أبو سفيان : وما أصبت فهو لك حلال. فضحك رسول الله َة وعرفها فقال: وإنك هند؟ 
قالت: : نعمء فاعف عا سلف يا نبي الله » عفا الله عنك فقال : ولايزنين. فقالت: أوتزني الحرة؟ 
فقال: ولا يقتلن أولادهن. فقالت: ربيناهم صغارا وقتلتهم بدر كباراً فأنتم وهم أعلم . 
فضحك عمر حتى استلقى . > فتبسم رسول الله ويه فقال: ولا يأتين ببهتان فقالت : والله إن إتيان 
البهتان لقبيح » وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق؛ فقال: ولا يعصينك في معروف فقالت: 
والله ما جلسنا مجلسك هذا وفي أنفسنا أن نعصيك . 

ولا رجعت جعلت تكسر صلمها وتقول: كنا منك في غرور)(). 

ها هي مكة بشيوخحها وشبابها ونسائها وقادتها وشعرائها تدخل في الإسلام ؛ أو في أمان 
رسول الله كية. وحقق النبي عليه الصلاة والسلام هدفه الأكبر بالسبة لقريش: اليوم يوم 
المرحمة» اليوم أعز الله قريشا. 

وكان عزها في دحوها أفواجاً في دين الله » واستطاع الرسول ا . أن يتجنب مجزرة فيها فناء 
قريش كلها من جهة, وأن تدحل قريش كلها في الإسلام . وهذه هي عظمة الحهاد السياسي 
المسلح . الجهاد الذي ينطلق من القوة الضخمة التي تجعل العدو قد أحيط بهء فيستسلم على ضوء 
ذلك. 

وهذا هو الفقه الأكبر للنفوس الذي شهدناه من خلال الفتح الأكبر. والحركة الإسلامية 
التي تحمل لواء الدعوة في سبيل الله . لا بد أن تنتقل إلى الخط المسلح الذي ينع عنما الإبادة من 
العدو ولكن هذا الأمر لا يتم إلا من خلال خحطة متكاملة محددة المراحل» في طبيعة الصراع مع 
الباطل والطاغوت» وقمة انتصارها حين تصبح قرة مرهوبة الجانب» عندئذ يدخل خصومها معها 
في حوار» وينتقلون للاعتراف بها كأمر واقع. وكلما استطاعت أن تتقدم في مضمار القوة أكبر. 
كلها استطاعت أن تسمع صوتها اكز لحب واستطاعت ان تجد الآذان الصاغية ها ولدعوتها. 
ولا يجوز أن تفتنها القوة عن هدفها. بحيث تنسى مهمتها الأولى في أن تكسب الناس جميعاً لهذا 
الدين الخصوم والأصدقاء على السواء . 

ومن الفقه الأكبر كذلك التعرف على نفسيات القيادات والشخصيات الضخمة للعدو. 
بحيث تتجنب أسلوب الإرغام والإذلال لها. لأن هذا الأسلوب سيقود هذه الشخصيات إلى 
الحقد الأسود على الداعية والدعوة. ويوجهها إل الثأر والانتقام من جهة, أو إلى الممالأة والنفاق 


1١880 ب‎ 


ثم الكيد والتأمر في الخفاء من جهة أخرى. 

وعلى الحركة الإسلامية كذلك أن تعير قضية المرأة اهتمامها الكبير. فهند بنت عتبة » أشهر 
الحاقدات في التاريخ » هي التي قادت نسوة قريش الى الإسلام . وبلغ حقدها أن هاجمت 
زوجها ودعت إلى قتله حين دعا إلى الاستسلام» ومع ذلك أمكن تفتيت هذا الحقد إذ تقول 
لرسول الله َة بعد انتهاء البيعة: 

والله يا محمد ما كان على ظهر الارض أحد أحب إل من أن يذل من أهل بيتك وخبائك . 
والله ما عاد على ظهر الأرض أحد أحب إل من أن يعز من أهل بيتك وخبائك . 

فيقول عليه الصلاة والسلام : وأيضاً والذى نفس یمد بيذه(١)‏ 

فلو استطاعت الحركة الإسلامية أن تقئع رائدات الالحراف من النساء بطبيعة هذا الدين 
لأمكن أن يحولن المسار كله نحو الإسلام» والاهتمام بالقيم الكبرى التي تقبع في أعماق القيادات 
وتختفى وراء بعض المظاهر الخادعة . يمكن أن يساهم مساهمة فعالة في تحقيق الهدف العظيم : 


«إذا جاء نصر الله والفتح » ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً» فسبح بحمد ربك 
واستغفره إنه كان تواباه. 


O QO 


)١(‏ البداية والنهاية ج ٤‏ ص ۳٠١۹‏ عن البيهقي بسنده 
٤٦‏ مه 


السمة الثالثة عشي , 
إ نهاء ايوب اوخن ةالمتبقية 


أ هدم الأصنام العربية 


وأقام رسول الله بنا بمكة تسعة عشر يوماً بجدد معالم الإسلام ويرشد الناس إلى الحدى 
والتقى » وخلال هذه الأيام أمرأ با أسيد الخزاعي فجدد أنصاب الحرم . وبث سراياه للدعوة إلى 
الاسلام > ولكسر الأوثان الي كانت حول مكة » فكسرت كلها ونادى مناديه بمكة : من كان 
يؤمن بالله واليو. م الآخر فلا يدع في بيته صناً إلا كسره . 


السرايا والبعوث : ولا اطمأن رسول الله وَل بعد الفتح بعث خالد بن الوليد إلى العزى 
لخمس ليال, بقين من شهر رمضان ( سنة ۸ ه ) ليهدمها . وكانت بنخلة » وكانت لقريش وجي 
بني كنانة . وهي أعظم أصنامهم . وكان سدنتها بني شيبان . فخرج إليها خالد في ثلائين فارسا 

حتى انتهى إليها فهدمها , ولا رجع سأله رسول الله يل : هل رأيت شيئا ؟ قال : لا . قال : 
فإنك لم تهدمها » فارجع إليها فاهدمها . فرجع خالد متغيظاً قد جرد سيفه » فخرجت إليه امرأة 
عريانه سوداء ناشرة الرأس » فجعل السادن يصيح بها . فضربها حالد فجزلها اثنتين ثم رجع إلى 
رسول الله و فأخبره » فقال : نعم » تلك العزى . وقد أيست أن تعبد في بلادكم أبدا . 


۲ ثم بعث عمرو بن العاص في نفس الشهر إلى سواع ليهدمه » وهو صلم مذيل برهاط 
عل ثلاث أميال من مكة , فل| انتهى إليه عمرو قال له السادن : ما تريد ؟ قال : أمرني رسول 
الله چا أن أهدمه , قال : لا تقدر على ذلك » قال : لم؟ قال : تمنع . قال : حتى الآن أنت على 
الباطل ؟ ويك . فهل يسمع أو يبصر ؟ ثم دنا فكسره » وأمر أصحابه فهدموا بيت خزانته فلم 
يمدوا فيه شيئا ثم قال للسادن : كيف رأيت ؟ قال : أسلمت لله . 


"وق نس الشهر بث سعد بن زيد الأشهل في عشرين فسا إل مثا وكات باشلل 
عند قديد للاوس والخزرج وغسان وغيرهم . فلما انتهى سعد إليها قال له سادنها : ما تريد ؟ قال 
: هدم مناة . قال : أنت وذاك » فأقبل إليها سعد » وخحرجت امرأة عريانة سوداء ثائرة الرأس » 
تدعو بالويل » وتضرب صدرها . فقال لها السادن : مناة دونك بعض عصاتك . فضرما سعد 
فقتلها . وأقبل إلى الصلم فهدمه وكسره . ول يجدوا في خزانته شيئاً ٠)‏ . 


١ (‏ ) الرحيق المختوم للمباركفوري ص 47١‏ 
- 547 


- ولا رجع خالد بن الوليد منهدم العزى ( بعثه رسول اله لا إلى بني جذية داعيا وم يعن 
مقاتلاً ومعه قبائل من العرب . فوطثوا بني جذيمة . فلما ره القوم أخذوا السلاح » فقال خالد : 
ضعوا السلاح ع > فإن الناس قد أسلموا . فليا وضعوا السلاح أمر بهم حالد عند ذلك : فكتفوا ؛ 
ثم عرضهم على السيف . فقتل من قتل منهم . فلم انتهى الخبر إلى رسول الله وَل رفع يديه إلى 
السماء » ثم قال : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد . . ثم دعا رسول الله ل علي بن 
أبي طالب رضوان الله عليه فقال : يا علي اتخرج إلى هؤلاء القوم . فانظر في أمرهم » واجعل أمر 
الجاهلية تحت قدميك . فخرج عل حتى جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله يل . فودى لهم 
الدماء وما أصيب لحم من الأموال » حتى إنه ليدي ميلغة(» الكلب . حتى إذا لم يبق شيء من دم 
أو مال إلا وداه » بقيت معه بقية من المال » فقال لحم علي رضوان الله عليه حين فرغ منم : هل 
بقي لكم بقية من دم أومال, لم يود لكم ؟ قالوا : لا . قال : فإني أعطيكم هذه البقية من هذا المال 
احتياطاً لرسول الله ييه ما يعلم ولا تعلمون . ففعل ثم رجع إلى رسول الله و فأخخبره الخبر : 
فقال أصبت وأحسنت ثم قام رسول الله اة فاستقبل القبلة قائ شاهراً يديه حتى إنه ليرى ما تحت 
منكبيه » يقول : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد ثلاث مرات . وقد قال بعض من 
يعذر خالدا إنه قال : ما قاتلت حتى أمرني بذلك عبد الله بن حذافة السهمي وقال : إن رسول الله 
كد أمرك أن تقاتلهم لامتناعهم عن الإسلام ." 


قال ابن اسحاق : وقد كان جحدم قال لهم حين وضعوا السلاح ورأى ما يصئم خالد ببنى 
جذيمة : يا بني جذيمة ضاع الضرب » قد كنت حذرتكم ما وقعتم فيه . قد كان بين خالد وبين 
عبد الرحمن بن عوف فيا بلغني كلام في ذلك . فقال له عبد الرحمن بن عوف : عملت بأمر 
الجاهلية في الإسلام . فقال : إنما ثارت بأبيك > فقال له عبد الرحمن بن عوف : كذبت » قد 
قتلت قاتل أي . ولكنك ثارت بعمك الفاكه ر بن المغيرة » حتى كان بينهها شر . فبلغ ذلك رسول 
الله يلك فقال : مهلا يا خالد دع أصحابي » فوالله لو كان لك أحد ذهب ثم انفقته في سبيل الله ما 
أدركت غدوة رجل من أصحابي أو روحته )3) . 


ه ‏ هدم اللات : فلما فرغوا من أمرهم » وتوجهوا إلى بلادهم راجعين » بعث رسول الله تله 
معهم أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة » في هدم الطاغية » فخرجا مع القوم » حتى إذا قدموا 
الطائف أراد المغيرة بن شعبة أن يقدّم أبا سفيان » فأبى ذلك أبو سفيان عليه وقال : أدخخل أنت على 
قومك وأقام أبو سفيان بماله بذي المهدم فلا دحل المغيرة بن شعية 


(۲ ) السيرة لابن اسحاق ج ٤‏ ص ©141١‏ | ے رع 


علاها يضرا بالمعول؛ وقام قومه دونه - بلو معتبا ۔ حشية أن يرمي أو يصاب كا أصيب عروة» 
وخرج نساء ثقيف حسّراً يبكين عليها ويقلن : 


لتبكين دفْاع 2 أسلمها الرضاع ل يحسنوا المصاعرم 
ويقول أبو سفيان والمغيرة يضربها بالفأس : واهاً لك« . 


كانت الخطوة الأولى بعل هدم الأصنام بالكعبة هو أن تلاحق الأصنام ٤‏ الأرض العربية 
كلها وكان هبل الصئم الأعظم بمكة قد تحطم على يدي الرسول و . 


«أفرأيتم اللات والعزى , ومناة الثالثة الأخرى » ألكم الذكروله الأنثى . تلك إذأً قسمة 
ضيزى 5#" . 


ولقد ارتبطت قدسية البيت الحرام ارتباطا وثيقاً بقدسية الأصنام . ولم يكن العربي بعد الله 
تعالى يحلف بصنم إلا باللات والعزى 


وإن كان تأحر اللات بالهدم عن العزى ومناة كان مرتبطاً بكسر شوكة ثقيف . غير أن 
العرى كانت أول المقدسات العربية تحطيم] بعد أصنام الكعبة . وتلتها مناة بعد ذلك . 


وكانت الخطة النبوية أن قرم قائدا الفرسان في مكة بيه الهم ؛ خالد وعمرو ما ا 


ولحالد وعمرو للملمات والمهمات الخاطفة الفدائية . ومن أجل ذلك 1 يكن معهما إلا 
بضعة وعشرين فارسا من فرسان المسلمين › ونجحت المهمتان نجاحاً عظيً رغم المظاهرة العنيفة 


من العزى ومناة التي تظهر من تلك المرأة العارية السوداء الناشرة شعرها ٠‏ وكان لتحطيم الصنم » 
ومقتل المرأة وتهدم بيت السدانة أثر ضخم ف افمحلال قدسية هذه الأصنام . وكانت الآثار 
اس بابي ات 


)١(‏ الماع : المضاربة بالسيوف 


. 41 السيرة لابن هشام ج 4 من‎ )١( 
سورة النجم : 19 ؟؟‎ ) ۴( 


- ١45 


الإعلامية هذه الأحداث . أن إجتنت جذور الوثنية وزلزلت أركانها من القواعد . 


لكننا نلحظ أن مناة كانت من نصيب سعد بن زيد الأشهلي رضي الله عنه ولم تكن من 
نصيب خالد وعمرو وسبب ذلك أن مناة هي المقدسة عند الأوس والخزرح . فلا بد أن يبدمها 
واحد من الأوس والخزرج کا كانت العزى من مقدسات قريش فكان هدمها على يد خالد ولا 
يبعد أن تكون سواع مقدسة عند قوم عمرو أو أقاربه » ومن أجل هذا كلف بهذه المهمة > أولعلها 
من المقدسات عند قريش كذلك . 


وهو تخطيط نبوي واضح . أن يحظم الصنم ممن كانوا يولونه القداسة والعبادة أكثر من غيرهم ؛ 
وهكذا نلحظ أن الذي هدم اللات فيا بعد صلم ثقيف ‏ هو المغيرة بن شعبة الثقفي . وترافق 
هذا الهدم مع التوجيهات النبوية العامة في مكة وحوها ' 


(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صن إلا كسره) 


وليس هذا أمرأ سهلا في الحقيقة فهذه الخطوة من حيث الضخامة والخطورة تقارب فتح 
مكة وتحطيم تلك الآلحة المدعاة . ثم تحطيم تلك الأصنام التي تملأ البيوت العربية . تعني هذه 
العبادة وقد استطاع الإسلام حقا في هذه الخطوات أن ببزم الجاهلية في أقل عدد من الخسائر فى 
الأموال والأرواح ‏ والتي كان بالإمكان أن ترافقها المذابح الجماعية في الأرض العربية . 


ولا بد هنا من المقارنة بين خطين كبيرين في العمل الإسلامي في هذه المرحلة . 

هذان الخطان هما : تحطيم الأصنام » وتحطيم الأشخاص . 

فبمقدار ما حرص رسول الله ية على الحفاظ على الأشخاص . مهما كانت مسشويات 
محاربتهم للإسلام » ومستويات عقائدهم الوثئية . حرص رسول الله ية على تحطيم كل أثر من 
اثار الوثنية . حتى ولو كان الصنم الصغير التافة في البيت . 

ول نجد في هذه القضية إطلاقاً مراعاة للنفوس التي قد تثور أو تحقد أو تغضب أو ترتد حين 

وما أحوج الدعاة إلى التفريق بين الخطين حى في مرحلة القمة » مرحلة الفتيح الأكبر 


١6١٠ _ 


والنصر المبين إننا في لحظة الانفعالات العاطفية . والخط الدعوي الإعلامي كثيرا ما نستعمل هذه 
امقولة والأشخاص الطغاة الذين يحكمون بغير شريعة الله أصنام يجب أن تحطم . 


والطغاة حين يصرون على الكفر لا بد أن يسقطوا أو يحطموا . هذا لا شك فيه . لكن 
عظمة الإسلام هوي الاغتيال النفسي شؤلاء الطغاة وإعادة تركيبهم من جديد على ضوء الإسلام 
فتكون معادلة البناء سهلة في هذا المجال ونحن حين نغزو قلوب عظاء الرجال . ونحتلها ذا 
الإسلام العظيم › نكون قد قطعنا شوطأ كبيرا في جال الدعوة من خلال البنيان القبلي والعشائري | 
الذي يجعل للقبيلة الدور الضخم في شرائح الجهاد الإسلامي . 


فخالد بن الوليد الذي حم العزى كان في مرحلة من المراحل من طواغيت مكة . وكان 
صنأ يجب أن يحطم على حد مقولتنا الإعلامية العاطفية لكن عظمة الإسلام أن 
جعلت منه الأداة الي حطمت العزى في الأرض العربية وقل هذا القول بالنسبة لعمروبن العاص 
رضي الله عنه الذي كان أحد طواغيت مكة الكبار . وتم على يديه هدم سواع . وكان من الممكن 
أن يكون هدف تحطيمه معركة طاحنة . وقل مثل ذلك بالنسبة لأبي سفيان رضي الله عنه الذي 
كان أكبر الطواغيت في مكة . فلقد كان هدفاً بحد ذاته . ولطالما بعث رسول الله اة من يغتاله » 
وشاءت إرادة الله تعالى أن لا ينجح مشروع اغتياله . وبالتالي يدخل ضمن مخطط الهدى النبوي › 
فيكون الأداة بعد أشهر فقط في هدم اللات مع المغيرة بن شعبة . 


إنها نقلة ضخمة في عالم العظام أن تسيريهم برفق وبعبقريةمن الجاهلية إلى الإسلام وتحوهم 
من هدف للتحطيم إلى أداة تحطم بها معالم الكفر. وبالتالي تفقه الحركة الإسلامية الفرق بين 
الخطين المذكورين . وبمقدار ما تراعى أعماق النفس الإنسانية . وتستلم مفتاحها وتوجد الهزة 
الشعورية التي تنقلها إلى حظيرة الإسلام . بمقدار ما ترمي وراء ظهرك هذه المشاعر جميعا عند بناء 
العقيدة وتبديم معالم الكفر » وعدم إعطاء أي وزن لغضب النفوس من جراء تحطيم معالم الجاهلية 
وكان أقصى حد من التساهل في هذا المجال هو أن يعفي رسول الله و القوم من هدم أصنامهم 
بيدهم » دون أن يكون تأجيل المدم موضع مساومة » وأنت قادر على ذلك . 


لكن هذا لا يمنع أبدأ من القول : إن هذا المبدأ لم يكن هو المبدأ السائد ني كل المراحل 
ونستطيع أن نلاحظ الموقف من الأصنام إنه قد مر بمراحل متعددة : 
أولى هله المراحل : يوم نبى الإسلام عن سب هذه الاصنام . وكان هذا في مرحلة البناء 
الأولى في مرحلة تأسيس الدعوة ١‏ 
_ د 5 


« ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم )ر١‏ . 
وهذه المرحلة لا ترتبط بزمن وهي بالنسبة للحركة الإسلامية تمتد طالما أن الحركة الإسلامية 
غير قادرة على مواجهة الكفر بشيء يوم بسب الله تعالى ولا تستطيع أن تحول دون ذلك , 


والثانية في مرحلة تأسيس الدولة : ويختلف الأمر هنا من داخل الدولة إلى خارجها . 
فداخل حدود الدولة الأصل أن تزول معالم الوثنية منها . أما إذا اشترك في سلطانها أكثر من جهة 
فيمكن أن تبقى هذه الأصنام دون أن يشارك المسلمون في تقديسها . فمناة مثا لم هدم قبل فتح 
مكة . وكانت تشترك في تقديسه الأوس والضزرج وغسان. وإذا كان الأوس والخزرج 
قد انتهى تقديسها عندهم بعد الإسلام . لكن اشتراك غسان في تقديسها. وغسان ذات 
شوكة ضخمة » ومرتبطة مع الروم بتحالفات مصيرية . أجلت عملية الهدم إلى فتح مكة . 


والثالئة في مرحلة . تمكين الدولة . ويختلف الأمر في مرجلة التمكين بين حق المشاركة وحق 
السيادة فحق المشاركة الذي قام من خلال معاهدة الحديبية والذي حدد تنفيله بعد عام كامل 
وذلك حيث تختلط معام الوحدانية بمعالم الشرك . وحيث يقدر المسلمون أن يمارسوا شعائر 
الإسلام دون أن يشاركوا في شعائر الشرك . كا هو الأمر في عمرة القضاء . وطاف المسلمون حول 
البيت الحرام . دون أن يحق لهم التدحل في الهة المشركين 


ونلاحظ المرحلية حتى في جال المشاركة إذ تبدأ كا قلت بعد عام من المعاهدة وأما عند حق 
السيادة فالأصل إلغاء الوجود الوثبي كله . مهما كانت النفوس ضعيفة وذلك الموقف الذي نشهده 
الآن بعد فتح مكة . 


ويحضرني من خلال الواقع العمل . قضية الإذاعة . التي عانت منها بعض فصائل الحركة 
الإسلامية المسلحة إذ كانت المصلحة تقتضي فتح صوت إسلامي في هذه الإذاعة يرافقها أصوات 
غير إسلامية تمثل التيار القومي . وكانت المرحلة الأولى لهذه الإذاعة أن استلمت ركنا محدداً بزمن 
محدد تبث منه فكرها الإسلامي دون أن يكون لها علاقة بما تبثه الإذاعة القائمة أما عندما وجدث 
الحركة الأسلامية نفسها مضطرة للاشتراك مع حلفائها بهذا الصوت الإذاعي , تحت راية واحدة 
فكان لا بد لها أن تحافظ على تميزها في بثها امنتشر في الاذاعة كاملة من حيث يظهر التميز في نشيدها 
الذي يمثل فكرها . ولا بد من حطوة ثالية تقتضي . الإشراف على البث كله طالما أنه يبرز تحت 


٠١م الانعام‎ )١( 
35 0۲ 3 


راية واحدة حتى لا يالف الإسلام ف الحدود الممكنة . والدعاة بحاجة إلى فقه هذا التدرج مرحلة 
عقب مرحلة محكومة بالقوة التي تملكها الحركة الإسلامية والقدرة على الانتقال إلى الموقع الأفضل 
مع القوة الأفضل . ونرجىء المرحلة الأخيرة لما بعد سورة براءة . 


وني الحديث عن سرية خالل رضي الله عنه إلى بني جذيمة تبرز معان جديدة متعددة . فمن 
هذه المعاني أن خحالداً رضي الله عنه قد نجح أعظم نجاح بصفته قائداً حربياً في مؤتة وفتح مكة ‏ 
وهدم العزى . نجده فشل فشلا ذريعا بصفته داعية إلى الله تعالى . وطغى الجانب الحري عل 
الجانب الدعوي عنده » وكانت تجربة قاسية له ولا شك وا يمر على إسلامه سئة كاملة وبالتحديد. 
خلال الأشهر الثمانية الأولى من إسلامه . 


لقد كانت بوادر هذا الإندفاع ظاهرة في فتح مكة حيث قائل المشركين . ورسول الله هة قد 
نبى عن القتال > وحوسب على ذلك فقال : (جاءني فلان فأمرني أن أقتل من قدرت 
عليه . فأرسل إليه ألم آمرك؟ قال : أردت أمرأ وأراد الله أمراً فكان أمر الله فوق أمرك وما استطعت 
إلا الذي كان)ر . وفي رواية أنه أقسم ما قاتل حتى قوتل . 


وقبل رسول الله بو عذره 

لكن الخطيئة في بني نجذيمة كانت ضخمة . وذات أثر سيء جداً في الصف العربي الذي 
ينظر الى المسلمين على أنهم القدوة العليا في الأرض» وعلى اختلاف الروايات . فلا نجد رسول 
الله يله هنا يعفر لخالد ٠‏ بل يرفع يديه إلى السماء ء متجهاً إلى القبلة ويقول : اللهم إني أبرأ إليك مما 
صم خالد بن الوليد . (قالها ثلاثاً) . 


وصورة ة الأمر حين ينتشر يعني أن لاعهد للمسلمين مع خصومهم . وأنه ليس أمام هؤلاء 
الخصوم | إلا المقاومة أو الاسلام . ورسول الله چ بعث خالدا داعياً ولم يبعثه مقاتلا ودون الخوض 
في التعليلات التي سبقت واحتلاف الروايات فيها . فمما لا شك فيه أن مقتل الكثير من بني جذيمة 
يخالف التوجيه النبوي مخالفة تامة » واحتمال أن تكون هذه النفوس السبعون أوأكث قد قدلت غلا 
بعد الإسلام هو احتمال قوي, کا تذکر ‏ بعض الروايات الصحيحة والذي يزيد في المسؤولية أن 
هناك من احتج احتجاجاً شديداً على قتلهم . وأهم من احتج على ذلك عبد الله بن عمر» وسالم 
مول أي حذيفة » وعبد الرحمن بن عوف, حتى كاد يكون بينهم شر . وإن كانت بعض الروايات 
تشير إلى أن عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه هو الذي أمر خخالدا بذلك . وكان ألم رسول 
الله ها ألما عظيبا من هذه النتيجة . وحاول أن يستدرك الأمر بعلي رضي الله عنه الذي لحق ببني 
mm‏ کل ا ا ت 


)١(‏ البداية والغهاية ج٤‏ ص۲۹۷ 
2 يريك آذ 5 


جذيمة فأوقف القتل › > ودفع دية جميع القتلى بلا استثناء , وعوض عن جميع الخسائر المادية حى 
ميلغة الكلب . 

ومن هذه المعاني » الدرس القاسي الذي لقنه رسول الله كه عايج لخالد. حين أعلن براءته ما 
عمله على مستوى اللا هذا بالنسبة له . لكن حرص عليه الصلاة والسلام على الحفاظ على ما 
تبقى من الدماء درس آخر علني في تسفيه سلوك خالدٍ وتخطئته على الملا من بني جذية , 

ومن طرف ثالث . وضع خالد رضي الله عنه ضمن حدوده حين يتجاوز على أمثال عبد 
الرحمن بن عوف رضي الله عنه وهو من السابقين الأولين من المهاجرين . 

إن هذه النفسية العظيمة التي كانت تجد المجاد أمامها مجداً بعد مجد . لآ بد لها حين تخطىء 
من أن تُكفكف عن خطئها . وتطامن من كبريائهاء فتبقى هذه التجاوزات محاطة 
بسياج الإسلام يردها عندما تريد الجموح لقد كانت كلمة رسول الله هة لخالد. أقسى من أي 
درس تلقاه في حياته ٠‏ درس في التربية . يتلقاه القائد العظيم . ليتعلم أصول الدعوة وطريقها . 
وذلك حين قال له عليه الصلاة والسلام : دع عنك أصحابي . فلو أنفقت ملء أحد ذهباً ما بلغت 
مد أحدهمولا نصيفه, وفي رواية : ما أدركت غدوة رجل من أصحابي أو روحته . 


كان لا بد لهذه المعاني أن تطرق ذهن القائد العظيم وهو يتلقى دروس التربية في مدرسة 
النبوة . فذكر الغدوة والروحة لا بد من الإشارة إليه » وكل علاقة خالد بالجهاد لم تبلغ بعد ثلاث 
معارك خلال ثمانية أشهر فكيف يغيب عن ذهنه جهاد عشرين عاماً أو تزيد في صحيفة عبد 
الرحمن رضى الله عنه هذا من جهة » ومن جهة ثانية . فلذكر جبل أحد معنى ذو مذاق حاص , لا 
يدرك مذاقة المر مثل خالد بن الوليد رضى الله عنه . فهو بطل أحد, وهو الذي حارب رسول الله 
تة في تلك المعركة في الوقت الذي كان عبد الرحمن بن عوف واحد من خسة يذودون عن رسول 
الله به وناله أكثر من عشرين جراحة . فكيف يستويان؟ 

وفي لوقت الذي كان خالد رضي ال عن حمل عل كتفيه وسام موت وهومن امل الاق 
العسكرية على الإطلاق . لكن هذا لا يعفيه من المسؤولية » ولا يبيح له فتل كثير من المسلمين دون 
ثبت . كان هذا الدرس من أعظم الدروس التربوية الي تلقاها خاد في حيائه رضي الله عن 
فقه منه أن الحرب ليست للحرب . كما هي ال حال في تاريخه العسكري لعشرين عاماً حلت » وفقه 
منه أنه داعية قبل أن يكون قائد حرب متاز, وفهم مه أن استلامه الموقع الأول في القيادة لا يعني 
أن هذا يعطيه حق التعالي على الآخرين؛ أو أنه غدا حيرا منهم . بل لا يحق له أن يقارن نفسه مع 
الجيل الأول من المجاهدين ومع الرعيل الأول منهم . 


ومن المعاني التي تبرز من خلال هذه السرية حركية الرسول ية العجيبة التي جعلته يتدارك 
2 £ 5 


الأمر قبل فوات الأوان . وحين تقارن هذه الحركية مع الحركية القائمة للجماعة الإسلامية يكاد 
يصيبنا الذهول والألم للبون الكبير بينالحركيشين. مع م فر وسائل المواصلات الیرم . وي العمق 
النفسي الذي سلكه رسول الله واحتياره عليأً بالذات بصفته الممثل الشخصي له فهر اخوه 
وابن عمه كي يطمئن الناس إلى الموقف الصحيح الذي عالج الخطأ . ,هذه الحكمة حتى ليدي 
ميلغة الكلب. ويوزع الباقي على بي جذيمة لتثلج صدور الناس . 


من جديد , وتمسح هذه اليد ا حانية تلك المجزرة الضخمة . ولا أدل على التعبير عنها ما رآه 
رسول الله َه في نومه إذ قال : 
ابتلعتها فأدخل عل يده فنزعه . فقال أبو بكر الصديق : يا رسول الله هذه سرية من سراياك 
تبعثها . فيأتيك منها بعض ما تحب » ويكون ني بعضها اعتراض فتبعث علي فيسهله)0) . ولعل 
الشيء الأخطر الذي أنقذه عل رضي الله عنه هر سمعة المسلمين » وذلك حين يتناقل الناس النبأ 
إن المسلمين يغدرون › وإنہم سيل بحون كل من يعاديهم حتى لودخل في الإسلام . فانتشار هلم 
القالة دون أن ينتشر معها ذلك د المباشر الذي يلف الخطأ ويزيل آثاره سوف يقف سداً 


وهذا لدرس يعني أن كرامة الحركة فوق كرامة الأشخاص » وسمعة الدعوة فوق سمعة 
الاشخاص وأن يُشْرّح خط خالد علنا . على ما فيه من قساوة على خالد . هو أمر من مصلحة هذه 
الدعوة التي لا يجوز لما أن تفرط في ذرة من سمعتها على الإطلاق . 

ومن أجل إرضاء النفوس يبذل المال كله؛ ولو تجاوز حدود الصلاحيات المتاحة ضمن 
المدف العام الذي تتحرك القيادة من أجله وهو تطبيب النفوس » وإعادة الثقة فيها من جديد . 

ومن المعاني السابقة المذكورة إلى المعنى الأخير الخطير. هذا المعنى » هو قيمة الداعية 
المجاهد , وقبل أن نمضي بعيداً في هذا المعنى نقف مع هذه اللمحات والمخنطرات في واقع الحركة 
الإسلامية من خلال بعض الأمثلة الي توضح الفرق بين هذا الواقع وبين الأفق الوضيء الذي 
تدعونا السيرة النبوية إليه . 

١‏ ذات مرة وقع أخ من صفوف الحركة الإسلامية أسيراً بيد حليف هذه الحركة . ولخخطأ أو 
همال أو غدر تم تسليم هذا الأخ إلى يد العدو. فادت هذه القضية في صف هذه ا حركة إلى توتر ‏ 


)١(‏ حيس : ان مخلط السمن والتمر والإفط فيؤكل 
(۲) السيرة لابن هشام ج4؛ ص 4758 
6 - 


يحصر الأمر ضمن الخطيثة . بل زعزع ثقة الجنود بكل القيادة . وأشبار بعض المغرضين فيها 
بأصابع الإتهام إلى خط الجماعة كله » ووصمها البعض بالغباء والتواطؤ. ولا شك أن الحاقدين 
تكنوا من إثارة هذا الحو وتعبئة النفوس في هذا المسار. لأن هذا التسليم عرض العديد من 
الشباب للخطر. 


۲ -ألقى أخ مسؤول ذات مرة كلمة حماسية في الاذاعة المخصصة للحركة الإسلامية , فثار 
الشباب المتحمس ضده في اليوم الثاني . واتهمه بأنه يريد أن يذبح أسرى هذه الحركة الموجودين في 
صفوف العدو» وراح الحماس يلعب دوره حتى اتهمه بمسؤوليته عن قتل ستة الاف شهيد نتيجة 
تلك الكلمة المذاعةء علا بأن الشهداء سقطوا قبل هذه الكلمة. وأضحت المطالبة بإقصائه 
ومحاكمته وقتله , 

۳ حدث في الإذاعة التي تشترك بها الحركة الإسلامية أن أخطأ بعض الإخوة وأدحل 
مقطوعة. موسيقية ضمن برنامج إسلامي » فقامت القواعد وام تقعد . متهمة القيادة بالإإنحراف 
عن الإسلام » وبأن هذه القيادة غدت أداة في يد العدو. تبادن في دين الله » وتستحل الحرام » 
وتعلن القواعد فقدان ثقتها النبائية بالقيادة لأن بعض أفرادها مسؤول عن مراقبة البرامج مع عدد 
من الإخوة وقبل هذا الحرام . 

ذكرت هذه النماذج الثلاثة . ولا أقول إن القواعد جميعها تسلك هذا السبيل . إثما يوجد 
بعض الشباب الذين يثيرون هذه الاتهامات وتجد أذئاً صاغية لهذا البهتان. وتضخيم الخطاء 
وتحويله إلى انحراف كامل بالحركة . 

وهذه النماذج الثلاثة أضعها بين يدي حادثة بني جذيمة , وكيف أعمل خالد رضي الله عله 
السيف بالأسرى بعد أن أمنهم أو بعد إعلان إسلامهم رغم المعارضة العنيفة لهذا التصرف من 
كبار المهاجرين . ورأينا خمطورة هذه القضية التي اقتضت إعلان البراءة ما فعله خالد رضي الله 
عنه أمام الصحابة جميعاً ثم كف يده عن القتل بأمر رسول الله بل ودية من تمت إبادتهم . 

خطأ أودى بأرواح سبعين أو أكثر من بني جذيمة وقضوا خطأً بعد إسلامهم , وماذا جرى 
بخالد بعد هذا الدرس النبوي القاسي؟؟ 


لقد بقي خالد رضي الله عنه في مركزه وبعد أقل من عشرين يوما. خاض غزوة حنين» 
وهو بموقفه نفسه قائد خيالة المسلمين . كا يقول المقزيزي : وبقيت سليم كما هي في مقدمة الخيل 
وعليهم خالد بن الوليد:؛) . 


4٠86 امتاع الأسماع ج١ ص‎ )١( 
١61 


فالخ الذي أخطاء ابن الوليد رضي اله عنه» ل بحرقه» وم يقض عليه. > ول يعزله» ول 
ينل من كفاءته وطاقته . إنما أعلن خخطؤه . وسمع التأنيب الضروري » وتلقى الدرس التربوي 
المناسب وتابع مهمته في موقعه نفسه في القيادة دون أن يشهربه. أو 
يستغنى عنه . بل نبى المسلمين بعد الخطأ ذاك من الاسترسال في النقد . وطلب منهم الكف عن 
الحديث في هذا الأمر وقال: (لا تسوا خالداً فإنه سيف من سيوف الله . سله الله على 
المشركين )ر( . 

ونخلص من هذا الدرس الأخحير إلى أن خطأ الأخ سواءً كان في القيادة أو في القاعدة . لا بد 
أن يعالج المعالجة المناسبة » ويحاسب على نخطثه لكن هذا لا يقتضي إسقاطه أو عزله, أو التخلٍ 
عنه والتخلي عن طاقاته وإمكاناته ومواهبه . والجماعة الحكيمة هي التي تحافظ لا على قيادتها 
فحسب بل على أصئر جندي من جنودهاء والفرق كبير جداً جداً بين محاسبة المخطىء في الحدود 
اللازمة وبين الاجهاز عليه ء وما يوم بي جذية بسر . 

ب-غزوة حنين 

الرسول ية يغادر مكة إلى حنين : وني يوم السبت السادس من شهر شوال سنة ۸ه غادر 
رسول الله يه مكة » وكان في إثني عشر ألفاً من المسلمين عشرة آلافب تمن كانوا خرجوا معه لفتح 
مكة, لفان من أهل مكة ‏ وأكثرهم حديثرا عهد بالإسلام ‏ واستعار من صفوان بن مي ما 
درع بأداتها . واستعمل على مكة عتاب بن أسيد . ولا كان عشية جاء فارس فقال ؛ إني طلعت 
جبل كذا وكذاء فإذا أنا ببوازن عن بكرة أبيهم بظعهم ونعمهم وشائهم > فتبسم رسول الله يك 
وقال : تلك غنيمة المسلمين غداً إن شاء الله . وتطوع للحراسة تلك الليلة أنس بن أبي مرئد 
الغنوي . 

ولي طريقهم إلى حنين رأوا سدرة عظيمة حضراء يقال لها ذات أنواط . . كما لهم ذات أنواط 
فقال : الله أكبر .قلتم -والذي نفسي بيده-كا قال قوم موسى : اجعل لنا هأ كا لهم آلة , قال : 
إنكم قوم تجهلون . إنها السئن » لتركبن سنن من كان قبلكم . وقد كان بعضهم قال : نظراً إلى 
كثرة الجيش : لن نغلب اليوم . وكان قد شق ذلك على رسول الله وَل . 

الجيش الإسلامي يباغت الرماة والمهاجرين : إنتهى الجيش الإسلامي إلى حنين ليلة 
اللا ل ر رال وا مالك ب حرف قد تھے ادس جيه بلي ف ذلك 
الوادي » وفرق كمناءه في الطرق والمداحل . والشعاب والأخباء والمضايق . وأصدر إليهم أمره بأن 
يرشقوا المسلمين أول ما طلعواء ويشدوا شدة رجل واحد. 


4٠١ امتاع الاسماع ج١ ص‎ )١( 
1١6 د‎ 


وبالسحر عا رسول الله ي جيشه › وعقد الألوية والرايات , وفرقها على الناس » رفي 
عملية الصبح استقبل المسلمون وادي حنين» وشرعوا يلحدرون فيه » وهم لا یدرون بوجود 
كمناء العدو في مضايق هذا الوادي . فبينا هم ينحطون إذا تمطر عليهم النبالء > وإذا كتائب العدو 
قد شدت عليهم شدة رجل واحد . فانشمر المسلمون راجعين, لا يلوي أحد على أحد» وكانت 
هزية منكرة . . وانحاز رسول الله لو جهة اليمين وهو يقول : هلموا إل أيها الناس» أنا رسول 
له آنا محمد بن عبدالله, ول ببق معه في موتفه إلا عدد قلبل من الهاجرين وأهل بيته حي 
ظهرت شجاعة النبي كَل التي لا نظير لها فقد طفق يركز بغلته بل الكفار وهو يقول : أنا النبي لا 
كذب أنا ابن عبد المطلب . 

بيد أن أبا سفيان بن ا حارث كان أخذاً بلجام , بغلته والعباس بركابه يكفانها أن لا تسرع ثم 
نزل رسول الله يله فاستنصر ربه قائلاً :.اللهم أنزل نصرك . 

رجوع المسلمين واحتدام المعركة : وأمر رسول الله ية عمه العباس وكان جهير الصوت أن 
ينادي الصحابة قال العباس : فقلت بأعلى صوتي : أين أصحاب السمرة؟ قال : فوالله لكأن 
عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها . فقالوا : يا لبيك يا لبيك , ويذهب الرجل 
ليئني بعيره.فلا يقدر عليه فيأحذ عليه درعه . فيقذفها في علقه . ويأخل سيفه وئرسه » ويقتحم 
عن بعيره؛ ويخلي سبيله » فيؤم الصوت حتى إذا اجتمع إليه ماثة استقبلوا الناس واقتتلوا , 

وصرفت الدعوة إلى الأنصار» يا معشر الأنصار يا معشر الأنصار؛ ثم قصرت الدعوة في 
ببي الحارث بن الخزرج ؛ وتلاحقت كتائب المسلمين واحدة تلو الأحرى كا كانوا تركوا الموقعة . 
وتجالد الفريقان مجالدة شديدة. ونظر رسول الله يلل إلى ساحة القتال. وقد استحر واحتدم » 
فقال : الآن مي الوطيس . ثم أخذ رسول الله بو قبضة من تراب الأرض » فرمى مها في وجوه 
القوم : وقال : شاهت الوجوه . فا حلت الله إنساناً إ إلا ملا عينيه تراباً من تلك القبضة فلم بزل 
حدهم کلیلا» وأمرهم مدبراً. 

انكسار حدة العدوء وهريمته الساحقة : وما هي إلا ساعات قلاثل ‏ بعد رمي القيضة ‏ 

حتى انبزم العدو هزيمة منكرة وقتل من ثقيف وحدهم لحو السبعين» وحاز المسلمون ما كان على 
العدو من مال وسلاح وظعن . وهذا هو التطور الذي أشار اليه سبحاله وتعالى في قوله : (ويوم 
حنين إذ أعجبتكم كثرتكم . فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض با رحبت ثم وليتم 
مدبرين؛ ثم أنزل الله سكيئته على رسوله وعلى المؤمئين . وأنزل جنوداً لم تروهاء وعذَّب الذين 
كفروا وذلك جزاء الكافرين) . 


حركة المطاردة : ولا انبزم العدو صارت طائفة منهم إلى الطائف؛ وطائفة إلى نخلة, 
١68 _‏ ب 


وطائفة إلى أوطاس » فأرسل النبي هة إلى أوطاس طائفة من المطاردين يقودهم أبو عامر 
الاشعري ء فناوش الفريقان القتال فليلا » ثم ابزم جيش المشركين, وني هذه المناوشة ثل القائد 
أبو عامر الأشعري . وطاردت طائفة أخرى من فرسان المسلمين فلول المشركين الذين سلكوا 
نخلة .'فأدركت دريد بن الصمة فقتله ربيعة بن رفيع . وأما معظم فلول المشركين الذين لجؤوا الى 
الطائف فتوجه إليهم رسول الله يك بنفسه بعد أن جمع الغنائم . 

الغنائم : وكانت الغنائم : السبي ثلاثة آلاف رأس» والابل اربعة وعشرون ألفا والغنم 
أكثر من أربعين ألف شاةء وأربعة ألاف أوقية فضة, أمر رسول الله هة بجمعها ثم حبسها 
بالحعرانة » وجعل عليها مسعود بن عمرو الغفاري . ولم يفسمها حتى فرغ من غزوة الطائف . 
وكانت في السبي الشيماء بنت الحارث السعدية ‏ أخخت رسول الله ية من الرضاعة فلا جيء بها 
إلى رسول الله يله عرفت نفسها فعرفها بعلامة فأكرمهاء وبسط هما رداءه وأجلسها عليه؛ ثم من 
عليهاء ورذها إلى قومها . 

غز وة الطائف : وهذه الغزوة في الحقيقة امتداد لغزوة حنين » وذلك أن معظم فلول هوازن 
وثقيف دلوا الطائف مع القائد العام-مالك بن عوف النصري _ وتحصنوا بباء فسار اليهم رسولالله 
اة بعد فراغه من حنين وع الغنئم بالمعراة في ننس الور شرل لف ارود كن 
الوليد على مقدمته طليعة من ألف رجل , ثم سلك رسول الله با إلى الطائف فمر في طريقه على 
الدخلة اليمانية, ثم قرن المنازل » ثم على لية» وكان هناك حصن لالك بن عوف فأمر بهدمه ثم 
واصل سيره حتى انتهى إلى الطائف . فنزل قريباً من حصنه ؛ وعسكر هنا وفرض الحصار عل 
أهل الحصن ودام الحصار مدة غير قليلة ففي رواية أنس عند مسلم أن مدة حصارهم كانت 
أربعين يوماً, وعند أهل السبر خلاف في ذلك فقيل عشرين يوماًء وقيل بضعة عشر» وقيل ثمانية 
عشر » وقيل خمسة عشر , ووقعت في هذه المدة مراماة ومقاذفات . فالمسلمون أول ما فرضوا 
الحصار رماهم اهل الحصن رمیا شديداً كأنه رجل جراد حتى أصيب ناس من المسلمين بجراحة ؛ 
وقتل منهم اثنا عشر رجلا واضطروا الى الارتفاع عن معسكرهم إلى مسجد الطائف اليوم . 
فمسكروا هناك . 

ونصب النبي ول لمنجنيق على أهل الطائف, وقذف به القذائف , حى وتعت شرح في 
جدار الحصن . فدخل لفر من المسلمين تحت دبابة » ودخلوا بها إلى الجدار ليخرقوه . فأرسل 
عليهم العدو سكك الحديد المحماة فخرجوا من تحتهاء فرموهم بالنبل » وقتلوا منهم رجالا . 

وأمر رسول الله يي كجزء من سياسة الحرب لإلجاء العدو الى الاستسلام ‏ أمر بقطع 
الأعناب وتحريقهاء فقطعها المسلمون قطعا ذريعاًء فسالته ثقيف أن يدعها لله والرحم . فتركها لله 
والرحم . ونادى مناديه كَل : أيما عبد نزل من الحصن ٠»‏ وتخرج الينا فهو حر» فخرج اليهم ثلاثة 

ل 9ه 


وعشرون رجلا فيهم أبوبكر ‏ تسور حصن الطائف وتدلى مله ببكرة مستديرة يستقي عليها. فكناه 
رسول الله بل أبا بكة. فأعتقهم رسول الله يله ودفع كل رجل منهم الى رجل من المسلمين يمونه . 
فشق ذلك على أهل الحصن مشقة شديدة» ولا طال الحصار واس ستعصى الختصن. وأصيب 
المسلمون بما أصيبوا من رشق النبال» وبسلك الحديد المحماةق وكان أهل الحصن قد أعدو فيه ما 
يكفيهم لحصار سنة ‏ استشار رسول الله ية نوفل بن معاوية الدولي فقال: هم علب في حجر 
ان أقمت عليه أخذته وإن تركته لم يغيرك؛ وحيلكل عزم رسول الله باز على رفع الحصار 
والرحيل» فأمر عمر بن الخطاب فان في الئاس : إنا قافلون غداً إن شاء الله تل عليهم وقالواء 
نذهب دا نفتحه؟ فقال رسول الله ل : : أغدوا عل القتال» فغدوا فأصابهم جراح فقال: 
قافلون غداً إن شاء الله » فسروا بذلك وأذعنواء فجعلوا يرحلون . رش 
ولا ارتحلوا واستقلوا قال : قالوا: ايبون تاثبون , لربنا حامدون . 

وقيل يا رسول الله ادع على ثقيف, فقال: اللهم اهد ثقيفاً وثت بهم . 

وفد ثقيف : كانت وفادتهم في رمضان سنة ٩‏ بعد مرجع رسول الله بها من تبوك. 

وفد هوازن : وبعد توزيع الغنائم اقبل وفد هوازن مسلا وهم أربعة عشر رجلا 

لم يكن يكفي سقوط معقل الوئنية ‏ مكة لانتهاء المقاومة المسلحة. فالقبائل المجاورة من 
هوازن وثقيف لا تزال مركز قوة ضخم » وتشكل خطرا على الوجود الاسلامي كله . ومن أجل هذا 
كانت خطة النبي و تتجه الى [نهاء كل الجيوب الوثنية التبقية » وهي ذات قوة ضارية فعالة . 

وحيث ان التربية جز اساسي من حياة الفرد المسلم والجماعة المسلمة؛ وحيث ال هذا 
التجمع الجديد الذي وصل تعداده الى اثني عشر الف مقائل» ,لم تنح له فرصة التميص المناسبة . 
لصون الع يدا ات شو لك يعني ا كا ميش الذي يزيد في 

لقد أثر هذا الحشد ند اشح عل اعسات المىسلىين» 0 هذه الأعداد المائلةء فيقول 
قائلهم : لن نغلب اليوم أويقول عليه الصلاة والسلام : لن يغلب اثلا عشر ألف عن قلة . فالامر 
في النتيجة واحد . هو أن التجمع الذي لا تصهره التربية . يصعب عليه أن ينتصر, وهذا مانزل 
بالمسلمين يوم حنين . 

(لقد نصركم الله في مواطن كثيرة » ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيا 
وضاقت عليكم الأرض با رحبت . ثم وليتم مدبرين)(0) . 
)١(‏ سورة الثوبة : ۲٠‏ 


۰ا 5 


وفي لحظة من لحظات الضعف البشري بالاعتماد على الأسباب المادية والثقة بهاء يأني 
التأديب الرباني لينال الجماعة المسلمة كلها وهذا التأديب يتناسب مع طبيعة الخطأ الذى تخطئه 
هذه المجموعة . ْ 


ومن خلال المحئة والإبتلاء . يتم انصهار هذا التجمع ليتحول إلى جماعة . 

وكان الابتلاء الرباني في هذه المعركة ذي محورين . 

المحور الأول في الضراء . حيث كانت هزيمة حنين الأول » وعدم نجاح حصار الطائف . 
المحور الثاني في السراء . وذلك من خلال غنائم حلين , 


فلقد أعد المسلمون من الأسباب المادية ما يفوق الإعداد في أية معركة . وكان قوام الجيش 
إثي عشر ألفا . وكانت الأسلحة متوفرة كذلك, ومن أحدث أنواع الأسلحة . كان رسول الله ين 
قد غنمها من اليهود في خيبر. فقد كان عند المسلمين المنجنيق والدبابة ولأول مرة في تاريخ 
حرويهم کانوا يمتلكون ذلك . واستعار رسول الله هة مائة درع من صفوان بن أمية . 


هذا من حيث الاعداد المادي . الذي'لم يسبق له مثيل في تاريخ الجيوش الإسلامية لكن 
هلا التجمع الإاسلامي لا يزال في صفوفه الكثير ممن دحل في الاسلام وهو في قمة النصر. ورأى 
أن المسير في الاتجاه الإسلامي يعني نصرا مستمرا وغئائم ضخمة . فكان لا بد من هزة حنون . 


وبعث رسول الله هة استطلاعه الحيد قبل المعركة . وشاءت إرادة الله تعالى أن لا يرى ذلك 


وحين يقرأ المسلم أحداث هذه المعركة يذهله الخبر. فالمجوم المباغت من هوازن أفقد 
الجيش المسلم كله توازنه» حتى القاعدة الصلبة. فقدت توازشاء ولاذت بالفرار من هول 
المفاجأة. ولم يسبق لهذه القاعدة الصلية أن اهتزت هذا الاهتزاز ني تاريخها كله إلا يوم أحد. 


/ ومع هول المفاجأة. فر الجيش الإسلامي كله ولم يثبت مع رسول الله ب إلا بضعة عشر 
رجلا وكانوا فريقين: 
الفريق الأول: أقرباؤه الأدئين. العباس بن عبدالمطلب. والفضل بن العباس وربيعة بن 


- 115١ 


وهذله تماذج جديدة على الساحة ورغم دخوها الجديد في الإسلام ؛ لکنا لم تتراجم خطوة 


الفريق الثانٍي: وهم الخميرة الأولى للدعوة. أبو بكر» عمرء عثمان, علي» أبو دجانة. 

کا برز فريق ثالث من الشباب هما: أيمن بن عبيد الخزرجي » وأسامة بن زيد رضي الله 
عنهما . 

ورز فريق رابع من النساء هن : أم سليم بنت ملحان» هي يومئذ حامل بولدها عبدالله بن 
أي طلحة؛ وأم عمارة بنت كعب, وأم سليط وأم الحارث . 


ولا يبعد أن يكون هناك قتال ضار في مكان ار . غير أن هذه المجموعة الفدائية بقبت حول 
رسول الله ب . 


وحين يكون الصف المسلم فيه من يفكر بقتل رسول الله يقة. يعني أن التربية لم تشمله 
كله بعد. ويحدثنا أحد المغامرين شيبة بن عثمان بن أبي طلحة. عن هذه اللحظات من الأزمة 
فيقول: رلا رأيت النبي به غرا مكة فظفر بها وخرج إلى هوازن. قلت: أخرج لعلي أدرك ثأري . 
وذكرت قتل أبي يوم أحد وعمي . فلا انبزم أصحابه جئته عن يمينه . فإذا العباس قائم عليه درع 
بيضاء كالفضة , فقلت» عمه! لن يخذله! ثم جئته عن ساره » فإذا بأبي سفيان بن الحارث فقلت: 
ابن عمه لن يخذله. فجئته من خلفه» فلم يبق إلا أن أسورهرم بالسيف إذ رفع لي فيا بيني وبينه 
شواظ من النار كأنه برقن وخفت أن يمحشني). فوضعت يدي عل بصري 
ومشبت القهقرى فالتفت إلي وقال: يا شيب! أدن مني ! فوضع يده على صدري وقال: اللهم 
اذهب عنه الشيطان. فرفعت رأسي إليه وهو أحب إلي من سمعي وبصري وقلبي ثم قال : 

يا شيب قاتل الكفار! فتقدمت بين يديه أحب والله أقيه بنفسي كل شيء. فلا انہزت 


هوازن ودخلتٌ عليه. فقال: الحمد لله الذي أراد بك خيراً مما أردت ثم حدثني ا ممت به). 


وهذه الظاهرة التي حالت دون شيبة وقتله للنبي يز كانت ظاهرة عامة . فلم تر هوازن أن 
الجيش الاسلامي قد فر وم يبق منه إلا بضعة عشر, لقد جاء المدد الإلهي مباشرة . ونزلت الملائكة 


(1) تسور الحائط : علاه يريد أنه لم يبق شيء إلا أن ارتفع إليه فأعلوه فآخذه بالسيف 
(۲) محشته الثار: أحرقت جلده حتى يبدو العظم 
سف امتاع الأسماع: ج ١‏ صض ١٠١‏ 


١1١5‏ ب 


بعمائمها الحمر تسد الأفق بين الأرض والسماء . 
(ثم أنزل الله سکینته عليه وأيده بجنود لم تروها) . 


وكانت المرحلة الثانية من المعركة هي النداء الخالد للعصبة المؤمنة : يا أصحاب سورة 
البقرة. كان النداء إلى السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار. فبدأت الأفراد تفد إلى ساحة 
المعركة. حتى بلغت المائة. ويقال إن المائة الصابرة يومئذ ثلاثة وثلاثون من المهاجرين وسبعة 
وستون من الأنصار. 

ثم خصص رسول الله اة في المرحلة الثالثة : يا معشر الأنصار» يا أصحاب السمرة (فنادى 
العباس بذلك وكان رجلا صيتاً فأقبلوا كأ نهم الإبل إذا حنت إلى أولادها يقولون: يا لبيك يا 
لبيك : فأشرف رسول الله يق كلمتطاول في ركاه فنظر فنظر إلى قتاهم وقال : الآن حي الوطيس, ثم 
أحذ بيده من الحصاء فرماهم بها وهو يقول: شاهت الوجوه ثم لا ينصرون لم قال: ازم 
ورب الكعية . فا زال أمرهم مدبراً وامبزموا)رام 

وكانت هذه المراحل المتلاحقة بسرعة. تحدد مراحل المعركة. وتثبت الإيمان في قلوب 
ضعاف الإيمان. فلو استشينا تلك القاعدة الصلبة التي تبلغ الألفين من المسلمين . لرأينا أن العمود 
الفقري من الجيش وهو من حديشي العهد بالإسلام كان لا بد أن يرى هذه العجزة ة الإهية بأم 
عینه» ويرى نصر الله تعالى لنبيه؛ ويرى ثبات هذا النبى وحده وبضعة عشر نفراً وهو يقول: 
ائ ا النبسي لاك سسساب ألا ابن عبدالطل سب 


ولقد كان هذا التحدي مثلجا لصدور العصبة الصغيرة حولهم. فحوالي ثلثهم من بني 
عبد المطلب الذين ثبتوا معه . وکانوا بالأمس يحاربونه ويبجونه ويقاومونه. 


ولا بد أن يطرق هذا المعنى . أذهان الشباب المسلم ويتسع بأفقه بعيدأ. ويعترف بقوة رابطة 
النسب إلى جوار رابطة العقيدة. حين يرى أبا سفيان بن الحارث وأخاه ربيعة والعباس وابنه. 
وعلى بن أبي طالب . وهذا يعنى الاستفادة من روابط النسب وغيرها إلى جوار رابطة العقيدة وتحث 
ظلها ورايتهاء وأكدت هذه المعركة كذلك. أن الصف المسلم سيبقى في سحن متتابعة حتى يتم 
انصهاره وتلا حمه؛ وأن النصر بيد الله تعالى يؤتيه من يشاء وأن الاعجاب النفسى بالقوة والطاقة 
قمين بالمحئة القاسية لتعديل هذه النظرة وتغييرها حتى يتطامن ذلك الإعجاب ويخضع صاحبه لله 
رب العالمين, 

وكانت المحنة الثانية العنيفة التي واجهها الجيش المسلم هي حصار الطائف الذي استمر 


1١7 ص‎ ١ امتاع الأسماع ح‎ )١( 


~~ 1۳ 


أربعين يومأ على ما تقوله روايات الإمام مسلم عن أنس رضي الله عنه . واستمرار هذا الحصار 
لثقيف التي لا تقل عزة ومنعة عن قريش . كان درساً جديداً لهذا اليش كذلك, لأن نصر حنين 
بغري » فلم يكن بد لهم أن يتحملوا مسؤولية الحصار الطويل ويجربوا الالتزام والانضباط, هلا 
من جهة ومن جهة ثانية لا بدأن يشعروا أن النصر ليس دائ حليف المسلمين, فلئن لم يتأخر نصر 
حنين ساعات . فنصر الطائف لم يتم إلا بعد شهور. ولأول مرة في تاريخ اليش الإسلامي كذلك 
يتم انسحابه دون تحقيق هدفه. وعظم ذلك على القاعدة الصلبة المؤمنة. حين تلقوا أوامر 
الانسحاب. فأمرهم رسول الله يق بالقتال في اليوم الثاني. فخرجوا مشمرين نشيطين. غير أن 
سكك الحديد المحماة؛ والسهام ومطر الثبل عليهم. أدت إلى أن أثخن تخنتهم الجراح. وحين جاء 
لامر في اليم الثاني فسروا له وبشوا به. وضحك القائد المظيم عليه الصادة وال" 

ولا بد أن تكون التجربة من القيادة حية حين ترى تلكأ في تنفيذ أوامرها وتعالج هذه 
النفوس الصعية من خلال التجربة الحية » حين تزداد قناعة الحنود بقيادتهم . 

إن عملية بناء الجماعة ورص الصف هي من أشق العمليات, وقد تواجه القيادة أحياناً 
بخلل حتى في الصفوة المختارة. والقاعدة الصلبة » سواء في الجزع والحلع من المواقف أو بالصورة 
المعاكسة في التبرم من التريث والصبر. والأمر الذي لا يلام ناف القلب لا يكن أن ير 
ثمرته . ولو أدى الحرص على الإقناع فيه الخسائر في الأموال والأرواح بقدر. 


لكن كيف انتهت هذه الجيوب الوثئية الضخمة : هوزان وثقيف . 


إذ أن هوازن قد أمعنت في اسرب وطوردت من المسلمين. لكنها لم تدخل حظيرة 
الإسلام , وثقيف تمنعت وتأبت» وانصرف المسلمون عنها وفكوا الحصار دون شروط. 


بقي دور الجهاد السياسي » واستغلال كل الظروف لتفتيت الحقد النفسى , كى تفىء هذه 
التفوس إلى الإسلام. 0 0 
يقول ابن اسحاق: ثم أن وفد هوازن بالجعرانة أتوا رسول الله هه وقد أسلموا فقال : يا رسول 
الله » إنا أصل وعشيرة» وقد أصابنا من البلاء مالم يخف عليك. فامئن علينا من الله عليك . قال : 
وقام رجل من هوازن» ثم أحد بني سعد بن بكر يقال له زهير یکنی أبا صرد فقال : : يارسول الله إنها 
في الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك. ولو أنا ملحئار, للحارث بن أبي 
شمر أو للنعمان بن المنذر ثم نزل منا بمثل الذي نزلت به رجونا عطفه وعائدته عليناء وأنت حر 
المكفولين . 


اا ا اا ا 0 
)١(‏ ملحنا: أرضعنا 


~~ ١١8 


فقال رسول الله اة : أبناؤكم ونساؤكم أ حب إليكم أم أموالكم؟ فقالوا: يا رسول الله 
خيّرتنا بين أموالنا وأحسابناء بل ترد إلينا نساءنا وأبناءنا فهو أحب إلينا فقال: لهم : أما ما كان لي 
ولبني عبدالمطلب فهو لكم » وإذا ما أنا صليت الظهر بالناس فقوموا وقولوا : إلا نستشفع برسول 
الله إلى المسلمين وبالمسلمين إلى رسول الله في أبنائنا ونسائنا فسأعطيكم عند ذلك» وأسأل لكم» 
الم صلى رس أل يق ال ار نموا فتكلمر اللي أمرهم بد نال رسول ال 6 : وأما ما كان 

لي ولبني عبدالمطلب فهو لكم. فقال: المهاجرون: وما كان لنا فهو لرسول الله وء وقالت 

الأنصار: وما كان لنا فهو لرسول الله يكل . فقال الأقرع بن حابس : أما أنا وبنو تميم فلاء وقال 
عييئة بن حصن : أما أنا وبلو فزارة فلا وقال عباس بن مرداس : أما آنا وبنو سليم فلا . فقالت بنو 
سليم» ما كان لنا فهو لرسول الله با . قال يقول عباس بن مرداس: لبني سليم : وهنتموني. 

فقال رسول الله ب : أما من تمسك منكم بحقه من هذا السبي . فله بكل إنسان ست 
فرائض من أول سبي أصيبه . فرّدوا إلى الناس أبنائهم ونساءهم١).‏ 

ولي رواية (فقال الناس . قد طبنا لرسول الله هة فقال: إنا لا نعرف من رضي منكم من لم 
يرض . فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم . فردوا عليهم نساءهم وأبناءهم لم يتخلف منهم 
أحل غير عيينة بن حصن . فإنه أ أن يرد عجوزاً صارت في يديه منهم, » ثم رذها بعد ذلك وکسا 
رسول الله به السبي قبطية قبطية)0). 

وقال رسول الله اذ لوفد هوازن وسألهم عن مالك بن عوف ما فعل؟ فقالوا : هو بالطائف 
مم ثقيفا. . فقال رسول الله وڈ : أخبروا مالكاً أنه إن أتاني مسل رددت عليه أهله 
وماله وأعطيته مائة من الإبل , فأتي مالك بذلك فخرج إليه من الطائف وقد كان مالك حاف ثقيفاً 
على نفسه أن يعلموا أن رسول الله يت قال له ما قال فيحبسوه . فأمر براحلته فهيئت له . وأمر 
برس له ٠‏ فأ به إلى الطائف. فخرج ليلا فجلس على فرسه فركضه حتى أنى راحلته حيث أمر بها 
أن تحبس . فركبها فلحق برسول الله تة فأدركه بالجعرانة فرد عليه أهلهوماله وأعطاه مائة من 
الإبلء وأسلم فحسن إسلامه . فقال مالك بن عرف حين أسلم : 
ما إن رأيت ولا سمعت بمثله في الناس كلهم بمثل محمد 
أوفى وأعطى للجزيل اذا اجشدى ومتى تشأ تخبرك عم في غد 
وإذا الكتيبة عردّت أنياها بالشمهري وضرب كل مهند 
فكأنه ليث عل أشباله ولط الحهباءة خادر في مرصد 

فاستعمله رسول الله په على من أسلم من قومه: وتلك القبائل: ثُمالة وسِلَمةُ وفهم . 


رم السيرة لابن هشام ج 4 : 450 (۲) الرحيق المختوم للمباركفوري ص 476 
0 5 


فكان يقاتل بهم ثقيفاًء لا يخرج لهم سرح إلا أغار عليه. حتى ضيقٌ عليهم فقال أبو حجن : 

هابت الأعداء حانبنا ثم تغزونا بسني سلمة 
وأتانا مالك صم ناقضا للعهد والحسرمة 
وأتونا في منازلئا ولقد كقنا أولي لسقمةرم 


لقد انبزمت هوازن في المعركة وحقق رسول الله َة نصراً ساحقا عليهم حتى ساق مهم 
ونساءهم وأبناءهم سبايا في المعركة. وفرٌ قائدهم إلى ثقيف. لكن ماذا استفاد الإسلام من هذه 
المعركة . إذا كان الحقد والكراهية والكفر هو الذي يسود في صفوف هوازن؟ إن النصر العسكري بهم 
القائدالعسكري فقط. ومهم أصحاب المناصب والمراكر والمتصارعين على السلطة .أما الحركة 
الإسلامية . فالنصر بالنسبة لها هوفي دخول كتائب جديدة في الإسلام . وفتح مغاليق هذه النفوس 
لتجد الرحمة والملاذ والأمن في ظل الإسلام . ومن أجل هذا. فا يركز عليه الداعية المسلم. في 
السيرة المطهرة هوما وراء المعارك» وما وراء النصر العسكري . لأن هذا التفكير يعني أن فصائل 
جديدة تنضم إلى الإسلام كل يوم الاترتدعنه وتثور عليه وهذا هووفد هوازن» أربعة عشر رجلا 
من قادتہم جاؤوا إلى رسول الله ا مسلمين. وكان بالإمكان أن ينضم إلى الصف الإسلامي هذا 
الوفد فقط . لأن الأوان قد فات وتم توزيع السبايا على المسلمين» وهو حق مكتسب لهم . فكيف 
بفعل رسول الله ييخ معهم. إنه القائد الفد الذي لم تشهد البشسرية مثيلاً له 
ولن تشهد . إنه يفكر في أن بنترع هله السبايا من إثني عشر ألف مقاتل . ومثل هذا الأمر من خلال 
النص الشرعي . قد يدفع الجيش كله إلى الثورة عليه . ولو صمت الجيش لصمت على مضض 
وكتم على ألم وتوتر. فكيف استطاع عليه الصلاة والسلام أن يستعيد هذه السبابا من الجيش . 
والجیش هانیءراض, يتسابق على التخلى عنبن؟ 
إنها عظمة النبوة ولا شك» وهي بالتالي درس لكل قيادة في الأرض ان تحقق أهدافها من 
خلال استخراج كل ما في النفس الإنسانية من خير ونبل» ولو كان قابعاً في أعمق أعماق هؤلاء 
الناس وأن يتمكن الرسول مه من استعادة السبايا من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار, 
من أصحاب الكتيبة الخضراء من الذين أعادوا بثباتهم النصر من جديد للجيش المسلم» من 
الذين استحقوا بجداره هذه السبايا. أن يسترد هذه السبايا من المسلمين الجدد الذين مر على 
إسلامهم سنة ونيف ولا يزالون يتحركون من خلال الرغبة الجامحة في الغنيمة . هذا هو عظمة 
المعاملة النبوية في فقه هذه النفوس» ولم يهدد عليه الصلاة والسلام بسلطةء وم يلوح بعصا إنما 
كانت الخطوة الأول من خلال الأريحية. والثقة وحصر ثقته بأهله ببي عبدالمطلب. وبذلك خط 
منطلقاً لتيار كبر في الجيش أن يحذو حذوه. وكان لهذا الخط حدود, ما أمكن له أن يستوعب 


٤۹۱و‎ ٤۸۸ : ٤ السيرة لابن هشام ج‎ )١( 
هس‎ ١11 ل‎ 


اليش كله فلجأ عليه الصلاة والسلام إلى الخط الثاني . + خط الترغيب بالعوض عن هذه السبايا. 
وتمكن عليه الصلاة والسلام بهذا الخط أن يستوعب بقية الجيش حتى العجوز الشمطاء التي كانت 
من نصيب عيينة بن حصن وألح في الاحتفاظ بها. وترك لزعيم وفد هوازن أن ييز عبيئة بن حصن 
بقوله له : خخحذها عنك. فوالله ما فوها ببارد ولا تديها بناهد, ولا بطنها بوالد» ولا زوجها بواجد. 
ولادرها بماكدر). فردها بست فرائض» وعلى الهج نفسه أمكن جلب قائد هوازن الذي 
استعصى في ثقيف فأرسل إليه يدعوه إلى الإسلام وسيعطيه أهله وماله ومائة من الإبل» وكان هذا 
العرض السخي كفيلا بأن يستجيب مالك للإسلام . وليست استجابة سلبية فقط بحيث يركن إلى 
ماله وإبله وأهله : بل استجابة فاعلة إيجابية ارتضى أن يغزو ثقيفاً. الذين كان بحمايتهم وكانوا 
معه في المعركة ضد محمد رسول الله يي . 
وهكذا دحلت هوازن في الإسلام » وبالتركيز على قرابة الرحم والنسب كم قال أبو صرد: 

إغا ف الحظائر عماتك وخالاتك فامئن عليهم » ومن خلال رابطة السب نفسها استطاع عليه 
الصلاة والسلام أن يستثير النخوة العربيةء والعزة القبلية » فيوظفها في خدمة الإسلام. 


ألا ما أحوج الحركة الإسلامية اليوم إلى هذه المعاني . أن تخطط لتدخل الأمة كلها في حظيرة 
الإسلام . وحين تقارن بين طريقين نجد البون شاسعاً جدأً بينه): 

الطريق الأول: الذي ينطلق فقط من خلال حرفية النظام » وحرفية القرار» فيستعبده 
النظام والقرار ولو أدى الى كسر النفوس ٠»‏ وذبح القلوب» وتغير الثقة وتخلخل الصف , 

الطريق الثاني الذي ينطلق إلى جوار القرار» من دوافع اللفس» وخلجات القلب» وطبيعة 
الفطرة البشرية, ونوازع السب قتسخر هذه جميما لخدمة لاف الأبعد مد القرار وهو حفظ مال 
الأمة أو حفظ شباما أو حفظ صفها. 

ولقد رأينا الحركة الإسلامية في إحدى فصائلها. تتخذ قراراً ماليا ذات يوم تحجب به شيئا 

من الراتب عن الاخوة الذين شاركوا معها ٤‏ جهادها وضحوا بأرواحهم ودمائهم لتدفعهم إلى 

العمل وكسب المعيشة . . فكان الدرس قاسياً للفريقين القيادة والقاعدة , 

فقساوة الدرس للقيادة أنها كسرت نفوس إخواءها بهذا القرار. فانصرفوا عنها والآلم يذبح 
قلويهم وماذا تربح القيادة إذا حسرت ثقة قواعدها پا وهم عدتبا ف الحرب والجهاد والمواجهة 
وقساوة الدرس للقاعدة أنها اهتزت عند أول أزمة» فنقص شيء بسيط من المال. دفعهم إلى 
العنف والاحتجاج واتهام القيادة فكيف لو كان الأمر بالتخلٍ عن ثمار المعركة كلها وأعز ما فيها 
من ثمار. 
)١(‏ السيرة لابن هشام ج 44١ : ٤‏ 


ب ١١7‏ .هه 


وعلى النهج نفسه كانت معالحة قادة مكة بعد نصر حنين وتوزيع الغنائم عليهم . ونكتفي 
بعرضها فهي في غنى عن أي تعليق : 

(وانتهى إلى الجعرّانة ليلة الخميس لخمس خلون من ذي القعدة والسبي والغنائم بها تحبوسة 
وقد اتخذ السبي حظائر يستظلون بها من الشمسء وكانوا ستة ألاف. والإبل ربع وعشرين ا 
بعير والغئم أربعين ألفاً وقبل أكثر» فأمر بسر بن سفيان الخزاعي يقدم مكة فيشتري للسبي ثيابا 
یکسوهم» وكساهم كلهم : واستان رسول الله بالسبي » > فلا رج إلى الجعرانة بدأ بالأموال 
فقسمها. فأعطى المؤلفة قلوبهم أول الناس» وكان ما غنم أربعة الاف أوقية فضصة» فجاء أبو 
سفيان بن حرب والفضة بين يديه. فقال: يا رسول الله أصبحت أكثر قريش مالا : : فتبسم عليه 
الصلاة والسلام» فقال أبو سفيان : : أعطني من هذا يا رسول الله : قال يا بلال زن لاي سفيان 
أربعين أوقية وأعطوه مائة من الإبل» قال: ابني يزيد: قال: زنوا ليزيد أربعين 
وق مان ل ا . قال : ابي معاوية يا رسول الله : قال : زك له يا 
آي وأمي : وا ی لا ثم سالمتك فنعم المسالم أنت؛ جزاك الله خبيراً. 
وسأل حكيم بن حزام يومئذ مائة من الإبل فأعطاه ثم سأل ماثة فأعطاه. ثم سأل ماثة فأعطاه ثم 
قال: يا حكيم بن حزام إن هذا امال خحضرة خلوة . فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه» ومن 
أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه» وكان كالذي يأكل ولا يشبع » واليد العليا حير من السفل 
وابدأ يمن تعول. فأخذ حكيم المائة الأولى ثم ترك ما عداها. 


وأعطى النضير بن الحارث ‏ أخا النضر بن الحارث- مائة من الإبل» وأعطى أسيد بن 
جارية حليف بني زهرة مائة من الإبل وأعطى العلاء بن جار . مسین بعيراء وأعطى الحارٹ بن 
هشام مائة من الإبل وصفوان بن أمية ماثة بعير. وفي صحيح مسلم عن الزهري أن رسول الله يو 
أعطى صفوان بن أمية مية ثلاثمائة من الإبل» ويقال إنه طاف مع النبي ية وهو يتصفح الغنائم إذ مر 
بشعب مماأأفاء الله عليه فيه غنم وإبل ورعاؤها ملوء أ . فأعجب صفوان» وجعل ينظر إليه فقال: 
أعجبك يا أبا وهب هذا الشعب. قال: نعم. قال هولك وما فيه: فقال: أشهد ما طابت نفس 
أحد قط إلا نبي وأشهد أنك رسول الله . 


وأعطى قيس بن عدي مائة من الإبل» وأعطى عييئة بن حصن الفزاري مائة من الإبل» 


وأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل» وأعطى العباس بن مرداس السلمي دون المائة فعاتب 
النبي هة في شعر قاله فقال رسول الله ية : اقطعوا عني لسانه. فأعطوه ماثةر٠»)‏ 


476 477 ص‎ ١ إمتاع الأسماع ج‎ )١( 
ه‎ ۹۸ 


لكن التعامل مع القاعدة الصلبة بختلف كثيرأ عن التعامل مع صفوة الصف المسلم . ٠‏ الذي 
ينطلق من الثقة العميقة بقائده . غير أن هذه القاعدة لا بد من تذكيرها دائأ بهذا الأصل» وإلا فقد 
تقلق حين تغيب عنها هذه المعاني» وقد تطفوا على السطح أحياناً بعض المعاني المادية وكأن تقويم 
المرء المسلم من خلالحاء فلا بد من اليقظة المستمرة والتربية المستمرة للمحافظة على الأفق العالي 
هذه الجتماعة : 


(قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: يا رسول الله أعطيت عيينة بن حصن والأقرغ بن 
حابس مائة ماثة. وتركت جعيل بن سراقة الضمري . فقال: أما والذي نفسي بيده لجعيل بن 
سراقة خير من طلاع الأرض كلها مثل عييئة والأقرع. ولكني أتألفه) 
ليسلماء ووكلت جعيل بن سراقة إلى إسلامه)(١)‏ وكانت هذه عند جعيل رضى الله عنه تعدل مال 
الأرض كله. ٠‏ 


كان هذا على المستوى الفردي . وكان هذا على المستوى الجماعي . 


(ولا أعطى رسول الله َة ما أعطى من تلك العطايا في قريش وني قبائل العرب» ولم يكن 
في الأنصار منها شيء» وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت منهم القالة حتى قال 
قائلهم : لقد لقي رسول الله َة قومه» فدخل عليه سعد بن عبادة فقال: با رسول ا إن مل 
ا لحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت؛ قسمت في 
قومك, وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب» ولم يك في هذا الحي من الأنصار منها شيء. 
قال : فأين أنت من ذاك يا سعد قال: يا رسول الله ما أنا إلا من قومي . قال: فاجمع لي قومك في 
هذه الحظيرة. قال: فخرج سعد فجمع الأنصار في تلك الحظيرة. قال: فجاء رجال المهاجرين 
فدخلوا فتركهم. وجاء آخخرون فردهم فلم| اجتمعوا له أتاه سعد فقال: قد اجتمع لك هذا الحي 
من الأنصار. فأتاهم رسول الله ا فحمد الله وأثنى عليه جا هو أهله. ثم قال : يا معشر الأنصار 
ما قالة بلغتي عنكم . موجدةره) وجدتوها عل في أنفسكم؟ 1 أتكم ضلالاً فهداكم الله » وعالة 
فأغناكم الله » وأعداءً فألف بين قلوبكم : قالوا: بلى» الله ورسوله أمن وأفضل. ثم قال: ألا 
تجيبوني يا معشر الأنصار؟ قالوا: بماذا نجيبك يا رسول الله؟ لله ورسوله المن والفضل؛ قال ل : 
أما والله لو ؟ ششحم لقلتم فلصّدقتم ولصدقتم : : أتيتنا مكذباً فصدقئاك, وخذولا فنصرناك› وطريداً 
فاويناك, وعاثلا فأسيناك. أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعةرم من الدنيا تألفت بها 
قوماً ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم : ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاء 


٠٠١ ص‎ ١ إمتاع الأسماع ج‎ )١( 

(۲) الموجدة : العتاب 

(*) اللماعة : بقلة خضراء ناعمة شبه مها زهرة الدنيا ونعيمها. 
ب ۹۹ - 


والبعير» وترجعرا برسول الله إلى رحالكم . فوالذي نفس محمد بيده لولا ا هجرة لكنت امرءا من 
الأنصار» ولو سلك الناس شعبا وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار اللهم ارحم 
الأنصار. وأبناء الأنصار, وأبناء أبناء الأنصار فبكى القوم حتى أخحضلوا لحاهم وقالوا: رضينا 
برسول الله فس أوحظأء ثم انصرف رسول الله وتفرقوار. 

لقد كلف إنباء جيوب الوثنية في الأرض العربية أن وضع المال كله أداة لتطييب النفوس 
وترقيقها وتحبيبها للإسلام . وهذه هي وظيفة المال أن يكون أداة لطاعة الله . 

والعدالة في التوزيع هي أصل في المال. وتربية النفوس على أن لا تسعبد لهذا المال أصل 
آخرء ومن أجل هذا أجل رسول الله يك توزيع هذا الفيء . بعد أن أصدر أوامره بمنم أذ أي 
شيء منه حتى الخياط والمخيط . وضبط النفوس ظاهراً على الأقل - والنفسية العربية التي ترى المال 
بين يديها من الدراهم والدنانير والإبل والشياه. ثم تتمالك دون أن تلتهمه. شيء يختلف مع 
طبيعة هذه النفسية . وكان هذا هو الدرس الأول. 


(م نار بعض الأعراب» وهم يلحون على رسول الله َي بقسمة الغنائم حتى خطفوا رداءه 
فقال: ردوا عل ردائي أبها الناس» فوالله أن لو كان لكم بعدد شجر تهامة نعا لقسمته عليكم ثم 
ما ألفيتموني بخيلا ولا جباناً ولا كذاباً. ثم قام إلى جنب بعير» فأخل وبرة من سنامه فجعلها بي 
اصبعيه؛ ثم رفعها ثم قال: أيها الئاس والله مالي من فيكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس والخمس 
مردود عليكم) ) وكان هذا هو الدرس الثاني . 
(وجاء رجل من الأنصار بِحبةٌ من حيوط شعر فقال: يا رسول الله أحذت هذه الكُبدٌ أعمل 
بها برذعة بعير لي دير؟ فقال: أما نصيبي منها فهو لك. قال: أما ذا بلغت هذا فلا حاجة لي بها 
ثم طرحها من يده . ) (6) وكان هذا هو الدرس الثالثك , ش 
ثم كان التوزيع الآنف الذكر على المؤلفة قلوبهم على أوسع مظانه؛ وكان هذا هو الدرس 
الرابع 
(وجاء رجل من بني یم يقال له ذو الخويصرة. فوقف عليه وهو يعطي الناس . فقال: يا 
محمد قد رأيثٌ ما صنعتٌ هذا اليوم , فقال رسول الله : أجل فكيف رأيت؟ قال : لم أرك عدلت» 
قال؛ فغضب النبي وق ثم فال : ويحك : إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون؟ فقال عمر بن 
الخطاب يا رسول الله . ألا أقتله؟ قال: لا . دعه فإله سيكون له شيعة يتعمقون في الدين حتى 
يمخرجوا منه کا يخرج السهم من الرميةرى) وكان هذا هو الدرس الخامس . 


497 السيرة لابن هشام ج 4 ص 444-148 (۳) المصدر نفسه ج 4 ص‎ )١( 
4945 ص 447 (5) المصدر نفسه من‎ ٤ السيرة لابن هشام ج‎ )۲( 
۷۰ ”ب‎ 


ثم كان أعظم الدروس عل الإإطلاق هو هذا اللقاء مع الأنصار. 

ولا معنى لأن يكسب رسول الله ب زعماء تلك القبائل وزعماء قريش مقابل فقدان الثقة من 
صفه الأول من المهاجرين والأنصار. وعندما توضح الالتباس وعرف هذا الصف موقعه من 
رسول الله ول . أن يكون المحيا محياهم والممات ماهم وأن يذهب الناس بالشياه والبعيرويذهب 
الأنصار برسول الله عليه الصلاة والسلام . فهوقرة عيونهم وهم قرة عينه» ومن أجل هذا مسحث 
هله الموجدة وذايت والسعادة تغمرهم مده الغنيمة . 

وف هذا الأمر دروس غنية للصف المسلم اليوم قاعدة وفيادة بحسن أن نستوعبها فنستفيد 
منها . 

أولا: التفريق بين الال العام وا مال الخاص . وحرمة التصرف في المال العام قبل توزيعه. 
مهما كان حجمه. ولو كان كبة الشعر والخيط والمخيط والتساهل في التصرف فيه يقود إلى النار: 

(فإن الغلول يكون على أهله عار ونارأ وشنارا يوم القيامة) .)١(‏ 

ثانياً: تقدير التوزيع وعدالته عائد لقيادة الجماعة وأميرها. فهو آمر الصرف فيهاء وهو 
يقدّر كمية التوزيع وأهميته . ومصلحة الذعوة تحكمه» ونصوص الشريعة تحكمةه . 

الثا: والأصل أن يكون المال في الدعاية إلى الإسلام ولوعلى حساب الدعاة. وفي كسب 
القلوب النافرة ورد النفوس الحاحة. 

رابعاً : والصف المسلم القوي قد يحرم من هذا التوزيع كله. وذلك في ذات الله والأصل أن 
يكون الإيثار خحلقه. فلا يقيم المرء من خلال ما يأخذ من راتب. بل تقييم من خلال التقوى 
والعمل الصالح . 

خامساً: أن تبقى القيادة على صلة بقواعدها فتلاحق الشبهات التي تثور في نفوسهاء 
وتوضح خط السير العام لحنودها؛ وتقضي على قالة السوء ٤‏ صفوفها. وإلا حسرت هذه 
القاعدة , 

سادسا : وأن يضع الجندي نفسه موصعم قائله . ويصدر أحكامه على قيادته هو أمر حطر 
وذلك من خلال ال لتمسك بحرفية النص الذي يقوده إلى الخروج من الاسلام من حيث يريد 
الاسلام» والذي يقوده إلى الصف غير المسلم من حيث حرصه عليه . 

سابعاً: وطبيعة هؤلاء الشباب من حيث صلاحهم وتقواهم لا يرقى إليها الشك› 


44۲ :4 السيرة لابن هشام ج‎ )١( 
5 1۷١ 


(نحقرون صلائكم إلى صلاتهم؛ وصيامكم إلى صيامهم). لكنهم يضعون أنفسهم موضع 
القاضي ء وموضع المفتي» وموصعم إصدار الأحكام . وهذه الظاهرة المرضية , لا بد من التفريق 
بينها وبين ظاهرة النتصيحة والاستفسار والسؤال. 

فسعد رضي الله عنه والأنصار رضي الله عنهم عتبوا عل رسول الله ا حين رأوا أنهم 
محرومون من هذا امال لكن بقي الأمر خلال السؤال والاستفسار لا من باب الاقرار بيئها وجدنا 
ذا الخويصرة تدفعه جرأته أن يتهم رسول الله ب في عدله . 

ثامناً: ولا بد من التفريق بين موقف الحندي من رسول الله هة وموقف الأبندي من أمير 
جماعته . فالشك في عدل رسول الله ب كفر بواح . أما الشك في عدالة القائد فلا يدخل في هذا 
الإطار. إنما يدخل في إطار الخطأ التنظيمي الذي يفسد صف الجماعة ويفتت تماسكها . 

تاسعاً: ويبقى الجندي المجاهد أعظم في ميزان الله وميزان قيادته من كل قوى الأرض 
الأخرى وزعاماتها وقياداتها. طالما أنها تنطلق من مصلحتها لا من دينها. ويبقى جعيل بن سراقة 
خير من طلاع الأرض مثل عبيئة والأقرع » وكلاهما قد دحل في الاسلام حديئا. ونالا من الاكرام 
مالا يوصف. 

عاشراً: وبقيت ثقيف دون أن تنهار معاقلها بالقوة والمواجهة؛ لتنبار بعد ذلك من خلال 
حرب العصابات التي شنها عليها مالك بن عوف رئيس هوازن» ومن خلال الحرب النفسية التي 
زلزلت كيانها فأقنعتها ألا جدوى من المقاومة . 


© 00 


VY 


السمّة الرايعة عشوم 
و 3 ن ل ٠‏ 4 4 
الجريئ المربية تدخل تف الالح 

حين نتحدث عن السمات نلحظ أنها حلقات من سلسلة . كل حلقة تقود إلى التى تليها. 
وتحدد لنا طبيعة التدرج في السير خطوة عقب خطوة. فلا يمكن أن يقبل الناس على الدخول في دين 
الله أفواجا. والأسلام ضعيف محارب مضطهد. تمنوع من إعلان صوته وشرح فکرنه وعقيدته , 

وتأتي هذه السمة في موقعها من المنظومة الإسلامية فحين استسلمت قريش العدو الأكبر 
للإسلام وصار الرسول ية سيد الحزيرة العربية. وتحطمت قوى المعارضة المسلحة. كان من 
الطبيعي أن تفد القبائل العربية الضخمة لتحاور أو تناقش أو تسلم . أو تفرض شروطها حسب 
تصورها عن طبيعة قوتها. ونشهد في هذه السمة الحدود الدفيقة» فيها يجوز التساهل فيه ومراعاة 
طبيعة النفوس فيه وما لا يدحل ضمن إطار المساومة , فنعلم حدود التميز والمغاصلة» وحدود 
التساهل والمعاملة . وذلك من خلال عرض لراكز القوى العربية. بعد فريش . 

ثقيف » تميم . عامر » بئو حليفة» طيء. كندة» ملوك حير بنو الحارث بن کعب» بلو 
عبدالنبي , 


اوا : وفد ثقيف ؛ 


لقد كانت العرب ترى في ثقيف وفريش . أهم مراقع القوى فيها. وذكر القران الكريم هذا 
المعنى عن القريتين وهو ينقل مقولتهم #وقالوا لولا رل هذا القرآن على رجل من القريتين 
عظيم ,)١(#‏ 

وشاءت إرادة الله تعالى أن ينتهي عظيم فريش الوليد بن المغيرة كافراً مشركاً بين كان عظيم 
ثقيف شهيداً وفي قومه بالذات» وهو عروة بن مسعود الثقفي رضي الله عنه. 

وكان من حديٹهم أن رسول الله يه لما انصرف عنهم اتبع اثره عروة بن مسعود الثقفي حى 
٠ 0‏ فأسلم وسال أن يرجع إلى قوم بالإسلام فقال له رسول اله . کا 
يتحدث قومه ! | : هم فاتلوك » فقال عروة : يا رسول الله أنا أحب إليهم من أبكارهم ‏ ركان فيهم 
محبباً مطاعا . فخرج يدعو قومه إلى الإسلام رجاء ألا يخالفوه لمنزلته فيهم . فلما أشرف لهم على علية 
له. وقد دعاهم إلى الاسلام وأظهر لهم دينه رموه بالبل من كل وجه . فأصابه سهم 
فقتله- فقيل لعسروة: ما تسرى في دمك؟ قال: كرامة أكرمني الله تعالى با 


)١(‏ سورة الرخرف : 1م 
2 ف 5 


وشهادة ساقها الله إل فليس في إلا سا في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله 
تيه قبل أن یر قعل عنكم . فادفنوني معهم . فزعموا أن رسول الله يل قال فيه : إن مثله في قومه 


وعظيما القريتين . مرا بموقف متشابه . فالوليد بن المغيرة عرف في قرارة قلبه أن ما يقوله محمد 
ما هو بكلام الإنس وما هو بكلام الجن. لكنه خاف على موقعه. فقال إن هذا إلا سحر يؤثر. 
فكانت عاقبته النار. بين تخلى عروة عن موقعه, وأعلن إسلامه على قومه وهو يعلم أنه أحب إليهم 
من أبكارهم وبشره رسول الله هة بالشهادة (إنہم قاتلوك) فا توانى ولا تراجع » ورموه بالسهام 
حتى سقط شهيداً في سبيل الله فكان أول داعية في قومه إلى الله ورسوله کا كان صاحب يسن في 
قومه . 

وها هو عمرو بن أمية يأتي إلى زعيم ثقيف الثاني عبديا ليل بن عمرو فيقول له : إنه قد كان 
من أمر هذا الرجل ما قد رأيت» قد أسلمت العرب كلهاء وليست لك بحربهم طاقة , فانظروا في 
أمركم فعند ذلك اثتمرت ثقيف بينها وقال بعضهم لبعض أفلا ترون أنه لا يأمن لكم سرب ولا 
يخرج مدكم أحد إلا اقتطع . فأتمروا بيغهم وأجمعوا أن يرسلوا إلى رسول الله بنذ رجلا فكلموا عبديا 
ليل بن عموو. . وأجمعوا أن يبعثوا معه رجلين من الأحلاف, وثلاثة من بي مالك فيكونوا 
ستة(). وعبديا ليل . هو الذي قال قبل قرابة اثني عشر عاماً لرسول الله وَل : : أنا أمرط ثياب 
الكعبة إن كان الله قد أرسلك هو نفسه اليوم يمضي إلى المديئة وافداً لرسول الله اة يعلن إسلام 
قومه؛ وني الوقت الذي كان المسلمون يدعون على ثقيف ويطلبون من رسول الله يق ذلك كان 
يقول: (اللهم اهد ثقيفاً وانت مهم) , ولم يغير رسول الله نبجه مع ثقيف سواءً وهم يطاردونه 
با لحجارة» أو يحاصرهم في حصوبهم فلقد كانت هدايتهم عزيزة عليه جدأ (عسى الله أن بخرج من 
أصلابهم من يقول لا إله إلا الله) . 


ولتمكن هذا المعنى في نفس النبي بهذ ومعرفة المسلمين به كان أبو بكر والمغيرة بن شعبة 
يتسابقان لنقل هذه البشرى لرسول الله صلوات الله عليه 

وجاء الوفد ومعه عزة الجاهلية. وتركه النبي به ني الجو الإسلامي والبيئة الاسلامية 
يتعرف على مبادىء الدعوة ومفاهيم الإسلام. وكانت نفسية الوفد منطلقة من صورة معاهدة 
صلح أكثر من صورة استسلام لله عز وجل. ومن أجل ذلك قدموا شروطاً خمسة . أن هيأذن هم 
بالزنا وشرب اللدمور. وأكل الرباء ويترك لهم طاغيتهم اللات ثلاث سنين على الأقل ويعفيهم 


1١ السيرة لابن هشام ج۲ ص‎ )١( 
ده‎ ١78 


من الصلاة )١(‏ ورفضت الشروط كلها . بلا استثناء لان الأمر ليس أمر ملك دنيوي» 
بل هو أمر الله تعالى وشريعته . دلا يمكن أن يكون القوم مسلمين, وبحلوا حرام أ يييحوا ترك 
فريضة. والإسلام هو هو الاستسلام الكامل لله تعالى في كل شيء يحل حلاله ويحرم حرامه وحين 
رأت ثقيف أن لا مناص من ذلك - طلبت طلباً واحداً تمت تلبيته وهو أن يعفيهم عليه الصلاة 
والسلام من هدم امتهم بأيديهم . فقبل ذلك منم عليه الصلاة والسلام » وبعث المغيرة بن شعبة 
الثقفي فهدمها بعد ذلك ورجع الوفد إلى قومه فكتمهم الحقيقة وخوفهم بالحرب والقتال» وأظهر 
الحزن والكابة وأن رسول الهو سأهم الإسلام وترك الزنا والربا والخمر وغيرهم وإلا يقانلهم. 
فأخذت ثقيفاً نخوة الجاهلية » فمكثوا يومين أو ثلاثة يريدون القتال» ثم ألقى الله في قلويهم 
الرعب. وقالوا للوفد : ارجعوا إليه فأعطوه ما سأل وأبدى الوفد حينئذ حقيقة الأمر» وأظهروا ما 
صالحوا عليه وأسلمت ثقيف(). 


وبذلك اغبارت أمنع الحصون العربية ودخلت ل الإسلام . وتوضصح الأمر أن لا مساومة 
على دين الله ولو كانت المساومة تأجيل هدم اللات شهراً واحدا فقط وهذا في موقم القوة بينا قبل 
الرسول بل حو (رسول الله) و(الرحمن الرحيم) يوم الحديبية. 


تل الفرق بين الدخول في الإسلام ودولة الإسلام؛ و وین التفاوض من موقع الساواة في 
ثقيف ليدعو إل الله عز وجل دون أن يتدخل في دينها ومقدساتها واي شان من ؛ شؤوها وبين الوضه 
اليوم والمسلمون قد تمكنوا من الأرض› وتزلزلت ثقيف رعبا من حر وم . 


والحركة الإسلامية المبصرة» تعرف الفرق بين المرحلتين» وتنطلق حسب الظروف التي 
ملكها لتمكن لنفسها ولدين الله. وتتعلم كذلك ما يمكن قبوله من الشروط وهي في موقم القوة: 
وما لا يمكن قبوله وهي في الموقع نفسه حون وجدنا رسول الله و يرفض شرط بحل حراما أويحرم 
حلالاً بين لا يجد حرجا من إعفائهم من کسر أصنامهم بأيدييم . 
ثانا وفد تيم : 

أما وفد تيم . فقد جاء يباهي بشعره وبيانه فأجابه بالاسلوب نفسه فرد على الشعر بالشعر 
حيث أفجم شاعر يم من حسان وة عل الحطبة بلخطية حيث أفحم ميم من ثابت بن قبس 
وانتهى الأمر عندهم أن (قال الأقرع بن حسابس: وأبي إنذهذا الرجالمؤ قله 
لخطيبه أخطب من خطيبناء ولشاعره أشعر من شاعرناء ولأصواتهم أحلى من أصواتنا. فلها فرغ 


(۱) و (۲) الرحيق المختوم ص ٠٠4‏ 
¥0 _ 


القوم أسلمواء وجوزهم رسول الله اة فأحسن جوائزهم)(١).‏ 

وهذا الأسلوب من الدعوة والطراز الجديد فيها يدعونا إلى أن نعطي الإعلام الإسلامي 
حقه وأن نتأكد أن معركة الإسلام ليست معركة عسكرية فحسب. بل هي معركة سياسية» 
ومعركة إعلامية يمكن حين نبرز فيها أن نحول الخصوم إلى أصدقاءء أو حايدين» وننشر فكرنا 
وعقيدتنا ومبادئنا من هذا المنبر» ونقطع كثيرأً من الأشواط التي لا نتصور أن تقطع إلا من خلال 
القوة مع الإشارة كذلك أن القوة التي ينطلق منها الاعلام, هي التي تفتح القلوب له لكن القلوب 
تبقى مسدودة أمام منطق الضعفاء . 
ثالياً _ وفد عامر: 

وجاء وفد عامر ليعرض عضلاته ويفرض شروطه : 

(فقدم عامر بن الطفيل عدو الله على رسول الله اء وهو يريد الغدر به وقد قال له قومه: يا 
عامر إن الناس قد أسلموا فأسلم. قال: والله لقد كنت اليت أن لا أنتهي حتى تتبع العرب 

عقيبي ‏ أفأنا أتبع عقيب هذا الفى من قريش: ثم قال لأربده): إذا قدمنا على الرجل فإني 
سأشغل عنك وجهه فإذا فعلتُ ذلك فاعله بالسيف , فلا قدموا على رسول الله کد قال عامر بن 
الطفيل : : يا حمد: : خالني”. قال: لا والله حتى تؤمن بالله وحده. قال يا محمد خحالني . وجعل 

يكلمه وينتظر من أربد ما كان أمره به» فجعل أربد لا يحير شیا . قال : فلما رأى عامر ما يصنع 
أريد . قال: يا محمد خالني» قال: لا حتى تؤمن بالله وحده لا شريك له. فلما ې عليه رسول الله 
يل قال : أما واه لأملأها عليك خيلا و رجالا . فلماولى قال رسول الله نة : اللهم اكفئي عامر بن 
الطفيل. . . وحرجوا راجعين إلى بلادهمر, . 

وفي صحيح البخاري : أن عامراً أنى النبي ا فقال: أخيرك بين حصال ثلاث : يكون لك 
أهل السهل ولي أهل المدر؛ أو أكون خليفتك من بعدك» أو أغزوك بغطفان بالف أشقر وألف 
شقراءره). 


حتى إذا کانوا ب ببعض الطريق » بعث الله على عامر بن الطفيل الطاعون في عنقه . فقتله الله 
في بيت امرأة من بني سلول. فجعل يقول : أغدة كعْدّةٍ البكررم؛ في بيت امرأة من بني سلول. 

لا يغيب عن البال أن غزوة الأحزاب كان نصف جيشها من غطفان التي بلغت قرابة خمسة 
اا ا ا و 
ال تاي 
(۲) أربد : أحذ زعماء بني 
)٣(‏ خالي اذ حلي ا 
(4) السيرة لابن هشام : ج٤‏ ص 658 
(ه) البخاري 
)١(‏ غدة البكر : داء يصيب البعير فيموت عله وهو شبيه بالذبحة التي تصيب الإنسان 

- ١979-5 


آلاف مقاتل وهم الذين عرض عليهم رسول الله وو ثلث ثمار المديئة مقابل انسحابهم من حربه 
في الخندق؛ ومن أجل ذلك كان عامر ينطلق ويتكلم من منطق القوة. وجاء يطالب بالوراثة بعد 
النبي ب أو اقتسام السلطة بين الإسلام والجاهلية؛ فرفض عليه الصلاة والسلام ذلك كله ول 
يقبل مله إلا الأسلام. وكان لتهديده بقوته دعوة رسول الله كل : اللهم اكفني عامر بن الطفيل 
فقضي عليه قبل أن يصل إلى قومه . 

والفهم الحركي هذا الوفد يعطينا صورة جديدة من الصور المرفوضة في المساومات. وهي 
قضية الوراثة أو المشاركة بين الكفر والاسلام في الحكم. وقد رفضت هله الصورة مئذ المرحلة 
المكية حين كان رسول الله ا يدعو القبائل إلى الإسلام . 

فالجانب السياسي له حدود محددة. وهذه الحدود لا يمكن أن يكون الإسلام فيها مرضع 
مساومة أو موضع مفاوضة» لا يجتمع الإسلام والجاهلية في حكم واحد. أو موقع واحد. 
رابعاً : وفد بني حنيفة ؛ 

ولم تكن بو حنيفة أقل سطوة وقوة من تميم وغطفان. فلقد كانت تحكم ريف اليمامة. وجاء 
وفدهم ومعه مسيلمة بن حبيب الذي جاء يراوغ ويداور لعله يصل الى شيء فكان جواب رسول 
الله يق له وف يده عسيب من سعف النخل : لو سألتئى هذا العسيب ما أعطيتكه . . 

(ثم انصرفوا عن رسول الله هة وجاؤوه با أعطاه. فلما انتهوا إلى اليمامة ارتد عدو الله وتبا 
وتكذب له وقال إني أشركت في الأمر معه)(). 

وكا ثمامه بن أثال أصدق دیا وأثيت اأص وأندى مروءة من مسيلمة الذي أسره رسول 
الله اة (ويأتيه رسول الله فيقول له : أسلم يا ثمامة» فيقول: إيهايا حمد إن تقتل تقتل ذا دم وإن 
ترد الفداء فسل ما شئت. فمكث ما شاء الله أن يمكث ثم قال النبي ية : أطلقوا ثمامة. فلا 
أطلقوه حرج حتى أت البقيع . فتطهر فأحسن طهوره ثم أقبل فبايع النبي ا على الإسلام . . ثم 
حرج معتمرأ فلا قدم مكة . قالوا : أصبوت يا ثمام ؟ فقال : لا ولكني اتبعث حر دين ؛ دين 
محمد ولا والله لا تصل إليكم حبة من اليمامة حتى يأذن فيها رسول الله يك فمنعهم أن 
يحملوا إلى مكة شيئاً فكتبوا إلى رسول الله : إنك تأمر بصلة الرحم وإنك قد قطعت أرحامنا. 
وقد قتلت الآباء بالسيف» والأبناء بالجوع . فكتب رسو ل الله باز إليه أن يخلٍ بينهم وبين الحمل)5) 

وبقيت اليمامة بزعامة مسلمة تتهيأ للوثوب . 

ولعل هلو الفيادات القبلية . لم تكن تدرك حقيقة الإسلام» إنما كانت تتصور الأمر هزيمة 


1۳۹ السيرة لابن هشام ج٤ ص‎ )59 ٠۷٦ السيرة لابن هشام ج٤ ص‎ )١( 
- ۷¥ _ 


أمام سلطان حاكم . ول يفكر الرسول ية باللين مع هذه القيادات بصورة من الصور حين تريد أن 
تجعل لرأيها وزنا مع الله ورسوله. 
خامساً ١‏ وفل طيء . 


وقدم على رسول الله اة وفد طيء» فيهم زيد انيل وهو سيدهم» فلما انتهوا إليه كلّموه. 
وعرض عليهم رسول الله اة الاسلام. فأسلموا وحسن إسلامهم؛ وقال رسول الله ييه كما 
حدثني من لا أتبم من رجال طيء : ما ذكر لي رجل من العرب بفضل ثم جاءني إلا رأيته دون ما 
يقال فيه» | إلا زيد الخيل. فإنه لم يبلغ كل ما كان فيه ثم سماه رسول الله لا زيد الخير. 

وأما عدي بن حاتم فكان يقول : : ما من رجل من العرب كان أشد كراهية لرسول الله وة 
حين سمع به مني» أما انا فكنت امرءأ شريفاً وكنت نصرانياً. وكنت أسير في قومى ي بالمرباع(0). 
فكنت في نفسي على دين» وكنت ملكا في قومي , لا كان يصنع بي . فليا سمعت برسول الله كل 
كرهته فقلت لغلام كان لي عربي؛ وكان راعياً لبي : لا أباالك اعدد لي م ن إبلي مالا ذللا سمانا . 


فاحتبسها قريباً مي» فإذا سمعت بجيش لمحمد قد وطىء ء هذه البلاد فاذني . ففعل. م 
إنه أتاني ذات غداة فقال: يا عدي : ما كنت صانعاً إذا غشيتك خيل محمد فاصنعه الآن. فإني قد 


رأيت رايات فسألت عنها. فقالوأ: هذه جيوش محمد. فقلت: فقرّب 4 أحمالي . فقسرمباأ, 
فاحتملت بأهلي وولدي» ثم قلت : ألحق بأهل ديني من النصارى بالشام . فسلكت الحوشية:5. 
وتخالفني خيل لرسول الله وق فتصيب ابنة حاتم فيمن أصابت. فقدم بها على رسول الله تنه في 
سبايا من طيء. وقد بلغ رسول الله يله هري إلى الشام 
المسجد . كانت السيايا بسن فيهاء فمر مهارسول الله يا فقامت إليه وكانت امرأة جولة 
نقالت : يارسول الله هلك 
الوالدى وغاب الوافد؛ فامئن عل من الله عليك . قال : : ومن وافدك؟ قالت * عدي بن حاتم . 
قال: الفارٌ من الله ورسوله؟ قالت : : ثم مضى رسول الله 7 وتر كني حتى إذا كال من ن الغد مر 
إياء فقلت له مثل ذلك وقال لي مثل ما قال بالأمس .قالت: حتى إذا كان بعد القد مر ي وقد 
يشت منه . فأشار إل رجل من خلفه أن قومي فكلميه؛ قال: فقمت إليه فقلت: يا رسول الله 
هلك الوالد .> وغاب الوافد» فامنن عل من الله عليك فقال ج : فد فعلت . قلا تعجار في بروج 
حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة حتى يبلخك إلى بلادك ثم اذنيني فسألت عن الرجل الذي 
أشا ر إل أن أكلمه فقيل : علي بن أبي طالب . وأقمت حتى قدم ركب من بلى أو قضاعة. قال : 
م م 2-2222 
)١(‏ المرباع : أذ الربع من الضائم 
(۲) الجوشية : جبل قرب جد 

 ا١المث‎ 


وإنما أريد أن اتي أنحي بالشام . قالت : فجئت رسول الله فقلت: يا رسول الله قد قدم رهط من 
قومي لي فيهم ثقة وبلاغ .قالت: فكساني رسول الله وأعطاني نفقة . فخرجت معهم حتى قدمت 
الشام قال عدي : فوالله إني لقاعد في أهلي» إذا نظرت إلى ظعينةيصوب إل تؤمناء قال: فقلت: 
ابنة حاتم قال : فإذا هي هي فلا وقفت عل انسحلت. تقول: القاطع الظالم» احتملت بأهلك 
وولدك» وتركت بقية والدك عورتك . قلت: أي أخية. لا تقولي إلا خيرا . . فوالله مالي من عدر 
لقد صنعتٌ ما ذكرت * لم نزلت فأقامت عندي» فقلت ها : وكانت امرأة حازمة : - ما ترين في أمر 
هذا الرجل؟ قالت: ارى وله أن تلحق به سریعاء فإن يكن الرجل نيا فللسابق إليه فضله. 
وإن يكن ملكا فلن تذل في عز اليمن وأنت ت أنت. قال: قلت والله إن هذا الرأي . 

قال: فخرجت حتى أقدم على رسول الله ل فدخلت عليه وهو في مسجده فسلّمت عليه 
فقال: من الرجل؟ فقلت: عدي بن حاتم » فقام رسول الله ب . فانطلق بي إلى بيته» فوالله إنه 
لعامد بي إليه » إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة» فاستوقفته» فوقف لها طويلا تكلمه في حاجتها؛ قال: 
قلت في نفسي . والله ما هذا ملك قال : ثم مضى ب رسول الله َة حى إذا دحل بي بيته » تناول 
وسادة من أدم محشوة ليفاً فقذفها إلي» فقال: اجلس على هذهء قال» قلت بل أنت فاجلس عليها 
فقال : بل أنت فجلست عليهاء وجلس رسول الله يق بالأرض . قال: قلت في نفسي : والله ما 
هذا بأمر ملك ثم قال: إيه يا عدي بن حاتم ألم تكن ركوسيارم؟ قال : قلت: بلى» قال: أوم 
تكن تسیر في قومك بالرباع؟ قال؛ قلت: بلى. قال: فإن ذلك لم يكن يحل لك في دينك, 
قال: قلت: أجل والته . وقال: وعرفت أنه نبي مرسل يعلم ما يجهل ثم قال: لعلك يا عدي إما 
يمنعك من الدخولفي هذا الدين ما ترى من حاجتهم ١‏ » فوالته ليوشكن الال أن يفيض فيهم حتى لا 
يوجد من احا للك إغا بعك من دخول في ما ترى من كثرة عدوهم فوا لوشن أن 

تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت؛ ؛ لا تخاف ولعلك إنما يمنعك من 
د ل فيد انلك دي أن الك والسلطان في غيرهم؛ رايم اله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض 
من أرض بابل قد فتحت عليهم : قال: فأسلمت. 


وكان عدي يقول: ' قد مضت اثنتان وبقيت الثالثة › والله لتكونن . قد رأيت القصور البيض. 
من أرض بابل قد فتحت» وقد رأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها لا تخاف حتى تحج هذا 
البيت وايم الله لتكوئن الثالثة ليفيضنٌ المال حتى لا يوجد من يأخذهه). 

طىء تمد ف بادية الشام والعراق والحجاز وحاتم الطائي من أشهر العرب 5 الجاهلية 
ا سس س 
)ع( ركوسياً : وهو قوم لهم دين بين دين النصارى والصابئين 
58 السيرة لابن هشام ج٤‏ ص /الاه - ٠۸١‏ 

- ١98 ل‎ 


بالكرم وبه يضرب الثل . إذ يقول الشاعر: 


ومكارم الأخلاق لها وزن في هذه القبيلة فقد أطلق رسول الله و سراح سفانة بنت حاتم 
لأن أباها كان يحب مكارم الأخلاق. وزيد الخيل فبها سمعه رسول الله وو عنه من ثناء كان أقل مما 
فيه» وأطلق عليه زيد الخير» وحصافة سفانة. وذكاء عدي وعمق فكره في التفريق بين الملك 
والنبوة» حيث أدرك الفرق من خلال وقوفه للمرأة العجوز, ومجلسه المتواضع في بيته» وعلمه 
بمظالم عدي أقنعته بنبوة محمد عليه الصلاة والسلام . 

وأدرك الرسول و أبعاد عدي بن حاتم الذي لجأ إلى ملوك غسانء وانه ينتمي إلى 
النصرائية التي تقودها مملكة الروم. فكان لابد من غزو هذه الأبعادء والإحاطة بهذم الأعماق 
حيث أبرزها على السطح وهي الخوف من الفقر والضعف وقلة العدد . وحيث أن عدياً قد تجاوز 
مرحلة التشكيك في النبوة . كان هذا الحديث عن أفق المستقبل الوضيء ضرورياً له ليقوده إلى 
الحق فتلين قناتهء ويذلل حماحه . 

ولا شك أن النماذج البشرية تختلف فلا بد من الحديث مع كل نموذج بما يناسبه . والحديث 
المشهور الذي رواه الترمني عن عدي في لقا بع رسول الله 5 وهو عل نصرائيم , وف عنقه 
صليب ذهبي كبير. ورسول الله يِه يتلو: «اتخذوا أحبارهم ورهباهم أرباباً من دون الله والمسيح 
ابن مريم»قال: يا رسول الله ما غبدناهم . قال : ألم يحلوا لهم ا حرام » ويحرموا لحم الحلال قال: بى 
قال: فتلك عبادتهم إياهم . 


ويدرك عدي بن حاتم أعماق هذا المعنى ٠‏ فهو على الركوسية وهو يأحذ ربع الغنائم من 
قومه وهذا لا محل له . ومع ذلك يفعله . وهو ببذه النقلة الجديدة ينتقل من دين البشر الى دين الله 
عز وجل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه » ومن أجل ذلك كان إيمانه عميقاً متغلغالٌ 
في كل ذرة من ذرات كيانه . وبقي على نبج الإسلام دون تعلثم أو تردد حتى لقي وجه ربه » وشهد 
كتائب الإيمان تفتح الأرض» ومدائن كسرى تهوي بين قدمي المسلمين » وشرفه الله تعالى بأن كان 
أحد القادة الذين حاصروا القصر الأبيض . وشهد بأم عينه الظعينة مضي من القادسية إلى البيت 
الحرام لا تخشى إلا الله , 

إنا عظمة النبي يه كانت في كشف المخبوء من الخلل في ديله » من حيث الفكر. وكانت في 
تقديم القدوة بين يديه في الصورة البديلة » في مواصفات النبوة التي تعيش الام الناس وحياتهم . 

ومن هنا تدرك الجماعة المسلمة دورها الكبير في التعامل مع حصومها» بحيث تسبر أغوار 

5 ۱۸4۰ 


نفوسهم وحقيقة فكرهم › وزيف عقائدهم ؛ وهي لا تنجح حين تداهنهم في هذا الباضل. 
وتندسس إليهم في هذا الباطل ء إنها حين تفعل ذلك يدرك خخصوم الدعوة أن هذه الجماعة فكر 
بشري قاصر مثل فكرهم . . وإن إصرار دعاة الباطل على باطلهم ٠‏ لا يقتضي من الدعاة تقريظه , 
أو السكوت عليه فلا بد في الخوار ر الفكري من الوضوح التام الذي لا يقبل التلجلج والتردد . 

ومن المأساة حقا على سبيل الالء أن نجد بعض دعاة الإسلام بحجة الدعوة إلى الله 
بالحسنى يزينون للنصارى باطلهم » ويقولون لهم . كلنا مؤمنون بالله . والنصراني الذي يعيش هذا 
مبرر لهذا الداعية أن تكون له السيادة في الأرض طالما أنه مثله في الباطل . 

ومن جهة ثانية : تبقى عملية القدوة العملية في التعامل والخلق والسلوك . ويبقى شرف 
الخصومة والحفاظ على العهد والصدق في الرضا والغضب . هو مدار الدعوة الحقيقى › وګوره 
فإذا تزلزل المحور. تمزقت الصورة وتبعثرت في تقييم الخصوم هذه الدعوة . 

وحين نربح أولئك الخصوم , من خلال القدوة العملية » والوضوح الفكري . نستطيع أن 
لتكلم معهم من منطق القوة والاعتزاز بهذا الدين والثقة بأن المستقبل لهذا الدين . وحين نربط 
هذه القضايا معا بالقضية المادية المكافئة. نستطيع أن تتحرك مله 
المحاور جميعاً نحو ال هدف الأول » هدف : إسقاط الخصم في خضم هذه العقيدة . وني لب هذا 
الدين . لا بإسقاطه وتصفيته » وتكوين تجمع يثأر له من بعده , 

ومحرص رسول الله بتي على أن يتلوا اية براءة بين يدي حاتم ويوضح له من خلال هذه الآية 
أنه ليس على دين كما كان يحسب عدي ويتصور وبذلك تنقطع المبررات التي تدفع الخصم 

ونقول في هذا الصدد إن هذا الخط من الوضوح الفكري والقدوة العملية ليس مرتبطاً 
بمرحلة معيئة فقد رأينا. والمسلمون في أشد حالات الخ لضعف في الحبشة . وثراه اليوم والمسلمون 
أسياد الجزيرة العربية . لكن الذي يحكم هذا الخط. هو أن لا يتحول هذا الموقف إلى السباب 
والشتيمة . والغضب للنفس » فإن القيد الأكبر لهذا الحوار والجدل» هو أن يكون بالتي هي 
أحسن . أي بالصورة التي لا يوجد أحسن منها على الإطلاق . . . وجدال التي هي أحسن هو 
الذي يثمر حصا منفعاا مع عقيدة الإسلام . أو معترفاً بعظمة التعامل فيه . 


سادساً : وفود الجئوب : 
وكالت هذه الوفود ترد إلى رسول الله ا معلئة ولاءها ودنحوها ف الإسلام 3 وذلك من 
خلال الدعوة إلى الله تعالى . ودون توجيه جيوش إليها . وذلك بعد أن رأت سقوط مقاومة قريش 
اما - 


وثقيف وغطفان وتميم وطيء قلب جزيرة العرب ٠‏ ودخوها في الإسلام ونعرض هذه الوفود بحيث 
نرى تماذج الدعوة إلى الله من خلا ها , 

أ فهذا ضمام بن ثعلبة الذي يمثل صدق الأعراب وصغاءهم وقوة شكيمتهم (. 
حتى وقف على رسول الله يتل في أصحابه . فقال : أيكم ابن عبد المطلب؟ فقال رسول الله #5 : 
أنا ابن عبد المطلب . قال : أمحمد؟ قال : نعم : قال : يا ابن عبد المطلب اني سائلك ومغلظ 
عليك بالمسألة فلا تجدن في نفسك . قال : لا أجد في نفسي » فسل عم بدا لك. قال : انشدك الله 
إلمك وإله من كان قبلك وإله من هوكائن بعدك , الله بعثك إلينا رسولا؟ قال : اللهم نعم . قال 
فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك . الله أمرك أن تأمرنا أن نعبده وحده 
لاا نشرك به شيئاً. وأن نخلم هذه الأنداد التي كان اباؤنا يعبدون معه؟ 
قال : اللهم نعم » قال: : فأنشالك الله إههك وإله من كان قبلك وإله 
من هوكائن بعدكء الله أمرك أن نصي هذه الصلوات الخمس؟ قال: اللهم نعم 
قال: ثم جعل يذكر فرائض الإسلام فريضة فريضة الركاة والصيام والحسج وشرائع 
الإسلام كلها. ينشده عند كل فريضة منها كا ينشده في التي قبلها . حتى إذا فرغ قال : فإنٍ 
أشهد أن لا إله إلا الله » وأشهد أن محمداً رسول الله . وسأؤدي هذه الفرائض واجتلب ما يتفي 
عله » ثم انصرف إلى بعيره راجعا قال . فقال رسول الله به : إن صدق ذو العقيصتين دحل 
الجئة . قال فأتی بعيره فأطلق عقاله » ثم حرج حتى قدم على قومه » فاجتمعوا إليه ‏ فكان أول ما 
تكلم به أن قال: بثست اللات والعزى. قالوا: مه يا ضمام! إتق البرص› إتق الجذام. اتق 
الجنون! قال : ويلكم ! إنبما والله لا يضران ولا ينفعان » إن الله قد بعث رسولاء وأ نزل عليكم 
كتاباً استنقذكم به ما كنتم فيه . وإني أشهد أن لا إله إلا الله ء وان محمد عبده ورسوله . وقد 
جنتكم من عنده بما أمركم به » وما نباكم عنه . قال : فوالته ما أمسى من ذلك اليوم في حاضره 
رجل ولا امرأة إلا مسلا . قال : يقول عبدالله بن عباس : فها سمعنا بوافد قوم كان أفضل من 
ضمام بن تعلبة .))١‏ 

إنه ليدور في خلدي ذلك الإنسان الذي عاش في صحرائه . ضمام بن تعلية ٠‏ منسجما مع 
نفسه في | بله وأهله . وله السيادة في قومه . جاء إليه من حدثه عن محمد رسول الله . فَسَرْ في قلبه 
سروراً عظيً . وعزم على أن يمضي بنفسه ليلقى هذا الرسول من عند رب العالمين » وسوف 
يناشده الله أن يصدقه » ومضى ببذا التصميم إليه » ونفسه تتوق طيلة الطريق إلى ذلك اللقاء 
الاغلاظ في المسألة . وصمم على أن يناشده ربه عن كل شيء . حى إذا تأكد من صحة كلام هذا 
اللبعوث من عند الله تعالى » أحذ الأوامر المرسلة » والنواهي المجتنبة ‏ ومضى إلى قومه وقد انتهى 


)١(‏ السيرة لابن هشام "ااه هلاه 


_ "ما 


إلى اليقين الاي في نفسه , وأمام هذا الان العجيب» دخل قومه كلهم في الاسلام . وم يكلف 


دخول هذه القبيلة كلها أكثر من كلمات : (اللهم نعم) من رسول الله ا بيا كلف دحول 
قريش في الإسلام حرب عشرين عاماً أو تزيد. 


وهكذا تضم الحركة الإسلامية إلى رصيدها هذه الصورة الجديدة من الدعوة التى لا تعدو 
أكثر من إجابة واحدة على أسئلة تحددة . وتدخل الى قلوب هذه النماذج . هذا الوضوح 
والصراحة . 


قد نجد الشباب الإسلامي يقرأ المجلدات من الفكر الإسلامي ولكنه يعجز عن الوصول 
إلى عامة الناس وسوادهم » فهو لا يعرف اللغة التي يفهمون بها . قد يتحدث معهم عن الفلسفة 
الإسلامية ونظام الحكم. ونظام القضاء والايديولوجية لكن دون جدوى فهو في واد 
وجماهير الأمة في واد اخرء وقد لا يكلف التفاهم مع هذه الجماهير أكثر 
من وليمة أو كلمة ثناء أو أريحية في خدمة ,أو تبسيط دون أي تعقيد »وهذا ما رأيناه في هذا الموقف 
الذي لم يكلف نبي الله تعالى أكثر من قوله «اللهم نعم» ثم اعطى الدرس لأصحابه : إن صدق ذو 
العقيصتين دخل الحنة , 

ب- وعلى نبج ضمام كان مقدم الجارود في وفد عبد القيس . (فلما عرض عليه رسول الله يل 
الاسلام ودعاه إليه ورغبه فيه فقال : يا محمد إني كنت على دين » وإني تارك ديني لدينك . أفتضمن 
لي ديني » فقال : رسول الله لا : نعم أنا ضامن أن قد هداك الله إلى ما هو خير منهء قال : فأسلم 
وأسلم أصحابه؛ ثم سأل رسول الله ا الحملان فقال : واللله ما عندي ما أحملكم عليه قال : يأ 
رسول الله فإن بيئنا وبين بلادنا ضوال من الناس . افنتبلغ عليها إلى بلادنا؟ قال: لا إياك وإياها 
فإنما تلك حرق النار. فخرج من عنده ا جارود راجعاً إلى قومه» وكان حسن الإسلام صلباً على 
دين حتى هلك وقد أدرك الردة. فلا رجم من قومه من كان أسلم منهم إلى دينهم الأول قام 
ا لجارود فتكلم شهادة الحق » ودعا إلى الإسلام فقال: أيها الناس إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن 
محمد عبده ورسوله وأكفر من لم يشهد (0)) . 


فقد اكتفى الجارود حين ترك دينه بضمائة رسول الله ية له ديئه السابق » وشل القاعدة 
الصلبة في البحرين . حيث سبقه حاكمها المنذر بن ساوى العبدي إلى الإسلام وعلى رأس هؤلاء 
العلاء بن الحضرمي موفدُ رسول الله يق إليهم وكان الجارود والعلاء هما اللذان وقفا مع المؤمنين 
في وجه المرتدين الذين قادهم الغرور بن المذر ! بن النعمان بن المنذر. وتبقى القاعدة الصلبة هي 
الحصن الحصين للدعوة وقت الأزمات. 
)١(‏ السيرة لابن هشام ج4- هلاه 
145 - 


ج- ومن قبائل الجنوب مراد وزبيد ومذحج يقدم فروة بن مسيك المرادي على رسول الله وَل 
مفارقاً ملوك كندة » ومباعداً لهم إلى رسول الله صلوات الله عليه (فلم| انتهى إلى رسول الله قال له : 
يا فروة هل ساءك ما أصاب قومك يوم الردم . فقال : يا رسول الله من ذا يصيب قومه مثل ما 
أصاب قومي يوم الردم لا يسوءه ذلك فقال رسول الله بَا أما إن ذلك لم يزد قومك في الإسلام إلا 
خيرا واستعمله النبي ب على مراد وزبيد ومذحج كلها وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص 
على الصدقة » فكان معه في بلاده حتى توفي رسول الله يفخ ) . 

فالمعارك بين مراد وهمدان هي التي دفعت فروة بن مسيك لمفارقة قومه | إلى المدينة ‏ ومن أجل 
هذا قال له عليه الصلاة والسلام : (أما إن ذلك لم يزد قومك في الإسلام إلا خيراً) إذ دفعه ليكون 
من السابقين للاسلام . 

ونلحظ أن رسول الله َة كان يحرص على إبقاء قادة القبائل في مواقعهم من زعامة قبيلتهم 
بيا يبعث معهم أحد صحابته ليفقة القوم بالإسلام , وبذلك تبقى النفوس على عهدها دون أن 
تحمس بإهانة أو تحطيم » ويبقى كيان القبيلة وزعامتها ضمن إطار الإسلام . وهذا خط نبوي 
واضح يحسن أن تعيه الحركة الإسلامية في الاستفادة من الزعامات بحيث لا تشعر أن الإسلام 
خطر عليها إن هي انضوت تحت لوائه لكن دون أن يتخذ الإسلام مطية لظلمها وتعسفها . 

د وقد أدى دخول مراد في الإسلام إلى أن تنافسها *مدان. فيتحرك وفدها إلى المدينة 
فيلتقوا مع رسول الله َة مرجعه من تبوك بكل ثقلها شعراء وأمراء (فقام مالك , بن نمط بين يديه 
فقال : يا رسول الله نصية؛) من همدان من كل حاضر وباد. أترك على فلص »١(‏ نواجم) متصلة 
بحبائل الإسلام , لا تأخذهم في الله لومة لاثم » من حلاف خارف ويام وشاكر أهل السودد؛) 
والقودره) » أجابوا دعوة الرسول وفارقوا لمات رم الأنصاب(مم عهدهم لا ينقضض ما أقامت لعلم 
> وما جرى اليعفور(م) بصلعره . فكتب لهم رسول الله تة هذا كتاب من رسول الله محمد, 
لاف حارف وأهل جناب الحضب وجقافر١)‏ الرمل مع وافدها ذي المشعار مالك بن ثمط ومن 
أسلم من قومه على أن لهم فراعها ووهاطها ما أقاموا الصلاة واتوا الزكاة يأكلون علافهام ۾ ويرعون 
عافيهار؟) لهم بذلك عهد الله وذمام رسوله » وشاهدهم المهاجرون والأنصار فقال في ذلك مالك 


)١(‏ النصية : خبار القوم (۷) الأنصاب : حجارة يأبحرن لها 

(؟) قلص : الابل الفتية (۸) اليعفور: ولد الظبية 

(۳) نواج : مسرعة (9) صلع : اسم موضع 

(4) السود : الابل )٠١(‏ الحقاف: جمم حقف وهو الرمل المستدير 
(8) القود : الخيل )١١(‏ علافها: ثمر الطلح 

(5) الإلهات, جمع آلمة (۱۲) عافيها نباتها الكثير 


١8686 ب‎ 


بن غط 


فعا حملت من ناقة فوق رأسها أشد عل أعدائه من محمد 
وأعطى إذا ما طالب العرف جاءه وأمضى بحدالمشرفي الهند 


ا وقدم على رول اله يفل كتاب ملك حير مقدمه من تبوك ورسوله إليه بإسلامهم ؛ 
الحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال. والتعمان ن قيل00 ذيى رعين ومعافر وهمدان إ!وبعث 
إليه زرعة ذو يزن مالك بن مرة الرهاوي بإسلامهم . ومفارقتهم الشرك وأهله . 


و ثم بعث رسول الله يني خالد بن الوليد في شهر ربيع الأخر أو جمادى الأولى سنة عشرء 
إلى بني الحارث بن كعب بنجران» وأمره أن يدعوهم إلى الاسلام قبل أن يقاتلهم ثلاثاً فإن 
' استجابوا فاقبل مہم » وإن لم يفعلوا فقاتلهم » فخرج خالد حتى قدم عليهم فبعث الركبان 
يضربون في كل وجه ويدعون إلى الإسلام , ويقولون أمها الناس أسلموا تسلموا فأسلم الناس 
ودتخلوا و فيها دعوا إليه ٠‏ فأقام فيهم خالد يعلّمَهُم الإسلام » وكتاب الله وسنة نبيه ب » وبذلك كان 
مره يق إن هم أسلموا ولم يقاتلوا . 

فأقبل حالد إلى رسول الله يقي وأقبل معه وفد بني الحارث بن كعب . فلما وقفوا على رسول 
الله هة سلموا عليه وقالوا : نشهد أنك رسول الله.. وأنه لا إله إلا الله . ثم قال رسول الله اء 
أنتم الذين إذا زجروا استقدموا فسكتوا ؛ فلم يراجم مم أحد ثم أعادها الثانية؛ فلم يراجم 
منم أحد. ثم أعادها الثالثة فلم يراجعه منهم أحد» ثم أعادها الرابعة فقال يزيد بن عبد المدان : 
نعم يا رسول الله نحن الذين إذا زجروا استقدموا » قالها أربع مرار فقال رسول الله يله : لو أن 
خالداً لم يكتب إل أنكم أسلمتم ول تقائلوا لألقيت يت رؤوسكم تحت أقدامكم » فقال يزيد بن عبد 
المدان : أما والله ما حمدثاك ولا حمدنا حالدا ٠‏ قال : فمن حمدتم؟ قالوا : حمدنا الله عر وجل الذي 
هدانا بك يا رسول الله . قال صدقتم ٠‏ ثم قال رسول الله به بم كنتم تغلبون من قاتلكم في 
الجاهلية ؟ قالوا : لم نكن نغلب أحدأ ۽ قال : بل قد كنتم تغلبون من قاتلكم , » قالوا : كنا نغلب 
من قاتلنا يا رسول الله أنا كنا نجتمع ولا نتفرق» ولا نبدأ أحداً بظلم . قال : صدقتم » وأمر 
رسول الله يي على بني الحارث بن كعب قيس بن الحصين فرجع وفد بني الحارث إلى قومهم في 
بقية من شوال أو في صدر ذي القعدة فلم يمكثوا بعد أن رجعوا إلى قومهم إلا أربعة أشهر. حتى 
توفي رسول الله يلة. ورحم وبارك ورضي وألعم . 

لقد تمرك جلوب الجزيرة العربية كلهاء نجران وهمدان ومراد وزبيد ومذحج » بقلوب 
مفتوحة للإسلام . ونفوس متعطشة إليه » بين دخل وسط الجزيرة العربية هربا من السيف . فكان 


٥۹٤-٥۹۲ ٤ج السيرة لابن هشام‎ )١( 


محضن السردة فيا بعد. وبقي الشمال العربي مستعصياً فلم تتحرك وفوده إلى 
المدينة » أما ملوك العرب في الحنوب حير وكندة فقد جاؤوا مستسلمين لله عز وجل منيبين إليه كما 
وصفهم رسول الله يك أرق قلوباً وأرق أفئدة . 

غير أن بني الحارث بن كعب كانت طريقة دعوتهم مختلفة فقد بعث رسول الله وَل خالدا 
إليهم » لأنهم مشهورون بقوة شكيمتهم وشدة بأسهم . وخالد , بن الوليد قد طغت شهرته في 
الأرض العربية من حيث كفاءته القيادية فلا بد أن يشعر القوم بالقوة المرهوبة الجانب » ومن طرف 
حر فالفشل الدعوي الذي لقيه خالد رضي الله عنه في بني جذيمة . كان لا بد أن يغسله في موقف 
دعوي خر فكانت الفرصة المتاحة الجديدة في بني الحارث بن كعب . كان لا بد له أن يضبط 
أعصابه ويتحلى بالصبر الطويل على الق البشرى. والتعنت البشري وهذا أشق عليه ألف مرة 

من الصبر في المعارك وتحمل ضراوباء وأن يتعود هذا السيف الذي سله الله على المشركين » أن 

يغمد أمام سيل الدعوة المنطلق فترة من الفترات هو أمر ضروري فعظمة الالتزام أن يكون هذا 
السيف تحت إمرة الله ورسوله وأن تجرب مشاق الدعوة ووعورتها وأثرها الضخم في النفس 
الإنسانية . 

ونجح ابن الوليد أيما نجاح في هذه الدورة التدريبية على الدعوة » وهيأ الله تعالى له في مدحر 
أجر , أن يكون إسلام بني الحارث بن كعب على يديه » وبذلك أصبح الجنوب العربي إسلاميا 
حالصا لله وحده . 


صصص ت 


ا 5 


السهة الخامسةعشرة. 
الخدي الاڪ رللروم يذ غزوةٍ تبوك 


في شمال الحزيرة العربية كما ذكرنا من قبل كان إقبال الوفود العربية قليا جداً , إلا ماذكر 
من وفد بل . ؛ ووفد فرع من قضاعة غير أن الحدث المهم في شمال جزيرة العرب هو إسلام فروة 
بن عمرو الجذامي الذي كان قائدا من قواد الروم » ووالياً لهم على من يليهم من العرب وكان 
منزله معان وما حوها من أرض الشام . فلا بلغ الروم ذلك من إسلامه طلبوه حتى أخذوه فحبسوه 
عندهم فقال في محبسه ذاك : 
وقد علمت أبا كبيشة أنني وس لعز لا ا لسساني 
ولقد جمعت أجل ماجمع الفتى من حودة وشجاعة وبيان 
فلم| أجمعت الروم لصلبه على ماء لهم يقال له عفراء بفلسطين قال : 
ألا هل أق سلمى بأن حليلها عل ماء عفرا فوق إحدى الرواحل 
وما قدموه ليقتلوه قال : 1 , 
بلغ سراة المسلمين بأنني سلم لسري أعظمي ومقامي 
وكا كان السبب المباشر في مؤنة مقتل الحارث بن عمير الأزدي رسول رسول الله بي وكان 
السبب المباشر في تبوك هو مقتل فروة بن عمرو الجذامي الذي استغاث بالمسلمين وبرسول الله يكين 
وتبع هذا الأمر حشود ضخمة على الحدود الشمالية » وكانت الأنباء تترامى إلى المدينة بإعداد 
الرومان للقيام بغزوة حاسمة ضد المسلمين حتى كان الخوف يتسورهم في كل حين لا يسمعون 
صوتأ غير معتاد إلا ويظنونه زحف الرومان . ويظهر ذلك جليا ما وقع لعمر بن الخطاب فقد كان 
النبي بذ آلى من نسائه شهراً فهجرهن) ففي صحيح البخاري (وكنا تحدئنا أن آل غسان تنعل 
النعال لغزونا فنزل صاحبي يوم نوبته » فرجم عشاءً فضرب بابي ضرباً شديدأ وقال 1 ثم هو؟ 
ففزعت فخرجت إليه » وقال حدث أمر عظيم ۽ فقلت ماهر؟ اجامت قا ؟ تل۷ بر 
أعظم منه وأطول » طلق رسول الله ل نساءم)رم . 


(١)لا‏ يحص ؛ لا يقطم 
(؟) الرحيق يق المختوم للمباركفوري 4۸۳ 
( ۳ ) صحیح البخاري ۳۳٤/۱‏ 


5 AY _ 


وإن قيمة الجندي المسلم عظيمة في الإسلام » وحين يكون المسلمون قادرين على حمايته فلا 
بد من ذلك أو الثأر له ولو اقتضى الأمر إشعال حرب كاملة من أجله » وما بيعة الرضوان بسرء وما 
غزوة تبوك بسرء وما غزوة مؤتة بسر, وما سرية أسامة إلى تخوم الشام بسر إذ قامت هذه جميعا ثأرا 
من الغادرين الذين يقتلون الرسل ويستخفون بالأعراف الدبلوماسية حين يكون عدوهم مهيض 
ا جناح حسب ما يتصورون . فالرسل لا تقتل في الأصل وما يقدم على ذلك الغادرون الا تحديا 
لخصومهم في ذلك , 
وسنعرض لغروة تبوك في خطوط عريضة تتناسب مم طبيعة هذه السمة . 
الخط الأول : التظاهرة الكبرىفي تحرك ثلاثين ألفاً من المسلمين: فقد أمر رسول الله يذ 
أصحابه بالتهيؤ لغزو الروم وذلك في زمان عسرة من الناس وشدة من الحر. وجدب من البلادء 
وحين طابت الثمارء والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلاهم , ويكرهون الشخوص على الخال 
من الزمان الذي هم عليه » وكان رسول الله يه قلا بخرج في غزوة إلا كنى عنها ء وأخبر أنه يريد 
غير الوجه الذي يصمد له الاما كان من غزوة تبوك فإنه بينها للناس . لبعد الشقة وشدة الز :مال 
وكثرة العدو. الذي يصمد له ليتاهب الناس لذلك أهبته. فأمر الناس بالجهاز وأخبرهم أنه يريد 
الروم:) . 


(ثم إن رسول الله هة جد في سفره وأمر الاس اجهاز يحض امل ال لخنى على الثفقة 
نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها)٠)‏ . 

(ثم إن رجالا من المسلمين أتوا رسول الله هه وهم البكاؤون وهم سبعة دفر من الأنصار 
فاستحملوا رسول الله تي وكانوا أهل حاجة . فقال : لا أجد ما أحملكم عليه ٠‏ ولوا واعینہہ 
تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون )رم . 

(وجاء المعذرون من الأعراب فاعتذروا إليه فلم يعذرهم ابله تعالى )(1) , 

وكان الا تجاه الاسلامي أن لا يتخلف أحد عن المعركة , » فمد كان عليه الصلاة والسلام بعد 
انطلاقه من المديئة كلما ذكر له تخلف أحد من أصحابه أو الْخلّص منهم كان يقول : إن يكن به حر 
فسيلحق بنا , 

وجرى فاك مع اي ذر الففاري وأبا خيئمة . 
سول لل يسان حير ل بن قفار فان فقا ماع أ وك يل تخلف أن يحما 


018 السيرة لابن هشام ج 4 ص 015 (؟ و” و ؛ ) المصدر نفسه ج 4 ص‎ )١( 
- AA - 


على بعير من إبله امرءا نشيطا في سبيل الله » إن أعر أهلي عل أن يتخلف عن المهاجرون والأنصار 
وغفار وأسلم )ر١‏ . 

فلا رحل رسول الله هة من ثنية الوداع عفد الألوية والرايات فدفع لواءه الأعظم إلى أبي 
بكر رضي الله عنه ؛ ورايته العظمى إلى الزبير » وراية الأوس إلى أسيد بن الحضير » ولواء 
الخزرج إلى أبي دجانة » وأمر كل بطن من الأنصار , والقبائل من العرب أن يتخذوا لواءٌ أو راية 
وساروا معه ثلاثون ألفا 3 وعشرة ألاف فرس 3 واثنا عشر ألف بعير )٠)‏ : 

ولا شك أن هذه التظاهرة الضخمة سوف تكون حديث الركبان في جزيرة العرب » فقد 
ارتفع العدد ثلاثة أضعاف عما كان في فتح مكة . ولش كانت العملية الفدائية الأولى إلى تخوم 
الروم ثلاثة اللاف في مؤتة فقد بلغت هذه الحملة عشرة أضعاف تلك » إنه لتطور ضخم ابتدأ في 
العام الأول للهجرة بثلائين راكب . وانتهت في العام التاسع للهجرة بثلاثين ألفأ . وهذا يعنى أن 
الجيش الإسلامي ارتفع خلال تسم سلوات ألف ضعف عم ابتدأ به . 
انط الثاني مسير الغزوة وعملياتها 

کا ذكرت فلم يكن في الحملة الضخمة مواجهة تذكر لأن عرب الشام سمعوا بضخامة 
الحملة فتفرقوا في البلاد . كا أن هرقل لم يكن بنيته مواجهة محمد رسول الله لما يعرفه عنه . 

0 7 7 1 

بالمسير فسر » فقال : لوامرت بهما استشرتكمفيه ! قالوا : يا رسول الله إن للروم جموعا كثيرة › 
وليس بها أحد من أهل الإسلام » وقد دنوت مهم حيث ترى » وقد أفزعهم دلوك فلورجعت هذه 
السنة حتى ترى » أو يحدث الله لك في ذلك أمرا )م . 

كما كلف رسول الله ونيا البطل المغوار خالد بن الوليد باختطا ف أكيدربن عبد الملك بدومة 
الجندل في اربعمائة فارس » وكان أكيدرنصرائياً ( فقال خالد يا رسول الله كيف لي به وهو وسط 
بلاد كلب » ونما أنا في أناس يسير فقال : ستجده يصيد البقر فتأخذه وقال : فلا تقتله وائت به › 
مقمرة وهو على سطح له من الحر » ومعه امرأته وقينة تغنيه وقد شرب فأقبلت البقرر؛) تحك بقرونها 
باب الحصن , فأشرفت امرأته فرأت البقر فقالت : ما رأيت كالليلة من اللحم » هل رأبت مثل 


٠۲۹ السيرة لابن هشام ج٤ ص‎ )١( 

(۲) امتاع الأسماع للمقريزي ج ١‏ ص 40١‏ 
)۳( المصدر نفسه ج fan; ١‏ 

)٤(‏ ألبقر : بقر الوحش التي تصطاد 


- ۱۸۹4 


هذا قط ؟ قال : لا قالت : من يترك هذا ؟ قال : لا أحد . 

تال أكيدر والله ما رأيت جاءتنا ليلا بقر غير تلك الليلة » ولقد كنت أضمر ها ائيل شهرا أو 
كم رکب بارجال یلال زل فم ر ناسرع وأمربخيل مرجت ؛ وركب مع قر من 
فساعة فصل أجذته الخيل . واستلب خخالد ؛ بن الوليد اخاه حسانا قبا ديياج. غوصاده بذهب 
بعت به إلى وصول له ةمع عمرو بن أمية فجمل السلمون بسرت بم ويتسجبوث م 
وعد أكبدر وأ صان رسول إل و عل الخزية حل یاه وسيل ايوم ) واف أهل 
أيلة وتيماء فقدم ينه بن رؤبة ومعه أهل جرباء وأذرح » فصالحهم عليه السلام وقطم عليهم 
الجزية ) م . 
هناك لمصالحته , وذلك من خلال اختطاف اكيدر في عملية حربية ناجسة وأدت التنظاهرة 
العسكرية والسياسية دورها في إرهاب الشمال العري وكفّه عن التفكير با هجوم على المديئة مستنداً 

إلى قوة الرومان العسكرية . 


الخط الثالث : بروز المنافقين وتخطيطهم من جديد 

بعد أن ضفي المنافقون تقريباً عند صلح الحديبية وبقي وجودهم لا يتعدى بضعة أفراد عاد 
المجتمع الإسلامي فأخل أبعاده بعد الحديبية ثم بعد الفتح » فتضاعف اليش الإسلامي عشرين 
ضعفاً » وكثير من دخل هذا المجتمع كان دافعه الرغبة والرهبة » وكان عبد الله بن أي لايزال على 
قيد الحياة » فاستعاد بناء معسكره ه من جديد » ونظم صفوفه من خلال القاعدة الحديدة العريضة 
التي انضمت له وبرزت مخططات المنافقين بتوزيم المهام بين المدينة قبل النفير ومع اليش وبعد 
العودة إليها . 


أما دورهم قبل النفير فكان ينصب على تخذيل الناس عن رسول الله يل ودعوتهم إلى 
الركون للدنيا ( ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة 


(1) محوصاً بذهب : أن يجعل للثوب صفائح من ذهب على قدر عرض خوص النخل وف صورته 
(۲) امتاع الأسماع ج No EY: ١‏ 
(؟) المصدر نفسه ج ١‏ لع 


~~ ۹۰ 


بالكافرين(1) 6( وقالوا لا تنفروا في ا لحر »قل نار جهنم أشد حرأ لو كانوا يفقهون )) ٠‏ ولو أرادوا 
الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعائهم فثبطهم وقيل : اقعدوا مع القاعدين €( . 

وأما دورهم في اليش فكان في مخالفة الأوامر » وبث الفتنة في الجيش والفرقة فيه . وعلى 
رأس هذه المخططات جميعا محاولة اغتيال رسول الله با لإ يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة 
الكفر وكفروا بعد اسلامهم وهموا با لم ينالوا وما نقموا الا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن 
يتوبوا يك حيرا لهم ؛ وإك يتولوا يعذبهم الله عذاباً ألما في الدنيا والآخرة وما هم في الأْض من ولي لا 
نصير ) وأحبط الله تعالى تخططاتهم بإطلاع نبيه عليها حين هموا ما ل ينالوا ومع وضوح الحريمة 
الغادرة فلم تقم ضدهم عمليات قتل أو تصفية جسدية » حفاظا على السمعة العامة للجماعة 
المسلمة أن يقول الناس إن محمد يقتل أصحابه » ومنعاً لتكتل قد يظهر على الساحة فيجر بعض 
الموتورين وهم كثر من دحل في دين الله خوفاً على مصلحته » وأما في المديئة فقد كانوا يخططون 
لافتتاح مركز حاص لهم يأوي إليه كل المنافقين وهو مسجد الضرار الذي وعد رسول الله يي 
بافتتاحه والصلاة فيه بعد العودة من تبوك ‏ وأطلع الله تعالى نبيه على ا هدف من ذلك ؛ فبعث من 
يحرق مسجدالضرار يمن فيه : ظ والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً 
لمن حارب الله ورسوله من قبل » وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون #ره) . 

وكانت آيات سورة براءة التي نزلت في المنافقين قرابة ماثة آية أعنف حرب اعلامية عليهم , 
كشفت جميع مخططاتهم وعرتهم تعرية كاملة في المجتمع الاسلامي حتى كان الصحابة يطلقون 
عليها أسماء عديدة منها المخزية والفاضحة والمبعثرة واستطاعت هذه الحملة الناجحة أن تبزم 
معسكر النفاق . وتعيد الكثيرين منه إل الصف الاسلامي الخالص » فيحسن إسلامهم وكان 
أكبر فاجعة نزلت بهم هي موت عبد الله بن أبي زعيمهم » وكي لا يفتح رسول الله يق معركة مع 
اتباعه فيها بعد فصل عليه واستغفر له وأعطاه كساءه وعاتب الله تعالى نبيه في ذلك بقوله : ولا 
تصل على أحد منهم مات أبدأ > ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون 
5 . 

وهذا الخط السياسي الذي اختاره النبي وق في عملية البناء الداخلي تحتاج الحركة 
الإسلامية اليوم إلى دراسة أبعاده وجوانبه وأساليبه بحيث تستطيع أمام أي خلل في صفها أن 
تعالجه بتفتيت ذلك التجمع المضاد. وفضح أهدافه وضرب مركز القوة فيه حتى لا ينساق سواد 
الصف معه» وأية معالحة غير هذه المعالجة تصل بالصف الإسلامي كله إلى التفجر والتشرذم 


١ (‏ ) سورة التوبة : 4)۹ ( ٤‏ ) سورة التوبة : ۷٤‏ 
7١١‏ )التوبة : 1م (ه ) التوبة ٠١١‏ 
( ۳ ) التوبة : 45 ( ٦‏ ) التوبة : ۸٤‏ 


۔ ۹۱ ہہ 


والصلة المستمرة بالقواعد. والتوعية التربوية والسياسية الي تشير إلى دور المغامرين والمقامرين 
بمصير الجماعة » دون أن تتحول القضية إلى حرب شخصية أو صراعات فردية هي صمام الأمان 
لسلامة خط الجماعة. وحسزسيرهاإلى الهدف الذي تسعى إليه وجهاز الأمن القري للجماعة 
الذي يكشف كل المحاولات الخبيثة لتهديم الصف المسلم هو ضرورة ماسة في كل حركة إسلامية 
ويبقى المحور الاسلامي في هذا المجال هو عزل قادة النفاق أو المشاقين للجماعة المستغلين اء 
دون أن يبقى معهم مفرر واحد. 
الخط الرابع : المخلفين(ى الثلاثة وموقف المجتمع الإسلامي منهم 

ورغم أن الصحابة الثلاثة رضي الله عنم هم واحد من عشرة الاف بالقياس إلى الجيش 
المسلم لكن أثر موقفهم في المجتمع الاسلامي لم يكن أقل من خط مغبجي للحركة تقتفي أثاره . 

فقد تخلفوا عن المعركة دون عذر. وصدقوا الله ورسوله وقال هم عليه الصلاة والسلام : 
(أما هذا فقد صدق. فقم حتى يحكم الله فيك) . 

وكان التوجيه الرباني بالنسبة هؤلاء الثلاثة هو مقاطعتهم من المسلمين (وبى رسول الله هة 
عن كلامنا أا الثلاثة) وكانت ممنة من الطرف الآخر لهذا الصف ؛ ومدى استجابته للمرقف 
الحازم من المخالفين من جنوده, وثبتت قوة الصف والتحامه في المفاصلة مع هؤلاء الثلاثة في أروع 
ما يحمل تاريخ الدعوات من صور لدرجة أنهم يسلمون فلا يرد عليهم السلام, ولكن أعظم ما في 
هذه المفاصلة ولا شك هو الأمر الأخير لزوجاتهم بمقاطعتهم, وقد لجحث حتى هذه الخطوة وتحقق 
العزل الكامل لهم في صورة لم يشهد التاريخ مثيلا لها: وما أظنه يشهد (فأقمنا على ذلك أربعون 
ليلة من الخمسين إذا رسول الله يأتيني فقال إن رسول الله يأمرك أن تعتزل امرأتك قال قلت أطلقها 
أم ماذا؟ قال لا بل اعتزها ولا تقربها) . 

وتبلغ أهمية هلا ا موضوع وخخطره على الصف الإسلامي أن بلغ أعداء الإإسلام في الشام 
حتى بعثوا يتصلون بكعب بن مالك أحد الثلاثة والشاعر الإسلامي المشهور يعرضون عليه 
الإنضمام إليهم إذا نبطي يسأل عني من نبط الشام من قدم بالطعام يبيعه بالمديئة يقول من 
يدل على كعب ر بن مالك قال فجعل الناس يشيرون إلي حتى إذا جاءني فدفع إلي كتاباً من ملك 
غسان وكتب كتاباً في سرقة من حرير فإذا فيه أما بعد فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك, و1 
يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسك قال: قلت: حين قرأتها: وهذا من البلاء أيضا 
قد بلغ بي ما وقعت فيه أن طمع بي رجل من الشرك فعمدث بها إلى تنور فسجرته فيها) وإذا كان 
كعب رضي الله تعالى عنه قد فضح هذه الصلة. وعمد إلى الكتاب فأحرقه فكم إِذن يا ترى مر 


۹۲ 


على الجماعة المسلمة . 

وحتى تعرف الحركة الإسلامية سلامة صفها فلا بد من أن تعرف مقدرتها على تنفيذ مثل 
هذه الأوامر في قطاع حاص من قطاعاتها وحين لا تنجح في هذا الحيز الضيق فهي على المستوى 
الأوسع أعجز وهي بالتالي تحتاج إلى معاناة مستمرة في محاولة البناء المستمر في الانضباط وال لتزام . 

ونشير في النهاية إلى أن هذا المجتمع قد عاش مأساة إخوته الثلاثة في أشد ما يكون يقظة 
والتزاما وألما حتى أن التوبة حين نزلت من السماء ما مالك صارخ أن يصرخ مع الفجر بأعلى صوته 
من قمة الحبل أن أبشر يا كعب بن مالك حتى إن إحدى أمهات المؤمنين أرادت أن تبشره من المساء 
فقال عليه الصلاة والسلام؛ إذن لا يدعكم الياس تنامون) وظهر الصف لإسلامي فملا أن 


كالحسد الواحد إذا إشتكى مله تداعى له سائر اللحسد با والسهر) وكان أروع ما في 
عضو تداعى € 
الأمر تمام الإنضباط مع تمام العاطفة والحب والإشتراك ف الأمل والألم. 


9 33 


- ١5# ل‎ 


السمّة السادسة عش : 
سورة ببراءة وايتهاء الوجود الويشي 


عاد رسول الله ييخ من تبوك . وانجهت العرب الى المدينة تعلن ولاءها وكان موسم الح 
الحديد (ثم أقام رسول الله چا بقية شهر رمضان وشوالاً وذا القعدة ثم بعث بعث أبا بكر أميراً عل 
الحج من سنة تسع ليقيم للمسلمين حجهم. > والناس من أهل الشرك على منازهم من حجهم. 
فخرج أبو بكر رضي الله عنه ومن معه من المسلمين) . 

قال ابن اسحاق: (وحدثتني حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف عن ابي جعفر محمد بن علي 
رضي الله عنه أنه قال: لما نزلت سورة براءة على رسول الله اة وقد كان بعث أبا بكر ليقيم للناس 
دعا علي بن أبي طالب رضوان الله عليه» فقال أخرج بهذه القصة من صدر براءة وأذن في الناس 
يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى أنه لا يدخحل الجئة كافر» ولا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت 
کر ن ومن كأ لد عند رسو اق عه فووا إلى ر لكرج عل رضي اله عد عل 
بل انور ثم مضب قا یر یکر امس المع واعرب اذك في تلك الست عل موف 
الحج التي كانوا عليها في الحاهلية › حتى إذا كان يوم النحر قام علي بن أي طالب دن باللاس 
بالذي أمره به رسول الله ب فقال :أا الناس إنه لايدحل الل کافر, ولاج بعد العام مشرك» 
ولا يطوف بالبيت عريان ومن كان له عند رسول الله پا عهد فهو له إلى مدته. واجل اناس 
أربعة أشهر من يوم أذن فيهم ليرجع كل قوم إلى مأمنهم أو بلادهم ثم لا عهد لمشرك ولا ذمة إلا 
أحد كان له عند رسول الله يبا عهد إلى مدة فهو له إ إلى مدته فلم يحج بعد ذلك العام مشرك ول 
يطف بالبيت عريان). 


لقد كان حج العام التاسع من حيث الشعائر فيه كامل الحرية للمسلمين والمشركين دون 
وجود ساطة محددة تمنع هذا أو ذاك» ولكن ظهر المجتمع الإسلامي الضخم الذي يقوده أبوبكر 
رضي الله عنه والمسلمون معه يحجون بحجهء ولا يبعد أن يكون كثير من المسلمين مع قبائلهم وفي 
مواقعها. 
وكان هذا التجمع مناسبة طيبة لإعلان الأوامر الربانية في إنهاء الوجود الوثي في جزيرة 
العرب والذي استمر عدة قرون وفي الكعبة المشرفة . 
5 


ولقد تم خلال احج الماضي إزالة الأصنام من مكة فقط وكانت تظاهرة عمرة الجعرانة قبيل 
الحج فقط. غسير أن إعلان الأحكام الإسلامية في منى يوم النحر كان من 
الأهمية بمكان ويعني أن شريعة الله سوف تطبق كل أحكامها وعلى الناس جميعا خلال مدة زمنية 
أقصاها أربعة أشهر إلى السنة فخلال سنة وحتى يحل الحج القادم فيمكن التساهل وغض النظر 
عن بعض مظاهر الشرك في البيت الحرام , أما الذين كان لهم وجود قانوني ثابت من خلال عهود 
ومواثيق مع رسول الله با (فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم) لكن استمرار الشرك بصورة دائمة 
فهذا مرفوض في شريعة الله في مكة وجزيرة العرب فالعهود المفتوحة بدون قيد والتجمعات 
المشركة القائمة بدون عهد حدد الإنذار النبائي ها أربعة أشهر لإعلان الإنضمام إلى المسلمين أو 
المواجهة معهم . 

(براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر 
واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله حزي الكافرين وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج 
الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير 
معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم > إلا الذين عاهدثم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا 
وم يظاهروا عليكم أحدا اقرا ليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين» فإذا السلخ الأشهر 
الحرم فاقتلوا المسركين ست وجاقوف وتوص وا ررم واقعدوا هم كل مرصد فإن تابوا 
وأقاموا الصلاة راتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم وإن أحد من المشركين استجارك 
فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلخه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون)2١).‏ 

وكان هذا الاعلان الرسمي بمثابة حل لأحراب الشرك والوثنية في أرض العرب, إلا التي 
أقامت وجودها بإذن حاص من رسول الله . لا . 

وأهم ما بحسن أن تعيه الحركة الإسلامية من هذا الإعلان أن تفقه قصة التدرج في الحكم 
والأحكام والمنطوات المرحلية المؤدية إلى الهدف؛, وشرف التعامل والعهود والمواثيق مع الآخرين. 

وإننا لنذكر الشباب الدعاة أنه ما بين تطبيق أحكام الإسلام في الشعائر وما بين فت مكة 
سنتان تماما . وكان بإمكان الثبي َة بعد أن انتهى من هوازن وحنين وما حوطا مظفراً متتصرا . أن 
يقيم في مكة إلى الحج » ويمنم خلال شهر أداء كل هذه الشعائر إذ أنه دخل مكة عليه الصلاة 
والسلام في ذي القعدة ولكن العبادات لا تتم بالحظر فقط وبالآمر فقط لقد غادر رسول الله وق 
مكة قبيل احج وجعل أميراً على المسلمين في مكة عتاب بن أسيد الشاب الذي 
لم مض عل | إسلامه شهران أو أكثرء وبقي عتاب بن أسيد رضي الله عله مسح 


"1 براءة‎ ) ١١ 
~~ ۹0 ل‎ 


من أسلم حديثاً من أهل مكة فحج بالمسلمين. وبقي معاذ بن جبل رضي الله عنه في مكة يفقه 
الناس في الدين ويعلمهم القران. 
الله عنه لأداء المهمة نفسها في اليمن. وكانت سنة كافية لأسلمة الحج كله إذا صح التعبير ولكن 
رسول الله يل مدد الأمر عاما اخخر حتى تأحذ التربية مداها» ويأخحذ التفقيه مداه وأن يتعامل مع 
قلوب الناس لا مع أجسادهم لا بد من سلخ اثار الوثنية من القلوب والنفوس التي علقت بها هذه 
الآثار واستمرت التربية سنتين كاملئين حتى كانت حجة الوداع . 

لقد ارتبط الحكم الإسلامي في جانبيه الشعائر والشرائع بهذا المدى الزمني العظيم والسلطة 
الوحيدة المسيطرة هي سلطة المسلمين. وهي القوة الوحيدة في الساحة ومع ذلك اقتضى الأمر هذا 
الدى الزمني الطويل ليمنع فيه حج المشرك وطواف العريان. 
حربية والقلاب عسكري ومنذ اليوم الأول الذي تعلن فيه إسلامية الدولة. وني بلاغات 
متلاحقة. وأيام قلائل . تلغى كل مظاهر الكفر والشرك في الإذاعة والتلفازء ومظاهر الفساد 
ومواخير الزنا في المسارح والملاهي والسيئمات» ويصدر قرار بالحيجاب الإسلامي . 
ويبالغ الشباب بكل أسف في ذلك لدرجة إتهام القيادة المسلحة بالمداهنة في دين الله لو تلكأت عن 
هذا التنفيذ وبالإنحراف» وبموالاة الكفار. 


لقد سمعت ذلك الشاب المتحمس وهو يناقشني على صوت موسيقي ظهر خخطأ في برنامج 
إسلامي » من إذاعة لدولة حليفة يقول لي : هذا هو الانحراف؛ وكا انحرف الفلسطينيون في 
فتح » وانتقلوا من الإسلام في البداية الى العلمانية ها أنتم تنحرفونكذلك, بل وبلغ الحماس عند 
بعض الشباب أن نفض يديه من الجماعة المسلمة حين وجد هذا الصوت في هذا البرنامج . 

لمؤلاء الشباب الذين تقرأ عتابيم وهم رصيد هذه الحركة, هؤلاء نقول رويد رويدا. فها 
هورسول الله ب يستلم السلطة في مكة ويبقى الحرم يعج بالمشركين والعراة سنتين كاملتين حيث 
تم التمهيد المناسب والتفقيه اللازم. والتهيئة النفسية الكاملة وتم بعد هذا كله إلغاء هذه المظاهر 
الماجنة في ظل الكعبة , 

إنه نداء حار إلى الشباب كي يفقه هذا الدرس في أعظم صور المفاصلة بين الاسلام 
والشرك ومع هذا وضع له مدى أربعة أشهر لإلغاء التجمع ومدى سنة كاملة لتنفيذ الحكم 
الإسلامي الكامل في البيت الخرام وغيره وإعلان الحرب على الوجود المشرك» كان في بلاغات لا 

عل 3 


تغدر بالناس ولا تفرض عليهم الأمر فرضاً بل تتيح لهم الفرصة للتعرف والتفقه بحيث يتمكن كل 
فرد في الأمة أن يتعرف على الإسلام من خلال الدعاة المنبثين في كل مكان وكانت عظمة الإنذار 
إلى تجمعه المشرك إن لم يقتنع بالإسلام » دون خطر على وجوده وحياته بل على المسلمين أن يبلغوه 
مأمنه إنها دورة تدريبية كاملة لمدة سنة تتيح لكل مشرك في أرض العرب أن يتعرف على الإسلام 
ويفقه أحكامه خلال هذا العام وله كامل الحرية بعدها في اختيار الإسلام أو الشرك لأن ضمان 
عودته إلى حزبه قائم فأبلغه مأمنه وبعدها تكون الحرب المعلنة أو الدحرل في الدين وليت الشباب 
يدركون عظمة هذا الدرس. وإنهم يتعاملون مع بشر يحرصون على دنحولهم في حظيرة الإسلام ولا 
يتعاملون مع صنم يكسر ويحطم ٠‏ وانتهى الأمر ولا ينسوا أبدا أن المظاهر الماجنة في ظل الكعبة 
بقيت سنتين ورسول الله هة حاكم أرض العرب طالما أن هذا الأمر يخص مقدسات الناس فلا بد 
من التدرج في إزالته حتى يألفه الناس ولا يفرون أو ينفرون. 


2ك 


السمة السابعة عشرة 3 
الحج الأشك ر و ئة لاون النا منالمسلين 


قال ابن اسحاق : فلا دحل على رسول الله اة ذو القعدة تجهز للناس. وأمر الناس بالجهاز 
له وعن عائشة رضصى ي الله عنها قالت : حرج رسول الله يل لخمس ليال بقين من ذي القعدة. 


م مضى رسول الله بل على حجه فأرى لتاس مناسكهمء وأعلمهم سنن جام د 
الناس خطبته التي بين فيها ما بين فحمد الله وأثنى ى عليه ثم قال : أا الناس إسمعوا قولي فإني لا 
أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا مبذا الموقف أبدا: أا الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم 
حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا وكحرمة شهركم هذا. وإنكم ستلقون ربكم 
فيسألكم عن أعمالکم وقد بلغت فمن ٠‏ كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من أئتمنه عليها وإن كل ربا 
موضوع ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون قضى الله أنه لا رباء وإن ربا العباس 
بن عبدالمطلب موضوع كله. » وإن كل دم كان في الجاهلية موضوع وإ أول دمائكم أذ ضع دم ابن 
بيعة بن لحار بن عبد اطلب» وكان م ترضما في بي ليث فقیله هدیل فهو اول ما أبدأ په مل 
دماء الجاهلية أما بعد أيها الناس . فإن الشيطان قد يئس من أن يعبد في أرضكم هذه أبداء ولكنه 
إن يطع فيا سوى ذلك فقد رضي به مما تحقرون من أعمالكم فاحذروه على ديلكم . 

أيها الناس . إن النسيء زيادة في الكفر يُضل به الذين كفرواء يحلونه عاما ويحرمونه عاما 
ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله. ويحرموا ما أحل الله وإن الزمان قد استدار كهيئة يوم 
خلق الله السموات والأرض وان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً . متها أربعة متوالية» ورجب 

مضر الذي بين حمادى وشعبان أما بعد أيها الناس : فإن لكم على نسائكم حقاء ون عليكم حقاًء 
لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحد تكرهونه» وعليهن أن لا يأتين بفاحشة مبينة . فإن فعلن فإن 
الله قد أذن لكم أن تجروهن في المضاجع وتضربوهن ضرباً غير میرح فإن انتهين فلهن رزفهن 
وكسوتهن با معروف» واستوصوا بالنساء خيرا فإبن ن عندكم عوانٍ لا يملكن لانفسهن شيئأء وإنكم 
إنما أخذتموهن بأمانة الله » واستحللتم فروجهن بكلمات الله فاعقلوا أيبا الناس قولي فإني قد 


وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداء أمرأ بيا كتاب الله وسنة نبيه. 
أيها الناس : اسمعوا قولي واعقلوه» تعلّمن أن كل مسلم أخ للمسلم» وأن المسلمين إخوة 
فلا يل لامرىء إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه فلا تظلمن أنفسكمى اللهم هل بلغت؟ 
۱۹۸ 5 


فذكر لي أن الئاس قالوا: اللهم نعم : فقال رسول الله بد : اللهم اشهد. 

قال ابن اسحاق وحدثني عبدالله بن نجيح ان رسول الله يي حين وقف بعرفة قال: هذا 
الموقف للجبل الذي هو عليه وكل عرفة موقف. وقال حين وقف على قزح صبيحة المزدلفة هذا 
الموقف وكل المزدلفة موقف ثم لا نحر بالمنحر بمنى قال: هذا المنحر» وكل منى منحر» فقضى 
رسول الل يل احج وقد أراهم مناسكهم وأعلمهم ما فرض الله عليهم من حجهم من الوق 
ورمي الجمار وطواف البيت وما أحل لهم من حجهم وما حرم عليهم فكانت حجة البلاغ. 
وحجة الوداع وذلك أن رسول الله لم يمح بعدها. 


ارتبط مع حجة الوداع نزول قول الله عز ول عل : «اليو م أكملت لكم دينكم وأقمت عليكم 
نعمتي » ورضيت لكم الإسلام دينا. فمن اضطر في حمصه غير متجائف لإثم فإن الله غفور 
رحيم» . 

وفي صدد الحديث عن المج الحركي لقف على عتبة النباية هذه الخطوات التى ابتدأت 
بقول الله عز وجل : «اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم 


الذي علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم». 


ابتدأ الإسلام بشخص رسول الله يك في مكة في جبل غار حراء وهو شاخحص ببصره بون 
الأرض والسماء وجبريل يقول له أنت رسول الله وأنا جبريل وها هي تنتهي بجوار غار حراء؛ 
وعند الصخرات من جيل عرفه وحوله مائة وثلاثون ألفاً من المسلمين يمثلون جزيرة العرب 
قاطبة » ومن هذا الموقع وفي هذا الموقف يعلن عليه الصلاة والسلام» إهام المهمة» وتبليغ الرسالة 
وإكمال الدين على لسان نيه محمد لد . 


«الموم أكمات لكم دينكم ال الإسلام ديناع» لقد ابتدأت 


الضخمة الي مل الأرض العربية آتذاك. . 


وأمام هذا الحشد الضخم من الأمة» كان الخط الأول خذوا عني مناسككم وبذلك تتجه 
الأمة لترى رسول الله بيه وهو على راحلته بؤدي المناسك فيقتدي الناس جميعا به ٠‏ ويرونه وهو 
على الراحلة بحيث يتم بهذه العملية إلغاء كل المناسك الوثنية التي كانت موجودة في أرض ض الحرم 
واج هو أعظم تجمع بشري في ذلك الوقت فلا بد من إيضاح المعالم الكبرى للدعوة؛ واأني يتم 
عليها التقاء البشر جميعا لا لما من أهمية خالصة وحيث تقف الاس جميعا بعرفه . . أعلن المبادىء 


الكبرى على الناس جميعاً وهي : 
د 155 - 


أولاً: حرمة الأموال والدماء والأعراض. 

وهذا يمثل الخط الفاصل بين الإسلام ونظم الأرض فالشيوعية اليوم تجعل الأموال 
والأعراض والدماء في حكم المشاع كا أن الرأسمالية تبيح الأعراض وتنتهك الأموال وتسفك 
الدماء والميزان الحقيقيللوجود الاسلامي في الأرض هو الحفاظ على حرمة الدماء والأموال 

ثانياً: حرمة الربا وهو الهرم الذي يرتفع الظلم فيه حتى يسحق الفقراء في الأرض . 

ثالثاً: العدل وهو سمة الإسلام الأولى في هذا الوجود وبه قامت السموات والأرض ومن 
أجل ذلك فأول ربا يوضع هو ربا العباس بن عبدالمطلب عم محمد 36 . 

رابعاً: حقن الدماء؛ وذلك حيث يتحول الحكم الإسلامي إلى القصاص» والانتقال من 
مفهوم الثأر إلى مفهوم القصاص . هوانتقال من العشيرة إلى الدولة» ومستوى العدل نفسه في الربا 
هو هو نفسه ف الدماء (وإت أول دم أضعه هودم ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب) والآأمة التي 
تصان أرواحها ودماؤها هي أمة متقدمة جدا في مضمار الحضارة والمدنية وأن يكون الأمن مستتبا 
هو الذي يحقق السعادة للأمة . 


خامساً: إلغاء الوثنية فلن تعود الوثنية للأرض العربية أو تعود الأصنام والأوثان إليها بعد 
أن جاء الحق وزهق الباطل لكن الشيطان سيتدحل في صرف الناس عن الاستقامة على دين الله . 

سادساً: حرمة التلاعب بدين الله فقد انتهى دور الشيطان في أرض الإسلام أن يعيد إليها 
الوثنية من جديد لكنه قد يدخخل في دين الله ما ليس فيه حين يشرّع الئاس مالم يأذن به الله [نها 
الحاكمية لله تعالى وليست للبشر فالنسىء نموذج من هذه النماذج وهو تأخير الأشهر الحرم 
والتلاعب فيها يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما 
حرم الله ويحرموا ما أحل الله ' 


وهذه هي القضية التي يقوم عليها الصراع بين الاسلام والجاهلية إن الحكم إلا لله قضى ألا 
تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم . 


سابعاً: حق الرجل على المرأة ومن خلاله يتبلور النظام الاجتماعي في الإسلام فالمرأة تبع 
للرجل؛ والقوامة للرجل على ال مرأة والمفهومالإسلامي للأسرة هو أن تكون المرأة وقفاً على الرجل 
ولا تأتي بالفاحشة البينة» وعند الفاحشة فللرجل قسر المرأة وقصرها عليه ولو في الضرب غير 
ابرح والهجر في المضجع والموعظة الحسنة . 


امنا : حق المرأة على الرجل وهي حين حبست نفسها عليه فعليه رزقها وكسوتها بالمعروف 
_ ۹ 


وعليه أن يحسن المعاملة فهن أمانة الله عند الرجال؛ وبكلمات الله استحلت فروجهن فاستوصوا 
بالنساء حيرا . 1 


تاسعاً: ودستور الأمة ينطلق من المصدرين الأساسيين ومناط التشريع عليه كتاب الله 
تعال وسنة رسوله ولا ضلال لمن تمسك بهما. 

عاشراً: والرابطة العليا في الأمة هي رابطة العقيدة ورابطة الإسلام فالاخوة من خلاهاء 

وحيث تم تبليغ هذه الميادىء العشر وقد أعلنت في اجتماع يضم مائة وثلاثين ألفا لا بد 
لمؤلاء أن يحملوا الأمانة إلى الأرض كلهاء وإلى الأجيال فيا بعد. ومن أجل هذا كان الخطاب على 
الملا اللهم هل بلغت فتجيب جماهير الأمة اللهم نعم فيرفع يديه لرب السماء قائلا: اللهم أشهد. 


السعة الثامناعشة : 
إلك الخ قالاأعلى بعت اتهام النعمة 


ولا غرابة أن تكون وفاة رسول الله و من سمات هذه المرحلة لأن الوفاة الي ارتبطت بقيام 
دولة الخلافة يعني أن هذا المنيج الحركي لم يكن خاصاً بالنبوة بمقدار ما كان خاصاً بالأمة . ولعل 
معيشة تلك اللحظات يعطى الحدود العامة ههذه السمة . 


روى ابن اسحاق عن عائشة قالت : 


رجع إلي رسول الله بيز في ذلك اليوم حين دحل من المسجد ؛ ۽ فاضطجع في حجري فدخخل 
علي رجل من آل أبي بكر وفي يده سواك أخحضر فنظر رسول الله ب2 | إليه في يده نظراً عرفت أنه 
يريده » فقلت : يارسول الله أتحب أن أعطيك هذا السواك ؟ قال : لمم فأخذته فمضغته له حتى 
لينتّه » ثم أعطيته إياه » قالت : فاستن به كأشد ما رأيته يستنْ بسواك قط » ثم وضعه » ووجدت 
رسول الله يه يُثقل في حجري » فذهبت أنظر في وجهه فإذا بصره قد شخص وهو يقول : بل 
الرفيق الأعلى في الإجلة ؛ فقلت : حيرت فاخترت والذي بعثك بالحق » وقبض رسول الله اة , 

وفي رواية لها كذلك » مات رسول الله يك بين سحُري ونحري وفي دولتي لم أظلم فيه أحداً 
فمن سفهي وحداثة سني أن رسول الله ل بض وهوفي حجري » ثم وضعب رأسه على وسادة ۽ 
وقمت ألتدم مع النساء وأضرب وجهي . 


وروی ابن اسحاق عن أب هريرة قوله , لما توفي رسول الله تقذ قام عمر بن الخطاب فقال : 
إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله 4# قد توفي . وإن رسول الله يا ما مات . لكنه 
ذهب إلى ربه کا ذهب موسى بن عمران » فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم بعد أن 
قيل قد مات » والله ليرجعن رسول الله يليه كا رجع موسى فليقطعن أيدي رجال, وأرجلهم 
زعموا أن رسول الله هة قد مات . وأقبل أبو بكر حتى نزل على باب المسجد حون بلغه الخبر ء 
وعمر يكلم الناس » فلم يلتفت الى شيء حتى دحل على رسول الله و في بيت عائشة . ورسول 
الله مسجى في ناحية البيت عليه برد حبرة فأقبل حتى كشف عن وجه رسول الله لاڈ : ثم أقبل عليه 
فقبله ڈ ثم قال بأبي أنت وأمي » أما الموتة التي كتب الله عليك فقد ذقتها , ثم لن تصيبك بعدها موتة 
بدا ثم رد ابد عل وجه سول اله كل ثم خوج وعمر يكلم اناس : فقال : على رسلك يا عمر 
؛ أنصت » فاب إلا أن يتكلم فلا راه ار یکر ل ينصت ال عل لسن الاس ر 
أقبلوا عليه وتركوا عمر فحمد الله وأثبى عليه ثم قال : أيها الناس إنه من كان يعبد محمداً فإن 

“¥ _ 


محمدأقد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ثم تلا هله الآية: 
وما محمد إلا رسول قد حلت من قبله الرسل» أفإن مات أوقتل 
انقلبتم على أعقابكم . ومن ينقلب على عقبيه » فلن يضر الله شيا » وسيجزي الله الشاكرين) . 


قال : فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت حتى ثلاها أبوبكر وأخذها الناس عن 
أبي بكر » فإنما هي في أفواههم فقال عمر : والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرتُ حتى 


أمر سقيفة ہی ساعدة 


قال ابن اسحاق : وكان من حديث السقيفة حين اجتمعت بها الأنصار أن عبد الله بن أبى 
بكر حدثني عن ابن شهاب الزهري عن عبد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبدالله بن 
عباس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال .١‏ . إنه كان من خبرنا حر بن توق الله نميه يي 
أن الأنصار خالفونا ٠‏ فاجتمعوا بأشرافهم في سيف بي ساعد , وتخأف عتا عل بن أي طالب 
والزبير بن العوام ومن معهمم واجتمع المهاجرون إلى أي بكر » انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من 
الانصار قانطلقنا نؤمهم حت لقنا متهم رجلان صالحان ء فذكرا لناما تالا عليه القوم . وقال : 
أين تريدون يا معشر المهاجرين ؟ قلنا نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار قالا : فلا عليكم ألا 
تقربوهم يا معشر المهاجرين إقضوا أمركم » قال قلت : والله لتأتيهم فانطلقنا حتى أتيناهم في 
سقيفة بني ساعدة » فإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل فقلت : من هذا ؟ فقالوا سعد بن عبادة ؛ 
فقلت : ماله ؟ قالوا وجع فلم جلسنا تشهد خطيبهم » > فأثنى على الله بما هو له أهل ثم قال : أ 
بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منا u‏ 
قومكم قال واذا هم يريدون أن يحتازونا من أصلنا » ويغصبونا الأمر . فلا سكت أردت أن أتكلم 
> وقد زورت في نفسي مقالة قد أعجبتني . أريد أن أقدمها بين يدي أي بكر » وكنت أداري منه 
بعض الحدرى فقال أبو بكر : عل رسلك يا عمر فكرهت أن أغضبه » فتكلم » وهو كان أعلم 
مئي وأوقر» فوالله ما ترك من كلمة أعجبتني من تزويري إلا قالها في بديبته أو مثلها وأفضل حتى 
سكت ٠‏ قال : أما ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل » ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا هذا 
الي من قريش هم أوسط العرب نسباً ودارا وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أسسا 
شئتم » » وأخذ بيدي ويد أب عبيدة , بن الجراح » وهو جالس بيننا وم أكره هشيئا مما قاله غيرها » كان 
والله أن أقدّم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك إلى إثم » أحب إل من أن أتأمر على قوم فيهم أبوبكر 


قال قائل من الأنصار أنا جُذَيلها المحكك » وعُذيقها المرجب منا أمير ومنكم أميريا معشر 
YY‏ 


قريش قال » فكثر اللفط وارتفعت الأصوات حتى تخوفت الاختلاف » فقلت : ابسط يدك يا أبا 
بكر» فبسط يده فبايعته ثم بايعه المهاجرون ثم بايعه الأنصار . 


وعن أنس بن مالك قال : لم بويع أبو بكر بالسقيفة وكان الغد » جلس أبو بكر على المنبر 
فقام عمر فتكلم قبل أبي بكر فحمد الله » واثنى عليه بما هو أهله ثم قال : أبها الناس إني كنت قلت 
لكم مقالة بالأمس ما كانت جما وجدتها في كتاب الله ولا كانت عهدا عهد إل رسول الله يكيو ولكني 
قد كنت أرى أن رسول الله سيدبر أمرنا وإن الله قد أبقى فيكم كتابه الذي به هدى الله ورسوله باز 
فإن اعتصمتم به . هداكم الله لما کان هداكم له وإن الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول 
الله ميا , ثاني اثنين اذ هما في الغار فقوموا فبايعوه ٠‏ فبايع الناس أبا بكر بيعة العامة بعد بيعة 
السقيفة . 

وفاة رسول الله يَف » أضخم محنة شهدتها الجماعة المسلمة الأول في حياتها والمحنة الأولى 
التي عانتها في أحد كان أضخم ما فيها ما بلغهم من مقتل النبي اة » وفيها نزل قول الله عز وجل 
بط وما محمد إلا رسول قد حلت من قبله الرسل أفإن مات أو فتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب 
على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين )١(#‏ . 

ولم يكن يدور في حلد المؤمنين أن تكون موجة الردة الضخمة هي التمثيل العمل للانقلاب 
على العقب ولكن ضخامة هذه المحنة » تبدو في حس المسلم حين يطمثن إلى أن قائده رسول رب 
العالمين » وحين يطمئن الى أن قائده سيد ولد ادم فاي شيء يقلق باله » ومن أي شيء يخاف بعد 
ذلك » فهو على هداه ولكن أن يفتح المسلمون أعينهم على الدنيا ذات صباح فلا يجدوا رسول الله 
قي بين أيديبم إنه حقا لأمر جلل » ومن أجل هذا فما أطاقه عمر بن الخطاب ولم يكن على استعداد 
في حسه أن يقبل أن عدمداً قد مات ومن أجل هذا هدّد بقطع عنق كل من تسول نفسه أن نتحدث 
عن موت رسول الله بذ وليس موسى به أكرم مئه » فلا غرابة أن يمضي لمناجاة ربه كما مضى 
موسى عليه الصلاة والسلام . 

غير أن الصديق الأكبر رضي الله عنه جاء إلى رسول الله يل ورأى أنه قد مات حقاً بعد أن 
كشف البرد عن وجهه وقلبه وجاء يواجه الئاس بالحتبقة السافرة دون أدنى تلجلج أو تردد وحاول 
إسكات عمر فلم يفلح » ثم خطب وقال كلمته التاريخية الخالدة , 


ومن كان يعبد محمداً فإن محمد قد مات » ومن كان يعيد الله فإن الله حى لا يمرت » . 
مباتين الكلمتين خص الإسلام كله , لأن الاسلام هوعبادة الله لا عبادة من دونه » ( وإذ قال الله 
ياعيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إين من دون الله فال : سبحانك ما يكون 


٠٤٤ آل عمران‎ )١1( 


في أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قُلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك » إنك 
أنت علام الغيوب »› ما قلت لحم إلا ما أمرتني به أن أعبدوا الله ري وربكم .)١()‏ 

ولثن بقيت النصرائية بعد عشرين قرناً تعاني من هذه الوثنية » وتعاني من هذا الشرك فلقد 
استطاع الصديق الأكبر والخليفة الأول أن يحل المشكلة منذ لحظاتها الأولى بهذا البيان الحاسم 
فعبادة البشر تنتهي بموجهم » أما عبادة الله تعالى فلا تنتهي حتى يرث الله تعالى الأرض ومن عليها . 
وهكذا ظهر أثر التربية العظيمة . والإيمان الثابت في أعظم المحن التي يتزلزل ها الابطال وأعاظم 
الرجال حين تم الفصل بين المبدأ والقائد ويبقى المبدأ هو الثابت وعليه يتلاقى الناس أو حين لم 
يتمكن الفاروق الأكبر رضي الله عنه أن يصمد أمام هول الصدمة التي هي وفاة البي ي مكن 
الصديق رضي الله عنه أن يجنب المسلمين فتئة ما بعدها فتئة » وبقي الإسلام على مدى خمسة عشر 
قرنا من الزمان دين الوحدانية أو لا يوجد في هذا الوجود بهذا التوحيد غيرة؛ وأن يصدر 
هذا الصبر من أبي بكر بالذات الذي كان خدن النبي ية حتى قبل البعثة » ولم تجمح العاطفة به 
هذا الجموح الذي يجعله يستسلم لها بل شعر بأن مسؤولية الأمة في عنقه فما يجدي البكاء في 
لحظات العاصفة وهو بحس بأعماقه في هذه المسؤولية حين جعله رسول الله يلل حليفته من بعده في 
الصلاة على المسلمين . 


والدرس المهم للحركة الإسلامية من هذا الحدث هو أنه لا توجد قيادة في الأرض يحق لها 
أن تفتن المسلمين ٠‏ لأن كل امرىء يؤحذ من كلامه ويرد إلا المصطفى ية الذي يوحى اليه من 
رب العالمين فأي قائد يحق له أن يستأثر بالأمة بحجة أن الأمة تنهار باتمياره . 

نحن لا ننكر أبدأ دور القيادة في الأمة » ونعلم أن كثيراً من الأمم تار باغبيار رجالاتها 
وأبطاها لكننا نحن الأمة المسلمة بالذات . حين نكون على مستوى هذا الدين » ومستوى هذه 
العقيدة لا يجوز أن مبز كياننا سقوط أية قيادة باستشهاد أو اعتزال أوعزل لأن العاصم لنا من الفتئة 
هو هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . 


هذا من جهة ومن جهة ثانية بحسن أن نعذر شباب الدعوة حين يتزلزلون من فقدان قائدهم 
الذى علقوا آمالهم به فإذا كان رسول الله اة حين مات تزلزل عمر رضي الله عنه فمن هو أكبر من 
عمر في جيلنا حتى لا يصيبه هذا الزلزال . 

صحيح أنه لا مقارنة بين فقدان أي قائد في هذا الوجود وبين فقدان رسول الله يه لأن كل 
قواد الأرض قد يخطئون ويزلون » وتخونهم الحكمة » أما رسول الله َة فهو صلة الأرض بالسماء , 
ا ا س 
١ (‏ ) الائدة 1۷ 


السيرة لابن هشام ج : 10A 9g 56١‏ 


3 ۳۰۵ 


' وكما قالت أم أيمن رضي الله عنها أبكي انقطاع الوحي من السماء فرسول الله بذ حين يغيب عن 
هذه الدنيا بجسده الشريف. ويغيب معه وحي الله تعالى لخلقه حى لمن يتحدث عن مصيبته أن 
يقول : 

ومافقد الماضون مثل محمد ولامثله حتى القيامة يفقد 


ونحن نتحدث عن الهج الحركي للسيرة النبوية لا بد أن نلحظ أثر هذا المنبج والرسول 
يذ مسجى في برده الشريف» وقد انتشر الخبر وؤصل إلى داحل بيت النبوة أن الأنصار اجتمعت 
لتختار أميرأً بعد رسول الله اة وحين ندع العواطف ومنطقها يتحكم فينا يقتضي الأمر منا لو كنا 
مع أبي بكر وعمر وأبي عبيدة رضي الله عنهم ٠‏ أن ندع الدنيا يتصارع عليها المتصارعون ونبقى 
نحن ويبقى الرعيل الأول بجوار الجسد الطاهر حتى يجهزوه ويكفنوه ويدفنوه وإنه لمن العقوق أن 
يمضي هؤلاء الخلص بعيداً عنه لكن عندما يكون منطق العقيدة التي تحكم العواطف وتتحكم بها 
هو الذي يسود تختلف الصورة فوفاة رسول الله باو نقتضي أن يتفق المسلمون على أمير بعده قبل 
أن ينتقض الأمر» واحتمالات انتقاضه واردة لأبعد الحدود فهذا مسيلمة الحنفى في اليمامة قد 
ارتد وذاك الأسود العنسي في اليمن قد ارتد وكلاهما ادعى النبوة ومن أجل هذا لم يجد الصديق 
والفاروق والأمين حرجا من أن يمضوا الى سقيفة بنى ساعدة ليعالجوا الأمر هناك قبل أن ينفرد 
الأنصار بالرأي وتعقد البيعة عندئل تتفاقم المشكلة أكثر وأكثر ويكون نقض البيعة أدهى وأمر من 
عقدها ابتداء بلا شك والتقى المهاجرون بالأنصار وكانت الأنصار ترى أنها أحق بالأمر بعد رسول 
الله بهد فالبلد بلدهمء والنبي يي أوى اليهم » واختارهم على غيرهم من أهل الأرض. 
والمهاجرون تبع هم بذلك . 

هذا هو منطق الأنصار وحجتهم بينا كان منطق المهاجرين يقوم على أساس أن النبي فة 
من فريش والعرب لا تدين إلا لقريش إذ هم سدنة البيت الحرام وحماته , ومحمد اة منبم , 


وأمام توازن المنطقين وإدلاء كل ما بحجته كان الحل الثاني منا أمير ومنكم أمير وكان هذا 
المنطق مرفوضا عند المهاجرين أكثر من المنطق الأول لانه لا يجتمع سيفان في غمد ومن أجل هذا 
كان جواب أب بكر رضي الله عنه لهم يا معشر الأنصار لقد كنتم أول من نصر وازر فلا تكونوا أول 
من بدّل وغثر. 

وكانت هذه الكلمة ذات مفعول أشد من وقع السيف أعادت هم صحرتبم ١‏ فهم أنصار 
الله ورسوله فلم لا يكونوا أنصار خليفته من بعده . 

وكانت وصية رسول الله يه فيهم قبيل وفاته » أوصيكم بالانصار فانم كرشي وعيبتي وقد 
قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم فاقبلوا من محستبم ‏ وتجاوزوا عن مسيكئهم فلحظوا أن هذه 

55 


الوصية بهم تعني أنهم سيبقون أنصاراً في كل وقت كا تقول الرواية الأخرى إن الناس يكثرون؛ 

وكانت الخطوة الحاسمة الثالثة أن دعا أبو بكر رضي الله تعالى عنه للبيعة لأحد الرجلين لم 
رست البيعة عنده وبايعه المهاجرون والأنصار البيعة الخاصة في السقيفة » ثم كانت البيعة العامة في 
المسجد . 


إن اختيار القيادة بين الأقران من أعقد الأمور وفي أكثر النظم ديمقراطية نجد الاختبار يأخذ 
سنة وسنتين حتى ينجل الأمر وسقوط القيادة المفاجىء كثيرا ما يوفع الصراع بعد ذلك وتتحكم 
مراكز القوى فيها وقلا يصل الأكفاء بعد سقوط القيادة أما إذا كانت القيادة تاريخية وكانت عبقرية 
فالصراع يكون أشد بل يصل في مثل هذه الظروف أضعف المرشحين لأن الأقوياء لا بتنازلون 
فكيف إذا كانت الفيادة هي خير أهل الأرض وسيد ولد ادم وخير الثقلين الجن والإنس كيف 
يكون الأمر بعد ذلك؟ 

إن سرعة اختيار الخليفة التي لم تتجاوز ساعات قلائل بعد وفاة النى يتخ ليدل دلالة 
واضحة على قوة هذا الصف وسلامته وانصهار لحمته . وكلما كان الصف ضعيفا تمزقا كلما كان 
اختيار القيادة صعبا عسيرا ولقد شهدنا بعض فصائل الحركة الإسلامية المسلحة عقب محلة 
ضخمة زلزلتها أن القيادة المنتخبة انحنت مرات أمام العاصفة ؛أمام العواطف المتوترة» وسقطت 
هله القيادة أربع مرات خلال سلتين متتاليتين . 

وحين نضع الصورتين قبالة بعضه| بعضاً نشعر بعظمة التحام الصف والتثامه وتشابكه 
بحيث يستحيل فك اشتباكه . 


66 6 


لخاحمة 


وأخيرا ونحن نودع المدبج الحركي للسيرة النبوية نود أن نؤكد الخطوة التالية : 

١‏ سمات هذا المج ف عهليه ومراحله المتعددة منتزعة من واقع المرحلة وارتاط الحلقات بعضها 
ببعض بحيث تمثل في الهباية كلا متكاملاً يشل حقيقة المرحلة . 

"قل تتكرر يعر السمات بان مرحلة وأخرى وتکرارها یحی دومة هذه السمة 3 وأا تتجاوز 
المرحلية لتكون أصلية في حط السير كله أوجله. 

۳ والهدف من عرض هذا المج الحركي هو أن تملك الحركة الاسلامية المعاصرة دليل عمل تسير 
على ضوئه وتبني خطتها على خطاه , 

- ولكن هذا لا يعي ضرورة التوافق والتطابق بين مرحلية الحركة الأسلامية اليوم ومرحليتها في 
السيرة النبوية بل تع 5 معظم الأحيان التشابه والتشارس وذلك لاخباللافت الظروف 
والأشخاص والأشياء ان عالمنا اليوم وعام الدعوة الأولى 

ه. وأهم ما أتمناه من خلال هذا المج هو أن يتمكن الدعاة في الحركة الإسلامية من التفريل بين 
الأسس الدائمة الثابتة وبين الخطوات المرحلية المتدرجة وأن لا يضعوا أحكام مرحلة اكنمال 
الدين وانتصار الإسلام ٠‏ عل أحكام مرحلة العهد السري بشرعيه ولس أن الدعاة 01 
يفاجؤون بواقع معين يختارون الشبه المناسب من المرحلة المناسبة لكان في طي المديج قد حقل 
هدفه الذي كتب من أجله . 

5 وأؤكد للأ القارىء الذي عشت معه في هذا السفر الطوبل أن السمات والأحكام التي 
وصلت إليها هي أحكام ظنية قد يغلب أحياناً عليها المسحة الشخصية والاندفاعة الى صفيه, 
وبالتالي فقد أخحطىء في التشخيص أو الاستنتاج أو الحكم فا كان من توفيق قمر الله وما كال 

۷ - وإني لادعوالأحوة القائمين على الخركة الاسلامية أن يعيشوا هذه التجربة ويمدوني بصالح ارالهم 
وخلاصة جارهم لأتجاوز الخطأ إن كان ثمة خطأ لا شيء أجدى من الحوار في هذا المضمار 


- 58 


لنتلمس الخطى الصحيحة للوصول إلى الهدف البعيد في هذا المسار الطويل . 

۸- ولئن عشت ربع قرن في العمل الإسلامي لكنه يبقى محدوداً في إطار حركة محددة وتبقى 
التجارب الأخرى الغنية تمدنا بزادها العظيم في هذا المجال . 

4- ولئن كنت أكثرت من عرض تجربة الحركة الإسلامية المسلحة في قطر من الأقطار فليس هذا 
يشهد الله ذا صلة بانتمائى هذا القطر أو ذاك فنحن بحمد الله أبناء الإسلام العظيم أن حل 


النبوية في مرحلة الدولة لا يمكن مقارنته إلا مع الحركة الإسلامية التي انطلقت في تكوين 
الدولة في تنظيمها على الأقل ومن خلال تجربتها الحافلة بالصواب والخطأ ومن خلال تعاملها 
مع خصومها وأعدائها وحلفائها على صعيد الراقع العمل . 

-٠‏ وكم كنت أتمنى أن تكون التجربة الأفغانية حية بين يدي لأعرض تماذجها من خلال المنيج 
الحركي فهي صنو الحركة الإسلامية المسلحة التي أمتح منها. وقد تكون أكثر غناءً ووفرة 
وتجربة . 

والله أسأل في نباية المطاف أن يتقبل عملي هذاء ويجعله خالصا لوجهه؛ وأن يرزقني به 
شفاعة نبيه ولعل دعوة صا حة تنالني من أخ كريم يغفر الله تعالى بها الزلل » ويقيل العثرات . 

ربا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كا حملته على الذين من قبلناء 
ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عناء واغفر لناء وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم 

الكافرين . 


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين 


الففسر س 


الموضوع : الصفحة 
تمهيل a‏ 
السمة الأولى : التحدي المعنوي للمشركين 0 
السمة الثانية : حديث الإفك 0غ 
السمة الثالثة : الزواج وأثره في الدعوة موه اه ا 01 
السمة الرابعة : الصف الداخلي القوي من خلال صلح الحديبية (O SSS:‏ 
السمة الخامسة : الاعتراف الرسمي في الوثنية بدولة الاسلام PY Sess‏ 
السمة السادسة : حرب المستضعفين 1غ 
السمة السابعة : الاعلان العالمي للاسلام: مراسلة الملوك والأمراء 21211010 
السمة الثامنة : تجمع القوى والثقة بالنصر 21111011 
السمة التاسعة : انهاء الوجود اليهودي في جزيرة العرب: غزوة خيبر مم1 
السمة العاشرة : قيادات العدو تنضم الى الاسلام 0000 
السمة الحادية عشرة : الصدام الأول مع الروم ‏ مؤتة لامها ودام 
السمة الثانية عشرة : نصر الله والفتح: فتح مكة لمعو اموا 1 
السمة الثالثة عشرة : انهاء الجيوب الوثنية المتبقية EV SSS esses‏ 
السمة الرابعة عشرة : الجزيرة العربية تدخل في الاسلام VY sees‏ 
السمة الخامسة عشرة : التحدي الأكبرللروم في غزوة تبوك AV sss ees‏ 
السمة السادسة عشرة : سورة براءة وإنهاء الوجود الوثني VA f esses‏ 
السمة السابعة عشرة : الحج الأكبر ومائة وثلاثون الفا من المسلمين ١ e‏ 
السمة الثامنة عشرة : إلى الرفيق الأعلى بعد اتمام النعمة واه 
الخاتممسة Y Assessments‏ 


Ê 5‏ 1 1 
مكيف الملا[ شارع انناروق ‏ بجاب جممية الركالإسلاع 


الأرذس -التزرقاء فا A۳۹04‏ د س س AL‏