البرهان في علوم القرآن - الإمام بدر الدين الزركشي
Bookreader Item Preview
Share or Embed This Item
البرهان في علوم القرآن - الإمام بدر الدين الزركشي
هو الإمام: أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن بهادر
ألقابه ونسبته:
1- بدر الدين.
2- الزركشي، وفي بعض كتب التراجم ابن الزركشي.
3- المنهاجي.
4- المصري: فلقد ولد بمصر وعاش وتوفي بها.
5- التركي: فقد كان تركي الأصلي كما ورد ذلك في ترجمته في كتب التراجم.
6- الموصلي. ولم أجد من نسبه هذه النسبة إلا الأدنروي، والموصل بالعراق، وعادة لا ينسب الرجل إلى بلد إلا إذا أقام به مدة طويلة تجيز بذلك نسبته إليها، وليس الإقامة القصيرة أو المرور العابر،
وكل من ترجم للإمام الزركشي لم يذكروا أنه رحل إلى العراق، وبخاصة في ذلك الوقت، إذ أنها فقدت مكانتها العلمية بعد هجوم التتار على عاصمة الخلافة ببغداد، وانتقال مراكز العلم إلى مصر والشام، فالله تعالى أعلم بالصواب.
7- الشافعي: نسبة إلى مذهب الإمام الشافعي محمد بن إدريس.
8- المصنف. ولقب بذلك لكثرة الكتب التي ألفها، وانشغاله بالتأليف بعد التأهل إلى وفاته، وقد بلغ عدد كتبه التي ألفها في مختلف العلوم الشرعية، واللغوية، والأدبية، والتاريخية 64 كتاباً خلال 25 سنة، وتتفاوت كتبه من ناحية الحجم بين المجلدات الكبار إلى الأجزاء الصغيرة.
9- السبكي الثاني.
مولده:
ولد بعد الأربعين وبالتحديد سنة 745ﻫ بمصر، ولم أجد من حدد اليوم والشهر حيث قال الإمام ابن حجر: “ولد بعد الأربعين، ثم رأيت بخطه سنة: خمس وأربعين وسبعمائة” وهذا محل إجماع بين كل من ترجم له.
من شاركه في هذه النسبة من العلماء والأعيان:
لقد شارك العديد من الأعلام إمامنا الزركشي في نسبته هذه، وبعد تصفح عدد من كتب التراجم استطعت الوقوف على ما يلي:
1- الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الله الزركشي.
2- زين الدين عبد الرحمن الزركشي.
3- محمد بن إبراهيم بن لؤلؤ الزركشي مؤرخ من أهل تونس.
4- العلامة أبو الحسن الشيخ بدر الدين الزركشي، تفقه على بعض أصحاب الدميري وبرع في المذهب حتى فاق على أهل زمانه، ولقبوه بالسبكي الثاني، وله تصانيف منها بداية المحتاج في شرح المنهاج، توفي رحمه الله سنة 931ﻫ[xix].
5- إبراهيم بن عثمان الزركشي.
6- أحمد بن الحسن المعروف بابن الزركشي الحنفي شهاب الدين فاضل، درس بالحسامية وأعاد، ووضع شرحاً على الهداية، انتخب شرح السغناقي، وله مشاركة في العلوم. توفي في 28 رجب الفرد سنة 738ﻫ. وقيل: سنة 737ﻫ[xxi].
7- أحمد بن محمد بن أحمد الشهاب المشهدي القاهري الزركشي الحنبلي. ممن اشتغل وفهم وسمع، وكان حاد الخلق[xxii].
حياته الأولى وطلبه للعلم
ولد الإمام الزركشي وترعرع بين كنف عائلة بسيطة أقرب إلى العوز منها إلى اليسر، حيث كان والده مملوكاً لأحد الأعيان وعرف باشتغاله بصناعة الزركش -وهي إحدى الصنائع التقليدية المنتشرة في ذلك العصر-،
وما لبث الابن أن التحق بوالده في مزاولة هذه الصنعة لتخفيف أعباء المعيشة التي أثقلت كاهله. ولكن الله تعالى قدر لهذا الطفل الصغير شأناً آخر ربما لم يخطر له ببال، فلقد شاءت الرعاية الربانية أن يتوجه الزركشي إلى معاقل العلم في مصر آنذاك تاركاً وراءه صنعة أبيه ظهرياً،
فبدأ اشتغاله بأصناف العلوم، وحفظ أمهات الكتب في كل فن، منها المنهاج للإمام النووي فَسُمِّي بالمنهاجي، وحينما اشتد عوده أكمل شرحه وألف عليه شروحاً وحواشيَ، وحفظ التنبيه للشيرازي.
كما رحل الزركشي إلى مراكز العلم المشهورة في عصره، فقصد دمشق وسمع بها الحديث سنة 752ﻫ وعمره آنذاك 7 سنوات فقط، ولم تذكر المصادر برفقة من كانت رحلته تلك، فالعادة تحيل سفر من هذا سنه بمفرده، ثم رحل إليها مرة ثانية سنة 763ﻫ وعمره 18 سنة.
ودخل مدينة حلب وأخذ العلم عن علمائها، وعني الزركشي بالفقه، والأصول، والحديث. وأفتى ودرس، وألف تصانيف كثيرة في عدة فنون لنفسه ولغيره.
ومما يدل على تمكن الإمام الزركشي في فترة مبكرة من حياته وهو لا يزال شاباً يافعاً أنه استعار من شيخه الحافظ البلقيني نسخته من الروضة مجلداً بعد مجلد فعلق على الهوامش من الفوائد، وجمع حواشي الروضة المذكور سنة 769ﻫ، وعمره آنذاك 24 سنة فقط.
قال ابن حجر: “فهو أول من جمع حواشي الروضة للبلقيني وذلك في سنة 69-ويقصد بذلك سنة 769ﻫ-، مَلَكْتُهَا بخطه، ثم جمعها القاضي ولي الدين بن شيخنا العراقي قبل أن يقف على الزركشية، فلما أعرتها له انتفع بها فيما كان قد خفي من أطراف الهوامش في نسخة الشيخ،
وجعل لكل ما زاد على نسخة الزركشي زاياً”.
أما ما يخص الحياة العائلية لهذا الإمام فلم أعثر إلا على نتف منها، ولعل السبب في ذلك أن غالب المترجمين يغفلون هذا الجانب، إضافة إلى أن الإمام الزركشي لم يشتهر إلا بعد وفاته :، وذلك بسبب ميله إلى العزلة، وتفرغه التام للعلم تعلماً وتعليماً، وزهده في الدنيا وملذاتها،
وعدم حرصه على المناصب الرسمية.
التعريف بأشهر شيوخ الإمام الزركشي
تفقه الإمام الزركشي على حفاظ عصره، مما كان له أثره الواضح في تحصيله وإنتاجه العلمي، ولا شك أن التتلمذ على الأكابر يولد في الغالب علماء يكون لهم أبلغ الأثر في إحياء ما اندرس من العلوم، إضافة إلى تأثيرهم على الناس من الناحية التربوية.
ومن أبرز من تتلمذ الزركشي على أيديهم:
1- الإمام اللغوي الجمال ابن هشام جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن عبد الله، صاحب التصانيف البديعة، أثنى عليه علماء عصره حتى عدوه سيبويه زمانه، المتوفى سنة 761ﻫ.
2- الإمام الحافظ مُغُلْطَاي بن قِلِيجْ أبو عبد الله بن عبد الله البَكْجَرِي الحنفي، المتوفى سنة 762ﻫ، تخرج به في الحديث.
3- ابن الحنبلي الشافعي أحمد بن جمعة بن أبي بكر بن إسماعيل بن حسن الأنصاري الحلبي، المتوفى سنة 774ﻫ.
4- الحافظ المؤرخ المفسر ابن كثير عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر الزرعي الدمشقي، المتوفى سنة 774ﻫ.
5- ابن أميلة صلاح الدين أبو حفص عمر بن الحسن بن مزيد المراغي، المتوفى سنة 778ﻫ.
6- الصلاح بن أبي عمر محمد بن إبراهيم بن قدامة بن مقدام المقدسي أبو عبد الله الحنبلي، المتوفى سنة 780ﻫ.
7- الإمام العلامة شهاب الدين الأذرعي أبو العباس أحمد بن حمدان بن أحمد الكلبي، المتوفى سنة 783ﻫ.
8- الحافظ الإمام سراج الدين البلقيني أبو حفص عمر بن رسلان بن نصير الكناني العسقلاني، المتوفى سنة 805ﻫ.
9- العلامة الفقيه الأصولي الإِسْنَوِي جمال الدين أبو محمد عبد الرحيم بن الحسن بن علي بن عمر، المتوفى سنة 833ﻫ، تخرج به في الفقه.
10- الحسن بن حبيب بدر الدين أبو محمد بن عمر بن الحسن الدمشقي.
11- الشرف ابن ريان شرف الدين أبو عبد الله الحسين بن سليمان الطائي.
12- الصلاح الصَّفَدِي أبو الصفا خليل بن أيبك بن عبد الله.
13- البهاء السبكي أبو البقاء محمد بن عبد البر بن يحي الخزرجي.
التعريف بأشهر تلاميذ الإمام الزركشي
لقد تخرج بالإمام الزركشي عدد لا بأس به من العلماء ممن وردت أسماؤهم في كتب التراجم، ممن كانت لهم مشاركة علمية في كافة أنواع العلوم المختلفة، ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر:
1- الشمني، محمد بن حسن كمال الدين الإسكندري المالكي المتوفى سنة 821ﻫ.
2- الإمام العالم المفنن قاضي القضاة نجم الدين عمر بن حجي بن موسى السعدي الدمشقي الشافعي أبو الفتوح المتوفى سنة 830ﻫ.
3- البرماوي، محمد بن عبد الدايم بن موسى النعيمي العسقلاني المصري أبو عبد الله شمس الدين، العلامة المحدث الفقيه، المتوفى سنة 831ﻫ.
4- حسن بن أحمد بن مكي بن فتوح بدر الدين أبو محمد العلقمي الشافعي، الفقيه العلامة المتوفى سنة 833ﻫ.
5- محمد الطُوخي ولي الدين أبو الفتح المتوفى سنة 838ﻫ.
6- محمد بن أحمد بن محمد بن عثمان الكِنَاني العسقلاني الطُوخي المصري الشافعي، العلامة الفقيه المتوفى سنة 852ﻫ.
7- عمر بن عيسى بن أبي عيسى، سراج الدين الوروري الشافعي المتوفى سنة 861ﻫ.
8- عبد الرحيم بن إبراهيم بن محمد الأَسْيُوطي المكي الشافعي المتوفى سنة 867ﻫ.
9- إبراهيم بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن خليل الأنصاري، برهان الدين السعدي الخليلي الشافعي، العلامة الفقيه المفتي المتوفى سنة 893ﻫ.
10- علي بن محمد بن موسى بن منصور أبو الحسن المَحَلِّي المدني الشافعي سبط الزبير الأَسْوَاني.
11- محمد بن عمر بن محمد بن ناصر الدين الطَبْنَاوي.
12- ابنه محمد بن محمد بن عبد الله الزركشي الشافعي، كما ذكر ذلك هو عن نفسه في آخر كتاب الإجابة، وإجازة والده الإمام الزركشي إياه هو وإخوته جميعاً بمؤلفاته كلها.
أعماله العلمية ومناصبه
لقد كان غالب نشاطات الإمام الزركشي العلمية، واهتماماته منصبة على الجانب العلمي والتعليمي والتربوي، ويتضح ذلك جلياً من خلال سبر أعماله التي قضى فيها جل عمره، وصرف فيها وقته والتي غطت الجوانب التالية:
1- التدريس. وتلاميذه الذين تخرجوا به دليل على مكانته العلمية، ووفور هيبته بين علماء عصره.
2- الإفتاء. وقد دونت فتاواه في مصنف له كما سيأتي بيانه في جريدة مؤلفاته.
3- إمامة إيوان الشافعية بالمدرسة الظاهرية العتيقة.
4- مشيخة الخانقاه الكريمية أو كريم الدين بالقرافة الصغرى.
واختيار الزركشي شيخاً لهذه الخانقاه لم يكن بالصدفة، فإن هذا المنصب لم يكن يوكل لأحد إلا بعد تدقيق في شخصية من يتولاه، إذ لا بد أن تتوفر مواصفات معينة في الشيخ ينفرد بها عن غيره،
حتى يتسنى له توفير حياة منظمة داخل الخانقاه، والقيام بواجباته الدينية والتعليمية على خير وجه.
شخصيته وأخلاقه وشغفه بالمطالعة
من خلال التصفح الدقيق لما قيل في حق هذا الإمام، يستطيع الناظر المتفحص استنتاج العديد من الصفات الشخصية والميزات التي اتسم بها الإمام الزركشي، فمن هذه الصفات الجليلة:
- اشتغاله بإصلاح النفس، والتفرغ للعبادة، وعدم تضييع الوقت في القيل والقال ومصاحبة البطالين.
- إدمانه على المطالعة، واصطياد الملح والفوائد العلمية، وإضافة ذلك إلى ما جمعه في كتبه العديدة. وهذا التفرغ التام للعلم هو السبب الرئيسي وراء ما خلفه هذا العالم من مؤلفات قيمة بلغت حوالي 65 كتاباً في هذا العمر الوجيز.
- مشاركته في الفتوى، وهذا دليل على علمه وثقة الناس به، إضافة إلى ما تميز به من الزهد في الدنيا مما كان له أبلغ الأثر في إقبال الناس عليه وقبولهم منه.
- مشاركته في الأدب من خلال ما خلفه من الشعر، حيث ورد في ترجمته أنه كان يقول الشعر الوسط، إضافة إلى ما خلفه من الكتب الأدبية ككتاب ربيع الغزلان.
- اهتمامه بجانب التربية الروحية لمريديه، كونه شيخ خانقاه كريم الدين، والتي كانت مقر الصوفية المتعبدين، وكانت مهمة الشيخ تلقين مريديه أورادهم والحرص على تربيتهم وإرشادهم.
- اهتمامه بعائلته بحسن تربيتهم، وتعليمهم العلم وإشراكهم في سماع الكتب وأخذ العلم عن أفواه المشايخ.
وكان مقبلاً على شأنه منجمعاً عن الناس، منقطعاً في بيته لا يتردد إلى أحد. كما اشتهر بحب المطالعة وشغفه بها، فقد كان يطالع الكتب في سوق الكتبي طول نهاره، ومعه ظهور أوراق يعلق فيها ما يعجبه من الفوائد والملح،
ثم يمضي آخر اليوم إلى بيته فينقل ما كتب إلى كتبه ومصنفاته.
إضافة إلى هذا أنه كان يميل إلى العزلة، فلا يختلط بالناس إلا لتدريس، أو تربية، أو فتوى، أو حاجة ملحة، ولم يكن شديد الاعتناء بنفسه ولا بمظهره، بل آثر التواضع والتقلل من متع الحياة، والتفرغ الكامل للعلم، وكان له أقارب يكفونه أمر دنياه.
وكان لهذه الخصيصة التي امتاز بها الإمام الزركشي أثر كبير في تحصيله العلمي، وكثرة مؤلفاته التي بلغت 64 كتاباً في شتى الفنون، كما سيأتي بيانه، إضافة إلى موسوعيته ومشاركته في علوم عصره، واعتنائه بالكتب النادرة،
ونقله عنها، مما حفظ لنا نصوصا قيمة في مختلف المجالات لكتب لا تزال حبيسة الرفوف، أو مما فقد من تراث الأمة على مر التاريخ بسبب الفتن، أو عوامل الطبيعة.
ومما يلاحظ أيضاً، أنه كما توجه الإمام الزركشي لطلب العلم في سن مبكرة، حيث سمع الحديث وهو في سن السابعة، فكذلك سمح له اطلاعه الواسع بولوج باب التأليف في سن مبكرة أيضاً، حيث ألف أول كتاب له وهو في سن الرابعة والعشرين،
حيث وضع شرحاً على كتاب الروضة للبلقيني، فكان أول من جمع حواشي الروضة كما صرح بذلك ابن حجر.
زهده وعبادته وثناء العلماء عليه
لقد اشتهر عن الإمام الزركشي زهده في الدنيا، وانقباضه عن ملاذها، سواء تعلق ذلك بالجانب المادي البحت، أو حتى المناصب العلمية أو الحكومية -إن صح التعبير-، ربما لأنه كان يرى ضخامة المسؤولية، وتقديراً للعواقب المترتبة عليها،
وإن كان مما يحرص عليه فقهاء ذلك الزمان غالباً.
ولا يعلم من حال الإمام الزركشي أنه تولى منصباً إلا مشيخة خانقاه كريم الدين، والتي كانت في ذلك الوقت مكانا يجتمع فيه المتعبدون من الصوفية، حيث يتكفل أحد الصالحين من الأغنياء أو حتى الأمراء بدفع مستحقات معلومة
وجرايات على هذه الخانقهات لتوفير ما يحتاج إليه مرتادوها والقاطنون بها من طعامٍ، وكساءٍ، وعلاجٍ وغيرها. وعادة ما كان يتم تعيين شيوخ الخانقاه من طرف أمير من الأمراء أو حتى السلطان،
ويعد ذلك اعترافاً من الأوساط الرسمية بمكانة هذا الشيخ من الناحية العلمية والزهد في متاع الدنيا وزينتها.
لقد شهد الكثير من العلماء ممن عاصروا الإمام الزركشي أو جاءوا بعده بمكانة هذا الإمام، وأقروا له بالعلم، والفضل، والمشاركة في أنواع الفنون، وجودة التأليف، والسبق إلى كثير من المواضيع التي لم تخدم من قبل،
كما فعل في كتاب “استدراكات عائشة على الصحابة”، واعتنائه بحواشي الروضة وغيرها. وفيما يلي قطوف من كلام أهل العلم حول الإمام الزركشي، فمنها:
قال المقريزي: ” الشيخ بدر الدين محمد بن بهاء الدين عبد الله المنهاجي الزركشي، الفقيه، الشافعي، ذو الفنون والتصانيف المفيدة … سمع الحديث وأفتى ودرس”.
وقال عنه الحافظ ابن حجر: “…ورأيت أنا بخطه من تصنيفه البرهان في علوم القرآن من أعجب الكتب وأبدعها، مجلدة ذكر فيها نيفاً وأربعين علماً من علوم القرآن،
وتخرج به جماعة، وكان مقبلا على شأنه، منجمعا عن الناس، منقطعا في بيته، لا يتردد إلى أحد إلا لسوق الكتبي طول نهاره ومعه ظهور أوراق يعلق فيها ما يعجبه،
ثم يرجع فينقله إلى تصانيفه، وكان يقول الشعر الوسط …”.
وقال ابن تغري بردي: “وتوفي الشيخ بدر الدين محمد بن عبد الله المنهاجي الفقيه الشافعي، المعروف بابن الزركشي، المصنف المشهور في ثالث رجب، وكان فقيهاً، مصنفاً".
وقال ابن إياس الحنفي في حوادث سنة 794ﻫ: “وفي رجب، توفي الشيخ الإمام العالم بدر الدين محمد بن بهادر الزركشي المنهاجي الشافعي، وكان مولده سنة خمس وأربعين وسبعمائة،
وكان عالماً فاضلاً، أخذ عن الإسنوي، ومغلطاي، وابن كثير، وألف تصانيف كثيرة، وكان فريد عصره”.
وذكره الخطيب الجوهري فقال: “الشيخ بدر الدين محمد بن عبد الله المنهاجي، الفقيه، المفنن، المشهور بالزركشي الشافعي، صاحب التصانيف الفائقة المفيدة، والفنون الرائعة البديعة”.
وقال عنه الداودي: “محمد بن عبد الله بن بهادر: الإمام، العالم، العلامة، المصنف، المحرر، بدر الدين أبو عبد الله المصري الزركشي الشافعي …وكان فقيهاً، أصولياً، مفسراً، أديباً،
فاضلاً في جميع ذلك، ودرس، وأفتى، وولي مشيخة خانقاه كريم الدين، بالقرافة الصغرى …”.
وقال القاضي ابن قاضي شهبة: “محمد بن بهادر بن عبد الله العالم، العلامة، المصنف، المحرر، بدر الدين أبو عبد الله المصري الزركشي”.
وقال تلميذه البرماوي: “كان منقطعا إلى الاشتغال لا يشتغل عنه بشيء، وله أقارب يكفونه أمر دنياه”.
وقال الأدنروي: “محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي الموصلي الشافعي بدر الدين، ولد في سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وألف تصانيف كثيرة في عدة فنون، وهو عالم في الحديث،
والتفسير، وجميع العلوم، ومن مصنفاته: شرح البخاري، والتنقيح على البخاري، وشرح التنبيه، والبرهان في علوم القرآن، وتخريج أحاديث الرافعي، وتفسير القرآن العظيم وصل إلى سورة مريم،
وكانت وفاته في سنة أربع وتسعين وسبعمائة”.
وذكره ابن العماد الحنبلي فقال: “… وكان فقيهاً، أصولياً، أديباً، فاضلاً في جميع ذلك، ودرس، وأفتى، وولى مشيخة خانقاه كريم الدين بالقرافة الصغرى … وكان خطه ضعيفاً قل من يحسن استخراجه”.
وقال عمر رضا كحالة: “محمد بن بهادر بن عبد الله المصري الزركشي الشافعي بدر الدين أبو عبد الله، فقيه، أصولي، محدث، أديب، تركي الأصل مصري المولد”.
وفاته:
بعد هذا العطاء الكبير الذي قدمه الإمام الزركشي، ورغم صغر سنه نسبياً -مقارنة بغيره- وما خلفه من آثارٍ علميةٍ كبيرة، توفي الإمام الزركشي يوم الأحد 3 رجب سنة 794ﻫ، بالقاهرة،
ودفن بالقرافة الصغرى، بالقرب من تربة الأمير بكتمر الساقي.
وكان عمره حينئذ 49 سنة، فرحمه الله تعالى رحمة واسعة.
هو الإمام: أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن بهادر
ألقابه ونسبته:
1- بدر الدين.
2- الزركشي، وفي بعض كتب التراجم ابن الزركشي.
3- المنهاجي.
4- المصري: فلقد ولد بمصر وعاش وتوفي بها.
5- التركي: فقد كان تركي الأصلي كما ورد ذلك في ترجمته في كتب التراجم.
6- الموصلي. ولم أجد من نسبه هذه النسبة إلا الأدنروي، والموصل بالعراق، وعادة لا ينسب الرجل إلى بلد إلا إذا أقام به مدة طويلة تجيز بذلك نسبته إليها، وليس الإقامة القصيرة أو المرور العابر،
وكل من ترجم للإمام الزركشي لم يذكروا أنه رحل إلى العراق، وبخاصة في ذلك الوقت، إذ أنها فقدت مكانتها العلمية بعد هجوم التتار على عاصمة الخلافة ببغداد، وانتقال مراكز العلم إلى مصر والشام، فالله تعالى أعلم بالصواب.
7- الشافعي: نسبة إلى مذهب الإمام الشافعي محمد بن إدريس.
8- المصنف. ولقب بذلك لكثرة الكتب التي ألفها، وانشغاله بالتأليف بعد التأهل إلى وفاته، وقد بلغ عدد كتبه التي ألفها في مختلف العلوم الشرعية، واللغوية، والأدبية، والتاريخية 64 كتاباً خلال 25 سنة، وتتفاوت كتبه من ناحية الحجم بين المجلدات الكبار إلى الأجزاء الصغيرة.
9- السبكي الثاني.
مولده:
ولد بعد الأربعين وبالتحديد سنة 745ﻫ بمصر، ولم أجد من حدد اليوم والشهر حيث قال الإمام ابن حجر: “ولد بعد الأربعين، ثم رأيت بخطه سنة: خمس وأربعين وسبعمائة” وهذا محل إجماع بين كل من ترجم له.
من شاركه في هذه النسبة من العلماء والأعيان:
لقد شارك العديد من الأعلام إمامنا الزركشي في نسبته هذه، وبعد تصفح عدد من كتب التراجم استطعت الوقوف على ما يلي:
1- الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الله الزركشي.
2- زين الدين عبد الرحمن الزركشي.
3- محمد بن إبراهيم بن لؤلؤ الزركشي مؤرخ من أهل تونس.
4- العلامة أبو الحسن الشيخ بدر الدين الزركشي، تفقه على بعض أصحاب الدميري وبرع في المذهب حتى فاق على أهل زمانه، ولقبوه بالسبكي الثاني، وله تصانيف منها بداية المحتاج في شرح المنهاج، توفي رحمه الله سنة 931ﻫ[xix].
5- إبراهيم بن عثمان الزركشي.
6- أحمد بن الحسن المعروف بابن الزركشي الحنفي شهاب الدين فاضل، درس بالحسامية وأعاد، ووضع شرحاً على الهداية، انتخب شرح السغناقي، وله مشاركة في العلوم. توفي في 28 رجب الفرد سنة 738ﻫ. وقيل: سنة 737ﻫ[xxi].
7- أحمد بن محمد بن أحمد الشهاب المشهدي القاهري الزركشي الحنبلي. ممن اشتغل وفهم وسمع، وكان حاد الخلق[xxii].
حياته الأولى وطلبه للعلم
ولد الإمام الزركشي وترعرع بين كنف عائلة بسيطة أقرب إلى العوز منها إلى اليسر، حيث كان والده مملوكاً لأحد الأعيان وعرف باشتغاله بصناعة الزركش -وهي إحدى الصنائع التقليدية المنتشرة في ذلك العصر-،
وما لبث الابن أن التحق بوالده في مزاولة هذه الصنعة لتخفيف أعباء المعيشة التي أثقلت كاهله. ولكن الله تعالى قدر لهذا الطفل الصغير شأناً آخر ربما لم يخطر له ببال، فلقد شاءت الرعاية الربانية أن يتوجه الزركشي إلى معاقل العلم في مصر آنذاك تاركاً وراءه صنعة أبيه ظهرياً،
فبدأ اشتغاله بأصناف العلوم، وحفظ أمهات الكتب في كل فن، منها المنهاج للإمام النووي فَسُمِّي بالمنهاجي، وحينما اشتد عوده أكمل شرحه وألف عليه شروحاً وحواشيَ، وحفظ التنبيه للشيرازي.
كما رحل الزركشي إلى مراكز العلم المشهورة في عصره، فقصد دمشق وسمع بها الحديث سنة 752ﻫ وعمره آنذاك 7 سنوات فقط، ولم تذكر المصادر برفقة من كانت رحلته تلك، فالعادة تحيل سفر من هذا سنه بمفرده، ثم رحل إليها مرة ثانية سنة 763ﻫ وعمره 18 سنة.
ودخل مدينة حلب وأخذ العلم عن علمائها، وعني الزركشي بالفقه، والأصول، والحديث. وأفتى ودرس، وألف تصانيف كثيرة في عدة فنون لنفسه ولغيره.
ومما يدل على تمكن الإمام الزركشي في فترة مبكرة من حياته وهو لا يزال شاباً يافعاً أنه استعار من شيخه الحافظ البلقيني نسخته من الروضة مجلداً بعد مجلد فعلق على الهوامش من الفوائد، وجمع حواشي الروضة المذكور سنة 769ﻫ، وعمره آنذاك 24 سنة فقط.
قال ابن حجر: “فهو أول من جمع حواشي الروضة للبلقيني وذلك في سنة 69-ويقصد بذلك سنة 769ﻫ-، مَلَكْتُهَا بخطه، ثم جمعها القاضي ولي الدين بن شيخنا العراقي قبل أن يقف على الزركشية، فلما أعرتها له انتفع بها فيما كان قد خفي من أطراف الهوامش في نسخة الشيخ،
وجعل لكل ما زاد على نسخة الزركشي زاياً”.
أما ما يخص الحياة العائلية لهذا الإمام فلم أعثر إلا على نتف منها، ولعل السبب في ذلك أن غالب المترجمين يغفلون هذا الجانب، إضافة إلى أن الإمام الزركشي لم يشتهر إلا بعد وفاته :، وذلك بسبب ميله إلى العزلة، وتفرغه التام للعلم تعلماً وتعليماً، وزهده في الدنيا وملذاتها،
وعدم حرصه على المناصب الرسمية.
التعريف بأشهر شيوخ الإمام الزركشي
تفقه الإمام الزركشي على حفاظ عصره، مما كان له أثره الواضح في تحصيله وإنتاجه العلمي، ولا شك أن التتلمذ على الأكابر يولد في الغالب علماء يكون لهم أبلغ الأثر في إحياء ما اندرس من العلوم، إضافة إلى تأثيرهم على الناس من الناحية التربوية.
ومن أبرز من تتلمذ الزركشي على أيديهم:
1- الإمام اللغوي الجمال ابن هشام جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن عبد الله، صاحب التصانيف البديعة، أثنى عليه علماء عصره حتى عدوه سيبويه زمانه، المتوفى سنة 761ﻫ.
2- الإمام الحافظ مُغُلْطَاي بن قِلِيجْ أبو عبد الله بن عبد الله البَكْجَرِي الحنفي، المتوفى سنة 762ﻫ، تخرج به في الحديث.
3- ابن الحنبلي الشافعي أحمد بن جمعة بن أبي بكر بن إسماعيل بن حسن الأنصاري الحلبي، المتوفى سنة 774ﻫ.
4- الحافظ المؤرخ المفسر ابن كثير عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر الزرعي الدمشقي، المتوفى سنة 774ﻫ.
5- ابن أميلة صلاح الدين أبو حفص عمر بن الحسن بن مزيد المراغي، المتوفى سنة 778ﻫ.
6- الصلاح بن أبي عمر محمد بن إبراهيم بن قدامة بن مقدام المقدسي أبو عبد الله الحنبلي، المتوفى سنة 780ﻫ.
7- الإمام العلامة شهاب الدين الأذرعي أبو العباس أحمد بن حمدان بن أحمد الكلبي، المتوفى سنة 783ﻫ.
8- الحافظ الإمام سراج الدين البلقيني أبو حفص عمر بن رسلان بن نصير الكناني العسقلاني، المتوفى سنة 805ﻫ.
9- العلامة الفقيه الأصولي الإِسْنَوِي جمال الدين أبو محمد عبد الرحيم بن الحسن بن علي بن عمر، المتوفى سنة 833ﻫ، تخرج به في الفقه.
10- الحسن بن حبيب بدر الدين أبو محمد بن عمر بن الحسن الدمشقي.
11- الشرف ابن ريان شرف الدين أبو عبد الله الحسين بن سليمان الطائي.
12- الصلاح الصَّفَدِي أبو الصفا خليل بن أيبك بن عبد الله.
13- البهاء السبكي أبو البقاء محمد بن عبد البر بن يحي الخزرجي.
التعريف بأشهر تلاميذ الإمام الزركشي
لقد تخرج بالإمام الزركشي عدد لا بأس به من العلماء ممن وردت أسماؤهم في كتب التراجم، ممن كانت لهم مشاركة علمية في كافة أنواع العلوم المختلفة، ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر:
1- الشمني، محمد بن حسن كمال الدين الإسكندري المالكي المتوفى سنة 821ﻫ.
2- الإمام العالم المفنن قاضي القضاة نجم الدين عمر بن حجي بن موسى السعدي الدمشقي الشافعي أبو الفتوح المتوفى سنة 830ﻫ.
3- البرماوي، محمد بن عبد الدايم بن موسى النعيمي العسقلاني المصري أبو عبد الله شمس الدين، العلامة المحدث الفقيه، المتوفى سنة 831ﻫ.
4- حسن بن أحمد بن مكي بن فتوح بدر الدين أبو محمد العلقمي الشافعي، الفقيه العلامة المتوفى سنة 833ﻫ.
5- محمد الطُوخي ولي الدين أبو الفتح المتوفى سنة 838ﻫ.
6- محمد بن أحمد بن محمد بن عثمان الكِنَاني العسقلاني الطُوخي المصري الشافعي، العلامة الفقيه المتوفى سنة 852ﻫ.
7- عمر بن عيسى بن أبي عيسى، سراج الدين الوروري الشافعي المتوفى سنة 861ﻫ.
8- عبد الرحيم بن إبراهيم بن محمد الأَسْيُوطي المكي الشافعي المتوفى سنة 867ﻫ.
9- إبراهيم بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن خليل الأنصاري، برهان الدين السعدي الخليلي الشافعي، العلامة الفقيه المفتي المتوفى سنة 893ﻫ.
10- علي بن محمد بن موسى بن منصور أبو الحسن المَحَلِّي المدني الشافعي سبط الزبير الأَسْوَاني.
11- محمد بن عمر بن محمد بن ناصر الدين الطَبْنَاوي.
12- ابنه محمد بن محمد بن عبد الله الزركشي الشافعي، كما ذكر ذلك هو عن نفسه في آخر كتاب الإجابة، وإجازة والده الإمام الزركشي إياه هو وإخوته جميعاً بمؤلفاته كلها.
أعماله العلمية ومناصبه
لقد كان غالب نشاطات الإمام الزركشي العلمية، واهتماماته منصبة على الجانب العلمي والتعليمي والتربوي، ويتضح ذلك جلياً من خلال سبر أعماله التي قضى فيها جل عمره، وصرف فيها وقته والتي غطت الجوانب التالية:
1- التدريس. وتلاميذه الذين تخرجوا به دليل على مكانته العلمية، ووفور هيبته بين علماء عصره.
2- الإفتاء. وقد دونت فتاواه في مصنف له كما سيأتي بيانه في جريدة مؤلفاته.
3- إمامة إيوان الشافعية بالمدرسة الظاهرية العتيقة.
4- مشيخة الخانقاه الكريمية أو كريم الدين بالقرافة الصغرى.
واختيار الزركشي شيخاً لهذه الخانقاه لم يكن بالصدفة، فإن هذا المنصب لم يكن يوكل لأحد إلا بعد تدقيق في شخصية من يتولاه، إذ لا بد أن تتوفر مواصفات معينة في الشيخ ينفرد بها عن غيره،
حتى يتسنى له توفير حياة منظمة داخل الخانقاه، والقيام بواجباته الدينية والتعليمية على خير وجه.
شخصيته وأخلاقه وشغفه بالمطالعة
من خلال التصفح الدقيق لما قيل في حق هذا الإمام، يستطيع الناظر المتفحص استنتاج العديد من الصفات الشخصية والميزات التي اتسم بها الإمام الزركشي، فمن هذه الصفات الجليلة:
- اشتغاله بإصلاح النفس، والتفرغ للعبادة، وعدم تضييع الوقت في القيل والقال ومصاحبة البطالين.
- إدمانه على المطالعة، واصطياد الملح والفوائد العلمية، وإضافة ذلك إلى ما جمعه في كتبه العديدة. وهذا التفرغ التام للعلم هو السبب الرئيسي وراء ما خلفه هذا العالم من مؤلفات قيمة بلغت حوالي 65 كتاباً في هذا العمر الوجيز.
- مشاركته في الفتوى، وهذا دليل على علمه وثقة الناس به، إضافة إلى ما تميز به من الزهد في الدنيا مما كان له أبلغ الأثر في إقبال الناس عليه وقبولهم منه.
- مشاركته في الأدب من خلال ما خلفه من الشعر، حيث ورد في ترجمته أنه كان يقول الشعر الوسط، إضافة إلى ما خلفه من الكتب الأدبية ككتاب ربيع الغزلان.
- اهتمامه بجانب التربية الروحية لمريديه، كونه شيخ خانقاه كريم الدين، والتي كانت مقر الصوفية المتعبدين، وكانت مهمة الشيخ تلقين مريديه أورادهم والحرص على تربيتهم وإرشادهم.
- اهتمامه بعائلته بحسن تربيتهم، وتعليمهم العلم وإشراكهم في سماع الكتب وأخذ العلم عن أفواه المشايخ.
وكان مقبلاً على شأنه منجمعاً عن الناس، منقطعاً في بيته لا يتردد إلى أحد. كما اشتهر بحب المطالعة وشغفه بها، فقد كان يطالع الكتب في سوق الكتبي طول نهاره، ومعه ظهور أوراق يعلق فيها ما يعجبه من الفوائد والملح،
ثم يمضي آخر اليوم إلى بيته فينقل ما كتب إلى كتبه ومصنفاته.
إضافة إلى هذا أنه كان يميل إلى العزلة، فلا يختلط بالناس إلا لتدريس، أو تربية، أو فتوى، أو حاجة ملحة، ولم يكن شديد الاعتناء بنفسه ولا بمظهره، بل آثر التواضع والتقلل من متع الحياة، والتفرغ الكامل للعلم، وكان له أقارب يكفونه أمر دنياه.
وكان لهذه الخصيصة التي امتاز بها الإمام الزركشي أثر كبير في تحصيله العلمي، وكثرة مؤلفاته التي بلغت 64 كتاباً في شتى الفنون، كما سيأتي بيانه، إضافة إلى موسوعيته ومشاركته في علوم عصره، واعتنائه بالكتب النادرة،
ونقله عنها، مما حفظ لنا نصوصا قيمة في مختلف المجالات لكتب لا تزال حبيسة الرفوف، أو مما فقد من تراث الأمة على مر التاريخ بسبب الفتن، أو عوامل الطبيعة.
ومما يلاحظ أيضاً، أنه كما توجه الإمام الزركشي لطلب العلم في سن مبكرة، حيث سمع الحديث وهو في سن السابعة، فكذلك سمح له اطلاعه الواسع بولوج باب التأليف في سن مبكرة أيضاً، حيث ألف أول كتاب له وهو في سن الرابعة والعشرين،
حيث وضع شرحاً على كتاب الروضة للبلقيني، فكان أول من جمع حواشي الروضة كما صرح بذلك ابن حجر.
زهده وعبادته وثناء العلماء عليه
لقد اشتهر عن الإمام الزركشي زهده في الدنيا، وانقباضه عن ملاذها، سواء تعلق ذلك بالجانب المادي البحت، أو حتى المناصب العلمية أو الحكومية -إن صح التعبير-، ربما لأنه كان يرى ضخامة المسؤولية، وتقديراً للعواقب المترتبة عليها،
وإن كان مما يحرص عليه فقهاء ذلك الزمان غالباً.
ولا يعلم من حال الإمام الزركشي أنه تولى منصباً إلا مشيخة خانقاه كريم الدين، والتي كانت في ذلك الوقت مكانا يجتمع فيه المتعبدون من الصوفية، حيث يتكفل أحد الصالحين من الأغنياء أو حتى الأمراء بدفع مستحقات معلومة
وجرايات على هذه الخانقهات لتوفير ما يحتاج إليه مرتادوها والقاطنون بها من طعامٍ، وكساءٍ، وعلاجٍ وغيرها. وعادة ما كان يتم تعيين شيوخ الخانقاه من طرف أمير من الأمراء أو حتى السلطان،
ويعد ذلك اعترافاً من الأوساط الرسمية بمكانة هذا الشيخ من الناحية العلمية والزهد في متاع الدنيا وزينتها.
لقد شهد الكثير من العلماء ممن عاصروا الإمام الزركشي أو جاءوا بعده بمكانة هذا الإمام، وأقروا له بالعلم، والفضل، والمشاركة في أنواع الفنون، وجودة التأليف، والسبق إلى كثير من المواضيع التي لم تخدم من قبل،
كما فعل في كتاب “استدراكات عائشة على الصحابة”، واعتنائه بحواشي الروضة وغيرها. وفيما يلي قطوف من كلام أهل العلم حول الإمام الزركشي، فمنها:
قال المقريزي: ” الشيخ بدر الدين محمد بن بهاء الدين عبد الله المنهاجي الزركشي، الفقيه، الشافعي، ذو الفنون والتصانيف المفيدة … سمع الحديث وأفتى ودرس”.
وقال عنه الحافظ ابن حجر: “…ورأيت أنا بخطه من تصنيفه البرهان في علوم القرآن من أعجب الكتب وأبدعها، مجلدة ذكر فيها نيفاً وأربعين علماً من علوم القرآن،
وتخرج به جماعة، وكان مقبلا على شأنه، منجمعا عن الناس، منقطعا في بيته، لا يتردد إلى أحد إلا لسوق الكتبي طول نهاره ومعه ظهور أوراق يعلق فيها ما يعجبه،
ثم يرجع فينقله إلى تصانيفه، وكان يقول الشعر الوسط …”.
وقال ابن تغري بردي: “وتوفي الشيخ بدر الدين محمد بن عبد الله المنهاجي الفقيه الشافعي، المعروف بابن الزركشي، المصنف المشهور في ثالث رجب، وكان فقيهاً، مصنفاً".
وقال ابن إياس الحنفي في حوادث سنة 794ﻫ: “وفي رجب، توفي الشيخ الإمام العالم بدر الدين محمد بن بهادر الزركشي المنهاجي الشافعي، وكان مولده سنة خمس وأربعين وسبعمائة،
وكان عالماً فاضلاً، أخذ عن الإسنوي، ومغلطاي، وابن كثير، وألف تصانيف كثيرة، وكان فريد عصره”.
وذكره الخطيب الجوهري فقال: “الشيخ بدر الدين محمد بن عبد الله المنهاجي، الفقيه، المفنن، المشهور بالزركشي الشافعي، صاحب التصانيف الفائقة المفيدة، والفنون الرائعة البديعة”.
وقال عنه الداودي: “محمد بن عبد الله بن بهادر: الإمام، العالم، العلامة، المصنف، المحرر، بدر الدين أبو عبد الله المصري الزركشي الشافعي …وكان فقيهاً، أصولياً، مفسراً، أديباً،
فاضلاً في جميع ذلك، ودرس، وأفتى، وولي مشيخة خانقاه كريم الدين، بالقرافة الصغرى …”.
وقال القاضي ابن قاضي شهبة: “محمد بن بهادر بن عبد الله العالم، العلامة، المصنف، المحرر، بدر الدين أبو عبد الله المصري الزركشي”.
وقال تلميذه البرماوي: “كان منقطعا إلى الاشتغال لا يشتغل عنه بشيء، وله أقارب يكفونه أمر دنياه”.
وقال الأدنروي: “محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي الموصلي الشافعي بدر الدين، ولد في سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وألف تصانيف كثيرة في عدة فنون، وهو عالم في الحديث،
والتفسير، وجميع العلوم، ومن مصنفاته: شرح البخاري، والتنقيح على البخاري، وشرح التنبيه، والبرهان في علوم القرآن، وتخريج أحاديث الرافعي، وتفسير القرآن العظيم وصل إلى سورة مريم،
وكانت وفاته في سنة أربع وتسعين وسبعمائة”.
وذكره ابن العماد الحنبلي فقال: “… وكان فقيهاً، أصولياً، أديباً، فاضلاً في جميع ذلك، ودرس، وأفتى، وولى مشيخة خانقاه كريم الدين بالقرافة الصغرى … وكان خطه ضعيفاً قل من يحسن استخراجه”.
وقال عمر رضا كحالة: “محمد بن بهادر بن عبد الله المصري الزركشي الشافعي بدر الدين أبو عبد الله، فقيه، أصولي، محدث، أديب، تركي الأصل مصري المولد”.
وفاته:
بعد هذا العطاء الكبير الذي قدمه الإمام الزركشي، ورغم صغر سنه نسبياً -مقارنة بغيره- وما خلفه من آثارٍ علميةٍ كبيرة، توفي الإمام الزركشي يوم الأحد 3 رجب سنة 794ﻫ، بالقاهرة،
ودفن بالقرافة الصغرى، بالقرب من تربة الأمير بكتمر الساقي.
وكان عمره حينئذ 49 سنة، فرحمه الله تعالى رحمة واسعة.
- Addeddate
- 2011-02-27 08:52:34
- Identifier
- BurhanQuran
- Identifier-ark
- ark:/13960/t3417sz4v
- Ocr
- language not currently OCRable
- Page-progression
- rl
- Ppi
- 300
comment
Reviews
There are no reviews yet. Be the first one to
write a review.
10,637 Views
10 Favorites
DOWNLOAD OPTIONS
ABBYY GZ
Uplevel BACK
116.0B
boq0_abbyy.gz download
116.0B
boq1_abbyy.gz download
117.0B
boq1p_abbyy.gz download
116.0B
boq2_abbyy.gz download
116.0B
boq3_abbyy.gz download
116.0B
boq4_abbyy.gz download
PDF
Uplevel BACK
17.6K
boq0.pdf download
10.5M
boq1.pdf download
269.8K
boq1p.pdf download
10.4M
boq2.pdf download
11.1M
boq3.pdf download
9.6M
boq4.pdf download
SINGLE PAGE PROCESSED JP2 ZIP
Uplevel BACK
18.7K
boq0_jp2.zip download
33.7M
boq1_jp2.zip download
790.5K
boq1p_jp2.zip download
33.3M
boq2_jp2.zip download
32.2M
boq3_jp2.zip download
30.6M
boq4_jp2.zip download
IN COLLECTIONS
Arabic : Books by Language Books by LanguageUploaded by sidinanet on