Skip to main content

Full text of "mehdamehda"

See other formats


2 || م مير 00 
0 !وكيز 


عرص ودفد 


2 ١ه‏ لام 


حقوق الطبع محفوظه 
الطبعة الأولى 54١541١ه‏ / وام 
مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية 
ص . ب 5٠١44‏ الرياض ١١١4#"‏ 





مطسهة 
مركز الملك فيصل 
للبهوث والدراسات الاسلاميية 





اسم أل أأوكمزألومكيم 








مسحي عا ل محيه لع تافر اههركت ذ! 


3 

















شكر وتقدير 


وجهك وعظيم سلطانك. .. اللهم لك الحمد علي تيسيرك وتسهيلك 
فبفضلك وإحسانك تتم الصالحات فلك الحمد في الآخرة والآولى. 

وبعد فلا يفوتني أن أتقدم بالشكر الجزيل لجامعة أم القرى وكلية الدعوة 
وأصول الدين على ما يبذلون لطلبة العلم من تشجيع.. وأسأل الله لهم 
مزيدا من التوفيق . 

كا أتقدم بالشكر الجزيل لأستاذي الفاضل الأستاذ الدكتور/ عثمان 
عبدالمنعم عيش - المشرف عل هذه الرسالة والذي منحنى من علمه ووقته 
وتوجيهاته النافعة وإرشاداته الصائبة الشىء الكثير. .. فجزاه الله عنى خير 
ما جازى أستاذاً عن تلميذه ووالداً عن ولده فقد فتح لي قلبه وبيته. . 

كا أشكر كل أستاذ وزميل وكل من ساهم في إخراج هذا البحث 
المتواضع . 

والله أسال أن يجازيهم عنيى خير الجزاء إنه ولي ذلك والقادر عليه. 

وصلى الله عل سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم . 


الباحث 





لحمد لله الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم. والصلاة والسلام 
على عبده ورسوله محمد الذي أنقذ الله به من الضلالة. وهدى به إلى الحق 
المبين . 

أما بعد فإن جوهر حياة الإنسان هو معرفته لعلاقته بخالقه لا كما يراها 
هوء بل كا أرادها له الله تعالى» إذ لم يترك الله سبحانه ‏ للناس مجالا 
لتصور تلك العلاقات. وإن)ا بينها لهم بوساطة الأنبياء والرسل الذين هم 
مبلغون عنه عز وجل. ومن أعظم ما بينه الرسل للناس أمور العقيدة التي 
هي لب إيان المرء؛ إن صلحت صلح إيانه» وإن فسدت لحق إيانه من 
الخلل بقدر ذلك الفساد. فقد يخرج بذلك من الملة عياذا بالله. 

وقد شهد تاريخنا الإسلامي صراعا حادا بين مختلف الفرق حول قضايا 
عقدية ونشأت من أجل ذلك علوم من أشهرها أصول الفقه وأصول الحديث 
وعلوم الكلام ومن أهدافها تحقيق النصوص ووضع ضوابط للاستدلال بها. 
ولعلاء أهل السنة جهود كبيرة في هذا السبيل. إذ قيض الله لحفظ دينه 
منهم رجالا نذروا أنفسهم لبيان الحق والدفاع عنه وتبيينه للناس . 

ومن أعلام العلاء المشار إليهم بالبنان عبدالملك بن عبدالله بن يوسف 
الجويني الملقب ب«إمام الحرمين») المتوفي سنة 41/8ه رحمه الله الذي يعد علما 
من أعلام المدرسة الأشعرية. وقد اشتهر إمام الحرمين بجهوده العلمية 
وبمؤلفاته العديدة التى أشار إليها الدكتور أحمد بن عبدالله آل عبداللطيف 
في الجزء التمهيدي من هذا الكتاب : «منهج إمام الحرمين في دراسة العقيدة» 

وقد تصدى الدكتور أحمد ال عبداللطيف لدراسة جانب مهم من حياة 
الجويني الفكرية» وهو منبجه في دراسة العقيدة» واجتهد في استنباط مقومات 


ذلك المنبج من خلال مؤلفات الجويني في المقام الأول. من غير إهمال لا 
كتبه سابقوه. وقد وفق المؤلف في تتبع مسارب الفكر العقدي للإمام الجويني 
مقارنا ذلك با أثر عن المدرسة الأشعرية أو ما عليه المتكلمون من غيرهم. 
مبينا ذلك وناقدا له في ضوء النصوص الشرعية وما صح من مذاهب 
السلف. وقد قاده ذلك إلى نقض بعض ما قاله الإمام الحويني ؛ ولعل من 
أبرز ذلك موقفه من تأويل بعض الصفات في الفصل الثالث من الباب 
الثالث. 

وقد رغب مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في نشر هذا 
الكتاب لما رآه فيه من جهد علمي متميز اتسم بالصبر على تتبع الأقوال 
والأراء وتمحيصها ونقدهاء وبيان لمذهب أهل السنة من السلف في مسائل 
الاعتقاد المطروحة للبحث في الكتاب. 

نسأل الله أن يجزي الدكتور أحمد آل عبداللطيف خير الجزاء على ما بذل 
من جهد. وأن ينفع بهذا الأثر العلمي, ويبارك فيه. . إنه ولي ذلك والقادر 
عليه . 


. 


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين 


الأمين العام 








المقدمة 


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا 
ومن سيئات أعمالناء من هده الله فلا مضل له. ومن يضلل فلا هادي 
لهء وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده 
ورسوله. بايا آلْذِينَ أمَنُوا آنُّواْ آل حَنٌ ثُقَائه ولا مين إلا وَأَمْم 
ُسلِمُون004. 

ياي آلناس تقو بكم آنْذي حَلفَكُم من فس وَحِدَةٍ وَحلقَ متها 
زوْجَهَا وبث نهم رجالا كثير وَنْسَاءٌ وأتقواً آلله آلْذِي تَسآءُونَ به وَآلأرْحَام 
إِنَّ آلله كَانَ عَليكُم رَقيسأ0 ييا آلّذِينَ امنواً آتقُوا آلله وَقُونُوا كَل 
سَديداً يصَلِحٌ كم أَعْمَالَكُمْ ويَعْفْرٌ لَكُمْ نوكم ومن بطع | آلله ورسوله 
فَقَدُ فار فورًا عظيّ 907 , 

أما بعد: 

خبر النبي كَل أن هذه الأمة ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها 

ف 3" 9 واحدة. وهي ماكانت على مثل ماكان عليه يك هو وأصحابه», 
ولقد وقع ما أخبر به يك فوجدت فرق كثيرة لما اراء متعارضة في مسائل 
العقيدة التي يفترض ألا يختلف أحد من المسلمين فيها. 

فا هي الأسباب التى.أدت إلى هذا الاختلاف والتباين في قضايا لا تقبل 
التغير والتبديل مع تغير الزمن وتبدل الأحداث ولا مجال للاجتهاد فيهاء فهي 
)١(‏ سورة آل عمران. آية .٠١١‏ 
(؟) سورة النساى اية .١‏ 
(0) سورة الأحزاب آية ١لا‏ د ١ل1.‏ 
43 خطبة الحاجة التي كان رسول الله يك يعلمها لأصحابهء سئن ابن ماجه ج ١‏ ص 508 - .51١‏ 


(6) رواه ابن ماجه في سئنه ج 1 ص 1١١35١‏ 21377. وقال المحقق محمد فؤاد عبدالباقي «ني الزوائد 
إسثاده صحيح ورجاله ثقات». 











مسائل ثابتة وتوقيفية؟ لا شك أن هذا الاختلاف هو نتيجة حتمية للابتعاد 
عن المنبج الذي خطه ورسمه رسول الله يك لأمته . 

فكلم) ابتعد الإنسان عن هذا الخط المستقيم ازداد ضلالا. 

فنسبة ضلاله في الأفكار والمعتقدات إن!ا تكون بمقدار انحرافه عن الخط 
المستقيم » الذي رسمه وَل والمتمثل في الكتاب والسنة وفهمه)| في ضوء ما 
فهمه سلفنا الصالح . 

وهذا يتبين لنا أن دراسة الآراء الاعتقادية لفرقة من الفرق أو عالم من 
العلماء لمعرفة مدى صحتها وصوابها يتوقف أساسا على دراسة الهج الذي 
سلكته للوصول لهذه الآراء. 

فإذا كان المنبج منحرفا فستكون النتائج والآراء باطلة. وإذا كان المنبج 
سليا ولكن التطبيق خاطىء فسيقع الإنسان أيضا على نتائج خاطئة. 

وغاية القول إن أخطاء المدارس الكلامية في بعض ما تقرره من العقائد 
وانحرافها في ذلك عن العقيدة السلفية الصحيحة لا يرجع فقط إلى الخلاف 
بينها وبين العقيدة السلفية» وإن) يرجع إلى اختلاف مناهجها عن المنيج 
السلفي في إثبات العقائد الدينية» كما يرجع الخلاف بين تلك المذاهب 
بعضها مع بعض إلى الخلاف في المنهج . 

ويتمثل هذا الخلاف المنبجي بين المذاهب الكلامية بعضها مع بعض 
وبينها وبين المدرسة السلفية في اختلاف موقف كل منها من العقل والنقل 
ف إثبات العقائد. فهل هما طريقان متساويان في قيمة الاستدلال. أم أن 
العقل هو المقدم. أم أن النقل هو المقدم. 

وهل تثبت جميع العقائد بكل منهاء أم يثبت بعضها بالعقل ويثبت 
البعض الآخر بالنقل؟ 

وهل يمكن أن يتعارض العقل والنقل فيهما يثبت بها من العقائد أم لا؟ . 

وما هو الموقف الصحيح إذا وقع هذا التعارض المفروض. هل نتوقف 
في قبول دلالة العقل. أم نلجأ إلى تأويل النقل للتوفيق بينه؟ . 

وماهي طرق هذا التأويل وضوابطه؟ . 


-٠١ 








ا 


1 

وهل يتساوى الموقف من النصوص النقلية في القران مع النصوص المنقولة 
من الحديث النبوي؟ . 

واذا لم يكن فهل نستطيع أن نرد الأحاديث - باعتبارها أخبار احاد عن 
الدلالة في باب العقائد؟ أم لا؟. 

هذه أسئلة كثيرة تختلف إجابة المذاهب الكلامية فيها بينها عنها. 

كا تختلف إجابة المدرسة السلفية عما تقرره المذاهب الكلامية في شأنها 
اختلافاً كليا أو جزئياء وإلى هذا الاختلاف يرجع الخلاف المنبجي بين كل 
مذهب ومذهب. فموقف كل مذهب من هذه الأسئلة وغيرها يحدد منهجها 
في تقرير العقائد الدينية والاستدلال عليها والدفاع عنها. 

ومن هنا تبدو أهمية دراسة المناهج المختلفة في إثبات العقائد. ولا سيا 
الدراسة المقارنة التي يتناول فيها الباحثون بالدراسة المناهج الكلامية عرضا 
ونقدا في ضوء الهج السلفي. فبهذه الدراسة نستطيع أن نحدد أسباب 
الأخطاء العقدية التي يقع فيها مذهب من المذاهب. وطريقة تصحيح 
مقررات المذاهب بتصحيح مناهجها طبقا للمنيج السلفي الصحيح . 

وقد اخترت لدراستي هذه علما من أعلام المتكلمين. وهو إمام الحرمين 
الجويني لنزلته المتميزة في المدرسة الأشعرية» وتأثيره البالغ فيمن جاء بعده 
من علائها ولا سيا في) يتعلق بتأصيله لقاعدة التأويل في ثلك المدرسة ‏ 
للظواهر النقلية المخالفة للمقررات العقلية في نظرهم . 

كا كانت له اتجاهاته الخاصة في الاستدلال العقل.» عارض فيها أدلة 
من سبقه من المتكلمين. وارتضى بدلا منها أدلة أخرى في هذا المقام. 

حقيقة لقد تناول بعض الباحثين قبل إمام الحرمين بالدراسة. إما بدراسة 
مستقلة» أو ضمن دراسات أخرى. 

ومع تقديري لأصحاب هذه الدراسات وما قدموه في أبحاثهم القيمة. 
فإنني رأيت أن الجانب الممبجي عند إمام الحرمين لازال في حاجة إلى دراسة 
مستفيضة. لتوضيح ملامحه وبيان منهج إمام الحرمين في دراسة العقائد 
والدفاع عنهاء وتقيبم هذا المنبج على ضوء المنبج السلفي الصحيح. فلقد 


-1١- 





درس الدكتور علي جير في رسالته (إمام الحرمين وأثره في بناء المدرسة 
الأشعرية). درس اراءه الكلامية وخصص أحد فصول هذه الرسالة لدراسة 
منهجه. ولكنه اقتصر في هذا الفصل على تسجيل رجوع إمام الحرمين في 
كتابه (البرهان) عا كان يستعمله في كتبه السابقة من الأقيسة العقلية.» كقياس 
الغائب على الشاهدء وبناء النتائج على المقدمات, والاستذلال بالمتفق عليه 
على المختلف فيه. 

هذا إلى جانب ماحكم به من استعمال إمام الحرمين للمنطق الأرسطي 
في إثبات العقائد. الأمر الذي سيظهر لنا خلافه فيه فيم] بعد. 

ولم يتناول بالدراسة طرقه العقلية الأخرى في إثبات العقائد. ولا منبجه 
في الاستدلال السمعي عليها بالقرآن والحديث والإجماع. ولا استدلاله 
بالمعجزة . 
وفي نفس الوقت لم يعن بنقد المنهبج ولا بمقارنته بالمنبج السلفي. أما 
الدكتورة فوقية في كتابها (الجويني إمام الحرمين). فقد اقتصرت في موضوع 
الجويني والمعرفة على بيان مصادر المعرفة ودرجاتها عنده. 

ثم قرّرتَ أنه لا يقبل من الأدلة إلا النفي والإثبات., وم تبين في أي 
المراحل كان ذلك. هل كان في مرحلته الأولى أم الأخيرة» وما دليلها على 
ذلك. فهذه الدعوى تحتاج إلى دليل» ثم إننا نخالفها الرأي. فلإمام الحرمين 
أدلة عقلية أخرى. سنذكرها في رسالتنا هذه إن شاء الله. 

ثم بينت مدركات العقول عنده. فبينت أنها أضرب: ما يدرك بالعقل 
وحده. وما يدرك بالسمع وحده. وما يدرك بالسمع والعقل معا. وهو خطأ 
ظاهر لا يمخفى على اللبيب. 

ومن ثم لم تتعرض في كتابها لبج إمام الحرمين في دراسة العقائد. 

أما الدكتور عبدالعظيم الديب فقد عني في كتابه عن إمام الحرمين 
بدراسته كفقيه واقتصر في الحديث عن منهجه على تقرير ما رآه من التزام 
إمام الحرمين القواعدٌ الصحيحة التي يجب أن يلتزم بها كل عالم في التأليف. 
ومن ذلك: تحديد الحدف والمطلوب من كل مؤلف. وتحديد معاني الألفاظ 


-1١172 


والمصطلحات. وعرض اراء المخالفين وأدلتهم ومناقشتها والتحرر من كل 
فكرة سابقة قبل البحث. وعدم التعصب والتنبه واليقظة لأسباب الزلل 5 
الأبحاث وإعطاء القرائن كل اعتبار» ومع الأهمية الخاصة للدراسة القيمة التي 
قدمها الاستاذ الفاضل في كتابه عن إمام الحرمين وإفادتنا منها في التأريخ 
لحياته ومع قيمة ما قدمه في تلك الدراسة عن منهج إمام الحرمين في التأليف 
بصفة عامة إلا أن ذلك لا يغني ‏ ى) هو واضح ‏ عن عرض منهجه في 
دراسة العقيدة على نحو ما سنقوم به في هذه الرسالة إن شاء الله. 

وظاهر من هذا أنه لم يتعرض لبيان منهج إمام الحرمين في الاستدلال 
رسالتنا هذه به 

وقد اقتصر الدكتور الزحيلٍ في كتابه (الإمام الجويني إمام الحرمين) على 
التأريخ لحياته وعصره والتعريف بمؤلفاته دون أن يتناول منبجه بالعرض 
والتحليل . 

وهكذا يتبين لنا أن الكتابات السابقة عن إمام الحرمين وما تناولته 
بالدراسة من جوانبه المختلفة» مع تقديرنا لهاء لا تغني عن دراسة الجانب 
المنبيجى عنذه دراسة مستفيضة عرضا ونقدا 5 ضوء ماسنقوم به 5 هذه 
الرسالة . 

وقد التزمت في دراستىي الميج العلمى الدقيق وذلك بالرجوع إلى المصادر 
دقيقا. وتوثيق النصوص والتجرد ف البحث» وبناء النتائج على مقدمات 
صحيبحة ما وسعنى الجهد. وقد سرت 5 رسالتى هذه على الخطة التالية : 
قسمت الرسالة إلى مقدمة وباب تمهيدي وستة أبواب. 

أما المقدمة» وهي التي بين أيديناء فقد تحدثت فيها عن أمهمية الموضوع 
ودوافعي للكتابة فيه والدراسات السابقة عن إمام الحرمين. وتقويمي لا ثم 
عن منبجي في رسالتي هذه وخطبي في كتابتها. 

أما الباب التمهيدي فهو عن إمام الحرمين وقد اشتمل على سبعة فصول: 


- ١*2 





الفصل الأول عن عصره سياسيا واجتاعيا وعلميا وتأثير هذا العصر في 
حياته . 
والفصل الثاني عن نشأة إمام الحرمين وأطوار حياته. 
والفصل الثالث عن شيوخه وتلاميذه. 
والفصل الرابع عن ثقافته ومؤلفاته. 
والفصل الخامس عن أخلاقه ومكانته العلمية. 
والفصل السادس عن مذهبه الكلامي . 
أما الفصل السابع والأخير من هذا الباب فهو عن طرق دراسة إمام الحرمين 
للعقيدة . 
وقد كان الباب الأول عن منهج إمام الحرمين في تحديد المصطلحات العقدية 
وفيه فصلان. تناولت في الفصل الأول دراسة الحد وبيان منبج إمام الحرمين 
في استخدامه في دراسة العقيدة. 
وفي الفصل الثاني تناولت بالنقد مغبج إمام الحرمين في تحديد المفاهيم 
العقدية في ضوء المنبج السلفي. 
أما الباب الثاني فموضوعه منهجه في الاستدلال العقلٍ على العقائد وفيه 
ثانية فصول. وقد تناولت في هذه الفصول الثانية: موقفه من الطرق العقلية 
المختلفة في إثبات العقائد وهى الاستدلال بقياس الغائب على الشاهد. 
والاستدلال بإنتاج المقدمات النتائج والاستدلال بالسبر والتقسيم والاستدلال 
بالمتفق عليه على المختلف فيه والاستدلال بقاعدة: (ما لا دليل عليه يجب 
نفيه). والاستدلال بصحة الشىء على صحة مثله وباستحالته على استحالة 
مثله والاستدلال بقياس الأولى والاستدلال بالقياس المنطقي . 
وقد عقبت على كل فصل من الفصول الثانية بهذا الباب ببيان الموقف 
السلفى من الاستدلال بكل طريق من هذه الطرق العقلية وبينت - في ضوء 
هذا الموقف ‏ مدى صحة استدلال إمام الحرمين على العقائد بها يرتضيه منها. 
أما موضوع الباب الثالث فهو منبجه في الاستدلال السمعي بالقران. 
وقد تناولت بالدراسة في فصول ثلاثة منه منهجه في الاستدلال على ذلك 


-1١5- 





بالنص والظاهر والمفهوم ؛ أما الفصل الرابع من هذا الباب فكان عن منهجه 
في تأويل الظواهر القرانية. . 

وختمت هذا الباب بفصل خامس فيه نقد لهج إمام الحرمين في التأويل 
وبيان موقف السلف منه ومن التفويض . 

وفي الباب الرابع تناولت بالدراسسة منهجه في الاستدلال السمعي بالسنة 

العقائد. 
فكان موضوع الفصل الأول والثاني منه منبجه في الاستدلال بالحديث 
المتواتر وحديث الآحاد. أما الفصل الثالث فكان نقدا لموقف إمام الحرمين 
من الاستدلال بالسنة في إثبات العقائد في ضوء المبج السلفي . . 

وقد تناولت في الباب الخامس منهج إمام الحرمين في الاستدلال السمعي 
بالإجماع على العقائد فبينت في الفصل الأول منه رأيه في الإجماع وحجيته 
في إثبات العقائد. 

أما في الفصل الثاني فبينت استدلال علاء السلف بالإجماع على العقائد 
مع التعقيب على اراء إمام الحرمين ببيان ما يصح منما وما لا يصح. 

أما الباب السادس والأخير فموضوعه منهجه في الاستدلال بالمعجزة على 
العقائد وفيه فصلان: أولهم|: عن استدلال إمام الحرمين بالمعجزة وحدها على 
صدق النبي دون غيره من العقائد. وثانيه|: نقد مايذهب اليه إمام الحرمين 
في الفصل السابق من الاقتصار في الاستدلال على صدق النبي على المعجزة 
وحدها ثم في الاقتصار ني دلالة المعجزة على صدق النبي فقط دون غيره 
من العقائد الأخرى. 

وغنى عن البيان أن كل فصل من فصول هذه الرسالة يتضمن فقرات 
عدة تناولت فيها بالدراسة رأي إمام الحرمين في جميع جوانب الدليل الذي 
أدرسه فيه ومنهبجه في الاستدلال به مسبوقا ببيان موقف المتكلمين قبل إمام 
الحرمين من الاستدلال به ومختوما بذكر ناذج تطبيقية كثيرة من مذهب إمام 
الحرمين بيانا لممبجه في استخدامه في اثبات العقائد... وم أرد ذكر هذه 
الفقرات التفصيلية خلال عرضنا لخطة الرسالة حتى لا تتحول إلى فهرس 


عا 


د 





آخر حيث يغني عن ذلك الاطلاع على الفهرس التفصيلٍ للرسالة. 
وقد بذلت جهدي ما استطعت في كتابة هذه الرسالة. فا كان فيها من 
صواب فمن الله وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان. 
وأسأل الله تعالى التوفيق والسداد إنه ولي ذلك والقادر عليه. 


لكك 





البساب التمهعيسدى 
حياة إمام الحرصين 


الفصل الأول : عصره. 

الفصل الثاني : نشأته وأطوار حياته. 
الفحصل الثالث : شيوخه وتلاميذه. 
الفحصل الرابع : ثقافته ومؤلفاته. 

الفصل الخامس : أخلاقه ومكانته العلمية. 
الفصل السادس : مذهبه الكلامى. 
الفصل السابع : طرق دراسته للعقيدة. 


-/ا1 - 





الفصل الأول 
عصسيرة. 
١‏ - الحالة السياسية: 


عاش إمام الحرمين في القرن الخامس الحجري ما بين سنتي 4١9(‏ - 
هه). وذلك في عهد الخليفتين القائم بأمرالله2©) المتوق سنة /1451هء 
والمقتدي بأمر الله المتوقى سنة /1441ه2©. وذلك بعد أن تمزقت دولة الخلافة 
العباسية إلى دويلات متناحرة شرقا وغربا. يقول أحمد أمين واصفا حالة 
الدولة السياسية بعد ضعف الخلافة: (تمزقت المملكة كل ممزق». وأخذت 
الأقطار الإسلامية تستقل عن بغداد شيئا فشيئاء وأخذ يخشى ولاتها وأمراؤها 
بعضهم بأس بعض» ويضرب بعضهم بعضاء فصارت المملكة الإسلامية 
عبارة عن دول متعددة مستقلة. وعلاقة بعضها مع بعض علاقة مخالفة أحيانا 
وعداء غالباء وأصبح لكل دولة مالا وجندها وإدارتها وقضاؤها وسكتها 
وأميرهاء وإن اعترف بعضها بالخليفة في بغداد حينا من الزمن فاعتراف 
ظاهري ليس .له أثر فعلي". 


)١(‏ هو عبدالله أبوجعفر بن القادر بالله أبي العباس أحمد بن الأمير إسحاق بن المقتدر بالله. توفى 
سئة 4517 وعمره 0/5 سنة وخلافته 44 سنة وكان حميلا مليح الوجه. أبيض مشربا حمرة حسن 
الجسم. ورعا دينا زاهدا عالماء قوى اليقين بالله. له عناية بالآدب وكان مؤيدا للعدل والإنصاف. 
وكان على طريقة السلف في الاعتقاد وله في ذلك مصنفات كانت تقرأ على الناس. 
الكامل في التاريخ لابن الأثير جم ص .17١‏ 
والبداية والغباية ج ١١‏ ص ."١‏ 

() هو المقتدي بأمر الله أبوالقاسم عبدالله بن الذخيرة بن القائم بأمر الله توفي سئة /4410. وكان 
عمره 88 سنةء وكانت خلافته ١4‏ سنةء وأمه أم ولد أرمينية تسمى أرجوان, وتدعى قرة العين. 
وكانت أيامه كثيرة الخير واسعة الرزق. وعظمت الخلاقة في عهده. ولقد أمر بنفى المغنيات 
والمفسدات من بغداد. وبيع دورهن فنفين ومنع الناس أن يدخل أحد الحام الا بمئزرء وكان قويّ 
النفس عظيم ال همة. 
البداية والنهاية ج 1١١‏ ص45١.‏ 

2 ظهر الإسلام جد أمين ج 3 ص .1١‏ 





-1١9- 





ففى عصر إمام الحرمين كانت الدولة الفاطمية نحكم بلاد المغرب 
ومصر9). 

والأمويون يحكمون قرطبة”». 

والدولة الغزنوية كانت نحكم بلاد الأفغان والبنجاب وخراسان من بلاد 
فارس0) . 

وكانت المنطقة التي عاش فيها إمام الحرمين. أعني بلاد نيسابورء خاضعة 
يحكمها في أول الأمر السلطان محمود بن سبكتكين الغزنوي والذي توفي 
سنة ١841هء‏ ثم أوصى بالملك لابنه محمد.ء فخطب له من أقاصى المند 
إلى نيسابور وكان لقبه جلال الدولة. ولكن أخاه الأكبر مسعود ‏ الذي كان 
بأصبهان عند وفاة والده - عاد إلى نيسابور واستولى على مقاليد الحكم من 
أخيه محمد الذي أسلمه جلده إليه» ومبذا اجتمع لمسعود بن محمود الغزنوي 
ملك خراسان وغزنة وبلاد ال هند والسئد وسجستان وكرمان ومكران والري 
وأصبهان وبلاد الجبل وغير ذلك. وعظم سلطانه وخيف جانبه©. 

ولكن في سنة 479 دخل ركن الدين طغرلبك محمد بن ميكائيل بن 
سلجوق”*) مدينة نيسابور ملكا لا. 

وسبب ذلك أن السلجوقيين لما ظهروا بخراسان وأفسدوا ونهبوا وخربوا 
البلاد» سمع الخبر الملك مسعود بن محمود بن سبكتكين. فسير إل حاجبه 
ف ثلاثين ألف مقاتل . 
)2( تاريخ الإسلام السياسيء د. حسن ابراهيم حسن ج “اء. ص ؟19١.‏ 
)2 تاريخ الإسلا السياسى ‏ جح “" ص 8كا١ا.‏ 
ز١ى‏ انظر تاريخ الإسلام السياسى جح * ص فلل "الى هخم 
() هو محمود بن سبكتكين كان عاقلا دينا خيرا ذا علم ومعرفة, قصده العلماء من أقطار البلادء وكان 

يكرمهم ويقبل عليهم وكان عادلا كثير الإحسان إلى رعيته كثير الغزوات. 

الكامل لابن الأثير ج /ا ص 47؟ - 7544. 
(8) الكامل لابن الأثير ج لاء ص 45” - 40". 
(4) كان أول ملوك السلاجقة. كان خيرا مصليا محافظا على الصلاة في أول وقتهاء يديم صيام الاثنين 


والخميس حليها عمن أساء اليه كتوما للأسرار. توق عام 68ه4 وعمره 'لاسئة. 
البداية والعباية جْ ١١‏ ص 96١‏ 


ولكن حاجبه واطأ السلاجقة عندما كان بظاهر سرخس والسلاجقة مع 
طغرلبك في ظاهر مرو فلا جن الليل أخذ الحاجب واسمه سباش ما خف 
من مال وهرب في خواصه. وترك خْيّمَهُ ونيرانه على حالماء فللا أسفر الصبح 
عرف الباقون من عسكره خبرهء فانهزموا واستولى طغرلبك على ما وجده في 
المعسكرء وقتل منهم مقتلة عظيمة» وسار داود أخو طغرلبك إلى نيسابور, 
فدخلها بغير قتال ولم يغيروا شيئا من أمورها. 

ووصل بعدهم طغرلبك», ثم وصلت إليهم رسل الخليفة في ذلك الوقت. 
ينماهم عن النبب والقتل والإخراب ويعظهم فأكرموا الرسل وعظموهمء 
وامتنعوا عن تخريب نيسابور. ثم استولى السلاجقة على سائر بلاد خراسان”"©. 

ولكن في سنة 40 وصل الملك مسعود من غزنه إلى خخراسان» وأجلى 
السلاجقة عنه('"©, إلا أنه في آخر سنة 4١‏ وأول سنة 477 سار طغرليك 
الى نيسابور فملكها من جديد ونهب أصحابه الناس9"©. 

ودامت الحروب بعد ذلك بين محمد ومسعود ابني محمود الغزنوي وبين 
أبنائهم) كذلك في سبيل السيطرة على ما بقي من ملك أبيهم خارجا عن 
سلطان السلاجقة. واستمرت هذه الحروب حتى انتهت بسيطرة مودود بن 
مسعود الغزنوي على مقاليد الأمور في تلك المناطق29. 

وفي سنة /ا48ه ملك طغرلبك بغداد.» وسبب ذلك أن الخليفة عندما 
ثبت عنده سوء عقيدة وتدبير البساسيري :©29‏ وقد كان مقدما كبيرا عند 
الخليفة القائم بأمرالله لدرجة أنه لا يقطع أمرا دونه وبعد أن عرف عزمه 
على نهب دار الخلافة, وأنه راسل الفاطميين بالطاعة وأن يقبض على الخليفة 
عند ذلك؛ كاتب الخليفة طغرلبك يستغهضه على السير إلى العراق والذي 





.15 1١8 الكامل لابن الأثير ج /ا ص‎ )٠١( 

.١7 المصدر السابق ج /ا ص‎ )١١( 

.35١5 - 590 المصدر السابق ج م ص‎ )١0 

(17) انظر الكامل لابن الأثير ج 4 ص 5١‏ - 707 . 

)١4(‏ اسمه ارسلان أبوالحارس من أهل مديئة بساء لقبه الملك المظفر كان مقدما عند الخليفة القائم 
بامر الله قتل سنة .14601١‏ 
البداية والنباية لابن كثير ج ١7١‏ ص 84. 


- "١2 


أجاب طلب الخليفة فدخل بغداد وأنهى بذلك ولاية بني بويه9"©. 

واستمر طغرلبك حاكم إلى أن توفي 29488. فحكم بعده ألب أرسلان 
السلجوقي ء ثم ابنه من بعده السلطان ملكشاه حتى سنة ©94/6©,. 

وبهذا يتضح لنا أن إمام الحرمين عاش في ظل دولتين» ففترة الصبا قضاها 
في ظل الدولة الغزنوية؛ أما بقية عمره فعاشها تحت حكم الدولة السلجوقية. 

وبديبي أن ماجرى خلال تلك الفترة من الحروب والمنازعات بين 
الغزنويين والسلاجقة من جهة. وبين الغزنويين بعضهم مع بعض من جهة 
اخرى - بديهبي أن ماجرى من تلك الحروب والمنازعات قد استتبع أثره 
الاجتماعي في حياة الناس من اضطراب وفساد وفتن على نحو ما سنشرحه 

في الفقرة التالية: 
*" - الحالة الاجتتماعية : 

يستطيع الباحث أن يستنتج سوء الحالة الاجتماعية من خلال عرضنا 
للحالة السياسية. وبيان ما سادها من حروب واضطرابات. فالأمن يكاد 
ينعدم نتيجة للحروب المستمرة» وكذلك نتيجة لا يقوم به العيّارون 
واللصوص خلال الاضطراب السيامسي من نهب وسلب. 

يذكر ابن كثير أحداث سنة 455 فيقول: (فيها تفاقم الحال بأمر 
العيارين. . . وكثر العيارون واستطالوا على الناس ولم يحج أحد من أهل 
العراق وخراسان لفساد البلاد)08 , 

وفي أحداث سنة 47١‏ يقول: (في مجملها كثر تردد الأعراب ف قطع 
الطرقات إلى حواشي بغداد وما حوها بحيث كانوا يسلبون النساء ما 
عليهن.. واستفحل أمر العيارين وكثرت شرورهم)9©. 


(1) البداية والنهاية لابن كثير ج ١١‏ ص 55. 
)١1(‏ البداية والنهاية اج ١5‏ ص ١٠و‏ 

.145 البداية والعهاية اج الا اص‎ )١7( 

(18) البداية والهاية ج ١١‏ ص ه". 

.790 المصدر السابق ص‎ )1١94( 


-7532- 


وفي أحداث سنة 458 يقول: (وفيها ثار العيارون. . . وانتشرت الشرور 
في البلاد جدا. ..)20, 

وفي أحداث سنة 41١‏ يقول: (ووقع فساد عريض واتسع الخرق على 
الراقع , ونهبت دور كثيرة جدا... وغلت الأسعار. .)2). 

وجاء ني الكامل لابن الأثير (... وسار طغرلبك إلى نيسابور فملكهاء 
ودخل إليها آخر سنة إحدى وثلاثين وأول سنة اثنتين وثلاثين ونهب أصحابه 
الناس. . . . 
وكان العيارون قد عظم ضررهم واشتد أمرهم ‏ وزادت البلية بهم على 
أهل نيسابوره» فهم ينهبون الأموال ويقتلون النفوس ويرتكبون الفروج 
الحرام . . .). 

ولكن الحالة هدأت بتملك طغرلبك. يقول ابن الأثير (ولا دخل طغرلبك 
البلد» خافه العيارون وكفوا عما كانوا يفعلون وسكن الناس. واطمانوا)""©. 

وثمة سبب آخر لانعدام الأمن والاستقرار» وهو الفتن التي كانت تحدث 
بين أهل السنة والرافضة.. يذكر ابن كثير من أحداث سنة 44٠‏ وقوع 
اقتتال بين أهل السنة والرافضة ووقوع فتن يطول ذكرها"9". 

وفي أحداث سنة 44 يقول ابن كثير (في صفر منها وقع الحرب بين 
الروافض والسنةء فقتل من الفريقين خلق كثي وذلك أن الروافض نصبوا 
أبراجا وكتبوا عليها بالذهب: محمد وعلي خير البشرء فمن رضي فقد شكر 
ومن أبى فقد كفرء فأنكرت السنة إقران على مع محمد كَكهِ في هذا فنشبت 
الحرب بينهم واستمر القتال إلى ربيع الأول)9". 

ويقول في أحداث سنة 5545: (وفي ذي القعدة تجددت الحرب بين أهل 
السنة والروافض» وأحرقوا أماكن كثيرة وقتل من الفريقين خلائق)7". 
(70) المصدر السابق ص .4١٠‏ 
(51) المصدر السابق ص 497 . 
)5١0(‏ الكامل لابن الأثير ج 4 ص 75. 
(17) انظر البداية والنهاية ج ١1‏ ص 08. 


(754) المصدر السابق ص ؟517. 
(755) المصدر السابق ص 57. 


57د 





وهكذا الحال في سنة 4468. 

وكذلك كانت تقع الفتن بين الأشاعرة والحنابلة. يقول ابن كثير في 
أحداث سنة /5851/ (وفيها وقعت الفتنة بين أهل السنة والرافضة على العادة 
فاقتتلوا قتالا مستمرا ولا تمكنت الدولة أن تحجز بين الفريقين». وفيها وقعت 
الفتنة بين الأشاعرة والحنابلة» فقوي جانب الحنابلة قوة عظيمة بحيث كان 
ليس لأحد من الأشاعرة أن يشهد الجمعة ولا الجماعات)2". 

ومن الفتن الي حدثت في ذلك العصرء تلك الفتنة التي حدثت لعلماء 
الشافعية على يد الكندري وزير طغرلبك» وعن هذه الفتنة يقول ابن الأثير: 
إن الكندري كان (شديد التعصب على الشافعية. كثير الوقيعة في الشافعى 
رضي الله تعالى عنهء بلغ من تعصبه أنه خاطب السلطان في لعن الرافضة 
على منابر خراسان. فأذن في ذلك فأمر بلعنهم وأضاف اليهم الأشعرية فأنف 
من ذلك أئمة خراسان. منهم الإمام أبوالقاسم القشيري والإمام أبوالمعالي 
الجويني وغيرهماء ففارقوا خراسان وأقام إمام الحرمين بمكة أربع سنين - إلى 
أن انقضت دولته ‏ يدرس ويفتي)9". 

وكان المجتمع الإسلامي خلال تلك الفترة طبقتين: إحداهما تعيش في 
ترف وبذخ. وهي طبقة الخلفاء والامراء والوزراء ومن يتصل بهم والتجار. 
والأخرى تعيش في بؤفس وشظف وهم عامة الناس9»). 

ولقد انتشر الرقيق في هذا العصر. وامتلأت القصور به وكثر نسل 
الجواري. حتى الخلفاء كانوا من نسل الجواري» وكثر تعليم الجواري الغناءء 
وأصبح لمن أماكن يغنين فيهاء وكان يتردد عليها الناس للسماع والشراب9»). 

مما أدى إلى انتشار المفاسد. ولكن قيض الله بعض الغيورين لمنع هذه 
المفاسد. 


(7؟) البداية والعهاية ج 1١‏ ص 55. 

(/7) الكامل لابن الأثير ج م ص /و. 

(18) انظر ظهر الإسلام لأحمد أمين ج ١‏ اص 7و. 
(19) انظر ظهر الإسلام ج ١‏ ص ١15‏ ومابعده. 


- 5ه 


فيحكي ابن كثير عن الخليفة المقتدي بالله أنه كان يأمر بالمعروف وينبى 
عن المنكرء فأمر بنفي المغنيات والمفسدات من بغداد وأغلق الحانات 
والملاهى”” , 1 
وقوميات مختلفة إلى جانب العرب» كان يوجد الترك والفرس والروم والزنج. 
ويعيش فيا بينهم 5 جو من التسامح الديني اليهود والنصارى. 

وقد ظهرت نعرات قومية بين هذه العناصر المختلفة أحياناء ولكن كانت 
هذه النعرات والعصبيات محصورة في اليش والولاة2"”©. 

وعلى الرغم من ذلك فقد كان المعيار في سمو الشخص ورفعة شأنه هو 
ما يتمتع به من علم وتقى. يقول د. زحيلي: (وم يكن للجنسية أو القومية 
شأن في رفع من ارتفع من العلاء مثلاء ولا في إخماد ذكر من انطوى اسمه 
في التاريخ » فالعروبة لم ترفع الشافعي أكثر ما يستحق, والفارسية لم تنقص 
من شأن أبي حنيفة ومكانته التِى تبوأها بعلمه وفضله واجتهاده.» والعجمة 
لم تؤثر في مكانة البخاري ومسلم)”". 
الحالة العلمية: 

وعلى الرغم من سوء الحالة السياسية والاجتاعية في القرن الخامس كى| 
بيناء إلا أننا نجد في هذا القرن ازدهارا علميا واضحا يتمثل في وجود كثرة 
من العلماء المتبحرين قي غختلف العلوم . ولعل تنافس الحكام على تشجيع 
العلم والعلماء تقوية للكهم عند العامة بتقريب العلماء. وكذلك عمل العلماء 
على الاستفادة من هذا الوضع في نشر العلمء لعل ذلك هو السبب في 
ازدهار الناحية العلمية في ذلك العصر بالإضافة إلى تأثير انتشار الثقافة 
الإغريقية . 
0 انظر البداية والنهاية لابن كثير ج 1١17‏ ص .١55‏ 
(1*) انظر ظهر الإسلام ج ١‏ ص "* - .4١‏ 


تاريخ الحضارة الأسلامية في المشرق للدكتور محمد جمال الدين سرور ص 18٠ - ١7١‏ 
5 الإمام الجويني ص 78. 


- 76 - 








ففي الطب كان يوجد الطبيب الفيلسوف الحسن بن عبدالله بن سينا 
والذي برع في الطب وقد بلغت مصنفاته مائة مصنف منها: القانون والشفا 
والنجاة والإشارات. توق سنة 9478© ,. 

ومن علماء الأحناف: أحمد بن محمد بن أحمد أبوالحسن القدوري الحنفي 
صاحب الكتاب المشهور في مذهب ابي حنيفة. كان إماما بارعا ت 9418©. 
وعبدالله بن عمر بن عيسى الفقيه الحنفي, أول من وضع علم الخلاف 
وأبرزه الى الوجود. .له كتاب الأسرار والتقويم للأدلة ات 047٠‏ 

ومن علاء المالكية: عبدالوهاب بن علي بن نصر صاحب الرحبة» أحد 
أئمة المالكية ومصنفيهم., له كتاب التلقين يحفظه الطلبة. وله غيره في الفروع 
والأصول ت 060497 , 

ومن علماء الشافعية: الحافظ الكبير أحمد بن الحسين أبوبكر البيهقي . 
من مؤلفاته كتابه السنن الكبرى. ونصوص الشافعي كل في عشر مجلدات. 
والسنن الصغرى, والآثار والمدخل والآداب وشعب الإيان ودلائل النبوة وغير 
ذلك من المصنفات”” , 

وغيره كثير. وسنترجم لكثير منهم عند ذكرنا لشيوخ إمام الحرمين وتلاميذه. 

ومن علاء الحنابلة: محمد بن الحسن بن محمد القاضي أبويعلى شيخ 
الحنابلة» كان إماما فى الفقه. له التصانيف الحسان الكثيرة في مذهب أحمد 
ت اكره غ28 , ْ ْ 

وأيضا علي بن عقيل بن محمد أبوالوفا شيخ الحنابلة وصاحب الفنون 
وغيرها من التصانيف المفيدة. تفقه بالقاضي أب يعلى توفي سنة 69681. 


(0) أنظر البداية والنباية لابن كثير ج 1١‏ ص 45 - "4. 
(:") المصدر السابق ج 1١١‏ ص 4؟. 

(ه") البداية والنهاية اج ١١‏ ص45 -190. 

(5”) المصدر السابق ج ١١‏ ص 9". 

(97") البداية والنباية ج ١‏ ص 94. 

(8") المصدر السابق ج ١١‏ ص 4. 

(9*) المصدر السابق ج ١١‏ ص 184. 


55د 


ومن المفسرين: أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعالبي ) صاحب التفسير 
المشهورء وله التفسير الكبير وكتاب العرائس في قصص للأنبياء 
ت/7؟اع ه140), 
ومن علاء اللغة: أبومنصور عبدلملك بن محمد بن إساعيل الثعالبي 
النيسابوري. كان إماما في اللغة والأخبار. له التصانيف الكبار في النثر 
والنظم والبلاغة. وأكبر كتبه يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر 
ت سنة /ااغ ه40), 

وأبوالحسن علي بن ابراهيم بن سعيد بن يوسف الحوفي. له كتاب في 
النحو كبير وإعراب القرآن في عشر مجلدات وله تفسير القرآن أيضا. توفي 
تا سنة 8159 ه49). 
ومن علماء الظاهرية: أبومحمد علي بن أحمد بن حزم. يقال إنه صنف 
أربععائة مجلد. كان أديبا طبيبا شاعرا فصيحا. 

من مؤلفاته الشهيرة: «المحل)» و«الفصل في الملل والأهواء والنحل» 
و«الإحكام في أصول الأحكام» ووطوق الحامة» وغير ذلك. توفي سنة 
كهع ه459 

ومن المعتزلة: أبوالحسين البصري اللمعتزلي. محمد بن علي بن الخطيب 
أبوالحسين البصري االمتكلم. شيخ المعتزلة والمنتصر لحم ات4"5 ه9». 


ومن المحدثين: محمد بن على بن عبدالله الصوري الحافظ. كان من 
التاريخ مستفادة من كتب أبى عبدالله الصوري . توفى سنئة ١:غه1©2),‏ 


(40) المصدر السابق ج ١١‏ ص 1١٠‏ 

(41) المصدر السابق ج ١١‏ ص 44. 
(49) المصدر السابق ج ١١‏ ص 197. 
(87) البداية والنهباية رج ؟١'‏ ص .15-91١‏ 
(55) المصدر السابق ص 04. 

(ه55) المصدر السابق ص 2.5١‏ 


- 717/- 





ونكتفي بذكر من ذكرنا هنا من العلماء حيث يطول بنا المقام» لو ذهبنا 
نتقصى جميع ماعمر به ذلك العصر منهم. 

وفي هذا العصر أغلق باب الاجتهاد في الفقه وسرى فيه روح التقليد 
وبرز فيه التعصب الشديد للمذهب9©». 

كا يتسم هذا العصر بشيوع المناظرات والجدل9». 

ومن مظاهر الازدهار العلمى في هذا العصر انتشار المدارس. ففي 
نيسابور كانت المدرسة البيهقية والمدرسة السعدية ومدرسة ثالثة بناها أبوسعد 
الاستراباذي ومدرسة رابعة بنيت للأستاذ أبي إسحاق الاسفراييني.» وكذلك 
المدرسة النظامية التي بناها نظام الملك. ْ 

وقد اشتهر نظام الملك ببناء المدارس فبنى مدرسة ببغداد وبلخ» وبهراة 
وبأصبهان وبالبصرة وبمرو. 

ويقال إن له في كل مدينة بالعراق وخراسان مدرسة9). 

هذا هو عصر إمام الحرمين من الناحية السياسية والاجتاعية والعلمية 
وأثر هذا العصر في إمام الحرمين واضح . فالفتنة الي سببها الكندري كانت 
سببا في خروجه من نيسابور ومجاورته في مكة اربع سنين. يدرس ويفتي» 
فلقب إمام الحرمين كما سبق. كا أن لهذا الخروج أثره في صقل شخصيته 
نتيجة لاحتكاكه بالعلماء. فيناظرهم ويباحثهم ويستفيد من علومهم وتجارمهم . 
فالسفر يتيح له اللقاء بأكبر عدد من العلاء. ولاسي) أن بقاءه في مكة ‏ التي 
هي ملتقى المسلمين من جميع بقاع العالم هيأ له فرصة الاجتتماع بالعلماء 
من الشرق والغرب عندما كانوا يأتون لأداء مناسك الحج والعمرة. 

ثم إن الوضع السياسي الذي أتى بنظام الملك إلى السلطة. كان سببا 
في رجوعه واستقراره في نيسابور. 


(47) انظر تاريخ التشريع الإسلامي للخضري ص ”747. 
(44) انظر طبقات الشافعية ج 4 ص "١#‏ 4!". 


-58- 





ولقد كان لتردد نظام الملك على العلماء ومنهم إمام الحرمين أثره في جعله 
يصنف المصنفات التى تحمل اسمه مثل النظامية. كما وأنه نتيجة للفتن التي 
تقع بين الأشاعرة والحنابلة جعلته يلمز الحنابلة فيصفهم بالحشوية كما يلاحظ 
عليه في كتبه(؟4) , 

ونتيجة لسريان روح التقليد والتعصب للمذهب في هذا العصرء نجد 
إمام الحرمين قد تأثر بهذه الروح فقام بتأليف كتابه «مغيث الخلق في ترجيح 
القول الحق» وفيه انتصر لمذهب الشافعي ورجحه على مذهب أبي حنيفة جملة 
وتفصيلا. وهكذا فعل في كتابه البرهان. 


(49) انظر البرهان ج 2١‏ ص 505. 


-9؟- 


الفصل الثاني 
نشأته وأطوار حياته 


١‏ - أسمه ونسبه: 


هو عبدالملك بن عبدالله بن يوسف الحويني » هكذا جاء ف بعض 


حو("0, 


التراجم 


ويزيد بعض المئؤرخين ذكر أجداده بعد يوسف , فيذكر البغدادي وابن 
خلكان والذهبى وابن كثير أن اسمه عبدالملك بن عبدالله بن يوسف بن 


عبدالله بن يوسف بن محمد بن حيويه الجويني اللي 

وأسقط السبكى ذكر جده يوسف بن عبدالله» وأضاف جدا أخيرا هو 
عبدالله بن حيويه فساق نسبه بأنه (عبدالملك بن عبدالله بن يوسف بن 
محمد بن عبدالله بن حيويه الحويني)9©. ولكنه ذكر الاسم صحيحا عندما 
ترجم لذبيه إذ قال: هو عبدالله بن يوسف بن عبدالله بن يوسف بن محمد بن 


انظر: دمية القصر وعصرة أهل العصر, لأبي الحسن الباخرزي. ات سنة 4517 ج 7 ص 745 


6) 


)ع6 


"65 


.741/ - 

وانظر: الأنساب» للإمام أي سعيد عبدالكريم بن محمد بن منصور التميمى السمعان. 
ت ؟ذمه جك ص 6ه" 

وتبيين كذب المفتري فيها نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري لأبي القاسم علي بن الحسن بن 
هبة الله بن عساكر الدمشقي . ت الاه هل ص 5718 . 

والمنتظم في تاريخ الملوك والأمم. لأبي الفرج عبدالرحمن بن علي بن الجوزيءت 410هه. ج 4. 
ص18١.‏ 

انظر ذيل تاريخ بغداد, للحافظ محب الدين أبي عبدالله محمد بن محمود بن الحسن المعروف بابن 
النجار ات 2.5147 ج ١ء‏ ص 86. ووفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان, لأبي العباس شمس الدين 
أحمد بن محمد بن أي بكر بن خلكان. ا ت١ماهء‏ ج2075 ص ."41١‏ 

وسير أعلام النبلاء للذهبي. ات 4كلاه. ج١١2‏ ص505. 

والبداية والعباية, للحافظ ابن كثير الدمشقى » ت 5 الام ج ك3 ص58؟١.‏ 

طبقات الشافعية الكبرى, لتاج الدين أبي نصر عبدالوهاب بن علي بن عبدالكاني السبكي. ج ه. 
ص 156. 


35١ - 





حيويه)7©. فوافق بهذا السياق لنسب إمام الحرمين من سبقه من المؤرخين 


" ل لسبته: 


ويكتفي بعض من ترجم له بنسبته إلى جوين فيقال الجويني؟*» ويضيف 
الآخرون نسبة أخرى فيقال الجوينى النيسابوري2©. 

أما نسبته إلى نيسابور فلأنه عاش فيها كما تذكر الكتب التى ترحمت له. 

فبعد أن خرج منها بسبب الفتنة التي أثارها الوزير الكندري واضطهاده 
لعلاء الأشاعرة ‏ كما ذكرنا في الفصل السابق ‏ عاد إمام الحرمين إليها من 
جديد ليقيم فيهاء وليقوم بالتدريس في المدرسة النظامية9©». 

أما نسبته إلى جوين فترى الدكتورة فوقية أن هذه النسبة جاءته بالوراثة 
عن والده الذي عاش في جوين في حين أن امام الحرمين لم يذكر عنه أنه 
ولد أو أقام أوتوفي فيها 9" , وتابعها على ذلك د عبدالعظيم الديب27" , 


- كنيته ولقبه : 


2. 


ويكنى بأبي المعالي(09) وهي كنية تدل على ارتفاع قدره ومنزلته . 


(8) المصدر السابق نفسه. ج ه. ص "الا. 

5" انظر: دمية القصر. ج 2 ص 56 - 55ل الأنساب للسمعاني. جك ص مه“ المنتظم . 
جق ص 18ء وفيات الأعيان. جك ص 41". 

[فلية4 انظر: تبيين كذب المفتري, ص يه سير أعلام البلاء. عاك ص كد60 طبقات الشافعية 
للسبكي . ج26 ص 156. 1 
جاء في الأنساب للسمعاني: (الجويني بضم الجحيم وفتح الواو وسكون الياء المنقطة بائنتين من تحتها. 
هذه النسبة إلى جوين وهي إلى ناحية كثيرة مشتملة على قرى مجتمعة يقال لها كويان فعرب وجعل 
جوين. وهذه الناحية متصلة بحدود بيهق وها قرى كثيرة متصلة بعضها ببعض ولا يرى فيها 
خمسة فراسخ خراب أو بادية من عبارتهاء وقرب كل قرية من الأخرى) الأنساب للسمعاني ج "ا 
ص 73608 . 

(05) انظر: تبيين كذب المفتري. ص .580٠‏ الأنساب للسمعاني. ج “ا ص 508. 

07) انظر: الجويني إمام الحرمين للدكتورة فوقية.» ص .١"‏ 1 

(58) انظر: إمام. الحرمين أبوالمعالي عبدالملك بن عبدالله الجوينى حياته وعصره آثاره وفكره للدكتور 
هداية الله أن إمام الحرمين ولد في جوين, ولا أدرى ماسنده على ماقال. 
انظر: هامش طبقات الشافعية. ص .١74‏ 

(09) انظر: دمية القصر.ء ج ”ء ص 745ء الأنساب. ج م ص 209 تبيين كذب المفتري. 
ص 077/8 المنتظم. ج 4 ص 18ء وفيات الأعيان ج ؟. ص ."4١‏ 





77د 


واشتهر بلقب إمام الحرمين. ذكر ذلك كل من ترجم له0©. 

وسبب تلقيبه بإمام الحرمين أنه جاور بمكة أربع سنين وبالمدينة يدرس 
ويفتي ويجمع طرق المذهب02". 

وذكر صاحب مراأة الجنان احتتالا آخر هذا التلقيب فقال: «ويحتمل أنه 
على وجه التفخيم له ىا هي العادة في قولهم ملك البحرين» وقاضي 
الخافقين» ونسبة إمامته إلى الحرمين لشرفههما توصلا إلى الإشارة إلى شرفه 
وفضله وبراعته ونبله وتحقيقه وفهمه)9" . 

ولكن هداية الله الحسيني يذكر أنه «إنما عرف بإمام الحرمين لأنه كان 
إماما بمكة حين مجاورته.» ودخل المدينة زائرا قبر الرسول يل وقدم القوم فأقام 
هناك نحو عشرة أيام» 9" . 

ولقبه الباخرزي بركن الدين9©. 

وأضاف ابن خلكان والذهبي والأسنوي وابن قاضى شهبة وهداية الله 
وابن عماد الدين الحنبل لقب (ضياء الدين)0©. 2 

وهذه الألقاب فيها دلالة على منزلته الرفيعة بين العلماء. 


5 - والده: 


ووالده هو أبو محمد عبدالله بن يوسف الجويني كان يلقب بركن 
الإسلام. وأصله من العرب إذ كان يقول: «نحن من العرب من قرية يقال 


(00) في حدود الكتب التى اطلعت عليها. 

1 ."4١ انظر: وفيات الأعيان ج 7ء ص‎ )1١( 

(؟5) مراة الحئان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان للإمام أبي محمد عبدالله بن أسعد 
ابن على بن سليان اليافعي اليمني (ت18لاه). ج*. ص 6؟١.‏ 

(59) طبقات الشافعية لأبي بكر هداية الله الحسينى. (ت ٠١١4‏ ه) ص .١95‏ 

(58) دمية القصرء ج 27 ص 545. ١‏ 

[0ةه وفيات الأعيان. ج 7" ص 2*١‏ سير أعلام التبلاء ج 1 ص كثنم6 طبقات الشافعية, الجمال 
الدين عبدالرحيم الأسنوي. (ت "لالاه) ج ١‏ ص 2.404 طبقات الشافعية لداية الله 
ص 2195 شذرات الذهب في أخبار من ذهب. لأبي الفلاح عبدالحي بن العماد الحتبلي 
(ت 04 هم جك ص 5608. 


9 


لها سئبس)02©, 

كانت له معرفة تامة بالفقه والأصول والنحو والتفسير (وكان لصيانته 
وديانته مهيبا محترما بين التلامذة. فلا يجري بين يديه إلا الجد والتحريض 
على التحصيل) تفقه على أبي يعقوب الأبيوردي7©. واجتهد في التفقه على 
أبي الطيب الصعلوكي7©. وارتحل إلى مرو قاصدا القفال المروزي9"© فلازمه 
وتعلم منه فأتقن طريقته. وعاد إلى نيسابور سنة سبع وأربعائة وقعد 
للتدريس والفتوى وتعليم الخاص والعام. وكان متصفا بالورع ومشهورا 
بالتقوى. فمن ورعه أنه كان يؤدي زكاة ماله في السنة الواحدة مرتين حذرا 
من نسيان النية. كما حرص على أن يرزق ذرية صالحة فقام بالأسباب 
فاشترى جارية من كسب يله من مال اكتسبه من نسخه الكتب. وكانت 
الجارية موصوفة بالخير. وكان يطعمها من كسب يده أيضا حتى حملت بإمام 
الحرمين . 

ومن ثناء العلماء عليه قول أبي عثان الصابوني: «لو كان الشيخ أبو محمد 
من بنى اسرائيل لنقلت إلينا شائله ولافتخروا به). 


(55) جاء في اللباب (السنبس: بكسر السين المهملة وكسر النون وكسر الباء الموحدة وفي آخرها سين 
أخرى - هذه النسبة الى سئبس قبيلة مشهورة من طيء, منها كثير من العلماء والشعراء. قلت: 
وهو سئبس بن معاوية بن جرول بن شعل بن عمرو بن الغوت من طيء). 
اللباب في تهذيب الأنساب. تأليف عزالدين بن الأثير الجزري ج ؟ ص 2.١44‏ وجاء في الأنساب 
(سنبس: هو أبوحي من طيء) ج 5 ص .1١7‏ 
وجاء في تاج العروس (سئبس بلس وهو ابن معاوية بن جرول بن ثعل قال الجوهر (أبوحي 
من طيء) تاج العروس من جواهر القاموس للامام اللغوي محب الدين أب الفيض السيد محمد 
مرتضى المسيني الواسطي الزبيدي ج 4 ص .١58‏ 
ولهذا فان سنبس قبيلة وليست قرية. 
ولقد جزم بذلك محقق الطبقات للسبكي قائلا: (وم نجد في كتب البلدان بلدا بهذا الاسم وهو 
بلا ريب خطأ وصوابه قبيلة) ج ه ص “7. 

(57) يوسف بن محمد الشيخ أبويعقوب الأببوردي: أحد الأئمة من تلامذة الشيخ أبي طاهر الزيادي 
ومن أقران القفال. كأن من مشاهير العلاء. لحق بالأئمة الأعلام. له كتاب «المسائل» في الفقه. 
توفي في حدود الأربعاثة. نقلا عن طبقات الشافعية الكبرى. ج 22 ص55" - 517". 

(18) أبوالطيب الصعلوكي: هو سهل بن محمد بن سليهان الصعلوكي الفقيه الشافعي إمام اهل نيسابور 
وشيخ تلك الناحية ‏ كان يحضر يجلسه حمسيائة خرة وكانت وفاته سئة /لا4م” . 
البداية والنباية لابن كثير ج إحلدة ص تقضة 

(59) القفال المروزي: هو أبوبكر محمد بن على بن إساعيل القفال الكبير. أحد أئمة الشافعية الكبار علما 
وزهدا وحفظا وتصنيفا. توق سنة /417 ه. وانما قيل له القفال لأنه كان أولا يعمل الأقفال وم يشتغل 
إلا وهو ابن ثلاثين سنة. البداية والناية ج ١5‏ ص 255 طبقات الشافعية ج 4. ص 5!84. 


-*5- 


ومن تصانيفه: التبصرة والتذكرة. ومختصر المختصر. وله تفسير كبير 
مشتمل على عشرة أنواع من كل أية كا يقول السبكي". توق في ذي 
القعدة من سنة ثان وثلاثين وأربعماثة . 
0 مولده: 


ولد إمام الحرمين في الثامن عشر من محرم سنة تسع عشرة وأربعاثة9”. 
ولكن ابن الجوزي وتابعه بعض من ترجم لإمام الحرمين ذكروا أن مولده 
كان سنة سبع عشرة وأربعاثة9"©. 

والظاهر أن ابن الجوزي قد وهم لأنه ذكر أن سنه عند وفاته كان تسعا 
وحمسين سنةء وأنه توفي سنة 41/8ه فينتج أن ولادته كانت سنة 24١19‏ لا 
ىا وهم 

وهذا هو ما رجحته الدكتوره فوقية عند ذكرها لتاريخ ولادته©. 

ولقد شذ هداية الله الحسينى وصاحب مرآة الجنان فذكرا أن ميلاده كان 
في الثاني عشر من محرم*©, خلافا لجمهور من ترجم له إذ يذكرون أن 
ميلاده في الثامن عشر كا ذكرنا أنفا. 

ولم تذكر كتب التراجم أين ولد إمام الحرمين» ويذّعي عادل نوبيهيقي 


م 


07٠١‏ انظر: تبيين كذب المفتري, ص لاه7. 2768 طبقات الشافعية للسبكي . جه ص */ا - كلا 

(1/) انظر: تبيين كذب المفتري ص 7880., وفيات الأعيان. ج 7. ص 949. سير أعلام النبلاء ج 21١‏ 
ص 605 ١‏ 

(7) انظر: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم. ج 9 ص8١‏ ذيل تاريخ بغداد. للحافظ محب الدين 
أي عبدالله محمد بن محمود بن الحسن المعروف بابن النجار البغدادي. (ت14ه). ج١2‏ 
ص 88. 

(7) انظر المنتظم في تاريخ الملوك والأمم.» جو ص8١.‏ 
وذيل تاريخ بغداد. جقء ص 86. 1 1 
والكامل في التاريخ. للشيخ العلامة عزالدين أبي الحسن على بي أب الكرم محمد بن محمد بن 
عبدالكريم الشيباني. المعروف بابن الأثير. ج248 ص .١١9‏ 
والنجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة, تأليف جمال الدين أب المحاسن يوسف بن تغري بردي 
الأتابكي. (ت 404) ج هء ص١١1.‏ 

(754) انظر الجوينى امام الحرمين ص 59 . 

(ه/) انظر: طبقات الشافعية طداية الله. ص .١98‏ 
ومراة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتير من حوادث الزمان ج #) ص .١"١‏ 


756 - 


محقق طبقات الشافعية أنه ولد في جوين ولم يقم دليلا على ذلك. ولعله 
ولد في نيسابور لأن كتب التراجم ذكرت رجوع والده إلى نيسابور سنة 4017 
وقعد للتدريس فيها ولم يذكر أنه رحل عنها حتى مولد إمام الحرمين في 
عام 419. 
5 - نشأته الأولى: 

نشأ إمام الحرمين في حجر والديه الصالحين. وقد ذكر بعض المؤرخين 
أن والده قد أوصى أمه ألا يرضعه أحد بعد أن وضعته. فدخلت عليها 
- وهي متألمة والصغير يبكي - امرأة من جيرانهم فشاغلته بثديها فرضع قليلاء 
فل) علم بذلك شق عليه الأمر وأخذه ونكس رأسه ومسح بطنه. وأدخل 
إصبعه في فيه ولم يزل يفعل ذلك حتى قاء جميع ماشربه وهو يقول يسهل 
أن يموت ولا يفسد طبعه بشرب لبن غير لبن أمه©. 

وهذه الرواية إن صحت تعكس شلة الوالد في تنشئة ابنه تنشئة صالحة 
إبعاداً لابنه عن الشبهات فيا يرضع من الغير وإن كنت لا أوافقه على محاولته 
إخراج مارضعه الطفل: 
أولا : لأن مارضعه ليس بحرام فالأصل الحل. 
ثانيا : الإرضاع جائز شرعا وهنالك أحكام تتعلق بالرضاع فليس الإرضاع 

من الغير يفسد الطفل. 
الثا : إن الراضع طفل ليس بمكلف شرعا ولا مؤاخذ فلا يجوز إيذاق 
لاستخراج مارضعه فالمبالغة في استخراج مارضع غلو لايقره الشرع . 

ومما يجدر ذكره أنه لا أثر لما يرضعه الإنسان في صغره في سلوكه فليس 
هنالك دليل على وجود أثر يترتب على سلوك إلانسان من استقامة وعدمها 
بسبب مارضعه في صغره. أقول هذا لأنني أعجب من إمام الحرمين الذي 


(5/) انظر وفيات الأعيان. ج 5”. ص 49". 
وطبقات الشافعية للسبكم 3 ج © ص لمدا. 


55- 


كان يقول ىا روي عنه ‏ عندما تلحقه فترة في مجلس المناظرة: (هذا من 
بقايا تلك الرضعة)9" . 

ولقد روى السبكي أن المرضعة كانت جارية فتحرج والد إمام الحرمين 
من ترضيعها لكونا لا تملك لبنها ولم تستأذن مالكها. 

قلت: ولو كان الأمر كذلك فا كان على والد إمام الحرمين معالجة الأمر 
بذلك الأسلوب» إذ كان بإمكانه ان يستسمحهم أو أن يدفع أجرة الرضاعة» 
وكون إمام الحرمين يعتقد أن اللجلجة التي تصيبه أثناء المناقشة من أثر بقايا 
تلك الرضعة فغير صحيح» وقياس السبكي فعل والد إمام الحرمين بفعل 
أبي بكر رضي الله عنه قياس مع الفارق9"© إذ إن أبابكر تيقن أن الطعام 
الذي أكله من كسب حرام» فهو مقابل كهانة في الجاهلية» وأبوبكر رضي 
الله عنه كان مكلفا فاجتهد في إخراج الحرام. أما مسألتنا فمع طفل رضيع 
والبون شاسع . . 

ولم تذكر كتب التراجم عن فترة صباه شيئا. 

وكل الذي ندريه أن أباه كان حريصا على تنشئته تنشئة صالحة» فمن 
البدهي أن يهتم بتعليمه منذ نعومة أظفاره ولا سيم| أنه كان يلمح فيه النجابة 
والإقبال. . 


/ا ‏ طلبه للعلم: 
وفد بدأ إمام الحرمين طلب العلم 5 صباه الباكر» وذلك بالتفقه على 
والده - والذي كان يلقب كا قلنا بركن الإسلام ‏ فدرس فقه والده وأتى 
كا يمكن أن يدرك الباحث تعلمه المبكر من خلال حياة شيوخهء فشيخه 
أبونعيم الأصبهاني ى] سيأتي توفي عام ٠مغه"".‏ وهذا يدل على أن إمام 





070 انظر وفيات الأعيان. ج ”7 ص 747. 
(07/8) انظر طبقات الشافعية. ج ه2.) ص .١59‏ 
(4/) انظر ص 5” من البحث. 


لا 








الحرمين تتلمذ عليه صغيراء ٠‏ لأنه لم يكن قد بلغ الحادية عشرة من عمره 
حين وفاة شيخه. 

ومن شيوخه أيضا كى) تذكر كتب التراجم النيلي» وهو من أئمة خراسان 
والذي توفي عام 475ه. وهذا يعنى أن إمام الحرمين كان سنه حين وفاة 
شيخه سبعة عشر عاماء أي إنه تتلمذ عليه وهو في مقتبل العمر"”. 

وقد بقى إمام الحرمين طالبا للعلم مجدا في تحصيله طوال حياته حتى 
بعد أن أصبح عالما يدرس ويفتي. فلم يمنعه اشتغاله بالتدريس من طلب 
العلم والحرص عليه. إذ تذكر كتب التراجم أنه كان بعد مجلسه للتدريس 
يخرج إلى مدرسة البيهقي ليدرس الأصول وأصول الفقه على الأستاذ الإمام 
أبي القاسم الإسكاني الإسفراييني7©”. 

ويبكر كل يوم إلى الأستاذ أبي عبدالله الخبازي ليقرأ القرآن عليه659. 

بل إننا لنراه وهو في الخمسين من عمره عندما قدم الشيخ المجاشعي 
سنة 459 إلى نيسابور يقرأ عليه (إكسير الذهب في صناعة الأدب)695. 

وهذا يدل على اهتامه بالعلم. فلم يمنعه كبر سنه ومكانته من أن يتتلمذ 
في معرفة فن من فنون العلم على أربابه. 

ولم يقتصر إمام الحرمين في طلب العلم على شيوخه الذين تلقى عنهم. 
بل كان مقبلا على الاستفادة من كل من لقيهم من العلماء خلال رحلته 
من نيسابور إلى الحرمين الشريفين, مارا بالمعسكر وبغداد. فكان في كل بلد 
يقيم فيها يدارس علاءها ويناظرهم ويفيد من علومهم9”" بل إنه يذكر في 
بعض كتبه ما أفاده من بعض تلاميذه حيث يذكر السبكي في ترجمة الإمام 
أبي نصر عبدالرحيم القشيري إن إمام الحرمين كان (يعتد به ويستفرغ أكثر 


(80) انظر ص /اا من البحث. 

."4١ ص‎ ١” انظر تبيين كذب المفترى.» ص ها ٠78ء وفيات الأعيان ج-‎ )48١( 
[فيث6 انظر تبيين كذب المفترى , ص ا‎ 

(87) المصدر السابق) ص 1787# . 

(84) المصدر السابق. ص .758١‏ 


-758- 


أيامه معه مستفيدا منه بعض سسائل الحساب في الفرائفض والدور 
والوصاية)*” . 

ويقول السبكي أيضا: (وأعظم ما عظم به أبونصر أن إمام الحرمين نقل 
عنه في كتاب الوصية من «النهاية» وهذه مرتبة رفيعة)”©. 

وأبونصر هذا من تلامذة إمام الحرمين. يقول السبكي (تخرج بوالده ثم 
على إمام الحرمين)9". 
8 - جلسه للتدريس: 

جلس إمام الحرمين للتدريس بعد وفاة والده سنة 5/8 وسنه إذ ذاك 
دون العشرين028, وقد أجلسه الأئمة للتدريس مكان والده. لمكانته العلمية 


تم 


وبعد خروجه من نيسابور استقر في المسجد الحرام أربع سنوات يقوم 
خلالها بالتدريس”6© فيه مع اشتغاله بالفتوى وجمع طرق المذهب,. ولا عاد 
إلى نيسابور بعد انتهاء الفتنة التحق بالمدرسة النظامية ليقوم بالتدريس فيها 
إلى آخر حياته"» وكان يحضر درسه الأكابر والجمع العظيم وكان يقعد بين 
يديه ثلاثائة من الطلبة9©. 
4 حالته الاجتماعية: 
م تحدثنا المصادر التاريخية خلال ترجمتها لإمام الحرمين عن حالته الاجتماعية . 
فلم تذكر هل كان متزوجا أم لا؟ 





(40) طبقات الشافعية الكبرى للسبكي. ج لاء ص .١١١‏ 
(485) طبقات الشافعية. ج لاء ص 1357. 
(4807)- المصدر السابق نفسه. ج لا ص .١١١‏ 
(84) انظر تبيين كذب المفتري.ء ص 7784 . 
(49) المصدر السابق نفسه ص 5984. 
(40) المصدر السابق نفسه ص ١58؟.‏ 
وسير أعلام النبلاء ج ألا ص لامه. 
)8١(‏ انظر تبيين كذب المفتري. ص .738١ - 78١٠‏ 
05 سير أعلام النبلاء. جك ص لاه 


- 8*4 


ولم تحدثنا أيضا عن وضعه المالي هل كان غنيا أم متوسط ال حال ومن أين 
يأتيه دخله؟ 

ولكن وردت عبارة في التبيين تقول: «وإن انقطع نسله من جهة الذكور 
ظاهرا فنشر علمه يقوم مقام كل نسب)9"). 

فمنطوق العبارة السابقة أن ليس لأبي المعالي ذرية من الذكور.ء فهل يفهم 
الذكور. 

هذا مالانستطيع أن نجزم به من العبارة السابقة» ولكن وردت عبارة 
أخرى في التبيين تدل على أن له ذرية من الذكور إذ جاء فيه (وصلى عليه 
ابنه الإمام أبوالقاسم بعد جهد جهيد). 

كما نرى أن السبكي ذكر له في طبقات الشافعية ولدا اسمه مظفرء وقد 
ترجم له بقوله (مظفر بن عبدالملك بن عبدالله الجويني الشيخ أبوالقاسم 
ابن إمام الحرمين)9©. 

ويذكر أنه ولد بالريّ وحمل صغيرا إلى نيسابورء» وأنه قتل مسموما في 
شعبان سنة 487 . 

وأنه نشأ في العلم والأدب وأخذ العلم عن والده وعن الشحامي 
والخفص*© . 

كما ترجم السبكي لأبي محمد هبة الله بن سهل بن عمر بن القاضي 
ابن عمر البسطامي النيسابوري وذكر أنه ختن إمام الحرمين على بنته0©. 

ويرى الدكتور الزحيلي أنها البنت الوحيدة للإمام"». 





(99) التبيين ص 5868. 

35 طبقات الشافعية ج 6 ص كرض 

(95) انظر هامش طبقات الشافعية ج 6 ص ."#"٠‏ 

(95) انظر المصدر السابق تفسه. ج لا ص #77. 

(99) انظر: الإمام الجويني إمام الحرمين. تأليف د. محمد الزحيل. ص 04. 


-50 


ولكنني لا أدري إلام استند في هذه الدعوى؟ 

وهذه الترجمة تؤكد أن إمام الحرمين كان متزوجا وأنه أنجب من الذكور 
مظفرا وأنجب من الإناث أيضا. 

ولعل ابنه قتل قبل أن ينجب ويكون هذا المراد بقولهم انقطع نسله 
ظاهرا. 

أما عن حالته المالية فقد جاء في التبيين أنه كان (ينفق ماورثه وما كان 
له من الدخل على اجراء المتفقهة ويجتهد في ذلك)8». 

فنستطيع أن نستنتج من هذه العبارة أن إمام الحرمين كان ذا مال جاءه 
وراثة» وله دخل أيضا وأن ماله يفيض عن حاجته فهو ينفقه على الطلبة 
والدارسين . 
٠‏ - وفاته: 

أجمعت كتب التراجم على أن وفاته كانت سنة 4198 65©. ولم يشذ في 
ذكر تاريخ وفاته إلا صاحب تلخيص الآثار إذ ذكر أنه توفي سنة 588 كا 
نقل ذلك عنه صاحب روضات الجنات. ثم يقول: (وقد عرفت تاريخ وفاته 
الحق من كتاب ابن خلكان المعتبر الموثئق فلا فرق)”"©. 

وما نسبه لابن خلكان غير صحيح إذ ذكر ابن خلكان تاريخ وفاته با 
لايخالف جمهور من ترجم له١)‏ وهي سنة 49/8 . 

وقد حصل اختلاف في الشهر الذي توفي فيه فالأغلب أنه توفي في 
ربيع الآخر في الخامس والعشرين منه9١")‏ وقلة منهم ذكروا أنه توفي في 


++ 


زليك4 التبيين. ص .58١‏ 

(44) انظر الأنساب ج . صن وهل 

- تبيين كذب المفتري. ص 2584 

5 ذيل تاريخ بغدادى ج ١‏ ص 97# 

- الكامل قي التاريخ. جّ م4 ص 9886ل 

5 مراة الجئان. جح لا ص .١59‏ 

)06 روضات الجنات» ج ه. ص .١١17‏ 
)٠١(‏ انظر: وفيات الأعيان. ج ”. ص 45". 
)٠8١9‏ انظر المراجع السابقة . 


-غ١-‎ 








ربيع الأول في الخامس والعشرين منه9"©. ْ 

وم يحصل اختلاف في ليلة وفاته فكل من ذكر ليلة وفاته ذكر أنها ليلة 
الأربعاء. توفي رحمه الله وقد بلغ تسعا وخحمسين سنة. ولم يم في تحديد عمره 
سوى ابن كثير الذي ذكر أن سنه عند وفاته كانت سبعا وخمسين سنة وهو 
وهم ظاهر إذ إنه ذكر تاريخ ميلاده على أنه سنة 419ه وذكر تاريخ وفاته 
على أنه سنة 841/4ه فينتج أن سنه عند وفاته كان تسعا وخمسين سنة لا 
سبعا وخمسين . 

فلعل التاريخ الأخير نتيجة خطأ مطبعي . 

توق رحمه الله بعد أن أصيب بمرض اليرقان وظل أياما ثم بْرَىُ منه. 
وعاد الى الدرس ففرح به تلامذته ومحبوه. ولكن فرحتهم لم تطل فمرض 
مرضه الذي توفي فيه وقد بقي أياما في مرضه هذا فظهر عليه الضعف 
فحمل إلى بشتنقان لاعتدال هوائها وخفة مائها فزاد ضعفه وانتقل إلى رحمة 
الله8 © , 

ومن الأمور الغريبة التي جرت له في مرضه الذي توفي فيه ماجاء في كتاب 
لمنتظم من أن (هبة الله بن المبارك السقطي قال: قال لي محمد بن الخليل 
البوشنجي حدثني محمد بن على الهريري وكان تلميذ أبي المعالي الجويني قال: 
دخلت عليه في مرضه الذي مات فيه وأسنانه تتناثر من فيه ويسقط منه 
الدود لا يستطاع شم فيهء فقال هذا عقوبة تعرضي بالكلام فاحذره)*'©. 

ومن أقواله في مرض الموت ماذكره الذهبي أن أباالفتح الطبري قال: 
(دخلت على أبي المعالي في مرضه فقال: اشهدوا على أنني قد رجعت عن 
كل مقالة تخالف السنة واني أموت على ما يموت عليه عجائز نيسابور)0"79, 





05 انظر: البداية والعباية جَ ؟١‏ ص .١1586‏ 
العقد الثمين ج ©) ص .68١08‏ 
النجوم الزاهرة ج هم ص 1١1١‏ 
التحفة اللطيفة ج ص /87م. 
0١5)‏ انظر تبيين كذب المفتري. ص 584. 
(ه١٠)‏ المنتظم. ج 29 ص .5١‏ 
5 وانظر النجوم الزاهرة ج ه. ص .١15١‏ 
)1١5(‏ سير أعلام النبلاء. ج ١١اء‏ ص 6508. 


-473- 


ولم ينتقد السبكي سند هذه الرواية. 

وانها قال (وهذه الحكاية ليس فيها شيء مستنكر إلا ما يوهم أنه كان 
على خلاف السلف)209. 

قلت: بل يفهم منها أن منهجه التأويلٍ للصفات الواردة في القرآن والسنة 
نتيجة اشتغاله بعلم الكلام مخالف للسنة ومنبج السلف وأنه يرجع عن جميع 
معتقداته المخالفة للفطرة وهو ما يؤمن به كل من كانت فطرته سليمة لم 
تتلوث بعلم الكلام كالعجائز مثلاء وأنه يرى أن ذلك هو المذهب الصحيح 
لا ما يعتقده المتكلمون. 

ولقد جزع الناس لوفاته جزعا شديدا م يعهد مثله. 

وازدحم الناس ازدحاما شديدا أدى إلى كسر منيره وجلس الناس للعزاء 
أياما وأكثر الشعراء المراثي فيه. ومن مظاهر الجزع التى لا تليق أن طلبته 
كانوا قريبا من 80٠١‏ نفر يطوفون في البلد نائحين عليه مكسرين المحابر 
والأقلام مبالغين في الصياح والجزع . 

ولقد انتقد الذهبي هذا المسلك المخالف للسنة فقال: (هذا من زي 
الأعاجم لامن فعل العلاء المتبعين)"2. 

ولقد أصاب الذهبي في نقده لهذا التصرف. فالإسلام ينهبى عن الجزع 
ويأمر بالصبر. كما ينبى عن إضاعة المال. وكونهم يكسرون محابرهم وأقلامهم 
تعبيرا عن جزعهم يتنافى مع الصبر الذي أمرنا به مع مافيه من إضاعة للمال. 

ولذا فان نقد السبكي للذهبي يعتبر خطأ فقوله تعليقا على قول الذهبي 
السابق (وقد حار هذا الرجل ما الذي يؤذي هذا الإمام وهذا لم يفعله الإمام 
ولا أوصى به أن يفعل حتى يكون غضا منهء وإنما حكاه الحاكون إظهارا 
لعظمة الإمام عند أهل عصره وأنه حصل لأهل العلم على كثرتهم» فقد 
كانوا أربعائة تلميذ. لم يتتالكوا معه الصبر بل أداهم إلى هذا الفعل» 


آذآ آ ل لسلس ةك 
)٠١ 7‏ طبقات الشافعية للسبكي ج ه ص .19١‏ 
)6٠١8(‏ سير أعلام البلاء. جح ل ص هم 


- 515 - 





ذلك وني هذا أوضح دلالة لمن وفقه الله على حال هذا الإمام)9"©. 

أقول إن قوله السابق فيه تعصب واضح لإمام الحرمين وتحامل على 
الذهبى . 

فلا نزاع أن جزعهم على إمام الحرمين يدل على مكانة الإمام في نفوسهم 
وعلى محبتهم له. ولكن هل هذا الفعل منهم قبيح أم ليس بقبيح بصرف 
النظر عما يحمل من دلالة؟ 

لا شك عند من له أدنى معرفة بالسنة - في أن أفعالهم عند وفاته 
قبيحة ومخالفة للسنة. 

ثم إن انتقاد الذهببي لفعل الطلبة لا يمس إمام الحرمين ولم أفهم من 
نقد الذهبي هذا أي تنقيص من شأنه. 

ولقد رثاه الشعراء ومما قيل عند وفاته : 


قلوب العالمين على المقالي *# وأيام الورى شبه الليالي 
أيثمر غصن أهل الفضل يوما *# وقد مات الإمام أبوالمعالي 0١١‏ 


.1484 طبقات الشافعية ج ه26 ص‎ )٠١9( 
.189© تبيين كذب المفترى. ص 6 طبقات الشافعية للسبكي» جَ هى ص‎ )١1١١( 


-45- 


الفصل الثالث 


شيوخه وتلاميذه 
١‏ - شيوخه: 


تبين لنا فيا سبق أن طلب إمام الحرمين للعلم كان مبكرا منذ صباه 
فأول من تلقى على يديه العلم أبوه أبوحمد صاحب التبصرة والتذكرة("25. 
وكا تتلمذ في صباه على أبي بكر أحمد بن محمد الأصبهاني فقد سمع 
منه الحديث ك] يقول السمعاني وابن الأثير2"'5. 0 
وسبق أن ذكرنا أنه درس القران على الأستاذ أبي عبدالله الخبازي . 
أما أصول الفقه فقد أتقنها على يد أستاذه الإمام أبي القاسم الإسكافي 
ويذكر ابن عساكر والذهبي أن من شيوخه: 
أبا سعد النضروي وأبا حسان محمد بن أحمد المزكى ومنصور بن رامش 2١9‏ . 
ويذكر السبكي من شيوخه أبا عبدالرحمن محمد بن عبدالعزيز النيلي21. 
وسوف نترجم فيا يلي لأهم شيوخه: 


)١(‏ أحمد بن عبدالله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الإمام 
الجليل الحافظ أبونعيم الأصبهاني . 


)١١١(‏ تبين كذب المفتري. ص 4ل70. 

.5١6 ص‎ 1١ ص 16”. سير أعلام النبلاء ج‎ .١ الأنساب ج *. ص 9ه", اللباب. ج‎ )١١0 
."1#« "4١ وفيات الأعيان ج ا. ص‎ 

15) المنتظم ج 8. ص 2.186 

.29868 تبيين كذب المفتريء ص‎ )١١5( 

(0116) طبقات الشافعية للسبكي . ج 5 ص 1١/1‏ 


-56- 








ولد ف رجب سنة ست وثلاثين وثلاثائة ئة بأصبهان . قال عنه السبكي 
0 . أحد عد الأعلام الذين جمع الله لهم بين العلو في الرواية والنهاية 
قال أحمد بن محمد بن مردويه: كان أبونعيم في وقته مرحولا إليه 
وم يكن في أفق من الآفاق أسند ولا أحفظ منه. كأن حفاظ الدنيا 
قد اجتمعوا عنده فكان كل يوم نوبة واحد منهم يقرأ ما يريده إلى 
قريب الظهرء فاذا قام إلى داره ربا كان يقرأ عليه في الطريق جزءا 
وكان لايضجر» م يكن له غذاء سوى التصنيف أو التسميع . 
وقال حمزة بن العباس العلوي كان أصحاب الحديث يقولون: بقي 
أبونعيم أربع عشرة سنة بلا نظير لايوجد شرقا ولا غربا أعلى إسنادا 
منه ولا أحفظ منهء وكانوا يقولون لما صنف كتاب (الحلية) حمل إلى 
نيسابور حال حياته فاشتروه بأربعائة دينار. 
قال ابن المفضل الحافظ : م يصنف مثل كتابه «حلية الأولياء». 
قال ابن النجار: هو تاج المحدثين وأحد أعلام الدين له كتاب 
معرفة الصحابة «وكتاب دلائل النبوة» وكتاب «فضائل الصحابة». 
توق 5 العشرين من المحرم سنة ثلاثين وأربعمائة وله أربع وتسعون 
سنة010), 
)١(‏ محمد بن عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد أبوعبدالرحمن ن النيلٍ 2١‏ وهو 
أحد أئمة خراسان. 
حدث عن أبي عمرو بن حمدان وأبي أحمد الحاكمي وغيرهما. 
روى عنه إسماعيل بن عبدالغافرء وأحمد بن عبدالملك المؤذن. وغيرهماء 
وأملى الحديث مدة وعمره ثانون سنة. 
مات اسنة سكت وثلاثين وأربعيائة2019, 


.١8 طبقات الشافعية الكبرى. ج 4. ص‎ )1١١6( 
النيلى نسبة إلى النيل وهي بلدة على الفرات بين بغداد والكوفة.‎ )١١7( 
.١78ص‎ .4 طبقات السبكي. ج‎ )114( 


سكق-ء 





فلة 


(5 


(2) 


محمد بن على بن محمد بن الحسن الأستاذ المقري أبوعبدالله الخبازي. 
توفي في شهر رمضان سنة سبع وأربعين وأربعائة وصلى عليه الصابون 
يعني أباعثمان. ورحل إلى الكشميهني لسماع الصحيح فسمعه وقرئٌ 
عليه.» وكان الاعتهاد 5 وقته على سساعه ونسخته. وكان بحبي الليل 
بالقراءة والدعاء والبكاء حتى قيل إنه كان مستجاب الدعوة م ير بعذه 
مثله. سمعت الشيخ أبا المحاسن عبدالرزاق بن محمد الطبشى بنيسابور 
يحكي عن بعض مشايخه أنه لما امتحن أصحابنا بنيسابور في أيام 
الكندري كان فيهم من خرج عن البلدء وفيهم من أجاب إلى التبري 
من المذهب. وأن الخبازي امتنع عن الإجابة ولم يخرج من البلد ولازم 
بيته الى أن مات صيرا على دينه معتصما بقوة يقينه01, 
عبدالجبار بن علي بن محمد بن حسكان الأستاذ أبوالقاسم الإسفراييي 
المعروف بالإسكاني. 

قال عبدالغافر: شيخ جليل كبير من أفاضل العصر ورؤوس الفقهاء 
والمتكلمين من أصحاب الأشعري. إمام دويرة البيهقي؛ له اللسان في 
والفقر والورع. كان عديم النظير في فنه ماروى مثله. قرأ عليه إمام 
ال حرمين الأصول ونخرج بطريقته» عاش عالما عاملا وتوق يوم الاثنين 
الثامن والعشرين من صفر سنة 407ه اثنتين وخمسين وأربعمائة27. 
الحسين بن محمد بن أحمد أبوعلي القاضي المروروذي إمام جليل 
صاحب «التعليقة) . 

كان ىا يقول السبكى جبل فقه منيعا صاعدا روى الحديث عن 


أي نعيم عبدلملك الإسفراييني» وكان فقيه خراسان ويقال له حير 


الأمة. تخرج عليه من الأئمة كثير منهم إمام الحرمين والبغوي . 
توفى القاضي رحمه الله في المحرم سنة اثنتين وستين وأربعماثة . 


)١١9(‏ تبيين كذب المفترى.» ص54؟. 
)١١٠١(‏ تبيين كذب المفترى. ص 2373560 الطبقات للسبكي. ج ه. ص 9. 


لا - 





ومن شعره: 
إذا مارماك الدهر يوما بنكبة 
فأوسع لما صدرا وأحسن لما صبرا 
فإن إله العالمين بفضله 
سيعقب بعد العسر من فضله يسراً"0. 
ب - تلامذته: 
سبق أن ذكرنا أن إمام الحرمين تصدى للتدريس بعد وفاة والده وهو لم 
يتجاوز سن العشرين ثم خرج من نيسابور وجاور في مكة 4 سنين ولما عاد 

اشتغل بالتدريس والفتوى والخطابة. كما أنه درس في المدرسة النظامية. 

وذكرنا عند وفاته ان طلبته كانوا أربعائة. .وذكرنا أنه كان يحضر درسه 

٠٠‏ فقيهء ولكن من أبرز تلاميذ إمام الحرمين وممن كان له صيت وشهرة 

أبوحامد الغزالي بل إن شهرته في وقتنا هذا تفوق شهرة إمام الحرمين شيخه. 

ومنهم الكيا الحرابي والخوافي وعبدالغافر الفارسي. 

يقول السمعاني: (بارك الله تعالى له في تلامذته حتى صاروا أئمة الدنيا 
مثل الخوافي والغزاني والكيا الحرابي والحاكم عمر النوقاني رحمهم الله)2"9©. 

ومنهم إساعيل بن أبي صالح المؤذن. 

وعبدالرحيم بن عبدالكريم أبونصر بن الأستاذ أبي القاسم القشيري 
وسللمان بن نصار بن عمران أبوالقاسم الأنصاري . 

ونترجم فيا يل لمؤلاء الأعلام ب| يتسع له المقام : 

)١(‏ أحمد بن محمد بن المظفر الإمام أبوالمظفر الخوافي. وخواف بفتح الخاء 
المعجمة وأخرها فاء بعد الواو والألف قرية من أعمال نيسابورء» تفقه 
على أبي إبراهيم الضرير ثم على إمام الحرمين ولازمه. فكان من عظماء 
أصحابه وأخصاء طلابه يذاكره في ليله ونهاره ويسامره علانية. 

قال ابن عساكر فيه نقلا عن أبي الحسن بن أبي عبدالله الفارسي 


(١؟17١)‏ طبقات السبكي الكبرى, اج 4ع ص 5ه" د مم" 
075 الأنساب. اج ”ءا ص ؤه". 





-5:8- 


ف 


يقول: (أنظر أهل عصره وأعرفهم بطريق الجدل في الفقه. له العبارة 
الرشيقة المهذبة والتضييق في المناظرة على الخصم والإرهاق إلى 
الانقطاع. تفقه على الشيخ أبي ابراهيم الضرير وكان مبارك النفس 
وهذا الإمام حمل كيس الطبع فتخرج به بعض التخرج ثم وقع بعذه 
إلى خدمة إمام الحرمين وصحبته وبرع عنده حتى صار من أوحد 
تلامذته وأصحابه القدماء)059). 

وَل قضاء طوس ثم صرف عنها وكان دينا ناسكا لم تعرف له هناة. 
سمع الحديث من أبي صالح المؤذن كان في المناظرة أسدا لا يصطل 
له بنار. توفي بطوس سنة ٠٠هه0592).‏ 
إسماعيل بن أحمد بن عبدالملك بن علي بن عبدالصمد النيسابوري 
أبوسعد بن أبي صالح المؤذن2"2 , 

إمام من الأئمة ولد سنة إحدى وخمسين وأربعاثة. تفقه على إمام 
ال حرمين وأبي المظفر السمعاني وسمع أباه وأبا القاسم القشيري . 

قرأ الإرشاد على مصنفه إمام الحرمين. 

قال ابن السمعاني: كان ذا رأي وعقل وتدبير وفضل وافر وعلم 
غزير» ظهر له العز والجاه والثروة . توفي ليلة عيد الفطر سنة 613©, 


(5) سلان بن ناصر بن عمران بن محمد بن إساعيل بن إسحاق بن يزيد 


ابن زياد بن ميمون بن مهران. أبوالقاسم الأنصاري9©. 
مصنف «شرح الإرشاد في أصول الدين» وكتاب «الغنية» كان إماما 
بارعا في الأصلين وفي التفسيرء فقيهاً زاهدا من أهل نيسابور. 





9؟١)‏ تبيين كذب المفتري. ص 788. 
(4؟1١)‏ انظر تبيين المفتري. ص 2788 


والطبقات للسبكي. ج5. ص 5#7. 


(5؟١)‏ طبقات الشافعية الكبرى. ج لاء ص 44 - 240 بتصرف. 
)١15(‏ طبقات السبكي «بتصرف) ج لا ص 55. 


-49- 





(5 


(6 


ف 


أخذ عن إمام الحرمين وعبدالغافر بن محمد الفارسي وأبي صالح 
المؤذن وأبي القاسم القشيري . 

مات سنة إحدى عشرة وخمسمئة . 
عبدالرحيم بن عبدالكريم بن هوازن. 
الأستاذ أبونصر بن الأستاذ أبي القاسم القشيري2"7©. الإمام العلم بحر 
مغدق زخار. 

وهو الرابع من أولاد الأستاذ أبي القاسم وأكثرهم علما وأشهرهم اسم|. 
تخرج بوالده ثم على إمام الحرمين. قال عنه عبدالغافر الفارسي (إمام 
الأئمة وحبر الأمة وبحر العلوم وصدر القروم) . 

وكان إمام الحرمين يعتد به ويستفرغ أكثر أيامه معه مستفيدا منه 
عبدالغافر بن إسماعيل بن عبدالغافر بن محمد بن عبدالغافر الحافظ 
أبوالحسن الفارسي ثم النيسابوري "20 . 

حفيد راوي ((اصحيح مسلم» أبي الحسين عبدالغافر بن محمد. ولد 
سئة إحدى وحمسين وأربعائة . سمع من جذه لأمه أبي القاسم 
القشيري . 

وروى عنه الحافظ أبوالقاسم بن عساكر أبوسعد بن السمعاني. تفقه 
على إمام الحرمين ولزمه مدة وكان إماما حافظا محدثا لغويا فصيحا أديبا 
ماهرا بليغا. 

صنف «السياق» لتاريخ نيسأبور وكتاب «مجمع الغرائب في غريب 
الحديث» وكتاب «الفهم لشرح غريب مسلم)». 


توق سنة 6179. 


أبوالحسن الطبري والمعروف بالكيا. 


.1684 الطبقات الكبرى للسبكي «ابتصرف» جَ لاء ص‎ )١770 
«بتصرف».‎ ١7١ المصدر نفسه. ج لاء ص‎ )١18( 


0 


وهو علي بن محمد بن علي الكيا الهراسي. أبوالحسن الإمام البالغ 
في النظر مبلغ الفحول. ورد نيسابور في شبابه وقد تفقه وكان حسن 
الوجه . 
حصل طريقة إمام الحرمين وتخرج به فيها. وصار من وجوه 
الأصحاب ومن مصنفاته «شفاء المسترشدين) و«نقض مفردات الإمام 
أحمد» و«كتاب في أصول الفقه) . 

اتصل بعد موت إمام الحرمين بمجد الملك في زمان بركيارق وحظي 
عنده ثم خرج إلى العراق وأقام مدة يدرس ببغداد في المدرسة النظامية . 

توق ببغداد سنة 0٠04‏ ه (أربع وخمسيائة)29. 
محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الجليل أبوحامد الغزالي. 

حجة الإسلام ولد بطوس سنة خمسين وأربعائة. قدم نيسابور ولازم 
إمام الحرمين وجد واجتهد حتى برع في المذهب والخلاف والجدل 
والأصلين والمنطق وقرأ الحكمة والفلسفة وأحكم كل ذلك. 

يقول السبكيى: كان رضى الله عنه شديد الذكاء شديد النظر 
عجيب الفطرة» وكان إمام الحرمين يصف تلامذته فيقول: الغزالي بحر 
مغدق والكيا أسد محرق والخواني نار تحرق22 له إحياء علوم الدين» 
والأربعون والاقتصاد في الاعتقاد والمنخول من تحقيقات الأصول20. 

ويقول ابن كثير: (وبرع في علوم كثيرة وله مصنفات منتشرة في فنون 
متعددة فكان من أذكياء العالم في كل ما يتكلم) ويقول ابن الجوزي: 
(رحل الى الشام فأقام بها بدمشق وبيت المقدس مدة وصنف في هذه 
المدة كتابه «إحياء علوم الدين» وهو كتاب عجيب يشتمل على علوم 





.788 ائنظر التبيين. ص‎ )١1719( 


وطبقات الشافعية جح لاء ص ”#"١‏ - "75 


. 4# الكيا ص‎ .5١٠ هؤلاء تلامذة امام الحرمين. وقد سبق أن ترجمنا للخواني ص‎ )1١( 
.١94 البداية والنباية لابن كثير؛ ج ١7١اء ص‎ )١1( 


ه١‎ 





كثيرة من الشرعيات لكن فيه أحاديث كثيرة غرائب ومنكرات 
وموضوعات) . 

يقول الغزاللي عن نفسه: أنا مزجي البضاعة في الحديث. 

ويقال إنه مال في آخر عمره إلى سماع الحديث والتحفظ 
للصحيحين) . 

توفي بطوس يوم الاثنين رابع عشر جمادى الآخرة سنة ©6٠مه29.‏ 


(1) البداية والنهاية. ج17١‏ ص .١74‏ 
الطبقات للسبكى .2 جح 2 ص 15١‏ 


؟67- 


الفصل الرابع 


ثقافته ومؤلفاته 

أ ثقافته: 

كان إمام الحرمين واسع الثقافة غزير العلم في جوانب متعددة من المعرفة . 
١‏ - ثقافته في علم الكلام: 

فقد اشتهر إمام الحرمين كمتكلم إذ يقول عن نفسه (قرأت خحمسين ألفا 
في حمسين ألفاً ثم خليت أهل الإسلام بإسلامهم فيها وعلومهم الظاهرة 
في طلب الحق.. .)2059 

ويقصد هنا علم الكلام فهو الذي ينبى أهل الإسلام عنه. 

ويقول أيضا: (ما تكلمت في علم الكلام كلمة حتى حفظت من كلام 
القاضي أبي بكر وحده اثنى عشر ألف ورقة)9©. 

ويقول السبكي عنه (ولا يشك ذو خيرة أنه أعلم أهل الأرض 
بالكلام) 22 , 

قلت: وإن مؤلفاته في علم الكلام تدل على تمكنه من هذا الفن. 

مع العلم أن كتب التراجم تذكر رجوعه عن علم الكلام في آخر حياته 


1750) سير أعلام النبلاء للذهبي. اج ١١ا‏ ص 00ه. 
)١*5(‏ طبقات الشافعية للسبكي. ج ه. ص 1868. 
)١0(‏ طبقات الشافعية للسبكي. ج ه. ص .١7١‏ 


-6* 





فقد جاء في المنتظم أن القيرواني يقول: (سمعت أبا المعالي اليوم يقول: 
ياأصحابنا لا تشتغلوا بالكلام فلو علمت أن الكلام يبلغ بي ما بلغ ما 
اشتغلت به)2359, 

وجاء فيه ما سبق أن ذكرنا في وفاته عندما دخل عليه الحريري» ورأى 
تساقط أسنانه فعزا ذلك إلى اشتغاله بعلم الكلام إذ قال للهريري: (هذا 
عقوبة تعرضي للكلام فاحذره)"©. 

ويحكي الذهبي رجوعه عن علم الكلام إذ يقول: (كا أنه في الآخر رجح 
مذهب السلف في الصفات وأقره. قال الفقيه غانم الموشلي سمعت الإمام 
أباالمعالي يقول لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما اشتغلت بالكلام) 29 , 

ومن حكى رجوع إمام الحرمين إلى مذهب السلف شيخ الإسلام ابن 
تيمية إذ يقول: «وهذا إمام الحرمين ترك ماكان ينتحله ويقرره واختار مذهب 
السلف وكان يقول: (يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام فلو أني عرفت أن 
الكلام يبلغ بي ما بلغ ما اشتغلت به. وقال عند موته لقد خضت البحر 
الخضم وخليت أهل الإسلام وعلومهم ودخلت فيا *وف عنه. والآن إن 
لم يتداركني الله برحمته فالويل لابن الجويني. وهأنذا أموتث على عقيدة أمي 
أو قال عقيدة عجائز نيسابور)29. 


" - ثقافته في أصول الفقه: 


كا برز إمام الحرمين ونبغ في أصول الفقه التي درسها على أبي القاسم 
الإسفراييني. وإمام الحرمين لم يكن يكتفي با يدرس على الشيخ بل يقول 
عن نفسه: إكنت علقت عليه «(يعني” الأستاذ أباالقاسم) في الأصول أجزاء 
معدودة وطالعت في نفسبى ماثة مجلدة. .)040, 


كل ا 4 ص 19. 

سبي أل ايلم ج الءا ص 6مه. 

180) المنتظم. اج 2.5 ص .7١‏ 

.6١08 ص‎ 21١١ سير علام النبلاء؛ ج‎ )1١78( 

(14) نقض المنطق. تأليف شيخ الإسلام ابن تيمية ص .5١‏ 
)١40(‏ تبيين كذب المفتري. ص 3074. 


-805- 


وكتابه الرهان في أصول الفقه دليل واضح على بروزه 5 أصول الفقهى 
حتى إن كتاب المنخول للغزالي يكاد يكون ملخصا للبرهان. 
وأصبح ينعت بكونه أصوليا كما سبق في العبارة التي نقلناها عن السبكي . 


٠‏ - ثقافته فى الفقه: 


يعتبر إمام الحرمين من الفقهاء المبرزين في الفقه.ء فقد مارسه دراسة 
واطلاعا وتدريسا وتأليفاء فبلغ في هذا الفن مبلغا عظيهاء يقول السبكي 
(ولا يشك ذو خبرة أنه كان أعلم أهل الارض بالكلامء والأصول والفقه 
وأكثرهم تحقيقا)!9©. 

وبما يدل على كثرة اطلاعه في الفقه ما يحكى أنه قال يوما للغزالي (يافقيه) 
فرأى في وجهه التخير كأنه استقل هذه اللفظة على نفسه فقال له: افتح 
هذا البيت ففتح مكانا وجده مملوءا بالكتب فقال له ماقيل لي : يافقيه حتى 
أتبيت على هذه الكتب كلها)9؛". 

ومن الكتب الفقهية التى ألفها كتابه (نهاية المطلب في دراية المذهب) 
والذي قالوا عنه (ما صنف في الإسلام قبله مثله ولا اتفق لأحد ما اتفق 
له)015, 

بل إن بعض الباحثين يذهب إلى أن إمام الحرمين من الذين بلغوا درجة 
الاجتهاد مع كونه ينتسب إلى مذهب الشافعي وتلك نتيجة من الئتائج التي 
توصل اليها الباحث الدكتور عبدالعظيم الديب الذي قام بدراسة فقه إمام 
الحرمين في رسالته التي تقدم مها لنيل درجة الدكتوراه. فلقد توصل إلى أن 
إمام الحرمين كان (إماما مجتهدا تحققت له شروط الاجتهاد والتهء فكان له 
أثره في الفقه الإسلامي بارائه التي استقل بهاء وتابعه عليها الفقهاء من 


(151) طبقات الشافعية الكبرى. جح 8 ص 58 
)١5(‏ المضصدر السابق نفسه. ص 18868. 
)١49(‏ تبيين كذب المفتري. ص .758١‏ 


2-66 - 





بعدذه, ومؤلفاته التي حفظت فقهه وكانت مرجع العلماء ء وقدوتهم)049. 
- ثقافته في الحديث الشريف: 
التبيين (.. . ولقد سمع سنن الدارقطني من أبي سعد بن عليك وكان يعتمد 
تلك الأحاديث في مسائل الخلاف ويذكر الجرح والتعديل منها في الرواة. .) 

وفيه أيضا (سمع الحديث الكثير في صباه من مشايح مثل الشيخ أبي 
كتاب الأربعين. .)042), 

ال انملاء (وسمع من محمد بن ابراضيم يم المزكي وأبي سعد 

عليك وفضل الله بن أبي بي الخير المهني وأبي محمد الجوهري البغدادي وأجاز 

محمد الفرغولي بمرو وأبوالقاسم عبدالكريم بن محمد أبي منصور الرماني 
بالدامغان. وأبوعبدالرحمن أحمد بن الحسن الكاتب بنيسابور وكان قليل 
الرواية للحديث معرضا عنه. ار 

ومع هذا فقد قال الذهبي إنه لا يدري الحديث. جاء فق سير الأعلام 
(قلت: «أي الذهبي) كان هذا الإمام مع فرط ذكائه وإمامته في الفروع 
وأصول المذهب وقوة مناظرته لا يدري الحديث كما يليق به لا متنا ولا 
إسنادا. . .)0142), 





. فقه إمام الحرمين. خصائصه - أثره - منزلته‎ )١5454( 
.6088 تأليف د. عبدالعظيم الذديب. ص‎ 

.7588 التبيين. ص‎ )١16( 

(145) سير أعلام البلا ج .1١١‏ ص 607. 

)2 الأنساب. جَ ؟الى ص قه". 

)0١54(‏ سير أعلام البلاء جّ 0 ص لاه 


كمه 





كا وصفه شيخ الإسلام بعدم معرفته باثار السلف. يقول شيخ الإسلام 
(فإن فرض أن أحدا نقل مذهب السلف كما يذكره فإما أن يكون قليل 
المعرفة باثار السلف كأبي المعالي وأبي حامد الغزالي وابن الخطيب. 

0 وم يكن الواحد من هؤلاء يعرف البخاري ومسلا وأحاديثهها إلا 
بالسماع. كما يذكر ذلك العامة ولا يميزون بين الحديث الصحيح المتواتر 
عند أهل العلم بالحديث. ‏ وبين الحديث المفترى المكذوب. وكتبهم 
أصدق شاهد بذلك ففيها عجائب)2049. 

ولقد تعقب السبكي الذهبى على هذا القول فقال: (فأما قوله «كان لا 
يدري الحديث» فإساءة على مثل هذا الإمام لا تنبغي. وقد تقدم في كلام 
عبدالغافر اعتماده الأحاديث في مسائل الخلاف. وذكره الجرح والتعديل فيهاء 
وعبدالغافر أعرف بشيخه من الذهبي ومن يكون ببذه المكانة كيف يقال عنه 
لا يدري الحديث؟ وهب أنه زل في حديث أو حديثين أو أكثر فلا يوجب 
ذلك أن يقول لا يدري الفن. وما هذا الحديث وحده ادعى الإمام صحته 
وليس بصحيح بل قد ادعى ذلك في أحاديث غيره. وم يوجب ذلك عندنا 
الغعض منه ولا إنزاله عن مرتبته الصاعدة فوق أفاق السماء. 

ثم الحديث رواه أبوداود والترمذي وهما من دواوين الإسلام والفقهاء لا 
يتحاشون من إطلاق لفظ الصحاح عليها لا سيا سنن أبي داود»ء فليس 
هذا كبير أمر. ..)20060,. 

من العرض السابق نرى أن هنالك فريقا يرى عدم إمام إمام الحرمين 
بالحديث إلماما يليق بمكانته محتجين با جاء في كتبه من الأحاديث وفريقا 
يرفض هذا الرأي . 

ولقد مال الدكتور عبدالعظيم الديب إلى الرأي الأخير. ورأى أن إمام 
الحرمين له إلمام بالحديث وإن لم يكن من أئمة الحديث. وتأيد فيا ذهب 


.5١ نقض المنطق. ص‎ )١19( 
.188 طبقات الشافعية, ج ه. ص‎ )١6١( 


/ا6- 





اليه با تذكره كتب التراجم ‏ وقد سبق ذكره ‏ من أن إمام الحرمين درس 
وسمع الحديث وأجاز له أبونعيم وروى عئه جماعة وأنه جمع أربعين 
حديثا( 06 , 

ولكن هل ماذكرته كتب التراجم يكفي دليلا على سعة ثقافته في الحديث؟ 
الواقع أن ماتذكره كتب التراجم لا يكفي في الدلالة على سعة علمه 
بالحديث. 

والدليل الكاني هو بالاطلاع على كتب الرجل». فهي الحكم الفصل فكتبه 
في العقيدة تخلو من الأحاديث إلا النزر القليل نتيجة لموقفه ونظرته إلى 
الأحاديث وأنها لا تفيد إلا الظن وبالتالي فلا يصح الاحتجاج بها في الأمور 
القطعية ومنها العقائد. التي يزعم مخالفتها للعقل كما سيأتي. 

أما كتبه في الفقه فلم يتسن لنا الاطلاع عليها فكتابه «نهاية المطلب في 
دراية المذهب» مازال مخطوطا موزعا في مكتبات العالم. 

ولكي نحكم على مدى سعة علمه بالحديث فعلينا أن نتتبع الأحاديث 
التي ذكرها: هل يقول عنها صحيحة وهي ضعيفة؟ أم يضعفها وهي 


صحصحه 


وهل يحتج بالموضوع أم لا؟ 

فالحواب على هذه التساؤلات هو الذي يحدد مدى سعة علم الشيخ 
بالحديث ودقته في الحكم عليه . 

ولهذا نجد أن حكم شيخ الإسلام على أبي المعالي بقلة المعرفة بالآثار 
النبوية مبني على دراسة واعية وعلى تتبع للأحاديث التي يحتج بها إمام الحرمين 
في مسائل الخلاف. 

فهاهو يقرر أن إمام الحرمين إنما كان يعتمد في مسائل الخلاف على سنن 
الدارقطني ولم يكن يعتمد على البخاري ومسلم وسئن أبي داود والنسائي 
والترمذي والموطأ. مما يدل على عدم معرفته بهذه السنن. يقول شيخ 


.١55 انظر إمام الحرمين للمؤلف المذكور ص‎ )١6١( 


-68- 


الإسلام: (إن أبا المعالي مع فرط ذكائه وحرصه على العلم وعلو قدره في 
فنه كان قليل المعرفة بالآثار النبوية ولعله لم يطالع الموطأ بحال حتى يعلم 
مافيه فإنه لم يكن له بالصحيحين البخاري ومسلم وسنن أبي داود والنسائي 
والترمذي وأمثال هذه السنن علم أصلا فكيف بلموطأ ونحوه. وكان مع 
حرصه على الاحتجاج في مسائل الخلاف في الفقه إن| عمدته سنن أبي 
الحسن الدارقطني, وأبو الحسن مع إتمام إمامته في الحديث فإنه إنما صنف 
هذه السنئن كي يذكر فيها الأحاديث المستغربة في الفقه ويجمع طرقها فإنها 
هي التي يحتاج فيها إلى مثلهء فأما الأحاديث المشهورة في الصحيحين وغيرهما 
فكان يستغنى عنها في ذلك. فلهذا كان مجرد الاكتفاء بكتابه في هذا الباب 
يوردث جهلا عظييا بأصول الإسلام . 

وأعتبر ذلك بأن كتاب أبي المعالي الذي هو نخبة عمره (نهاية المطلب 
في دراية المذهب) ليس فيه حديث واحد معزو إلى صحيح البخاري إلا 
حديث واحد في البسملة وليس ذلك الحديث في البخاري كما ذكره)209. 

أما ما ذكر من إجازة أبي نعيم له فقد كانت هذه الإجازة ‏ لو صحت- 
وسنه إحدى عشرة سنة. 

وأما ما ورد من أنه جمع أربعين حديثا فواضح أنه عدد قليل لايدل على 
اشتغاله بالحديث بالدرجة الكافية . 
ثقافته اللغوية والأدبية: 

كان إمام الحرمين عالما باللغة والأدب حتى أصبح ينعت بكونه أديبا. 
يقول السبكي (هو الإمام شيخ الإسلام. . النظاري الأصولي المتكلم البليغ 
الفصيح الأديب. ..)205. 


(؟6١1)‏ الفتاوى الكبرى. ١‏ 
تأليف شبخ الإسلام أبي العباس تقي الدين أحمد بن عبدالحليم الشهير بابن تيمية» ج 58 ص 
8 . 

.156 طبقات الشافعية» ج ه.») ص‎ )١6( 


68 





وجاء في التبيين عند الحديث عن إمام الحرمين (... أخذ من العربية 
وما يتعلق بها أوفر حظ ونصيبء» فزاد فيها على كل أديب ورزق من التوسع 
في العبارة وعلوها مالم يعهد من غيره حتى أنسى ذكر سحبان وفاق فيها 
الأقران. . .)2309 . 

ك) تحكي كتب التراجم إقباله على دراسة كتاب (إكسير الذهب في صناعة 
الأدب) على شيخه المجاشعي النحوي وسن إمام الحرمين أنذاك قد جاوز 
الخمسين. 

ولقد استنتج الدكتور عبدالعظيم الديب عمق معرفة إمام الحرمين باللغة 
العربية من خلال آرائه اللغوية التى جاءت في البرهان. 
تعكس عمق معرفته في هذا الفن2©"). 

وكان إمام الحرمين شاعرا يقول الشعر ذكر عنه ذلك أبوالحسن الباخرزي 
إذ يقول: (... وله شعر لايكاد يبديه وأرجو أن يضيفه قبلي إلى سوالف 
أياديه . . .)2000 , 

وبما ينسب إليه من الشعر ماذكره السبكي في طبقاته : 

ءٍٍ ٠.‏ 1 58 5 30 
سأنبيك عن تفصيلها ببيان 
ذكاء وحرص وافتقار وغربة 





(165) التبيين. ص 74 . 
١ه‏ 1) انظر إمام ا حرمين 3 عبدالعظيم الديب» ص ١13": - ١38‏ . 
(كه0) دمية القصر. ج ". ص ل" . 


فلا زال ركب لمعتفين منيحة 

لذروتك العليا ولازائلت مقصذدا 
تدين لك الشم الأنوف تخضعا 

ولو أن زهر الأفق أبدت تمردا 
لجاءتك أقطار السماء تجرهها 

اليك لتعفو أو لتوردما الردى 
وما أنا إلا دوحة قد غرستها 

وسقيتها حتى تمادى بهاالمدى 
فلما اقشعر العود منبا وصوحت 

أتتك بأغصان لما تطلب الندى267) 


ويذكر ابن عاد الحنبلي أن من شعره: 
نماية إقدام العقول عقال 
وغاية رراء البجال ضلال 
وأرواحنا في وحشة من جسومنا 
وغاية دنيانا أذى ووبال008 


- مؤلفاته: 





وكتب في أصول الفقه وني الفقه وفي التفسير. 


ولقد ورد ذكر مؤلفاته الكثرة فق كتب الطبقات والتراجم والفهارس 


القديمة والحديثة وكذلك 5 فهارس المكتبات المتعددة . 


وسوف نعرض لإنتاجه العلمي حسب الموضوعات فيا يل :000 


.؟5١9 الطبقات,» ج ه.) ص‎ )١157( 


)١69(‏ اعتمدت فيا 


.7"١ انظر شذرات الذهب. ج “. ص‎ )١58( 


في كتابه (إمام الحرمين). 


د اكه 


م أطلع عليه من مؤلفات إمام الحرمين على ما كتبه الدكتور عبدالعظيم الديب 


أولا - في علم الكلام : 


١ 


الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد. 

نشره المستشرق الفرنبي لوسياني عام ٠97١م‏ بخط مغربي. 

كى) قام بتحقيقه الدكتور محمد يوسف موسى وعلي عبدالمنعم عبدالحميد. 
الشامل في أصول الدين. 

نشر جزءا منه هلموت كلوبفر عام ١95٠‏ ١195م.‏ 

وفي عام 1954م قام الدكتور علي سامي النشار وفيصل بدير عون 
وسهير محمد مختار بتحقيقه. 


العقيدة النظامية وهى مقدمة لكتابه الرسالة النظامية وقد طبعت 
قام بتحقيقها الشيخ محمد زاهد الكوثري في مطبعة الأنوار بمصر. عام 
لاه 


ونشره أيضا المستشرق كلوبفر. 

كا قام بتحقيقه أيضا د. أحمد حجازي السقا. 

مسائل الإمام عبدالحق الصقلي وأجوبتها للإمام أبي المعالي. 

مخطوط يوجد بدار الكتب رقم ١١‏ ملحق بمخطوط آخر. 

لمع الأدلة في قواعد عقائد أهل السنة والجماعة. وقد يذكر هذا الكتاب 
باسم (رسالة التوحيد) و(رسالة في أصول الدين) وقد قامت بتحقيقه 
الدكتوره فوقية حسين محمود. 

رسالة في إثبات الاستواء والفوقية . 

نسبها بروكلان له وقد طبعت ضمن مجموعة الرسائل المنيرية في الجزء 
الأول ص ١74‏ - منسوية لوالد إمام الحرمين. 


ثانيا - في الأديان: 


-١ 


«شفاء العليل في بيان ما وقع في التوراة والإنجيل من التبديل» حققه 
د. أحمد حجازي السقا عام /9١ه.‏ 


؟ك- 


ثالثا ‏ في أصول الفقه: 
١‏ (البرهان في أصول الفقه) مطبوع قام بتحقيقه د عبدالعظيم الديب ويقع 


في مجلدين. 
- التلخيص . ويذكره بعض المترحمين لإمام ال حرمين باسم (مختصر التقريب 
والإرشاد) . 


وقد قام بتحقيقه الطالبان عبدالله النيباليي وشبير أحمد العمري وهما من 
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. 

*- «التحفة في أصول الفقه» ذكرته كتب التراجم ولكنه مفقود. 

؛ - كتاب المجتهدين. 
وترى الدكتورة فوقية أنه من (التلخيص في أصول الفقه)"© ويرى 
الدكتور عبدالعظيم الديب أنه بقية كتاب (البرهان) وذلك لأن (موضوعات 
البرهان التي رسم مناهجها لم تكمل وما في هذا الكتاب نفس 
الموضوعات التي قال إمام الحرمين في نباية البرهان أنه سيملي فيها 
مجموعا قائ)| بذاته)1),. 
توجد منه نسخة بمعهد المخطوطات بالجامعة العربية 69م أصول. 

ه «مدارك العقول» لم يعثر عليه . 

5 - رسالة في التقليد والاجتهاد. 
توجد منها نسخة بالآصفية بحيدر أباد الدكن .١770/7‏ 

-٠‏ «الورقات في أصول الفقه» مطبوع. 

رابعا ‏ في الفقه: 

١‏ «ماية المطلب في دراية المذهب» مخطوط توجد منه أجزاء متعددة متفرقة 
في أماكن مختلفة» منها دار الكتب المصرية ‏ مكتبة الاسكندرية ‏ مكتبة 
سوهاج - المكتبة الظاهرية بدمشق - الأحمدية بحلب ‏ أحمد الثالث 
باستنبول. 


(15) الجويني إمام ال حرمين,» ص 55 
61ل إمام ا حرمين. ص 56, 


كد 


وبمعهد المخطوطات بالجامعة العربية عدة مصورات لبعض هذه 
الأصول. 

«مناظرة في الاجتهاد في القبلة). 

وردت بنصها في الطبقات للسبكي . 

«مناظرة في زواج البكر» 

وردت في طبقات السبكي . 

«تلخيص ناية المطلب» ١‏ يعثر عليه . 

«رسالة في الفقه» توجد منها نسخة بالموصل رقم .٠١١‏ 

«والسلسلة 5 معرفة القولين والوجهين على مذهب الإمام الشافعي) . 
توجد منه نسخة بمعهد المخطوطات بالجامعة العربية. 

وتوجد منه نسخة بدار الكتب رقم (1705). 


خامسا ‏ فى الخلاف: 


١ 


- 


3” 


«مغيث الخلق في اتباع الأحق» طبع باسم «مغيث الخلق في ترجيح 
القول الحق). 

«الأساليب في الخلافيات» 

لايوجد في فهارس المكتبات. 

«الدرة المضيئة فيما وقع من خلاف بين الشافعية والحنفية» ويرى الدكتور 
عبدالعظيم الديب أنه ليس لإمام الحرمين لأن مؤلفه حنفي ينتصر 
للأحناف دائها. 


سادسا - في المجحجدل: 


١ 


«الكافية في الجدل» مطبوع حققته الدكتورة فوقية حسين محمود. 


سابعا ‏ فى السياسة الشرعية: 


5 


«الرسالة النظامية في الأركان الإسلامية» 
وتسمى (بالنظامي) . 


- 55د 





" (غيات الأمم 5 التياث الظلم» . 

ويسمى (الغياثي) وقد يذكر باسم (غياث الأمم في الإمامة). 

قام بتحقيقه الدكتور عبدالعظيم الديب. 
امنا - مؤلفات متفرقة: 
١‏ له تفسير للقران الكريم لم يعثر عليه. 
" - ديوان الخطب. 
“"' - «غنية المسترشدين» لم يعثر عليه . 
5 - «(العياب» لم يعثر عليه . 
5ه «العمد» لم يعثر عليه. 
5- «النفس» لم يعثر عليه. 
تاسعا ‏ ترتيب مؤلفاته الكلامية والأصولية: 

ما كانت دراستنا لبج إمام الحرمين في إثبات العقائد ستقتضي بالضرورة 
عرض تطور ارائه المبجية في كتبه المتعلقة بهذا الموضوعء فإننا نحاول هنا 
ترتيب هذه الكتب حسب تأليف إمام الحرمين لماء الأمر الذي يعيننا على 
معرفة تطور ارائه المهجية حسب ورودها واستعالما في الكتب المذكورة. 
ويمكن تقسيم هذه الكتب إلى مجموعتين: تضم المجموعة الأولى كتب: 
التلخيص والشامل والإرشاد. 

وتضم المجموعة الثانية: النظامية والغيائي والبرهان. ويمكن القطع 
بتزتيب كل مجموعة من هاتين المجموعتين كما ذكرناها آنفا. 

أما المجموعة الأولى فالواضح من دراستها أن كتاب التلخيص سابق على 
كتاب الشامل والإرشاد» والشامل يأتي قبل الإرشاد أو مزامنا له. 

ودليل على الترتيب السابق أن التلخيص ذكر في الشامل إذ جاء فيه 
(... فالقطع إن) أثارته دلالة أصولية قطعية عند حدوث غلبة الظن يعقب 
الاجتهاد, وقد بسطنا القول في ذلك في كتاب (التلخيص في الأصول)259, 


.٠١١ الشامل. ص‎ )١157( 





- 6كده 








كا نجد أن التلخيص ذكر في الإرشاد إذ جاء فيه (ومما تترتب عليه 
الإمامة القطع بصحة الإجماع وهذا مالا مطمع في تقريره هاهنا وقد ذكرناه 
في كتاب (التلخيص في أصول الفقه)2059. 

ويبذا يتضح أن الإرشاد والشامل ألفا بعد التلخيص. وإذا أردنا أن نرتب 
الإرشاد والشامل فالذي يظهر أن الكتابين متزامنان.» إذ ذكر الشامل في 
الإرشاد حيث قال (وبما اتفقوا على وجوبه إحباط الطاعات بالفسوق وقبول 
التوبة إلى غير ذلك مما استقصيناه في «الشامل))079. 

فهذا النص يدل على أن الشامل قبل الإرشاد.» ولكن نصا آخر ينقض 
هذا الذي قررناه إذ جاء في الإرشاد «والذي عندي أن إجماع سائر الأمم 
في الأحكام على موجب ماطردناه.» يوجب العلم جريا على مستقر العادة. 
وهذا حسن بالغ وسنبسطه في كتاب «الشامل» إن شاء الله ونذكر طرقا 
مستحسنة في الإجماع إن شاء الله عز وجل)2752. 

ولكن جمعا بين النصين لعل إمام الحرمين أثناء كتابته للإرشاد قد فرغ 
من أبواب في الشامل بسط فيها القضايا التي أحاها إليه وأنه لم يتم الشامل 
إلا بعد فراغه من الإرشاد. لذا وعد بذكر الإجماع فيه. والله أعلم. 

وما قلته ينقض ما ذكره ابن خلدون من أن الإرشاد يأتي بعد الشامل 
إذ هو تلخيص له. جاء في مقدمة ابن خلدون (... ثم جاء بعد القاضي 
أبي بكر الباقلاني إمام الحرمين أبوالمعاللي فأملى في الطريقة كتاب الشامل 
وأوسع القول فيه ثم لخصه في كتاب الإرشاد واتخذه الناس إماما 
لعقائدهم)2"70 . 

ولعل ما قلناه عن التزامن بين الكتابين هو الصحيح . 

أما المجموعة الثانية المؤلفة من النظامية فالغيائي فالبرهان فدليلٍ عللى 





2055 الإرشاد, ص .5١7‏ 
(154) الإرشاد. ص 584. 
(156) الإرشاد. ص .4١6‏ 
)١5(‏ مقدمة ابن خلدون. ص 456. 


-57- 


ترتيبها على هذا النحو ان إمام الحرمين ذكر النظامية في الغيائي وذكر الغيائي 

في البرهان. 

جاء في الغيائي (قد تقدم الكتاب «النظامي ») محتويا على العجب العجاب 
ومنطويا على لباب الألباب)259. 

وجاء في البرهان (وقد ذكرت طرفا من هذا في الكتاب 4 

أما ترتيب المجموعتين فالذي يظهر لي أن المجموعة الأولى سابقة 
التأليف على المجموعة الثانية والدليل على ذلك: 


أولا ا أنه أنبت الإجماع في كتاب التلخيص مستدلا على ثبوته بقوله تعالى 


«إومن يُشاقِقٍ آلرّسُولَ من بَعْدِ مَاتَبينَ لَهُ آلْهُدَى وَيتبع غَيْرَ سَبيلٍ 
الْمَؤْمنِينَ وله ما وَل ه017 فلا 

وبقوله يِذ [ لا تجتمع أمني على ضلالة ]|0070 , 

ثم عاد في الغيائي والبرهان لينتقد الاستدلال على الإجماع بالآية 
المذكورة بأن دلالتها عليه ظنية. 

ولينتقد الاستدلال بالحديث السابق بأنه من أحاديث الآحاد279, 

واستعاض في الغيائي والبرهان عا جاء في التلخيص من أدلة على 
الإجماع بأدلة أخرى قال عنها لم يسبق إليها0"". 


أشار في الإرشاد إلى أنه أثبت الإجماع في التلخيص279, ولم يشر إلى 





ثانيا - 

(1597) الغياثي. ص لا. 

(114) البرهان. ج 7. ص 980. 

.١١6 سورة النساء اية‎ )١59( 

)17١‏ انظر كتاب التلخيص لإمام الحرمين.ء من أول كتاب الإجماع. ص 
)١7(‏ انظر المصدر السابق نفسه ص .١8‏ 


01 


فل 
01/5 


روى الترمذي في سننه في كتاب الفتن عن ابن عمر رضى الله عنهها أن رسول الله يله قال: 
(إن الله لا يجمع أمتى أو أمة محمد يلِِ على ضلالة..) الحديث. 

قال أبوعيسى : هذا الحديث غريب من هذا الوجه.ء ج 4. ص 405 وذكره الطيثمي في مجمع 
الزوائد بألفاظ متقاربة. ج ه. ص ١ .7١8‏ 

انظر البرهان في أصول الفقه. تأليف إمام الحرمين. ج 2.١‏ ص لالا5 - 578. 

وانظر الغيائي (غياث الأمم ف التياث الظلم) ص 55. 

انظر الغياثي , ص 6# 

الإرشاد, ص 4١7‏ 


الاك 





ثالثا - 


الغياثي والبرهان الأمر الذي يدل على تأخرهما عن التلخيص 
والإرشاد. 


من المرجح أن المجموعة الأولى ألفت في أول حياته العلمية قبل 
هجرته إلى مكة؛ إذ يدل منهجه في تأليفها على متابعته للمذهب 
الأشعري وتأثره بمن سبقه في عرض مسائل علم الكلام وانتهاجه 
منهج التأويل في أول حياته ى| هو واضح في الكتب المذكورة. 

أما المجموعة الثانية فمن المؤكد أن النظامي والغياثي كتبا بعد 
عودته من مكة وقيامه بالتدريس في المدرسة النظامية. حيث يدل على 
ذلك نسبته الكتاب الأول إلى نظام الملك وكذلك تقديمه الكتابَ 
الثاني إليه أيضا. 


4ك 


الفهل الخامس 


أخلاقه ومكانته العلمية 
١‏ أخلاقه ومميزاته: 
وصفت كتب التراجم إمام الحرمين بمراقبة الله واستشهدوا على هذه 
الصفة بقصة الحارية التى أرضعته. وبأنه كان عندما تصيبه لجلجة في المناظرة 
يقول إن ذلك بسبب تلك الرضعة. يقول السبكى معلقا (فانظر إلى هذا 
الأمر العجيب وإلى هذا الرجل الغريب الذي يحاسب نفسه على يسير جرى 
في زمن الصبا الذي لا تكليف فيه وهذا يدنو مما حكي عن أبي بكر الصديق 
رضي الله عنه)3"2 , 
أو تفكر في نفسه ساعة, وإذا شرع في حكاية الأحوال وخاض في علوم 
من الحفون بزعقاته ونعراته وإشاراته لاحتراقه قُْ نفسه وتحققه با يجري من 
دقائق الأسرار. ا 
ولقد ذكر تقي الدين المكي أن إمام الحرمين قد (رزق مع سعة في العلم 
توسعا قُْ العبادة م يعهد من غيره رحمه الله تعالى)30"9 , 
(ة/7١)‏ السبكي ج 6 ص 166 
انظر ص "7 من البحث لترى نقدنا للقصة . 
(17) تبيين كذب المفتري» ص 7584. 
قلت: ليست الزعقات من هدي السلف وهذا التعبير الذي جاء في التبيين من تعبيرات الصوفية 
ولا ايفهم من استشهادنا بهذا النص إقرارنا للتصوف والأحوال الصوفية بل أردنا محرد بيان ما 
يتصف به من رقة. ومع ذلك فليس فيا اطلعت عليه من كتب إمام الحرمين ولا من تراحمه 


ما يشهد على ما نقلناه عن ابن عساكر من الأحوال الصوفية التى ينسبها إليه. 
(107) العقد الثمين.» ج 5. ص 08ه 


-59- 


ومع هذه الرقة وكثرة العبادة اتصف بالمهابة» ى| يقول السبكي في وصفه 
دونها) 079 , 

ولكن مع هذه المهابة كان متواضعا إذ جاء في التبيين (وكان من التواضع 
لكل أحل بمحل يتخيل منلة الاستهزاء لمبالغته فيه)3"9) , 
كلامه شاديا كان أو متناهياء فإن أصاب كياسة في طبع أو جريا على منباج 
الحقيقة استفاد منه صغيرا كان أو كبيرا)0*0 , 
التزييف إذا لم يرض كلاما ولو كان أباه أو أحداً من الأئمة 
المشهورين. .)24 وقال عن نفسه (وكنت أهرب في سالف الدهر من 
التقليد)025 , 

قلت: ولكنني اطلعت على كتاب ينسب 20850 وذكرت كتب التراجم أنه 
له وهو (مغيث الخلق في ترجيح القول الحق) وني هذا الكتاب ترجيح لمذهب 
الشافعي ‏ جملة وتفصيلا ‏ على مذهب أبي حنيفة, ودعوة صريحة إلى اتباع 


مذهب الشافعى فهو الأفضل والأحسن. 

(178) الطبقات للسبكي ج ه ص .١١©‏ 

(1079) التبيين» ص 7584. 

.758« التبيين.» ص‎ )18١( 

(1481) التبيينء» ص 584. 

(؟185) سير أعلام التبلاء اج ١آاكء‏ ص لا0ه. 

(187) يظن الدكتور عبدالعظيم الديب أن الكتاب قد يكون مدسوسا على إمام الحرمين انظر (إمام 
الحرمين ص57) ولكن أفكار الكتاب وجدت في المرهان الذي قام بتحقيقه إذ في كتابه اليرهان 
ترجيح لمذهب الشافعي جملة وتفصيلا أيضا. 
انظر البرهان ج ؟ فقرة  1١1/“‏ 5/ا١١.‏ 
وجاء ني هامش البداية والنهاية ج ؟١‏ ص ١١8‏ (عن ابن خلكان من تصانيف إمام الحرمين 
«مغيث الخلق في اختيار الحق) ولكن لو كان هذا الكتاب من مؤلفاته لذكره ابن كثير وهو متأخر 
قلت: لايلزم من عدم ذكر ابن كثير لهذا الكتاب ألا يكون هذا الكتاب لإمام الحرمين لأن 
ابن كثير لم يلتزم ذكر جميع كتب الإمام وإنما قال (ومن تصانيفه. .) ومن للتبعيض. ولو فرض 
أنه التزم ذكر جميع كتبه ولم يذكر هذا الكتاب لما كان حجة في عدم نسبة هذا الكتاب لإمام 
الخرمين لأن من علم انه لإمام الحرمين فقوله حجة على من لا يعلم, وعدم العلم ليس علا 
2 . 





وبما جاء في الكتاب: (... ثم يعارضه أن الشافعي ذو فنون وأباحنيفة 
كان ذا فن واحدء ويعارضه أنه كان من قريش . قال النبى كل (الأئمة من 
قريش)9*') وقال كَل (قدموا قريشا ولا تتقدموها)”2 فهذه كلها شهادات 
عامة تدل على أن اتباع مذهبه أولى من اتباع غيرهء وأبوحنيفة نبطي لا 
أعرابي والشافعي عربي فضلا عن أن يكون قرشيا من قريش)90". 

فهل يتفق هذا الكلام مع ماوصف به من عدم التعصب؟! 

وامتاز إمام الحرمين أيضا بفصاحة اللسان وقوة البيان ىا تذكر كتب 
التراجم. فلقد جاء في التبيين (وكان يذكر دروسا يقع كل واحد منها في 
أطباق وأوراق لا يتلعثم في كلمة ولا يحتاج إلى استدراك ويقول: 
(... وما يوجد منه في كتبه من العبارات البالغة كنه الفصاحة غيض من 
فيض ماكان على لسانه. وغرفة من أمواج ماكان يعهد من بيانه. . .)2049 
" - مكانته العلمية: 


ما يدل على مكانة إمام الحرمين العلمية ثناء العلماء عليه فهذا الباخرزي 
وهو من المعاصرين له إذ توفي سنة (451) يقول في دمية القصر: (فتى 
الفتيان ومن أنجب به الفتيان248 ولم يخرج مثله المفتيان عنيت: النعمان بن 
ثابت. ومحمد بن إدريس» فالفقه فقه الشافعي » والأدب أدب الأصمعي » 





(184) روى أبويعلي فى مسنده عن أنس رضى الله عنه قال: قال رسول الله ككلِهِ (الأئمة من قريش 
إذا حكموا فعدلوا واذا عاهدوا فوفوا واذا استرحموا فرحموا). يقول المحقق في الامشس: رجاله 
ثقات. ج ١‏ ص 4ه4. وأخرجه الإمام أحمد في مسنده الفتح الرباني ج 79 ص ٠‏ والأئمة من 
قريش جزء من أحاديث ذكرها الفيثئمي في مجمع الزوائد ج ه ص ؟19١.‏ 

(146) ذكر اطيثمي في مجمع الزوائد عن على ان النبي كيه قال فيا أعلم قدموا قريشا ولا تتقدموها 
ولولا أن تبطر قريشن لاخترتها بها لها عند الله 'عز وجل. رواه الطبراني وفيه أبومعشر وحديثه 
حسن. وبقية رجاله رجال الصحيح . ج١1‏ ص 736. 

(185) مغيث الخلق. ص 58 0 55. 

180) التبيين ص 4هلا؟. 

(188) الليل والنهار. 


5 





وحسن بصره بالوعظ كالحسن البصري وكيفم| كان فهو إمام كل إمام 
والمستعلي بهمته على كل همام. والفائز بالظفر على أرغام كل ضرغامء إذا 
تصدر للفقه فالمزني من مزنته قطرة. وإذا تكلم فالأشعري من وفرته شعرة» 
وإذا خطب ألجم الفصحاء بالعي شقاشقه المحادرة ولثم البلغاء بالصمت 
حقائقه النادرة. . .)048 , 

ولا شك أننا نلمح المبالغة في الوصف مبالغة واضحة حيث فضله على 
المزني وجعله يفوق الأشعري ولعله الأسلوب الأدبي جعله يقول هذا الكلام 
دون مراعاة الدقة وبيان الحقيقة. 

وأيا ما كان فمن كلام معاصريه نلمح مكانة إمام الحرمين الرفيعة وممن 
أثنى عليه الإمام السمعاني إذ اعتبره (... إمام وقته ومن تغني شهرته عن 
ذكره)050, 

بل اعتيره أبوالحسن بن أبي عبدالله بن أبي الحسين الأديب (... إمام 
الأئمة على الإطلاق حبر الشريعة, المجمع على إمامته شرقا وغرباء المقر 
بفضله السراة والحراة عج| وعربا من لم تر العيون مثله قبله ولا ترى 
بعده. . .)2010 

ويقول أيضا: (وظني أن آثار جده واجتهاده في دين الله يدوم إلى قيام 
الساعة وإن انقطع نسله من جهة الذكور ظاهرا فنشر علمه يقوم مقام كل 
نسب ويغنيه عن كل نشب مكتسب)259©. 

ولقد خاطبه الشيخ أبواسحاق الشيرازي قائلا: (أنت إمام الأئمة). وقال 
أيضا: (يامفيد أهل المشرق والمغرب لقد استفاد من علمك الأولون 
والآخرون). 


(14849) دمية العصر وعصرة أهل القصر.ء ج و3 ص 5" 
(190) الأنساب. ج .ا ص وه". 
)١19١(‏ تبيين كذب المفترى. ص 4لا7ا. 
)١957‏ تبيين كذب المفترى.» ص 7868. 


الا 


وقال مخاطبا الناس: (تمتعوا بهذا الإمام. فإنه نزهة هذا الزمان يعني إمام 
الحرمين) 259 . 
وقال شيخ الإسلام أبوعثئان إساعيل بن .عبدالرحمن الصابوني وقد سمع 
كلام إمام الحرمين في بعض المحافل: (صرف الله المكاره عن هذا الإمام 
فهو اليوم قرة عين الإسلام والذاب عنه بحسن الكلام)259. 
وجاء في الطبقات للسبكي (ونقلت من خط ابن الصلاح): أنشد بعض 
من رأى إمام الحرمين: 
لم ترعيني أحدا * تحت أديم الفلك 
مشل إمام الحرمينب *# الندب عبدالملك*؟0 
وقال الحافظ أبومحمد الحرجاني : (هو إمام عصره ونسيج وحده ونادرة دهره 
عديم المثل في حفظه وبيانه ولسانه. 
وقال: وإليه الرحلة من خراسان والعراق والحجان)05,. 
وقال قاضي القضاة أبوسعيد الطبري وقد قيل له إنه لقب إمام الحرمين: 
بل هو إمام خراسان والعراق لفضله وتقدمه في أنواع العلوم. وكان الفقيه 
الإمام غانم الموشيل ينشد لغيره في إمام الحرمين: 


دعوا لبس المعالي فهو ثوب 
على مقدار قد أبي المعالي 159) 
وقال الأستاذ أبوالقاسم القشيري: لو ادعى إمام الحرمين اليوم النبوة 
لاستغني بكلامه هذا عن إظهار المعجزة)0500. 
ولا يفوتني أن أتعقب مقاله القشيري. إذ إن القشيري في مدحه للإمام 


.1١95 طبقات الشافعية الكبرى ج ه ص‎ )1١90( 
.١07" طبقات الشافعية ج © اص‎ )1١1944( 
طبقات الشافعية . ج ص *ا/1ا.‎ )196( 
طبقات الشافعية» ج ه. ص"17.‎ )١97( 
المصدر السابق نفسه.‎ )197( 

(144) المصدر السابق. ص 174. 


الا 


الجويني بالغ في الثناء على بيانه» وكأنه وصل إلى درجة الإعجاز التي تثبت 
به النبوة» ومعلوم أن هذا لا ينبغي أن يوصف به إلا كلام الله عز وجل . 

ولقد أثنى عليه صاحب مراة الجنان فقال: (الإمام الحفيل السيد الجليل 
المجمع على إمامته المتفق على غزارة مادته وتفننه في العلوم من الأصول 
والفروع والأدب وغير ذلك. الإمام الناقد المحقق البارع النجيب ابن 
النجيب المدقق أستاذ الفقهاء المتكلمين فحل النجباء والمناظرين» المقر له 
بالنجابة والبراعة وتحقيق التصانيف وملاحتها و حسن العبارة وفصاحتها 
والتقدم في الفقه. ذو الأصلين ابن النجيب إمام الحرمين حامل راية المفاخر 
وعلم العلاء الأكابر. . .)2055 

وإذا دلت شهادات العلماء السابقة لإمام الحرمين على شيء فإن) تدل على 
مدى تقديرهم له واعترافهم بفضله ومكانته العلمية فيها بيهم رحمه الله رحمة 


(199) مرأة الجنان, ج “#اء ص ١8«‏ - 1154. 


-5/ا- 


الفهل السادس 


مذهبه الكلامسى 


يعتبر إمام الحرمين من أئمة المذهب الأشعري. كا تذكر كتب التراجم, 
وكتبه في العقيدة كالشامل والإرشاد ولمع الأدلة تدل دلالة أكيدة على اتباعه 
؟ - دوره البارز في بناء المذهب الأشعري: 

ويرى الدكتور النشار أن إمام الحرمين من الأعمدة الرئيسية التي ارتكز 
عليها المذهب الأشعري. ويضيف إلى ذلك قوله: (ذهب نفر غير قليل من 
الباحثين إلى أن المذهب الأشعري بدأ منذ عهد الجويني يرتكز على أرض 
راسخة وفكر عميق ومنطق سليم)2'7. 

ويجزم الدكتور جبر في رسالته عن إمام الحرمين بأثر إمام الحرمين البارز 
في بناء المدرسة الأشعرية. وهذا الحزم هو النتيجة العامة لرسالته عن إمام 
الحرمين إذ يقول: (إني أستطيع الآن با قدمته للقارى الكريم أن أجزم با 
ترددت فيه أولاء فأقول إن إمام الحرمين له أثر بارز في بناء المدرسة الأشعرية 
يفوق بكثير غيره من البنائين لها)90"©. 
- شخصيته المستقلة في المذهب الأشعري: 

يرى الدكتور النشار أن إمام الحرمين لم يكن مجرد متابع للإمام الأشعري. 


[يلقة الشامل» ص 7# 
)9١١(‏ إمام الحرمين وأثره في بناء المدرسة الأشعرية. ص 749. 


-ه6/ا د 





ولا لأئمة المذهب قبله. بل كانت له أصالته الفكرية وشخصيته المستقلة في 
المذهب. وفي ذلك يقول: (إن الجويني 5 تفكيره متقدم بكثير عن الأشاعرة 
السابقين عليه. فتفكير الحويني متسم بنزعة فلسفية عميقة)2'9. 

ثم ذكر مثالا يؤيد فكرته السابقة وهو تقدم إمام الحرمين على من سبقه. 
إذ عرض دليل التتانع كما يعرضه أبوالحسن الأشعري وإمام الحرمين مبينا 
الفرق بينهها. 

ففي حين أن الأشعري اكتفى بافتراض اختلاف الإلحين. فإن إمام 
الحرمين ساق الدليل مفترضا اختلاف الإلهين واتفاقهاء فالدليل يبطل التعدد 
في الآلحة سواء افترض اتفاقها| أم اختلافه . 

ثم يقول: «إن الحويني قد تابع المذهب الأشعري بوعي تام مجددا لا 
مقلدا. ..)20'9, 

وتابعه على هذا الرأي الدكتور الزحيلي إذ يقول: (وم يكن إمام الحرمين 
جرد ناقل لآراء المذهب الأشعري . بل يتمتع بشخصية مستقلة واجتهادات 
كثيرة» وكان يحلل الآراء وينقدها ليقبل ما يراه حقاء ويرفض ما يراه باطلا 
ما يعتبر تجديدا في المذهب لا تقليدا فيه)2"9©). 

ولكن الدكتور عبدالرحمن بدوي له رأي يخالف الرأي السابق فهو يرى 
أن إمام الحرمين ليست له أصالة؛ بل كان متابعا لمن كان قبله وني ذلك 
يقول: (يبدو لنا الجويني بوجه عام خاليا من الأصالة وأنه اعتمد على أسلافه 
من كبار الأشاعرة في الدفاع عن آراء الأشاعرة وخصوصا على الباقلاني 
والأشعري وأبي اسحاق الإسفرايينى على الترتيب في الأهمية. . . . 

وهو نفسه يعترف بأنه , يأت في (الشامل) بجديد إلا في النادرء أما 
كتابه الإرشاد فمختصر بسيط خال من الحجاج الكلامي الدقيق وما هو إلا 
متن بسيط سهل للمبتدئين)9'"©. 
)590١0(‏ الشامل. ص 76. 


)35١0‏ المصدر السابق نفسه. ص 6ل9. 


.١١١ الجوينيى للزحيليء ص‎ )7١5( 
.118 ص‎ .١ مذاهب الإسلاميين. ج‎ )5١ه(‎ 


كلا د 





ويقول أيضا عبدالرحمن بدوي: (وهو يعترف بأنه يستمد جل ما يورده 
من حجج وتقريرات مما كتبه مشايخ المذهب ولم يصرح بأنه أتى بجديد إلا 
في مسألة واحدة وهى إيراده برهانا من عنده على إثبات استحالة حوادث 
لا أول لهاء فقد قال بعد إيراده: «قال عبدالملك بن عبدالله بن يوسف 
الجويني: هذه الطريقة التي طردناها مقتضبة مجتلبة مما أشار إليه المشايخ رضي 
الله عنهم ف) تركوا ما مهدوه من قواعد العقائد مضطربا (مجالا) للمتأخرين. 
ولكن م أر هذه الدلالة على هذه الصيغة للمتقدمين. وهي مما ألهمني الله 
تعالى تحريرها. ولو لم يكن في كتابنا هذا سواها لكان بالحري أن يغتبط 
بهاء فان جملة مذاهب الدهرية تستند إلى إثبات حوادث لا أول لها)*20©, 

والذي يظهر لي أن د. عبدالرحمن بدوي لم يطلع على العقيدة النظامية 
والتي يصرح فيها إمام الحرمين بانه أتى بقواعد لم يسبق إليهاء يقول: (وقد 
صدرتها بقواعد عن العقائد على أساليب لم أسبق اليها ولم أزحم عليها ثم 
أتبعتها بالايسوغ الذهول عنه في أركان الإسلام وسميتها النظامية في الأركان 
الإسلامية وهاهي)9'". لأنه لو اطلع عليها لما قرر ما قرره سابقا من عدم 
أصالة إمام الحرمين. 
- اجتهادات إمام الحرمين واختياراته في المذهب الأشعري: 

ثم إننا نجد لإمام الحرمين اجتهاداته الخاصة في المذهب تلك التي خالف 
فيها أئمته السابقين في بعض المسائل. 

فمن ذلك عدم اعتباره الوجود من الصفات. وني ذلك يقول: (والوجه 
المرضى أن لا يعد الوجود من الصفات فإن الوجود نفس الذات وليس بمثابة 
التحيز للجوهر. فإن التحيز صفة زائدة على ذات الجوهر.ء ووجود الجوهر 
عندنا نفسه من غير تقدير مزيد» والأئمة رضي الله عنهم متوسعون في عد 
الوجود من الصفات والعلم به علم بالذات)2020. 


(307) العقيدة النظامية ص .١5”‏ 
لوقه الإرشاد, ص ."١‏ 


-لالا د 





وكذلك في تعريف شيخ المذهب أبي الحسن الأشعري للكلام يقول: 
(قال شيخنا رحمه الله: الكلام ما أوجب لمحله كونه متكلا وهذا فيه نظر 
عندنا)9"", 

وتارة لا يجزم با ذهب إليه أئمة المذهب إذا لم ير الدليل راجحا وقاطعا 
ولهذا لم يقطع بإبطال مذهب المعتزلة القائلين بأن كل شيئين غيران خلافا 
لمذهب أئمة الأشاعرة. 

يقول إمام الحرمين: (القول في إيضاح معنى الغيرين ليس من القواطع 
عندي: إذ لا تدل عليه قضية عقلية ولا دلالة قاطعة سمعية». ولسنا نقطع 
بإبطال قول من قال من المعتزلة كل شيئين غيران. والأمر يؤول إلى إطلاق 
ترجيح وتلويح متلقى من ألفاظ محتملة)0". 

ومن المسائل التي خالف فيها أئمة المذهب عدم اعتباره البقاء صفة زائدة 
على الوجود إذ يقول: (ذهب العلاء من أثمتنا إلى أن البقاء صفة الباقي 
زائدة على وجوده بمثابة العلم في حق العالمء والذي نرتضيه أن البقاء يرجع 
إلى نفس الوجود المستمر من غير مزيدء ولو لم نسلك هذا المسلك للزمنا 
أن نصف الصفات الأزلية بكونها باقية» ثم نثبت لها بقاء. ويجر سياق هذا 
القول إلى قيام المعنى بالمعنى» ثم لو قدرنا بقاء قدي) للزمنا أن نصفه ببقاء 
ثم يتسلسل القول)7"©. 

وقد يختار من بين آراء أئمة المذهب ما يراه أسعد بالدليل» فعندما قسم 
شيخ المذهب أساء الرب إلى ثلاثة أقسام فمن أسمائه ما يقال إنه هوهو. 
إذا كان اسما عائدا للذات. 

ومن أسائه ما يقال إنه غيره. 

ومن أسائه مالا يقال إنه هو ولا يقال إنه غيره. 

ذهب بعض الأئمة أن كل اسم هو المسمى بعينه. إلا أن إمام الحرمين 





090 الإرشاد. ص .٠١54‏ 
5 المصدر نفسه. ص .١78‏ 


- 


رجح مذهب أبي الحسن الأشعري قائلا: (والمرتضى عندنا طريقة شيخنا 
رضى الله عنه. فإن الأساء تتنزل منزلة الصفات. ...)39 , 

كا نجده خالف أئمة المذهب في إثبات الصفات الخبرية» ولقد صرح 
بمخالفتهم. فرفض إثبات اليدين والعينين والوجه. وهذه الصفات يثبتها 
أئمة المذهب الأشعري قبله1©. 

ويذكر شيخ الإسلام أن إمام الحرمين أول من اشتهر بتأويل الصفات 
الخبرية من الأشاعرة وأن أبا الحسن الأشعري لا يعرف له قولان في المسألة. 

يقول شيخ الإسلام (ولم يذكر أحد عن الأشعري في ذلك (أي إثبات 
الصفات الخبرية كالاستواء والوجه واليد. ..) قولين أصلاء بل جميع من 
يحكي المقالات من أتباعه وغيرهم يذكر أن ذلك قوله ولكن لأتباعه في ذلك 
قولان . 

وأول من اشتهر عنه نفيهم| أبوالمعالي الجويني. فإنه نفي الصفات الخبرية 
وله في تأويلها قولان. ففي الإرشاد أولهاء ثم إنه في «الرسالة النظامية») رجع 
عن ذلك وحرم التأويل وبين إجماع السلف على تحريم التأويل)9١©.‏ 

ولقد سجل شيخ الإسلام بعض المخالفات التي خالف فيها إمام الحرمين 
الشيخ أبا الحسن الأشعري. فمن ذلك طريقة إثبات الصفات». ففي حين 
أن الاشعري يثبت الصفات عقلا وسمعاء نجد إمام الحرمين. متابعا 
للمعتزلة. يثبتها عقلا فقط. 1 

يقول شيخ الإسلام: (وكذلك الأشعري يثبت الصفات بالشرع تارة 
وبالعقل أخرى. وهذا يثبت العلو ونحوه ما تنفيه المعتزلة ويثبت الاستواء 
على العرش ويرد على من تأوله بالاستيلاء ونحوه ما لا يختص بالعرش» 
بخلاف أتباع صاحب (الإرشاد) فإنهم سلكوا طريقة المعتزلة فلم يثبتوا 
الصفات إلا بالعقل. وكان الأشعري وأئمة أصحابه يقولون: إنهم يحتجون 


.١44 الإرشاد. ص‎ 21١5 
.١هال المصدر السابق نفسه ص هوه3‎ 15 
.186- ١7/ درء التعارض ج كك ص‎ )5١5( 


- 1/4 





بالعقل لا عرف ثبوته بالسمع فالشرع هو الذي يعتمد عليه في أصول 
الدين. والعقل عاضد له معاون)2. 

ولقد حصر الدكتور عبدالعظيم الديب المسائل التي خالف فيها إمام 
الحرمين أبا الحسن الأشعري في البرهان وهي ثلاث مسائل. ومن تلك 
المسائل مسألة القدرة. فمذهب الشبخ أبي الحسن الأشعري أن القدرة 
الحادثة تقارن حدوث المقدور ولا تسبقه. 

وقد خالفه إمام الحرمين مبينا أن مذهب أبي الحسن في المسألة محتبط 
ويقول أيضا: (فقد لاح سقوط مذهبه في كل تقدير)0". 

ومما يجدر ذكره أنه كان متابعا للأشعري في هذه المسألة في كتاب 
الإرشاد2). 
ْ كا نجده في النظامية يرفض ما قرره في الإرشاد متابعا فيه لأئمة الأشاعرة 
من أن القدرة الحادثة لا تؤثر في مقدورها أصلا 269 يقول في النظامية (ففي 
المصير إلى أنه لا أثر لقدرة العبد في فعله قطع طلبات الشرائع والتكذيب 
بها جاء به المرسلون)*5©. 

وطذا قال أبوالقاسم الأنصاري (ثم ذكر لنفسه «يعني إمام الحرمين» مذهبا 
ذكره في الكتاب المترجم بالنظامية وانفرد به عن الأصحاب وهو قريب من 
مذهب المعتزلة والخللاف بينه وبينهم فيه في الاسم)29'"". 

ولكن ابن القيم بين أن مذهب إمام الحرمين في النظامية أقرب إلى الحق. 
يقول: (الذي قاله الإمام في النظامية أقرب إلى الحق مما قاله الأشعري وابن 


(6١5؟)‏ درء التعارض ج ؟. ص "1. 

(51؟) فهرس المسائل التى خالف فيها إمام الحرمين أباموسى الأشعري. 
البرهان ج ١‏ ص 08؟. 

5190) انظر الإرشاد ص #5١8‏ - 519. 

.75٠١ انظر الإرشاد ص‎ )5١18( 

(9١5؟)‏ النظامية. ص 44. 

[حققة شفاء العليل ص يف 


الباقلاني ومن تابعهم))0"". 

وبعد أن ساق كلامه الذي في النظامية بتامه قال (انتهى كلامه بلفظه. 
وهذا توسط حسن بين الفريقين وقد أنكره عليه عامة أصحابه. منهم 
الأنصاري شارح الإرشاد وغيره وقالوا هو أقرب من مذهب المعتزلة)59"), 

وكا أنه تابع أئمة الأشاعرة في الإرشاد في جواز أن يكلف الله الإنسان 
بالا يطاق. مقررا أن ذلك قد وقع9"". 

نرى أنه عدل عن هذا الرأي في البرهان وانتهى إلى منع أن يكلف الله 
الإنسان مالا يطاق2"9©. 

كا عدل عن القول بالأحوال في البرهان. مبينا بطلانها مع أنه" كان 
يثبتها في الإرشاد بل كان يرد على منكربها9"" . 

ويقول أيضا فإن قيل: لو قال مدعي النبوة ستظهر ايتي بعد موي بوقت 
ضربهء فإذا وقع ماقاله بعد الوفاة على حسب دعواه. كان ذلك خارقا 
للعادة» فالوجه عندي في ذلك أن نقول: ان كلف الناس التزام الشرع 
ناجزا والآية موقوفة,» فقد كلفهم شططاء وإن نص على الأحكام وعلى 
التزامها بوقت ظهور الآية صح ذلك. والقاضي أبوبكر رضي الله عنه منع 
ما صححته. ولاوجه لنعه والحق أحق أن يتبع 99" . 


.١؟١؟ شفاء العليل ص‎ )77١( 
جاء في هامش العقيدة النظامية للدكتور أحمد حجازي السقا: لقي كلام إمام الحرمين هنا بعض‎ 
عنت من بعض تلامذته جريا على التقليد الأعمى.‎ 
وقد قال قائل عن هذا الرأي:‎ 
تدكب عن طريق الجير واحذر وقوععك في مهاوي الاعتزال‎ 


(؟565) شفاء العليل. ص .١5١5١ 0 1١58‏ 

(579) انظر الإرشاد. ص 5١"‏ 558؟. 

(75515) انظر البرهان. ص .1١86 0 1١١“‏ 

(3565) انظر البرهان .» جح ١‏ ص ١70٠‏ 

(51) انظر الإرشاد ص 8١‏ - 4895. 
(الحال: صفة لموجود غير متصفة بالوجود ولا بالعدم) . 
الإرشاد. ص م 

570 الإرشاد. ص ."١6‏ 


-41١- 





ويقول أيضا (وصار بعض أصحابنا الى أن ماوقع معجزة لنبي لا يجوز 
وقوعه كرامة لولي. فيمتنع عند هؤلاء أن ينفلق البحر وتنقلب العصا ثعبانا 
ويحى الموتى كرامة لولي إلى غير ذلك من آيات الأنبياء. وهذه الطريقة غير 
سديدة أيضا والمرضي عندنا تجويز جملة خوارق العوائد في معارض 
الكرامات)059), 

والأمثلة التي سبق ذكرها تبطل دعوى من يدعي أن إمام الحرمين كان 
مقلدا. 

فهي تؤكد أن له اختيارات في المذهب بصرف النظر عن مدى صحة 
هذه الاختيارات وبطلانها ومدى بعدها عن مذهب السلف. 

وإننا غرضنا من عرضها لنبين أن إمام الحرمين لم يكن مجرد مقلد بل 
كانت له اختيارات» وأن الحكم عليه بعدم الأصالة يعتير تسرعا في الحكم. 
كمن يحكم على الغزالي بعدم الأصالة من خلال كتابه المنخول الذي تابع 


فيه شيخه إمام الحرمين متابعة واضحة. 


(778) المصدر السابق نفسه. ص ."١7‏ 


85 - 


الفصل السابع 
طرق دراسته للعقيدة 


تتمثل دراسة العقيدة عند إمام الحرمين في طريقين: 
الطريق الأول: تحديد مفاهيم المصطلحات التي تتكون منها القضايا العقدية 
سواء في ذلك موضوعات تلك القضايا أو محمولاتها. وسواء كانت تلك 
القضايا لتقرير عقيدة صحيحة أو نفى عقيدة باطلة» أو كانت تلك القضايا 
مقدمات للأدلة التي تقام لإثبات عقيدة معينة أو إبطالها. 
الطريق الثاني: في دراسة العقيدة: الاستدلال عليها بطرق الاستدلال 
المختلفة . 
أ تحديد المصطلحات العقدية: 

ويكون ذلك ببيان حقيقة العبارات التى تتكون منها القضايا العقدية عن 
طريق تعريفها وبيان حدها حدا حقيقيا. وتحديد معاني مفردات القضايا 
العقدية أمر ضروري قبل قبوها أو ردها وقبل الاستدلال على إثباتها أو نفيها 
وقبل الجدل حواء فتحديد المراد بها خطوة ضرورية قبل كل ذلك. 
ب - طرق الاستدلال على القضايا العقدية: 
١‏ طرق الاستدلال على العقائد عند المتكلمين قبل إمام الحرمين: 

قبل أن نتناول طرق إمام الحرمين في الاستدلال على العقائد يجب أن 
نعرض طرق الاستدلال على العقائد عند المتكلمين قبله. 

وبالنظر في شرح الأصول الخمسة تبين لنا أن المعتزلة يحصرون طرق 
الاستدلال على العقائد في العقل والسمع فعندهم أن قضايا العقيدة منها 


9م 


مالا يدرك إلا عقلا ومنها مالا يدرك إلا سمعا ومنها مايدرك عقلا وسمعا. 

أما مالا يدرك إلا عقلاء فهو معرفة الله بتوحيده وعدلهء وأما مالا يدرك 
إلا سمعاء فهو ماينبني على الإيهان بوجود الله وعدله وتوحيده من قضايا 
الآخرة . ْ 

يقول القاضي عبدالجبار: (... فاعلم : أن طرق الدلالة أربعة» حجة 
العقل والكتاب والسنة والإجماع. ومعرفة الله تعالى لا تنال إلا بحجة 
العقل. )259 . 

فلأن ماعداها فرع على معرفة الله تعالى بتوحيده وعدله. فلو استدللنا 
بشيء منها على الله والحال هذه كنا مستدلين بفرع الشيء على أصله. وذلك 
لا يجوز. 

بيان هذا أن الكتاب إنا ثبت حجة متى ثبت أنه كلام عدل حكيمء 
لايكذب ولايجوز عليه الكذب. وذلك فرع على معرفة الله بتوحيده 
وعدله. . .)0 

ولهذا رفض القاضى عبدالخحبار حجة المثبتين للصفات معتمدين على 
السمعء واعتبر حججهم من قبيل الشبه. ففي مسألة إثبات صفة العلم 
لله تعالى ذكر كما يزعم شبههم في ثبوتها وهي قوله تعالى طأنرْلهُ 
بعلمه 23374 , 

وقوله تعالى: «وَلاً يحيطُونَ بشيءٍ مِنْ علْمِه74" وقوله تعالى: «فَلتقُصّنّ 
لهم بعلم 004. 

أجاب قائلا «والأصل في الجواب عن ذلك أن الاستدلال بالسمع على 
هذه المسألة غير ممكن. لأن صحة السمع ينبني على كونه عدلا حكيهاء وكونه 


(19؟؟) شرح الأصول الخمسة. ص 88. 
(750) المصدر نفسه. ص 88. 

(51) سورة النساء آية 155. 

79؟) سورة البقرة آية 5868 . 

(*7) سورة الأعراف آية . 


-854- 


حكيما ينبني على أنه تعالى عالم لذاته فكيف يصح ذلك)29©. 
وهناك من القضايا عند المعتزلة ما يدرك بالعقل والسمع معاء يقول 
القاضى عبدالجبار: (وأما استحقاق العقاب فالذي يدل عليه العقل والسمع 


أيضا. . .)20 , 
ويرى القاضى عبدالجحبار أن كونه تعالى حيا مثل الرؤية» يمكن أن يستدل 
عليها بالعقل والسمع معا. 


يقول القاضي عبدالجبار: (وكل مسألة لا تقف عليها صحة السمع. 
فالاستدلال عليها بالسمع ممكن. ولهذا جوزنا الاستدلال بالسمع على كونه 
تعالى حيا لما لم تقف صحة السمع عليها. . .)2950 

وأما ما لا يثبت إلا سمعا عند المعتزلة من قضايا العقيدة» فهو ما ينبني 
على الإيهان بوجود الله من أمور الآخرة مما ثبت بالكتاب. كما يدل عليه 
الكلام السابق. 

3 نجد هذا التقسيم عند الأشعري في الإبانة» فهو يثبت الصفات التي 
لا تثبت عند المعتزلة إلا عقلاء 0 كا سياتيء بأل سمعية كصفة لعل والحياة 
والإرادة والسمع والبصرء فلقد أثبت صفة العم بقولهٍ تعالى «أَنَزَلهُ ش 
بعلّمه 77 وقوله تعالى : وما تحمل من أنتّى ولا نَضعٌ ل بعلّمه 7 
وقوله تعالى : 0 يستجيبوأ لَكُمْ علدا أ نْلَ بعلم الله" ثم قال: 
«وكل مسألة سألناهم عنها في العلم فهي داخلة عليهم ف القدر” والحياة 
والسمع والبصر»' '*". ثم أثبت السمع والبصر بقوله تعالى «إلََّى مَعَكن] 
أُسْمَعُ وَأَرَئ 4074 وقوله تعالى «سمِيعٌ بَصبر 14500110 كما أننا نجد شيخ 


(155) شرح الأصول الخمسة. ص ؟١7.‏ 
(ه؟7) شح الأصول الخمسة. ص .5١9‏ 
[قشضفقة شرح الأصولٍ الخمسة. ص 77# . 
(7717) سورة النساء آية 55أ. 

(78) سورة فصلت آية 49 . 

(89؟) سورة هود آية .١4‏ 

(10؟) الابانة ص ا6١.‏ 

(41؟) سورة طه آية 45 . 

(10؟) سورة لقيان آية 38 . 

(5149) انظر الابانة ص ا8١.‏ 


-486 - 





المذهب أثناء إثباته لوجود الله في كتابه اللمع. يتخلل هذا الإثبات استدلال 
بالسمع المتضمن للدلالة العقلية» إذ يقول: (... وإذا كان تحول النطفة 
علقة ثم مضغة ثم لح| ثم دما وعظ)| أعظم في ف الأعجوبة كان أولى أن يدل 
على صانع 'صنع النطفة ونقلها من حال إلى حال وقد قال الله تعالى 
«أفرءيتم مَامُنونَ. انم فونه 1 نَحْنُ الْحَالقونَ )200:9 

وفي صدد إثباته لصفة م والقدرة والحياة قال: «والدليل على أن لله 
تعالى قدرة وحياة كالدليل على أن لله تعالى علماء وقد قال جل ذكره لَأَنزَله 
بعليه» وقال: «إوَمًا تمل من أن ولا نض َّ بعلّمهد4 فثبت فثبت العلم 

لنفسه وقال تعالى أو يرو أنَّ آنك آنْني خَلَقَهمْ هو شد منهم 04 

فثبت القوة لنفسه9:©. 

وقال مثبتا لصفة الكلام لله تعالى: (إن قال قائل لم قلتم إن الله تعالى 
لم يزل متكلماء. وان كلام الله تعالى غير محلوق قيل له: قلنا ذلك لأن الله 
تعالى قال: دِإِنّ فون لشي إِذَا أَرَدْنَهُ أن نَقَولَ لَه كن فَيَكون ج2040 , 

وبهذا يتضح لنا أن شيخ المذهب استعمل الدلالة العقلية ولدلا 
السمعية في إثبات هذه القضايا ١‏ التي يدّعي إمام الحرمين أنها لا تثبت إلا 
عقلا ىا سيأت. 

أما الباقلاني فقد وجدنا التقسيم في كتاب التلخيص الذي لخص فيه إمام 
الحرمين آراء الباقلاني» جاء في التلخيص (فأما مالا يتوصل إليه من العلوم 
الكسبية إلا بأدلة العقول.ء فهي كل علم لانتم معرفة الوحدانية والنبوات 
إلا به..). 

وأما ما ينحصر دركه في الدلالة السمعيةء» فهو جملة الأحكام الشرعية 





(145؟) سورة الواقعة /ه ‏ ه. 
(1؟) اللمع ص 15. 

(5845) سورة فصلت آية 16 
(49؟) اللمع ص 0م. 

[(فشقة سورة النحل آية 5. 
(159) اللمع. ص 8# 


كم 


التي منها التقبيح والتحسين والوجوب والندب والإباحة والحظر إلى غيره من 
مجاري الأحكام الشرعية). 

وأما ما يصح أن يعلم بالعقل تارة وبالسمع أخرىء. فهو كل علم لا 
يتعلق بأحكام التكليف. ولا يتوقف التوحيد والنبوة على الإحاطة به.ء وذلك 
نحو درك جواز الرؤية والعلم بجواز الغفران للمذنبين» والعلم بصحة التعبد 
بالعمل بخير الواحد والقياس إلى غير ذلك من الشواهد)”*". 

وسوف يتضح لنا فيا بعد مدى تأثر إمام الحرمين ببيانه لطرق الاستدلال 
على العقائد بالمتكلمين السابقين عليه. 


؟ - انحصار طرق الاستدلال على العقائد عند إمام الحرمين في العقل 
والنقل والمعجزة : 

يذهب إمام الحرمين إلى انحصار طرق إثبات العقائد في العقل والسمع 
والمعجزة؛ ذلك أن العقائد تنقسم عنده ‏ تبعا لتعددها وبناء بعضها على 
بعض في الإثبات ‏ إلى ما يثبت بالعقل وحده وإلى مايثبت بالسمع وحله. 
وإلى ما يثبت بالسمع والعقل معا وفي ذلك يقول: (اعلموا وفقكم الله تعالى 
أن أصول العقائد تنقسم: إلى ما يدرك عقلا ولا يسوغ تقدير إدراكه سمعاء 
وإلى ما يدرك سمعا ولا يتقدر إدراكه عقلاء وإلى مايجوز إدراكه سمعا 
وعقلا)0*2) , 

وفي كتاب البرهان أضاف مدركا آخر وهو المعجزة. إذ بين أن مدارك 
العلوم في الدين ثلاثة في التقسيم الكلي أحدها: العقول. الثاني: 
المعجزات, الثالث: أدلة السمعيات. وهي ثلاثة الكتاب و السنة والإجماع . 
يقول إمام الحرمين: (مدارك العلوم في الدين ثلاثة في التقسيم الكلي: 

أحدها ‏ العقول. 0 

والمدرك الثاني: هو المرشد إلى ثبوت كلام صدق. وهذا لا يتمحض 


(560) التلخيص ج ١‏ ص .١78‏ 
(١55؟)‏ الإرشاد. ص 8ه”. 


-ل/ا4- 





العقل فيه فإن مسلكه المعجزات وارتباطها بالعادات انخراقا واستمرارا. . . 
والمدرك الثالث: أدلة السمعيات المحضة وهي إذا فصلت على مراسم العلماء 
ثلاثة: الكتاب والسنة والإجماع9*"). 
“ - العقل وما يثبت به من العقائد: 

فيا هي القضايا العقيدية التي لا تدرك إلا بالعقل عند إمام الحرمين؟ 
يرى إمام الحرمين أن كل قضية عقدية تتقدم في ترتيب الإيهان بها على 
الإيهان بكلام الله تعالى»ء ووجوب اتصافه بكونه صدقاء لا تدرك إلا بالعقل 
ولا تبت سمعا؛ وذلك لأن السمعيات تستند إلى كلام الله فكل ما 
يسبق ثبوته ثبوت الكلام كالوجود والعلم والقدرة والحياة - حيث لا يتصف 
بالكلام إلا من يتصف بتلك الصفات أولا لا يدرك إلا عقلاء ويستحيل 
أن يكون مدركه السمعء وإلا لوقعنا في الدورء وني ذلك يقول إمام 
الحرمين: (فأما مالا يدرك إلا عقلا فكل قاعدة في الدين تتقدم على العلم 
بكلام الله تعالى ووجوب اتصافه بكونه صدقاء إذ السمعيات تستند إلى كلام 
الله تعالى» وما يسبق ثبوته في الترتيب ثبوت الكلام وجوبا فيستحيل أن 
يكون مدركه السمع). 

ووضح ذلك بمثال في البرهان فقال: (وبيان ذلك المثال: أن وجود الباري 
سبحانه وتعالى وحياته وأن له كلاما صدقا لا يثبته سمع)69". 


؛ - السمع وما يثبت به من العقائد: 


وأما ما ينفرد السمع بإدراكه. فهو وقوع ما يجوز العقل وقوعه. فكل شيء 
حكم العقل بجوازه لا يمكن إدراك وقوعه إلا بالسمع. كأخبار الآخرة والجنة 
والنار وجملة أحكام التكليف وقضايا التقبيح والتحسين والإيجاب والحظر 





(555) البرهان ج ١‏ ص .١45‏ 

(16) الإرشاد ص 28ه”". 

(164) البرهان ج ١‏ ص ام١.‏ 
نلاحظ أن إمام الحرمين خالف المعتزلة هنا فهو يرى أن صفة الحياة لا تثبت إلا عقلاء والمعتزلة 
ترى أنه كونه تعالمى حيا يمكن إثباته عقلا وسمعا كما سبق ذكره عن القاضى عبدالجبار ص 86. 


-88- 


والندب والإباحة . 

يقول إمام الحرمين (وأما مالا يدرك إلا سمعاء فهو القضاء بوقوع ما 
يجوز في العقل وقوعه ولا يجب أن يتقرر الحكم بثبوت الجائز ثبوته فيما غاب 
عنا إلا بسمع. ويتصل بهذا القسم عندنا جملة أحكام التكليف وقضاياها 
من التقبيح والتحسين والإيجاب والحظر والندب والإباحة)©. 
ه - ما يثبت بالعقل والسمع معا من العقائد: 

وأما القضايا التي يشترك العقل والسمع معا في إدراكهاء فهي القضايا 
التي يمكن للعقل أن يستدل عليهاء وهي أيضا لا يتوقف ثبوت الكلام على 
ثبوتهاء كثبوت جواز رؤية الله تعالى في الآخرة. وثبوت تفرد الباري بالخلق 
والاختراع.» جاء في الإرشاد (وأما ما يجوز إدراكه عقلا وسمعاء فهو الذي 
تدل عليه شواهد العقول ويتصور ثبوت العلم بكلام الله تعالى متقدما عليه 
فهذا القسم يتوصل إلى دركه بالسمع والعقل». ونظير هذا القسم إثبات جواز 
الرؤية وإثبات استبداد الباري تعالى بالخلق والاختراع وما ضاهاهماء مما 
يندرج تحت الضبط الذي ذكرناه. فأما كون الرؤية ووقوعها فطريق ثبوتمها 
الوعد الصدق والقول الحق)029). 

وجاء في البرهان (... فأما من أحاط بكلام صدق ونظر بعده في جواز 
الرؤية وفي خلق الأفعال وأحكام القدرة. ف) يقع من هذا الفن بعد ثبوت 
مستند السمعيات لا يمتنع اشتراك السمع والعقل فيه)7*"©. 

ويبدو لي أنه لا فرق بين القضايا التي تدرك بالسمع فقطء والقضايا التي 
تدرك بالسمع والعقل معا. 

إذ القضايا التي تدرك بالسمع. فقط. لابد من مشاركة العقل في إثبات 
جوازهاء إذ دور العقل أن يبين جواز الوقوع ثم إثبات الوقوع يكون بالسمع 


وحده. 





(566) الإرشاد ص 8ه". 
(555) الإرشاد ص وه". 
(507؟) البرهان ج ١‏ ص .١١7‏ 


-44- 





فنستطيع حسب تقسيم إمام الحرمين أن نجعل إدراك جواز وقوع الصراط 
والميزان بالعقل والسمع معا. 
فالدليل على جوازه عقلا ظاهر. 
أما الدليل السمعي على جوازه فهي أدلة الوقوع. إذ لو لم يجز لم يقع. 
وقد بين القرآن أنه سيقع فيدل على أنه جائز. 
وهكذا في قضية الرؤية فاجعل وقوعها من القسم الذي لا يدرك إلا 
سمعا. 
وجوازها مما يدرك بالعقل والسمع معا. 
وهذا يظهر أن قضايا العقيدة التي تدرك بالسمع فقظ. والتي تدرك بالعقل 
والسمع معاء لافرق بينهها من حيث طريقة إدراكهاء ومن ثم فلا معنى 
لجعل الرؤية وتفرد الباري تعالى بالخلق قس) مستقلا بذاته. 
5 - المعجزة وما يثبت بها من العقائد: 
وأيا كان الأمر فيما يتعلق با يرى إمام الحرمين أنه يدرك بالعقل والسمع 
معا من العقائد فإنه يضيف - كا ذكرنا سابقا*© - طريقا اخر من طرق 
إثبات العقائد وهو المعجزة كطريق لإثبات صدق النبي في دعوى الرسالة 
وفي كل ما يبلغه عن الله. 
ولنا على تقسيم إمام الحرمين للعقائد حسب طرق إثباتها إلى ما يثبت 
بالعقل وحده وإلى ما يثبت بالنقل وحده وإلى ما يثبت بها معاء. لنا على 
هذا التقسيم بعض الملحوظات : 
أولا : دعوى إمام الحرمين أن وجوده تعالى لايثبت إلا عقلا دعوى غير 
صحيحة فعلاء السلف يرون أن معرفة الله تحصل بطرق آخر سوى 
النظر العقلي» فمن تلك الطرق طريق الضرورة والفطرة. 
يقول شيخ الإسلام: (إن أصل العلم الإلممي فطري وضروري 
وإنه أشد رسوخا في النفوس من مبدأ العلم الرياضي كقولنا إن 


(58؟) انظر ص 4279. 


الواحد نصف الاثنين» ومبدأ العلم الطبيعي كقولنا إن الجسم لا 
يكون في مكانين)0*". 
ومن تلك الطرق طريق المعجزة» وسنذكر في باب المعجزة إن شاء 

الله أن المعجزة طريق لمعرفة الباري وصفاته ولا تقتضر دلالتها على 
إثبات صدق النبي . 

ثانيا : دعوى إمام الحرمين أن صفات الله تعالى من العلم والقدرة والإرادة 
والحياة لا تثبت إلا عقلا دعوى غير صحيحة كذلك, إذ إن لها طرقا 
أخرى لإثباتها سوى الطريق العقلي ومنها الفطرة والمعجزة. 

ثالثا : نظرة المتكلمين إلى القران في استدلالهم به على العقائد على أنه مجرد 
نص سمعي لتقرير تلك العقائد.ء جعلهم لا يلتفتون إلى الدلائل 
العقلية التي جاءت في القرآن لإثبات وجوده تعالى وصفاته فلا 
يذكرون في دراستهم للعقيدة ما فيه من الأدلة العقلية على إثبات 
الربوبية. وهذا تقصير منهم في شأن القرآن<"©. 

رابعا : إن إمام الحرمين في تقسيمه للعقائد حسب طرق إثباتها كان متابعا 
للمعتزلة ومخالفا لبج أبي الحسن الأشعري الذي يثبت الصفات» 
التي لا تثبت عند إمام الحرمين إلا عقلاء بطرق سمعية كما سبق 
بيانه. ولقد سجل شيخ الإسلام هذه المخالفة في كتابه «موافقة 
صحيح المنقول لصريح المعقول» فقال: 
(... الأشعري يثبت الصفات بالشرع تارة وبالعقل أخرى وهذا 
يثبت العلو ونحوه ما تنفيه المعتزلة ويثبت الاستواء على العرش»2 ويرد 
على من تأوله بالاستيلاء ونحوه ما لايختص بالعرش. بخلاف أتباع 
صاحب الإرشاد فإنهم سلكوا طريقة المعتزلة فلم يثبتوا الصفات إلا 
بالعقل. وكان الأشعري وأئمة أصحابه يقولون إنهم يحتجون بالعقل 





(169) مجموع الفتاوي ج *' ا ص ©560. 
(١؟)‏ انظر مجموع الفتاوي ج ١9‏ ص .١5١ - ١69‏ 


ف١‎ 


لما عرف ثبوته بالسمع فالشرع هو الذي يعتمد عليه في أصول الدين 
والعقل عاضد له معاون. 
فصار هؤلاء يسلكون ماسلكه أهل الكلام من المعتزلة ونحوهم فيقولون: 
إن الشرع لا يعتمد عليه فيا وصف الله به ومالا يوصف وإن| يعتمد في 
ذلك عندهم على عقلهم ثم مالم يثبته إما أن ينفوه وإما أن يقفوا فيه. 
ومن هنا طمع فيهم المعتزلة وطمعت الفلاسفة في الطائفتين بإعراض 
قلوهم عما جاء به الرسول وطلب المهدى من جهته. وجعل هؤلاء يعارضون 
بين العقل والشرع كفعل المعتزلة والفلاسفة» ولم يكن الأشعري وأئمة 
أصحابه على هذا بل كانوا موافقين لسائر أهل السنة في وجوب تصديق 
ماجاء به الشرع مطلقاء والقدح فيا يعارضه. ولم يكونوا يقولون إنه لا يرجع 
إلى السمع في الصفات. ولا يقولون الأدلة السمعية لا تفيد اليقين» بل 
كل هذا مما أحدثه المتأخرون الذين مالوا إلى الاعتزال والفلسفة من أتباعهم . 
ثم قال: (هؤلاء «صاحب الإرشاد وأتباعه) يردون دلالة الكتاب والسنة. 
تارة يصرحون بأنا وإن علمنا مراد الرسول فليس قوله ما يجوز أن يحتج به 
في مسائل الصفات لأن قوله إنما يدل بعد ثبوت صدقه الموقوف على مسائل 
الصفات. وتارة يقولون إنما لم يدل لأنا لانعلم مراده لتطرق الاحتالات إلى 
الأدلة السمعية» وتارة يطعنون في الأخبار. 
فهذه الطرق الثلاث التي وافقوا فيها الجهمية ونحوهم من المبتدعة: 
أسقطوا بها حرمة الكتاب والرسول عندهم وحرمة الصحابة والتابعين لهم 
بإحسان . . .)0592 , 
ومع هذه الملحوظات التي قدمناها عن تقسيم إمام الحرمين للعقائد بين 
العقل والنقل فقد تبين لنا ما قدمنا خلال هذا الفصل أن إمام الحرمين 
يسلك في دراسة العقائد أحد مسلكين: تحديد المفاهيم بتعريفها وبيان 
حقيقتها والاستدلال عليها بالعقل والنقل بأقسامه الثلاثئة ‏ الكتاب والسنة 


(501) موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول ج ١‏ ص ١؟5١3.‏ 


7ه 


والإجماع - وبالمعجزة . 

ولحذا سنخص كل موضوع من هذه الموضوعات بياب مستقل حيث شرح 
في تلك الأبواب منج إمام ال حرمين في تحديد مفاهيم العقيدة وفي الاستدلال 
عليها عقلا ونقلا أو عن طريق المعجزة. 


67# 


الباب الأول 


منهجه 
في تحديد المصطلحات العقدية 


الفصل الأول ٠‏ الحد ومنبج إمام الحرمين في استخدامه في 
دراسة العقيدة. 
الفحعل الثاني : نقد منيج إمام الحرمين قْ تحديد المفاهيم 


46- 


الفحل الأول 
الحد ومنهج إمام الحرمين في استخدامه في دراسة العقيدة 


قدمنا في الفصل السابق أن لإمام الحرمين طريقين في دراسة العقيدة: 
أوها تحديد المصطلحات التي تتكون منها القضايا العقدية. تلك التي تتضمن 
الحكم بثبوت عقيدة أو نفيهاء أو التي تتكون منها الأدلة على إثبات العقائد 
الصحيحة ونفى العقائد الباطلة. 

وثانيهما الاستدلال على العقائد بالأدلة العقلية أو النقلية أو الاستدلال 
عليها بالمعجزة. 

وإذا كنا سنتناول بالدراسة في الأبواب التالية منهج إمام الحرمين في 
الاستدلال على العقائد بالعقل والنقل والمعجزة. فإننا سنتناول في هذا الباب 
بيان منهجه في تحديد المصطلحات التي تتكون منها القضايا العقدية. 

أ الحد بين المناطقة والمتكلمين 

- مفهوم الحد: 

الحد التام عند المناطقة (هو القول الدال على ماهية الشبيء)0©. 

أما عند الأصوليين فهو كى) يقول الفاكهاني (اعلم أن الحد والمعرف في 
عرف النحاة والفقهاء والأصوليين اسمان لمسمى. وهو ما يميز الشيء عن 


جميع ما عداه)209, أما عند المتكلمين فيذكر عنهم الزركشي ‏ أن (حد الثىء 
معناه الذي لأجله ا ستحق الوصف المقصود بالذكر)©2 , 





)١١(‏ معيار العلم ص 07795 وانظر الحدود في ثلاث رسائل. ص 245 والبصائر النصيرية» ص "لا. 
,ع( الحدود ف ثلاث اليا ص 84 


 ةالد‎ 


والتعريف المشهور عندهم للحد هو (القول الجامع المانع) 9 . 
؟ ‏ الحد بين البساطة والتركيب: 


وكا يختلف المناطقة مع المتكلمين والأصوليين في بيان مفهوم الحد ى) 
قدمناء فإنهم يمختلفون معهم كذلك في القول بضرورة بساطته وعدم تركيبه . 

ويرجع خلافهم في ذلك إلى اختلافهم في الغرض المقصود من الحدء 
فالمناطقة يرون كا يدل عليه معنى الحد عندهم ‏ أن الغرض منه بيان 

حقيقة الشيء وماهيته. ولا يتأتي هذا إلا بذكر صفاته الذاتية» ومن ثم يرون 
ضرورة تركب الحد الحقيقى من الجنس والفصل" القريبين. فحد الإنسان 
مثلا (حيوان ناطق). فهذا التعريف للإنسان مركب من جنس وفصل 
قريبين. 

ولابد عندهم أن يكون الجنس قريبا فلو كان بعيدا لكان ذلك إخلالا 
بصناعة الحد الحقيقي. فلو قيل في حد الإنسان جسم ناطق لا اعتبر حدا 
حقيقياء وكذلك لو قيل في تعريف الخمر (مائع مسكر) وذهل عن الشراب 

لعد ذلك إخلالا بصناعة الحد الحقيقى . 

أما الأصوليون والمتكلمون فالغرض امن الحد عندهم. هو تمييز المحدود 
من غيره بوصف يخصه. ولذا لا تجدهم يشترطون في الحد ما يشترطه المناطقة 
من ضرورة تركيبه من الجنس والفصل القريبين. فلو عرف الإنسان بأنه 
(الناطق) وحصل بهذا التعريف التميبز بينه وبين غيره لاعتير حدا صحيحا. 

وهذا ما يقرره الغزالي في معيار العلم وفي ذلك يقول ‏ مرجحا وجهة 
نظر المناطقة : (والمخلصون ويعني بهم المناطقة إنا يطلبون من الحد تصور 
كنه الشيء وتمثل حقيقته في نفوسهم لا مجرد التمييز» ولكن مهما حصل 
التصور بكاله تبعه التمييزء» ومن يطلب التمييز المجرد يقتن يقتنع بالرسم . 06 
(0) الجنس: هل المقول عل رين ختلفين بالنوع كا حي . 

الفصل : صفة ذاتية يز نوعا ما من بقية الأنواٌ الأخرتى الداخلة تحت جنس واحد وتقع في جواب 


أي شيء هو 5 ذاته . 
() معيار العلمء .ص 57"4؟. 


38- 


وقال أيضا: (إذا سئلنا عن حد الخمر فقلنا العقار. وعن حد العلم فقلنا 
هو المعرفة.» وعن حد الحركة فقلنا هو النقلة. لم يكن حدا بل كان تكرارا 
للأشياء المترادفة» ومن أحب أن يسميه حدا فلا حرج في الإطلاقات. ونحن 
نعي بالحد مايحصل في النفس صورة موازية للمحدود مطابقة لجميع فصوله 
الذاتية» وإنما راعينا الفصول الذاتية لأن الشيء قد ينفصل من غيره بالعرض 
الذي لا يقوم ذاته انفصال الثوب الأحمر عن الأسود. وقد ينفصل بلازم لا 
يفارق انفصال القار بالسواد عن الثلج . . . وقد ينفصل بالذات انفصال 
الثوب عن السيف. . . 

ومن يسأل عن ماهية الثوب طالبا حده فإنما يطلب الأمور التي بها قوام 
ثوبيته لأننا لانقوم الثوبية من اللون والطول والعرض. 

فجوابه با لايقوم ذات الثوب لمحل بالسؤال”". 

فقد عرفت أن الحد مركب من الجنس والفصل وأن مالا يدخل تحت 
جنس حتى ينفصل عنه بفصل ما لا حد له. مثل ما يذكر في معرض رسم 
أو شرح اسمء فتسميته حدا مخالف للتسمية التي اصطلحنا عليها فيكون 
الحد مشتركا له لما ذكرناه©». 

وإذا كان المناطقة يرون أن الغرض من الحد هو بيان الحقيقة ى]) قدمنا 
ومن ثم ذهبوا إلى ضرورة تركيبه من الجنس والفصل القريبين» فإن المتكلمين 
يرون أن الغرض من الحد هو التمييز ومن ثم فقد قالوا ببساطته ومنعوا من 
تركيبه من جنس وفصل. وهذا ما يحكيه عنهم شيخ الإسلام إذ يقول: 
(المحققون من النظار يعلمون أن الحد فائدته التمييز بين المحدود وغيره 
كالاسم ليس فائدته تصوير المحدود وتعريف حقيقته. وإنا يدَّعى هذا أهل 
المنطق اليوناني أتباع أرسطو. . .)©©. 

ويقول أيضا: (... أما سائر طوائف النظار من جميع الطوائف المعتزلة 


(/) في الأصل (با يقوم ذات الثوب محل بالسؤال). والصواب ما أثبتاه. 
(8) معيار العلم. ص 4" 7 ١4؟.‏ 
(84) الرد على المنطقيين. ص .١4‏ 


494- 








والأشعرية والكرامية والشيعة وغيرهم ممن صنف في هذا الشأن من أتباع 
الأئمة الأربعة وغيرهم فعندهم إنا تفيد الحدود التمييز بين المحدود وغيره 
بل أكثرهم لا يسوغون الحد إلا با يميز المحدود من غيره ولا يجوزون أن 
يذكر في الحد ما يعم المحدود وغيره» سواء سمي وجنساح» أو «عرضا عاما» 
وإنما يحدون با يلازم المحدود (طردا وعكشا) ولا فرق عندهم بين ما يسمى 
فصلا و(خاصة) ونحو ذلك مما يتميز به المحدود من غيرهء وهذا مشهور 
في كتب أهل النظر في مواضع يطول وصفها من كتب المتكلمين من أهل 
الإثبات وغيرهم كأبي الحسن الأشعري والقاضي أبي بكر وأبي إسحاق وأبي 
بكر بن فورك. والقاضي أبي يعلى. وابن عقيل. وأبي المعالي الجويني. وأبي 
ميمون النسفي الحنفي. . .)20 


* - سبب رفض المتكلمين للحد الأرسطي : 


ونتساءل لماذا لم يقبل المتكلمون الحد الأرسطي؟ يرى الغزالي أن السبب 
في ذلك صعوبة الحد الأرسطي. إذ قرر في الفصل السادس من المعيار 
صعوبة الحد الأرسطي على القوة البشرية» وذكر أربعة أمور هي أكثر الأمور 
(... ولذلك لما عسر ذلك اكتفى المتكلمون بالمميز فقالوا: «هو القول الجامع 
المانع» ولم يشترطوا فيه إلا التمييز فيلزم عليه الاكتفاء بذكر الخواص فيقال 
في حد الفرس إنه الصهال وني الانسان إنه الضحاك وفي الكلب إنه النباح 
وذلك غاية البعد عن غرض التعريف لذات المحدود. . .)020. 
من المباحث الميتافيزيقية التي لا يقبلونهاء إذ يقول: (ماهي العلة التي دفعت 
المتكلمين إلى عدم قبول المنطق الأرسططاليسي. 

يمكنني أن أستنتج ببساطة أن العلة في هذا هو أن المتكلمين لم يقبلوا 


.١٠6© المرجع السابق نفسه. ص‎ )٠١( 
.56١ معيار العلم.» ص‎ )١١( 


ه-ا٠٠١١‎ 


ميتافيزيقا أرسطو ‏ وهي في جوهرها مخالفة لميتافيزيقا القران ‏ فكان من المحتم 
ألا يقبلوا منهاج البحث الذي استندت عليه هذه الميتافيزيقا وبخاصة أن 
حقائق منطق أرسطو متصلة بحقائق ميتافيزيقاه ومرتبطة بها ويقينية منطق 
أرسطو مرتبطة بيقينية ميتافيزيقاه)9©. 

ويقرر كل من د. عماد. ود. النصار هاتين الخاصيتين من خصائص الحد 
الأرسطي وهي قيامه على أساس الميتافيزيقا الأرسطية وصعوبة التمييز بين 
الخصائص الذاتية والعرضية حيث يقولان مما لا شك فيه أن الحد الأرسطي 
يقوم على أساس ميتافيزيقي ذلك لأن إيراد أقرب الذاتيات المشتركة بين 
المعرف وغيره أولا ثم إيراد المميز الذاتي ثانيا يقتضي بالضرورة معرفة الذاتي 
والعرضي والفرق بينها الأمر الذي يحتم على المعرف أن يكون على علم تام 
بسلسلة الكليات ودرجتها من حيث العموم والخصوص وطبيعتها من حيث 
الذاتية والعرضيةء كما أن الذاتي إِمّا أن يكون قريبا من المعرف وإما أن 
يكون بعيدا عنهء وهذا البعد إما أن يكون بمرتبة واحدة أو اثنتين أو ثلاث 
كا أن العرضي إما أن يكون لازما وإما أن يكون مفارقا والتمييز بين الذاتي 
والعرضي اللازم ثما يصعب دركه ك| قرر كثير من المناطقة وكل هذا من 
المباحث الميتافيزيقية) 29 . 

والواقع أن معارضة المتكلمين لم تكن للحد وحده بناء على الاعتبارات 
السابقة وانم) كانت معارضتهم للمنطق الأرسطي بصفة عامة لهذه الاغتبارات 
وغيرها ومنه مباحث الحد 


ب الحد عند إمام الحرمين 


١‏ مفهومه: 
يرى إمام الحرمين أن الحد لغة يطلق بمعنى المنع وبمعنى القطع وبمعنى 


(؟9١)‏ مناهج البحث. ص /87. 
)١19(‏ الرد على المنطقيين. تحقيق د. عبار ود. نصار. ص 757. 


-١١1١- 





الغاية والنهاية. 
المنع. فيقال: حد الدار لآخر أجزائهاء وآخر ما ينتهى إليه من جملة الدار, 
لأنها بآخر أجزائها تمنع من دخوها فيها ليس منها وذلك أيضا مقطعها لأنها 
بمنتهى أجزائها تنقطع عما سواها)9"©. 

وقال أيضا: (... لأن الحد في اللغة ‏ ينبئىْ عن الغاية 
والنباية . . . )09 , 
الوجيز المحيط بالمعنى. لكنه رفض هذا التعريف لأنه إرجاع للحد إلى 
العبارة» والحد في نظره هو الحقيقة والمعنى. يقول إمام الحرمين: (ولا نرجع 
بالحد إلى العبارات على ما ذهبت إليه المعتزلة القدرية فإنهم مارجعوا في اسم 
ولا صفة ولا حقيقة إلا إلى العبارات واللغات ولهذا زيفنا قول من يقول: 
هو اللفظ الوجيز المحيط بالمعنى)22. 

وكا رفض إمام الحرمين تعريف المعتزلة للسبب الذي ذكرناه: نراه يرفض 
تعريفا للحد مشهورا وهو «أن الحد هو الجامع المانع» وسبب رفضه لهذا 
التعريف أنه تعريف بالمجاز المشترك, إذ الجامع هو الذي يفعل الجمع والمانع 
الحرمين: (فإن قيل: ولم زيفتم قول القائل: الحد هو الجامع المانع؟. 

قيل: لأنه تحديد بالمجاز المشترك ‏ فإن الجامع: هو الفاعل للجمع 
والاجتماع - والمانع : هو الفاعل للمنع ‏ وهو العجز وليس للصفات والعلل 
فعل فعل الجمع والعجز)29 . 

وليس معنئ ذلك أن إمام الحرمين يرفض التعريف بالمجاز مطلقا بل 
يرتضيه إذا كان المجاز مشهورا. 
(15) الكافية في الجدل, 
)١5(‏ الكافية في الخدل, 


(17) الكافية في الجدل. 


و 
١‏ 
”3 
)١7(‏ الكافية في الجدل. 1 


5؟؟؟ 


١١1 





فقد ذكر الزركشي في البحر المحيط أن التعريف بالمجاز موضع خلاف 
نقلا عن المقترح ‏ ورجح جوازه. ثم حكى أن إمام الحرمين يرى في الشامل 
جواز التعريف بالمجاز إذا كان مشهورا: يقول الزركشي: (اختلفوا في 
التحديد بالمجاز فأجازه قوم ومنعه آخرون, لأن الحد إنما يكون بالوصف 
اللازم والمجاز غير لازم» والصحيح جوازه لأن الغرض التبين. وقال المقترح 
(اختلفوا في ألفاظ الاستعارة والمجاز هل يستعمل في الحدود فقيل بالمنع مطلقا 
لما فيه من اللبس عند السامعء وقيل نعم لأنها تدخل على الجملة» وفصل 
آخرون بين المستعمل المشهور وبين ماليس كذلك فإن كان مشهورا استعمل 
وهو رأي إمام الحرمين في الشامل. . .)08. 

وإذا كان إمام الحرمين يرفض التعريفات السابقة للحد فى| هو مفهومه 
علده؟ . 

إن التعريف المرضي عند إمام الحرمين هو اختصاص المحدود بوصف 
يخلص له. يقول إمام الحرمين: (وأصح العبارات في بيان معنى الحد 
والحقيقة هو ههنا: اختصاص المحدود بوصف يخلص له). 

ولقد بين إمام الحرمين سبب تصحيحه لهذا التعريف بأن (الحد يرجع 
به إلى عين المحدود وصفته الذاتية في العقليات وفي كثير من الشرعيات)2092. 
؟ - الغرض منه ويساطته: 

ويتابع إمام الحرمين المتكلمين في أن الغرض المقصود من الحد هو تمييز 
المحدود عنما عداه بوصف مخصه. وهو ما ينقله عنه أبوالقاسم الأنصاري 
شارح الإرشاد حيث يقول: (قال إمام الحرمين: القصد من التحديد في 
اصطلاح المتكلمين التعرض لخاصة الشيء وحقيقته التي يقع بها الفصل بينه 

وبين غيره)”2. 
(18) البحر المحيط للزركثئي. ص 4". 

قلت هذا ما نقله الزركشي عن المقترح ولم أقف عليه في الجزء المحقق من الشامل. 


(19) الكافية في الجدل. ص ؟. 
)0١(‏ الرد على المتطقيين.» ص .١5١‏ 


١" 


ومن ثم يتابعهم كذلك فيا يترتب على هذا المبدأ من القول ببساطة الحد 
وعدم تركيبه تركيبا منطقياء يقول شيخ الإسلام ناقلا عن أبي القاسم 
الأنصاري : (قال أبوالمعالي: فإن قال قائل هل يجوز تركيب الحد من وصفين 
أم لا؟ قلنا اختلف المتكلمون فذهب كثير منهم إلى أن المركب ليس بحدء 
وشيخنا أبوالحسن يميل إلى ذلك ويقدح في التركيب» وليس المراد بمنع 
التركيب تكليف المسؤول أن يأتي في حد ما يسأل عنه بعبارة واحدة. . . . . 

ثم التركيب فيه تقسيم فمنه باطل بالاتفاق ومنه مختلف فيه فالمتفق عليه 
هو أن يذكر الحاد معنيين يقع الاستقلال بأحدهما وذكر الآخر لغو في مقصود 
الحد وشرطه)2"). 

ولا شك أن المقصود مبذا التركيب المتفق على بطلانه هو تركيب الحد 
الأرسطي من الجنس والفصل . 

فالحد الأرسطي المكون من جنس وفصل قريبين يقع الاستقلال في الحد 
با فيه من الفصل القريب. 

فذكر الحيوان مثلا في تعريفهم الإنسان. بأنه (حيوان ناطق) لغو لأنه 
يكتفي بناطق لأن الناطقية يتحقق بها تمييز الإنسان عما عداه. 

وإمام الحرمين يسند القول ببطلان هذا النوع من التركيب في الحد إلى 
أهل التحقيق. وأما إذا كان التركيب من معنيين متلازمين في الوجود 
كالضاحك والناطق مثلا ‏ فيجوز التحديد بها معا ولا يعتير هذا في التركيب 
المحظور في الحدود. 

يقول إمام الحرمين: ( إن أهل التحقيق قالوا: إنما يمتنع تركيب الحد 
من وصفين يتقرر في المعقول ثبوت أحدهما دون الثاني. فأما إذا انطوى الحد 
على التعرض لعنيين متلازمين لا يعقل ثبوت أحدهما دون الثاني فلا منع 
في التحديد على هذا الوجه)9". 

أما التركيب المختلف فيه عند إمام الحرمين (فك) يقول المعتزلة في حد 


(١؟)‏ الرد على المنطقيين. ص .١7‏ 
[ففقة الشامل, ص .5"1١‏ 


-٠١4- 


«المرئي»: ما يكون لونا أو متلوناء فهم يصححون هذا الحد ولا يرون هذا 
التركيب قادحا قالوا: لأن المقصود من الحد حصر المحدود مع التعرض 
للحقيقة. فإذا قامت الدلالة على أن المتحيز يرى وعلى أن الألوان مرئية ولا 
تجتمع الألوان والجواهر في حقيقة واحدة إذ الأوصاف الجامعة لها محدودة, 
منها الوجود والحدوث. وبطل تحديد المرئي بالموجود أو المحدث إذ يلزم منه 
رؤية الطعوم والروائح والعلوم ونحوهاء فإذا لم يمكن الجمع بين الجواهر 
والألوان في صفة جامعة لها في حكم الرؤية غير منتقضة فلا وجه إلا ذكر 
الجواهر بخاصيتها وذكر الألوان بحقيقتها)9". 

ما سبق هو رأي المعتزلة . 

وأما معظم المتكلمين فكى) يقول (ومعظم المتكلمين على الامتناع من مثل 
ذلك في الحدود. وقالوا المتميز وكون اللون هيئة حكان متنافيان» فينبغي 
أن لايثبت لما مع تباي| - حكم لا تباين فيه وهو كون المرئي مرثيا)9". 

يتضح مما تقدم أن إمام الحرمين يتابع الأصوليين - سواء في ذلك علماء 
أصول الدين أو علاء أصول الفقه في مفهوم الحد وأن الغرض منه مجرد 
تمييز المحدود وني القول ببساطته وبطلان تركيبه من الجنس والفصل خلافا 
لا يذهب إليه المنطقيون. لكن يبدو أنه لم يستمر على هذا الموقف طويلا 
حيث يبدو من كلامه في البرهان ميله إلى رأي المنطقيين في الحد والغرض 
منه وتركيبه» وإن كان يرى صعوبة الوفاء بصناعة الحد كما يقتضيه المنطق. 
يشهد بذلك تعليقه على تعريف القاضي للعلم بأنه: (معرفة المعلوم على 
ماهو به).» حيث يقول: (ولست أرى ماقاله القاضى سديدا فإن الغرضص 
من الحد الإشعار بالحقيقة التي بها قيام المسؤول عن حده وبه تميزه الذاتي 
عنما عداه. ..)©02), 

كما يشهد بذلك أيضا تعليقه على تعريف القاضي للقياس بأنه حمل معلوم 





(79) الرد على المنطقيين ص .١68‏ 
(54) الرد على المنطقيين ص .١86‏ 
(55) اليرهان. اج اءا ص ولك 


-١١6- 


على معلوم في إثبات حكم لما أو نفيه عنها بأمر يجمع بينهها من إثبات 
حكم. أو صفة أو نفيه|)9". 

فإمام الحرمين يعلق على هذا التعريف للقياس بقوله: (إنا إذا أنصفنا 
لم نر ماقاله القاضي حدا فإن الوفاء بشرائط الحدود شديد وكيف الطمع في 
حد ما يتركب من النفي والإثبات والحكم والجامع؟ 

فليست هذه الأشياء مجموعة تحت خاصية نوع ولا تحت حقيقة جنس 
وإنا المطلب الأقصى رسم يؤنس الناظر بمعنى المطلوب. وإلا فالتقاسيم 
التي ضمنها القاضي كلامه بجانب صناعة الحد. .. وحق المسؤول عن ذلك 
أن يبين بالواضحة أن الحد غير ممكن وأن الممكن ما ذكرناهم". 

وهذه الأقوال لإمام الحرمين تتضمن النص على أن الغرض من الحد هو 
الإشعار بالحقيقة التي بها قيام المسؤول عن حده كا تتضمن ذكر استععال 
الجنس والنوع في الحدود وصعوبة الوفاء بشرائط الحدود الأمر الذي يدعو 
إلى الاكتفاء بالرسم. ولعل هذه الأقوال وما يجري مجراها عند إمام الحرمين 
هي التي جعلت د. النشار يقول: (ولذلك 0 يقبل إمام الحرمين الحد 
الأصولي وهو من بين المتقدمين الوحيد الذي خالف هذا الاتجاه وأخرج 
حدوده على طريقة المنطق الأرسططاليسبى)9©. 

غير أني أخالف د. النشار فيا ذهب إليه فإن الكلمات القليلة التى نرى 
فيها معرفة إمام الحرمين بالحدود المنطقية أو ميله إليها لا تكفي لإعطاء مثل 
هذا الحكم. وفرق شاسع بين إمام الحرمين والإمام الغزالي في هذا المقام, 
فشتان بين كلمات إمام الحرمين وما قام به الغزالليي من شرح وتأييد للحد 
المنطقي واستعمال له في حدوده. بل وبقية أجزاء المنطق الأرسطي. ثم إن 
د. النشار لم يقدم دليلا على ما يدعيه من أن إمام الحرمين أخرج حدوده 
على طريقة المنطق الأرسطي. وفرق بين أن يقال إن إمام الحرمين لم يقبل 


١ك‏ البرهان, ج *. ص 718. 
(7177) البرهانء» اج 205 ص 448ل. 
(18) منامج البحث. ص #و. 


١ك‎ 


الحد الأصولي وبين ما فعله إمام الحرمين بالواقع من نقد بعض تعريفات 
الأصوليين . 


* د اطراده وانعكاسه : 


جاء في الكافية في الجدل (ومن حكم الحد أن يكون مشروطا بالعكس 
لا محالة شرعيا كان أو عقليا وهو أنه نقول في حد الشيء: إنه الموجود. 
فطرده أن تقول كل شيء موجود. وعكسه أن تقول وكل موجود شيء)9". 

ويلقل شارح الإرشاد عن أبي المعالي متابعته للمحققين 5 اشتراط الطرد 
والعكس في صحة الحدود بقوله: (قال المحققون «الاطراد والانعكاس من 
شرائط الحد وإذا كان الغرض من الحد «تمييز المحدود بصفته عما ليس منه 
فليس يتحقق ذلك إلا مع الاطراد والانعكاس)””©. 

ولا يعتير الاطراد والانعكاس دليلين على صحة الحد ىا هو مذهب بعض 
المتكلمين. إذ يقول مبينا السبب في ذلك (فإن قيل ولم لايكونان «الطرد 
والعكس» دلالة صحته «صحة الحد)). 

قيل: (لأن مجرد الطرد لا يصح بالاتفاق. ألا ترى أنه إذا ادعى صحته 
بأنه مطرد بقيت المطالبة عليه بأنك لا قلت بطرده صحء. فاذا أضاف إليه 
العكس زاد في الدعوى. لأنه ادعى طردا اخر في عكسه. فإذا احتاج 5 
دعوى واحدة إلى دلالة ففي دعويين احتاج إلى دلالتين - وتصحيح الدعاوي 
بتكثير الدعاوي محال)2©,. 

ويوافق الأبياري”” إمام الحرمين في ما ذهب إليه من أن الاطراد 
والانعكاس في الحدود شرط صحة لا دليل صحة. 

فيبيين أولا الفرق بين مفهوم شرط الصحة ودليل الصحة بقوله: (فإن كان 





(19) الكافية في الجدل. ص 7. 

(0") الرد على المنطقيين. ص .١797١‏ 

(9*) الكافية في الجدل. ص 7. 

9*) هو علي بن إساعيل بن على بن عطية الابياري شمس الدين الصنهاجي فقيه مالكي أصولي. 
وهو صاحب التحقيق والبيان في شرح البرهان ت8١51. ١ ١‏ 


1١ -/ا‎ 


شرطا لم يلزم من وجوده صحة الحد. ويلزم من الانتفاء الفساد وإن كان 
دليل صحة لزم من الوجود الصحة وم يلزم من الانتفاء الفساد). 

ثم دلل الأبياري على كون الاطراد والانعكاس شرطا في صحة الحد لا 
دليلا على صحته بقوله: (والصحيح أنه شرط لا دليل لأنا نجد حدودا مطردة 
منعكسة ولا يحصل منها مقصود البيان وهو المراد بالصحة كقولنا العلم ما 
علمه الله علا وإن كان يطرد وينعكس فليس بصحيح)9". 

5 تحديد إمام الحرمين للمصطلحات العقدية : 

سبق أن ذكرنا في الفصل الأخير من الباب السابق أن تحديد مفاهيم 
أجزاء القضايا العقدية هو أحد طريقين يسلكههما إمام الحرمين في دراسة 
العقيدة» وأنه يرى ضرورة تحديد مفاهيم أجزاء القضايا العلمية بصفة عامة 
قبل الحكم عليها بالصحة أو البطلان وقبل استعالها في مقدمات الأدلة. 
وكذلك قبل الجدل حولها حتى يكون الجدل بين المتخاصمين واردا على 
موضوع واحد متفق على تحديد مفهومه. ولهذا نرى إمام الحرمين في كتبه 
المختلفة - كالإرشاد والشامل والبرهان والكافية ‏ يعنى بإيراد السدود 
للمصطلحات التي ينتهجها في مختلف العلوم من الفقه والأصول والحديث 
والعقيدة . . . الخ . 

والذي يعنينا في هذا المقام هو تعريفاته العقدية حيث نعرض جملة من 
هذه التعريفات ثم نبين منبجه فيها ومدى وفائه بهذا الهج في إيرادهاء وذلك 
قبل أن نعرض بالتحليل والنقد لموقفه في هذه القضية في ضوء المنبج السلفي 


فِ الفصل الثاني . 
فمن التعريفات العقدية في كتاب الإرشاد ما يأتي: 
النظر: 


(هو الفكر الذي يطلب به من قام به علما أو غلبة ظن)9©. 


(*”") البحر المحيط للزركشي. ص #"". 
(4") الإرشاد. ص ". 


-١١48- 


- العلم: 
(معرفة المعلوم على ما هو به). 

وهو يرى أن هذا التعريف أولى في تحديد العلم من ألفاظ مأثورة عن 
بعض أصحابه في حد العلم. 

منها قول بعضهم (العلم تبين المعلوم على ما هو به). 

ومنها قول الأشعري رحمه الله: (العلم ما أوجب كون محله عالما). 

ولقد انتقد هذه التعريفات قائلا: (فأما قول من قال: هو تبين المعلوم 
على ماهو به فمرغوب عنهء إذ التبيين ينبئْ عن الإحاطة بالمعلوم عن جهل 
أو غفلة, إذ يقول من علم مالم يكن عالما به: قد تبينه؛ وغرضنا من الحد 
ذكر ما يشتمل على العلم القديم والحادث. 

ولا نرتضي أيضا حد العلم بأنه الذي أوجب للمحله كونه علماء فإن 
الغرض من الحدود تبيين المقصود وهذا فيه إحمال» إذ قد يجري عروضه ومثله 
في كل معنى يسأل المرء عن حده)”*". 
- العالم: 


(هو كل موجود سوى الله وصفة ذاته)9"” , 


الجوهر: 
(هو المتحيز وكل ذي حجم متحيز) 9" , 
العرض: 


(هو المعنى القائم بالجوهر كالألوان والطعوم والروائح . لا 
+ الصفات المعنوية: 

(هي الأحكام الثابتة للموصوف بها معللة بعلل قائمة بالموصوف)*". 
(5") الإرشاد. ص ؟١.‏ لقد رفض هذا التعريف الذي ارتضاه هنا في البرهان راجع ص ٠١١‏ من البحث. 
(5”) الإرشاد. ص 37. ١‏ 1 


زفضة الإرشاد, ص 16 
(8*”) الإرشاد. ص ."١‏ 


١١94 


- الواحد: 


ولو قيل الواحد هو المبىء لوقع الاكتفاء بذلك2"50 , 


الحال: 


(صفة لموجودء غير متصفة بالوجود ولا بالعدم)9). 


الثانى)427) . 
- الكلام: 

هو القول القائم بالنفس الذي تدل عليه العبارات وما يصطلح عليه من 
الإشارات457), 

ولقد عرض تعريف المعتزلة للكلام بأنه حروف منتظمة وأصوات متقطعة 
دالة على أغراض صحيحة, ثم انتقده (إذ الحد ما يحوي احاد محدود والحرف 
الواحد قد يكون كلاما مفيدا فإنك إذا أمرت «وقى» و(وشى) قلت (ق) 
(ش) وهذا كلام وليس بحروف وأصوات. . 

ثم لا معنى للتقييد بالإفادة. فإن من لفظ بكللات لا تفيد يقال تكلم 
ولم يفد فلا معنى للتقييد بالإفادة ثم نقول: الحروف أنفس الأصوات فلا 
معنى لتكررها والحدود يتوقى فيها التكرير الذي لايفيد5؟) ., 
الغيران: 

الموجودان اللذان يجوز مفارقة أحدهما الثاني بزمان أو مكان أو وجود أو عدم . 

(9*) الإرشاد. ص ؟5. 
2١‏ الإرشاد, ص ٠‏ لقند رجع عن القول بالجال. انظر ص م من البحث. 
)21 الإرشاد, ص 3 


(9) الإرشاد.» ص .٠١*"‏ 
(*5) الإرشاد» ص .٠١"‏ 


-1١١١- 


ويرى إمام الحرمين أنه أمثل من قول من قال: (الغيران كل شيئين يجوز 
وجود أحدهها مع عدم الثاني)49) , 


- الحمسن: 
(ما ورد الشرع بالثناء على فاعله) . 


القبيح: 


(ما ورد الشرع بذم فاعله)*؟)., 


- النسسخ: 
(هو الخطاب الدال على ارتفاع الحكم الثابت بخطاب آخر على وجه لولاه 
ومن التعريفات العقدية لإمام الحرمين في كتابه الشامل ما يأتي: 


- الشنىء: 

عرف الشيء بأنه الموجود لأن (كل شيء موجود وكل موجود شيء وما لا 
يوصف بكونه شيئا لا يوصف بالوجود ومالايوصف بالوجود لا يوصف يكونه 
شيئا فاطرد الخال في طرده وعكسه. . . ). 

وذهبت المعتزلة كما يقول - إلى أن حقيقة البىء المعلومت. وقالوا على 
مقتضاه : كل معدوم شىء. ولقد انتقد إمام الحرمين تعريف المعتزلة البصريين 
وأن الضدين لا يجتمعان. فبناء على تعريفهم يكون المعلوم شيئا. (فيفضي 
إلى إثبات شريك الله تعالى معدوم وهو شيءء ويلزم منه أن تكون استحالة 
اجتماع الضدين شيئا) 09 , 
)25 الإرشاد. ص /0ا١ا.‏ 
(46) الإرشاد. ص 7808. 


(45) الإرشاد. ص #4”". 
497) الشامل. ص .١١7‏ 


-اا١1١-‎ 





وذهب النصيبي من معتزلة البصرة ‏ كما يذكر عنه إمام الحرمين - (إلى 
أن المعدوم لا تثبت له صفة نفس ولا يوصف بكونه جوهرا ولا ينعت بكونه 
عرضا ولا يثبت له شىء من أوصاف الأجناس غير أنه يسمى: (شىء) 
إطلاقا ولغة. وإن لم يكن في الحقيقة عينا وذاتاء وهذا أشكل أقاويلهم 
وأمثلها. . . )48 

كما رفض ما ذهب إليه النصيبي لأن (العرب لا تثبت شيئا ليس بقديم 
ولا حادث. ولو طولبوا بإثباته أبوهء ولو قيل لهم : كل شىء حادث أو قديم 
لم ينكروه. والخصم يثبت شيئا ليس بقديم ولا حادث إذ المعدوم لا يتصف 
بالحدوث ولا بالقدم)9». 


الجوهمر: 

(الجوهر ما يقبل العرض). 

وذكر تعريف بعض الأئمة بأن الجوهر ما يشغل الحيز أو المتحيز. 
وبعضهم عرفه بأنه كل جزء. ويرى إمام الحرمين أن هذا الحد الأخير من 
أحسن الحدود. 

وذكر إمام الحرمين للمعتزلة تعريفا وهو ما تحيز في الوجود. وقد انتقده 
لأهم (أثبتوا الشىء جوهرا في العدم ونفوا تحيزه. ثم لما حدوا الجوهر. قالوا 
هو المتحيز في الوجود فشرطوا في الحد الوجود والحد يفارق المحدود). فإذا 
كان مشروطا وجب كون المحدود مشروطا حتى يتوقف كون الجوهر جوهرا 
على الوجود كا يتوقف المتحيز عليه(”». 
- العرض: 

ولقد عرف العرض بأنه مالا يبقى وجوده. ثم دلل على صحته بأنه مطرد 
منعكس فخرج الجوهر لأنه يبقى وجوده. وخرج الرب لأنه ما يجب له البقاء. 


(1) الشامل. ص 4؟١.‏ 
(9:) الشامل. ص ه"١.‏ 
(50ه) الشامل. ص .١1# - ١19‏ 


-١١7؟-‎ 


والمعتزلة لا ترضى بهذا الحد ‏ ك) يذكر ‏ لأن من أصلهم بقاء معظم 
الأعراض . 

وعبر بعض الأئمة عن حد العرض فقال: هو الذي يقوم بغيره. 

وأوضح الحدود للعرض عند إمام الحرمين (ما يقوم بالجوهر) . 

وعرض مفهوم العرض عند المعتزلة بأنه ما يقوم بالجوهر في الوجود. ثم 
نقض تعريفهم لأنمم (أثبتوا أعراضا في الوجود لا تقوم بمحال: منها إرادة 
الله وكراهته. وقوله كن للحوادث على مذهب أبي الحذيل ومنها الفناء الذي 
هو ضد للجواهر)7. 
المتحيز: 

يذكر في تعريف المتحيز تعريفات للمتكلمين منها: 
المتحيز: هو الموجود الذي لايوجد بحيث وجوده مثله. ثم نقدها فهو 
منقوض بالعرض» فإن العرض إذا قام بمحله لم يوجد بحيث وجوده عرض 
مثله. فكل مثلين من الأعراض متضادان. 

والأصح في ذلك - كما يرى - عبارات ارتضاها القاضي رضي الله عنه 
منها أنه قال: المتحيز هو الحرمء وقال أيضا: هو الذي لا يوجد بحيث 
وجوده جوهر. 

وقال أيضا: هو الموجود الذي لا يوجد بحيث وجوده مثله من غير تضاد. 

والعبارات وان اختلفت فالمطلوب واحد. وأحسن ما يقال في الحيز: إنه 
المتحيز بنفسه*©. 


- القديم: 
لم يرتض إمام الحرمين تعريف أئمة الأشاعرة للقديم بأنه الموجود الذي 
لا أول لوجوده. ولم يرتض تعريف العتزلة أن القديم هو الإله. والذي 


(١ه)‏ الشامل. ص .١59‏ 
(09) الشامل. ص .١66‏ بتصرف. 


-1١١*- 


اختاره هو تعريف أبي الحسن الأشعري إذ عرف القديم (بأنه المتقدم في 
الوجود على شريطة المبالغة وليس يتخصص بالذي لا أول لوجوده بل يطلق 
عليه؛ ويطلق أيضا على المتقدم المتقادم من الحوادث) فهو الأصح في نظره. 

ثم دلل على ذلك من حيث اللغة إذ تقول دار قديمة وعز قديم قال 
تعالى طختئ عَادَ كَالْعْرْجُونِ الْقديم 04©. 
التشبيه: 

يرى إمام الحرمين أن التشبيه من الألفاظ المشتركة. فقد يطلق والمراد به 
اعتقاد المشاببة» فيقال لمعتقده: مشْبّه ى) يقال لمعتقد الوحدانية موحد. وقد 
يطلق التشبيه والمراد به الإخبار عن تشابه المتشامبين. وقد يطلق والمراد به 
إثبات فعل على مثال فعل. فيقال للذي رام فعلا يشبه فعلاء قصد تشبيه 

ويرى أن المشبه من يعتقد تشابه الرب والمحدث من كل وجهء وهذا 
هو ما ذهب إليه أبوالحسن الأشعري في بعض كتبه كما يقول إمام الحرمين. 
ذلك أن حقيقة المثلين: المتشامهان في حملة الصفات. ولهذا فمن ينكر التشبيه 
وإن كان من غلاة المجسمة فلا يعتبر مشبها في نظره9©. 
المثلان: 

كل شيئين سل أحدهما مسد الآخر فيهما يجب ويجوز من الصفات فكل شيئين 
استويا في جنيع صفات النفس فههما مثلان. 

ولقد ذكر تعريف الجحبائي للمثيلين بأنها هما المستويان في صفة النفس»ء 
كا ذكر تعريف بعض المعتزلة الذين ذهبوا إلى أن المثلين: هما المجتمعان 
في أخص الصفات. 

أما الفلاسفة والباطنية فقد عرفوا المثلين كما يذكر إمام الحرمين. بأنه) 
المستويان في صفة من صفات الإثبات©”. 
(07) الشامل. ص 70١‏ 555 والآية من سورة يس: 79. 


5ه الشامل. ص 0 
(هه) انظر الشامل. ص 97؟. 


-١١5- 


المختلفان: 

كل شيئين تخصص أحدهما عن الثاني بصفة نفس. فخرج عن قضية ذلك 
أن لا تشترط في تحقيق اختلاف الذاتين عموم الاختلاف في جملة صفات 
النفس67, 
الغيران: 

كل موجودين تجوز مفارقة أحدهما الآخر في العدم أو الوجود أو المكان 
أو الزمان. ولقد عرض تعريف المعتزلة الذين قالوا (الغيران هما الشيئان) 
ثم انتقد هذا التعريف قائلا: (لو كان حقيقة الغيرين ماقلته لوجب على 
طرده أن يقال: اذا كان الغيران شيئين والشيئان غيرين وجب أن يكون 
الثيء الواحد غيرا من حيث كان شيئا حتى إذا قدر شيء فرد لزم إطلاق 
القول بأنه غير لما سمي شيئاء وهذا باطل لاخفاء. إذ يستحيل أن يغاير 
الثىء الواحد نفسه. . . )© وإلزام إمام الحرمين المعتزلة غير وارد. فالازدواج 
معتبر في تعريفهم. 
التوحيد: 

التوحيد هو اعتقاد الوحدانية» وهذا أحد معانٍ متعددة تطلق عليها كلمة 
التوحيد. فكلمة التوحيد كلمة مشتركة (فقد يراد بها فصل شيء من شيء 
وإفراده عنه بعد انضامه إليه. فيقال للمفرق بين جوهرين: قد وحد كل 
واحد منهماء وقد يراد بالتوحيد الإتيان بالفعل الواحد على التفريد)8». 

وبعد أن عرض معاني التوحيد المختلفة أقام الدلالة على الوحدانية بدليل 
التمانع المشهور عند النظار. 

تما يدل على أن مفهوم التوحيد والوحدانية عند إمام الحرمين هو توحيد 
الربوبية» أي إنه لا خالق ولا مبدع لهذا الكون سوى الله سبحانه. 





(ه) الشامل» ص 98". 
(7ه) الشاملء ص م#م". 
(8ه) الشامل. ص ١ه".‏ 


-1١1١6- 





- الجسم: 

ذكر إمام الحرمين تعريفات الجسم عند الفلاسفة بأنه الطويل العريض 
العميق. وإلى ذلك صار معظم المعتزلة كما يذكر. 

ومفهوم الجسم عند الكرامية ى) يقول هو الموجود. وعرفه الآخرون بأنه: 
القائم بالنفس. 

أما ما يرتضيه إمام الحرمين فهو أن الجسم هو المؤلف والمتألف. ودليله: 
قول أهل اللسان في المفاضلة بين شخصين في الضخامة وكثرة الأجزاء يقولون 
هذا أجسم من هذا. 

يقول (فقد علمنا قطعا أنهم قصدوا بإطلاق هذه اللفظة التعرض 
للتفاضل بين الذاتين. ثم نظرنا في جملة صفات الذات وتتبعناها سبرا وتقسي| 
فعلمنا أنهم لم يريدوا بالأجسم التفاضل في معنى عدا كثرة الأجزاء والتأليف 
فيها. 

فإنا لو قلنا: أرادوا بأجسمها أعلمها أو أكثرها حركة وسكونا إلى غير ذلك 
من المعاني فتعلم بطلان جميعها إلا ما ارتضيناه. وإذا ثبت أن الأجسم يبنىْ 
عن التفاضل في الأجزاء والتأليف وهو صفة مقتضبة من الجسم. فإذا دلت 
في بناء التفضل على المفاضلة في معنى. وجب دلالة أصل اللفظ على ذلك 
المعنى )090 , 
تعقيب على تحديد إمام الحرمين للمصطلحات العقدية: 

هذه جملة من حدود إمام الحرمين للمصطلحات العقدية كما وردت في 
كتابي الإرشاد» والشامل» ونحب أن نعقب على عمل إمام الحرمين في هذا 
الجانب با يأتي : 


أولا - يدل ما نقلناه عن إمام الحرمين من حدود على مدى عنايته بتحديد 
المصطلحات العقدية التى يستعملها في قضاياه ودلائله ومجادلاته 


(وه) الشامل. ص .1١١‏ 


-1١1١5- 


ثانيا : 


ثالثا : 


رابعا : 


خامسا : 


سادسا : 


لخصممه في تقرير مذهبه العقدي ولا سيا تلك المصطلحات التي 
تختلف المذاهب في مفهومها ومن ثم تختلف فيا يترتب على ذلك من العقائد. 
لم يقتصر إمام الحرمين في تحديد المفاهيم على المصطلحات الدخيلة 
على علم العقائد كالجوهر والعرض والحال. بل جمع إلى ذلك تحديد 
الألفاظ الشرعية بل والألفاظ اللغوية التى يستعملها علاء العقيدة في 
مباحثهم العقدية . ْ 
يدل على عناية إمام الحرمين بتحديد المفاهيم العقدية أنه م يقتصر في 
ذلك على مجرد بيان ما يرتضيه من تلك الحدود بل تناول بالتحليل والنقد 
الحدود التى قدمها غيره من علاء ليس فقط حد علاء المذاهب المخالفة 
لذهبه كالمعتزلة مثلا بل قد يتناول بالنقد حدود بعض علاء الأشاعرة . 
يدل استعراضنا لا نقلنا عن إمام الحرمين من حدود أنه كان فيها 
متابعا للمتكلمين غير ملتزم بإيرادها على الطريقة المنطقية المركبة من 
جنس وفصل . 

ونما سبق نرى أن إمام الحرمين كان يراجع بعض تعريفاته 
بالتعديل كتعديله في البرهان لمفهوم العقل والعلم بل ورجوعه عن 
بعضها كى) ترك القول بالحال. 

يظهر من نقد إمام الحرمين لحدود خصممه في المذهب أنه كان 
يرجع في هذا النقد إلى اللغة والشرع كا يظهر ذلك في نقده 
لتعريف النصيبي» وهذا سلاح سوف يرتد إلى إمام الحرمين في 
بعض تعريفاته . 

ليس إيرادنا لا ذكرنا عن إمام الحرمين من حدود معناه إقرارنا 
بصحتهاء وليس في إيراد نقده لحدود الآخرين دلالة على تسليمنا 
بجميع أوجه هذا النقد. وإنا ذكرنا ما ذكرناه عنه بيانا لمنبجه في 
تحديد المفاهيم العقدية. أما تقويم عمله في هذا الجانب وبيان 
ما يتوجه إليه من أوجه النقد فموضعه الفصل التالي إن شاء الله. 


-1١1١1/- 





الفصل الثاني 

نقد منهج إمام الحرمين في نحديد المفاهيم العقدية في ضوء المنهج السلفي 
أ- مواضع الاتفاق بين إمام الحرمين والمنهج السلفي في الحد: 

توجد مواضع اتفاق ومواضع اختلاف بين منهج إمام الحرمين وغيره من 
المتكلمين ‏ في الحدود والتعريفات العقدية ‏ وبين المنهبج السلفي - كى) يصوره 
شيخ الإسلام اين تيمية - في هذه القضية.. فشيخ الإسلام يوافق على ما 
ذكرناه عن إمام الحرمين من أهمية تحديد مفاهيم المصطلحات العقدية وذلك 
قبل التصديق بها أو الاستدلال عليها أو الجدل حوطاء بل إن شيخ الإسلام 
يرى أن التحديد ضروروي ويحتاج إليه في جميع العلوم المصنفة بصفة عامة 
وفي العلوم ‏ الشرعية بصفة خاصة. 

بل إنه يرى أن معرفة المصطلحات وحدودها قد تكون فرض عين وقد 
تكون فرض كفاية» يقول شيخ الإسلام (وهذا الحد «التفسير». هم متفقون 
على أنه من الحدود اللفظية مع أن هذا هو الذي يحتاج إليه في إقراء العلوم 
المصنفة بل في قراءة جميع الكتب. بل في جميع أنواع المخاطبات. فإن من 
قرأ كتب النحو والطب أو غيرهماء لابد أن يعرف مراد أصحابها بتلك 
الأسماء. ويعرف مرادهم بالكلام المؤلف. وكذلك من قرأ كتب الفقه والكلام 
والفلسفة وغير ذلك. وهذه الحدود معرفتها من الدين. في كل لفظ هو في 
كتاب الله تعالى وسنة رسوله كله ثم قد تكون معرفتها فرض عين» وقد 
تكون فرضس كفاية . ولهذا ذم الله تعالى من ١‏ يعرف هذه الحدود بقوله 
تعالى : «الأعْرَاتُ أشَدُ كر وَنَمَاقا وَأَجَُدَرُ أل يَعْلَمُوا خَُدُودَ مَآأَنرَلَ آنه عَلَ 
رَسُولِه0©. 


ث6 سورة التوبة. الآية /اة. 


-1١1١9- 








والذي أنزله على رسوله فيه ماقد يكون الاسم غريبا بالنسبة إلى المستمعء 
كلفظ «ضيزى» و«قسورة» و«عسعس» وأمثال ذلك. وقد يكون مشهوراء 
لكن لا يعلم حده بل يعلم معناه على سبيل الإجمال كاسم الصلاة والزكاة 
والحج. فإن هذه وإن كان جمهور المخاطبين يعلمون معناها على سبيل 
الإجمالء فلا يعلمون مسماها على سبيل التحديد الجامع المانع إلا من جهة 
الرسول كله وهي التي يقال لما الأساء الشرعية. 

وكذلك اسم «الخمر» أو «الربا» أو «الميسر» ونحو ذلك. تعلم أشياء من 
مسمياتها ومنها مالا يعلم إلا ببيان آخرء فإنه قد يكون الشيء داخلا في 
اسم «الربا» و«الميسر» والإنسان لا يعلم ذلك إلا بدليل يدل على ذلك 
شرعي أو غيره. 

وكذلك قوله لما قال «لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر» 
فقال رجل: يارسول الله الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناء ونعله حسنا 
أفمن الكبر ذلك؟. فقال: «لاء الكير بطر الحق وغمط الناس)0©. 

وكذلك لا قيل له: (ما الإسلام؟) و(مالإييان؟) و(ما الإحسان؟). 
وبالجملة فالحاجة إلى معرفة هذه الحدود ماسة لكل أمة وفي كل لغة. فإن 
معرفتها من ضرورة التخاطب الذي هو النطق الذي لابد منه لبني آدم)9©. 

وما يدل على أهمية تحديد معاني الألفاظ والمصطلحات في دراسة العقيدة 
أن المتكلمين والفلاسفة يستعملون ألفاظا ومصطلحات عربية وغير عربية 
بمعأن لم تستعمل بها في اللغة أو الشرعء ومن ثم يكون الانحراف عن 
العقيدة الصحيحة الأمر الذي يدعو إلى ضرورة بيان معاني تلك الألفاظ 
والمصطلحات بيانا لغويا وشرعيا صحيحا لا يترتب عليها من قضايا عقدية. 

ومن مواضع الاتفاق بين شيخ الإسلام والمتكلمين في قضية تعريفات 
اخدود موافقته على ما يذهبون إليه من أن الغرض من التعريف هو تمييز 
المعرف عما عداه وليس هو تصوير حقيقته وماهيته على نحو ما يذهب إليه 
المناطقة . 


.86 رواه مسلم في صحيحه بنحوه. صحيح بشرح النووي جح >* ا ص‎ )5١١ 
: الرد على المنطقيين ص 149 ١ه. سام‎ )59 





-١ 17٠6 


وعلى أساس رفض شيخ الإسلام لقول المناطقة: إِنْ وظيفة الحد هو 
تصوير الحقيقة. وموافقته لا يذهب إليه إمام ا حرمين وغيره من المتكلمين 
من أن وظيفة الحد هي مجرد التمييز -على أساس ما يذهب إليه شيخ 
تركيب الحد من الجنس والفصل القريبين وموافقته لما يذهب إليه إمام الحرمين 
وغيره من المتكلمين من القول ببساطة الحد وأنه يمكن أن يكون بأي وصف 
يمير المحدود عا عداه. 

ويستلد موقف شيخ الإسلام قُُ هذه القضية إلى أمور: 


١ 


إن صناعة الحد على الطريقة المنطقية صناعة وضعية ليست من الأمور 
الحقيقية (وهي مخالفة لصريح العقل ولا عليه الوجود في مواضع فتكون 
باطلة)9") , 

ويوضح شيخ الإسلام كيف أن الحد المنطقي صناعة وضعية. ذلك 
أنه إذا كان المراد بالحد التام ذكر جميع الصفات الذاتية فلا يتأتى هذا 
بالجنس القريب مع الفصل. وإن أريد ما يدل على جميع الصفات 
الذاتية ولو بالتضمن والالتزام فإن الفصل فيه كفاية بل الخاصة أيضا 
وليس لهم جواب على هذا9". 

يقول شيخ الإسلام (وإذا عارضهم من يوجب ذكر جميع الأجناس 
أو بحذف جيمع الأجناس لم يكن لهم عنه جواب إلا أن هذا وضعهم 

ومعلوم أن العلوم الحقيقية لا تختلف باختلاف الأوضاع. فقد تبين 
أن ما ذكروه من باب الوضع الذي جعلوه من باب الحقائق الذاتية 
والمعارف وهذا عين الضلال والإضلال)00©. 
إن الحد المنطقي مادة وصورة فيه تفريق بين المتائلين فيكون ممتنعا أو 
عسيرا. 


(*5) الرد على المنطقيين ص 75. 
(54) انظر الرد على المنطقيين ص 9/4. 
(56) الرد على المنطقيين ص هل/9. 


-١5١- 











يقول شيخ الإسلام عن المناطقة: (إذ يفرقون بين صخة وصفة بجعل 
إحداهما «ذاتية) دون أخرى مع تساويه) أو تقاره)| ويفرقون بين ترتيب 
وترتيب بجعل أحدها «معرفا» للحقيقة دون الآخر مع تساوبهها أو 
تقار|. وطلب الفرق بين المتائلات طلب مالا حقيقة له فهو متنع 
وان كان بين المتقاربين كان عسرا فالمطلوب إما متعذر وإما متعسر. 

فإن كان متعذرا بطل بالكلية» وإن كان متعسرا فهو بعد حصوله 
ليس فيه فائدة زائدة على ماكان يعرف قبل حصوله. فصاروا بين أن 
يمتنع عليهم ماشرطوه أو ينالوه ولا يحصل به ما قصدوه. وعللى 
التقديرين ليس ما وضعوه من الحد طريقا لتصور الحقائق في نفس من 
لا يتصورها بدون الحد. وإن كان الحد قد يفيد من تنبيه المخاطب 
وقييز المحدود ما قد تفيده الأسياء. .)3©. 

ولهذا فهم (يسلكون الطرق الصعبة الطويلة والعبارات المتكلفة المائلة 
وليس لذلك فائدة إلا تضييع الزمان وإتعاب الأذهان وكثرة الحذيان 
ودعوى التحقيق بالكذب والبهتان» وشغل النفوس ب| لاينفعها ‏ بل قد 
يضلها ‏ عنما لابد لها منه وإثبات الجهل الذي هو أصل النفاق 5 
القلوب)9"" . 

*“- إن منبجهم في الحد مبني على أصلين فاسدين: 

الفرق بين الماهية ووجودها ثم الفرق بين الذاتي واللازم للها. 
فالأصل الأول: قوم (إن الماهية لما حقيقة ثابتة في الخارج غير وجودها 
وهذا هو قولهم بأن حقائق الأنواع المطلقة ‏ التي هي ماهيات الأنواع 
والأجناس وسائر الكليات ‏ موجودة في الأعيان. 

وهو يشبه - من بعض الوجوه - قول من يقول المعدوم شيء. وقد 
بسطت الكلام على ذلك في غير هذا الموضع وهذا من أفسد ما يكون. 

وإنا أصل ضلاهم أنهم رأوا الشىء قبل وجوده يعلم ويراد ويميز 


الرد على المنطقيين ص 74. 
(57) الرد على المنطقيين 89 9". 


-1١752- 





بين المقدور عليه والمعجوز عنه نحو ذلك. فقالوا: ولو لم يكن ثابتا لما 
كان كذلك. كا أنا نتكلم في حقائق الأشياء التي ماهيتها مع قطع 
النظر عن وجودها في الخارج فتخيل الغلط أن هذه الحقائق والماهيات 
أمور ثابتة في الخارج والتحقيق أن ذلك كله أمر موجود وثابت في الذهن 
لا 5 الخارج عن الذهن. 

والمقدر في الأذهان قد يكون أوسع من الموجود في الأعيان. وهو 
موجود وثابت في الذهن. وليس هو في نفس الأمر. لا موجودا ولا ثابتا. 

فالتفريق بين الوجود والثبوت مع دعوى أن كليه) في الخارج غلط 
عظيم وكذلك التفريق بين الوجود ولماهية مع دعوى أن كليها في 
الخارجح)220 . 

الأصل الثاني: تفريقهم بين العرض اللازم للاهية والذاتي وهو تفريق 
لاحقيقة له (فإن الزوجية والفردية للعدد الزوج والفرد مثل الناطقية 
والصاهلية للحيوان الإنسان والفرس كلاهما إذا خطر بالبال منه الموصوف 
والصفة لم يمكن تقدير الموصوف دون الصفة). وإذا قيل: إنه يمكن 
أن يخطر بالبال الأربعة والثلاثة فيفهم بدون ان يخطر بالبال كون ذلك 
عددا شفعا أو وتراء قيل: يمكن أن يخطر بالبال الإنسان مع أنه لم 
يخطر بالبال أنه ناطق ولا أنه حيوان. وإذا قيل إن هذا لا يكون تصورا 
تاما ل (الإنسان) قيل إن هذا لا يكون تصورا تاما ل (الأربعة أو 
الثلاثة) . 
وكذلك العرض الذي هو سواد إذا خطر بالبال أنه سواد. ولم يخطر أنه 


لون أو لم يخطر بالبال أنه عرض أو صفة لغيره أو قائم بغيره ونحو ذلك 
فإنه لايمكن أن يقدر في الذهن (سواد) أو بياض ويقدر أنه ليس ب (قائم 
بغيره) بل إذا خطر بالبال معا فلابد أن يعلم أنه قائم بغيره ىا إذا خطر 
بالبال الجسم الحساس النامي المتحرك بالإرادة مع الإنسان فلا بد أن يعلم 


أنه موصوف بذلك. بل لزوم ذلك ل (اللون) في الذهن آكد. فجعلٌ هذه 


(58) الرد على المنطقيين ص 54 - 568. 


- 1١1533 - 





الصفات ذاتية لحا وهذه ذاتية ل (الإنسان) تحكم محض9"©. 

وإذا كان شيخ الإسلام يوافق إمام الحرمين والمتكلمين القول ببساطة الحد 
وعدم ضرورة التركيب فيه فغنيى عن البيان أنه يوافقهم في القول بضرورة 
أن يكون الحد مطردا منعكسا ‏ وهو ما يقول به المناطقة أيضا فإن الوصف 
الذي يرى شيخ الإسلام كفايته في الحد ‏ سواء كان ذاتيا أو غير ذاتي لابد 
وأن يكون جامعا لجميع أفراد المعرف مانعا من دخول غيره فيه. 

يقول شيخ الإسلام: (أما الطرد فهو أنه حيث وجد الحد وجد المحدود, 
فيكون الحد مانعاء فإذا بين وجود الحد ولا محدود لم يكن مطردا ولا مانعا 
بل دخل فيه غيره. كما لو قال في حد (الإنسان) إنه الحيوان. وأما العكس 
وهو أن يكون حيث انتفى الحد انتفى المحدود لكون الحد جامعاء فإذا لم 
يكن جامعا انتفى الحد مع بقاء بعض المحدود كى) لو قال في حد الإنسان: 
إنه العربي فلا يكون الخبر منعكسا. 

والمقصود أنه لا بد من اتفاق الحد والمحدود في العموم والخصوص . فلابد 
أن يكون مطابقا للمحدود. لا يدخل فيه ماليس من المحدود ولا يخرج منه 
ماهو من المحدود. فمتى كان أحدههما أعم كان باطلا بالاتفاق وسمى ذلك 
نقضا)”" . ش 

وهكذا يتبين لنا مما قدمناه في الصفحات السابقة أن ما يذهب إليه إمام 
الحرمين في مفهومه للحد والغرض منه وبساطته ونفي التركيب عنه وشرائط 
صحته. يتبين لنا أن ماذهب إليه إمام الحرمين من ذلك كان موضع موافقة 
شيخ الإسلام فلا يكاد يختلف الموقف من هله القضايا بين منج إمام 
الحرمين والمنبج السلفي . 
ب - مواضع الاختلاف بين منهج إمام الحرمين والممبج السلفي في الحد: 

أما موضع الاختلاف بين المنهبجين» ففي بعض المصطلحات العقدية التي 


(54) الرد على المنطقيين ص .7١‏ 
7) الرد على المنطقيين ص .١١‏ 


-١7؟5-‎ 


يستخدمها إمام الحرمين ‏ كغيره من المتكلمين ‏ لدراسة العقيدة وفي الحدود 
التي يحدها بها والنتائج العقدية التي تبنى عليها. 

فقد رأينا في الفصل السابق أن إمام الحرمين يعنى بتحديد مفاهيم بعض 
المصطلحات الغريبة التي يستخدمها في مسائل العقيدة ودلائلها با لم يعهد 
استعاله في الكتاب والسنة وأقوال الصحابه والتابعين في بيان تلك المسائل 
والدلائل ومن ذلك ألفاظ الجوهر والعرض والجسم. . . الخ . 

والواقع أن شيخ الإسلام لا يعارض استعال هذه الألفاظ في مباحث 
العقيدة لذات الألفاظ نفسهاء ولكن لكونها تتضمن معاني مجملة بعضها 
صحيح وبعضها باطل بالنسبة لله تعالى» فإذا أطلقت على الله تعالى أو 
نفيت عنه دون بيان لمعانيها تضمن ذلك إما إثبات معان صحيحة ومعان 
باطلة في حق الله تعالى أو نفيها عنه. 

ولأن المتكلمين قد يحدون تلك الألفاظ بمعان مخالفة للمعاني التى يثبتها 
الكتاب والسنة لله تعالى أو ينفيها عنه.. فلا يصح استعمال تلك الألفاظ 
بتلك المعاني المخالفة» بل يجب عرض معانيها على الكتاب والسنة لقبوها 
أو رفضها. 

ومن جهة أخرى فإن مسائل العقيدة ودلائلها في الكتاب والسئة لم تعلق 
على تلك الألفاظ أو تلك المصطلحات الغريبة. . فاستع الها إنما يكون في 
حدود الضرورة وبالضوابط السابقة. وتبعا لمطابقة معانيها لمعاني الكتاب 
والسنة.» يقول شيخ الإسلام : (فالسلف والآئمة. ل يذموا الكلام لمجرد مافيه 
من الاصطلاحات المولدة كلفظ (الجوهر والعرض» والجسم) وغير ذلك بل 
لآن المعاني التي يعبرون عنها ببذه الألفاظ فيها من الباطل المذموم في الآدلة 
والأحكام ما يجب النبي عنه لاشتال هذه الألفاظ على معان مجملة في النفي 
والإثبات, كما قال الإمام أحمد في وصفه لأهل البدع. فقال «هم مختلفون 
في الكتاب. مخالفون للكتاب. متفقون على مفارقة الكتاب يتكلمون بالمتشابه 
من الكلام ويخدعون جهال الناس با يلبسون عليهم. 
فإذا عرفت المعاني التي يقصدونها بأمثال هذه العبارات ووزنت بالكتاب 


-١ 7١6 








بحيث يثبت الحق الذي أثبته الكتاب والسنة وينفى الباطل الذي نفاه 
الكتاب والسنة كان ذلك هو الحق بخلاف ما سلكه أهل الأهواء من 
التكلم ببذه الألفاظ نفيا وإثباتا في الوسائل والمسائل من غير بيان التفصيل 
والتقسيم الذي هو من الصراط المستقيم وهذا من مثارات الشبه. 

فانه لا يوجد في كلام النبي كَلةِ ولا أحد من الصحابة والتابعين ولا 
أحد من الأئمة لمتبوعين أن علق بمسمى لفظ الجوهر والجسم المتحيز 
والعرض ونحو ذلك شيئا من أصول الدين لا الدلائل ولا المسائل. 
والمتكلمون ببذه العبارات يختلف مرادهم بها تارة لاختلاف الوضع وتارة 
لاختلافهم في المعنى الذي هو مدلول اللفظ كمن يقول (الجسم هو المؤلف) 
ثم يتنازعون هل هو الجوهر الواحد بشرط تأليفه أو الجوهران فصاعدا أو 
الستة أو الثانية أو غير ذلك؟ ومن يقول (هو الذي يمكن فرض الأبعاد 
الثلاثئة فيه» وأنه مركب من المادة والصورة) ومن يقول هو الموجود أو يقول 
هو الموجود القائم بنفسه لا يكون إلا كذلك. والسلف والأئمة الذين ذموا 
وبدعوا الكلام في الجوهر والجسم والعرض تضمن كلا مهم ذم من يدخل 
المعاني التى يقصدها هؤلاء هذه الألفاظ في أصول الدين. في دلائله وفي 
مسائله نفيا وإثباتا. فأمًا إذا عرفت المعاني الصحيحة الثابتة بالكتاب والسنة 
وعبر عنها لمن يفهم ببذه الألفاظ ليتبين ما وافق الحق من معاني هؤلاء وما 
خالف . فهذا عظيم المنفعة)0". 

وإذا كان شيخ الإسلام يرى عدم إطلاق هذه الألفاظ المجملة على الله 
تعالى أو نفيها عنه. فليس ذلك مصيرا منه إلى رفع النقيض بل لما يتضمنه 
إطلاقها نفيا وإثباتا من إثبات الحق والباطل لله تعالى ونفيههما عنه وهو مسلك 
خاطىء في عرض العقيدة, الأمر الذي يوجب تحديد المفاهيم الصحيحة 
لتلك الألفاظ قبل إطلاقها على الله تعالى نفيا أو إثباتاء يقول شيخ 
الإسلام: (ولهذا يوجد كثيرا في كلام السلف والأئمة النبي عن إطلاق موارد 
النزاع بالنفي أو الإثبات وليس ذلك لخلو النقيضين عن الحق ولا قصور 


-1ط١؟55-‎ 


أو تقصير في بيان الحق. ولكن لأن تلك العبارات من الألفاظ المجملة 
المتشابهة المشتملة على حق وباطل في إثباتها (إثبات) حق وباطل» وفي نفيها 
نفي حق وباطل» فيمنع من كلا الإطلاقين بخلاف النصوص الإلهية فإنها 
فرقان فرق الله بها بين الحق والباطل. ولهذا كان سلف الأمة وأئمتها يجعلون 
كلام الله ورسوله هو الإمام والفرقان الذي يجب اتباعه. فيثبتون ما أثبته 
الله ورسوله وينفون ما نفاه الله ورسوله. ويجعلون العبارات المحدثة المجملة 
المتشاءهة ممنوعا من إطلاقها نفيها وإثباتها لايطلقون اللفظ ولا ينفونه إلا بعد 
الاستفسار والتفصيل» فإذا تبين المعنى أثبت حقه ونفي باطله.» بخلاف كلام 
الله ورسوله. فإنه يجب قبوله وإن لم يفهم معناه. وكلام غير المعصوم لا 
يجب قبوله حتى يفهم معناه)9" . 

ولقد عرض شيخ الإسلام ناذج لهذه الألفاظ المجملة وما تتضمنه من 
حق ومن باطل. فالمعتزلة عندما ينزهون الباري تعالى عن الأعراض والحدود 
والأحياز والجهات والجسمية» لا يقصدون تنزيه الباري تعالى عم| يجب تنزهه 
عنه وهو ما يستحيل اتصافه به فقط بل يدخلون في مضامينها نفي ما أثبته 
الله لنفسه وأثبته له رسوله من صفات الكيال. 

يقول شيخ الإسلام: (فإهم: «أي المعتزلة» إذا قالوا: «إن الله منزه عن 
الأعراض» لم يكن في ظاهر العبارة ما ينكر لأن الناس يفهمون من ذلك 
انه منزه عن الاستحالة والفساد كالأعراض التي تعرض لبني ادم من الأمراض 
والأسقام. ولا ريب أن الله منزه عن ذلك,. ولكن مقصودهم أنه ليس له 
علم ولا قدرة ولا حياة ولا كلام قائم به ولا غير ذلك من الصفات التي 
يسمونها هم أعراضا. 

وكذلك إذا قالوا «إن الله منزه عن الحدود والأحياز والجهات» أوهموا 
الناس أن مقصودهم بذلك أن لا تحصره المخلوقات». ولا تحوزه المصنوعات 
وهذا المعنى صحيح ومقصودهم : أنه ليس مباينا للخلق ولا منفصلا عنه 
وأنه ليس فوق السموات رب ولا على العرش إله. وأن محمدا لم يعرج به 


-١؟70-‎ 





إليه.ء ولم ينزل منه شيء ولا يصعد إليه شيء, ولا يتقرب إليه شيء ولا 
يتقرب إلى شيء» ولاترفع إليه الأيدي في الدعاء ولا لغيره ونحو ذلك من 
معاني الجهمية . 

وإذا قالوا: «إنه ليس بجسم) أومموا الناس أنه ليس من جنس المخلوقات 
ولا مثل أبدان الخلق, وهذا المعنى صحيح » ولكن مقصودهم بذلك أنه 
لايرى ولا يتكلم بنفسه ولا يقوم به صفة ولا هو مباين للخلق وأمثال ذلك)9"©. 

ونضيف إلى ما تقدم من تقويم شيخ الإسلام لمسلك المتكلمين في 
استعمال المصطلحات العقدية وتحديد مفاهيمهاء نضيف إلى ذلك ما يراه من 
. أن خطأ المتكلمين في تحديد مفاهيم تلك الألفاظ لا يرجع إلى جرد التعبير 
عنها بمعانٍ مخالفة لمعاني الكتاب والسنة بل يرجع كذلك إلى تفسيرها تفسيرا 
الفا للغة العرب التي خاطبهم بها القرآن. 

ويؤدي نفيهم للمعاني اللغوية الصحيحة التي يقرها القران - طبقا 
لتفسيراتهم المخالفة ‏ يؤدي ذلك إلى تنزيه الله تعالى عن معان صحيحة في 
حقه وهو باطل. يقول شيخ الإسلام: (إن هؤلاء «أي المتكلمين» عبروا عن 
المعاني التي أثبتها القران بعبارات أخرى ليست في القران ربا جاءت في 
القران .بمعنى آخر. فليست تلك العبارات مما أثبته القرآن.ء بل قد يكون 
معناها المعروف في لغة العرب التي نزل بها القران منتفيا باطلا نفاه الشرع 
والعقل وهم اصطلحوا بتلك العبارات على معان غير معانيها في لغة العرب 
فتبقى إذا أطلقوا نفيها لم تدل في لغة العرب على باطل. ولكن تدل في 
اصطلاحهم الخاص على باطل» فإن خاطبتهم بلغة العرب قالوا: إنه لم يفهم 
مرادنا ومن خطابهم باصطلاحهم أخذوا يظهرون عنه أنه قال ما يخالف 
القران وكان هذا من جهة كون تلك الألفاظ مجحملة مشتبهة. 

وهذا كالألفاظ المتقدمة مثل لفظ: القدم. والحدوث والجوهرء والجسم. 
والعرض» والمركب. والمؤلف. والمتحيز. . .)9"©. 


(/) موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول ج ١‏ ص #”٠١‏ - ١ا".‏ 
(4) درء تعارض العقل والنقل ج ١‏ ص ١١‏ 


-١58- 


هذه نظرة إجمالية فيها يستعمله إمام الحرمين وغيره من المتكلمين من 
مصطلحات عقدية. وما يقدمه ‏ لتلك المصطلحات ‏ من حدود. وهي 
تكشف عن أساس الاختلاف بين إمام الحرمين وغيره من المتكلمين وبين 
الهج السلفي 5 شأنها وحدودها عنده. وفيها كذلك بيان لما يجوز معه 
استعمال تلك المصطلحات وما يجب الالتزام في إطلاقها على الله تعالى نفيا 
وإثباتاء والميزان الدقيق الذي يجب أن تعرض عليه حدودها تفاديا لما يترتب 
على استعلها من أخطاء عقدية وقع فيها المتكلمون ومنهم إمام الحرمين, 
والواقع أنه كغيره من المتكلمين. وقع في أخطاء عقدية بناء على أخطائه 
فيا قدمه من حدود ومفاهيم لبعض تلك المصطلحات ولتركه للألفاظ 
الشرعية في بعض المواضع مستعيضا عنما مبذه الألفاظ الكلامية» شأنه في 
ذلك شأن غيره من المتكلمين. 

وبديبي أن دراستنا الممهجية لا يطلب فيها تتبع جميع المصطلحات والحدود 
التي قدمناها عند إمام الحرمين عرضا وتعليقا ونقداء وإنا نقدم فقط في هذا 
المقام بعض الناذج التي تظهر فيها مخالفة منبج إمام الحرمين للمنبج السلفي 
في استعمال المصطلحات العقدية وحدودها على نحو ما يكشف عنه شيخ 
الإسلام في المذاهب الكلامية سواء في ذلك إمام الحرمين وغيره من 
المتكلمين. 

ومن ذلك مايأتي: 

١‏ - العرض: 
من المصطلحات التي عرضها إمام الحرمين العرض» وعرفه بأنه مالا يبقى 
وجوده. وشيخ الإسلام يرى أن جمهور العقلاء يرفضون هذا القول ويرون 

أنه تخالف للحس والضرورة كقول النظام بأن الأجسام لا تبقى. 

وفي موضع آخر يقول: (فأما الباطل فهو مثل إثبات الجوهر الفردء وطفرة 
النظام وامتناع بقاء العرض زمانين ونحو ذلك. فهذا قد لا يخطر ببال الأنبياء 
والأولياء من الصحابة وغيرهم وإن خطر ببال أحدهم تبين له أنه كذب. 


1١1١9 - 





فإن القول الباطل الكذب هو من باب ما لاينقض الوضوء. ..)9". 

ويعني بذلك كثرته بحيث لا يحصره عدد وإنما كان زعمهم بأن العرض 
لا يبقى زمانين باطلا لمعارضته الضرورة الحسية. 
؟ - المثلان: 

ومن المصطلحات العقدية التي خالف فيها إمام الحرمين المنبج السلفي 
مفهوم المثلية» فالمثلان عنده ىا سبق تقريره هما اللذان يشتركان في جميع 
صفات النفس. وبناء على هذا المفهوم للمثلين يحكم بتائل الأجسام كلها 
حيث تشترك في جميع صفات النفس وهي التحيز والقيام بالنفس وقبول 
الأعراض فهي متاثلة عنده. وشيخ الإسلام يرى أن هذا القول أخذه إمام 
الحرمين من المعتزلة وهو قول ظاهر البطلان حسا وعقلا فليست الأجسام 
متائلة فلا الثلج يشبه النار ولا الخبز يائل الحديد. 

وقولهم مب على التفريق بين الصفات النفسية والمعنوية ىا يفرق أهل 
المنطق بين الصفات الذاتية والصفات اللازمة للاهية» وهذا كلام ظاهر 
الفساد.ء يقول شيخ الإسلام : 

(هذا بناء على أصل تلقوه من المعتزلة وهو أن الجواهر والأجسام متائلة 
بخلاف الأعراض, فإنها قد تختلف وقد تتماثل). 

وحقيقة هذا القول أن الأجسام متاثلة من كل وجه لا تختلف من وجه 
دون وجه بل الثلج ممائل للنار من كل وجه. والتراب مماثل للذهب من 
كل وجدء والخبز ممائل للحديد من كل وجه. إذ كانا متاثلين في صفات 

وهذا القول فيه من مخالفة الحس والعقل ما يستغنى به عن بسط الرد 
على صاحبه. بل أصل دعوى تمائل الأجسام من أفسد الاقوال» بل القول 
في تمائلها واختلافها كالقول في تماثل الأعراض واختلافهاء فإنها تتماثل تارة 
وتختلف أخرى . وتفريقهم بين الصفات النفسية والمعنوية اللازمة للمعين» 
يشبه تفريق أهل المنطق بين الصفات الذاتية واللازمة للاهية» وكلاهما قول 


(1/5) درء تعارض العقل والئقل ج م ص ١ه.‏ 


ا 


فاسد لا حقيقة له بل قول هؤلاء أفسد من قول أهل المنطق. . 
وقد أخبر الله تعالى بنفي تساوي بعض الأجسام وقائلهر كا أخبر بنفي 
ذلك عن بعض الأعراض فقال الله تعالى #وما يستوى آلأغمي وَالْبَصيرٌ 
ولا آلظُلُمَتُ وَل آلنورٌ وَل آلظّلٌ وَلَآ الحرور وما يَسْتوي الأخاء و9 
آلأنْزْتُ» فاطر/ 19 78. 
وقال تعالى: طهَلُ يَسْتَوي آلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالّذِينَ لآ يَعلَمُونَ4 الزمر 4. 
هِلَيْسُوا سَوَآة4 آل عمران .1١*‏ 
وإذا قيل إن الأجسام اختلفت با عرض لا من الأعراض قيل: «من 
الأعراض ما يكون لازما لنوع الجسمء أو الجسم المعين كما يلزم الحيوان 
أنه حساس متحرك بالإرادة ويلزم الإنسان أنه ناطق. 
وكايلزم الإنسان المعين ما يخصه من إحساسه وقوة تحركه بالإرادة ونطقه 
وغير ذلك من الأمور المعينة التي لا يشركه في عينها غيره. فهذا لا يجوز 
أن يكون عارضا له إذ هو لازم له 
وما يعقل جسم مجرد عن جميع هذه الصفات عرضت له بعد ذلك» فإذا 
كانت الأجسام تختلف بالأعراض وهي لازمة لماء كان من لوازمها أن تكون 
وتمام هذا أن الأشياء تتاثل وتختلف بذواتها لا تحتاج أن تقول تتاثل في 
ذواتها والذات تختلف بصفاتها)9" . 
ا الجمسم: 
مفهوم الجسم عند إمام الحرمين ى) سبق عرضه هو المتألف من جوهرين 
فصاعداء وهذا المفهوم في نظر شيخ الإسلام مفهوم خاطئٌ» فهو مبني على 
القول بالجوهر الفرد والمراد به الحزء الذي لا يتجزأ. 
و (إثبات الجوهر الفرد مما أنكره أئمة السلف والفقهاء وأهل الحديث 
والصوفية وجمهور العقلاء. .) لأنه (لابد أن يتميز أحد جانبيه عن الآخر 
وما كان كذلك فهو يقبل الانقسام المتنازع فيه) . 


ركع ذرء تعارض العقل والنقل » ج 6 ص 7 .١195-‏ 


-١"1١- 








و (إذا وضع بين جوهرين فإن لاقى هذا بعين مالاقى به هذا امتنع كونه 
بينهما وإن لاقى هذا بغير مالاقى به هذا لزم انقسامه)0"9 , 

ثم إن الجسم في اصطلاح المتكلمين أعم مما استعملته فيه العرب. 
فالعرب لا تسمى كل مشار إليه جسما فلا تسمى الحواء جسما|. كا انه يبني 
عل مفهومه هذا للجسم أمرا باطلا, وهو القول بتاثل الأجسام وقد سبق 
بيان بطلانه)9" , 

وإمام الحرمين بناء على مفهومه للجسم قرر أنْ الله ليس جسا0"© ونفى 
الجسمية عن الله أو إثباتها له بإطلاق مخالف للمنهج السلفي. 

(بل يكره الإمام أحمد) المعاني المبتدعة في هذاء أي فيها خاض الناس 
فيه من الكلام في القران والرؤية والصفات ‏ إلا با يوافق الكتاب والسنة 
واثار الصحابة والتابعين. 

ولهذا كره الكلام في الجسم والحيز وني اللفظ بالقرآن نفيا وإثباتا لما في 
كل من النفي والإثبات من باطل. . .)<. والباطل الذي ينتهي إليه إطلاق 
الجسمية على الله كونه من جنس المخلوقات ومشابباً لأبدان الخلق. 

والباطل الذي ينتهي إليه نفي الجسمية بإطلاق عن الله ما يرتبه عليه 
المتكلمون من نفى الصفات الخيرية بمعناها الحقيقى الأمر الذي يقتضيه 
تأويلهم لتلك الصفات كالعلو والرؤية والكلام بحرف وصوت ومبايلته لخلقه 


وأمثال ذلك . 
- التحيز: 


التحيز عند إمام الحرمين هو المتحيز بنفسه. والمتحيز هو الجرم أو هو 
الذي لا يوجد بحيث وجوده جوهر. 

وييني إمام الحرمين على مفهومه للتحيز والمتحيز قوله بأن البارئ سبحانه 
يتعالى عن التحيز والتتخصص بالجهات فلا يتصف عنده بالفوقية والعلو لآن 
(8/) انظر درء تعارض العقل والنقل» ج 4.» ص ١11كء‏ انظر الإرشاد. 


(ة/) انظر الإرشاد. ص 47. 
(80) درء تعارض العقل والتقل» ج لاء ص 66لا كول 


- ١1*92 


ذلك من خصائص الأجرام. وني رأي شيخ الإسلام أن مفهوم المتكلمين 
للحيز والمتحيز غير مفهومه اللغوي . 

فالحيز ما يحوزه غيره. والمتحيز إذن ما يحوزه غيره. وبا أن الدليل قام 
على أن الله بائن من خلقه فالمتحيز بهذا المعنى منفى عنه سبحانه وتعالى . 

وأما إذا أريد بالحيز معنى عدمي فمعناه أن لا موجود حيث هو الا هى 
وهذا المعنى صحيح في حق الله ثم إن جهة العلو ليست حيزا وجدديا 
حتى ينفيها المتكلمون عن الله. يقول شيخ الإسلام: 

وأما لفظ «التحيز» و «الجحهة» فلفظان محملان» ومراد النفاة منهما غير المراد 
في اللغة المعروفة. فإن المتحيز اسم فاعل من تحيز يتحيز فهو متحيزء مثل 
تعوذ وتكبر» وتجيرء ونحو ذلك. والحيز ما يحوز الشيء ويحوطه. والمفهوم في 
اللغة الظاهرة أن يكون هناك شىء موجود وحوزه غيره. 

ولا ريب أن الخالق مباين للخلوقات, عال عليهاء كما دلت عليه 
النصوص الإلهية» واتفق عليه السلف والأئمة» وفطر الله تعاللى على ذلك 
خلقه. ودلت عليه الدلائل العقلية. وإذا كان كذلك وليس ثم موجود إلا 
خالق ومحلوق. فليس وراء المخلوقات شبىء موجود يكون حيزا لله تعالى» 
فلا يجوز أن يقال: «هو متحيز بهذا الاعتبار . 

وهم قد يريدون بالحيز أمرا عدمياء حتى يسموا العالم متحيزاء وإن لم 
يكن في شيء آخر موجود غير العالم. وإذا كان كذلك فكونه متحيزا بهذا 
الاعتبار. معناه أنه في حيز عدمي., والعدم ليس بشيء» وماليس بشيء فليس 
في كونه فيه أكثر من كونه وحده لا موجود لله وأنه منحاز عن الخلق. متحيز 
عنهم» بائن عنهم ليست ذاته مختلطة بذات المخلوق» فإذا أريد بالمتحيز 
المباين لغيره ‏ وقد دلت النصوص على أن الله تعالى عال على الخلق بائن 
عنهم ليس مختلطا بهمء فقد دلت على هذا المعنى ‏ فالقران قد دل على 
جميع المعان التي تنازع الناس فيها. ..)62, 


)8١(‏ درء تعارض العقل والنقل» جْ © ص 5ه. 


- 11392- 


0" الكلام: 

عرف إمام الحرمين الكلام بأنه (القول القائم بالنفس) نتيجة لاعتقاده 
أن الله لا يتكلم بحرف وصوت» وحينئذ فكونه تعالى متكلما عند إمام 
الحرمين متابعا ‏ لأئمة الأشاعرة ‏ يريد به الكلام النفسي الذي تدل عليه 
العبارات . 

ولكن هل الكلام (هو القول القائم بالنفس فقط). فيكون المتكلم من 
دار في خلده كلام؟ . 

إن القول بهذا يلزم منه إلزامات باطلة. إذ يلزم منه أن الأبكم متكلم 
وإن كان لاينطق لاتصافه بالكلام النفسي ولا قائل بهذا. كا يلزم منه أن 
من حدث نفسه في الصلاة يعد متكلم| فتبطل صلاته وإن لم يتلفظ بما في 
نفسه وهذا باطل. ومن حدث نفسه بالطلاق ولم ينطق به طلقت زوجته 
بمجرد ذلك لأنه تكلم بالطلاق وإن لم ينطق به وهذا لا يقول به أحد. 

والصحيح عند علاء السلف أن الله متكلم يتكلم بحرف وصوت كا 
دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة . 


5 - الحسن والقبح : 


عرف إمام الحرمين الحسن بأنه ما ورد الشرع بالثناء على فاعله والقبيح 
ما ورد الشرع بذم فاعله. وذلك نتيجة لمعتقده أن العقل لا يدل على حسن 


شىء ولا قبحه . 
والصحيح أن العقل والفطر السليمة يدركان قبح الأشياء وحسنما قبل 
ورود الشرع . 


فلا شك أنها يدركان قبح الظلم وهتك الأعراض والاعتداء على 
الآخرين. كما يدركان حسن الأخلاق الحميدة من الصدق والوفاء وإغاثة 
الملهوف وإطعام الجائع وكسوة العاري وعلاج المريض. 

يقول شيخ الإسلام: (وأكثر الطوائف على إثبات الحسن والقبح العقليين 
لكن لا يثيتونه كما يثبته نفاة القدر من المعتزلة وغيرهم . . ) ومعنى ذلك أغهم 


-1١35- 


لا يجعلونه أساس التكليف فلا تكليف إلا بشرع. ويرى شيخ الإسلام أن 
نفي ذلك (هو من البدع التي حدثت في الإسلام في زمن أبي الحسن 
الأشعري لا ناظر المعتزلة في القدر بطريق الجهم بن صفوان ونحوه من أئمة 
الجيرء فاحتاج إلى هذا النفي. قالواوإلا: فنفي الحسن والقبح العقليين مطلقا 
لم يقله أحد من سلف الأمة ولا أئمتها. . .)650. 
ا - التوحيسد: 

التوحيد عند إمام الحرمين كما سبق ذكره هو اعتقاد الوحدانية ويريد به 
توحيد الربوبية ىا أوضحنا سابقا. 

ولهذا فمفهومه للتوحيد يخالف مفهوم علماء السلف له. فالتوحيد عند 
علاء السلف يشمل التوحيد بأقسامه الثلاثة : 

توحيد الربوبية وهو اعتقاد أن لا خالق ولا رازق ولا نافع إلا الله 
وتوحيد الألوهية وهو إفراد الله بالعبادة لا يصرف شيء من العبادة لغير الله 
وهذا هو مقتضى لا إله إلا الله. ْ 

وتوحيد الأسماء والصفات وهو إثبات صفات الكمال لله التي أثبتها لنفسه 
وأثبتها له رسوله إثباتا على وجه لا يقتضى المشابهة والتمثيل . 

ويعتقد علماء السلف أنه لا يكفي الإقرار بتوحيد الربوبية كما يظن علماء 
الكلام الذي يجعلون إثبات هذا التوحيد هو الغاية» ذلك أن المشركين كانوا 
يقرون بربوبية الله وما كانوا يعتقدون في معبوداتهم أنها تشارك الله في 
الخالقية والرازقية» بل يعتقدون أن الله وحده هو الخالق الرازق الذي يجير 
ولا يجار عليه.ء وهذا ثابت بنص القران. وإنما يعبدون المتهم ومعبوداتهم 
طلبا للشفاعة والزلفى عند الله. 

يقول شيخ الإسلام (وإن)ا تضمن «أي التوحيد) الإإلهية لله وحده. بأن 
يشهد أن لا اله إلا هوء ولا يعبد إلا إياه. ولا يتوكل إلا عليه ولا يوالي 
إلا له. ولا يعادي إلا فيه. ولا يعمل إلا لأجله وذلك يتضمن إثبات ما 
أثبته لنفسه من الأسماء والصفات, قال جابر بن عبدالله في حديثه الصحيح 


١*6 


في سياق حجة الوداع: (فأهلٌ رسول الله يل بالتوحيد: لبيك اللهم لبيك 
لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك)5» 
وكانوا في الجاهلية يقولون: «لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك قلكه 
وما ملك)9. فأهل النبي َه بالتوحيد كا تقدم ٍ 

قال تعالى: ظوَلَقَدُ بَعَثْنَا فى كُلَّ أمّة رسُولاً أن عبَدُواً لله وآجتنبواً 


لطكُتَ مثيم ان هتى آله وَمئُم نْ حَنّتْ عه الضُلدُ» 
(النحل/>*؟) 

وأخبر عن كل نبي من الأنبياء أنهم دعوا الناس إلى عبادة الله وحده 
لا شريك له. 


... وليس المراد بالتوحيد مجرد توحيد الربوبية وهو اعتقاد أن الله وحده 
خلق العالم كما يظن ذلك من يظنه من أهل الكلام والتصوف. ويقول هؤلاء 
أهم إذا أثبتوا ذلك بالدليل فقد أثبتوا غاية التوحيد. . 

ثم ذكر (أن الرجل لو أقر با يستحقه الرب تعالى من الصفات ونزهه 
عن كل ما ينزه عنه, وأقر بأنه وحده خالق كل شيء لم يكن موحدا بل 
ولا مؤمنا حتى يشهد أن لا اله إلا اللهء فيقر بأن الله وحده وهو الإله 
المممتحق للعبادة ويلتزم بعبادة الله وحده لا شريك له. 

والإله هو بمعنى الألوه المعبود الذي يستحق العبادة ليس هو الإله بمعنى 
القادر على الخلق. فإذا فسر المفسر الإله بمعنى القادر على الاختراع واعتقد 
أن هذا أخص وصف الإله. وجعل إثبات هذا التوحيد هو الغاية في التوحيد 
كا يفعل ذلك من يفعله من متكلمة الصفاتية. وهو الذي ينقلونه عن أبي 
الحسن وأتباعه. لم يعرفوا حقيقة التوحيد الذي بعث الله به رسله. فإن 
مشركي العرب كانوا مقرين بأن الله وحده خالق كل شيء وكانوا مع ذلك 
08 رواء صلم في صحيحة ج ٠‏ ص لا اا 


)05 ذكره البيهقي يي جمع الزوائد بنحوه ثم قال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح جك 
ص .١7177*‏ 


وفي مسلم مهذا المعنى ج "ءا ص 2151# حَ وليل 


١7”5-‏ ل 


قال تعالى وما يُوْمِنُ رمم بآلله ل وهم مش رٍكونَ 00 وقال تعالى 
ول كن لاض وَمَن فيه إن كُثمْ تَعْلْمُونَ # سَيُْولُونَ لله 3 فال تذَكَرُونَ 
قل مَن رب آلسَموت آلسَيعٍ وَرَبّ آلْعَرْشٍِ آلْعَظيم سَيَولُونَ له قل 
أفلا تتقُونَ * قُل من بيده مَلَكُوتُ كُل شيء وَهُرَ ميرُ وَل يجارُ عَلَيِْ إن 
كسم َعلمُونَ سَيَقُولُونَ لله قُل ان تُسْحَرُونَ. . 6. 

ثم قال: (ولههذا كان من أتباع هؤلاء من يسجد للشمس والقمر 
والكواكب ويدعوها | يدعو الله تعالى ويصوم لهاء وينسك دلهاء ويتقرب 
إليها ثم يقول: إن هذا ليس بشرك وإنا الشرك إذا اعتقدت أنها هي المدبرة 
لي فإذا جعلتها سببا وواسطة لم أكن مشركا. 

ومن المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أن هذا شركء» فهذا ونحوه من 
التوحيد الذي بعث الله به رسله. وهم لا يدخلونه في مسمى التوحيد الذي 
اصطلحوا عليه. . .)069 , 

هذه بعض موارد نقد من التصورات والحدود العقدية عند إمام الحرمين 
مما وجه إليه وإلى غيره من المتكلمين شيخ الإسلام ابن تيمية طبقا للمنبج 
السلفي في هذا المقام وذلك ببيان خطئها وبيان ما يترتب عليها من العقائد 
الباطلة . 


(86) يوسفا .٠١5‏ 
(ك) المؤمنون 66م - 46. 
(870) درء التعارض. ج 2.١‏ ص 4؟5؟ - 94؟. 


- ١ لا"‎ 





منحجه 


في الاستدلال العقلي على العقائد 


الفحل الأول : الاستدلال بقياس الغائب على الشاهد. 

الفصل الثاني : الاستدلال بإنتاج المقدمات النتائج . 

الفصل الثالث : الاستدلال بالسبر والتقسيم. 

الفصل الرابع : الاستدلال بالمتفق عليه على المختلف فيه . 

الفصل الخامس: الاستدلال بقاعدة [ مالا دليل عليه يجب 
نفيه ]. 

الفصل السادس: الاستدلال بصحة الثشىء على صحة مثله 
وباستحالته على استحالة مثله. 

الفصل السابع : قياس الأولئى 

الفصل الثامن : الاستدلال بالقياس المنطقى. 


1١59 - 


لقد عرضنا سابقاً”©» تقسيم إمام الحرمين لقضايا العقيدة حسب طرق 
إثباتهاء ورأينا أن من هذه القضايا كا يرى مالا يدرك إلا بالعقل. كإثبات 
وجود الله وحياته وعلمه وقدرته. وكإثبات حدوث العالم الخ . فا هى الأدلة 
العقلية التى سلكها لإثبات هذه القضاياء والي تصور منبجه العقلٍ 5 
ذلك. وهل اختلفنت الأدلة التى سلكها في مرحلة البرهان عا سلكه في 
مرحلة الإرشاد والشامل». 

الواقع أن إمام الحرمين قد استعمل في مرحلة الإرشاد والشامل طرق 
الاستدلال الآتية: 
١‏ - قياس الغائب على الشاهد. 


- إنتاج المقدمات النتائج . 


- السبر والتقسيم . 


- الاستدلال بالمتفق عليه على المختلف فيه. 


وقد أسئد إمام الحرمين في كتابه البرهان الطرق الأربعة الأولى إلى أئمة 
المذهب الأشعري. ووجه سهام النقد إليها رغم استعماله لما في مرحلة 
الإرشاد والشامل واستعاض عنها في مرحلة البرهان با يأتي: 
)١(‏ السير والتقسيم المنحصر لا المنتشر. 


)١(‏ انظر ص 47 من البحث. 
(؟) سبق أن ذكرنا عند حديثنا عن مؤلفات إمام الحرمين الكلامية. أنها تنقسم الى مجموعتين تضم الأولى 
كتب التلخيص والإرشاد والشامل وتضم الثانية النظامية والغيائي والبرهان. وأن المجموعة الأولى 
كتبت في المرحلة الأولى من حياته. 
راجع ص 50 من الباب السابق وسوف نرى فيا بعد تطور آرائه المتهجية في المجموعة الثانية 
عًا كانت عليه في كتب المجموعة الأولى. 


> 7م هف 


-١51١- 


(؟) البرهان المستد. 
(9) برهان الخلف©2,. 

ونلحظ هنا أن طرق أئمة الأشاعرة لا تنحصر فيا ذكره عنهم إمام 
الحرمين» إذ إنهم قد استعملوا طرقا أخرى تنسب إليهم. منها: 
)١(‏ بطلان الدليل يؤذن ببطلان المدلول. 
(9) الإلزامات©). 

وفي هذا الباب سوف نتتبع بالتحليل والدراسة جميع الطرق التي استعملها 
إمام الحرمين في الاستدلال العقليء سواء في مرحلة الإرشاد والشامل أو في 
مرحلة البرهان. وسواء في ذلك ماعنون له ناصا على استعاله إياه.» أو ما 
استعمله دون أن يذكر استعماله له باسمه الاصطلاحي, ولن نقتصر في هذه 
الدراسة على مجرد العرض النظري لطرق الاستدلال العقلي التي انتهجها إمام 
الحرمين. ولكننا سنضم إلى ذلك ناذج تطبيقية لاستعمال إمام الحرمين هذه 
الطرق في إثبات العقائد. 

ثم نتبع ذلك بالموقف السلفي من كل طريق من هذه الطرق العقلية 
للاستدلال. 


() انظر اليرهان, ج ١‏ اص ١١7/‏ وص ١”!‏ وص .١160‏ 

(5) انظر المواقف ص /ا". 
وانظر مقدمة ابن خلدون ص 45868 
وانظر مناهج البحث عند مفكري الإسلام واكتشاف المنيج العلمي في العالم الإسلامي للدكتور علي 
سامي النشار ص  1١7"5‏ /ا"١ا.‏ 


-١55- 


الفصل الأول 
الاستدلال بقياس الغائب على الشاهد 


١‏ - مفهومه: 

ماهو مفهوم قياس الغائب على الشاهد عند المتكلمين قبل إمام الحرمين؟ . 

ذكر القاضي عبدالجبار أن أباهاشم من المعتزلة يجعله استدلالا بالمعلوم 
على مالا يعلم. ثم عقب على قول أبي هاشم بأنه غير مانع. فقال: (ولكن 
هذا الإطلاق يقتضى في كل استدلال أنه استدلال بالشاهد على الغائب» 
لأن الدليل أبداً معلوم. والمدلول غير معلوم, و لا شبهة في أن العلاء قد 
خصوا بذلك بعض ضروب الاستدلال دون بعض)©. 

ولههذا فالقاضى عبدالجبار يرى أن الأولى جعل هذا القياس خاصا 
(بالاستدلال بالمعلوم فيها بيننا على ماهو غائب عناء إذا كان الغائب لا يمكن 
معرفته ابتداء إلا بطريقة البناء على الشاهد)9©. 

والغزالي في منخوله يجعل الغائب ماغاب عن علمك,. والشاهد ما علمته. 
إذ يقول: (والمعنى بالغائب ماغاب عن علمك فترده إلى ماعلمته)9". 

ولهذا فهو يرد عليه ما يرد على كلام أبي هاشم بأن تعريفه غير مانع. 
وفي معيار العلم جعل هذا القياس هو المقابل للتمثيل الأرسطي». إذ جاء 
فيه (والصنف السادس التمثيل» وهو الذي يسميه الفقهاء قياساء ويسميه 
المتكلمون رد الغائب إلى الشاهد. ومعناه أن يوجد حكم في جزء معين واحد 
فينقل حكمه إلى جزء آخر يشابهه بوجه ما). 
(0) المحيط بالتكليف. ص .١57‏ 


() المحيط بالتكليف. ص .١57‏ 
9) المنخول. ص 6#. 


-1١549- 





ثم وضح ذلك بمثال قائلا: (ومثاله في العقليات أن تقول: السماء حادث 
لأنه جسم قياسا على النبات والحيوان وهذه الأجسام التي يشاهد 
حدوثها. ...)0 , 
وقد جعل صاحب البصائر النصيرية هذا القياس أيضا من قبيل التمثيل 
الأرسطي. والمراد بالشاهد هو المحسوس وتوابعه. والمراد بالغائب نقيضه وهو 
ماليس بمحسوسء. إذ قال: (ومن التمثيل فرع يسمونه الاستدلال بالشاهد 
على الغائب. وكأن الشاهد عندهم عبارة عن المحس وتوابعه. ويدخل فيه 
ما يشعر به الإنسان من أمور نفسه الخاصة كعلمه وإرادته وقدرته. والغائب 
ماليس بمحس فيثبتون في الغائب حكم الشاهد ل بينهها من المشابهة)©. 
ويبدو لي أن المقابلة بين قياس الغائب على الشاهد. وبين التمثيل 
الأرسطي - كما شرحه الغزالي - ليست بمقابلة تامة. 
أولا ‏ لأن التمثيل قد يجري بين شاهدين». لابين غائب وشاهد"© 
ثانيا- لأن نقل الحكم من الأصل إلى الفرع في التمثيل الأرسطي للتشابه 
بينه| بوجه ماء لا يصح اعتباره في رد الغائب إلى الشاهد. بل لابد 
في ذلك من وجه مقتض لنقل الحكم. وهو ما يعتير عند المتكلمين 
في ذلك من جوامع العلة والشرط والدلالة والحقيقة» وهي الوجوه 
المقتضية لصحة هذا القياس. 
؟" - استخدام المتكلمين لقياس الغائب على الشاهد: 
لقد عرف المعتزلة هذا الطريق من طرق الاستدلال قبل إمام الحرمين» 
فلقد ذكر القاضي عبدالجبار أن لأبي الحسين الخياط كتابا في هذا النوع من 
الاستدلال أعني قياس الغائب على الشاهد'©. 


(8). معيار العلم ص .١34‏ 
)٠١(‏ انظر البصائر النصيرية ص .١"4‏ 
)١١(‏ انظر المحيط بالتكليف ص .1١58‏ 


-1١55- 


كما أننا نجد أن القاضى عبدالجبار نفسه قد استخدمه في إثبات الصفات 
فأثبت كونه تعالى قادرا وعالما وحيا مستخدما هذا القياس بجامع الدلالة 
وما قاله في ذلك: (وأما الذي يدل على أن صحة الفعل دلالة على كونه 
قادرا فهو أنا نرى في الشاهد جملتين: إحداهما صح منه الفعل كالواحد مناء 
والأخرى تعذر عليه الفعل كالمريض المدانف. فمن صح منه الفعل فارق 
من تعذر عليه بأمر من الأمور وليس ذلك إلا صفة ترجع إلى الجملة وهي 
كونه قادرا. وهذا الحكم ثابت في الحكيم تعالى فيجب أن يكون قادرا لأن 
طرق الأدلة لا تختلف شاهدا غائيا)09. 

ولقد استخدمه أبوالحسن الأشعري في إثبات أن الباري تعالى لو لم يكن 
متكلم| لكان متصفا بضد الكلام. وأنه لولم يكن موصوفا بالعلم لكان متصفا 
بضده. وذلك لأن الحي 5 الشاهد لا يخلو من الاتصاف بالكلام أو بضده. 
وهكذا الحكم في الحي الغائب. 

كا أن الحي في الشاهد لا يخلو من الاتصاف بالعلم أو بضده وهكذا 
الحكم في الحي الغائب كذلك. 

يقول أبوالحسن الأشعري : (فإن قال قائل: ولم زعمتم أنه لو كان لم يزل 
غير متكلم لكان موصوفا بضد الكلام؟ قيل له لأن الحي إذا لم يكن موصوفا 
بالكلام كان موصوفا بضده. ك] إنه إذا لم يكن موصرفا بالعلم كان موصوفا 
بضده. وذلك أن الحي فيا بيننا ذلك حكمه ولم تقم دلالة على حي يخلو 
من الكلام وأضداده في الغائب. كا لم تقم دلالة على حي يخلو من العلم 
وأضداده. حتى يكون لا موصوفا بأنه عالم ولا بضد العلم فقد اجتمع الأمر 
فيه|: أنه مستحيل فيا بيننا حي غير عالم ولا موصوف بضد العلم وأنه 
مستحيل فيا بيننا حي غير متكلم ولا موصوف بضد الكلام وأنه لم يقم 
على ذلك دلالة في الغائب. . .)5©. 

ومن أئمة الأشاعرة قبل إمام الحرمين نجد الباقلاني في (تمهيده) يجعل 


.١68 - ١6١ شرح الأصول الخمسة ص‎ )١١ 
."0/ كتاب اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع ص‎ )17( 


-١56ه‎ 





هذا القياس نوعا من أنواع الاستدلال, إِذْ جاء في كتابه المذكور: (ومنها 
«أي من أنواع الاستدلال»: أن يجب الحكم والوصف للشيء في الشاهد 
بعلة ماء. فيجب القضاء على أن كل من وصف بتلك الصفة في الغائب 
فحكمه في أنه مستحق لما لتلك العلة حكم مستحقها في الشاهد. لأنه 
يستحيل قيام دليل على مستحق الوصف بتلك الصفة مع عدم مايوجبهاء 
وذلك كعلمنا بأن الجسم إنما كان جسسم| لتأليفه وأن العالم إنما كان عالما لوجود 
علمه. فوجب القضاء بإثبات علم كل من وصف بأنه عالم. وتأليف كل 
من وصف بأنه جسم أو مجتمع لأن الحكم العقلي المستحق لعلة لا يجوز 
أن يستحق مع عدمها ولا لوجود شيء يخالفها, لأن ذلك يخرجها عن أن 
تكون علة للحكم)9". 

أما مواطن استخدام المتكلمين ‏ كإمام الحرمين وغيره لهذا القياس فهو في 
إثبات صفات المعاني لله عز وجل. يقول شارح المواقف (وإنما يسلكونه إذا 
حاولوا إثبات حكم الله سبحانه وتعالى فيقيسونه على الممكنات قياسا فقهيا 
ويطلقون اسم الغائب عليه تعالى» لكونه غائبا عن الحواس ولابد في هذا 
القياس بل في القياس مطلقا من إثبات علة مشتركة بين المقيس والمقيس 
عليه . 2 

وشارح المواقف لم يذكر من جوامع هذا القياس إلا الجمع بالعلة في حين 
أن لهذا القياس جوامع عدة كا سيأتي. 

ولا يستخدم إمام الحرمين هذا القياس في إثبات صفات المعاني فقط. 
بل إنه ‏ في هذه المرحلة من مراحله الفكرية ‏ يرى أن هذه الصفات لا 
تثبت إلا بقياس الغائب على الشاهد. يقول إمام الحرمين: (فاعلم أن إثبات 
العلم بالصفة الأزلية لا يتلقى إلا من اعتبار الغائب بالشاهد. .)29. 


(15) التمهيد. ص ؟١.‏ 
(15) شرح المواقف ص 7١‏ - “الا طبعة القسطنطيئية سئة 58 اه. 
(15) الإرشاد. ص 49. 


-١ة45-‎ 


جوامع قياس الغائب على الشاهد: 

لا يصح عند المتكلمين ومنهم إمام ال حرمين استخدام هذا القياس من دون 
جامع بين الغائب والشاهد يصحح قياس الأول على الثاني. وإلا كان قياسا 
خاطتا . 

فاستخدام هذا القياس بلا ضوابط ولا جامع يودي إلى التشبيه والتعطيل 
والزندقة والإلحاد. كا أنه يلزم من يستخدمه من دون جامع القول بأن الله 
جسمء إذ الفاعل في الشاهد جسم فيقاس الفاعل الغائب على الفاعل 
الشاهد. ويقضي بأنه جسمء كا يلزم منه القول بأن الحوادث قديمة لا 
أول لهاء لم تشاهد إلا متعاقبة» وفي ذلك يقول إمام الحرمين: (... ثم 
قالوا «أي المتكلمون» أما بناء الغائب على الشاهد فلا يجوز التحكم به من 
غير جامع عقلي. ومن التحكم به شبهت المشبهة وعطلت المعطلة وعميت 
بصائر الزنادقة . 

فقالت المشبهة: لم نر فاعلا ليس متصورا وقالت المعطلة الموجود الذي 
لا يناسب موجودا غير معقول...)9. 

وجاء في الإرشاد (فاعلم أن إثبات العلم بالصفة الأزلية لا يتلقى إلا 
من اعتبار الغائب بالشاهد والتحكم بذلك من غير جمع يجر إلى الدهر والكفر 
وكل جهالة تأباها العقول. فإن من قال: يقضى على الغائب بحكم الشاهد 
من غير جمع لزمه أن يحكم بكون البارىئ تعالى جسا) محدودا. من حيث 
لم يشاهد فاعلً إلا كذلك ويلزم منه القضاء بتعاقب الحوادث إلى غير أول 
من حيث لم يشاهدها إلا متعاقبة إلى غير ذلك من الجهالات)". 

مما سبق نرى أن المتكلمين ومنهم إمام الحرمين يرون أنه لابد لهذا القياس 
من ضوابط وإلا أوقع في الإلحاد والتجسيم. وهذه الضوابط تسمى الجوامع , 
وهي أربعة جوامع عند الأشاعرة وهي (الجمع بالعلة» والثاني الجمع 
بالحقيقة» والثالث الجمع بالشرط. والرابع الجمع بالدليل)9"©. 
10) البرهان. ج ١‏ ص .١1١7‏ 


(18) الإرشادى ص #«4. 
(19) البرهان ج ١‏ ص ١١7‏ - 178. 


-١8410/- 





وشيخ الإسلام ذكر أن الجوامع عند أصحابه من المتكلمين وغيرهم هي 
الجمع بالحد والعلة والدليل والشرط©. 

ويبدو أن الجمع بالحد هو الجمع بالحقيقة فالأمر لا يعدو أن يكون 
اختلافا في التعبير. 

أما المعتزلة فالجوامع عندهم هي : 
)١(‏ العلة. 
(؟5) الدلالة. 
(9) مايجري مجرى العلة. 
(5) أن (يتعلق الحكم في الشاهد بأمر ثم يوجد في الغائب ماهو أبلغ من 

ذلك الأمر)9), 

ومن الجوامع التي اعتبرها المعتزلة ‏ كما يحكي عنهم إمام الحرمين - الجمع 
بالشرط. إذ يحكي عنهم (أنهم طردوا الشرط شاهدا وغائباء وحكموا بأن 
كون العالم عالما مشروط بكونه حياء ثم قضوا بذلكء في كون البارئ تعالى 
عالما قادرا)9" . 

ولكنني بالرجوع إلى شرح الأصول الخمسة لأرى كيف أثبت القافي 
عبدالجبار كونه تعالى حياء وجدت أنه يستعمل عبارة الدلالة ولا يستعمل 
عبارة شرط ومشروطء إذ أثبت كونه تعالى حيا معتمدا على أصلين (أحدهها 
أنه تعالى عالم قادر والثاني أن العالم القادر لا يكون إلا حيا). 

ثم أثبت الأصل الثاني قائلا: (وأما الثاني فهو أنا نرى في الشاهد ذاتين: 
أحدهها صح أن يقدر ويعلم كالواحد مناء والآخر لا يصح أن يقدر ويعلم 
كالجماد. فمن صح منه ذلك فارق من لا يصح من الأمور"”». وليس ذلك 
الأمر إلا صفة ترجع إلى الجملة وهي كونه حياء فإذا ثبت هذا في الشاهد 
ثبت في الغائب لأن طرق الدلالة لا تختلف شاهدا وغائبا)9"©. 
(١؟)‏ المحيط بالتكليف ص ١57‏ - 2.1548 
(59) الإرشاد. ص 87. 


59) فارق من لا يصح منه تلك الأمور. 
(4؟) شرح الأصول الخمسة.» ص .15١‏ 


-1١ة4-‎ 


ونعرض في| يلي بالدراسة التفصيلية هذه الجوامع الأربعة التي اعتبرها إمام 
الحرمين في هذا القياس وطرق استعالها في تصحيحه. 
أ- قياس الغائب على الشاهد بجامع العلة: 
وهو القضاء بارتباط العلة بالمعلول شاهدا وغائبا حتى يتلازما وجودا 
وعدما. 
ويتم بخطوتين : 
الأولى : إئبات أن الحكم معلول بعلة في الشاهد. 
الثاني : طرد التلازم بين العلة والمعلول غائبا وشاهداء فمثلا عندما يريد 
المتكلمون إثبات صفة العلم لله تعالى كصفة زائدة على الذات 
الإهية قائمة بها وقد ثبت بالدليل كونه عالماء فيقولون هذا الحكم 
وهو الكون عللما معلل بعلة هي العلم في الشاهد. 
ثم إن العلة والمعلول متلازمان شاهدا وغائباء فإذا ثبت أن الذات الإلهية 
عالمة ثبت اتصافها بالعلم. يقول إمام الحرمين: (أحدها «أي الجوامع» 
العلة» فإذا ثبت كون حكم معلولا بعلة شاهدا وقامت الدلالة عليه لزم 
القضاء بارتباط العلة بالمعلول شاهدا وغائبا حتى يتلازماء وينتفي كل واحد 
منبى| عند انتفاء الثاني وهذا نحو حكمنا بأن كون العالم عالما شاهدا معلل 
بالعلم. . .)20 , 
جاء في البرهان (... فأما الجمع بالعلة فكقول مثبتي الصفات إذا كان 
كون العالم عالما شاهدا معللا بالعلم لزم طرد ذلك غائبا. .)© 
ويرى د. عاد خفاجي أن هذا القياس هو المقابل لقياس العلة عند 
الأصوليين» وأن الغزالي يرى أنه مقابل للبرهان ال(اللمى) عند المناطقة, يقول 
د. عماد: (وقياس الغائب على الشاهد بجامع العلة هو نفس قباس العلة عند 
الأصوليين. ويقرر الغزالي أنه المقابل لما سماه المنطقيون برهان ال(اللم) أي 


.489# الإرشاد. ص‎ )١6( 
.١3586 ص‎ 2١ 3 البرهان.‎ 26) 





-١49- 


ذكر ما يجاب به عن ...)2 

قلت: ولكن الذي جاء في معيار العلم ...١‏ أن الحد الأوسط إن كان 
علة للحد الأكبر سه الفقهاء قياس علة. وساه المنطقيون برهان اللم. .)*9) 

وعبارة الغزالي ىا نرى فيها مساواة صريحة بين البرهان اللمي وقياس العلة 

ولكن الغزا لي عند حديثة عن التمثيل الأرسطى كنوع من أنواع الحجج 
بين أن التمثيل الأرسطى هو المقابل للقياس الأصولي والمقابل لقياس: الغائب 
على الشاهد. ولعل الدكتور عاد عندما أسند إلى الغزالي القول بالمساواة بين 
الغائب على الشاهد وبين القياس الأصولي في هذا النصء ثم مساواته بين 
القياس الأصولي والقياس اللمى في النص السابق عليهء فقرر أنه يساوي 
بين قياس الغائب على الشاهد وبين القياس اللمي وإن كانت هذه المساواة 
ليست صريحة )| ترى. 

وبغض النظر عما يتضمنه الجمع بين نص الإمام الغزالي من تضاربه في 
اعتباره قياس الغائب على الشاهد مساويا للتمثيل مرة ومساويا - نظرا 
للمساواة بينه وبين القياس الأصولي - للقياس اللمي مرة أخرى.ء بغض 
النظر عن هذا وما يتضمنه من المساواة بين قياس الغائب على الشاهد وبين 
حجة قوية كبرهان اللم. وحجة ضعيفة كالتمثيل مرة أخرى*". فإن لنا 
تعقيبا على دعوى المساواة بين قياس الغائب على الشاهد من جهة. والقياس 
الأصولي والقياس اللمي والتمثيل الأرسطي من جهة أخرى. 

أما دعوى المساواة بينه وبين القياس الأصولي فغير صحيحة. ذلك أن 
هذا القياس ‏ أعني قياس الغائب على الشاهد بجامع العلة - يستخدم في 
إثبات العلة. في الغائب كما مر معنا سابقا. 


277/0 مناهج العة لتفكير. ص /00/ا”. 
(798) معيار العلم . ص *7١5؟.‏ 
(194) يعتير التمثيل حجة ضعيفة عند المناطقة ‏ انظر الرد على المنطقيين» ص 54”. 


-١ 66 


فهو استدلال بمعلول وهو الكون عالما مثلا على العلة وهي العلم المطلوب 
إثباته في الغائب. 

لأن كون العالم عالما في الشاهد معلل بالعلم فيطرد التلازم بين العلة 
والمعلول غائبا وشاهدا. 

فكيف يكون هذا القياس هو المقابل لقياس العلة الأصولي؟ إذ إن العلة 
في قياس العلة الأصولي ركن من أركان القياس وليست الحكم الذي يراد 
إثباته . 

تقول: النبيذ مسكر فكان حراما كالخمر"”. 
فالأصل هنا الخمر. 
والعلة: الإسكار. 

والحكم: كون النبيذ حراما كالخمر. 

وأما دعوى المساواة بين قياس الغائب على الشاهد بجامع العلة والقياس 
اللمي فهي غير صحيحة كذلك. ذلك أن برهان اللم استدلال بالعلة على 
المعلول. تقول هذا متعفن الأخلاط وكل متعفن الأخلاط محموم فالنتيجة 
هذا محموم١"©.‏ ومحموم معلول العلة وهي متعفن الأخلاط. 

أما قياس الغائب على الشاهد بجامع العلة فهو إثبات للعلة كالعلم مثلا 
مستدلين بمعلولها وهو الكون عالما. أما دعوى المساواة بين قياس الغائب 
على الشاهد والتمثيل الأرسطي فغير صحيحة كذلك. وقد سبق أن قررنا 
ذلك2”95 , 
ب - قياس الغائب على الشاهد بجامع الدليل : 

ويعني المتكلمون بذلك أنه إذا وجُد في الشاهد حكم مقرون بدليله العقلي 
فإنه يثبت مثل ذلك الحكم في الغائب إذا ثبت في حقه هذا الدليل. 
“ب انظر الأحكام اج # اص 007 000 
(1*) انظر معيار العلم. ص 2.737١"‏ 


وانظر ضوابط المعرفة. ص 178 . 
(507”*) انظر ص ١44‏ من البحث. 


161١ - 


إذ من الحقائق المقررة أن الدليل العقلى مطرد دائما فلا يوجد إلا دالا 
على مدلوله شاهدا أو غائبا. ْ 

ومثال ذلك الأحداث فهي دليل على وجود المحدث في الشاهد فيطرد ذلك 
5 الغائب. يقول إمام الحرمين: (فإذا دل دليل على مدلول عقلا لم يوجد 
غير دال شاهدا وغائبا وهذا كدلالة الأحداث على المحدث)9©. 

وجاء في البرهان (والجمع بالدليل كقولنا: الحدوث والتخصيص والإحكام 
تدل على القدرة والإرادة والعلم شاهدا فيجب طرد ذلك غائبا. .)29. 

ويرى الدكتور عماد أن قياس الغائب على الشاهد بجامع الدليل هو نفس 
قياس الدلالة عند الأصوليين. وينقل عن الغزالي أنه المقابل للقياس اللمي 
عند المناطقة ثم يتبع قوله السابق بملحوظة فيقول: (ومن الملاحظ أن قياس 
الدلالة استدلال بمعلول على علة عكس القياس السابق (يعني قياس 
العلة) © إذن فهو برهان على العلة ودلالة عليها). 

ثم استدرك على الأشاعرة أن استخدامهم لهذا القياس عمليا كان في 
إثبات أحكام الصفات التي هي معلولة لها عكس ما تقرر من أنه استدلال 
بمعلول على علة فقال: (ولكن أئمة الأشاعرة والمعتزلة يلتقون في الاستدلال 
بهذا القياس على أحكام الصفات على حد تعبير الجويني والشهرستاني. وأعني 
أنهم يستدلون به مثلا على كونه عللما قادرا إلى آخر هذه الصفات فكيف 
يتأتى ذلك مع القول بأنه استدلال بمعلول على علة؟)9©. 

والواقع أن الأشاعرة لم يستخدموا هذا القياس استدلالا بعلة على معلول, 
وإنما استخدموه طبقا لما هو مقرر في شأنه من أنه استدلال بمعلول على 
علة» حيث استدلوا بالحدوث والتخصيص والإحكام على القدرة والإرادة 
والعلم كما نقلناه انفا عن إمام الحرمين في البرهان””©. 


(*” الإرشاد. ص 846. 

(4*) البرهان. ج ؟ ص 8؟1١.‏ 

(5”) قياس العلة استدلال بالعلة على المعلول كما سبق. 
(75) متاهج التفكير. ص 8ا". 

(/”) انظر البرهان. ج "؟ ص 156. 


-١6؟-‎ 


ثم إن الدكتور عاد نفسه قد نقل عنهم هذا في قوله (فإذا كان الحدوث 
مثلا دليلا على القدرة في الشاهد وكان الإحكام دليلا على العلم فيجب ثبوت 
هذا الحكم في الغائب)9©. 

فأنت ترى من خلال الأمثلة التى ضرا ناقلا من كتب الأئمة أنه 
استدلال بمعلول (الحدوث, والإحكام) على العلة (القدرة, العلم)9". 

أما استدلال إمام الحرمين على أحكام الصفات ككونه قادرا الخ في قوله 
(قلنا المرضى عندنا في ذلك أن الحادث يدل على القدرة؛ أو على كون القادر 
قادرا والمحكم يدل على كون المحكم عالما. . .)240. 

أقول أما استدلال إمام الحرمين على أحكام الصفات فهو كما ترى لم 
يصرح فيه بأنه قياس الغائب على الشاهد. وفي نفس الوقت فهو استدلال 
بمعلول على معلول أو بمعلول على علة. 

ولهذا نرى أن استدراك الدكتور عماد على الأشاعرة في هذا المقام غير 
وارد. 
ج - قياس الغائب على الشاهد بجامع الشرط: 

فإذا أراد المتكلمون إثبات صفة الحياة لله تعالى والحياة شرط في ثبوت 
العلم والقدرة والإرادة في الشاهد. فإنهم يستدلون بوجود هذه الصفات في 
الغائب على اتصافه بصفة الحياة» حيث لايتخلف وجود الشرط عن وجود 
المشروط شاهدا وغائبا. يقول إمام الحرمين: (الطريقة الثانية في الجمع 
الشرط» فإذا تبين كون الحكم مشروطا بشرط شاهدا ثم ثبت مثل ذلك 
الحكم غائبا فيجب القضاء بكونه مشروطا بذلك الشرط اعتبارا بالشاهد. 
وهذا نحو حكمنا بأن كون العالم عالما مشروط بكونه حيا فلا تقرر ذلك 
شاهدا اطرد غائبا. . .)40). 





زقكية مناهج التفكير. ص 7/8”. 

(9") لايقصد بكون الله علة لوجود العالم أنه صادر عن الله بطريق الإيجاب كالعلية الطبيعية بل بطريق 
الفعل والاختيار. 

(450) الإرشاد,» ص ؟5. 

.87 الإرشاد. ص‎ )41١ 


- 1١698 


وجاء في البرهان (والجمع بالشرط كقولنا: العلم مشروط بالحياة شاهدا 
فيجب الحكم بذلك على الغائب)9». 

فأنت ترى أنه يستدل بالمشروط وهو كونه عالما كما في الإرشاد. أو العلم 
كما في البرهان على ثبوت الشرط وهو كونه حيا كما في الإرشاد أو الحياة كما 
في البرهان. 

فكون الشخص عاما مشروط بشرط وهو كونه حيا وهذا في الشاهد. 
فوجب طرد ذلك في الغائب فاذا ثبت كونه تعالى عالما ثبت كونه حيا. 

قلت: وما الفرق بين الجمع بالدليل والجمع بالشرط. مادام أن المشروط 
دليل على الشرط ولماذا لا يكتفى بجامع الدليل؟ 
د - قياس الغائب على الشاهد بجامع الحقيقة : 

فيجب طرد الحقيقة شاهدا وغائباء فحقيقة العالم في الشاهد من قام به 
علم. فيطرد ذلك في الغائب أيضاء ويبذا يستدل على قيام صفة العلم بالله 
تعالى مادام قد ثبت كونه عالما طردا للحقيقة. يقول إمام الحرمين «فمههم| 
تقررت حقيقة شاهدا في محقق اطردت في مثله غائبا وذلك نحو حكمنا بأن 
حقيقة العالم من قام به علم..)9). ْ 

وقال مثل هذا في البرهان9». 

هذا هو قياس الغائب على الشاهد وهذه جوامعه الأربعة؛ وقد استخدمه 
إمام الحرمين كما قلنا في المرحلة الأولى من مراحله الفكرية مرحلة (الإرشاد 
والشامل). ونورد فيما يلي أمثلة لاستخدام إمام الحرمين له في إثبات 
العقائد:- 


3 - من مواضع استدلال إمام الحرمين بقياس الغائب على الشاهد. قْ 
[ الإرشاد والشامل ]: 





(؟:) البرهان ج .١‏ ص .١578‏ 
(59) الإرشاد ص 484. 
(5:) انظر البرهان ج ١‏ ص .١58‏ 


-1١64- 


أولا : إثبات المحدث للعالم: 

استخدم إمام الحرمين في (الإرشاد) قياس الغائب على الشاهد في إثبات 
بعض القضايا العقدية. فمن ذلك إثبات أن للكون محدثاء إذ استخدم إمام 
الحرمين قياس الغائب على الشاهد بجامع الدليل في إثباته كى) مر سابقاء 
حيث قال: (فإذا دل دليل على مدلول عقلا لم يوجد غير دال شاهدا وغائبا 
وهذا كدلالة الأحداث على المحدث)242. 

وبما يجدر ذكره أن للمعتزلة اعتراضا على الأشاعرة في استدلاهم هذاء 
فالأشاعرة لا يثبتون محدثا في الشاهد. إذ لا أثر للقدرة عندهم. وبالتالي 
ينسد أمامهم ك) يرى المعتزلة باب إثبات وجود المحدث بهذا الطريق شيا 
مع مذهبهم . 

ولقد ذكر إمام الحرمين اعتراضهم هذا على أبي الحسن الأشعري في 
الشامل. وأجاب عنه قائلا: (وأما ما ذكروه من أن إثبات المحدث غائبا 
لا يستقيم ممن لا يثبت محدثا شاهدا فساقط...)0» ثم ذكر أن إثبات 
المحدث له طرق كثيرة فانسداد طريق الاستدلال بالشاهد على الغائب لا 
يعني انسداد بقية الطرق. فهل يعني هذا تسليا ضمنيا من إمام الحرمين 
بإلزام المعتزلة بأن استخدام هذا القياس لا يتفق مع أصول الأشاعرة الذين 
لا يثبتون محدثا في الشاهد؟ 
ثانيا: إثبات الصفات المعنوية لله تعالى : 9؛) 

سلك إمام الحرمين في إثبات بعض الصفات المعنوية» وهي كونه تعالى 
قادرا وكونه عالما تارة مسلك الضرورة وتارة مسلك النظر. 

يقول في [ الإرشاد ] مثبتا كونه تعالى عالما قادرا على أساس الضرورة 
العقلية: (فإذا تقرر أن الباري تعالى صانع العالم واستبان للعاقل لطائف 
الصنع. وأحاط با تتصف به السماوات والأرض وما بينهها من الاتساق 


(ه4:) الإرشاد. ص 44. 
(5ة) الشامل. ص 58868. 
(47) (الصفات المعنوية هي الأحكام الثابتة للموصوف بها معللة بعلل قائمة بالموصوف) الإرشاد. ص ."١‏ 


-١ د66‎ 





والانتظام والإتقان والإحكام. فيضطر إلى العلم بأنها لم تحدث إلا من عالم 
بها قادر عليهاء ولا يستريب اللبيب في امتناع الاختراع من الجهلة والموتى 
والجمادات والعجزة. وكذلك يعلم كل عاقل على البديهة أن الفعل المحكم 
المتين يستحيل صدوره عن الجاهل به» ومن جوز وقد لاحت له سطور 
منظومة وخطوط متسقة مرقومة صدورها من جاهل بالخط يكون عن المعقول 
خارجا وني تيه الجهل والجا)0؟». 

أما إثبات كونه تعالى عالما مريدا عن طريق النظر العقلى قياسا للغائب 
على الشاهد بجامع الدلالة» فإنه يتضح لنا من خلال إلزامه للمعتزلة 
بضرورة إثبات كونه تعالى مريدا. لوجود التخصيص منه. لكون التخصيص 
في الشاهد يدل على القصد والإرادة» كما طردوا دلالة الإحكام والإتقان على 
الكون عالما شاهدا وغائباء ولا فرق بين العلم والإرادة في هذاء يقول إمام 
الحرمين: (قد سلمتم لنا أن اختصاص أفعال العباد بالوقوع في بعض 
الأوقات على خصائص من الصفات». يقتضي القصد إلى تخصيصها بأوقاتها 
وخصائص صفاتهاء كا أن الاتساق والانتظام والإتقان والإحكام, تدل على 
كون المتقن عالماء فكذلك الاختصاص يدل على كونه قاصدا الى 
التخصيص. و«الأدلة العقلية المفضية إلى القطع يلزم اطرادهاء لو تخيل العاقل 
ثبوت الدلالة غير دالة» لكان ذلك موجبا لخروجها من قضية الأدلة على 
العموم . . ٍ 

وكل وجه يدل العقل شاهدا من أجله على كونه مرادا مقصودا. فهو مقرر 
في فعل الله تعالى بتلازم دلالة فعله على ما دل عليه الفعل شاهداء ولو 
ساغ التعرض لنقض الدلالة وعدم طردهاء لساغ أن يدل الإحكام شاهدا 
على كون المخكم عالما من غير أن يدل الإحكام في فعل الله تعالى على 
كونه عالما. . .)2459 

فهذا النص دليل على أن إمام الحرمين يثبت كونه عالما مريدا بقياس 
الغائب على الشاهد بجامع الدلالة. 


(؛) الإرشادء ص 5١‏ - ؟5. 
(49) الإرشاد ص 584 - 568 


- 1١هكمس‎ 





الثا: إثبات صفات العاني لله تعالى: 

بعد أن أثبت إمام الحرمين 'لصفات المعنوية» وهي كونه قادرا عالماء 
أقول: بعد ذلك أراد إثبات صفات المعاني كالقدرة والعلم والحياة التي تجب 
عنها تلك الصفات المعنوية. 

فقرر أثناء إثباته لها أن إثباتها لا يمكن إلا من طريق قياس الغائب على 
الشاهد. يقول إمام الحرمين: (فاعلم أن إثبات العلم بالصفة الأزلية لا 
يتلقى إلا من اعتبار الغائب بالشاهد. ..)0©. 

فأثبت العلم بقياس الغائب على الشاهد بجامع العلة وبجامع الحقيقة 
كا سبق أن قررناه أثناء بحثنا عن الجوامع. وأثبت صفة الحياة بقياس 
الغائب على الشاهد بجامع الشرط». ونحن لا نسلم لإمام الحرمين أن 
صفات المعاني لا تثبت إلا من خلال المنيج العقلٍ. فضلا عيا يدعيه من 
أنها لا تثبت إلا مبذه الصورة من صور الأدلة العقلية. 

ذلك أنها يمكن أن تثبت بالممبج السمعي, وهذا الطريق سلكه السلف 
وسلكه إمام المذهب الأشعري في كتابيه الإبانة ولع الأدلة ىا سبق 
قررناه» بل لقد سلكه إمام الحرمين في كتابه لمع الأدلة» إذ يقول مثبتا صفة 
العلم والقدرة: (وقد صرحت نصوص من كتاب الله بإثبات الصفات منها 
قوله تعالى: 9إوَمَا تحمل من أن وَلآ نَضَعّ إلا بعلمه04". 

وقال عز من قائل: «أَنَرَلهُ بعلمه 9" . 

وقال سبحانه ممتدحا مثنيا على نفسه: إن آلله هو راق دو آلْقوٌة 
الْمَيينُ0. 

فأثبت لنفسه القوة ‏ وهى القدرة ‏ باتفاق المفسرينت*©. 

ثم إن هنالك طرقا عقلية أخرى لإثبات هذه الصفات. يقول شيخ 


(0١ة)‏ الإرشاد ص ؟287. 

)0١(‏ انظر ص 10 214 ١54١‏ من هذا البحث. 
(09) سورة فاطرء آية .1١١‏ 

(“ه) سورة النساء. آية 155. 

(4ه) سورة الذاريات» آية 4/ه. 

(5ه) لمع الأدلة ص 4864. 


-1١61ا/-‎ 





الإسلام (والمقصود هنا: أن من الطرق التي يسلكها الآأئمة ومن اتبعهم من 
نظار السنة في هذا الباب: أنه لو لم يكن موصوفا بإحدى الصفتين المتقابلتين 
للزم اتصافه بالأخرى. فلو لم يوصف بال حياة لوصف بالموتء. ولو لم يوصف 
بالقدرة لوصف بالعجزء ولم لم يوصف بالسمع والبصر لوصف بالصمم 
والخرس والبكم . 

وطرد ذلك أنه لو لم يوصف بأنه مباين للعالم لكان داخلا فيه» فسلب 
إحدى الصفتين المتقابلتين عنه يستلزم ثبوت الأخرى. وتلك صفة نقص ينزه 
عنها الكامل من المخلوقات, فتنزيه الخالق أولى. وهذه الطريق غير قولنا: 
إن هذه صفات كال يتصف بها المخلوق» فالخالق أولى» فإن طريق إثبات 
صفات الكال بأنفسها مغاير لطريق إثباتها بنفي ما يناقضها)7"”. 
رابعا: بيان تناقض الكرامية في قولهم بقيام الحوادث بذاته تعالى مع نفيهم 
لاتصافه بها. 

يرى الكرامية أن الحوادث تقوم بذات الرب وأنه لا يتصف با يقوم به 
من حوادث. ويحكي عنهم إمام الحرمين قولهم : (القول الحادث يقوم بذات 
الرب سبحانه وتعالى وهو غير قائل به وإنما هو قائل بالقائلية) "© . 

فيرد إمام الحرمين قولهم متهمهم بالتناقض مستخدما قياس الغائب على 
الشاهد لبيان وجه التناقض. إذ قيام المعنى في الشاهد يلزم منه اتصاف 
المحل الذي قام به بالحكم. فلو قام في شخص ما علم لكان هذا الشخص 
عالماء ولوقام به كلام لكان متكل) وهكذا الحكم في الغائب. 

والقول بأن الغائب يقوم به معنى من غير أن يتصف بهء يلزم منه أن 
الشاهد يقوم به معنى من غير أن يتصف بهء فيقوم في الشاهد علم ولا 
يكون عاما بالعلم الذي قام به وهذا يؤدي إلى خلط الحقائق ويؤدي إلى 
جهالات على حد قول إمام الحرمين إذ يقول «ونقول للكرامية مصيركم إلى 
إثبات قول حادث مع نفيكم اتصاف البارئ به تناقض إذ لو جاز قيام معنى 


(55) الرسالة التدمرية ص .١0١‏ 
(اه) الإرشاد, ص 454. 


-١68- 


بمحل غائباً من غير أن يتصف بحكمه لجاز شاهدا قيام أقوال وعلوم 
وإرادات بمحال من غير أن تتصف المحال بأحكام موجبة عن المعاني وذلك 
يخلط الحقائق ويجر إلى جهالات...)69. 


خامسا: نفى وجوب الأصلح على الله: 

يستدل المعتزلة في إثبات وجوب الأصلح على الله بقياس الغائب على 
الشاهد كى) يذكر إمام الحرمين اذ يقول أثناء مناقشته لحم (فإذا روجعتم فيم| 
انتحلتموه فزعتم إلى أمثلة في الشاهد توهمتم فيها قبحا وحسنا مدركين عقلا 
وحاولتم بعد اعتقاد ذلك رد الغائب إلى الشاهد. ..)2©. 

ثم ألزم المعتزلة بوجوب أن يصلح الشخص غيره بأقصى ما يمكن من 
أنواع الصلاح في الشاهد فإذا لم يلتزموا بذلك وسلموا أنه لا يجب على 
لمقيس عليه وهو الشاهدء فإذا لم يجب في حقه فعل الأصلح لم يجب في 
الغائب. 

يقول إمام الحرمين: (فينبغي أن توجبوا على الواحد منا أن يصلح غيره 
بأقصى الإمكان مصيرا إلى وجوب فعل الأصلح شاهدا وغائبا فإذا لم توجبوا 
فعل الأصلح شاهدا وهو الأصل المرجوع إليه فيا يناقش فيه غائبا فقد 
نقضتم دليلكم وحسمتم سبيلكم)”©. 
سادسا: إبطال نفي الكعبي لصفة الإرادة عن الله تعالى : 

لايثبت الكعبي صفة الإرادة لله تعالى على الحقيقة» ويرى الاكتفاء بكونه 
تعالى عالما عن تقدير كونه مريداء لأن الحي في الشاهد احتاج إلى صفة. 
الإرادة» لأنه لا يحيط بالمغيب عنهء أما البارى فهو عالم بالغيوب. فوقع 
الاجتزاء بكونه عالما عن تقدير كونه مريدا. 

ولقد أبطل إمام الحرمين هذا المذهب مستخدما قياس الغائب على 
(مه) الإرشاد. ص 45.. 


(9ه) الإرشاد. ص 5988؟. 
زدل4 الإرشاد. ص 8 


1١68 


الشاهد. فالشاهد لو علم واطلع على ما سيكون من فعله كأن يخيره صادق. 
أو يعلمه الله فلا يقال: إنه استغنى بعلمه ومعرفته عن صفة الإرادة. وهكذا 
في الغائب. 

يقول إمام الحرمين (ثم نفرض عليهم فاعلا شاهدا مطلعا على ما سيكون 
من فعله. بإنباء صادق أتاه. أو إعلام الله إياه. ولو كان الأمر كذلك لافتقر 
الفعل مع ذلك إلى القصد إليه فبطل التعويل على صرف وجه الدليل إلى 
ذهول الفاعل عما لم يقع من فعله)0©. 
ه - نقد إمام الحرمين لقياس الغائب على الشاهد في البرهان: 

ومع أن إمام الحرمين قد استخدم هذا القياس في مرحلة الإرشاد ى] 
شرحناء فإنه ما لبث أن رفضه في (البرهان) موجها إليه سهام النقد. فانتقد 


أ نقد الجمع بالعلة: 


انتقد إمام الحرمين الجمع بالعلة في هذا القياس قائلا (والجمع بالعلة 
بعينه)9" . 

ومعنى ذلك: إذا أثبتنا صفة العلم لله تعالى على أساس أن هذه الصفة 
علة لما هو ثابت له من كونه تعالى عالما لوجود ذلك في الغائب فإن إمام 
الحرمين ينتقد هذا القياس بأمرين: 
أوهما : نفى العلية والمعلولية شاهدا وغائبا. 
انيهما : أنه لا علية ولا معلولية بين كونه تعالى عالما وصفة العلم. فكون 

العالم عالما هو في حقيقته ثبوت صفة العلم له فصفة العلم هي 

(11) الإرشاد. ص 50. 


(15) البرهان ج ١١‏ ص .١13١‏ 


وانظر المنخول ص /ا6. 





1١590 


قلت: وهذا النقد وارد على أئمة المذهب الأشعري دون غيرهم ممن يشبت 
العلة والمعلول. ونحن نعلم أن إمام الحرمين وأئمة الأشاعرة قد استخدموا 
هذا النوع من القياس. فهل هذا الاستخدام يتناقض مع مذهبهم في العلة 
والمعلول. ومع هذا كانوا غافلين عن هذا التناقض. أم إنهم يفهمون العلة 
والمعلول في هذا القياس كالعلة والمعلول في القياس الأصولي والذي ما زال 
يستخدمه إمام الحرمين مبينا في البرهان المسالك لإثبات العلة؟ 

إن كان المفهوم واحدا فيعتبر قبول فكرة العلية والمعلولية في القياس 
الأصولي ورفضها في هذا القياس تحكما من إمام الحرمين. 

وإن كان المفهوم منب| مختلفاء والعلة هنا في هذا القياس بمعنى العلة 
العقلية والمؤثرة» والعلة في الأصول بمعنى الأمارة"©. فيكون إمام الحرمين 
والأشاعرة على فرض تسليمهم بهذا التفريق متناقضين». لاستخدامهم قياس 
الغائب على الشاهد بجامع العلة. مع أن مذهبهم نفي العلية والمعلولية. 


نا - نقده ا جمع بالحقيقة : 


وكا انتقد الجمع بالعلة انتقد الجمع بالحقيقة قائلا: (والجمع بالحقيقة 
ليس بشيء) إذ يرى أننا إذا أثبتنا صفة العلم لله تعالى على أساس أن 
حقيقة العالم في الشاهد من قام به العلم. فكذلك يكون الأمر في الغائب 
إذا فعلت ذلك فليس بشيء لأن (العلم الحادث مخالف للعلم القديم فكيف 
يجتمعان في الحقيقة مع اختلافها؟)9©. 

فإذا قيل إن (العلمية) هي التي تجمع بين العلم القديم والعلم الحادث, 





(1) يفرق إمام الحرمين .بين العلة العقلية والعلة السمعية فينفي الأولى ويثبت الثانية. إذ أجاب من 
يقيس العلل السمعية على العقلية بقوله (فنقول طؤلاء: العلل العقلية لا حقيقة لا ومن طلب 
الإحاطة بذلك فهو محال على دقيق الكلام في العلة والمعلول. ثم يقال هم ما يسمى علة سمعية 
فهي أمارة في مسلك الظن وحقها أن تقابل بالأدلة العقلية). 
البرهان. ج ؟. ص 44#. 

(5) البرهان. اج لاص .١"١٠‏ 


ك١‎ 





أجاب إمام الحرمين بأن ذلك مبني على القول بالأحوال© وهي باطلة 
عنده9) , 
ج - نقض إمام الحرمين قياس الغائب على الشاهد نقضا إجماليا: 

كما نقض إمام الحرمين هذا القياس نقضا إحماليا عندما بين أن لا فائدة 
من ذكر الشاهد. سواء أقيم الدليل على المطلوب في الغائب أو لم يقم دليل 
على المطلوب. 

فلو أقيم دليل على المطلوب في الغائب فليس للشاهد أثر» وإن لم يقم 
دليل فذكر الشاهد لا معنى له. فالتخصيص مثلا يدل على ثبوت الإرادة. 
فإذا تمت الدلالة بينها ثبت بها صفة الإرادة في الغائب دون حاجة إلى 
الاستشهاد بتام الدلالة بينهها في الشاهد. وقياسا على ذلك يكون الأمر في 
جوامع العلية والحقيقة» يقول إمام الحرمين: (والقول الجامع في ذلك: أنه 
إذا قام دليل على المطلوب في الغائب فهو المقصود. ولا أثر لذكر الشاهد. 
وإن لم يقم دليل على المطلوب في الغائب فذكر الشاهد لا معنى لهء وليس 
في المعقول قياس وهذا يجري في الشرط والدليل)9©. 

ولقد تابع الغزالي إمام الحرمين في نقضه لقياس الغائب على الشاهد في 
كتابيه المنخول ومعيار العلم. فقال في معيار العلم مبينا عدم فائدة ذكر 
الشاهد في إثبات حكم للغائب» إذا كان هذا الحكم مبنيا على شرط معين 
وتحقق هذا الشرط قال (إذا قيل لإنسان لم ركبت البحر؟ فقال: لأستغني. 
فقيل له: ولم قلت إذا ركيت البحر استغنيت؟. فقال: لأن ذلك اليهودي 
ركب البحر فاستغنى». فيقال وأنت فلست يهوديّا فلا يلزم من ثبوت الحكم 
فيه ثبوت الحكم فيك فلا يخلصه إلا أن يقول: هو لم يستغن لأنه بهودي 
بل لأنه ركب البحر تاجراء فنقول: إذن فذكر اليهودي حشوء بل طريقك 
زه+) عرف إمام الحرمين الحال في (الإرشاد) بأنها (صفة لوجود غير متصفة بالوجود ولا بالعدم). 

وكان إمام الحرمين من القائلين بالأحوال في الإرشاد إذ رد على منكريبا. انظر الإرشاد ص .8١‏ 


.١1"١ اص‎ ١ انظر البرهان جُ‎ 55١ 
.1"١ صا١ البرهان ج‎ )50( 


داكا 


أن تقول كل من ركب البحر أيسرهء. فأنا أيضا أركب البحر لأوسر ويسقط 
أثراليهودي. فإذن لا خير في رد الغائب إلى الشاهد إلا بشرط مهما تحقق 
سقط أثر الشاهد المعين)9"©). 


5 - الموقف السلفى من قياس الغائب على الشاهد: 

يرى شيخ الإسلام أن قياس الغائب على الشاهد منه ما هو حق ومنه 
ما هو باطل. وفي ذلك يقول: (قياس الغائب على الشاهد باتفاق الأمم 
ينقسم إلى حق وباطل» فإن لم يتبين أن هذا من الباطل لم يصلح رده بمجرد 
ذلك)6*9, 

ولقد أشار إلى اضطراب موقف المتكلمين والفلاسفة من هذه الصورة من 

فيستعملونها لإثبات ما يوافقهم من اراء ويرفضونها إذا استعملها خصمهم 
فيا يخالفهم من اراعء» يقول شيخ الإسلام : (المتكلمون والفلاسفة كلهم على 
اختلاف مقالتهم هم في قياس الغائب على الشاهد مضطربون. كل منهم 
يستعمله فيا يثبته ويرد على منازعه ما استعمله في ذلك. وإِنْ كان قد 
استعمل هو في موضع آخر ما هو دونه وسبب ذلك أنهم لم يمشوا على 
صراط مستقيم ‏ بل صار قبوله ورده بحسب القول لا بحسب ما يستحقه 
القياس العقلي» | نجدهم أيضا في النصوص النبوية كل منهم يقبل منها 

وإن كان المردود من الأخبار المقبولة باتفاق أهل العلم بالحديث والذي 
قبله من الأحاديث المكذوبة باتفاق أهل العلم والحديث فحالهم في الأقيسة 
العقلية كحالهم في النصوص السمعية لهم في ذلك من التناقض والاضطراب 

وأما السلف والأئمة فكانوا في ذلك من العدل والاستقامة وموافقة المعقول 





(58) معيار العلم ص ١١5‏ وانظر المنخول ص 07. 
(59) نقض تأسيس الجهمية ج ١‏ ص 440 


-1١5*- 


الصريح والمنقول الصحيح بحال ‏ آأخر)”" , 
ولعل رأي شيخ الإسلام يتضح لنا بدرجة أكبر عندما نطلع على حله 

للنزاع الذي وقع بين من يرى استخدام هذه الصورة من الاستدلال» ومن 
يمنع استخدامها. إذ ذكر شيخ الإسلام كى) نقلنا عنه سابقا أن متكلمي 
الحنابلة كالقاضي وابن عقيل والزاغوني وغيرهم من المتكلمين يستخدمون هذه 
الصورة من الاستدلال بجامع الحد والدليل والشرط والعلة لإثبات صفة 
العلم والإرادة2” . 

ثم ذكر أن الشيخ أباحمد أنكر عليهم استخدامه في رسالته إلى أهل 

س العين. فالله لا يسمى غائبا لقوله تعالى : ِنَلنقَصَّنَ عَلَيْهم بعلم وَمَا 
5 0 

مع العلم أن طائفة من السلف تفسر قوله تعالى. طالّذينَ يوْمنونَ 
بالْغَيبَ 004 بأن الغيب هو الله أو من الإيمان بالغيب الإيمان بالله9©. 
فا هو فصل الخطاب بين الطائفتين؟ 

أجاب شيخ الإسلام قائلا: (وفصل الخطاب بين الطائفتين أن اسم 

الغيب» والغائب. من الأمور الإضافية يراد به ما غاب عنا فلم ندركه. 
ويراد به ماغاب عنا فلم يدركناء وذلك لأن الواحد منا إذا غاب عن الآخر 
مغيبا مطلقا لم يدرك هذا هذا ولا هذا هذاء والله سبحانه شهيد على العباد 
رقيب عليهم مهيمن عليهم. ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في 
السماء. فليس هو غائبا وإن| «لا) لم يره العباد كان غيباء ولهذا يدخل في 
الغيب الذي يؤمن به وليس هو بغائب فإن (الغائب) اسم فاعل من قولك 
غاب يغيب فهو غائب والله شاهد غير غائب». وأما (الغيب) فهو مصدر 
غاب يغيب غيباء وكثيرا ما يوضع المصدر موضع الفاعل كالعدل والصوم 
والزورء وموضع المفعول كالخلق والرزق ودرهم ضرب الأمير. 
(0) بيان تأسيس الجهمية ج ١‏ ص #06 000 


(1/) انظر ص ١58‏ من هذا الحديث. 
(7/) سورة الأعراف آية 7. 


(9/) سورة البقرة آية 7 
(75) انظر مجموع الفتاوي. ج ١4‏ ض١13-65ه.‏ 


-1١56- 


ولهذا يقرن الغيب بالشهادة وهى أيضا مصدرء. فالشهادة هي المشهود أو 
الشاهد. والغيب هو إما المغيب عنه فهو الذي لا يشهد نقيض الشهادة, 
وإما بمعنى الغائب الذي غاب عنا فلم نشهده فتسميته باسم المصدر فيه 
تنبيه على النسبة إلى الغير أي ليس هو بنفسه غائباء وإنما غاب عن الغير 
أو غاب الغير عنه. وقد يقال اسم «الشهادة والغيب» يجمع النسبتين» 
فالشهادة ما شهدنا وشهدناه. والغيب ما غاب عنا وغبنا عنه فلم نشهده, 
وعلى كل تقدير فالمعنى في كونه غيبا هو انتفاء شهودنا لهء وهذه تسمية قرانية 
صحيحة, فلو قالوا قياس الغيب على الشهادة لكانت العبارة موافقة» وأما 
قياس الغائب ففيه مخالفة في ظاهر اللفظ ولكن موافقة في المعنى. فلهذا 
حصل في إطلاقه التنازع9"©. 

وكا صحح شيخ الإسلام إطلاق كلمة غائب على الذات الإلهية» صحح 
كذلك ذكر الشاهد في هذا القياس». ولقد سبق أن ذكرنا أن من الانتقادات 
التي وجهت إلى هذا القياس عدم فائدة ذكر الشاهد. 

ولكننا نجد شيخ الإسلام يصحح ذكر الشاهد في رده على ابن رشد إذ 
يقول له (جميع ما تذكره أنت وأصحابك المتكلمون في هذا الباب. لابد 
فيه من مقدمة كلية تتناول الغائب والشاهد. ولو لا ما يوجد في الشاهد 
من ذلك, لا تصور من الغائب شىء أصلاء فضلا عن معرفة حكمه. فإن 
أبطلت هذا بطل جميع كلامكم)0". 

وكا حكى شيخ الإسلام عن النظار استخدام قياس الغائب على الشاهد 
إجمالا" نجده في العقيدة الأصفهانية يذكر استدلالهم على إثبات صفة الحياة 
لله تعالى مستخدمين هذا القياس بجامع الشرطء إذ يقول شيخ الإسلام 
(فهذا دليل مشهور للنظار يقولون قد علم أن من شرط العلم والقدرة 
الحياة» فإن ماليس بحي يمتنع أن يكون عالماء إذ الميت لا يكون عالماء 
والعلم بهذا ضروريء» وقد يقولون هذه الشروط العقلية لا تختلف شاهدا 


(5/) درء التعارض جْ | ص ”97”. 
(/7) انظر الرد على المنطقيين تحقيق عاد ج ١‏ ص ”1؟. 


156 - 





ولا غائبا فتقدير عالم لا حياة به ممتنع بصريح العقل)0©. 

فتبين لنا مما سبق أن شيخ الإسلام لا يعترض على هذا النوع من 
الاستدلال بل صححه إذا استوق شروطه بدليل أنه قال كيا سبق أن منه 
ما هو حق. ولكن السؤال هل استخدمه؟. 

الواقع أنني لم أجده يستعمل هذا النوع من الاستدلال. والمنبج الذي 
يراه هو الاستدلال بالآيات وقياس الأولى» فهذا هو منبج الأنبياء ومنيج 
القران. يقول شيخ الإسلام: (ولهذا كانت طريقة الأنبياء - صلوات الله 
عليهم وسلامه ‏ الاستدلال على الرب تعالى بذكر آياته. وإن استعملوا في 
ذلك «القياس» استعملوا «قياس» (الأولى)» ل يستعملوا «قياس شمول» 
تستوي أفراده. ولا «قياس تمثيل» محض . فإن الرب تعالى لا مثل لهء ولا 
يجتمع هو وغيره تحت كل تستوي أفراده. بل ما ثبت لغيره من كال لا 
نقص فيه فثبوته له بطريق الأولى. وما تنزه عنه غيره من النقائقض فتنزهه 
عنه بطريق الأولى. ولهذا كانت الأقيسة العقلية البرهانية المذكورة في القران 
من هذا الباب. كما يذكره في دلائل ربوبيته وألوهيته؟"©. 





(7/8) العقيدة الأصفهانية ص ١5؟.‏ 
(07/9) الرد على المنطقيين ص .١6١‏ 


كك 


الفصهل الثاني 
الاستدلال بإنتاج المقدمات النتائج 


١‏ - مفهومه وصورته: 

وضع إمام المحرمين هذا العنوان للنوع الثاني من صور الأدلة التي 
استخدمها أئمة الأشاعرة» وعرض للا هو بالدراسة والنقدء ولا يعني بهذا 
النوع من الاستدلال استنتاج النتائج من مقدمات مجتمعة إِمَا مقدمتين أو 
أكثر من مقدمتين. وإن| يعني إنتاج كل مقدمة بمفردها لنتيجة معينة أو بعبارة 
أخرى استنتاج النتيجة من مقدمة واحدة. ولقد ضرب ذا النوع من 
الاستدلال مثالا فقال: 

(وأما بناء النتائج على المقدمات فهو كقولنا: الجواهر لا تخلو عن حوادث 
مستندة إلى أولية, فهذه هي المقدمة. والنتيجة أن ما لا يخلو عن الحوادث 
لا يسبقها)0”, 

ثم أوضح أن المقدمة عند الأئمة السابقين قد تكون ضرورية والنتيجة 
نظرية وهذا هو الغالب. 

وقد تكون المقدمة نظرية والنتيجة ضرورية. يقول إمام الحرمين حاكيا عن 
الأئمة السابقين: (ثم قالوا قد تكون المقدمة ضرورية والنتيجة نظرية وهذا 
هو الأكثر كقولنا: تحرك الجوهر ولم يكن متحركاء فهذه مقدمة ضرورية 
نتيجتها أنه لا بد والحالة هذه من فرض زائد على الذات» وقد تكون المقدمة 
نظرية والنتيجة ضرورية. كقولنا: الجوهر لا يخلو عن الحوادث التي لما أول. 
وهذه مقدمة نظرية. لا يتوصل إليها إلا بدقيق النظرء والنتيجة أن ما لا 


.١158 ص‎ ١ البرهان ج‎ )8١( 


-/ا15 - 


يخلو عن الحوادث التي لها أول حادث وهذا ضروري)67, 
؟ - استخدام المتكلمين لإنتاج المقدمات النتائج : 

تبين لنا أن المراد بإنتاج المقدمات النتائج هو الاستنتاج من مقدمة واحدة» 
وهو أمر ينازع فيه المناطقة كما سيأتي» فهل المتكلمون السابقون على إمام 
الحرمين يرون أن الإنتاج يتأتى من مقدمة واحدة؟. 

بالنظر في شرح الأصول الخمسة وجدنا القاضي عبدالحبار يثبت كونه تعالى 
محدثا قادرا وكونه عالما وكونه حيا مهذه الصورة من الاستدلال» إذ جاء فيه: 
(فينبغي أن ينظر في هذه الحوادث من الأجسام وغيرهاء ويرى جواز التغيير 
عليها فيعرف أنها محدثة» ثم ينظر في حدوثهاء فيحصل له العلم بأن لا 
محدثا). 

(ثم ينظر في صحة الفعل منه فيحصل له العلم بكونه قادرا. 

ثم ينظر في صحة الفعل منه على وجه الإحكام والاتساق. فيحصل له 
العلم بكونه عالما. 

ثم ينظر في كونه قادرا أو عالما فيحصل له العلم بكونه حياء ثم ينظر 
في كونه حيا لا افة به فيحصل له العلم بكونه سميعا بصيرا مدركا 
للمدركات. 

ثم ينظر في كونه عالما وقادرا فيحصل له العلم بكونه موجودا)69 , 

ونجد شيخ المذهب في كتابه اللمع يستخدم هذه الصورة من الاستدلال 
ما يدل على أنه يرى أن الإنتاج يتأتى من مقدمة واحدة. إذ جاء فيه: 
(فإن قال قائل: لم قلتم إن الله تعالى عالم؟ قيل له لأن الأفعال المحكمة 
لا تتسق في الحكمة إلا من عالم...)65. 





.١74 ص‎ ١ برهان ج‎ )8١( 
ما يجدر ذكره أن هذه النتيجة وإن اعتبرها المتكلمون ضرورية فهي عند شيخ الإسلام نظرية‎ 
باطلة في نفس الوقتء لا يترتب عليها من أمور باطلة وهي تعطيل الذات الإلهية من صفاتها‎ 
الخبرية كالمجيء والإتيان والاستواء والنزول وإنكار أن الله يتكلم بحرف وصوت وكل هذه‎ 

الصفات يردها المتكلمون بحجة أن ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث. 

(85) شرح الأصول الخمسة. ص 560. 

(85) اللمع. ص 47. 


-1١548- 


وجاء فيه (فإن قال قائل: لم قلتم إن الله سميع بصير؟ قيل له: لأن 
الحي إذا لم يكن موصوفا بآفة تمنعه من إدراك المسموعات والمبصرات إذا 
وجدت فهو سميع بصير)09, 

وفي التمهيد أيضا نجد ناذج تدل على أن الإمام الباقلاني يرى أن الإنتاج 
يتأتى من مقدمة واحدة» إذ يقول: (فإن قال قائل: فا الدليل على أن صانع 
الأشياء حي؟ قيل له: الدليل على ذلك أنه فاعل عالم قادر والفاعل العالم 
القادر لا يكون إلا حيا)””. 

ويقول أيضا: (والدليل على حدوث الأجسام أنها لم تسبق الحوادث وم 
توجد قبلهاء وما لم يسبق المحدث محدث كهو...)69. 
من مواضع استدلال إمام الحرمين بإنتاج المقدمات النتائج في (الإرشاد) : 

استعمل إمام الحرمين إنتاج المقدمات النتائج في كتابه الإرشاد في إثبات 
كونه تعالى قادراً. عالما حيا. فالفعل الحادث يدل على كونه قادراً» وإحكام 
الفعل يدل على علمه المحكم. وكونه عالما قادرا يدل على كونه حياء يقول 
إمام الحرمين: «المرضيّ عندنا في ذلك أن الحادث يدل على القدرة أو على 
كون القادر قادراء والمحكم يدل على كون المحكم عالما..)9©. 

ويقول ايضا: (فإذا اتضح كون البارئ سبحانه وتعالى عالما قادرا 
فباضطرار تعلم كونه حيا)". 
4 - نقد إمام الحرمين لإنتاج المقدمات النتائج في (البرهان): 

لم يعتبر إمام الحرمين هذه الصورة في (البرهان) طريقا من طرق 
الاستدلال. إذ يقول: (وأما المقدمة والنتيجة فلست أرى في عد ذلك صنفا 
(85) اللمع.» ص 55؟. 
(80) التمهيد. ص .73١‏ 
(85) التمهيد. ص ؟١35.‏ 


7م الإرشاد. ص "6١‏ 
)8م الإرشاد. ص 37" 


-1١594- 


والعلوم كلها ضرورية)2"9. 

والظاهر من كلامه أنه يرى أن المقدمة الواحدة لا تنتج نتيجة عقلية 
صحيحة. وقد تابعه على ذلك شارح البرهان مبينا أن الإنتاج لا يكون إلا 
من مقدمتين على نحو ما يقرره المناطقة. إذ يقول: (.. وأما قولهم: إن 
المقدمة الواحدة منتجة فهذا الكلام غير صحيح., إلا أن يكونوا أهملوا ذكر 
المقدمة الثانية للإيضاح. فأما ترتيب النتيجة على المقدمة فلا يصح ذلك. 
إذ أقل ما يتركب منه البرهان مقدمتان يحصل بينها ازدواج بذكر أمر يكون 
موجودا في المقدمتين حميعاء وهو الربط. ولولاه لما تحصل النتيجة أبداء فإنا 
لو قلنا النبيذ مسكر فكان حراما لم يلزم ذلك إلا إذا قلنا وكل مسكر حرام. 
وقوله تعالى: لو كان فيه عَاهَةٌ إلا آلله لْمْسَدَتَا4”» إنا حصل المقصود 
للعلم بالمقدمة الأخرى. د المشاهدة على أنها م يفسداء وكذلك قرولهم تحرك 
الجوهر وم يكن متحركا فلا بد من فرض زائد على الذات وهذا لا يكون 
منتجا حتى ينضم إليه كل طارىء على الذات فلا بد له من مقتضى. وقد 
طرأ التحرك على الذات فلابد له من مقتضى . ..)09,. 
ه ‏ الموقف السلفي من إنتاج المقدمات النتائج : 

اتضح في ما سبق أن المتكلمين من المعتزلة والأشاعرة سبقوا إمام الحرمين 
في استخدام هذا النوع من صور الاستدلال العقلي. وهو (إنتاج المقدمات 
النتائج ) في إثبات العقائد. وأن إمام الحرمين قد استخدمه كذلك في مرحلته 
الفكرية الأولى بناء على ما يرونه من أنه استدلال عقلٍ صحيح . لكننا نرى 
المناطقة يخالفون المتكلمين في هذاء فالمناطقة يرون أن الإنتاج لا يتأتى إلا 
من مقدمتين بلا زيادة ولا نقصان. وأنه لا يتأتى الإنتاج من مقدمة واحدة. 
أما إذا كان الدليل من مقدمة واحدة فيرون أن المقدمة الأخرى محذوفة, 
إما للعلم بها وإما غلطا وإما تغليطاء وسموا هذا النوع من القياس (المضمر) 
لقم البرهان ج ١‏ ص .١1"٠‏ 


(40) سورة الأنبياء آية نقد 
(41) التحقيق والبيان في شرح البرهان ص ٠١‏ ١5؟.‏ 


اا 


كقولنا هذا مسكر فهو حرام. فإن هذه النتيجة لا تلزم من المقدمة الأولى 
إلا بعد مراعاة المقدمة المضمرة وهي كل مسكر حرام وإلا لما لزمت النتيجة 
من المقدمة الأولى69©. 

أما المتكلمون فيرون أن الإنتاج يتأتى بمقدمة واحدة ى) ذكرنا. 

ولقد أيد شيخ الإسلام ابن تيمية المتكلمين وانتقد المناطقة في مذهبهم 
قائلا (ولهذا لا تجد أحدا من سائر أصناف العقلاء غير هؤلاء «يعني المناطقة» 
ينظم دليله من «المقدمتين»), كى) ينظمه هؤلاء. بل يذكرون الدليل المستلزم 
للمدلول. ثم الدليل قد يكون مقدمة واحدة. وقد يكون مقدمتين» وقد 
يكون مقدمات بحسب حاجة الناظر المستدل إذ حاجة الناس 
تختلف . . .)065 , 

ثم بين شيخ الإسلام في موضع آخرء اختلاف الناس في مدى احتياجهم 
إلى المقدمات قلة وكثرة فيا يريدون الوصول إليه من نتائج. وسبب هذا 
الاختلاف بينهم. إذ يقول: (وذلك أن احتياج المستدل الى المقدمات مما 
يختلف فيه حال الناس». فمن الناس من لا يحتاج إلا إلى مقدمة واحدة 
لعلمه باسوى ذلك. كما أن منهم من لا يحتاج في علمه بذلك إلى 
استدلال. بل قد يعلمه بالضرورة. ومنهم من يحتاج إلى مقدمتين. ومنهم 
من يحتاج إلى ثلاث ومنهم من يحتاج إلى أربع وأكثر. 

فمن أراد أن يعرف أن «هذا المسكر المعين محرم» فإن كان يعرف أن 
كل مسكر محرمء ولكن لا يعرف هل هذا المعين مسكر أم لا؟ لم يحتج 
إلا إلى مقدمة واحدة. وهو أن يعلم أن «هذا مسكريء فإذا قيل له: «هذا 
حرام») فقال ما الدليل عليه؟ فقال المستدل: «الدليل على ذلك «أنه مسكر» 
فقال: «لا نسلم أنه مسكر» فمتى أقام الدليل على أنه مسكر تم 
المطلوب . 0 
(؟4) انظر معيار العلم» ص .٠١6‏ 

انظر الرد على المنطقيين. ص ١١!‏ - 158. 


انظر منطق ابن تيمية » ص 2.٠١١6‏ 
(495) الرد على المنطقيين.ء ص .١٠١١‏ 


( 


-1١ا/1-‎ 


.. وقد يحتاج الاستدلال إلى مقدمتين لمن لم يعلم أن «النبيذ المسكر 
المتنازع فيه محرم» ولم يعلم أن «هذا المعين مسكر» فهو لا يعلم أنه محرم 
حتى يعلم أنه مسكر ويعلم أن كل مسكر حرام وقد يعلم أن هذا مسكر 
ويعلم أن كل مسكر خمرء ولكن لم يعلم أن النبي يِه حرم الخمر لقرب 
عهده بالإسلام» أو لنشأته بين جهال أو زنادقة يشكون في ذلك» أو يعلم 
أن النبي كلل قال: كل مسكر حرام. أو يعلم أن هذا خمر وأن النبي كَل 
حرم الخمرء ولكن لم يعلم أن محمدا رسول الله أو لم يعلم أنه حرمها 
على جميع المؤمنين. بل ظن أنه أباحها لبعض الناس وظن أنه متهم. كم]| 
ظن أنه أباح شربها للتداوي أو غير ذلك. فهذا لا يكفيه في العلم بتحريم 
هذا النبيذ المسكر تحرييا عاما الا أن يعلم أنه مسكرء وأنه خمرء وأن 
النبي كْةِ حرم الخمر. أو أن النبي كلِهِ حرم كل مسكرء وأنه رسول الله 
حقاء فا حرمه فقدحرمه الله. وأنه حرمه تحريما عاما م يبحه للتداوي ولا 
للتلذذ)9"©. 

وبعد أن عرض شيخ الإسلام طريقة المتكلمين في إثبات الصفات 
السب ©» مستخدمين إنتاج المقدمات النتائج , بين أن الصفات التي يؤولونها 
ولا يثبتونها على حقيقتها كالرضى والغضب ولمحبة تثبت بنفس الطريق الذي 
سلكوه في الصفات السبع. يقول شيخ الإسلام : (.. يمكن إثبات هذه 
الصفات بنظير ما أثبت به تلك من العقليات فيقال: نفع العباد بالإحسان 
إليهم يدل على الرحمة كدلالة التخصيص على المشيئة وإكرام الطائعين يدل 
على محبتهم وعقاب الكفار يدل على بغضهم. كا قد ثبت بالشاهد والخير 
من إكرام أوليائه وعقاب أعدائه والغايات المحمودة في مفعولاته ومأموراته 
وهى ما تنتهى إليه مفعولاته ومأموراته من العواقب الحميدة ‏ تدل على 
حكمته البالغة ىا يدل التخصيص عل المشيئة وأولى لقوة العلة الغائية)«"©. 


(44) الرد على المنطقيين.» ص 1١58‏ 159. 
[فن 6 وهي صفات العلم والقدرة والإرادة والحياة والسمع والبصر والكلام . 
(45) التدمرية ص 4". 


- ١7/7” 


الفصل الثالث 


الاستدلال بالسير والتقسيم 

١‏ - مفهومه وصورته: 

السبر لغة التجربة والاختبار. سبر الشىء سبرا حزره وخبره» وسّمي 
مايعرف به طول الجرح سبارا ومسبارا. - 

والتقسيم حصر أوصاف المحل. 

فهذا الدليل إذن يتركب من أصلين: 

أحدهما: حصر أوصاف المحل ومعناه التقسيم . 

الثاني: اختبار تلك الأوصاف المحصورة وإبطال ماهو باطل منها لإبقاء 
ماهو صحيح . 

ولهذا ذهب الأسنوي إلى أن الأولى أن يقال (التقسيم والسبر) لأن التقسيم 
متقدم في الخارج فكان حقه أن يتقدم في اللفظ. 

قلت: ولكن الواو لمطلق العطف ولا تقتضى الترتيب. فقولنا السبر 
والتقسيم أو التقسيم والسبر واحد لافرق بينه]©©. 

ومثاله إذا أردت إثبات أن العالمى حادث فتحصر العالم بين الحدوث 
والقدم فتبطل كونه قدي| فيثبت كونه حادثا. 

وكأن تحصر العدد في الزوجية والفردية فتقول هذا العدد إما زوج وإما 
فردء فتبطل أحدهما فتقول ولكنه ليس بفرد فيثبت الآخر وهو كونه زوجا. 

والأصوليون يستخدمونه لاقتناص العلة, فالسبر والتقسيم إذن أحد طرق 


زفف انظر اللسان. مادة سبرء ج :| ص ."1١0‏ الأسنوي. جْ * ص .7١(‏ وانظر أضواء البيان. ج4غء 
ص 78*56 ص 77١‏ مناهج البحث. ص .١١4‏ 


- ١/9 





اكتشاف العلة عند الأصوليين99). 

ولهذا عرفه إمام الحرمين كأصولي فقال: (ومعناه على الجملة أن الناظر 
يبحث عن معان مجتمعة في الأصل ويتتبعها واحدا واحدا ويبين خروج 
احادها عن صلاح التعليل به إلا واحدا يراه ويرضاه)9©. 

فهنا نرى أن إمام الحرمين ذكر الأصلين من أصول هذا الدليل وهي 
الحصر والاختبار وبين المقصود منه وهو اقتناص العلة. 


 *‏ أقسامه: 


وينقسم هذا النوع من الاستدلال الى قسمين: منحصرء ومنتشر. 

ومثال المنحصر: ما سبق ذكره من حصر العدد في الزوجية والفردية فتنفي 
كون العدد زوجا فيثبت كونه فردا. 

يقول إمام الحرمين: (فإن كان التقسيم العقلي مشتملا على النفي 
والإثبات حاصرا لما فإذا بطل أحد القسمين تعين الثاني للثبوت)2009. 

ومثل إمام الحرمين للتقسيم المنتشر بأن يقول: من ينفي رؤية الباري (لو 
كان الإله مرئيا لرأيناه الآنء فإن المانع من الرؤية القرب المفرط». أو البعد 
المفرطء أو الحجب إلى غير ذلك مما يعدونه. . .)209. 


- استخدام المتكلمين للسبر والتقسيم : 


وهذه الصورة من الاستدلال استخدمها المعتزلة قبل الأشاعرة وهي تسمى 
عندهم بالتقسيم ء كما عرفوا انقسامها إلى منحصرة ومنتشرة » يتبين لنا ذلك 
في شرح الأصول الخمسة من تعليق القاضي عبدالجبار على طريقة قاضي 
القضاة قُْ إثبات الأكوان» إذ قال: (0.. وهذه القسمة مترددة بين النفى 
والإثبات. كذا أورده قاضى القضاة ف المحيط وهى أولى من التقاسيم 
(448) انظر معيار العلم. ص .١55‏ وانظر ضوابط المعرفة» ص 57١‏ . 
49١‏ البرهان. 8 ؟"» ص .81١6©‏ 


.481١6© البرهان. جح ؟. ص‎ 06١) 
.١"١ ص‎ .١ البرهان. ج‎ 0١01١ 


- ١/5 


الأخرى التي أوردها المشائخ في الكتب. لأن القسمة إذا لم تتردد بين النفي 
والإثبات احتملت الزيادة» وكان للخصم أن يشغب فيها)209. 

ثم بين القاضي عبدالجبار أن هذه الصورة من صور الاستدلال. أعني 
التقسيم. تنقسم من حيث الغرض ثلاثة أقسام : 


١‏ أن يكون الغرض إبطال البعض وتصحيح البعض. 
؟ - أن يكون الغرض إبطال الكل. 
* - أن يكون الغرض تصحيح الكل. 
يقول القاضي عبدالجبار (واعلم أن التقسيم قد يورد ويكون الغرض به 
إبطال البعض وتصحيح البعض على ماذكرناه في هذا الموضع. وقد يورد 
والغرض به إبطال الكل وذلك مثل ما نقوله في الدلالة على أن الله تعالى 
لا يجوز أن يكون عالما بعلم. وقد يورد والغرض به تصحيح الكل وذلك 
مثل ما نقوله في الموانع المعقولة من الرؤية وأنها ستة)29©. 
ومثال إبطال الكل استخدامهم لهذه الصورة في الدلالة على مذهبهم في 
علم اللهء وهو أن الله لا يجوز أن يكون عالما بعلم زائد على ذاته. يقول 
القاضى عبدالجبار: (وتحرير الدلالة على ما نقوله هو أنه تعالى لو كان عالما 
بعلم لكان لا يخلو إما أن يكون معلوماء أو لا يكون معلوما. فان لم 
يكن معلوما لم يجز إثباته لأن إثبات مالا يعلم يفتح باب الجهالات. وإن 
كان معلوما فلا يخلو إما أن يكون موجودا أو معدوماء لا يجوز أن يكون 
معدوما. وإن كان موجودا فلا يخلو إما أن يكون قدي) أو محدثاء والأقسام 
كلها باطلة. فلم يبق إلا أن يكون عالما لذاته على ما نقوله)9"©. 
ومثال تصحيح الكل استخدامه له في تصحيح موانع الرؤية وأنها ستة. 
يقول القاضي عبدالجبار: (فان قيل: ولم قلتم: إن الموانع المعقولة مرتفعة؟ 
قلنا: لأن الموانع المعقولة من الرؤية ستة: الحجاب والرقة والكثافة والبصر 


.99 المصدر السابق نفسه. ص‎ )٠١6( 
.18# شرح الأصول الخمسة. ص‎ )٠١4( 


- ١19/6 





المفرط. وكون المرئي في غير جهة محاذاة الرائي» وكون محله يقتضي هذه 
الأوصاف. وشيء منها لا يجوز على الله بحال من الأحوال. 

وإنما قلنا الحجاب منع. لأن المرئي إذا كان محجوبا لا يمكن إدراكه ومتى 
كان مكشوفا أمكن إدراكه . وهكذا الكلام في الرقة واللطافة والبعد المفرط, 
وكون المرئي في غير جهة محاذاة الرائي. لأن المرئي إذا كان ببعض هذه 
الأوصاف لا يمكن أن يدرك وإن لم يكن كذلك أمكن أن يدرك. .)2002, 

ثم شرع في تصحيح هذه اللوانع كلها. 

وكان الأشاعرة أيضا يستخدمون هذه الصورة من صور الاستدلال قبل 
إمام الحرمين. 

فقد استخدمها شيخ المذهب الأشعري في الإبانة محددا المراد باليد في 
قوله تعالى: 8 لَا حَلّقتٌ بِيَدَيّ2"04 إذ لا يخلو المعنى أن يكون: 
١‏ - إثبات يدين نعمتين.. 
؟ - إثبات يدين جارحتين. 
*" - إثبات يدين قدرتين. 
5 - إثبات يدين تليقان بجلاله. 

فأبطل الاحتتالات السابقة إلا المعنى الأخير9"©. 

كا استخدمه في كتابه اللمع مثبتا به توحيد الربوبية*0. ونافيا به 
الجسمية عن الباري009. 

كا نرى الباقلاني كذلك يجعل هذه الصورة طريقا من طرق الاستدلال» 
إذ يقول: (فإن قال قائل: فعلى كم وجه ينقسم الاستدلال؟ قيل له: على 
وجوه يكثر تعدادهاء فمنها أن ينقسم الشثيء في العقل على قسمين أو أقسام 
يستحيل أن تجتمع كلها في الصحة والفساد فيبطل الدليل أحد القسمين» 


)٠١©(‏ المصدر السابق نفسه. ص 5608؟. 
)1١(‏ سورة ص آية 6/. 

)٠١ 7‏ انظر الإبانة» ص #«1. 

.٠١ انظر اللمع. ص‎ )٠١8( 

.3" انظر المصدر السابق نفسه. ص‎ )٠١9( 


سكلا - 


فيقضي العقل على صحة ضده. وكذلك إن أفسد الدليل سائر الأقسام, 
صحح العقل الباقي منها لا محالة. نظير ذلك علمنا باستحالة خروج الشىء 
عن القدم والحدث. فمتى قام الدليل على حدثه بطل قدمه. ولو قام على 
قدمه لأفسد حدثه)010, 

ولقد استخدمه الباقلاني في تمهيده مثبتا الأعراض212, 

وفي حمل الغضب والرضى على الإرادة 259 

وفي إثبات قدم الصفات المعنوية19©. 

وفي إنكار أن يكون صانع العالم طبيعة219. 


؛ - من مواضع استد لال إمام الحرمين بالسبر والتقسيم ف (الإرشاد 
والشامل) : 


أولا - إثبات الأعراض: 


من القضايا التي تتعلق بالعقيدة حسب رأي إمام الحرمين إثبنات الأعراض 
حيث يقوم عليها إثبات حدث العالىء ولقد أثيتها مستخدما هذه الصورة 
من صور الاستدلال أعني السبر والتقسيم متخذا الخطوات التالية: 


أولا : فرض جوهرا متحركا ثم قرر أن تحركه جائزء وبالتالي يحتاج الى 
ثانيا : حصر احتالاات المقتضي وهما احتالان: 
)١(‏ إما نفس الجوهر. 
(؟) وإما أمر زائد على الجوهر. 
فأبطل الاحتال الأول فتعين الاحتمال الثاني . 





2.15١١ التمهيد. ص‎ )165١( 

.١8 انظر التمهيد. ص‎ )١١١( 

(؟١١)‏ انظر المصدر السابق نفسه. ص .١0/‏ 
)١١5‏ المصدر السابق نفسه. ص 59. 
)١١5(‏ المصدر السابق نفسه. ص 6”. 


- ١ا/ا/‎ 





الثا : حصر احتالات المقتضى الزائد على الجوهر وهي : 
)1١(‏ أن يكون الزائد عدما. 
؟) أن يكون مثالا للجوهر. 
0) أن يكون خلافا له. 
ثم أبطل الاحتتالين الأولين فتعين الثالث وهو أن المقتضي زائد 
على الجوهر مخالف له. 
رابعا : حصر احتمالات المقتضى الزائد على الجوهر المخالف له في احتمالين 
هما : ْ 
)١(‏ أن يكون فاعلا مختارا. 
(0) أن يكون معنى موجبا. 
فأبطل كونه فاعلا مختاراء فتعين أن يكون معنى موجبا وهو 
العرض المراد إثباته . 
يقول إمام الحرمين: (والدليل على إثبات الأعراض أنا إذا رأينا جوهرا 
ساكناء ثم رأيناه متحركا مختصا بالجهة التي انتقل إليهاء مفارقا للتي انتقل 
عنباء فعلى اضطرار تعلم أن اختصاصه بجهته من الممكنات وليس من 
الواجبات» إذ لا يستحيل تقدير بقاء الجوهر في الجهة الأولى. والحكم الحائز 
ثبوته والحائز انتفاؤه.» إذا تخصص بالثبوت بدلا عن الانتفاء المجوزء افتقر 
إلى مقتض يقتضي له الاختصاص بالثبوت. وذلك معلوم أيضا على البديهة. 
فإذا تقرر ذلك لم يخل المقتضي من أن يكون نفس الجوهر. إذ لو كان كذلك 
لاختص بالجهة التي فرضنا الكلام فيها مادامت نفسه. ولاستحال عليه 
الزوال عنما والانتقال إلى غيرهاء فثبت أن المقتضي زائد على الجوهر. ثم 
الزائد عليه يستحيل أن يكون عدما. إذ لافرق بين نفي المقتضي وبين تقدير 
مقتض منفي. فإذا صح كون المقتضي ثابتا زائدا على الجوهر» لم يخل من 
أن يكون مثلا له أو خلافا. ويبطل أن يكون مثلا له فإن مثل الجوهر 
جوهرء ولو اقتضى جوهر اختصاصا لجوهر غيره بجهة لاستحال اختصاصه 
بتلك الجهة. مع تقدير انتفاء الجوهر الذي قدر مقتضياء وليس الأمر 


- ١ا8-‎ 








كذلك. ثم ليس أحد الجوهرين بأن يكون مقتضيا اختصاصا أولى من 
الثاني. فإذا ثبت المقتضي الزائد على الجوهرء وتقرر أنه خلافه, لم يخل من 
أن يكون فاعلا محتاراء أو معنى موجباء فإن كان معنى موجباء تعين قيامه 
بالجوهر المختص بجهته. إذ لو لم يكن له به اختصاص لا كان بإيجابه الحكم 
له أولى من إيجابه لغيره. والذي وصفناه هو الغرض الذي ابتغيناه» وإن 
قدر مقدر المخصص فاعلاء والكلام في جوهر مستمر الوجودء كان ذلك 
محالاء إذ الباقي لا يفعل. ولا بد للفاعل من فعل. فخرج من مضمون 
ذلك ثبوت الأعراضء وهو من أهم الأغراض في إثبات حدث العالم)21. 


انيا : إثبات أن لمحصص العالم بالوجود فاعل مختار: 

سلك إمام الحرمين مسلك السبر والتقسيم في إثبات أن مخصص العالم 
بالوجود فاعل مختار. 

فبعد أن أثبت أن العالم حادث بين احتياجه إلى خخصص لأنه جائز الوجود 
والجائز يحتاج إلى مخصص يخصصه بالوجود أو العدم. 

هذا المخصص لا يخلو من أن يكون علة أو طبيعة أو فاعلا مختارا. 

فأبطل أن يكون علة أو طبيعة» إذ لو كان كذلك لوجب قدم العالىء 
وبيان ذلك على مسلك السبر والتقسيم. أن المخصص إن كان علة أو 
طبيعة. فإما أن يكون. قديياء أو حادثاء فإن كان حادثا احتاج إلى مخصص 
ويتسلسل القول وهو باطل. وإن كان قدي) وجب قدم العالمء لأن العلة 
والطبيعة توجب معلوطا على الاقتران وهذا باطل» لأنه ثبت حدث العالم فإذا 
بطل أن يكون المخصص علة أو طبيعة تعين أن يكون فاعلا مختارا. 

يقول إمام الحرمين: (ثم إذا وضح افتقار الحادث إلى مخصص على 
الجملة: فلا يخلو ذلك المخصص من أن يكون موجبا لوقوع الحدوث بمثابة 
العلة الموجبة معلوطاء وإما أن يكون طبيعة كما صار اليه الطبائعيون» وإما 
أن يكون فاعلا مختاراء وباطل أن يكون جاريا مجرى العلل. فإن العلة 


(011) الإرشاد. ص 1١8‏ - 15. 
وانظر الشامل, ص 8كا١.‏ 





- 1١1/4 





توجب معلوها على الاقتران. فلو قدر المخصص علة لم يخل من أن تكون 
قديمة أو حادثة. فإن كانت قديمة فيجب أن توجب وجدد العالم أزلاء وذلك 
يفضي إلى القول بقدم العالم» وقد أقمنا الأدلة على حدثه. وإن كانت حادثة 
افتقرت: إلى مخحصص ثم يتسلسل القول في مقتضي المقتضى . 

ومن زعم أن المخصص طبيعة فقد أحال فيا قال. فان الطبيعة عند 
مثبتها توجب آثارها إذا ارتفعت الموانع. فإذا كانت الطبيعة قديمة» فلتقض 
بقدم العالم. وإن كانت حادثة, فلتكن مفتقرة الى تخصص. 

وهذا القدر كاف في الرد على هؤلاء. . 

فإن بطل أن يكون لمحصص الحادث علة توجبه». أو طبيعة توجده بنفسها 
لا على الاختيار فيتعين بعد ذلك القطع بأن لمحصص الحوادث فاعل ها على 
الاختيار مخصص إيقاعها ببعض الصفات والأوقات)0١201.‏ 
ثالثا: إثبات أن القبيح إنا كان قبيحا لورود الشرع بالنبي عنه: 

استخدم إمام الحرمين مسلك السير والتقسيم في إثبات أن الحسن والقبح 
ليست صفة ذاتية في الأمر القبيح وإنا يقبح الشيء لأن الشرع قد نمى 
عله . 

إذ حصر احتمالات رجوع الوصف. إذا وصف الشيء بكونه قبيحاء إما 
إلى : 
)١(‏ نفسه أو صفة نفسه. 
0) أنه لا يرجع إلى نفسه ولا إلى صفة نفسه. 

ثم أبطل الاحتمال الأول. فالقتل ظلما يائل القتل قصاصا ومن جحد 
ذلك فإنه يجحد مالا يجحد. 

وكذلك تقبح أفعالا من الكبير لا تقبح من الصغير. 

ثم إذا ثبت الاحتمال الثاني وبطل الأول فإما أن يكون القبيح قبيحا: 


(115) الإرشادء ص 5 ان 


-1١48ث0-‎ 


. لورود الشرع بالغبي عنه‎ )١( 
. أو لأمر غير الشرع وغير القبيح‎ )0( 

ولا يصح الثاني لأنه يستحيل أن تقبح صفة من أجل صفة أخرى. هذا 
ماسلكه إمام الحرمين مثبتا أن القبيح إنما كان قبيحا لورود الشرع بالغمي 
علة . 

يقول إمام الحرمين: (إذا وصف الشيء بكونه قبيحا لم يخل ذلك من 
أمرين: إما أن يقال: كونه قبيحا يرجع إلى نفسه أو إلى صفة نفسه. وإما 
أن يقال: لا يرجع إلى نفسه ولا إلى صفة نفسه. 

فإن قيل: إنه يرجع إلى نفسه أو إلى صفة نفسه. كان ذلك باطلا من 
أوجهء أقربها أن القتل ظلا ياثل القتل حدا واقتصاصاء ومن أنكر تساوي 
الفعلين وممائلة القتلين فقد جحد مالا يجحد. و«التزم انتفاء الثقة بتمائل كل 
مثلين» وما يوضح فساد هذا القسمء أن ما يصدر من العاقل لو صدر 
من صبىي غير مكلف فإنه لا يتصف بكونه قبيحا مع وجوده. ومنه من 
ينازع في ذلك ويزعم أن الصادر من الصبي غير المكلف قبيح. فإن قالوا 
ذلك. التقينا بالوجه الأول. 

وإذا بطل كون القبيح قبيحا لنفسه. لم يخل القول بعد ذلك؛ إما أن 
يقال: معنى كونه قبيحا ورود الشرع بالنبي عنه. كما صرنا إليهء وهو الحق 
الصراحء وإما أن يقال: إنا يقبح لأمر غير الشرع وغير القبيح. فإن هم 
قالوا ذلك قيل لهم: إذا لم يقبح الشيء لنفسه. ولم يحمل قبحه على تعلق 
الغبي بهء فيستحيل أن تقبح لأجل صفة أخرى. وليست تلك الصفة صفة 
للقبيح نفسية ولا معنوية» فثبت من مجموع ذلك بطلان تقبيح العقل وتحسينه 
ف حكم التكليف)201 , 

وقول إمام الحرمين أن القبيح إنما كان قبيحا لورود الشرع بالنبي عنه. 
يلزم عن هذا القول أن الناس لا يعرفون قبيحا قبل ورود الشرع وهذا 
باطل . 


.7510 - 555 الإرشاى ص‎ )1١10 


اما - 


فالبشرية تعارفت على أمور قبيحة 7 ورود الشرع ويأتي الشرع تارة 
بتأكيد قبح ماتعارفت عليه البشرية ه قبيح . 
رابعا: إثبات أن المتكلم من قام به الكلام218: 

حصر إمام الحرمين حقيقة المتكلم في احتمالين: 
)١(‏ أن المتكلم من قام به الكلام. 
5) أن المتكلم من فعل الكلام كها هو مذهب المعتزلة. 

ثم أبطل مذهب المعتزلة سالكا أيضا مسلك السبر والتقسيم في إبطاله» 
إذ فرض صورة أن يخلق الله كلاما في قائل. والكلام حروف منظمة 
وأصوات متقطعة فإذا قال القائل قمت إلى زيد فلا يخلو الأمر إما أن يقضوا 
أن القائل متكلم أو ليس بمتكلم . 

فإن قضوا بأنه متكلم فقد أبطلوا مذهبهم في أن المتكلم من فعل الكلام. 
فالفاعل في هذه الصورة المفروضة هو الله. وإن قضوا بأنه ليبس 0 
فقد ناقضوا وجحدوا البداية, فلا فرق في حالة كونه مختارا فيقول: « 
إلى زيد» وبين قوله «قمت إلى زيد» في هذه الصورة المفروضة. 

يقول مبطلا مذهب المعتزلة في أن المتكلم من فعل الكلام (لو كان 
المتكلم من فعل الكلام, لكان لا يعلم المتكلم متكلما من لا يعلمه فاعلا 
للكلام: وليس الأمر كذلك. فإن من سمع كلاما صادرا من متكلم استيقن 
كونه متكللاء من غير أن يخطر بباله كونه فاعلا لكلامه أو مضطرا إليف 
فإذا اعتقد كونه متكلما مع الإضراب عن هذه الجهالات. تقرر بذلك أنّ 
كون المتكلم متكلما ليس معناه كونه فاعلا للكلام. . 

ومما يقوي التمسك به أن نقول: الكلام عندكم أصوات متقطعة وحروف 
منتظمة ضربا من الانتتظام فإذا قال قائل منا: قد قمت إلى زيدء فهذا 
الصادر منه كلامه وهو هو المتكلم به فلو خلق الله تعالى هذه الأصوات على 
انتظامها في العبد ضرورة فلا يخلو المخالف. وقد فرضنا الكلام في ذلك. 


.١١١ الإرشاد. ص‎ )1١١8( 


-1875- 


إما أن يقضى بكون محل الكلام متكلماء وإما أن لايقضى به. فإن زعم 
أن المحل هو المتكلم فقد نقض المصير الى أن المتكلم من فعل الكلام, 
فإن الكلام من فعل الله في الصورة المفروضة. وإن زعم أن محل الكلام 
أو الجملة التي محل الكلام منها ليست بمتكلمة. فقد عاند وجحد مايدانٍ 
البداية فإنا تسمع من قام به الكلام يقول: قد قمت اليوم إلى زيدك ىا 

ثم الكلام - على مذهب المخالفين - أصوات» فلئن كان المتكلم من 
فعل الكلام فليكن المصوت من فعل الصوت. ويلزم من سياق ذلك كون 
الباري تعالى عن قول الزائغين. مصوو تا من حيث كان فاعلا للصوت. 

وإذا بطل مهذه القواطع مذهب من يقول المتكلم من فعل الكلام فلابد 
من. اختصاص الكلام بالمتكلم على وجه من الوجوهء فإذا انتقض وجه الفعل 
فلا يبقى على السبر والتقسيم. بعد بطلان ما ذكرناه إلا ما ارتضيناه من 
أن المتكلم من قام به الكلام)019. 
- نقد إمام الحرمين للسير والتقسيم في (البرهان): 

رأينا إمام الحرمين في المرحلة الأولى والأئمة السابقين عليه يستخدمون هذا 
الاستدلال بقسميه المنحصر والمنتشر. إلا أن إمام الحرمين رفض في المرحلة 
الثانية مرحلة (البرهان) السبر والتقسيم المنتشرء وبين أنه لا يفيد علما لجواز 
عدم تمام الحصر في الأوصاف المأذكورة في الاستدلال. فلا يتم الحكم بناء 
على ذلك. يقول إمام الحرمين: (وأما السبر والتقسيم فمعظم ما يستعمل 
منه باطل. فإنه لا ينحصر في نفى وإثبات كقول من يقول: لو كان الإله 
مرئيا لرأيناه الآن فإن المانع من الرؤية القرب المفرط. أو البعد المفرط أو 
الحجب إلى غير ذلك مما يعدونه. وهذا الفن لا يفيد علا قطى ويكفي في 
رده قول المعترض: بم تنكرون على من يثبت مانعا غير ماذكرتّوه؟ فلا يجد 


.1١١١- 1١١9 الإرشاد. ص‎ )1١19( 


-18- 





أما التقسيم الدائر بين النفي والإثبات فقد ينتهض ركنا في النظر 
الصحيح . . 0 

ويقول أيضا: (وهذا المسلك «أي السبر والتقسيم» يجري في المعقولات 
على نوعين: فإن كان التقسيم العقلي مشتملا على النفي والإثبات حاصرا 
لماء فإذا بطل أحد القسمين تعين الثاني للثبوت. وإن لم يكن التقسيم بين 
نفي وإثبات ولكنه كان مسترسلا على أقسام يعددها السابر» فلا يكاد يفضى 
القول فيها إلى علم. وقصارى السابر أن يقول: سبرت فلم أجد معنا سوى 
ماذكرت وقد تبعت فا وجدته. فيقول الطالب: ما يؤمنك أنك أغفلت 
قس) لم تتعرض له فلا يفلح السابر في مطالب العلوم. إذا انتهى الكلام 
إلى هذا المنتهى . . .)0702 , 
5 - الموقف السلفي من الاستدلال بالسبر والتقسيم : 

نجد نماذج من هذه الصورة من صور الاستدلال العقلٍ (السير والتقسيم) 

في القران الكريم ر ف إثبات بعص العقائد والأحكام العملية . 7 
الْحَلئرنَ 054 

فالأقسام خحصورة 5 ثلاث احتمالاات لا رابع لما 
١‏ - إما أن يخلقوا من غير شيء. 
؟ - إما أن يخلقوا أنفسهم. 
© أن يخلقهم خالق غير أنفسهم . 

وبطلان القسمين الأولين قطعي لا شك فيه فتبين أن الثالث حق لا شك 
فيه» وقد حذف القسم الثالث من الآية لظهوره©. 

ولقد استعمل الإمام أحمد (السير والتقسيم) في إبطال دعوى الحلولية أنه 
تعالى في كل مكان. يقول الإمام أحمد: (وإذا أردت أن تعلم أن الجهمي 
07 البرهان. ج 1 ص تضق 
(١؟1١)‏ المصدر السابق ئفسه. ج *. ص .4١6‏ 


0؟١)‏ سورة الطور .آية ه”#. 
(175) انظر اضواء البيان ج 4. ص 54” - .ا". 





1١684 - 


كاذب على الله حين زعم أنه في كل مكان ولا يكون في مكان دون مكان 
فقل له: أليس كان الله ولا شيء؟ فسيقول: نعم فقل له: حين خلق 
الثىء هل خلقه في نفسه أو خارجا عن نفسه؟ 
فإنه يصير إلى ثلاثة أقاويل واحد منها إِنْ زعم أن الله خلق الخلق في نفسه 
كفر حين زعم أنه خلق الجن والشياطين وإبليس في نفسه. 

وإن قال: خلقهم خارجا عن نفسه ثم دخل فيهم كان أيضا كفراء حين 
زعم أنه 5 كل مكان وحش قذر رديء: وإن قال: خلقهم خارجا عن 
نفسه ثم لم يدخل فيهم رجع عن قوله أجمع وهو قول أهل السنة)0"9 

ويقول شيخ الإسلام معلقا على كلام الإمام أحمد السابق: (وهذه القسمة 
حاصرة كا ذكره أحمد أنه لابد من قول من هذه الأقوال الثلاثة)2*2. 

وفيم| يتعلق با يوجه إلى الاستدلال بالسبر والتقسيم من اعتراضات» فقد 
عرض لها شيخ الإسلام في الرد على المنطقيين بالدراسة والتفنيدء فذكر 
اعتراضات النظار عليه وقوهم بأنه لا يفيد اليقين» أو أنه لا يفيد إلا الظن 
بناء على جواز عدم حصر الصفات التي يمكن رجوع الحكم إليها في موضع 
ماء وفي رأي شيخ الإسلام أن هذا الحصر ممكن في أعم الحقائق العقلية؛ 
كالوجود. فجواز حصر صفات نوع من أنواعه أولى بالإمكان ومن ثم تكون 
نتيجته يقينية» وإلا للزم القول ببطلان الشرطي المنفصل ولا يقول النظار 
مهذا. 

يقول شيخ الإسلام: (وما ذكروه من أن قياس «التمثيل» إنما يشبت 
ب«الدوران» أو «التقسيم» وكلاهما لايفيد إلا الظن قول باطل)259. 

ثم قال: (فيقال: اما أن يكون التقسيم في العقليات قد يفيد اليقين» 
وأما أن لا يفيده بحال» فإن كان الأول152) بطل جعلهم «الشرطي المنفصل» 


)١714(‏ الرد على. الجهمية. ص #ه. 
)1١16(‏ نقض التأسيس. ج 0 ص 66 
)١1(‏ الرد على المنطقيين ص ه"7. 
(177) الصحيح أن يقال الثاني. 


-154868-- 


من صور القياس البرهاني. وإن كان الثاني" بطل كلامهم هذاء فإن 
القائل إذا قال: الوجود إما أن يكون واجباء وإما أن يكون ممكناء وإما 
أن يكون قدياء وإما أن يكون حادثاء وإما أن يكون قائ) بنفسه. و إما 
أن يكون قائ) بغيره. وإما أن يكون محخلوقاء وإما أن يكون خالقاء ونحو 
ذلك من التقسيم الخحاصر لجنس «الوجود». كان هذا حصرا لكل عقلٍ. 
بل «الوجود» أعم الكليات. وإذا أمكن العقل أن يحصر أقسامه فحصر 
أقسام بعض أنواعه أولىء وهم يسلمون هذا كله. وهذا هو الغلم الأعلى 
عندهم. فكيف يقولون إن السبر والتقسيم لا يفيد اليقين؟)29©. 

ولقد استدل شيخ الإسلام «بالسبر والتقسيم» في إثبات علوه تعالى على خلقه . 

وكذلك فعل تلميذه ابن القيم. 

قال شيخ الإسلام: (قاعدة عظيمة في إثبات علوه تعالى وهو واجب 
بالعقل الصريح. والفطرة الإنسانية الصحيحة. وهو أن يقال: كان الله ولا 
شيء معه ثم خلق العالم. فلا يخلو إما أن يكون خلقه في نفسه وانفصل 
عنهء وهذا محال تعالى الله عن مماسة الأقذار وغيرها. 

وإما أن يكون خلقه خارجا عنه ثم دخل فيه وهذا محال أيضاء تعالى 
أن يحل في خلقه ‏ وهاتان لانزاع فيهها بين أحد من المسلمين ‏ وإما أن يكون 
خلقه خارجا عن نفسه الكريمة ولم يحل فيه فهذا هو الحق الذي لا يجوز 
غيرهء ولا يليق بالله الا هو. وهذه القاعدة للإمام أحمد من حججه على 
الجهمية في زمن المحنة)©2. 

وبقي من الدليل أن يقال كى) قال ابن القيم: 

(إنه سبحانه لو لم يتصف بفوقية الذات مع أنه قائم بنفسه غير مخالط 
للعالم لكان متصفا بضدهاء لأن القابل للشيء لا يخلو منه أو من ضدهء 
وضد الفوقية السفول. وهو مذموم على الإطلاق)0""©. 
(8؟1) الصحيح أن يقول الأول. 
(9؟١)‏ الرد علي المنطقيين ص 73"8 . 
:)2 مجموع الفتاوي ج ه. ص 2.1٠65‏ 


وانظر الرد على الجهمية ص 6# 
)١181١(‏ مختصر الصواعق2.» ص .46١‏ 


-ك18- 


الفصل الرابع 


الاستدلال بالمتفق عليه على المختلف فيه 


١‏ - مفهومه: 
هذه الصورة تستخدم بين المتكلمين في مواضع النزاع فيقيسون ما اختلفوا 
فيه على ما اتفقوا عليه. فيجعلون ما اتفقوا عليه هو الأصل وما اختلفوا 
فيه هو الفرع. ليثبتوا الحكم الذي ثبت في المتفق عليه للمختلف فيه. 

؟ - استدلال المتكلمين بالمتفق عليه على المختلف فيه: 


ولقد استخدم الإمام أبو الحسن الأشعري هذا النوع من الاستدلال 
ملزما المعتزلة بعموم قدرته تعالى وعموم خلقه قياسا على عموم علمه 
فالمعتزلة كفيرهم يعملون العموم المستفاد من كلمة (كل) في قوله تعالى 
وهو بكُلٌ شيءٍ عَلِيمْ 294 وهذا موضع اتفاق بيهم وبين غيرهم. 
ولكنهم يخالفون غيرهم 5 عمو خلقه تعالى وعمومٍ قدرته المستفاد من 
كلمة (كل) في قوله تعالى «خَلقُ كل شيء0754, «إِنَّ آل عَلَ كل شئء 
قدير279 مع أن صيغة العموم في الموضعين واحدة. وهذا يلزمهم أبواا حسن 
الأشعري لحمو في فيه اختلفوا فيه قياسا على ما اتفقوا عليه. 
فالمتفق عليه أن قوله تعالى هِبكُلُ شيءٍ علي يدل على العموم وأنه 
تعالى عالم بكل معلوم. 
والمختلف فيه دلالة قوله تعالى لعَلَْ كَل شيءٍ قَدِيرك وقوله تعالى لحَدلق 
(185) سورة الأنعام آية .٠١١‏ 


05 سورة الأنعام _ آبة 1 
)١184(‏ سورة البقرة آية .7١‏ 


- 1481/- 


كل شيء» على العموم . 

فيقيس أبوالحسن الأشعري المختلف فيه على المتفق عليه. وفي ذلك 
يقول: (ويقال لأهل القدر: أليس قول الله تعالى: ©بِكُلّ شي عَلِيمٌ» 
يدل على أنه لا معلوم إلا والله به عالم؟ فإذا قالوا: : نعم. قيل لحم: ما 
أنكرتم أن يدل قوله تعالى : «عَلَ كل شيءٍ قَدير» على أنه لا مقدور إلا 
والله عليه قادر. وأن يدل قوله تعالى : «ِخَللقُ كُلَّ شيْءِ» على أنه لا محدث 
مفعول إلا والله محدث له فاعل خالق)2©2. 

وجاء في اللمع «فإن قال قائل: لم قلتم إن الله مريد لكل شيء يجوز 
أن يراد؟ قيل له: لأن الإرادة إذا كانت من صفات الذات بالدلالة التي 
ذكرناها.ء وجب أن تكون عامة في كل ما يجوز أن يراد على حقيقته. كا 
إذا كان العلم من صفات الذات وجب عمممه لكل ما يجوز أن يعلم على حقيقته79"©. 

واستخدمه الباقلاني في بيان أنه لا يلزم التجسيم من وصفه تعالى باليد 
والوجه. مع أننا لا نعقل يدا ووجها في الشاهد إلا جارحة. كا لم يلزم 
التجسيم من وصفه تعالى بكونه حيا عالماء مع أننا لا نعقل في الشاهد حيا 
عالما إلا جسما. 

فالمتفق عليه أن الوصف بكونه حيا عالما لا يستلزم التجسيم. والمختلف 
فيه أن وصفه تعالى بأن له يدا ووجها يستلزم التجسيم. 

فقاس الباقلاني المختلف فيه على المتفق عليه. إذ لا فرق. 

جاء في التمهيد (فإن قال قائل: فا أنكرتم أن يكون وجهه ويده جارحة. 
إذ كنتم لم تعقلوا يد صفة؟ ووجه صفة لا جارحة؟ يقال له لا يجب ذلك». 
كا لا يجب إذا لم نعقل حيا عالما قادرا إلا جسماء أن نقضي نحن وأنتم 
على الله تعالى بذلك. وى) لا يجب . متى كان قائ) بذاته. أن يكون جوهرا 
أو جساء لأنا وإياكم لم نجد قائ) بنفسه في شاهدنا إلا كذلك)©2. 


(ه*١1)‏ كتاب اللمع ص 88. 
)١155(‏ المصدر السابق نفسه. ص 19. 
)١150‏ التمهيد. ص .7"١‏ 


-1848- 





كا استخدمه في إبطال مذهب المعتزلة الذين يمنعون رؤية الباري مطلقاء 
إذ يزعمون أن الله قد تمدح بقوله طلا تُدْركُهُ آلْأبِضَرُ2"9 والقول بأنه 
سيرى ف الآخرة. يؤدي إلى زوال هذا المدح . فبين الباقلاني أنه تعالى إنا 
تمدح بقوله «#وهو يدرك آلأبْضَريي00 وم يتمدح باستحالة رؤيتهء فالطعوم 
والروائح والمعدوم لا تَرَى وليست ممدوحة بذلك. 

فالمتفق عليه هنا أن الطعوم والروائح والمعدوم ليست ممدوحة بعدم رؤيتهاء 
والمختلف فيه هل عدم رؤية الباري تتضمن مدحا. 
فقاس المختلف فيه على المتفق عليه إذ لا فرق. 
جاء فى التمهيد (فإن قالوا: أفليس قد مل بقوله تعالى : 0 َك 


لأنْضيُهٍ كا تمدع بقوله «بَديعٌ السّموت وَالارضٍ أن يَكُونُ لَهُ 
و تكن لَهُ صَلحبة 4ه (051؟ فكيف يجوز أن إتزول عنه مدحته؟ 

قيل لهم إنما تمدح بقوله #وَهوٌ يدرك الأبْصَرُ» ولم يتمدح باستحالة 
إدراكه بالأبصار. لأن الطعوم والروائح وأكثر الأعراض لا يجوز عندكم أن 
ترى بالأبصارء وليست ممدوحة بذلك04). 

وقال أيضا: (ولا لم يكن كون المعدوم غير مدرك بالبصر مدحا له عندنا 
وعندكم. بطل ماقلتم. لأن أكثر الموجودات عندكم لا يجوز أن يدرك 
بالأبصار.ء وكل المعدومات عندنا وعندكم لاتدرك بالأبصار وليس بذلك 
تمدوحات)0192, 


- من مواضع استدلال إمام الحرمين بالمتفق عليه على المختلف فيه في 
(الإرشاد والشامل) : 

لقد استخدم إمام الحرمين هذه الصورة من صور الاستدلال في كتابي 
الإرشاد والشامل في مجادلته الخصوم لإلزامهم برأيه في] اختلفوا فيه» قياسا 
(18) سورة الأنعام آية 1١‏ 
1790) سورة الأنعام آية ٠١١‏ 


.7١8 التمهيد ص‎ )١40( 
.7558 التمهيد. ص‎ )١5١1( 


-14894- 


على ما اتفقوا عليه من الآراء الاعتقادية ومن ذلك ما يأتي: 


أولا : 


عدم تعري الجواهر عن الألوان قياسا على الأكوان. يقول إمام 
الحرمين (وتما نستدل به على البصريين أن نعتير الألوان بالأكوان 
وسبيل الاعتبار أن نقول قد أعطيتمونا استحالة تعري الجواهر عن 
الأكوان. فلا يخلو إما أن يكون ذلك لقبول الجوهر للأكوان. أو 
لنفس الجوهرء فإن كان لقبوله لما فهذا الوفق متحقق في الألوان 
فالتزموا قبول ما قلتموه في الأكوان. وإن زعمتم أن ذلك لنفس 
الجوهر فنفسه بالإضافة إلى الأكوان كنفسه بالإضافة إلى الألوان. إذ 
لا ينفصل قول من قال الجوهر لا يخلو عن اللون لنفسه من قول 
من قال: إنه لا يخلو عن الكون لنفسه. والقولان متتاثلان قطعا فإما 
أن يبطلا أو يصحا وليمس صحة أحدهما أولى من صحة الثاني)049. 


: جواز اختلاف القديمين حال اجتاعه) في الإرادة قياسا على حال 


انفرادهما. حيث يعتمد دليل التمانع الذي يستخدمه المتكلمون في 
إثبات توحيد الربوبية على افتراض جواز اختلاف الإرادتين في الإلهين 
القديمين المفروضين في الدليل». ولهذا فإمام الحرمين ليثبت أن 
اختلاف القديمين جائز الوقوع عند الاجتماع خلافا لمن يمنع ذلك. 
استخدم في إثبات ذلك قياس المختلف فيه على المتفق عليه. 
فالمتفق عليه هنا جواز اختلاف الإرادتين من القديمين في حال الانفراد. 
والمختلف فيه جواز اختلاف الإرادتين من القديمين في حال الاجتاع . 
يقول إمام الحرمين: (فان قيل: بم تنكرون على من يزعم أن 
اختلاف القديمين في الإرادة غير جائز ولا واقع؟ قلنا: لو قدرنا 
انفراد أحدهما لما امتنع في قضية العقل إرادته تحريك الجسم في الوقت 
المفروض.» ولو قدرنا انفراد الثاني لم تمتنع إرادته تسكينه. ولا توجب 
ذات لا اختصاص لا بأخرى تغيبر أحكام صفاتهاء فليجز من كل 


.5١٠١ الشامل. ص‎ )١55( 


1١8٠ - 


الثا 


واحد منهه| عند تقدير الاجتماع ما يجوز عند تقدير الانفراد)245©. 


: إلزام الكعبي بإثبات صفة الإرادة قياسا على إثباته لصفة العلم. فقد 


رأينا سابقا أن إمام الحرمين يثبت كونه تعالى مريدا عالماء مستخدما 
قياس الغائب على الشاهد. حيث يدل الإتقان والتخصيص في 
الشاهد على العلم والإرادة» ومن ثم تثبت هاتان الصفتان في 
الغائب. 

أما المعتزلة فإنهم يستخدمون هذا القياس في إثبات كونه عالما ولا 
يستخدمونه في إثبات كونه مريدا. 

مع أن الجميع متفقون على أن الإتقان والتخصص يدل على أن 
المتقن عالم وأن المخصص مريد في الشاهد. 

ولهذا يستدل إمام الحرمين بالمتفق عليه على المختلف فيه. 

فالمتفق عليه: دلالة الإتقان على كونه عالما في الغائب والشاهد 
ودلالة التخصص على كونه مريدا في الشاهد والمختلف فيه: دلالة 
التخصيص على كونه مريدا في الغائب. 

يقول إمام الحرمين: (وأما وجه الرد على الكعبي ومتبعيه.ء فهو 
أن نقول: قد سلمتم لنا أن اختصاص أفعال العباد بالوقوع في بعض 
الأوقات على خصائص من الصفات». يقتضي القصد إلى تخصيصها 
بأوقاتها وخصائص صفاتها. كا أن الاتساق والانتظام والإتقان 
والإحكام تدل على كون المتقن عالماء فكذلك الاختصاص يدل على 
كونه قاصدا إلى التخصيص. و«الأدلة العقلية المفضية إلى القطع يلزم 
اطرادها. ولو تخيل العاقل ثبوت الدلالة غير دالة» لكان ذلك موجبا 
لخروجها عن قضية الأدلة على العموم. 

فنقول للكعبي. بعد تقرير ذلك: كل وجه يدل العقل شاهدا 
من أجله على كونه مرادا مقصوداء فهو مقرر في فعل الله تعالى 


205 الإرشاد, ص 58ه. 


-1١91- 





بتلازم دلالة فعله على مادل عليه الفعل شاهدا. ولو ساغ التعرض 
لنقض الدلالة وعدم طردهاء لساغ أن يدل الإحكام شاهدا على كون 
المحكم عالماء من غير أن يدل الإحكام في فعل الله تعالى على كونه 
عالما) 19" , 
؛ - نقد إمام الحرمين للاستدلال بالمتفق عليه على المختلف فيه في (البرهان) . 
لقد فند إمام الحرمين هذه الصورة من الاستدلال على الرغم من 
. استخدامه لها في الشامل والإرشاد. فبين أن هذه الصورة لا أصل لا لأن 
(المطلوب في المعقولات العلم ولا أثر للخلاف والوفاق فيها)*؛1"©. 
وتابعه على هذا الرأي الغزالي في كتابه المنخول. مبينا أن الإجماع والإلزام 
لا أثر له ولا فائدة منه إلا تبكيت الخصم. يقول: (وكذا نقول في رد 
المختلف إلى المتفق ولا استرواح في المعقولات إلى إجماع ولا إلى مسلك جدلي 
وإلزام . ٍ 
فإن دل العقل على شيء منها في محل النزاع فهو كاف وإلا فلا فائدة 
في الاتفاق وتسليم الخصوم. نعم ذلك يورد للتضييق وتبكيت الخصم إن 
جحد البديهة ليختزي)9:". 
وفي رأبي أن مدار هذا الاستدلال ليس مجرد الاتفاق ني الأصل المقيس 
عليه» بل لابد أن يكون الحكم ني هذا الأصل قائما على دليل يراد طرده 
في الفرع المختلف فيه كما هو ظاهر في استعمال المتكلمين له با فيهم إمام 
الحرمين . 
فثبوت الحكم عن دليل أمر معتبر في الأمر المتفق عليه. 
ه - الموقف السلفي من الاستدلال بالمتفق عليه على المختلف فيه : 
يستخدم شيخ الإسلام هذا النوع من الاستدلال في تبكيت الخصوم 


.560 - "4 الإرشاد» ص‎ )١54( 
2.1" 1١*٠١ البرهان. ص‎ )1١46( 
المنخول ص 8ه.‎ )١55( 


-1١957- 





وإلزامهم بالحق . 

ومن الأمثلة على استخدامه لهذا النوع من الاستدلال ما نجده أثناء 
مناقشته للأشاعرة الذين يثبتون لله صفات المعاني السبع من العلم والقدرة 
والإرادة. .. الخ ولا يثبتون له صفات الرضى والغضب.. الخ. 

فالمتفق عليه إثبات سبع الصفات. 

والمختلف فيه إثبات بقية الصفات. 

فيقيس المختلف فيه على المتفق عليه إذ لا فرق بينهها. 

يقول شيخ الإسلام: (القول في بعض الصفات كالقول في بعض. فإن 
كان المخاطب ممن يقر بأن الله حي بحياة عليم بعلم قدير بقدرة سميع 
بسمع بصير ببصر متكلم بكلام مريد بإرادة ويجعل ذلك كله حقيقة» وينازع 
في محبته ورضاه وغضبه وكراهيته فيجعل ذلك مجازا ويفسره إما بالإرادة وإما 
ببعض المخلوقات من النعم والعقوبات». قيل له: لا فرق بين ما نفيته وبين 
ما أثبته. بل القول في أحدهما كالقول في الآخر «فإن قلت: إن إرادته مثل 
إرادة المخلوقين. فكذلك محبته ورضاه وغضبه. وهذا هو التمثيل» وإن قلت 
له إرادة تليق به كما أن للمخلوق إرادة تليق به قيل لك وكذلك له محبة 
تليق به وللمخلوق محبة تليق به وله رضا وغضب يليق به وللمخلوق رضا 
وغضب يليق به. .)2349, 

كذلك استخدمه مع المعتزلة الذين يثبتون الأسماء ولا يثبتون الصفات. 

فالمتفق عليه إثبات الأسماء فإثباتها لا يستلزم التشبيه والتجسيم والمختلف 
فيه إثبات الصفات. ' 

فيقيس المختلف فيه على المتفق عليه إذ لا فرق فكما أن إثبات الأساء 
لا يستلزم تشبيها فكذلك إثبات الصفات لا يقتضي تشبيها. 

يقول شيخ الإسلام: (وإن كان المخاطب ممن ينكر الصفات ويقر بالأسماء 
كالعتزلي الذي يقول: إنه حي عليم قديرء وينكر أن يتصف بالحياة والعلم 





.”79 #١ التدمرية. ص‎ )١57 


1١9 


والقدرة. قيل له: لا فرق بين إثبات الأسماء وبين إثبات الصفات. فإنك 
إن قلت: إثبات الحياة والعلم والقدرة يقتضي تشبيها وتجسياء لأنا لانجد 
في الشاهد متصفا بالصفات الا ماهو جسم. قيل لك ولا نجد في الشاهد 
ماهو مسمى بأنه حي عليم قدير إلا ماهو جسم» فإن نفيت ما نفيت لكونك 
١‏ تجده في الشاهد إلا للجسم فانف الأسماء وكلّ شيء لأنك لا تجده في 
الشاهد الا لجسم)240. 

وهكذا يظهر أن شيخ الإسلام يلزم كلا من الأشاعرة والمعتزلة بإثبات 
ما يختلف معهم في شأنه من صفات الله تعالى التي ينكرونها قياسا على 
ما يتفق معهم فيه من الصفات والأساء الإلهية التي يثبتونها لله تعالىء وإلا 
فإنه يلزمهم أهمم يفرقون بين المتاثلات . 

وما يجدر التنبيه إليه أن السلف لا يقيسون المختلف فيه على المتفق عليه 
لمجرد الاتفاق» بل لابد أن تكون المقدمة المتفق عليها صحيحة, أما مجرد 
تسليم الخصم فلا يكفي إلا لبيان اضطرابه وعدم صحة مذهبه ‏ يقول شيخ 
الإسلام : (وقد ذم الله من يجادل بغير علم فقال تعالى : متم مولاء 
حَْجسَتمْ فيا لم به علْمٌ فَلِمَ تُحَجُونَ فيا لَيِسَ لكُم به علْم404" والله 
تعالى لا يأمر المؤْمنينَ أن يجادلوا بمقدمة يسلمها الخصم إن لم تكن علما. 
فلو قدر أنه قال باطلا لم يأمر الله أن يحتج عليهم بالباطل. لكن هذا قد 
يفعل لبيان فساد قوله وبيان تناقضهء لا لبيان الدعوة إلى القول الحق. 
والقرآن مقصوده بيان الحق ودعوة العباد اليه» وليس المقصود ذكر ما تناقضوا 
فيه من أقوالههم ليبين خطأ أحدهما لا بعينه, فالمقدمات الجدلية التي ليست 
علما هذا فائدتها وهذا يصلح لبيان خطأ الناس مجملا)”*". 


)١46(‏ التدمرية. ص ه". 
)١59(‏ سورة ال عمران اية 55. 
)١5١(‏ الرد على المنطقيين. ص 458. 


-1١95- 


الفحل الخامس 
الاستدلال بقاعدة (مالا دليل عليه يجب نفيه) 
١‏ - مفهومه وصورته: 
هذه الصورة من صور الاستدلال تقتضى : 
أولا : وجود حكم معين لا دليل عليه . 
ثانيا: وجوب نفي مالا دليل عليه. 
ويثبت الأول إما بنقل أدلة المثبتين لهذا الحكم وإبطالاء وإما بحصر جميع 
وجوه الأدلة الي يمكن إثبات الحكم مهأ عن طريق الاستقراء. ثم إبطاها 
وينتهي ذلك بوجود حكم لا دليل عليه وهو الأصل الأول2000. 
ويثبتون الثاني وهو وجوب نفي مالا دليل عليه بوجهين: 
الوجه الأول: أننا لو لم ننف مالا دليل عليه. لجاز وجود جبال شامخة 
بحضرتنا وبحر من زئبق وأنهار من لبن لا نراها مما لا دليل على ثبوته . 
وعدم وجود ما سبق معلوم بالضرورة . فوجب نفي مالا دليل عليه: وإلا 
لجاز وجود ما سبق ذكره. 
الوجه الثاني : أن وجود غير المتناهي بالفعل من جملة الأشياء التى لا دليل 
عليها وتجويزنا لشبوت مالا دليل عليه تجويز لثبوت مالا يتناهى ووجود مالا 
يتناهى بالفعل محال009) , 
وبناء على ما تقدم يقرر المتكلمون وجوب نفي مالا دليل عليه. 
وثما يجدر ذكره أننا نجد الدكتور النشار يجعل من صور هذا الاستدلال 


١61ل‏ انظر شرح المواقف. ص غ54 
(؟5١)‏ المصدر السابق نفسه. ص ١لا‏ - 97. 


15696 


أعني بطلان الدليل يؤذن ببطلان المدلول عند الباقلاني: 
)١(‏ السبر والتقسيم . 
(؟) الاستدلال بصحة الثىء على صحة مثله2"7. 
فهل ما قاله الدكتور من أن الباقلان يجعل هاتين الصورتين من قبيل «بطلان 
الدليل يؤذن ببطلان المدلول» صحيح؟ 

الواقع أن نسبة هذا القول إلى الباقلاني غير صحيحة. 

نعم ذكر الباقلاني السبر والتقسيم والاستدلال بصحة الشيء على صحة 
مثله. ولكنه لم يجعلهها من قبيل أن بطلان الدليل يؤذن ببطلان المدلول 209, 
والسؤال الآخر هل هاتان الصورتان من قبيل أن (ما لا دليل عليه يجب 
نفيه)؟ . 

قلت: أما السير والتقسيم إذا كان مبطلا لجميع الأقسام فهو طريق 
لإثبات بطلان أدلة حكم معين,. وهذا هو الأمر الأول الذي يقتضيه القول 
بأن (ما لا دليل عليه يجب نفيه) وليس هو حقيقة هذا الاستدلال. 

أما الاستدلال بصحة الشىء على صحة مثله فلا علاقة له من قريب 
أو بعيل مهذه الصورة من صور الاستدلال. 
> - استخدام المتكلمين ل (مالا دليل عليه يجب نفيه) : 


نسب شارح المواقف هذه الصورة من صور الأدلة إلى بعض المتكلمين 
السابقين دون تعيين لهم مبينا أنها من الطرق الضعيفة. إذ يقول (وههنا 
طريقان ضعيفان يسلكها بعض المتكلمين في إثبات مطالبهم العقلية : 

الأول: أنهم إذا حاولوا نفي شيء غير معلوم الثبوت بالضرورةء قالوا لا 
دليل عليه فيجب نفيه. ..)00602, 

ونسبها ابن خلدون إلى الباقلاني مبينا أنه وضع مقدمات عقلية مثل ثبوت 
الجوهر الفرد والخلاء. وأن العرض لا يقوم بالعرض إلى غير ذلك جما تتوقف 
)١15*9(‏ انظر مناهج البحث. ص /ا"١‏ - 188. 
)١55(‏ انظر التمهيد ص .١7 0-01١١‏ 


.7١ شرح المواقف. ص‎ )1١66( 
307 وانظر المواقف ص‎ 





- 1١ةك‎ 





عليه الأدلة المثبتة لحدث العالم ثم قال: (وجعل هذه القواعد تبعا للعقائد 
الإيوانية في وجوب اعتقادها لتوقف تلك الأدلة عليهاء وأن بطلان الدليل 
يؤذن ببطلان المدلول)060 , 
٠“‏ مواضع استخدام إمام الحرمين ل (مالا دليل عليه يجب نفيه): 

استعمل إمام الحرمين (مالا دليل عليه يجب نفيه) في الإرشاد في مناقشة 
الكرامية لإبطال مذهبهم في الجسمية بالنسبة لله تعالى» حيث يلزمهم بأنهم 
إذا جمعوا بين إثبات الجسمية لله تعالى وكونه قديا فإنه يلزمهم أن تأليف 
الجواهر وتحيزها وقبوها للماسّة ليس هو الدليل على حدوثهاء وبالتالي فإنهم 
لو التزموا بذلك لم يتم لهم إثبات حدث الجواهر, لأن بطلان الدليل يؤذد 
بيطلان المدلول» وهذا هو ما يفهم من كلامه حيث يقول في مناقشة 
الكرامية : (ان سميتم الباري تعالى جس) وأثبتم له حقائق الأجسام. فقد 
تعرضتم لأمرين: إما نقض دلالة حدث الجواهرء فإن مبناها على قبوها 
للتأليف والماسة والباينة» وإما أن تطردوها وتقضوا بقيام دلالة الحدث في 
وجود الصانع وكلاهما خروج عن الدين وانسلال عن ربقة المسلمين)9*". 

ويقول أيضا في نفي الماسة والتحيز في حق الله تعالى: (.. سبيل الدليل 
على حدث الجواهر قبولها للماسة والمباينة على ما سبق. فإن طردوا دليل حدث 
الجواهر. لزم القضاء بحدث ما أثبتوا متحيزاء وإن نقضوا الدليل في) ألزموه. 
انحسم الطريق إلى إثبات حدث الجواهر)209. وإنما يتم هذا بناء على القول 
بأن بطلان الدليل يؤذن ببطلان المدلول. 

ولكنه جزم في كتابه الشامل برفض هذه الصورة متأيدا بإجماع المحققين. 
فالدليل يجب طرده ولا يجب عكسه. فانتفاء الدليل لا يدل على انتفاء 
المدلول» وإنمها يجب الطرد والعكس في العلل العقلية. يقول إمام الحرمين: 
(... وليس من شرط الأدلة انعكاسها بإجماع من المحققين» إذ لو شرط 


(157) الإرشاد.ء ص 47 . 
)١154(‏ المصدر السابق نفسه. ص .1١‏ 


 ا١ةال-‎ 


فيها ذلك لدل عدم الإتقان على جهل الفاعل. كما دل الإتقان على علمه. 
ولدل عدم العالم على عدم المحدث كادل حدوثه على وجوده إلى غير ذلك 
مما يطول تتبعه. وإن) يشترط الانعكاس في العلل العقلية. .)2650 

وواضح من كلام إمام الحرمين أن بطلان الدليل كعدم الإتقان وعدم 
العالم لا يؤذن ببطلان المدلول من علم الله تعالى ووجوده. وهذا هو ما يعنيه 
من وجوب اطراد الأدلة دون انعكاسها. 

ولا يفوتني أن أذكر في هذا المقام أن للدكتور النشار في نسبة هذا الدليل 
للجويني ,أيين متباينين» فهو ني مناهج البحث يذهب إلى أن إمام الحرمين 
تابع الباقلاني في استخدام هذ الدليل متأيدا ب يذكره ابن خلدون في مقدمته 
(... من أن أبابكر الباقلاني وضع المقدمات العقلية التي تتوقف عليها 
الأدلة والأنظار ومنها «بطلان الدليل يؤذن ببطلان المدلول». وأن هذه الطريقة 
كانت فنا نظريا قائ)| بذاته» ثم جاء إمام الحرمين فوضع في هذه الطريقة 
كتاب الشامل». وأن في هذا الكتاب نفسه شرحا للطريقة القديمة للمتكلمين) 
و(أن المتأخرين بعد هذا قرؤوا المنطق الأرسطاليسى, وني ضوء هذا المنطق 
نظروا في القواعد والمقدمات في فن الكلام للأقدمين. فخالفوا الكثير منها 
فا عادوا يعتقدون «أن بطلان الدليل يؤذن ببطلان المدلول))232. 

أما الرأي الثاني للدكتور النشار فنجده في مقدمة تحقيقه لكتاب الشامل» 
إذ قرر في هذه المقدمة أن إمام الحرمين لم يتابع الباقلاني في أن بطلان الدليل 
يؤذن ببطلان المدلول ف(... لقد مضى الحوينى في بناء العقيدة على أسس 
منطقية سليمة. ففى صدد استدلاله على وجود الله بين أن «بطلان الدليل 
لا يؤدي إلى بطلان المدلول» مثلما ذهب إلى ذلك قبل الباقلاني)252©. 

وإلى ذلك ذهب أيضا الدكتور محمد يوسف موسى في مقدمة كتاب 
الإرشاد الذي قام بتحقيقه. إذ قرر أن الجويني لم يتابع الباقلاني في 





.7١4 الشامل.ء ص‎ )١69( 
.835 - 868 مناهج البحث. ص‎ )11١( 
الشامل. ص /الا.‎ )151( 


-1١98- 


الاستدلال بهذه الصورة. وتضمن تقريره تأييدا لإمام الحرمين وتخطيئه للباقلانٍ 
الذي ضيق على المسلمين على حد قوله79"©, 

ونلاحظٍ أن مستند د. على النشار ود. محمد يوسف موسى في نسبة هذه 
الصورة من صور الاستدلال للباقلاني هو ماذكره ابن خلدون في مقدمته. 

ولكن ابن خلدون قد ذكر أيضا في نفس النص أن إمام الحرمين قد 
تابع الباقلاني في ذلك, ف| مستندهم في رفض إمام الحرمين لهذا النوع من 
الاستدلال؟ . 

فلم يذكرا نصا لإمام الحرمين يبطل هذه الصورة من الاستدلال ولم يذكرا 
أن سندهم الاستقراء والتتبع لما كتب إمام الحرمين. 

والصحيح أن إمام الحرمين في الإرشاد تابع الباقلاني في ذلك, وما ذكرته 
سابقا دليل على ذلك,» أما في الشامل فقد نص على أن الدليل يطرد ولا 
ينعكس مما يدل على رفضه لمذه الصورة. 
- الموقف السلفي من قاعدة «مالا دليل عليه يجب نفيه): 

لا يرتضي شيخ الإسلام القول بأن مالا دليل عليه يجب نفيه. لأن نفي 
الحكم لا بد فيه من دليل عليه. أما مجرد عدم وجود دليل أو بطلان الدليل 
الذي أقيم على ذلك الحكم فإنه لا يكفي في القول بإبطاله ونفيه. 

يقول شيخ الإسلام (عدم الدليل المعين لا يستلزم عدم المدلول المعين, 
فهب ان ما سلكته من الدليل العقلى لا يثبت ذلك. فإنه لا ينفيه وليس 
لك أن تنفيه بغير دليل لأن النافي عليه الدليل كما على المثبت)2559, 

ويقول شيخ الإسلام: (ومن هذا الباب إنكار كثير من أهل البدع والكلام 
والفلسفة لما يعلمه أهل الحديث والسنة من الآثار النبوية والسلفية المعلومة 
عندهم - بل المتواترة عندهم عن النبي كه والصحابة والتابعين لهم بإحسان. 
فإن هؤلاء يقولون: «هذه غير معلومة لنا» كما يقول من يقول من الكفار 
إن معجزات الأنبياء غير معلومة لحم: وهذا لكونهم لم يطلبوا السبب الموهجب 


(157) انظر الإرشاد» ص ف. 
)١7*(‏ التدمرية. تحقيق محمد بن عودة. ص لا". 


159 


للعلم بذلك. وإلا فلو سمعوا ماسمع أولئك وقرؤوا الكتب المصنفة التي 
قرأها اولئك لحصل لمم من العلم ما حصل لأولئتك. 

«وعدم العلم» ليس «عل) بالعدم) وعدم الوجدان لا يستلزم عدم الوجود. 

فهم إذا لم يعلموا ذلك لم يكن هذا علم| منهم بعدم ذلك, ا 

ع بل هم كا قال الله تعالى: بل كَدَبُوا بَ) لم يحيطواً بعلّمه 

ياتهم م تَُويلُة2"9. 

وتكذيب من كذب بالحق هو من هذا الباب» وإلا فليس عند المتطبب 
والمتفلسف دليل عقليٍ بنفي وجودهم [ أي الجن ]. لكن غايته أنه ليس في 
صناعتهم ما يدل عل وجودهم. وهذا إن) يفيد «عدم العلم) لا «العلم 
بالعدم» وقد اعترف بهذا حذاق الأطباء والفلاسفة كأبقراط وغيرو)2592. 

ولا يقتصر رفض القول بأن (مالا دليل عليه يجب نفيه على علماء السلف 
بل يتعداه إلى غيرهم من المحققين ومنهم صاحب المواقف25. فالا دليل 
عليه لا يجب نفيه.؛ نعم لا نجزم بثبوت مالا دليل عليه كذلك لا نجزم 
بنفيه . 

فالعالم دليل على وجود الباري تعالى» فهل إذا فرض عدم العالم دل عدمه 
على عدم الباري؟! 

وأمر آخر وهو أن الأدلة قد تحدث في الاستقبال» فجهلنا بها في الحال 
لا ينبض ديلا على انتفاء المدلول على وجه اليقين. 

فهل الذي لا يعلم بأخبار الصادق كَكِةِ عن أحوال الجنة والنار ومقادير 
الثواب هل يدل عدم علمه بذلك على انتفاء هذه الأمور؟! 

فا سبق أدلة دامغة على بطلان هذه الصورة من صور الاستدلال. 


(1514) سورة يونس آية #4. 
(1656) الرد على المنطقيين لشيخ الإسلام ابن تيمية » ص آل 
)١15(‏ انظر المواقف. ص /7”". 

وانظر شرح المواقف ص برو 


”د 


الفصل السادس 


الاستدلال بصحة الشىء على صحة مثله وباستحالته على استحالة 
مثله 


١‏ - مفهومه وصورته: 

ومفهوم هذه الصورة من صور الاستدلال» أننا إذا صححنا إطلاق حكم 
على شيء ماء فإننا نصحح إطلاق ذلك الحكم على ما ياثئل ذلك الشيء 
اعتبارا لتلك الماثلة في الحكم ومتعلقاته. 

فإذا صح حكمنا بقدرتنا على صنع شيء. فإن ذلك يدل على صحة 
حكمنا بقدرتنا على صنع ماهو مثله . 

واستحالة قدرتنا على صنع شيء ما دليل على استحالة قدرتنا على صنع 
مثله . 

فقدرة الباري سبحانه وتعالى على خلق الإنسان والحيوان دليل على قدرته 
على إعادته مرة أخرى بعد موته"©. 
١‏ - استخدام المتكلمين لهذا الاستدلال قبل إمام الحرمين: 

ولقد استخدم المعتزلة هذا الدليل» إذ جاء في شرح الأصول الخمسة ما 
يدل على ذلك. يقول القاضي عبدالجبار: (ثم نقول لهم: إن في أفعالنا ما 
تتأتى فيه هذه الطريقة, ألا ترى أن أحدنا إذ قال مرة باء» يمكنه أن يقول 
مثله مرات. وأظهر من هذا الإرادة» فإنه إذا أراد قدوم زيد مرة يمكنه أن 
يريد قدومه ثانيا وثالثاء والإرادتان مثلان لتعلقههما بمتعلق واحد على أخص 





.١؟ انظر التمهيد ص‎ )١570( 


- 75١1١ - 


ما يمكنه ففسد ما ظنوه. 

وبعد.ء فإن أحدنا إذا كان حاذقا بالكتابة عالما بالخط ماهرا فيه فإنه 
يمكنه أن يكتب ثانيا مثل ما كتب أولا بحيث لا يقع الفصل بينها عند 
الإدراك.» فيجب أن يكون محدثا لها)2"78. 

واستخدمه الإمام أبوالحسن الأشعري في إثبات الإعادة» فالله خلق 
الإنسان أولا فهو قادر على إعادته مرة أخرى فحكم الشبىء حكم مثله. 

جاء في اللمع: (فإن قال قائل: ما الدليل على جواز إعادة الخلق؟ قيل 

له: الدليل على ذلك أن الله سبحانه خلقه أولا لا على مثال سابق». فإذا 
خلقه أولا لم يعيه أن يخلقه خلقا آخر. وقد قال عز وجل : «إوضرب لنا 
ملا ونس حَلْقَهُ؛ قال من يخى, آلْعظمَ وَهِىَ رَمِيم. َل يبيهَا آلّذى 
أنسَاما أَوٌلَ مَرَة ة وَحُوَ بَكُلٌ خَلَقٍ عَليم 0150# فجعل النشأة الأولى دليلا على 
جواز النشأة الآخرة لأنها ف معناها)! ندا 

ثم قال: (.. . لآن الله تعالى حكم ني الشيء بحكم مثله وجعل سبيل 

لني ومجراه مجرى نظيره وقد قال تعالى: ©##اآلله يدوا الخلقَ ثم 
يُعيلٌه 0170017104 لقد ذكر الباقلاني هذا النوع من الاستدلال في كتابه 
التمهيد قائلا: (ومن ذلك «أي من أنواع الأدلة) الاستدلال بصحة الثيء 
على صحة مثله وما هو في معناه وباستحالته على استحالة مثله وما كان 
بمعناه) 0757 , 

ثم بين مثال هذه الصورة» كأنْ يستدل الإنسان على قدرة الباري على 
خلق جوهر ولون بخلقه للجواهر والألوان. وعلى قدرته على إحياء الميت 
بخلقه للإنسان وإحيائه وكأنه يستدل على أنه محال أن يخلق عرضا لا في 
محل في ٠‏ لني كا استحال ذلك في وقتنا هذا. 
(159) سورة يس آية 4لا ل 5 
00 اللمع , ص .3١‏ 
)١111(‏ سورة الروم آية 1١‏ 


(1079) اللمعء ص .5١‏ 
175) التمهيد ص ؟١.‏ 


50 72- 


يقول الباقلاني مقررا هذه الأمثلة: (... كاستدلالنا على إثبات قدرة 
القديم سبحانه على خلق جوهر ولون مثل الذي خلقه. وإحياء ميت مثل 
الذي أحياه. وخلق الحياة فيه مرة أخرى بعد أن أماته. وعلى أنه محال منه 
خلق شيء من جنس السواد والحركات لافي مكان في الماضي. كما استحال 
ذلك في جنسها الموجود في وقتنا هذا)2"9. 

والاستدلال بصحة الشيء على صحة مثله يتعارض مع مذهب الأشاعرة 
في الاستطاعة فهم يرون أنها تقارن الفعل2"©. ورتبوا على ذلك جواز 
التكليف با لا يطاق يقول إمام الحرمين: (والدليل على جواز تكليف 
المحالء الاتفاق على جواز تكليف العبد القيام مع كونه قاعدا حالة توجه 
الأمر عليه وقد أقمنا الدليل القاطع على أن القاعد غير قادر على القيام» 
فإذا جاز كون القيام مأمورا به قبل القدرة عليه. وإن كان ذلك غير ممكن 
فلا يبقى لاستحالة تكليف المستحيل وجه)2"0. 

قلت: فمن صحت منه الكتابة هل يقدر على كتابة مثلها؟ . 

إن قالوا: نعم بطل مذهبهم هذا. 

وإن قالوا: لا. لزمهم عدم الاستدلال بصحة الشىء على صحة مثله. 
7“ - من مواضع استخدام إمام الحرمين لهذا الاستدلال في (الإرشاد): 

لقد وجدنا إمام الحرمين يستخدم هذا النوع من الاستدلال في الإرشاد 
في إثبات بعض القضايا العقدية. فمن القضايا التى أثبتها مستخدما هذا 
النوع من الاستدلال. ْ 


أولا : جواز الإعادة 
فلقد أثبت إمام الحرمين جواز الإعادة قياسا على جواز النشأة الأولى. فإذا 
جازت النشأة جازت الإعادة. لأن من حكم المثلين أن يتساويا في الواجب 


.١7؟ التمهيد. ص‎ )١75( 
.؟5١9 انظر الإرشاد ص‎ )١76( 
المصدر السابق نفسه ص 5؟؟.‎ )١75( 


5*2 


والجائزء وني ذلك يقول إمام الحرمين: (ووجه تحرير الدليل أنا لا نقدر 
الإعادة تخالفة للنشأة الأولى على الضرورة» ولو قدرناها مثلا لها لقضى العقل 
بتجويزهاء فإن ماجاز وجوده جاز مثله. إذ من حكم المثلين أن يتساويا في 
الواجب والحائز. 

وهذا توسع في الكلام, فإن الإعادة هي المعاد. والمعاد هو بعينه المخلوق 
أولاء فكيف يقدر الشىء خلافا لنفسه. والدلالة تعتضد بأن الأوقات التي 
هي مقارنة موجودات لموجودات لا أثر لحاء فا فرض وجوده في وقت لم يمتنع 
تقديره في غيره) 027 
ثانيا : جواز رؤية الباري 
كا استخدم هذه الصورة في إثبات جواز رؤية الباري. إذ قرر ما يلي: 
أولا - إن الإدراك لا يتعلق إلا بالوجود. وإن حقيقة الوجود لا تختلف وهذا 
معلوم بالضرورة العقلية. 
ثانيا - إذا رئي موجود لزم تجويز رؤية كل موجود. 

يقول إمام الحرمين: (والذي يعول عليه في إثبات جواز الرؤية بمدارك 
العقول. أن نقول: أدركنا شاهدا مختلفات. وهي الجواهر والألوان» وحقيقة 
الوجود تشترك فيها المختلفات. وإنا يؤول اختلافها إلى أحوالها وصفات 
أنفسهاء والرؤية لا تتعلق بالأحوال. فإن كل ما يرى ويميز عن غيره في 
حكم الإدراك. فهو ذات على الحقيقة» والأحوال ليست بذوات» فإذا تقرر 
بضرورة العقل أن الإدراك لا يتعلق إلا بالوجود. وحقيقة الوجود لا تختلف, 
فإذا رئي موجود لزم تجويز رؤية كل موجود. كا أنه إذا رئي جوهرء لزم 
تجويز رؤية كل جوهر. وهذا قاطع في إثبات ما نبغيه)2"9©. 

والذي يبغيه إمام الحرمين من هذا الاستدلال» هو إثبات جواز رؤية الله 
تعالى باعتباره موجودا. قياسا على رؤيتنا للموجودات اعتبارا لوجودها. 


1770) الإرشادء ص ؟/ا”. 
(17) الإرشاد. ص /الا١.‏ 


-755- 


3 الموقف السلفى من الاستدلال بصحة الشىء على صحة مثله وباستحالته 
على استحالة مثله: 


يقول شيخ الإسلام (... حكم الشيء حكم مثله. كا إذا عرفنا أن 
«هذه النار محرقة) علمنا أن «النار الغائبة محرقة, لأنها مثلهاء وحكم الثيء 
حكم مثله. . .)00. 

ويقول شيخ الإسلام (فإن الإمكان يستعمل على وجهين: إمكان ذهني 
وإمكان خارجي . 

ف «الإمكان الذهني» أن يعرض الثيء على الذهن فلا يعلم امتناعه. 
بل يقول «يمكن هذا» لا لعلمه بإمكانه. بل لعدم علمه بامتناعه» مع أن 
ذاك الشيء قد يكون ممتنعا في الخارج. وأما «الإمكان الخارجي» فأن يعلم 
إمكان الثيء في الخارج. وهذا يكون بأن يعلم وجوده في الخارج. أو وجود 
نظيره» أو وجود ماهو أبعد عن الوجود منه. 

فإذا كان الأبعد عن قبول الوجود موجوداء ممكن الوجود. فالأقرب إلى 
الوجود منه أولى. 

وهذه طريقة القران في بيان إمكان المعاد. يبين ذلك بهذه 
الطرق. .)2340 , 

ثم قال: (والمقصود هنا ان «الإمكان الخارجي ») يعرف بالوجود. لا بمجرد 
عدم العلم بالامتناع» كم| يقوله طائفة منهم الآمدي - إذا أرادوا إثبات إمكان 
أمر قالوا: «لو قدرنا هذا لم يلزم منه ممتنع, فإن هذه القضية الشرطية غير 
معلومة , فان كونه لا يلزم منه محذور ليس معلوما بالبديبة» ولا أقام عليه 
دليلا نظريا. 

وأبعد من إثباته «الإمكان الخارجي» ب «الإمكان الذهني» ما يسلكه طائفة 
من المتفلسفة ولمتكلمة» كابن سينا والرازي وغيرهماء في إثبات «الإمكان 


.١١90 الرد على المنطقيين. ص‎ )١09( 
."١8 الرد على المنطقيين ص‎ )18٠( 


75086 





الخارجي) بمجرد إمكان تصوره في الذهن). 
ثم قال: (فأين طرق هؤلاء في إثبات الإمكان الخارجي من طريقة 
القران؟)2490 , 


."5١؟ الرد على المنطقيين ص‎ )١181( 


7505 


الفصل السابع 


قياس الأولى 

١‏ - مفهومه وصورته: 

وهو أن كل ما اتصف به المخلوق من كال وجاز اتصاف الخالق به 
فالخالق أولى ان يتصف بهء وكل ما تنزه عنه المخلوق من نقص فالخالق 
أولى بالتنزه عنهء اعتبارا لما بينهما من نسبة الخالقية والمخلوقية المقتضية لأولوية 
الخالق بالاتصاف بالكيال من المخلوق. 

فالسمع والبصر مثلا من صفات الكمال في المخلوق» فمن يسمع أكمل 
ممن لا يسمع. ومن يبصر أكمل ممن لا يبصر. 

فإذا اتصف المخلوق بالسمع والبصر وكان ذلك كالا في صاحبه لا يشوبه 
نقص وجاز أن يتصف بها الخالق. فالخالق أولى بالاتصاف بها من 
المخلوق . 

وعلى هذا النحو يجري إثبات صفات الككال لله تعالى ويجري كذلك في 
إثبات بعض العقائد الأخرى. وهو أن تثبت لأحد الموجودين أولوية الاتصاف 
بصفة ثبتت الموجود آخرء اعتبارا لا بينهها من فوارق تقتضي أولوية اتصاف 
الموجود الأول بها اتصف به الموجود الثاني . ْ 
١‏ - استخدام المتكلمين لقياس الأولى: 

لقد استخدمه الإمام الأشعري في إثبات صفات المعاني لله تعالى على 
أساس أنه سبحانه وتعالى هو الذي خلق فينا ساعنا للأشياء ورؤيتنا لها. 
فلابد أن يكون أسمع لها منا وأعلم بها منا من باب أولى. 

يقول الأشعري: (... لأن ما خلق الله القدرة فينا عليه فهو عليه 


-/ا١5‏ د 





أقدر. ك) أن ماخلق فينا العلم به فهو به أعلم. وما خلق فينا السمع له 
فهو له أسمع)149. 
وإنما ترجع أولوية اتصاف الله تعالى ب خلقه فينا من القدرة والعلم 
والسمع إلى أنه هو الخالق لما فينا. والخالق أولى بالاتصاف با خلقه من 
كالات في المخلوق؛: بل إن درجة هذه الكالات في الله تعالى تكون بحسب 
ذاته باعتباره خالقا كا تكون كالات المخلوق بحسيه باعتباره مخلوقا. 
وبدهي أن هذا القياس يجري في إثبات الكالات الممكنة في حق الله 
تعالى ا ذكرنا انفا. 
استخدام إمام الحرمين لقياس الأولى في (النظامية) : 


لم نجد لإمام الحرمين استعمالا لقياس الأولى في كتاب (الإرشاد والشامل) 
ولم يتعرض له في كتاب البرهان بالإبطال أو التصحيح . 

ولكنه استعمله في النظامية مثبتا صفتي السمع والبصر لله تعالى. 

يقول إمام الحرمين: (يجب وصف الله تعالى بكونه سميعا بصيراء والدليل 
عليه أن الواحد منا إذا أبصر فإنه يجري منه تحديق في جهة المرئي واتصال 
أشعة به. على مجرى العادة» وإذا سمع فقد يقرع المواء صماخيه. والإدراك 
الحقيقي يقع وراء الاتصالات التي ذكرناهاء وذلك الإدراك له مزية على 
العلم بالمغيب الذي لم يدرك. فالرب تعالى يدرك المبصر والمسموع على 
الحقيقة التي ندرهه عليهاء ويتعالى عما تتصف به الحواس والحدق 
والأصمخة. ك)| يعلم ذلك من غير نظر واستدلال. ويقدر من غير فرض 
جارحة وأداة» فمن وصف الإله با ذكرناه من تحقيق الإدراك فقد وافق 
المعنى» ونحن نقطع باستحالة اتصافه بالإحساس والحدق والإصاخة. وإن 
أنكر منكر كونه مدركا لحقيقة الأشياء. فقد أثبت للمخلوق في الإحاطة 
والدرك مزية على الخالق. 


085 كتاب اللمع, ص .١78‏ 


-548- 





ولاخفاء ببطلان ذلك وكيف يصح في العقل أن يخلق الرب للعبد الدرك 
الحقيقي وهو لا يدرك حقيقة ماخلق للعبد إدراك)25. 

وإنما لا يصح ذلك اعتبارا لما بين العبد والرب من فارق المخلوقية 
والخالقية» بل إن هذا الاعتبار يقتضى -كما قلنا سابقا ‏ أولوية الخالق 
بالاتصاف بتلك الكالات التي خلقها هو في العبد على النحو اللائق بذاته 
مادام يجوز اتصافها بتلك الكالات. 
؛ - الموقف السلفي من الاستدلال (بقياس الأولى) : 

وهذا القياس كان يسلكه السلف اتباعا للقرآن وبه كانوا يستدلون على 
أن الله يتصف بصفات الكمال اللائقة بذاته تعالى. 

ويرى شيخ الإسلام أن هذا هو القياس الصحيح في إثبات الصفات 
فلا يجوز أن يستعمل في إثبات الصفات قياس التمثيل أو قياس الشمول 
بل يستخدم قياس الأولى. يقول شيخ الإسلام: (والله سبحانه وتعالى لا 
تضرب له الأمثال التى فيها ممائلة لخلقه. فإن الله لا مثل له بل له المثل 
الأعلىء فلا يجوز أن يشترك هو والمخلوق في قياس تمثيل ولا في قياس شمول 
تستوي أفراده. ولكن يستعمل في حقه المثل الأعلى. وهو أن كل ما اتصف 
به المخلوق من كال فالخالق أولى به. وكل ما تنزه عنه المخلوق من نقص 
فالخالق أولى بالتنزه عنه. .)049 , 

ويرى أن هذا القياس فطري وضروري. يقول شيخ الإسلام: (وأما هذا 
القياس) «قياس الأولى» ووجوب تنزيه الرب عن كل نقص ينزه عنه غيره 
ويذم به سواه. فهذا ضروري متفق عليه)242. 

ولقد أوضح شيخ الإسلام أن هذا القياس هو الهج العقلي المستقيم 
الذي استعمله الإمام أحمد والأئمة من السلفء اتباعا للقران الذي سلك 


(*187) النظامية ص ."١‏ 

.60 الرسالة التدميرية تحقيق ابن عودهق. ص‎ )١85( 
.4١ وانظر مفتاح السعادة اج ؟ ص‎ 

(186) نقضص تأسيس ا جهمية جّ ل ص 44ه6. 


-5١8- 


هذا المسلك في تنزيه الباري عن صفات النقص. يقول شيخ الإسلام : 
(فإن الإمام أحمد ونحوه من الأئمة هم في ذلك جارون على المنبج الذي 
جاء به الكتاب والسنةء وهو الهج العقلي المستقيم. فيستعملون في هذا 
الباب قياس الأولى والأحرى والتنبيه في باب النفي والإثبات». فا وجب إثباته 
للعباد من صفات المدح والحمد والكمال فالرب أولى بذلك» وما وجب تنزيه 
العباد عنه من النقص والعيب فالرب سبحانه أحق بتنزيهه وتقديسه عن 
العيوب والنقائص من الخلق. وبهذا جاء القران, في مثل قوله لإضرَبٌ كم 
مَل من أنَفسكم 20004 . وفي مثل قوله ا شر حدم ب ضرت للرّحمن 
0 وغير ذلك, فإنه احتج على نفي ما يثبتونه له من الشريك والولد 
بأهم ينلزهون أنفسهم عن ذلك لأنه نقص وعيب عندهم» فإذا كانوا 
لايرضون بهذا الوصف ومئل السوء فكيف يصفون رهم به ويجعلون لله مثل 
السوء بل ِلِلّذِينَ لا يُومنُونَ بالآخرّة مُكل آلسّوءِ وللّه كَل الأغلهده, 5 
وتما قاله الإمام أحمد ف إيطال دعوى ى الحلولية أنه 5 كل مكان وفي إثنات 
علوه على خلقه وإثبات عموم علمه لخلقه مع مباينته لم على أساس أنه 
سبحانه وتعالى له المثل الأعلى ‏ قوله: (قد عرف المسلمون أماكن كثيرة ليس 
فيها من عظمة الرب شيء فقالوا أي مكان قلنا أجسامكم وأجوافكم وأجواف 
الخنازير والحشوش والأماكن القذرة ليس فيها من عظم الرب شيء ...). 
ووجدنا كل شيء أسفل منه مذموما بقول الله جل ثناؤه إن آلْمُتفقين 
فى آلدّرك الأشقل م آلاري4”, 0 وَقالَ ألْذِينَ كرو ريا رن لَذَيْن ضَادّنا م 
آلْجِن والإنس نَجَعَلْهَا نَتَ أَكدَامنًا ليَكُونَا من الأسْلَلينَ004 7 
ومن الاعتبار في ذلك لو أن رجلا كان في يده قدح من قوارير صاف, 
وفيه شراب صاف كان بسر اين اد قد أحاط بالقدح من غير أن يكون 
(1419) سورة ا آية /31. 
(184) سورة التحل آية 59 
(1488) نقض التأسيس » اج '2 ا ص هلاه. 


(190) سورة النساء آية .١46‏ 
)194١(‏ سورة فصلت آية 39. 


"٠٠١ 


ابن ادم في القدح. ولله المثل الأعلى قد أحاط بجميع خلقه من غير أن 
يكون في شيء من خلقه. 

وخصلة أخرى لو أن رجلا بنى دارا بجميع مرافقها ثم أغلق بابها وخرج 
منها كان ابن ادم لا يخفى عليه كم بيت في داره وكم سعة كل بيت من 
غير أن يكون صاحب الدار في جوف الدارء فإن الله وله المثل الأعلى قد 
أحاط بجميع ماخلق وقد علم كيف هو وماهو من غيرأن يكون في شيء 
مما خلق)090, 

وقد أظهر شيخ الإسلام بوضوح ما تضمنه كلام الإمام أحمد السابق من 
إبطال دعوى الحلولية أنه في كل مكان وفي إثبات علوه على خلقه وإثبات 
عموم علمه لخلقه مع مباينته له أوضح ما تضمنه كلام الإمام أحمد السابق 
من إثبات ذلك على أساس قياس الأولى» فذكر في بيان إبطال الإمام أحمد 
لدعوى الحلولية أن الانسان المخلوق الذي يجوز اتصافه بالنقص والعيب لا 
يجوز شرعا أن يكون حيث النجاسات والقاذورات» فمن باب أولى أن يتنزه 
الباري تعالى عن الحلول في أماكن النجاسة والقذارة. يقول شيخ الإسلام: 
(فسلك الإمام أحمد وغيره مع الاستدلال بالنصوص وبالإجماع مسلك 
الاستدلال بالفطرة والأقيسة العقلية الصحيحة المتضمنة للأولى. 

وذلك أن النجاسات مما أمر الشارع باجتنامها والتنزه عنها وتوعد على ذلك 
بالعقاب. ”| قال يةِ في الحديث الصحيح «تنزهوا عن البول فإن عامة 
عذاب القير منه) وهذا مما علم بالاضطرار من دين الإسلام وهي ما فطرت 
القلوب على كراهتها'*" والنفور عنها واستحسان مجانبتها لكونها خبيثة» فإذا 
كان العبد المخلوق الموصوف با شاء الله من النقص والعيب الذي يجب 
تنزيه الرب عنه. لا يجوز أن يكون حيث تكون النجاسات ولا أن يباشرها 


(؟19١)‏ الرد على الجهمية ص 65٠‏ 0 5ه. 

)١99(‏ ذكره المنذري في الترغيب والترهيب عن أنس رضي الله عنه. ثم قال رواه الدارقطني وقال: 
المحفوظ مرسل . 
انظر الترغيب والترهيب من الحديث الشريف, للإمام زكي الدين عبدالعظيم المنذري. ج١2‏ 
ص ١79‏ . 


- "١١ 





ويلاصقها لغير حاجة. وإذا كان لحاجة يجب تطهيرهاء ثم إنه في حال 
صلاته لربه يجب عليه التطهير. فإذا أوجب الرب على عبده في حال مناجاته 
أن يتطهر له ويتنزه عن النجاسة» كان تنزيه الرب وتقديسه عن النجاسة 
أعظم وأكثر للعلم بأن الرب أحق بالتنزيه عن كل ما ينزه عنه غيره)269. 

ويقول: (وذكر الأئمة 5 الرد على الجحهمية ما علمه المسلمون بضرورة 
حسهم وعقلهم ودينهم من تنزيهه عن أن يكون في أجوافهم وأحشائهم أيضا 
مع ماذكروه من تنزهه عن الأنجاس» لأن ذلك أقرب إلى حس الإنسان 
وبديهة عقله. فكلا كان المعلوم مما يحسه الإنسان ويعقله بديهة كان أعلم 
به لاسيما مع تكرر إحساسه به وعقله له. 

وأيضا فنبهوا بذلك على ماذكره الله تعالى من كفر الذين قالوا إن الله 
هو المسيح بن مريم وإن الله تعالى حل في بطن مريم» فإن هذا تكفير 
لكل من قال في بشر أنه الله بطريق الأولى. فمن قال في الوجود كله ذلك 
أكفر وأكفر)*2. 

وقال شيخ الإسلام موضحا لما قرره الإمام أحمد من إثبات علوه تعالى 
على خلقه مستخدما القياس الأولى: (ثم احتج «الإمام أحمد» بحجة أخرى 

من الأقيسة العقلية قال: «وجدنا كل شىء أسفل مذمومءٍ قال الله تعالى 
7 آلْمُستفقين ف آلدّرك الأسْقل من التارا*ه0 قال آلْذِينَ كمْروا ينا 
نا لذن أَضَلاّنا مِنَّ الجن وَالإنسٍ نَجْعَلْهَُ) نحت أقدَامنًا ليَكونَا من 
لأسْفَلِينَ004 وهذه الحجة من باب «قياس الأولى» وهو أن السفل مذموم 
في المخلوق حيث جعل الله أعداءه في أسفل السافلين» وذلك مستقر في 
فطر العباد حتى إن أتباع المضلين طلبوا أن يجعلوهم تحت أقدامهم ليكونوا 
من الأسفلين, وإذا كان هذا مما ينزه عنه المخلوق ويوصف به المذموم المعيب 
من المخلوق» فالرب تعالى أحق أن ينزه ويقدس عن أن يكون في السفل 
(194) نقض تأسيس الجهمية» ج 7 ص /ا97. 
(196) نقض تأسيس الحجهمية ٠ج‏ ” ص 41ه0. 


(1955) سورة النساء آية ه١1‏ 
(1910) سورة فصلت أية 89 . 


-:”١؟-‎ 





أو يكون موصوفا بالسفل هو أو شيء منه أو يدخل ذلك في صفاته بوجه 
من الوجوه بل هو العلي الأعلى بكل وجه)2*0. 

ويقول شيخ الإسلام أيضا في توضيح ما قرره الإمام أحمد من عموم علمه 
تعالى مع مباينته لخلقه على أساس قياس الأولى: (ثم ذكر الإمام أحمد حجة 
اعتبارية عقلية قياسية لإمكان ذلك «أي إن الله مستو على عرشه وعلمه 
في كل مكان» هي من «باب الأولى» قال: ومن الاعتبار في ذلك لو أن 
رجلا كان في يده قدح من قوارير صاف وفيه شيء كان بصر ابن أدم قد 
أحاط بالقدح من غير أن يكون ابن آدم في القدح, فالله سبحانه له المثل 
الأعلى قد أحاط بجميع خلقه من غير أن يكون في شيء من خلقه. 

قلت: وقد تقدم أن كل ما يثبت من صفات الكمال للخلق فالخالق أخق 
به وأولى. 

فضرب أحمد رحمه الله مثلا وذكر قياساء وهو أن العبد إذا أمكنه أن 
يحخيط بصره با في يده وقبضته من غير أن يكون داخلا فيه ولا محايثا له 
فالله سبحانه وتعالى أولى باستحقاق ذلك واتصافه به وأحق بأن لا يكون 
ذلك ممتنعا في حقه. 

وذكر أحمد في ضمن هذا القياس قول الله تعالى: ولّهُ الْمَثَل 
آلأعلٌ2**4 فطابق لما ذكرناه من أن الله له قياس الأولى والأحرى بالمثل 
الأعلى. إذ القياس الأولى والأحرى هو من للمثل الأعلى). 

قال: (ثم ذكر قياسا آخر فقال: وخصلة أخرى لو أن رجلا بنى دارا 
بجميع مرافقها ثم أغلق بابها وخرج منها كان لا يخفى عليه كم بيت في 
داره وكم سعة كل بيت من غير أن يكون صاحب الدار في جوف الدار, 
فالله سبجانه له المثل الأعلى قد أحاط بجميع ما خلق وقد علم كيف هو 
وماهو من غير أن يكون في جوف شىء مما خلق. 
وهذا أيضا قياس عقلي من قياس الأول قرر به إمكان العلم بدون المخالطة 


.847 نقض تأسيس الجهمية» ج 5 ص‎ )١194( 
. 33/ سورة الروم اية‎ )١99( 


-؟51١*-‎ 


فذكر أن العبد إذا فعل مصنوعا كدار بناها فإنه يعلم مقدارها وعدد بيوتها 
مع كونه ليس هو فيها لكونه هو بناهاء فالله الذي خلق كل شيء أليس 
هو أحق بأن يعلم مخلوقاته ومقاديرها وصفاتها وإن لم يكن فيها محايثا لها 
وهذا من أبين الأدلة العقلية)2'), 

وكا استخدم الإمام أحمد قياس الأولى في إثبات العقائد على نحو ما 
قدمنا فكذلك استخدمه شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الباب في إثبات 
مباينة الخالق للمخلوق في الحقيقة وعدم التشابه بينهها وأن ذلك أولى من 
المباينة بين مخلوقات الآخرة ومخلوقات الدنيا رغم مابينهها من رابطة الاتصاف 
بالمخلوقية. يقول شيخ الإسلام: (فإن الله أخبرنا عما في الجنة من المخلوقات 
من أصناف المطاعم والملابس والمناكح والمساكن. فأخيرنا أن فيها لبنا وعسلا 
وخمرا وماء وخ| وحريرا وذهبا وفضة وفاكهة وحورا وقصوراء وقد قال ابن 
عباس رضي الله عنبى|: «ليس في الدنيا شىء مما في الجنة إلا الأسماءع)9'") . 

وإذا كانت تلك الحقائق التى أخحير الله عنها هى موافقة في الأساء 
للحقائق الموجودة في الدنياء وليست ممائلة لما بل بينهها من التباين مالا يعلمه 
إلا الله تعالى.» فالخالق سبحانه وتعالى أعظم مباينة للمخلوقات من مباينة 
المخلوق للمخلوق. ومباينته لمخلوقاته أعظم من مباينة موجود الآخرة لموجود 
الدنياء إذ المخلوق أقرب إلى المخلوق والموافق له في الاسم من الخالق إلى 
المخلوق وهذا بين واضح)9'". 

وكذلك الروح تتصف بصفات فهي حية عالمة سميعة بصيرة ومع ذلك 
تباين ما يشاهد من المخلوقات. 

فالله تعالى مع اتصافه ب)| يستحقه من صفات الككال فهو أولى بمباينة 


نم6 نقض تأسيس الجهمية ‏ ج 3 ص 145ه. 
مدقم ذكره 0 في تفسيره سنده عن ابن عباس رضي الله عنه عند تفسير قوله تعالى : #إوأتوا 
به متشاءبها» . 
جامع البيان عن تأويل أي القرآن. لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري. ج ١‏ ص 174. 
٠١5‏ التدمرية» ص 47 . 


-:؟١5-‎ 


المخلوق من مبايئة المخلوق للمخلوق. 

يقول شيخ الإسلام : ( والمقصود أن الروح إذا كانت موجودة حية عالمة. 
قادرة سميعة بصيرة تصعد وتنزل وتذهب وتجىء ونحو ذلك من الصفات 
والعقول قاصرة عن تكييفها وتحديدها لأنهم لم يشاهدوا لها نظيرا. . 

فاذا كانت الروح متصفة بهذه الصفات مع عدم ممائلتها لما يشاهد من 
المخلوقات.. فالخالق أولى بمباينته لمخلوقاته مع اتصافه ب)| يستحقه من 
أسمائه وصفاته . 

وأهل. العقول هم أعجز عن أن يحدوه أو يكيفوه منهم عن أن يحدوا الروح 
أو يكيفوها)9'"") . 

ويقول في إثبات الصمدية لله تعالى وأنه أولى بتلك الصفة من الملائكة : 
(وكل من يحتاج إلى من يحمله أو يعينه على قيام ذاته وأفعاله فهو مفتقر 
ليه ليس مستغنيا عنه بنفسه. فكيف من يأكل ويشرب, والآكل والشارب 
أجوف, والمصمت الصمد أكمل من الآكل والشارب. ولهذا كانت الملائكة 
صمدا لا تأكل ولا تشرب. وقد تقدم أن كل كال ثبت للمخلوق فالخالق 
أوى به وكل نقص تنزه عنه المخلوق فالخالق أولى بتنزيهه عن 
ذلك. . .)29, 

وقال في حق المسيح وأمه : يما آلْمسِبعُ أبن مَرَيم إل رَسُولُ قَدُ خَلَتْ 
منّ قيْلهِ آلرَسُل مه صِدَيقَةٌ كنا كان آلطعَامَ 24" فجعل ذلك دليلا 
على نفى الألوهية.» فدل ذلك على تنزيهه عن ذلك بطريق الأولى 
والأحرى)7"©. 

ويقول شيخ الإسلام في إثبات إمكان المعاد: (يبين ذلك أن العلم بكون 
الثيء ممكنا في الخارج بكون العلم بوجوده أو بوجود ماذلك الثيء أولى 


)٠١9(‏ التدمرية. ص 5ه. 
(505) التدمرية.ء ص 1١54١‏ - 155. 
(ه١6٠)‏ سورة المائدة اية هلا. 
(505) التدمرية. ص .1١4#‏ 


- 51١6© 





بالوجود منه. كى) يذكره الله في كتابه في تقرير إمكان المعاد لقوله ملق 
آلسْمَُوتٍ والأض, من خَلّقَ آلنّاسٍ 04" وقوله : وهو آَلْني يدوأ 
الْحَلقَ َ يعيدة وهو أَهْوَنُ علي 20 
وقوله أل يك نُظَفَةَ من م يدن كُمّْ كَانَ عَلَقةَ فحَلقَ َسَوّ فَجَعْلَ مله 
جين آلذْكرٍ الى . أليِسَ ذَلكَ بقَندرٍ عَلَْ أن يبى آموي تئ 04 , 
وقوله: أو رد ل آله الذي خُلَقَ َلسمَوتٍِ وَآلآرَض وَل يَعْىَ 
ِحَلْقهِنَ بقَدِرٍ عَلَ أن يح الْمَوْتَى بَلَ إِنْهُ عل كل شيْءٍ قَدير "٠0‏ وقوله 
«وَضرّبَ لَنَا مَعَادُ وَنْسِىَ لف0004 إلى قوله «أولِيّسَ آلّذي خَلَقَ آلسّمَوتَ 
وَآلأرْض بقلدرٍ عَلَ أن يخُلْقَ متْلَهُم بَلّ04” وأمثال ذلك مما يدل على أن 
إعادة الخلق أولى بالإمكان من ابتدائه وخلق الصغير أولى بالإمكان من خلق 
العظيم)279. 


)7٠١7(‏ سورة غافر آية لاه. 

. "0 سورة الرومء آية‎ )٠١4( 

.4١ سورة القيامة, لا8 7ب‎ )5١9( 

.8# سورة الأحقاف. آية‎ )7١١( 

.98 سورة يسء أآية‎ )51١( 

.81 سورة يس آية‎ )5١9( 

15 مماج السنة النبوية. لأبي العباس تقي الدين أحمد بن عبدالحليم بن تيمية» ج 2١‏ ص ٠لا".‏ 


- 751١5 - 


الفحصل الثامن 


الاستدلال بالقياس المنطقى 

١‏ - مفهومه وصورته: 

ليس من قصدنا في مقدمة هذا الفصل التوسع في التعريف بالقياس 
المنطقي وأقسامه وأشكاله وشروطه ونتائجه. وإنا نكتفي من كل ذلك با 
تدعو إليه ضرورة البحث فيا إذا كان إمام الحرمين قد استخدمه كطريق 
من طرقه في إثبات العقائد أم لاء وكذلك في بحث الموقف السلفي من 
ذلك القياس واستخدامه في علوم العقيدة. وفي هذه الحدود نقول - بيانا 
مفهوم القياس المنطقي ‏ إنه (قول مؤلف من قضايا إذا سلمت لزم عنه لذاته 
قول اخر)319), 

وينقسم القياس المنطقي إلى اقتراني واستثنائي . 

فالاقتراني هو مالم تذكر فيه النتيجة ولا نقيضها بالفعل٠©‏ وصورته أن 
تقول مثلا العام متغير وكل متغير حادث فالعالم حادث وهي النتيجة . 

ويتكون القياس الاقتراني هذه الصورة من مقدمتين يتضمنان ثلاثة حدود. 

فالعالم هو الحد الأصغرء ومتغير هو الحد الأوسط وحادث هو الحد الأكر. 

والمقدمة التى فيها الحد الأصغر تسمى مقدمة صغرى والمقدمة التى فيها 
الحد الأكبر تسمى المقدمة الكبرى. والحد الأوسط يتكرر في المقدمتين. 

ولهذا القياس أربعة أشكال حسب الحد الأوسط. فإذا كان الحد الأوسط 


)5١14(‏ البصائر النصيرية في علم المنطق. تأليف عمر بن سخلان الساوي. ص 7/8 - 798 وانظر معيار 
العلم في فن المنطق, ص .١٠١6‏ 

(15١5؟)‏ انظر البصائر النصيرية. ص 480. 
وتيسير القواعد المنطقية (شرح الرسالة الشمسية). ج 7 ص؟١.‏ 


- ؟"١ا/-‎ 








محمولا في المقدمة الصغرى موضوعا في المقدمة الكبرى سُمّى الشكل الأول. 
وإن كان الحد الأوسط محمولا فيهما سّمّي الشكل الثاني» والشكل الثالث 
أن يكون الحد الأوسط موضوعا فيهماء والشكل الرابع أن يكون الحد الأوسط 
موضوعا في المقدمة الصغرى محمولا في المقدمة الكبرى. 

أما القياس الاستثنائي فهو ماذكرت فيه النتيجة أو نقيضها بالفعل١'"©.‏ 

وينقسم إلى متصل ومنفصل . 
ومثال المتصل أن تقول: إن كان العالم حادثا فله صانع ولكنه حادث فله 
صانع . 

وهو يتركب من مقدم وهو المقدمة الأولى الشرطية. وتال وهو المقدمة 
الثانية الاستثنائية . 

ولا ينتج إلا استثناء عين المقدم أو نقيض التالي أما استثناء نقيض المقدم 
أو عين التالي فغير ناتج . ش 

وينقسم المنفصل إلى مانعة الجمع والخلو. وتسمى حقيقية. 

وإلى مانعة الجمع. 
وإلى مانعة الخلو. 

ومثال مانعة الجمع والخلو أن تقول العدد إما زوج أو فرد فاستثناء المقدم 
أو التالي ينتج نقيض الآخرء واستثناء نقيض المقدم أو التالي ينتج عين 
الآخر. 

وإن كانت مانعة الجمع أنتج فيها استثناء العين نقيض الآخر ولا ينتج 
استثناء نقيض شيئا. نقول هذا العدد إما زائد أو ناقص لكنه زائد فهو 
ليس بناقص أو ناقص فهو ليس بزائد وإن قلت لكنه ليس بزائد لم ينتج 
وإن قلت لكنه ليس بناقص لم ينتج . 

ومثال مانعة الخلو أن تقول الثوب إما غير أبيض او غير أسود فاستثناء 
نقيض أحدهما ينتج عين الآخر. فإذا قلت لكنه أبيض أنتج أنه غير أسود. 


.8١ والبصائر النصيرية ص‎ ١١١ ٠١6 انظر معيار العلم. ص‎ )5١15١( 
وتيسير القواعد المنطقية, ج ك؟ءا ص15‎ 


-5148- 


أما استثناء عين أحدهما فلا ينتج فلو قلت لكنه غير أبيض لم ينتج 3" . 


يقرر شيخ الإسلام أن المتكلمين من جميع الطوائف لم يستخدموا الطرق 
المنطقية في الاستدلال بل كانت لهم طرقهم الخاصة بهم. 

وفي ذلك يقول: (وم يكن أحد من نظار المسلمين يلتفت الى طريقتهم 
«المناطقة». بل المعتزلة والأشعرية والكرامية والشيعة وسائر طوائف النظر كانوا 
يعيبونها ويثبتون فسادها. وأول من خلط منطقهم بأصول المسلمين أبوحامد 
الغزالي وتكلم فيه علاء المسلمين بما يطول ذكره)©. 

ويؤكد هذا أيضا د. النشار في كتابه مناهجح البحث عند مفكري 
الإسلام . 

إذ يقول: (أظهر لنا النقد التحليل لنصوص كثيرين من المتكلمين أن 
الباقلاني... وإمام الحرمين وكثيرين من المعتزلة خرجوا في أبحائهم عن 
منطق أرسطو)؟3" , 

ويقول أيضا: (كان للمتكلمين في العصر الكلامي الأول حول تكوين 
المنبج موقف مزدوج يتسم بها يأتي: 
أولا رفض المنطق الأرسططاليسي كمنهاج للبحث ومهاحمته. 
الفقه وتناوله المتكلمون بالزيادة و التعديل . وقد استمر هذا المنبج ف الفترة 
الأولى 5 جميع دوائر المتكلمين - معتزلة كانوا أو شيعة أو أشاعرة أو ماتريدية - 
بمعزل إلى أكبر حد عن المنطق الأرسططاليسبى)2"9. 


.١١7 ١١7” ومعيار العلم. ص‎ 2.٠١ ٠١١ انظر البصائر النصيرية ص‎ )5١7 
الرد على المنطقيين.. ص /9ا#ا7.‎ )5148( 

.2١ مناهج البحث. ص‎ )5١19( 

(500) مناهج البحث. ص 287. 


-51١94- 





* - مدى صحة القول باستخدام إمام الحرمين للقياس المنطقي : 

رأينا في الفقرة السابقة أن المتكلمين لم يستخدموا المنطق كا قرر ذلك 
شيخ الإسلام» وأن أول من استخدم المنطق الغزاللي فهو الذي مزجه 

ومعنى ذلك أن إمام الحرمين لم يكن له اشتغال بالمنطق وأنه لم يستخدمه 
في مؤلفاته الكلامية. 

أما الدكتور النشار فله رأيان متباينان في مدى تأثّر إمام الحرمين بالمنطق. 
فهو تارة يجزم بعدم تأثره بالمنطق كما مر معنا في الفقرة السابقة معتمدا | 
يقول على دراسته التحليلية لنصوص إمام الحرمين. 

وتارة يجزم بأن إمام الحرمين مزج الأصول بالمنطق ويقرر أنه إنما جزم 
بذلك نتيجة لاطلاعه على كتاب (البرهان) لإمام الحرمين. 

ولعله يشير إلى ماجاء في البرهان من نقض إمام ال حرمين لمناهج المتكلمين 
والاستعاضة عن ذلك بالبرهان المستد وبرهان الخلف502), 

يقول الدكتور النشار: ...١(‏ ولكن مالبث. علم الأصول أن اتجه وجهة 
أخرى على يد إمام الحرمين وقد كان المظنون أن إمام الحرمين قد سار على 
منج المدرسة الكلامية الأصولية الأولى» إلا أنه تسنى لي بحث مخطوطة نادرة 
لكتاب '(البرهان) فتبين لي أنه. وإن كان إمام الحرمين خالف المنطق 
الأرسططاليسى في نقاط كثيرة» قد تأثر به إلى حد ما. بل قد نجد عنده 
أول محاولة مزج منطق أرسطو بأصول الفقه)9"" . 

وهذا ما قرره الدكتور علي جبر أيضا إذ يقول: (وهنا يمكن القطع بأن 
إمام الحرمين لم يكن مقلدا لأئمة الأشعرية في طرق استدلالهم على 
عقائدهم. بل قد أتى بطريقة يقينية بعد أن انتقدهم في طرائقهم وإن كان 
في تقسيمه للبرهان إلى مستد وخلف متأثرا في ذلك بمنطق أرسطو)9"©. 
(501) انظر البرهان ج 2١‏ ص ا6١.‏ 


570 مناهج البحث عند مفكري الإسلام ص 54 
[ففة إمام الحرمين وآثره في بناء الدرسة الأشعرية. ص 7377# 


5 





ويقول أيضا: (ثم انتقدها «يعني أدلة المتكلمين» ثم أخرج لنا منهجا 
مزدوجا من منبجه ومنبج أرسطى)9"". 

وبغض النظر عنًا وقع فيه الدكتور النشار من تناقض في حكمه على مدى 
تأثر إمام الحرمين بالمنطق الأرسطي. فإن علينا أن نبحث في مدى صحة 
ما يذهب إليه هو في قوله الثاني وكذلك ما يذهب اليه الدكتور جبر من 
تأثر إمام الحرمين بهذا المنطق. مستدلين على ذلك باستعاله لقياس المستد 
وقياس الخلف. 

ولهذا فسنعرض لمفهوم هذين القياسين: أعني القياس المستد وقياس 
الخلف عند إمام الحرمين وعند المناطقة لنرى مدى التوافق والاختلاف بينها 
ومن ثم يتبين لنا هل ذكر إمام الحرمين للبرهان المستد وبرهان الخلف ينبض 
دليلا على أنه حاول مزج الأصول بلمنطق الأرسطي أم لا؟ 

أما البرهان المستد فهو مشتق من قولك استد الشيء إذا استقام2*"") 
فالمستد المستقيم. 

وقد عرفه إمام الحرمين في البرهان بقوله: هو (النظر المفضي بالناظر إلى 
عين مطلوية)9""©. 

ولم يحدد إمام الحرمين صورة هذا النظر وهل هي مركبة من مقدمات 
متعددة وبشروط خاصة لصحة الإنتاج -ك] هو الحال في القياس المنطقي - 
أم لا. 

هذا من الناحية النظرية. 

ومن الناحية التطبيقية فإننا لا نجده في كتاب البرهان يلتزم في نظره العقلي 
أي صيغة من صيغ الاستدلال الأرسطي كتلك التي ذكرناها في أول هذا 
الفصل . 
ولهذا فإننا نرى أن القطع بانتهاج إمام الحرمين المنبج الأرسطي في النظر 


(14؟) إمام الحرمين وأثره في بناء المدرسة الأشعرية.» ص 597 . 
(6؟57) انظر اللسان. جُ ص ٠١8‏ مادة سدد. 
"55١‏ البرهان , جَ ١.ء‏ ص ل690١.‏ 


-١51؟5‏ ل 





العقلي وأنه هو الذي مهد السبيل في ذلك للإمام الغزالي ‏ نرى أن القطع 
بذلك مجازفة بالقول دون دليل واعتساف لنتائج لا تؤدي إليها المقدمات . 

فالنظر العقلي لا يرتبط بالضرورة بالصيغة الأرسطية للاستدلال العقلي» 
بل هو في مقابل الاستدلال السمعيى» وقد يكون باستخلاص النتيجة العقلية 
التى يدل عليها النظر في مقدمة واحدة أو في مقدمات متعددة. وقد يكون 
باستخلاص اللوازم الضرورية امثرتبة على مضمون تلك المقدمة الواحدة أو 
المقدمات المتعددة حسب ما تدعو اليه حاجة الاستدلال. 

وبالضرورة كان لدى علماء المسلمين ‏ كما كان عند غيرهم - أنظار عقلية 
خاصة بهم قبل أن يعرفوا المنطق الأرسطي . 

وكذلك فإن كلمة البرهان كلمة قرانية واضحة المدلول عند مفكري 
المسلمين ومتداولة على أقلامهم دون أن يلتصق بها أي مفهوم أرسطي . 

ووصف إمام الحرمين لهذا البرهان بالمستد أي المستقيم إنما هو اعتبار لما 
ينتهى اليه مثل هذا النظر العقلى من إثبات عين المقصود فهل هذا ينبض 
لإثبات أن إمام الحرمين اقترب من انبج الأرسطي؟. 

أما قياس الخلف فهو عند المناطقة مركب من مقدمتين إحداهما كاذبة 
فينتج نتيجة كاذبة. 

فإذا أردت أن تنقض مذهب الخصم تأخذه وتجعله مقدمة في قياس ثم 
تضيف إليه مقدمة أخرى ظاهرة الصدق فينتج نتيجة بينة الكذب. فيتبين 
أن ذلك بسبب المقدمة الكاذبة التي هي مذهب ا لخصم وبالتالي يصح مذهب 
المستدل الذي هو نقيض مذهب الخصم . 

مثاله: إذا أردت أن تبطل مذهب من يقول إن العالم أزلي فتجعله مقدمة 
في قياس . 

فتقول: العالم أزلي وكل ما هو أزلي فلا يكون مؤّلفا. 

النتيجة: العالم لا يكون مؤلفا. 

وهذه النتيجة بينة الكذب فلابد أن إحدى المقدمتين كاذبة ولكن القول 
أن كل ماهو أزلي لا يكون مؤلفا بين الصدق. 


-5552- 





فينحصر الكذب في القول: إن العالم أزلي"". وهو مذهب الخصم 
فيتضح مذهب المستدل وهو أن العالم ليس بأزلي. وثبوت هذه النتيجة ل 
يكن عن طريق استدلال مستقيم ولكن عن طريق إبطال مذهب الخصم 
ولهذا سمي قياس خلف | سيأ . 

ولقد ذكر الغزالي في معيار العلم أن القياس الحملي إذا كانت مقدمتاه 
صادقتين سمى قياسا مستقيما (وإن كانت إحدى المقدمتين ظاهرة الصدق 
والأخرى كاذبة أو مشكوكا فيها وأنتج نتيجة بينة الكذب ليستدل بها على 
أن المقدمة كاذبة سمي قياس خلف)2"2. 

ولقد ذكر ابن سينا - هذا القياس في الشفاء وضرب له أمثلة توضيحية 
فإذا كان (. . المطلوب مثلا: أن ليس كل ج: ب . فنقول: إن كان قولنا: 
ليس كل ج: ب كاذبا فكل ج: ب. 

ونضيف اليها مقدمة صادقة وهي : أن كل ب:أ ينتج من الاقترانات التي 
عددناها شرطية هكذا. إن كان قولنا: ليس كل ج:ب كاذبا. فكل ج:أ. 
ثم نقول: لكن ليس كل ج:أ إذ هو خلف محال. 
فيكون قد استثنى نقيض التالي» فينتج المقدم. وهو: أن كل ج:اب"". 

وهناك رأيان في سبب تسمية هذا القياس الخلف. 

فبعضهم يرى أن سبب ذلك أن الخلف هو الكذب المناقض للصدق 
وقد أدرجت في المقدمات مقدمة كاذبة فسمى كذلك. 

وبعضهم يرى أن سبب ذلك أنك ترجع من النتيجة إلى الخلف فلا تأتي 
الشيء من بابه بل تأتيه من ورائه وخلفه عن طريق نقيضه. والغزالي يرى 
أن لا مشاحة في هذين الرأيين””"©. 

أما ابن سينا فيرجح أنه إنما سمي بقياس الخلف لأن الخلف هو المحال 


(777) انظر معيار العلم.ء ص .١7١8 - ١١97‏ 
)١١4(‏ المصدر السابق نفسه. ص .١١97‏ 

(1719؟) الشفال المنطق القياس » ص لم١5‏ - 2.5085 
(170) انظر معيار العلم» ص .١58‏ 


2 








فهذا القياس نتيجته محال. 

يقول ابن سينا: (ومعنى قولهم قياس الخلف. أي القياس الذي يرد 
الكلام إلى المحال فان الخلف اسم للمحال). 

ثم ذكر الرأي الآخر فقال: (وبعضهم قال إنما سمي قياس الخلف لأنه 
لا يأتي الشيء من بابه بل يأتيه من ورائه وخلفه إذ يأتيه من طريق نقيضه) . 

ثم رجح الرأي الاول قائلا: (والأوقع عندي أن الخلف المستعمل ههنا 
هو بمعنى المحال لا غير)"©. 

هذا برهان الخلف وصورته عند المناطقة. 

أما عند إمام الحرمين فيعرفه قائلا: (هو الذي لا مهجم بنفسه على تعين 
المقصودء ولكن يدير الناظر المقصود بين قسمي نفي وإثبات. ثم يقوم 
البرهان على استحالة النفي. فيحكم الناظر بالثبوت». أو يقوم على استحالة 
الثبوت فيحكم الناظر بالنفي)9'" . 

ثم ضرب مثالا توضيحيا فمن أراد أن يعرف هل الباري في جهة أم 

فثبت عنده أن القديم يستحيل عليه أن يكون في جهة فيترتب عليه 
القضاء بثبوت موجود لا في جهة. 

يقول إمام الحرمين: (إن من اعتقد على الثقة صانعاء ثم ردد النظر بين 
كونه في جهة وبين استحالة ذلك عليه. فلا بهجم النظر على موجود لافي 
جهة. ولكن يقوم البرهان القاطع على استحالة قديم في جهة, فيترتب عليه 
لزوم القضاء بموجود لافي جهة)9", 

وهكذا يتضح لنا أن مفهوم هذا البرهان عند إمام الحرمين يفارق مفهومه 
عند المناطقة . 

فالقضية والنتيجة عند المناطقة معروفة سلفا وإن) يراد إثباتها وذلك ببيان 


(5971) الشفا قسم المنطق ص .41١١‏ 
؟*")2 البرهان, ج .١‏ ا ص ل6970١.‏ 
(*37) المصدر السابق نفسه. صر لاه١  .١٠68‏ 





-54؟75- 





كذب نقيضها. 

أما النتيجة أو المطلوب فغير معروف عند إمام الحرمين وإنا يردد الناظر 
المقصود بين نفي وإثبات ى) سبق بيانه. فإذا بطل أحد الأمرين ثبتت صحة 
الآخر. ْ 

والذي يظهر لي أن بين برهان الخلف والسبر والتقسيم المنحصر عند 
إمام الحرمين عموماً وخصوصاً مطلقين. 

فإذا أردنا أن نعرف هل العالم قديم أو حادث.. فنحصر المطلوب 
فنقول: العالم إما قديم أو حادث. ثم إذا قامت الدلالة على أنه ليس بقديم 
ثبت كونه حادثا. وإذا قامت الدلالة على كونه ليس بحادث ثبت كونه قديما. 
فهذا من قبيل السبر والتقسيم المنحصر ومن قبيل برهان الخلف. أما إذا 
أثبتنا كونه حادثا مباشرة فلا يكون من قبيل برهان الخلف. بل هو من السبر 
4 - الموقف السلفي من القياس المنطقي : 

يذم العلاء السلفيون المنطق ويحذرون من الانبهار به فمنهم من اكتفى 
بتحريم الاشتغال به كابن الصلاح ومن تابعه9"). 

أما شيخ الإسلام فكان موقفه موقف الناقد فنقده بالدليل والبرهان وألف 
في نقده كتابه (الرد على المنطقيين) و(نقض المنطق) و(نصيحة أهل الإيهان 
في الرد على منطق اليونان). ويرى شيخ الإسلام أن المنطق لايحتاج إليه 
الذكي ولا ينتفع به البليد وأن قضاياه منها ماهو صادق ومنها ماهو باطل . 

يقول شيخ الإسلام (فإنٍ كنت دائ) أعلم أن المنطق اليوناني. لا يحتاج 
إليه الذكي ولا ينتفع به البليد» ولكن كنت أحسب أن قضاياه صادقة لا 
رأيت من صدق كثير منها. ثم تبين لي فيا بعد خطأ طائفة من قضاياه. 
وكتبت فق ذلك شيئاء ثم لا كنت بالاسكندرية اجتمع بي من رأيته يعظم 
المتفلسفة بالتهويل والتقليد. فذكرت له بعض ما يستحقونه من التجهيل 


(75) صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام لجلال الدين السيوطي . ص .١‏ 


6؟7- 








والتضليل. . 

وتبين لي أن كثيرا مما ذكروه في أصوطم في الإلحيات وفي المنطق هو من 
أصول فساد قولهم في الإلهيات». مثل ماذكروه من تركب «الماهيات) من 
الصفات الي سموها «ذاتيات» وماذكروه من حصر طرق العلم فيا ذكروه 
من الحدود والأقيسة البرهانيات «بل فيا ذكروه» من الحدود. التي بها تعرف 
«التصورات» بل ماذكروه من صور «القياس» ومواده «اليقينيات))9'"). 


(؟؟) الرد على المنطقيين. للإمام شيخ الإسلام نقي الدين أبي العباس أحمد بن تيمية» ص ". 


555ل 





البساب الثالست 


صطحةه 


في الاستدلال السمعي بالقرآن على العقائد 


الفصل الأول : الاستدلال بالنص. 

الفصل الثاني : الاستدلال بالظاهر. 

الفصل الثالث : منهج إمام الحرمين ني تأويل الظواهر. 

الفصل الرابع : نقد منهج إمام الحرمين ني التأويل وبيان 
موقف السلف مئه ومن التفويض. 

الفصل الخامس : الاستدلال بالمفهوم. 





القران الكريم هو الأساس الأول الذي تقوم عليه عقائد الإسلام وعباداته 
وأحكامه وتوجيهاته. والمصدر الأول الذي تستقي منه هذه العقائد والعبادات 
والأحكام والتوجيهات. وعليه تستند السنة فيا تضمنته من ذلك. وفي 
ضرورة الأخذ بها من تفصيل ما أجمله القرآان أو ما قررته ابتداء من أحكام. 
ولهذا كانت أياته من الأدلة السمعية الأولى لأنه قطعي الشبوت. 

ويستدل إمام الحرمين على إثبات العقائد تارة بمنطوق القران وتارة 
بمفهومه سواء أكان مفهوم موافقة. وهو ما يسمى أيضا مفهوم الخطاب أو 
الفحوى. أو مفهوم مخالفة. وهو ما يسمى بدليل الخطاب. 

ويقسم إمام الحرمين اللفظ إلى: 
)١(‏ مجمل وهو الذي يحتاج إلى بيان. 
(6) وما ليس بمجمل وهو الذي لا يحتاج إلى بيان. 

ويقسم ماليس بمجمل من حيث قرة الدلالة إلى: 
١‏ - نص وهو قطعي الدلالة. 
؟ - ظاهر وهو ظني الدلالة . 

يقول إمام الحرمين: والألفاظ تنقسم انقساما: 
أولا : إلى المجملء والمجمل الذي لا يستقل بإفادة المعنى إلى ماليس مجملا. .. . 

فأما ماليس محملا فينقسم إلى النص والظاهر. . .0©. 

ولهذا سنعرض في الفصول الثلاثة التالية بالدراسة لهج إمام الحرمين في 
الاستدلال بمنطوق القران إمابالنص أو بالظاهر وبمفهومه. 

ثم نختم هذا الباب بفصل رابع نتناول بالتعقيب منهج إمام الحرمين في 
الاستدلال بالقران على ضوء المذهب السلفي في ذلك. 


4 ه١١ ص‎ .١ البرهان ج‎ )١( 


2ف 5 


الفصل الأول 


الاستدلال بالننص 

١‏ - تعريفا النص: 

عرف إمام الحرمين النص اصطلاحا بأنه (.. مالا يتطرق إلى فحواه 
إمكان التأويل)2. وفي الكافية في الجدل بأنه (ما ارتفع بظهوره عن 
الاحتمال)29. واستشهد باللغة على صحة هذا المعنى فقال: (وهذا قريب 
من معناه في اللغة. فإن العرب قالت لكل ما ارتفع أنه نص فقالت للمنارة 
منصة ويقال نص في سيره إذا أسرع وبالغ في رفع الخطا ويقال نصت الظبية 
جيدها إذا رفعته وملته)9©). 

وبعد أن أيد تعريف النص ببيان المعنى اللغوي له عرض لتعريفات 
العللاء ذاكرا لما بصيغة التمريض فقال: (وقيل حده في الشريعة ما اعتدل 


ظاهره وباطنه . 
وقيل: ما تعذر تخصيصه وتأويله. 


وقيل: ما تأويله بتنزيله . 

وقيل: مالا يصح فيه الرفع والإبقاء)». 

ولم ينسب إمام الحرمين هذه التعريفات التي ذكرها في الكافية إلى أحد 
من العلماء. 

أما في البرهان فقد ذكر بعض تعريفات النص منسوبة إلى أصحابه من 
(9) البرهان ج 2١‏ ص 7؟7١01.‏ 
(”*) الكافية في الجدل. ص 48. 


(4) الكافية في الجدل. ص 48 - 44. 
(5) الكافية في الجدل ص 49. 


"١‏ ل 





الأشاعرة فقال: (وقد اختلفت عبارات الأصحاب في حقيقته «أي النص» 
فقال بعضهم: هو لفظ مفيد لا يتطرق إليه تأويل. 

وقال: بعض المتأخرين: هو لفظ مفيد استوى ظاهره وباطنه)0© ونلحظ 
أن بعض هذه التعريفات قيدت النص بأنه. «لفظ) وهذا تعريف بعض 
المتأخرين وتعريف الأصحاب,. ولهذا اعترض بعض المتكلمين على التعريف 
السابق بأن التقيد باللفظ يخرج الفحوى. والفحوى أو المفهوم يقع نصا وإن 
لم يصرح باللفظ . 

ولكن إمام الحرمين ‏ مع أنه استعمل كلمة الفحوى في تعريفه للنص 
- لم يقر هذا الاعتراض واعتيره ساقطاء يقول عارضا لهذا الاعتراض وراذا 
0 (واعترض بعض التكلمين على ذكر اللفظ في محاولة تحقيق النص 

: الفحوى : تقع نصا وإن لم يكن مصرحا به لفظا. وهذا السؤال ساقط, 

ا 0 وإنما هي مقتضى لفظ على نظم ونضد 
محصوص. قال تعالى في سياق الأمر بالير والنبي عن العقوق والاستحثاث 
على رعاية حقوق الوالدين: لفلا تقل ه] أفّ ول َهرْشمَا 74 فكان سياق 
الكلام على هذا الوجه مفيدا تحريم الضرب العنيف ناصا. وهو ملتقى من 
نظم مخصوصء. فالفحوى إذا ايلة إلى معنى الألفاظ)©. 
؟ - مراتب النص: 

وللنص مرتبتان: مرتبة عليا ومرتبة أقل منهاء والمرتبة العليا من النص هي 
التي يقتضى فيها النص معناه بنفسه قطعا دون حاجة إلى قرينة. بل إن 
القرينة الحالية والمقالية لا تأثير لما فيه. وذلك كذكر عدد في اللفظ معدود, 
فإذا قلت مثلا عندي ألف ريال فهذا نص في أنك تملك ألف ريال» ولا 
يجوز البتة حمل اللفظ على معنى آخرء فلا تؤثر في هذا القول القرائن ولا 


(5) البرهان جّ ١ء‏ ص .2١”‏ 
27 سورة الإسراء آية *ل 
(8) البرهان ج .١‏ ص .4١"‏ 


- 5922- 


يتطرق إليه الاحتمال فلا يمكن حمله على أنك تملك أقل من الرقم المذكور, 
إلا إذا فرضنا أن القائل يبذي أو قال كلامه في حالة غفلة وذهول. أما 
إذا انحسمت هذه الاحتالات فهذا اللفظ نص بل هو في المرتبة العليا من 
النص. يقول إمام الحرمين: (.. اللفظ إذا كان في اقتضاء معناه من عموم 
أو خصوص أو ما عداهما بحيث لا يفترض انصرافه عن مقتضاه بقرائن 
حالية» وفرض سؤال. وتقدير مراجعة واستفصال. في محاولة تخصيص أو 
تعميم -فهو الذي نعنيه. ولا يتطرق إلى هذا القسم إلا إمكان انطلاق 
اللسان بكلمة في غفوة أو غفلة وهو الذي يسمى الحذيان». أو إجراء كلمة 
ناصة في الوضع في معرض حكاية. أو محاولة تقويم اللسان على نضد 
حروفها. فإذا فرض انتفاء تخيل الهذيان به والتفاف اللسان وقصد الحكاية 
ومحاولة تقويم نظم الحروف,. وتحقق قصد مطلق اللفظ إلى استعماله في معناه 
الموضوع لهء فلا يتصور وراء ذلك انحراف اللفظ. وانصرافه عن معناه 
الذي وضع له. وهذا كذكر عدد في اللفظ معدود. فإنه ناص في المسميات 
المعدودة لا محيد عنما بتخيل قرينة» وكذلك ما لا يتطرق إليه تأويل. فهذا 
طرف والمقصود منه رمز إلى المرتبة العليا في النص لا استيعاب الأقسام)0©. 
أما المرتبة الثانية: من النص فهي التي يتأثر فيها النص في اقتضاء معناه 
بوجود القرائن» بحيث تنزل به من مرتبة النص إلى مرتبة الظاهرء وذلك 
كالاسم الواقع شرطا فإذا قلت: من أتاني أعطيته درهما فهو نص في العموم. 
بحيث يشمل كل من جاءك. ولكن لو قلت ذلك الكلام بعد ذكرك لأقوام 
معدودين فيمكن حمل هذا الشرط على أنك تعنيى من أتاك من هؤلاء القوم 
المذكورين أعطيته درهماء فهنا أثرت القرينة الحالية على الاسم الواقع شرطا 
فأنزلته من كونه نصا في العموم إلى كونه ظاهرا فيه لهذا الاحتمال وني. ذلك 
يقول إمام الحرمين: (... ما وضع في اللسان للعموم» فلو لم تثبت قرينة 
وتبينا انتفاءها لقطعنا باقتضاء اللفظ للعموم نصاء ومن هذا القسم الاسم 


(9) البرهان ج .١‏ ص 08" 80" 


عرو ةك 


الواقع شرطاء وهو منحط عن النص في المرتبة الأولى» من جهة أن النص 
لا يغير مقتضاه قرينة كما تقدم. وإذا اقترن بالشرط ما يقتضي تخصيصا حمل 
على المخصوص ولم يعد خلفا ولا كلاما مثبجا'". وبيان ذلك بالمثال: أن 
الرجل إذا أجرى ذكر أقوام معدودين. فقال صاحب المجلس: من أتانٍ 
أعطيته ديناراء أمكن أن يحمل على الذين جرى ذكرهم)0". 

ما سبق نرى أن د إمام الحرمين يعتير العدد في المرتبة العليا من النص 
وأن هذه المرتبة لا تؤثر فيها القرائن ولا يتطرق إليها احتمال إلا احتمال هذيان 
صاحبها. 

ولكئنا نجده لا يعتبر بعض ألفاظ العدد نصا في المسميات المعدودة. بل 
يجعل القرينة مؤثرة في العدد ولا يجعل المراد به التحديد. ومن ذلك أنه 
عرض أدلة القائلين إبالمفهوم وبين ضعفها ومن هذه الأدلة استدلالهم بقوله 
تعالى «استغفْز ْم أو لآ تستغْفز َهُمْ إن تَسْتَعْفرُ َهُمْ سَبْعِينَ مَرَةَ فلن يَعْفرَ 


آلله م204 
فقد جاء في رواية البخاري أن النبي كه قال - بعد أن نزات عليه مام 
الآية: إنما خيرني الله فقال: 9اسْتغفز كُمْ أو لا تَسْتَغْفْرْ هُمْ إن تستغفز 


شْ سَبعين مَرّة#» وسأزيده على السبعين25©. 

وهذا يدل على أن النبي كه أخذ بمفهوم الآية» فالآية بينت أن الله 
لن يغفر للمنافقين إن استغفر لهم النبي سبعين مرةء وما زاد على السبعين 
فمسكوت عنه. فقال النبى يَليةٍ ماقال. والسؤال هل المراد بالسبعين تحديد 
العددء فيكون لفظ العدد نصا ولا تؤثر فيه قرينة؟ أم المراد بالسبعين مطلق 
العدد الكثير ولا يراد به التحديد؟ والاحتال الأخير هو الذي ذهب إليه 
القاضي كما حكاه إمام الحرمين مرتضيا له إذ يقول: (وقد قال القاضي رضي 
)٠١(‏ جاء في اللسان, رجل مثيج: مضطرب الخلق مع طول. انظر لسان العرب للإمام العلامة أبي 

الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصريء ج”* ص .75١‏ 

)1١(‏ البرهان ج ١‏ ص 9م6. 


)١1(‏ سورة التوبة آية م 
)١16(‏ رواه البخاري قٍِ صحيحه فتح الباري. ج 8 ص 98#8. 


1734ل 


الله عنه: من شدا طرفا من العربية لم يخف عليه أن قول الله تعالى لم 
يجر تحديدا بعدد. على تقدير أن الزائد عليه يخالفه, وإن) جرى ذلك مؤيسا 
من مغفرة المذكورين» وإن استغفر لهم ما يزيد على السبعين» فكيف يحخفى 
مدرك هذا وهو مقطوع به عمن هو أفصح من نطق بالضاد)2"9. 

فالجويني لم يعتبر العدد هنا نصا في المعدود. بل هو يرى أن العدد هنا 
لا يراد به التحديد. وأن كونه لا يراد به التحديد. مسألة مقطوع بها وليست 
خلافية محتملة!!. 

وهذا يتضح لنا أن إمام ال حرمين 5 نقذه للمستدلين على المفهوم هذه 
الآية وقول النبى يَلِْةه قد خالف مذهبه في أن العدد نص في المعدود لا 
تؤثر فيه القرائن. وأنه في المرتبة العليا من النص. وأيضا لم يعتبر العدد نصا 
في قوله تعالى طمَامَنَعَكَ أن تَسْجدَ بلا حَلَقْتُ بِيَدَيّ 2*4 فيدي مثنى» فلابد 
من إثبات يدين لله سبحانه وتعالى ولكنه أول هذه الصفة بمعنى القدرة"») 
والله سبحانه وتعالى له قدرة واحدة ى]| هو مذهبه يقول (وهو العالم بجميع 
المعلومات بعلم واحد والقادر على تميع المقدورات بقدرة واحدة)05 , 

فتأويله اليد بمعنى القدرة كأنه يقول يجوز إطلاق المثنى والمراد به المفرد 
أي يلزمه أن لا يكون العدد نصا. وكذلك يلزمه في قوله تعالى: #بَل يَدَاهُ 
مَبْسُوطتَان 24 مالزمه في الآية السابقة من أنه لا يرى أن العدد نص في 
المعدود أو يلزمه إثبات يدين لله سبحانه وتعالى وعدم تأويل اليد بمعنى 
القدره ليستقيم منبجه من أن العدد نص في المعدود وهو الصحيح . 
- عدم ندرة النصوص القرائية : 

يرفض إمام الحرمين مذهب كثير من الخائضين في الأصول الذين يقولون 
بندرة النصوص في الكتاب والسنة. حيث إنهم لم يعتبروا من الآيات 
)١5(‏ البرهان ج 2١‏ ص 408 فقره 857. 
(19) سورة ص أية 06. 
)١1١(‏ انظر الإرشاد.» ص .١6١‏ 


.١؟ص الإرشاد.‎ )١7( 
.514 سورة المائدة آية‎ )١8( 


ه596 - 





والأحاديث على أنه من قبيل النص إلا عددًا قليلا منها وفي ذلك يقول إمام 
الحرمين: (ثم اعتقد كثير من الخائضين في الأصول عزة النصوص حتى 
قالوا : إن النص في الكتاب قوله عز وجل قل هو الله أحَدٌ و0151 وقوله : 
محمد رَسُولُ الله4”" وما يظهر ظهورهماء ولايكاد هؤلاء يسمحون 
بالاعتراف بنص في كتاب الله تعالى» وهو مرتبط حكم شرعي» وقضوا بندور 
النصوص في السنة. حتى عدوا أمثلة محدودة منها قوله يَكلةِ لأبي بردة ابن 
نيار الأسلمي 5 الأضحية؛ لما ضحى وم يكن على النعت المشروع : «تجرئك 
ولا تجزىٌ أحدا بعدك)<" وقوله عليه السلام : «واغد ياانيس إلى امرأة هذاء 
فإن اعترفت فارحمها) 2909© . 

وبعد أن بين خطأهم في اعتقادهم ندرة النصوص بين المقصود من النص 
وهو (الاستقلال بإفادة المعاني على قطع. مع انحسام جهات التأويلات 
وانقطاع مسالك الاحتمالات. ..)9"©. 

وهذا المقصد مع تسليمه بأنه يصعب الحصول عليه من الصيغة نفسها 
ردا إلى اللغة -وهى المرتبة العليا من النص - فإنه يرى أنه لا يصعب 
الحصول عليه بمراعاة القرائن الحالية والمقالية» التي تجعل الصيغة نصا في 
لمعنى» وإن كانت في المرتبة الثانية من النص. يقول إمام الحرمين: (وهذا 





(19) الإخلاص آية .١‏ 

ع الفتح آية 759. 

(؟5؟) روى البخاري في صحيحه في كتاب العيدين باب الأكل يوم النحر أن النبي كلل خطب يوم 
الأضحى وبين حكم الذبح قبل الصلاة وأنه لا يعتير نسكا. 
فقال أبو بردة بن نيار: سول الله فإني نسكت شاتي قبل الصلاة. .. قال شاتك شاة 
قال يارسول الله فإن عندنا عناقا لنا جذعة هي أحب لي من شاتين أفتجزئ عنى؟ قال نعم. 
ولن تجرى عن أحد بعدك) فتح الباري ج ؟ ص 448 . ونحوه في سئن أي داود ج 8 ص 55. 
وروى أبويعلى في مسنده أن رجلا ذبح قبل أن يصلي رسول الله يكيِهُ يوم النحر فقال رسول 
الله يَلِيةٍ ولا تجزيء منك فقال يارسول الله إن عندي جذعة, قال «يجزىْ عنك ولا يجزِىٌ بعدك» 
مسند أبي جحفه ج 2١‏ ص م . وذكره الفيثمي في مجمع الزوائد ثم قال: (رواه أبويعلى والطبراني 

فى الكبير بنحوه ورجال الجميع ثقات) جك ص 4؟ وما ذكره إمام الحرمين ' أقف عليه . 

زفقة 3 مسلم في صحيحه في كتاب 3 باب حد الزناء صحيح مسلم بشرح النووي ج ١١‏ 
ص 7١5؟.‏ 

(5) برهان ج 2١‏ ص 414. 

25 برهان ج ١ع‏ ص .14١8©‏ 


شف 


أي المقصد من النص) وإن كان بعيدا حصوله بوضع الصيغ ردا إلى اللغة» 
فا أكثر هذا الغرض مع القرائن الحالية والمقالية. ..). 

ولهذا فالذين لا يراعون القرائن الحالية والمقالية كالإجماع واقتضاء العقل 
ومافي معناهما يخطئون فيحسبون ما هو نص ظاهرا يقول إمام الحرمين (وإذا 
نحن خضنا في باب التأويلات وإبانة بطلان معظم مسالك المؤولين» استبان 
للطالب الفطن أن جل ما يحسبه الناس ظواهر معرضة للتأويلات فهي 
نصوص وقد تكون القرينة إجماعا واقتضاء عقل. وما في معناهما. . .)*2. 
4 - من مواضع استدلال إمام الحرمين بالنصوص القرائية على العقائد:. 
أولا - رؤية الله في الآخرة: 

يعتبر إمام الحرمين قوله تعالى: وجو يَوْمَذٍ َاضِرَة إِلَ ربا ناظرّة004 
نصا في إثبات رؤية المؤمنين لله تعالى يوم القيامة» مع أن النظر يأتي بعدة 
معان, فيأتي بمعنى الترقب والانتظار ويأتي بمعنى النظر العقلي» ويأقٍ 
بمعنى الترحم ويأتي بمعنى الإبصار وفي هذا يقول: (قد ثبت بموجب 
العقل جواز رؤية الباري تعالى» وهذا الفصل يشتمل على أن الرؤية ستكون 
في الجنان» وعدا من الله تعالى صدقا وقولا حقاء والدليل عليه نص الكتاب 
وهو قوله تعالى ظوجُوءٌ يَوْمَئِدٍ نَاضِرَةء إِلَْ رَيَا نَاظرّة94"©. 

والنظر يسم معناه في اللغة» وتعتوره وصائل مختلفة على حسب اختلاف 
معانية. فإن أريد به «الترقب» والانتظار استعمل من غير صلة قال الله تعالى 
في الإنباء عن أهوال المنافقين وغاطبتهم المؤمنين» وقد حيل بينهم وبينهم 
«آنظرُونًا نَقتبس من ركم 004 معناه: انتظرونا. وإن أريد بالنظر الفكر. 
وصل بفي فتقول: نظرت في الأمر إذا تدبرته» وإذا أريد به الترحم» وصل 
باللام» فتقول نظرت لفلان. وإذا أريد به الإبصار أي الرؤية وصل بإلى» 


زففقة البرهان ج ١اص‏ 46 فقرة ."1١6‏ 
(5؟) سورة القيامة آية 1١‏ 77 . 

(717) سورة القيامة آية ؟! ب 3#. 

(18) سورة الحديد آية 18. 





5 د 


والنظر في الآية الي احتججنا بها موصول بإلى خير عن الوجوه الناظرة 
المستبشرة» فاقتضاء النظر إثبات الرؤية؟». فالقرينة التى جعلت الآية نصا 
في إثبات الرؤية العقل. فهو يجوز رؤية الباري تعالى ى) في النص السابق» 
ثم اللغة فهي التي حددت المعنى المراد بالنظر حسب أداة الوصلء ولهذا 
يقول إمام الحرمين (الرؤية المقرونة بالنظر الموصول بإلى نص في الرؤية):". 
ويضاف إلى ذلك اقترات النظر بالوجوه والإخبار به عنها ىا سبق. فا الذي 
جعل العتزلة لاا يشتون أرؤية 0 الآية. ولماذا يؤولونها ونهي نص ىا قرره 

أقول: الذي منع المعتزلة من ذلك والذي جعلهم يرفضون كون الآية 
السابقة نصا في الموضوع وجعلهم يؤولونها: 


أولا : زعمهم أن العقل يحيل رؤية الله. فرؤيته مستحيلة با حواس وبدونهاء 
ولأن من لوازم الرؤية إثبات الجهة وإثبات الجهة يستلزم التجسيم والباري 
تعالى ليس بجسم 

ثانيا : الآية السابقة معارضة - كما يرون - بأية أخرى وهي قوله تعالى 0 
تذْركة آلأَبْضَرٌ وَهُوَ و يُدْركُ الأبُصَر04”. وقوله تعالى لموسى #لن تَرَانَى 0 
إجابة لسؤاله إياه قائلا: #رَبٌ ني انظ إِلَيّكَ 20 ولقد أبطل إمام 
الحرمين دعواهم استحالة الرؤية عقلاء ولكن أدلته التي استخدمها منطلقة 
من أصوله الأشعرية. ومنها نفى الجهة عن الله تعالى» وفي الوقت نفسه 
يثبت الرؤية» ولسنا الآن في صدد بيان اضطرابه في كلامه. ولكن نريد أن 
نصل إلى أن دعوى المعتزلة أن الرؤية مستحيلة عقلا غير مسلمة. ولذلك 
فلا تقبل هذه الدعوى كقرينة لإجازة صرف الآية السابقة عن معناها 


(59) الإرشاد ص .١8١‏ 
حضة الإرشاد اص 1814. 
2*1 سورة الأنعام اية ٠١“‏ 
(0*) سورة الأعراف آية .1١47‏ 
(”) سورة الأعراف آية ١57‏ 


- "9*8 


الحقيقي بمجرد هذه الذعوى الي لا أساس لا. 

أما دعوى أن الآية معارضة بقوله تعالى : ل تذركة الأبُضَر», (9) فقد 
أجاب إمام الحرمين عنها قائلا: (قلنا في الكلام على هذه الآية مسالك. 
منها أن الرب تعالى لا يدرك جريا على ظاهر الآية بل يرى)*”» أي كأنه 
يريد أن يقول: إن الآية تمنع الإدراك. والإدراك أخص من الرؤيةء وم 
تتعرض الآية للرؤية» والرؤية أعم. ونفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم . 

وهنالك جواب آخر ذكره ‏ وهو مبني على التسليم بأن المراد بالإدراك هنا 
الرؤية» فمع التسليم بأن الإدراك بمعنى الرؤية.» وجاءت أية تثبتها واية 
تمنعها فإعمال الآيتين أولى من إلغاء إحداهماء ويتم الإعمال بحمل الطلق 
على المقيد فالآية التي تثبت الرؤية مقيدة للمؤمنين في الآخرة والتي تنفيها 

يقول إمام الحرمين: (ثم هذه الآية مطلقة غير محختصة بالأوقات.» وهي 
عامة فيهاء والآية التى استدللنا مها تنص على إثبات الرؤية في أوقات 
معلومة. فيتجه في طرق التأويل حمل المطلق على المقيد. فيحمل نفي الإدراك 
على أيام الدنيا)2”». ْ 

أما قوله تعالى لموسى «لن ترَانِى 04 والذي عارض المعتزلة مها إثبات 
الرؤية بقوله تعالى وجوه يَوْمَئذٍ نَاضِرَة إِلَ رَيَبَا نَاظرَة94"© فقد أجاب عن 
اعتراضهم قائلا: (وإن عارضونا بقوله تعالى في جواب موسى عليه السلام 
«لن تَرَانِى © فهذه الآية من أصدق الأدلة على ثبوت جواز الرؤية.» فإن 
من اصطفاه الله لرسالته. واختاره واجتباه لنبوته» وخصصه بتكريمه وشرفه 
بتكليمه. يستحيل أن يجهل من حكم ربه ما يدركه حثالة المعتزلة)2. 


(4*) سورة الأنعام آية ٠١7‏ . 
(ه*) الإرشاد. ص 189. 

زفظة الإرشاد ص 18#. 

(/) سورة الأعراف آية .1١47‏ 
(8*) سورة القيامة آية ؟ 3‏ ؟. 
(9*) سورة الأعراف آية .1١47‏ 
2 الإرشاد. ص 2186# 


- 99" ل 


فالجويني قلب عليهم الدليل فالدليل الذي استدلوا به على نفي الرؤية» 
جعله نصا في إثباته» ويبذا لا تعارض بين هذه الآية والآية السابقة التي 
تشبت الرؤية» وبالتالي فلا يلتفت إلى اعتراض المعتزلة وتحاولتهم في تضعيف 
دلالة الآية السابقة عقلا وسمعا دلالة نصية على الرؤية» ونضيف إلى رد 
إمام الحرمين على المعتزلة أنه لو كان المقصود نفى الرؤية مطلقا في الدنيا 
والآخرة ومن جميع الناس وفي جميع الأحوال لرد الله على طلب موسى الرؤية 
بقوله : (لا أرَى) وأما قوله «لن َرَانى #(4) فهو نفي للرؤية في الدنيا وهذا 
لا ينفي جوازها ولا سيه| وقد سأها موسى عليه السلام كما قال إمام الحرمين. 
ثانيا: تفرد الباري تعالى بخلق عموم المخلوقات : 
ويعتير إمام الحرمين الآيات الدالة على تفرد الباري تعالى بالخلق نصوصا 
في تقرير هذا المعنى ومن ذلك قوله تعالى : دِذلكُمُ آن رَيكُمْ لآ إل د 
هُوَ حَللقٌ 1 ش74 والمعتزلة لا تعتبر مثل هذه الآية نصا في تفرده تعالى 
بالخلق. لأنهم ينازعون في هذه القضية ويرون أن الانسان خالق لأفعاله 
الاختيارية . هذا فهم يرون الأية ظاهرة في العموم قابلة للتأويل. وإمام 
الحرمين يثبت هذه القضية بالمسلك العقلي والسمعي وفي هذا يقول: (ونحن 
نرسم على المخالفين ثلاثة أضرب من الكلام» فأما الضرب الأول فنتمسك 
فيه بالقواطع العقلية في خروج العبد عن كونه مخترعاء ونذكر في الضرب 
الثاني إلزامات للمعتزلة مأخذها العقول أيضاء والغرض منها إيضاح تناقض 
مذاهيبهم , ونذكر في الضرب الثالث الأدلة السمعية الدالة على صحة ما 
انتحاه أهل الحق)49). 
ولا سهمنا هنا استدلالته العقلية والذي يعنينا استدلاله السمعي وقد 
وضحه قائلا: (فأما الضرب الثالث من الكلام فالغرض منه التعلق بالأدلة 
السمعية وهي تنقسم إلى ما يتلقى من مواقع إجماع الأمة» وإلى ما يستفاد 


.147 سورة الأعراف آية‎ )4١( 
.٠١؟ (؟4) سورة الأنعام آية‎ 
.188 الإرشاد, ص‎ 2:5 


75590 


من نصوص الكتاب)» فاستدل على هذه القضية سمعا بالإجماع 
وبالنصوص القرانية. والذي يعنينا هنا دراسة هذه النصوص القرآنية لبحث 
أسباب اعتباره إياها نصوصا قطعية في الدلالة على المطلوب لا تحتمل التأويل 
وما هي القرائن التى حفت بها حتى جعلتها في هذه المرتبة» ولقد وضح ذلك 
بقوله (. .. فأما نصوص الكتاب فمنها قوله تعالى 9ذْلكُمٌ آلله رَبكُمْ لآ 
إلهَ إل هُوَ حَللِقٌ كل شياء»1*4 والآية تقتضي تفرد الباري تعالى بخلق كل 
مخلوق. والاستدلال بها يعتضد بأنا نعلم أن فحواها يتضمن التمدح 
بالاختراع والإبداع. والتفرد بخلق كل شيء. فلو كان غيره خالقا مبدعا 
لانتفى التمدح بالخلق المحمول على الخصوص. ولساغ للعبد أن يتمدح بأنه 
خالق كل شىء. ومراده أنه خالق لبعض المخلوقات)0). 

ونستطيع أن نقرر أن إمام الحرمين يعتبر الآية السابقة نصا للقرائن التي 
حفت بها وهي : 
١‏ - القرينة العقلية: فالقضية وهى تفرده تعالى بالخلق ثابتة عقلاء بناء على 

ما أورده في هذا المقام من الأدلة العقلية”» التي يطول الكلام بذكرها. 
؟ - القرينة ال حالية وهي ثبوت هذه القضية بالإجماع . 
*- فحوى الآية وهو تضمنها للتمدح بالاختراع والإبداع . 

ولا يتم هذا التمدح إلا إذا قررنا تفرده بالخلق. وقد اعترض المعتزلة على 
دعوى النصية في الآية السابقة قائلين. كا يحكيه إمام الحرمين عنهم: (هذا 
الذي تمسكتم به عموم. وللعلاء في الصيغ العامة مذهبان أحدهما جحد 
اقتضاء الألفاظ للعموم. والثاني القول بالعموم مع المصير إلى تعرضه 
للتأويل. وكل ظاهر متعرض لحهات الاحتتمالات» فلا يسوغ التمسك به 
في القطعيات)9». فالمعتزلة إذن لا يعتبرون الآية السابقة نصا بل هي محتملة 
(44) سورة الأعاء آية 316١‏ 
(45) الإرشاد. ص .١98‏ 


240 رأجع الإرشاد ص ١95 - ١88‏ لترى (استدلاله العقلي في خروج 'لعبد عن كونه مخترعا). 
(44) الإرشاد.» ص .١98‏ 


-؟5١-‎ 





ليست قطعية في محل النزاع . 

وقد أجاب إمام الحرمين على اعتراض المعتزلة مؤكدا نصية الآية بناء على 
اقتضائها لإرادة التمدح إذ يقول: (.. لم نتمسك بمحض الصيغة حتى 
أوضحنا اقترانها بإرادة التمدح. 6 أن ذلك التمدح مفهوم من مقتضى 
الآية على قطع. ولا يستمر حمل الآية على الخصوص مع ما استيقناه من 
التمدح. والمفهوم وإن لم يستفد من مجرد النصوص فهو متلقى من 
القرائن)9؟ . 

فالآية السابقة إذن لا تعتير عنده نصا في تفرده تعالى بالخلق بمجرد 
الصيغة. ولكنها تعتبر كذلك باعتبار ما يحفها من قرائن أهمها إرادة التمدح 
التي تدلٍ على أن المراد بالآية تفرد الباري بعموم الخلق. ولهذا يدل _قوله 
تعالى لام جَعَلُو لله شرَكَاء حَلَقُاْ كَحَلْقه فَتَشْبَهَ آلْحَلْقُ عَلَيْهمْ قل آلله 
خَلِقٌُ كُلّ شئء4“.. . يدل نصا على تفرد الباري تعالى بالخلق وهذه 
الدلالة قطعيةء يقول إمام الحرمين (وهذه الآية نص في محل النزاع. وهناك 
معارضة أخرى للمعتزلة الذين منعوا أن تكون هذه الآية. كالآية السابقة. 
تدل نضًا على عموم خلق الله لكل شيء لأن الشيء يطلق على القديم 
والحادث أي على الخالق والمخلوق فكيف يكون الله خالقا لنفسه؟ . 

يقول إمام الحرمين حكاية عنهم (فإن قالوا: .هي متروكة الظاهر. وكذلك 
التي استدللتم بها قبل. فإن الظاهر في الآيتين يقتضي كون الرب تعالى خالق 
كل شيء. واسم الشيء يطلق على القديم والحادث)7©. 

أجاب إمام الحرمين عن هذا الاعتراض بأن المخاطب لا يدخل نحت 
قضية الخطاب في مثل هذه المواضع. ثم ضرب لهذا مثالا بأن المتحدي الذي 
يتحدى الآخرين معلوم قطعا أنه لا يتحدى نفسه. فلا يدخل تحت قضية 
الخطاب يقول إمام الحرمين: (.. المخاطب المتكلم في هذه المواضع لا 


(49) الإرشاد, ص 1948. 
(60) سورة الرعد آية .١١‏ 
)6١(‏ الإرشاد. ص .١199‏ 


-75575- 


يدخل تحت قضية الخطاب, ونظير ذلك قول القائل: لا يلقاني خصم منطيق 
ولا جدل ذو تحقيق إلا أفحمته. فلا يتوهم عاقل دخول هذا المخبر عن 
نفسه تحت موجب كلامه.» حتى يقدر كونه مفح]| نفسه)29. ثم عرض 
بالمعتزلة بأن اعتراضهم من قبيل الروغان والحيل فقال: (ولا تندرئ قواطع 
النصوص بالروغان والحيل)57© فليس كل اعتراض يقبل. لا سيهما ما كان 
حيلة وروغانا. وعلى هذا فإن الآيات التى تصف الباري تعالى بأنه على كل 
شيء قديرء نصوص في إثبات تفرد الباري تعالى بالخلق» والقرينة التي تمعلها 
نصوضا في ذلك هو ماسبق ذكره انفا من إرادة التمدح. يقول إمام الحرمين: 
(ونستدل بكل أآية في كتاب الله دالة على تمدح الباري تعالى بكونه قادرا 
على كل شيء) وهذه الآية يؤوها المعتزلة بمنع العموم فيها على أن الله قادر 
على أفعال نفسه ولا يقدر على أفعال غيره» حيث يثبتون خلق الإنسان 
لأفعاله الاختيارية بقدرته هوء وقد حكى عنهم إمام الحرمين هذا التأويل 
مبطلا له فقال: (ولا معنى لذلك عند المعتزلة.» فإن المعنى بقوله تعالى: 
«والله عَل كُلّ شي قَدير»9“ أنه قادر على أفعال نفسه وليس بمقتدر على 
أفعال غيرهء وإذا كان الأمر كذلك فالعبد أيضا قادر على كل شىء على 
هذا التأويل» ويبطل تمدح الباري عند التحصيل)*©. ْ 
ثالثا: خلق اهداية والإضلال والختم والطبع : 

ومن الآيات التي اعتبرها نصوصا آيات (دالة على تفرد الرب تعالى بهداية 
الخلق وإضلالهم. والطبع على قلوب الكفرة منهم)» يقول إمام الحرمين 
عنها: (وهي نصوص لإبطال مذاهب مخالفي أهل الحق. ونحن نذكر غرضنا 
من ايات المدى والضلال. ثم نتبعها بالآي المحتوية على ذكر الختم 


(ف4 الإرشاد, ص .١1484‏ 
(0ه) الإرشاد. ص .١199‏ 
(614) سورة البقرة اية 78414. 
(56) الإرشاد, ص 0076١‏ 
ركه الإرشاد. ص .5٠١‏ 


-75859- 





والطبع)”*. وهذه الآيات هي قوله تعالى: #وآلله يَدْعْوا ِل دار آلسّلمٍ 
ويهجدي من يَشْاءُ إِلَ صِراطٍ مُسْتَقِيم 004 . 
وقوله تعالى لإِنْكَ لا بدي مَنْ حيبت َلكنٍ لله يدي من يَشَآء )090 . 

وقوله تعالى #فمن رد ألله أن يديه يَشْرَّح صدذره للإسللم ومن برذ 
أن يُضِلَه تجْعَلُ صدره ضَيّعً حرجا 4 

وقوله تعالى «إمَن بهد آلله فَهْوَ الْمُهْنَدي ومن يُصلل ولك هم 
آلْحَسِرُونَ 6204 

ويذهب إمام الحرمين إلى أنه لا يتجه حمل الهداية في الآيات السابقة 
إلا على خلق الإيهان» ولا يتجه حمل الإضلال إلا على خلق الإضلال» 
فهي نصوص قاطعة في ذلك يقول: (واعلم أن الحدى في هذه الآي لا 
يتجه حمله الا على خلق الإيران. وكذلك لا يتجه حمل الإضلال على غير 
خلق الضلال)90"© والهداية تأي بعده بمعانٍ يقول إمام الحرمين: (وقد ترد 
الحداية ويراد بها إرشاد المؤمنين إلى مسالك الجحنان والطرق المفضية إليها يوم 


ماهم هه 


القيامة» قال الله تعالى #قلّن يُضْلَّ أَعْملَهُمْ سَيْهَدِهم ويصلح بَاهُمْ 60# 
فذكر تعالى المجاهدين في سبيله, وعنى بهم المهاجرين والأنصار» ثم قال: 
سيهديهم» فينبغي حمل الآية على ما ذكرناه. وقال الله تعالى في الكفار 
لنَآهْدُوممٍ ِل صراط آلْجَحِيم 9#" معناه اسلكوا بهم إليهاء والمعنى بقوله 
تعالى «وأمًا مود َهَدَيْنهُم 004 ومعنى الآية. أنا دعوناهم فاستحبوا العمى 
على مادعوا إليه من الهدى. وإننما أشرنا إلى انقسام معنى الحدى والضلال» 


(80) الإرشاد ص 5٠١‏ 

(6) سورة يونس أية 76. 
(69) سورة القصص آية 5ه. 
(60) سورة الأنعام آية 1016 
)51١(‏ سورة الأعراف أية .1١0/8‏ 
(50) الإرشاد. ص .5١١‏ 
(59) سورة محمد آية عع ©6. 
(54) سورة الصافات آية 7# . 
(66) سورة فصلت آية .١9/‏ 


- 7555 - 


لتحيطوا علا بأننا لا ننكر ورود الحدى والضلال على غير معنى الخلق)9". 

وإذا كان الجويني يرى أن الحداية تأتي لعدة معانٍء فلاذا اعتبر الآيات 
التي ذكرناها في أول هذا الموضوع نصا في خلق الإيهان والإضلال وليست 
ظاهرا فيه؟ . 

يرى الجويني أن السبب في ذلك القريئة الموجودة في تلك الآيات فهي 
الي حددت كون الآية نصا في خلق الإياد» يقول إمام الحرمين: (ولا سبيل 
إلى حملها على الدعوةء فإنه تعالى فصل بين الدعوة والهدايةء فقال: والله 
يَدْعُوَا إِلَ دار آلشّلم وَيبْدِي من يَشَاء04© فخصص المداية» وعمم 
الدعوة وهذا مقتضى ما استدللنا به من الآيات. ولا وجه لحملها على 
الإرشاد إلى طريق الجنان. فإن الله تعالى علق الهداية على مشيثته وإرادته 
واختياره» وكل مستوجب الجحنان» فحتم على الله عند المعتزلة أن يدخله 
الحنة. وقوله تعالى: إفمن يرد آلله أن ديه يشر صدذره م للإشلم. 03 
فصرح بأحكام الدنياء وشرح الصدر وحرجه. وذكر الإسلام من أصد 
الآيات على ما قلناهء"©. ثم بين أنه لا يمكن للمعتزلة حمل الهداية في هذه 
الآيات على الدعوة وغيرهاء وإن استشهدوا بالآيات السابقة التي تدل على 
أن الهداية تأتي بمعنى الدعوة وتأتي بمعنى الهداية إلى الجنان. . ٠‏ يقول: 
(لابعد في حمل ما استشهدتم به على ما ذكرتّوه. وإنم) استدللنا بالآيات 
المفصلة المخصصة للهدي بقوم والضلالة بآخرين» مع التنصيص على ذكر 
الإسلام وشرح الصدور وحرجه له, ولا مجال لتأويلاتهم المزخرفة في النصوص 
التي استدللنا بها(© - ومن الآيات التي يعتيرها نصوصا آيات الطبع والختم 
مثل قوله تعالى: حَتَمَ آلله عَلَ قُلُويِمْ04” وقوله تعالى بل طَبْعَ آلله 





ر(كى الإرشاد. ص ؟١35.‏ 
(10) سورة يونس أية 58 . 
(58) سورة الأنعام آية ©؟١.‏ 
(59) الإرشاد, ص ؟١5؟.‏ 
(7) الإرشاد. ص .3١*‏ 
(1/) سورة البقرة آية /ا. 


-ه56؟7- 


عَلَيْهَا بكر هم 04 . وقوله تعالى : لوَجَعَلنا عَىْ قُلُويِمْ أكنة أن يَفْمَهُوهُ وف 
ذاعم ورا" وَجَعَلْنا قُلَوبُمْ سِيّة94”" هذه الآيات يعتبرها نصوصا 
وني ذلك يقول (فإن الآيات نصوص في أن الله تعالى يصرف بالطبع والختم 
عن سنن الرشاد . من أراد صرفه من العباد. قال الله تعالى لوَجَعَلَنا عل 
قُلُوبيم أكنْةٌ أن يَمْقَهُْوُ وف 53 وَقُرا" فاقتضت الآيات كون الأكنة 
مانعة من إدراك الإيهان)”” والقرينة في كونها نصوصا (أن الرب تعالى تمدح 
هذه الآيات وأنياً مها عن اقتهاره واقتداره على ضهائر العباد وأسرارهم , وبين 
أن القلوب بحكمه يقلبها كيف يشاء وصرح بذلك في قوله تعالى: «وَنْقَلتُ 
َفبدعهم وََبْصَرَهُمْ كا م ومنو به وَل مَرة00 , 

والمعتزلة لا تعتبر دلالة هذه الآيات قطعية على المعنى الذي ذهب إليه 
الجويني. ولقد أولوا هذه الآيات تأويلات بعيدة اعتبرها الجويني اضطرابا 
وحيرة منهم على حد تعبيره. 


-١‏ فالبصريون كما يقول إمام الحرمين ذهبوا: (إلى حملها على تسمية الرب 
تعالى الكفرة بنبذ الكفر والضلال» قالوا فهذا معنى الطبع)” والجويني 
يعتبر هذا التأويل ساقطاء لأن الآية احتفت بها قرينة هى إرادة 
التمدح. وأن القلوب بحكمه يقلبها كيف يشاء ا سبق ذكره. ثم قال 
(فكيف يستجاز حمل هذه الآيات على تسمية وتلقيب؟ وكيف يسوغ 
استيثار الرب بسلطانه؟)9), 


5 





(5/) سورة النساء آية .١66‏ 
(*7) سورة الأنعام_آية 76 . 
(4/ا) سورة المائدة آية .1١‏ 

(6/) سورة الأنعام آية 76 , 

١5ل‏ الإرشادى 4١5؟.‏ 

(ال) سورة الأنعام آية .1١١‏ 
(8/) الإرشاى .5١‏ 

إفغة الإرشادء 11 


-5ة؟- 


؟- وأما الجبائي وابنه فقد فسرا الآيات تفسيرا يرا بشعا على حد تعبير إمام 
الحرمين إذ يقول: (وحمل الحبائي وابنه هذه الآيات على محمل بشع 
مؤذن بقلة اكتراثهما بالدين. وذلك أنهما قالا: من كفر وسم الله قلبه 
سمة يعلمها الملائكة. فإذا ختموا على القلوب تميزت لهم قلوب الكفار 
من أفئدة الأبرارء فهذا معنى الختم عندهما). وقد رد عليهما هذا 
التأويل بأنه مخالف لنص الكتاب فقال (وما ذكراه مخالفة لنص الكتاب 
وفحوى الخطاب)0. 

رابعاً - عموم الإرادة الإلهية : 


بعد أن قرر إمام الحرمين تفرد الباري تعالى بالخلق. واعتبر الآيات الدالة 
على ذلك نصوصا لا تقبل التأويل» لاقترانها بإرادة التمدح وموافقتها لآدلة 
العقول الدالة على ذلك» بعد أن قرر ذلك عقد فصلا يستدل فيه على أن 
ماشاء الله كان. وما لم يشأ لم يكن. وأن الآيات الواردة في عموم المشيئة 
الإهية لكل شىء نص في هذا المعنى. 

فهو يعتقد أن كل ما يحدث في هذا الكون فالله يريده» سواء أكانت 
الحوادث نافعة أم ضارة» جائزة أم محرمة فكل شيء واقع بإرادة الله يقول 
إمام الحرمين: (فمذهبنا أن كل حادث مراد لله تعالى حدوثه. ولا يختص 
تعلق مشيئة الباري بصنئف من الحوادث دون صلئف». بل هو تعالى مريد 
لوقوع جميع الحوادث خيرها وشرها نفعها وضرها)". 

53 استدل إمام الحرمين على مذهبه 5 عموم الإرادة الإهية لكل شىء 
بمسلك عقلٍ خاي . ٠‏ فم] استدل به سمعا على عمىم الإرادة الإلهية قوله 
تعالى #مَا كانواً ليُومنوا ا أن يَشَاءَ آلله 054 وكذلك قوله تعالى در شَاءً 
آلله مَعَهُمْ عَلُ الْهُدَى)54". وقوله تعالى #فمن يرد آل أن عدي يَشْرّح 


(03١ 0‏ الإرشاد. 215 . 
,01 الأرشادء ص /37"7. 


(85)-سورة الأنعام آية .١١١‏ 
فنك سورة الأنعام آية وت 


-/5؟- 


صَدْرَه للإسلم ومن برذ أن يُْضْلَهُ يْعَلْ صَدْرَهُ ضَيّمَا حَرَجًا كَاَنّا يَصَّعَدُ 

فى آلس] الفا 

هذه الآيات يعتبرها إمام الحرمين نصوصا في إثبات عموم إرادة الله وأنها 
شاملة لجميع الحوادث يقول إمام الحرمين (ثم نتمسك بعد ذلك بنصوص 
الكتاب في وقوع الكائنات مرادة لله تعالى. قال الله عز وجل: (ولو أننا 
نزنا إليهم الملائكة إلى قوله تعالى©©: «إمًا كَانوا لِيُوْممُوا إل أن يَشَآءَ آم 
وقال تعالى : ولو شأ آلله جََعَهُم عل آلْهُدَْ004 وقال تعالى: #فَمَن 
يرد آلله أن ديه يَشْرَّح صَدَرَه للإسلم ومن برذ أن يُضْلَه عل صَدْرَه 
ضَيْقَا حرجا كنا يَصّعُدُ فى آلسيّء04” والنصوص التي استدللنا بها عند 
ذكر الحدى والضلال والطبع والختم كلها دالة على ما ننتحله)68, 
خامسا ‏ وجود الجن والشياطين: 
ومن القضايا العقدية التي أثبتها إمام الحرمين بنصوص القرآن إثبات وجود 
الجن والشياطين. ولقد حكى إمام الحرمين عن معظم المعتزلة أعم ينكرون 
الجن والشياطين. فأبطل إنكارهم لما وبين " الآيات التي جاء فيها ذكر 
الجن والشياطين نص في إثباتهم . والقرينة أن هذه الآيات نص في 
إثباتهم أن العقل لا يحيل وجودهم . يقول 7 الحرمين : ( فان قيل بينوا 
مذهيكم في الجن والشياطين. قلنا: نحن قائلون بشوتهم. وقد أنكرهم معظم 
المعتزلة» ودل إنكارهم اياهم على قلة مبالاتهم ء وركاكة ديانتهم. فليس في 
إثباتهم مستحيل عقلي. وقد نصت نصوص الكتاب والسنة على إثباتهم 
وحق اللبيب والمعتصم بحبل الدين» أن يثبت ما قضى العقل بجوازه.ء ونص 
الشرع على ثبوته. ولا يبقى لمن ينكر إبليس وجنوده. والشياطين المسخرين 
(84) سورة الأنعام آية 178 . 
(86) تكملة الآيات «ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء بلا ماكانوا 

ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون» سورة الأنعام آية .1١١١‏ 


(485) سورة الأنعام آية هم 
(80) سورة الأنعام آية .1١6‏ 
(حم) الإرشاد 761. 





-78- 


في زمن سليمان. كا أنبأ عنهم اي من كتاب الله تعالى لا يحصيها مسكة 
الدين» وعلقة يتشبث بها). وإمام الحرمين يشير بها ذكر الى مثل قوله 
تعالى : اذ قُلنَا للْملتكة أسجدوا لدم فُسجَدُوا ا إبليس كان من 
لجن فَفْسَقَ عَنْ أمْر رَبّه. . 604 وقوله تعالى : وما كر سُلَيِمْنُ وَلَكن 
آلشبنطين كمرُوا 04 . وقوله تعالى: طقل أوجى 31 َل َسْتَمَعٌ نفر ص 
الجن فَقَالُوا إِنا سَمِعْنًا ران عَجَبَ204. وقوله تعالى : «إقآل عفْريت مَنَّ 
لجن نا اتيك به قَبْلَ أن تَقُومَ من مُقَامِكَ وإِنّى عَلَيْ وي أمينَ009. 
والآيات في _سودة, الناس التي أمر لمؤمن أن يتعوذ «إمن شر : آلْوَسْوَاس 

الْحَنئاس الذي يُوَسُوسٌ فى صُدُورِ آلنّاس من آلْجئة وَآلئّاس 694 


0002 


سادسا ‏ وقوع التحدي بالقرآن: 


كا اعتير إمام الحرمين - قوله تعالى, اقل ين َجْتَمَعَتَ الإنس وَآلْجِنْ 
عَلْ أن يأنُوأ بمثل َذَا آلْقْرْءَانِ لا يأنُونَ بِمئْلهُ وَلَوْ كان بَعْضْهُمْ لض 
ظهيرا 004 - اعتير هذه الآية نصا فق وقوع التحدي بالقرآن وقد استشهد 
بهذه الآية رادا بها على من يزعم أن القرآن لم يتحد به. إذ هناك بعض 
التساؤلات التي طرحها إمام الحرمين وأجاب عنها وهي تساؤلات تتعلق بثبوت 
نبوة محمد يَكَهْ وثبوت معجزته وهو القرآن. والتساؤل الأول: هل النبي أظهر 
القرآن؟ أم ظهر بعده؟ فأجاب محتجا بالضرورة بأن ظهور القرآن قد ثبت 
تواترا عن النبي كل والضرورة لا تُدرًا بالحجاج. فإن ما ثبت تواترا يفيد 
العلم الضروري. والتساؤل الثاني المبني على التساؤل الأول يدور حول ما 
إذا كان النبي كَل قد تحدى بالقران وثبت عجز الأمم عن معارضته حقا؟ 


(49) الإرشاد. ص «87. 
زه سورة الكهفٍ آية نكن * 
(1ة) سورة البقرة آية 05١‏ 
490) سورة الجن آية ١‏ 
(45) سورة النمل آية 88. 
(98) سورة الناس. _ 

(46) سورة الإسراء اية 66م. 


1492 


وقد حكاه إمام الحرمين قائلا: (فإن قيل: فإن سلم لكم ظهور ذلك في 
زمانهء فا دليلكم على تحديه به وتعجيزه الأمم بالدعاء إلى معارضته؟). 

وكان ملخص جوابه أن وقوع التحدي قد ثبت تواتراء فهو معلوم على 
الضرورةء والجواب الآخر وهو موضع استدلالنا هنا - قوله (وقد نصت 
أي القران على التحدي وتعجيز العرب ومنها قوله تعالى : اقل ين آجتمَعت 
الإنسٌ وَآلْجِنٌ عَلّ أن ياوا بمثل هَذَا آلْعَرْءَان لآ يَأنُونَ بمثله وَلَوْ كَانَ 
بعْضُهُمْ لض ظَهِي]04" إلى غيرها من الآي في معناها)3". 

والقريلة الدالة على نصية هذه الآية في وقوع. التحدي والإعجاز ‏ ىا 
يفهم من كلام إمام الحرمين ‏ أن التحدي والتعجيز قد ثبت تواتراء ومن 
ثم أصبح العلم بوقوعه ضروريا وكانت الآية الدالة عليه نصا فيه. 
سابعا ‏ وجود الجنة والنار الآن: 


اعتبر إمام الحرمين الآيات التي وردت في القرآن الكريم تتحدث عن قصة 
آدم وكونه دخل الجنة ثم خرج منهاء والآيات التي تَعَدُهُ بالرد إليهاء كل هذه 
الآيات اعتبرها إمام الحرمين نصوصا دالة على أن الجنة محخلوقة الآن وفي ذلك 
يقول: (الحنة والنار محلوقتان. إذ لا يحيل العقل خلقهما. وقد شهدت بذلك 
أي من كتاب الله تعالى» منها قوله تعالى : لوج عَرْضْهًا آَلسَّمَوْاتٌ وَالأرْض 
عدت للْمْتَقِينَ004 والإعداد يصرح بشوت الثيء وتحققه . وقال تعالى «وَلقَدُ رَعَاه 
ْلَه أخرّق عند سدّرَة الْمَنتَهَى عندَمًا جد وى :05 وتواترت الأخبار 
في قصة أدم عليه السلام عن الحنة وإدخال آدم إياهاء وبدور الزلة منه فيهاء 
وإخراجه عنها ووعده الرد إليهاء وكل ذلك ثابت قطعاء متلقى من فحوى 
الآيات المستفيض من نقل الأثبات والثقات)2"0. ويفهم من كلام إمام 





(47) سورة الإسراء آية 48. 
فياك سورة آل عمران آية 0# 


(849) سورة النجم آية ١#‏ ه6١1‏ 
)206 الإرشاد ص 30/8 . 


5690 - 


الحرمين هنا أن الآيات السابقة صريحة في وجود الجنة20 وأنها نص في 
الموضوع لا يحتمل التأويل. لذا اشتد نكيره على المعتزلة الذين أولوا الجنة 
التي دخلها آدم. وحملوها على بستان من بساتين الدنيا يقول: (وقد أنكرت 
طوائف من المعتزلة خلق الجنة والنار» وزعموا أن لا فائدة في خلقهما قبل 
يوم الثواب والعقاب, وحملوا ما نصت الآية عليه في قصة أدم عليه السلام 
على بستان من بساتين الدنياء وهذا تلاعب بالدين» وانسلال عن إجماع 
المسلمين. وما هذوا به من قوهم لا فائدة في خخلق الجنة والنار في وقتنا ساقط 
لا محصول له.. 2١9).‏ فالآية عنده إذن نص في أن الجحنة التي دخلها ادم 
04 جنة الخلد. والسؤال إذا كانت لفظة جنة لما إطلاقان. ويتطلق على جنة 

. وتطلق على بستان من بساتين الدنياء وقد جاء في القران إطلاق 
ا حلة على بستان من بساتين الدنيا في قوله تعالى وردَخَلَ جَنْنَهُ وَهُرَ ظَاِم 
لتفُسهيه5 '© وقوله تعالى «ِإنًا لوهم ى) بلونا أَصْحَْبَ لجن 1١94‏ 
فسمى البستان جنة ‏ إذا كان الأمر كذلك ‏ فلاذا م يعتير الآية ظاهرا محتملة 
التأويل. ولاذا اشتد نكيره على المعتزلة الذين صرفوا المعنى عن الإطلاق 
الأول إلى الإطلاق الثاني؟ أقول يفهم من كلامه أن الآية أصبحت نصا 
للقرائن التي حفت بها وهي الفحوى وإجماع المسلمين. وأما القرينة التي 
احتج مها المعتزلة الي حملتهم على صرف الآية عن ظاهرهاء وهي عدم 
وجود فائدة من خلق الجنة والنار الآنء فلم يسلم لهم بهذا معتمدا على 
أصل من أصول الأشاعرة وهو نفى الغرض عن أفعال الله تعالى يقول: 
(وما هذوا به من قوم لا فائدة في خلق الحنة في وقتناء ساقط لا محصول 
لهء فإن أفعال الباري تعالى لا تحمل على الأغراض على أصول أهل الحق. 





)8١1١(‏ فات إمام الحرمين الاستدلال على ما ذكره هنا من أن النار مخلوقة الآن - كا لحئة ‏ - ومن هذه 
الآيات قوله تعاى : «النار يعرضود عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أذخلوا ال فرعون 
أشد العذاب»4 سورة غافر اية 15. 

20١5‏ الإرشاد ص 8لا" 

.86 سورة الكهف آية‎ )٠١ 

.31/ سورة القلم آية‎ )1١( 


"ه١‎ 





وهو تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد)2"2 قلت: نفيه الغرض من أفعال 
الله لا يسلم له. ولهذا لا يصح هذا جوابا على حجة المعتزلة. والذي أراه 
في هذه المسألة أن الغرض في خلقه الجنة والنار قد يخفى عليناء وعدم 
إحاطتنا بالحكمة من أفعاله تعالى لا يدل على نفيهاء فعدم العلم ليس علا 
بالعدم والله أعلم. 

ومن هذا نرى أن الآية يراها المعتزلة ظاهرا لقرينة عقلية» ويراها الأشاعرة 
والسلف نصا لقرينة» وهي إجماع الأمة على ذلك مع عدم التسليم للمعتزلة 
بالحجة العقلية. 
امنا إثبات عذاب القير: 

يثبت أهل السنة والجاعة عذاب القبرء وقد ذهب إلى إثباته أيضا إمام 
الحرمين. واعتبر الآية الواردة في إثباته نصا لا تحتمل التأويل إذ يقول: (ومن 
الشواهد كذلك «أي على ثبوت عذاب القبر» من كتاب الله تعالى» قوله 
, قصة فرعون وله لوَحَاقَ بكال فَرَعُوْنَ سُوَءُ آلعَذَاب آلثار يُعَرْضُونَ عَلَيْها 
غَدُوًا وَعَشِيا كو( '"2. وهذا نص في إثبات عذاب القر عليهم قبل ا حشر 
فإنه عز من قائل ذكر ذلك ثم قال: #ويوم قوم آلسَاعَةٌ َدُخلُوا ءَالَ فرَعَوْنَ 
شد آلْعَذَاب 0094 . 

فلاذا اعتبر الآية نصا لا ظاهرا؟ 

اعتبرها كذلك لأن عذاب القبر جائز عقلا وليس بمستحيل يقول: (فإنه 
«أي عذاب القبر» من مجحوزات العقول. والله مقتدر على إحياء الميت)208. 

ثم إن الآية التي اعتبرها نصا في الدلالة على عذاب القبر عطف عليها 
قوله تعالى (ويوم تقوم الساعة) وهي بذلك تتضمن تحديدا زمنيا لما يكون 
يوم القيامة من العذاب وما يكون قبل ذلك اليوم وهو عذاب القبر. وأيضا 
)٠١6(‏ الإرشاد. ص 8ا"*. 
)٠١5(:‏ سورة غافر اية 108 7 45. 


55 سورة غافر اية‎ )٠١5( 
الإرشاد, ص ا‎ )0١4( 


-7ه56 د 


فالآية اعتضدت بأحاديث متواترة فيها يستعيذ النبي كك من عذاب القير؟١©‏ 
ولقد جاء في البرهان: (إن جل ما يحسبه الناس ظواهر معرضة للتأويلات». 
فهي نصوص وقد تكون القرينة إجماعا أو اقتضاء عقل وما في معناهما)21. 
تاسعا ‏ إبطال مذهب الوعيدية في أن مرتكب الكبيرة مخلد في الثار: 

استدل إمام الحرمين في إبطال مذهب الوعيديةٍ الذين يرون أن مرتكب 
الكبيرة محلد في النار بقوله تعالى إن آلله لآ يَغْفرُ أن يُشْرَك به ويَعْفرٌ مَادُونَ 
ذلك إن 0 اد واعتبر الآية نصا في موضع النزاع تزعزع مذهبهم , 
فالذنب الذي لا يغفره الله هو الإشراك بهء وبقية الذنوب تحت مشيئته 
إن شاء عذب صاحبها وإن شاء غفر له. ومنع إمام الحرمين حمل الآية على 
التوبة. لأنها مقبولة حتما عند الخصوم وليست. معلقة بالمشيئة» وأمر آخر هو 
أن التوبة تقبل حتى من الشرك والآية فرقت بين الشرك وبين سائر الذنوب . 
يقول إمام ا حرمين شم إيعارض استدلالهم بالاحتجاج بقوله تعالى إن آلله 
لا يَعْفْر أن يشْرَك ب به ويَعْفْرٌ مَادُون ذلك أن يَشَآء ه017 وهذا نص في موضع 
النزاع» ولا سبيل الهم إلى حمل الآية على التوبة من وجهين: أحدمما أن 
قبول التوبة حتم عندهم. فلا يفيد تعلق المغفرة بالمشيئة» والثاني أنه تعالى 
فرق بين الشرك وبين ما دونه والتوبة عن الشرك تحبطه وتجبهء» كما أن التوبة 
عن المعاصى تسقط أوزارها)©2. 


)٠١9(‏ انظر الإرشاد. ص ها" 
010 البرهان ج ل ص .4١8©‏ 
01١١‏ سورة النساء آية م . 
)1١7(‏ سورة النساء آية 144. 
015 الإرشاد. ص خكية 


-569 د 


الفصل الثاني 


الاستدلال بالظامر 

١‏ - تعريف الظاهر: 

بدأ إمام الحرمين في دراسته للظاهر بذكر تعريفات العلماء له فحكى 
تعريف القاضي بأنه (. .. لفظة معقولة المعنى لها حقيقة ومجاز. فإن أجريت 
على حقيقتها كانت ظاهراء وإذا عدلت إلى جهة المجاز كانت مؤولة)219. 

وينتقد إمام الحرمين هذا التعريف بأنه غير جامع. إذ يصدق على بعض 
الظواهر دون بعض فيقول: (والذي ذكره صحيح في بعض الظواهر. وتبقى 
من الظواهر أقسام لا تحويها العبارة التي ذكرهاء فإنه ذكر تردد اللفظ بين 
الحقيقة والمجاز.» وجعل وجه الظهور الحريان على الحقيقة)9١1").‏ 

ثم ذكر أمثلة للظاهر لا ينطبق عليها التعريف السابق فكلمة دابة حقيقتها 
تشمل كل مادب على الأرض والعرف يخصها بأشياء تدب وهو المجاز. 

فلو وردت كلمة دابة. فالظاهر منها على هذا هو المجاز وهي الدواب 
المخصوصة. وتأويلها حملها على الحقيقة اللغوية وهي كل مادب على الأرض 
بعكس ماذكره القاضى . ْ 

ومن الأمثلة التي لا تدخل تحت تعريف القاضي أيضا لفظ الصلاة وغيرها 
من الألفاظ الشرعية التى لما حقيقة لغوية تخالف الحقيقة الشرعية. 

فهي من قبيل الظاهر إذا حملت عل الحقيقة الشرعية التي هي مجاز في 
(115) البرهان ج 01١‏ ص .4١5‏ 
)016١‏ البرهان ج لاص .4١5‏ 


ما يجدر ذكره أن شيخ الإسلام وابن القيم لا يقران انقسام اللفظ إلى الحقيقة والمجاز - انظر 
غتصر الصواعق ص 7817. 


- 75606 


الأصل وحملها على الحقيقة اللغوية. بناء على هذاء يصبح من قبيل التأويل» 
وذلك على عكس ماقاله القاضي. يقول إمام الحرمين: (ويخرج مما ذكره 
المجازات الشائعة المستفيضة في الناس المنتهية في جرياهاء حائدة عن 
الحقيقة. إلى منتهى لا يفهم منها حقيقة موضوعهاء كالدابة فإنها من دب 
يدب قطعاء وهي على بناء فاعل مترتب على قياس مطرد في الفعل 
المتصرف. وحملها على الدبيب المحض حيد عن الظاهرء فإنها مختصة بأشياء 
تدبء فهذا في ظاهره جهة المجازء وتأويله جهة الحقيقة» وكذلك الألفاظ 
الشرعية كالصلاة وغيرهاء فحقيقتها في ألفاظ الشرع من أبعد التأويلات, 
إذا طلب الطالب الحمل عليها)'©. 

أقول ولكن نقل هذه الألفاظ عرفا أو شرعا ألا يجعل لها حقيقة عرفية 
وشرعية» ويكون مراد القاضي بالحقيقة أعم من الحقيقة اللغوية» أي إنها 
تشتمل على الحقيقة الشرعية والعرفية فيكون تعريفه جامعا مانعا؟ 

أما تعريف الأستاذ أبي إسحاق للظاهر فهو (لفظ معقول يبتدر إلى فهم 
البصير بجهة الفهم منه معنى وله عنده وجه في التأويل مسوغ لا يبتدره 
الظن والفهم ويخرج على هذا ما يظهر في جهة الحقيقة ويؤول في جهة المجاز 
وما يجري على الضد منه)2. 

وقد اكتفى إمام الحرمين بذكر التعريف دون أن يعلق عليه. 

وهناك تعريفات أخرى للظاهر ذكرها إمام الحرمين دون أن ينسبها إلى 
أصحاما وقد ذكرها بصيغة التمريض و«انتقد بعضها فقال: (وقد قيل حده 
«أي الظاهر» في الشريعة كل خطاب محتمل. 

وقد قيل: كل لفظ في الشريعة فهو ظاهر. 

فجعل هذا القائل: كل نص ظاهراء وكل ظاهر نصا. وهذا بعيد 


جدا)012), 


.5١7 ص‎ .١ البرهان ج‎ )١1١5( 
.911/ فقرة‎ 24١7 ص‎ .١ البرهان ج‎ )1١1١7 
.49 الكافية قي الجدل. ص‎ )١148( 


دكهة5؟ - 


وبعد استعراض إمام الحرمين للتعريفات السابقة» نذكر تعريفه للظاهر 
حيث عرفه بأنه : (... ماصح تأويله . أو ما علم معناه بلفظه مع إمكان 
غيره با تريد على لفظه من دليل عقل أو شرعء أو ما أمكن تأويله على 
خلاف مقتضاه بدليل سواه واستعماله في اللغة. في كل ما أمكن خلافه من 
غير قطع على خلافه كقولهم: الظاهر من حال فلان ارتفاعه في أمره. وعلوه 
في شأنه إذا شاهدوا منه أمارات الدولة وارتفاع الحال. 

ويقولون: ظاهر هذا المريض أنه لا يبرأ ولاينجو منه. والظاهر من فلان 
ستره وعدالته مع إمكان الخللاف 5 جميعه)019, 

وجاء في البرهان (فأما الظاهر الذي يتطرق إمكان التأويل إليه وإنما ظهوره 
في جهته مظنون غير مقطوع به)20. 

وعرفه في الورقات قائلا: (والظاهر ما احتمل أمرين أحدهما أظهر من 
الآخر. ويؤول الظاهر بالدليل ويسمى ظاهرا بالدليل)2"9. 
؟ - أثر القرينة في تحويل الظاهر إلى نص والنص إلى ظاهر: 

سبق أن ذكرنا مراتب النص وأن منها مالا تؤثر فيه قرينة وهي المرتبة 
العليا في النص. وهناك مرتبة أخرى للنص وهي التي تؤثر فيها القرينة 
فتجعله ظاهراء وهذا كالاسم الواقع شرطاء وهكذا يظهر أثر القرينة في 
جعل النص ظاهراء وقد تؤثر القرينة في الظاهر فتجعله نصاء فالذي لا 
يلتفت إلى القرينة يظن أن هذه الصيغة من قبيل الظاهر القابل للتأويل» 
وهي ني الحقيقة نص. يقول إمام الحرمين: (... ما وضع في اللسان 
للعموم. فلو لم تثبت قرينةء وتبينا انتفاءها لقطعنا باقتضاء اللفظ للعموم 
نصا. ومن هذا القسم الاسم الواقع شرطا. . .)259 

ومن الأمثلة الدالة على أثر القرينة في تحويل النص ظاهرا كما يقول أن 
)١19(‏ الكافية في الجدل. 46. 
)٠٠١(‏ البرهان ج .١‏ ص "201 فقرة 875. 


(١؟١)‏ الورقات. ص ". 
(؟1١)‏ البرهان ج .١‏ ص 0#" 


د لاه؟” - 


تقول - وقد جرى ذكر أقوام معدودين ‏ من أتاني أعطيته ديناراء فإنه يمكن 
في هذه الحالة حمل الكلام على الذين جرى ذكرهم. فهذة القرينة الحالية 
أثرت في هذا الشرط فجعلته ظاهرا في العموم ولولاها لكانت الصيغة نصا 
فيه . 

ومن الأمثلة الدالة على '؛ ثر القرينة في تحويل لظا نصاء قوله تعالى 
في إثبات رؤية المؤمنين لربهم #وجوة يَومَئذٍ ناضِرَة. | ل رَعَنَا نَاظرَة 04 
فالمعتزلة اعتبروا هذه الآية من قبيل الظاهر مع أنها نص كما سبق ذكره 
عند إمام الحرمين - في إثبات الرؤية للقرائن التي حفت بها من تعدية النظر 
بإلى» وإسناده إلى الوجوه وقد سبق تفصيل ذلك 

ومن الأمثلة 5 الآيات التي تدل على تفرد الباري تعالى بالخلق مثل 
قوله تعالى : «فل آلله ختلقٌ كُلَّ ٠‏ شع 019 , وقوله تعالى: «إِنَ آلله عَلْ 
كل شي قدِير*27 . . فهذه الآيات نصوص في عموم خالقيته وعموم قدرته 
لا حفت به من القرائن0"9© , 

يقول إمام الحرمين: (جل ما يحسبه الناس ظواهر معرضة للتأويلات فهي 
نصوص. وقد تكون القرينة إجماعا واقتضاء عقل ومافي معناهما) 9" . 
ا أنواع الظامر: 

يرى إمام الحرمين أن الظاهر أنواع فهو يشمل صيغ الأمر وصيغ النبي 
والنفيى الشرعي المطلق والصيغ الموضوعة في اللغة للعموم . 

كيا يشمل الأفعال والحروف. 

فمطلق صيغة الأمر عنده ظاهر في الوجوب مؤولة في الندب والإباحة. 
ومطلق صيغة النبي ظاهر في التحريم مؤول في الحمل على التنزيه» والنفي 
الشرعي المطلق ظاهر في نفي الجواز مؤول في نفي الكمال. وكذلك جعل 
)1١14(‏ سورة الرعد اية .١١‏ 
)١١6(‏ سورة البقرة اية  .١44‏ 


)1١75(‏ أنظر ص الال ه77 من البحث. 
(0؟1) البرهان ج ١اء‏ ص .4١6‏ 


- 768 


الصيغة الموضوعة في اللغة للعموم على وجه العموم ظاهرا وحملها على وجه 
الخصوص تأويل259. 

وفي رأبي أن جعله الأصل في صيغ العموم كونها ظاهرا فيه مخالف لا 
قرره من أن الاسم الواقع شرطا ‏ وهو من صيغ العموم ‏ نص في العموم. 
ويمكن أن تؤثر فيه القرينة الحالية فتنزله إلى مرتبة الظاهر وقد سبق تقرير 
ذلك. 

ووقوع الظاهر في الأحرف مثاله (... «إلى» فإنه ظاهر في التحديد 
والغاية مؤول في الحمل على الجمع . 0 
4 - موقف إمام الحرمين من الاستدلال بالظواهر القرانية على العقائد: 

والسؤال الآن: هل يأخذ إمام الحرمين بدلالة الظواهر القرانية على 
مضموناتها من العقائد أخذا مطلقا أم يرفض الأخذ بها رفضا مطلقا أم إِنْ 
موقفه من ذلك يختلف باختلاف علاقة هذه الظواهر بالدليل العقلي؟ . 

لقد مر إمام الحرمين في هذه القضية بمرحلتين: مرحلة (الإرشاد والشامل) 
ومرحلة (البيرهان). 

ففي مرحلة (الإرشاد والشامل) لا يأخذ بدلالة الظواهر القرانية على 
العقائد بصفة مطلقة ولا يرفضها بصفة مطلقة. . ولكن يتوقف قبوله أو رفضه 
لها على مدى التوافق أو التعارض بينها وبين العقل. فإذا لم يعارضها العقل 
قبلها وإذا عارضها رفض قبوها وعمد إلى تأويلها با يتفق مع الدلالة 
العقلية . 

فللادلة السمعية عند إمام الحرمين ثلاث حالات: 
الأولى : ما يقطع فيها بشبوت مايدل عليه الدليل السمعي من العقائد. إذا 
كان هذا الدليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة. وهذا هو النص كما سبق 
أن شرحناه سابقا. 


(؟١)‏ أنظر الرهان ج .١‏ ص 418. 
)١19(‏ أنظر البرهان ج ١ء‏ ص .41١9‏ 


568 - 


الثانية: ما يقبل فيها ما يدل عليه الدليل السمعي من العقائد دون قطع 
بهاء إذا كان هذا الدليل ظبنى الثبوت. كأحاديث الآحاد أو كان قطعى 
الثبوت كالظواهر القرآنية المحتملة لمعان متعددة» ولم يكن هناك منافاة بين 
. العقل ومضمونها العقدي . 
الشالعة > ما يرفض فيها مايدل عليه الدليل السمعى من العقائد. إذا كان 
يرى غالفتها للعقل مع تأويله لظاهر هذا الدليل بصرفه عن معناه الراجح 
إلى معناه المرجوح - كما سيأتي مفهومه للتأويل - حتى ولو كان هذا الدليل 
قطعي الثبوت كالظواهر القرانية. 

ويتبين من هذا قبوله لدلالة الظواهر السمعية عند عدم مخالفتها للعقل 
ورفضه لدلالتها مع تأويله إياها عند مخالفتها للعقل كا تبدو له. يقول إمام 
الحرمين: (فإذا ثبتت هذه المقدمة «أي انقسام العقائد إلى ما يثبت عقلا 
وما يثبت سمعا وما يثبت بم)» فيتعين بعدها على كل معتن بالدين واثق 
بعقله. أن ينظر فيا تعلقت به الأدلة السمعية» فإن صادفه غير مستحيل 
في العقل. وكانت الأدلة السمعية قاطعة في طرقهاء لامجال للاحتال في ثبوت 
أصوها ولا ني تأويلها فا هذا سبيله ‏ فلا وجه إلا القطع به. وإن لم تثبت 
الأدلة السمعية بطرق قاطعة. وم يكن مضموما مستحيلا في العقل» وثبتت 
أصوها قطعاء ولكن طرق التأويل يجول فيهاء فلا سبيل إلى القطع. ولكن 
المتدين يغلب على ظنه ثبوت مادل الدليل السمعي على ثبوته.» وإن لم يكن 
قاطعا. وإن كان مضمون الشرع المتصل بنا مخالفا لقضية العقل فهو مردود 
قطعا بأن الشرع لا يخالف العقل. ولا يتصور في هذا القسم ثبوت سمع 
قاطع ولا خفاء به)27. 

أما موقف إمام الحرمين في مرحلة (البرهان) فهو رفض الاستدلال بالظواهر 
السمعية على العقائد مطلقاء فلا كانت العقائد من الأمور القطعية فإنه لا 
يرى جواز الاستدلال عليها بأدلة ظنية محتملة. يقول إمام الحرمين: (والوجه 


(10) الإرشاد. ص 9ه" 7 ."5١0‏ 


1-5 


تصدير هذا الفصل بأمرين أحدهما ‏ إبانة بطلان الاستدلال بالظاهر فيا 
المطلوب منه القطع لأن ظهور معناه غير مقطوع به فلا يسوغ وضع 
الاستدلال به على ماهذا سبيله» وإن قدر ذلك من مستدل أشعر بجهله 
بأحذ أمرين: إما بجهل كونه ظاهرا أو يعتقده نصا والأمر على خلاف 
مايقدره. وإمًا أن يجهل تمييز مواقع العلوم عن مجال الظنون والجاهل بالوجه 
الأول أحق بأن يعذر من الجاهل بالرتبة الثانية)7©. 

وسوف نتناول بالدراسة فيا يلي استدلال إمام الحرمين بنفي الظواهر 
القرانية على العقائد وتأويله للبعض الآخر. 
أولا - استدلال إمام الحرمين بالظواهر القرآنية ‏ التى لا يرى معارضتها 
للعقل ‏ على العقائد: 

قلنا إن إمام الحرمين يستدل بالظواهر السمعية على بعض العقائد. إذا 
لم يكن بينها وبين العقل منافاة» ومن ذلك استدلاله على عدم عصمة الأنبياء 
من الصغائر وجواز التكليف ب لا يطاق وذلك على النحو الآتي: 
١‏ - عدم عصمة الأنبياء من الصغائر: 

يرى إمام الحرمين أن الأنبياء تجب عصمتهم عما يناقض مدلول المعجزةء 
فتجب عصمتهم عن الكذب. لأن مدلول المعجزة صدقهم فيا يبلغون عن 
الله . 

كى) تجب عصمتهم عن الفواحش المؤذنة بقلة الديانة لوقوع الإجماع على 
ذلك. 

أما صغائر الذنوب فالذي يغلب على ظنه جوازها على الأنبياء» وأدلته 
على الجواز قصص الأنبياء التي وردت في القران التي تشهد بذلك. 

وعبر بغلبة الظن لأنه لم يقم عنده دليل قاطع سمعي على نفيها ولا على 
إثباتها. وبهذا يتضح لنا أن الآيات التي تحكي قصص الأنبياء ووقوع الزلاات 


(1*1) البرهان ج ١ا‏ ص 58١ه6.‏ 


161١ - 





الصغيرة منهم يعتبرها إمام الحرمين من قبيل الظواهر. يقول إمام الحرمين: 
(ولم يقم عندي دليل قاطع سمعي على نفيهاء ولا على إثباتهاء إذ القواطع . 
نصوص أو إجماع ولا إجماع إذ العلاء مختلفون في تجويز الصغائر على 
الأنبياء. . 

فإن قيل: إذا كانت المسألة مظنونة» فا الأغلب على الظن عندكم؟ قلنا: 
الأغلب على الظن عندنا جوازهاء وقد شهدت أقاصيص الأنبياء في أي من 
كتاب الله على ذلك)259, 

وإمام الحرمين يشير إلى الآيات النيي تحكي وقوع بعض الزلات من الأنبياء 
كأكل أدم من الشجرة النتي نبي عنهاء وقوله تعالى: 9وَعَصَئ عَادْم َيه 
فغرّى094. وسؤال نوج عليه السلام النجاة لابنه فقال له تعالى : و 
يس مي أفلك إِنهُ عمل غيْدُ صَلح, قلا تَسْئلْن مَالِيِسَ لَك به علْم إ: 
أعظكٌ أن تَكُونَ منّ نّ آلْجَسهلِين 0594 واستعجال داود عليه السلام في الحكم 
فتذكر خطأه #وخرٌ رَاكعًا وَأَنَاتَ )050 . ثم قال تعالى: #فَعَفْرَنَا لَهُ 
ذلك ج00 1 
انيا - جواز التكليف با لا يطاق: 

وما استدل عليه إمام الحرمين بالظواهر القرانية استدلاله بذلك على جواز 
«التكليف با لا يطاق». 

إذ يجوز عقلا عند إمام الحرمين أن يكلف الله الخلق با لا يطاق. ولقد 
أيد الجواز العقلي بظواهر من القران كا يدعي . . فالله قد أمر أبالهب أن 
يؤمن بض أخير به النبي يك وبما أخبر به 0 أن أبالهمب لا يؤمن. ويشير 
بذلك إلى قوله تعالى إخبارا عن مصير أبى لهب «سَيصل نَارًا ذَاتَ 


(0؟1) الإرشاد. ص 5ه" لاه". 

1"*0) سورة طه اية ١؟7١.‏ 

(1*4) سورة هود آية 145. 

(ه*1) سورة ص آية 94 

(1) سورة صن أآية 78 . 

(187) أنظر عصمة الأنبياء للرازي. ص ١١3ء‏ 2039 "لا. 


-”55172- 


كّب704". فالله كما يزعم قد أمر أبالهب أن يصدق النبي في إخباره بأنه 
لن يصدقه. 

وهذا جمع بين النقيضين. 

كا استدل أيضا بقوله تعالى ريا وَلامحَمُلنا مَالا طَاقَة لَنا بب9#"" على 
جواز وقوع التكليف با لا يطاق. 

ووجه الاستدلال أن التكليف با لا يطاق لو لم يكن جائزا لما ساغت 
الاستعاذة منه. 

يقول إمام الحرمين (فإن الله تعالى أمر أبالهب بأن يصدق النبي ويؤمن 
به في جميع ما يخبر به وما أخير به أنه لا يؤمن بهء فقد أمره أن يصدقه 
بأنه لا يصدقه. وذلك جمع نقيضين» وقد نطقت أي من كتاب الله 
بالاستعاذة من تكليف ما لا طاقة به فقال تعالى: #رَينَا وَل مَحَمُلنَا مالا 
طَاقةَ لَنَا به #” 04 فلو م يكن ذلك ممكنا لما ساغت الاستعاذة منه)219. 

يقول شيخ الإسلام : (واحتجاجهم بقصة أبي لهب حجة باطلة», فإن الله 
أمر أبالهب بالإيان قبل أن تنزل السورة) فل| أصر وعاند استحق الوعيد. 
كا ١‏ شعن فم بح حين فل لد وأ أن ين بن ويك إل من ف 
ءَامَنَ2494. وحين استحق الوعيد أخبر الله بالوعيد الذي يلحقه. ولم يكن 
حينئذ مأمورا أمرا يطلب به منه ذلك. 

والشريعة طافحة بأن الأفعال المأمور بها مشروطة بالاستطاعة ‏ 
والقدرة. . .)049), 





)١78(‏ سورة المسد آية بوث 

(189) سورة البقرة آية 045 

) )2 سورة البقرة آبة كتخا 

)١51(‏ الإرشاد, ص 558؟. 

.95 سورة هود آية‎ )١4 

205 جموع الفتاوي جُ م ص 1"8. 


76# 





الثا - رفض إمام الحرمين لدلالة الظواهر القرانية التى يرى معارضتها للعقل 
مع تأويله الها: 

سبق أن ذكرنا أن إمام الحرمين يرفض الاستدلال بالظواهر القرانية على 
العقائد. إذا رأى معارضتها لما يثبت بالدليل العقلي ومن ثم يعمد إلى تأويل 
تلك الظواهر. ونظرا لأهمية قضية التأويل للظواهر القرانية وما تتضمنه دراسة 
تلك القضية من مباحث كثيرة فقد رأيت أن أفرد لحذه الدراسة الفصل 
التالى . 


- 554 





الفصل الثالث 


منهج إمام الحرمين في تأويل الظواهر 
قبل أن نتناول بالعرض تأويلات إمام الحرمين للظواهر القرانية التي يرى 
أنها تعارض الأدلة القطعية سواء كانت عقلية أم سمعية؛ قبل أن نتناول ذلك 
نعرض بالدراسة لمسلك التأويل عنده بيانا لمفهومه وأسبابه وحكمه وضوابطه . 


- مفهوم التأويل : 

للتأويل من حيث اللغة معنيان: 

المعنى الأول: الحقيقة التي يؤول الكلام إليهاء وهي الحقيقة الموجودة في 
من قيام الساعة وأحوال يوم القيامة هي الحقائق الموجودة أنفسها لا ما يتصور 
من معانيها في الأذهان. 
1 وس ذلك قوله تعالى مَل يَنظرُونَ ل وله يوم يأتى, ويل يَقَولُ 
لْذِينَ نسوه من ِ قد جَاءَت رُسُلٌ رَيُنا بآلْحَنُّ 0004 وقوله تعالى : «إفإن 
َترَعْتَم ف شي ُو ِل آلله وَالرّسُول إن كنتم توْمنونَ بآلله وَآلْيَوْم 
الآخر ذلك خيرٌ وخ تأريلة04. 
من 1 كَل جَعَلَهًا ربى ه0100 





)١44(‏ سورة الأعراف آية ه. 

)١545(‏ سورة النساء آية 9ه. 

)١55(‏ سورة يوسف آية ل 

.١76 ص‎ ١ انظر مجموع الفتاوي ج ه. ص 2*5 وأنظر الصواعق المرسلة ج‎ )١50( 


د 56" - 


المعنى الثاني: التفسير والبيان وهذا هو اصطلاح أهل التفسير والسلف 
من أهل الفقه والحديث. 

ومنه قول ابن جرير وغيره: القول في تأويل قوله تعالى كذا وكذاء يريد 
تفسيره. ومنه قول الإمام أحمد في كتابه (الرد على الجهمية: فيا تأولته من 
القرآن على غير تأويلهم)049. 

أما المعنى الثالث: للتأويل فهو المعنى الاصطلاحي وهو صرف اللفظ 
عن ظاهره المتبادر منه إلى محتمل مرجوح لدليل. وهذا هو المعنى 
الاصطلاحي عند المتكلمين وعلماء الأصول والفقه. وهذا المعنى هو الذي 
اصطلحوا عليه ومثاله قوله يكل «الجار أحق بسقبه)42" فظاهر الحديث ثبوت 
الشفعة للجار. وحمل الجار في الحديث المذكور على خصوص الشريك 
المقاسم محتمل مرجوح. ويعد هذا الحمل تأويلا. والدليل على هذا الحمل 
قوله يي : «إذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة)20012005*7, 

والمثال السابق يعد من قبيل التأويلٍ الصحيح . 

أما تأويل المتكلمين لليد في قوله تعالى اما منَعَكَ أن تَسْجَدَ لا خَلَقْتُ 
بيَدَيٌّ 20974 بالقدرة فهو أيضا تأويل بالمعنى الاصطلاحي. إذ صرفوا اليد 
عن معناه الحقيقي كما يليق بجلال الله إلى معنى مرجوح وهو القدرة. ولكن 
هذا التأويل يعد من قبيل التأويل الباطل فلا دليل صحيحًا يقتضي صرف 
اللفظ عن المعنى الراجح . 

وإمام الحرمين يعني بالتأويل مفهومه الاصطلاحي., والذي ذكرته آنفا وهو 
صرف .اللفظ عن معناه الراجح إلى معناه المرجوح لدليل. فقد ذكر ركني 
التأويل في الشامل وهما: 





.1978 أنظر مجموع الفتاوي. ج ه. ص ه”. والصواعق المرسلة ج ١ء ص‎ )١44( 

5104 رواه البخاري 3 صحيحه كتاب . الشفعة. فتتح الباري ج :| ص 21790 حَْ‎ )١59( 

06١‏ رواه البخاري في صحيحه كتاب الشفعة. فتح الباري ج 24 ص 86و اح 7ا726. 

161١١‏ انظر جموع الفتاري ج 8 ص وك الصواعق ا ص لال أضواء البيان ج ١‏ ص 
خض 3 لفن والصفات الخيرية بين الإثبات والتاويل. رسالة ماجستير ص ١؟١.‏ 

(؟5١)‏ سورة ص أية هلا. 


ك1 


)١(‏ إزالة الظاهر. 
(؟) تعيين المعنى المراد. 

وذلك أثناء مناقشته لمن يأبى تأويل الاستواء. إذ يرى إمام الحرمين أنه 
من ينفي الجهة عن الباري فقد قال بأعظم ركني التأويل وهو إزالة الظاهر 
فالذي ينفى الجهة فقد أزال ظاهر الاستواء. 

يقول إمام الحرمين (وإن صرح هؤلاء بنفي الجهات فقد وافقونا في 
المذهب. وقالوا بأعظم ركني التأويل. فإن الذي يحاذره منكرو التأويل إزالة 
الظواهر. والذي نفى الجهة فقد أزال ظاهر الاستواء ولكنه لم يعين للفظ 
الاستواء بعد تعريته عن ظاهره محملاء والمتأولون عينوا له محملا وإذا آل 
الأمر إلى ذلك فهو سهل المرام)37©. 

فهذا النص يتضمن ركني التأويل عند إمام الحرمين وهما: عدم إرادة 
المعنى الظاهر للفظ لدليل: وحمله على معنى آخر محتمل. ويتضح من ذلك 
أن مفهومه للتأويل لا يخرج عن مفهومه الاصطلاحي عند لمتكلمين 
والأصوليين. 

ولقد عرفه في البرهان بأنه: (رد الظاهر إلى ما إليه ماله في دعوى المؤول 
وإنا يستعمل إذا علق بط يتلقى من الألفاظ منطوقا ومفهوما. . . )209. 

وهذا التعريف هو التعريف في اصطلاح المتأخرين والذي سبق أن 
ذكرته , 

فقوله (رد الظاهر) بمعنى صرف اللفظ عن المعنى الظاهر أ ي المعنى 
الراجح. لأن المعنى الذي يظهر من اللفظ هو الراجح وإن كان يحتمل معنى 
آخر غير الظاهر فهو مرجوح. 

وقوله (إلى ما إليه ماله في دعوى المؤول) يعني بذلك إلى المعنى الآخر 
الذي هو غير الظاهر على حسب دعوى المؤول. 





(*16) الشامل. ص ؟١ه.‏ 
)١85(‏ البرهان ج .١‏ ص ١١ه‏ 


-/51؟ - 





١‏ - أسباب التأويل عند إمام الحرمين: 


يعمد إمام الحرمين إلى تأويل الظواهر السمعية قرانا أو سنة لأحد سببين: 

السبب الأول: دعواه أن ظاهر الآية يتعارض مع الدليل العقلي ولهذا 
أول اليد في قوله تعالى: مَامَنَعَكَ أن تَسْجَدَ لا خَلَقَتٌ ِيَدَيٍّ 2004 أوها 
بمعنى القدرة. والذي جعله يؤوها دعواه أن العقل قد دل على أن الخلق 
لا يقع إلا بالقدرة. يقول إمام الحرمين ‏ ردا على أئمة المذهب الأشعري 
الذين يبطلون تأويل اليد بمعنى القدرة - يقول: (وهذا غير سديد.ء «أي 
منعهم لتأويل اليد بالقدرة» فإن العقول قضت بأن الخلق لا يقع إلا 
بالقدرة. أو بكون القادر قادراء فلا وجه لاعتقاد وقوع خلق آدم عليه السلام 
بغير القدرة. .)60), 

ثم يقول أيضا: (فالظاهر متروك إذا والعقل حاكم بأن الذي يقع به 
الخلق القدرة). 

وهكذا نرى دافعه نحو تأويل الآية وصرفها عن معناها الحقيقي. 
ماتوهمه من وجود تعارض بين ظاهر الآية وبين العقل. وهو أمر لا يسلم له. 

أما السبب الثاني : فهو مايراه من التعارض بين ظاهر الآية ودليل سمعي 
أخر. ولمهذا السبب يؤول قوله تعالى 0 تَذركةُ آَلابْضَرٌ وهو وَ يُدْرِكُ 
آلأبْضَر) 0000 الي يدل ظاهرها على نفي رؤية الله مطلقا وذلك بتقييد 
الإطلاق فيها بأنه نفي للرؤية في الدنياء وسبب ذلك التأويل تعارضها مع 
نص الآية الأخرى المثبتة لرؤية المؤمنين لله تعالى في الآخرة وهي قوله تعالى 


يا ابر سو 


لوج يَوْمبِذٍ نَاضِرَة إِلَ رما نَاظرةه0000000, 


9/6 سورة ص آية‎ )1١60( 
.١6١ الإرشاد.» ص‎ )1١55( 
1١0١# سورة الأنعام آية‎ 2) 659 
.37 7١ سورة القيامة آية‎ )١648( 
.١87؟ انظر الإرشاد. ص‎ )١69( 
.7١ وانظر ألرد على الجهمية ص‎ 


-548؟ د 


* د التأويل بين الوجوب والترجيح في مرحلة (الإرشاد والشامل) : 

وإذا عرفنا مفهوم التأويل عند إمام الحرمين وأسبابه فيا حكمه عنده؟ 

يرى إمام الحرمين أن التأويل لظواهر النصوص جائز بضوابط معينة 
وشروط معحددة . 

ودليله على الحواز الإجماع . 

يقول إمام الحرمين: (وتأويل الظواهر على الجملة مسوغ. إذا استجمعت 
الشرائط التى سنصفها إن شاء الله. 
فيه خلافاء فالمعتمد في الرد على المخالف إجماع من سبق. فإن المستدلين 
الاستدلال)210. 

هذا حكم التأويل ‏ في الجملة ‏ عند إمام الحرمين» فاحكم تأويل آيات 
العقيدة عندهء هل يجيزه أو يوجبه؟ إذ إن هذا الموضوع هو الذي يعنينا 
في بحثنا هنا. 

الواقع أن موقف إمام الحرمين من تأويل آيات العقيدة وحكمه عليه لم 
يكن واحدا في كتابيه الإرشاد والشامل. إذ إن موقفه من تأويل ايات 
الصفات وأحاديثها تردد فيهما بين الوجوب ومنع التفويض وذلك في كتاب 

ويتضح إيجابه للتأويل في الإرشاد عندما ألزم به أئمة المذهب الأشعري 
وألزم به الحشوية على حد تعبيره. 

فقد ذكر أن أئمة المذهب الأشعري قد ذهبوا إلى إثبات صفات زائدة 
على الذات كصفة اليد والعين والوجه. ثم بين المذهب الصحيح في ذلك 
كا يراه وهو حمل اليد على القدرة والعينين على البصر والوجه على الوجود. 
وفي ذلك يقول: ( ومن سلك من أصحابنا سبيل إثبات هذه الصفات 


.68١8 ص‎ .١ البرهان ج‎ )15١( 


-5594- 





بظواهر هذه الآيات. لزمه سوق كلامه أن يجعل الاستواء والمجيء والنزول 
والجنب من الصفات تمسكا بالظاهرء فإن ساغ تأويلها فيا يتفق عليف لم 
يبعد أيضا طريق التأويل فيا ذكرناه. .)20 . 

أي إنه يلزمهم بطرد التأويل في جميع الصفات الخبرية فكما يؤولون 
الاستواء والمجيء والجنب فيلزمهم تأويل العينين والوجه. لأن الدافع في 
التأويل في الأمرين واحد ولا وجه للتفرقة بينها 

ويقول أيضا ملزما الحشوية على حد تعبيره بالتأويل : 

(وتما يجب الاعتناء به معارضة الحشوية بأيات يوافقون على تأويلها. حتى 
إذا سلكوا مسلك التأويل» عورضوا بذلك السبيل فيها فيه التنازع» فم) 
يعارضون به قوله تعالى: وهو مَعَكم ايْنَ ما كنتم270#4 فإن راموا إجراء 
ذلك على الظاهرء حلو عقد إصرارهم في حمل الاستواء على العرش على 
الكون عليه والتزموا فضائح لايبوء بها عاقل» وإن حملوا إقوله رَهْر مَمَكُم 
ين ما م0 وقوله «هما 0 من نَجَوَى تلب َّ هو رابعهم ولا 
حمَسَةِ إلا هُوَ سَادِسُهُمُ2794) على الإحاطة بالخفيات فقد تسوغوا 
التأويل. .)030 , 

وإمام الحرمين بهذا الكلام يرى أن الظاهر من لفظة (مع) هي معية 
الذات وأن حقيقتها كذلك. 

فإذا مافسر الحشوية على حد تعبيره قوله تعالى لوَهُرَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُتْم» 
بأنه معنا بذاته ناقض تفسيرهم حملهم الاستواء على العرش على الكون عليه. 

وإن فسروها بأنه معنا بعلمه وإحاطته كان ذلك منهم تأويلا فيجب سلوك 

يقة التأويل في بقية الآيات المثبتة للصفات الخبرية إذ لا فرق. 

كا يتضح إيجابه للتأويل ومنعه للتفويض في جوابه لسائل يقول: (هلا 





(151) الإرشاد. ص لا6١ ‏ 188. 
055 سورة الحديد آية 4. 
(1) سورة الحديد آية 4, 
(154) سورة المحادلة آية 7 
(0150) الإرشاد, ص 2.15١‏ 


- 3” 


أجريتم الآية يعني قوله تعالى: «آلرَّحمنُ عَلَ الْعَرْشُ آسْتوَ 04" على 

ظاهرها من غير تعرض للتأويل» ومصيرا إلى أنها من المتشابهات التي لا يعلم 

تأويلها إلا الله). فهو يجيب على هذا التساؤل بقوله: (إن رام السائل إجراء 
الاستواء على ما ينبئْ عنه في ظاهر اللسان. وهو الاستقرارء فهو الالتزام 

للتجسيم . وإن تشكك في ذلك كان في حكم المصمم على اعتقاد التجسيم» 

الآية على ظاهرها لم يستقم له. وإذا أزيل الظاهر قطعا فلا بد بعده في 

حمل الآية على محمل مستقيم في العقول مستقر في موجب الشرع. والإعراض 

عن التأويل حذارا من مواقعة محذور في الاعتقاد يجر إلى اللبس والإيهام. 

واستزلال العوام» وتطريق الشبهات إلى أصول الدين» وتعريض بعض كتاب 

الله تعالى لرجم الظنون. . .)2057 

وفي النص السابق يتضح ما يلي: 

)١(‏ إيجابه للتأويل وكونه حتما. 

(؟) منعه للتفويض إذ لابد من تحديد معنى للآية ب| يتفق مع العقل. 

(5) إن عدم التأويل وترك الآية بدون تحديد معنى أي التفويض يجر إلى 
محاذير كثيرة 5 العقيدة, إذ التفويضص يؤدي إلى استزلال العوام وتطرق 
الشبهات إلى أصول الدين وتعريض القرآن للظنون وهذه أمور خطيرة 
على حد زعمه. 

قلت: وهل يتصور أن يترك رسول الله كك وصحابته وسلف الأمة الناس 
عرضة لهذه المخاطر فلا يبينون المحاذير التى التفت اليها المتكلمون78)؟؟ 

وهكذا يدل ما نقلناه هنا من كلام في الإرشاد على إيجابه للتأويل. 

أما في الشامل فقد أجاز التفويض وذكر أنه مسلك لبعض الأئمة وأنه 


(155) سورة طه آية ه. 

.547 - ؛4١ الإرشاد ص‎ )١1١70 

)١118(‏ ادير بالذكر أن إمام الحرمين سيأتي في آخر حياته في كتابه النظامية بمنع التأويل ويرى أنه 
بدعة متبعا السلف وإن كان قد أخطأ فظن أن السلف كانوا مفوضة. 
راجع ص 784 من البحث. 


"ال١‎ 


مذهب الإمام مالك رضي الله عنه. 

فقال: (وما يقع السؤال عنه كثيرا قوله تعالى: #اآلرَّحمْنٌ عَلى العرش 
ستو ه00 وقد رق الأئمة فق وجه الكلام على الآية, فتمنع بعضهم 
عن تأويلها وأجراها على تنزيلها ولكن مع القطع بنفي الجهات والمحاذيات 
والكيفية والكمية. وهذا القائل لا يستبعد أن يكون في القرآن أسرار لا يطلع 
عليها الخلائق. والرب تعالى مستأثر بعلمهاء وإنا يجوز هذا القائل ذلك 
مع الاعتراف بأن المغيب عن الخلق من المعاني المكنونة المستأثر بعلمها 
المصونة» لا يكون مما تمس الحاجة إليه في عقد أو قضية تكليف. . وربا 
تَشدث تشبث هؤلاء بقوله تعالى ظتَما الِّْينَ فى لوي َي فيْعُونَ ما طبه من 
بتكا الفدئة وابتغاء تأويله. . الآية 07 . 

وقد عد أبوعمرو وكثير من الأئمة القراء الوقف على اسم الله من العزائم 
وقدروا قوله ظوَآلرَاسحْونَ ف العلم ”> ابتداء واستكئنافًا. 

وما نقل عنه الانكفاف عن تأويل هذه الآية مالك رضى الله عنهء فإنه 
سكل عنها فقال: الاستواء معقول والكيف غير معقول والإيهان واجب 
والسؤال عنه بدعة. 

فإن سلك سالك هذه الطريقة وكان يعتقد تقدس القديم عن مشابهة 
الحوادث ويؤمن باستوائه على عرشه وينكف عن تكييفه وتأويله فلا يعترض 
على من قال ذلك با يقطع به2370, 

ففي هذا النص نلاحظ ما يل : 
-١‏ تجويزه التفويض وهو ترك التأويل مع الشروط السابقة وهي نفي الجهات 

والمحاذيات والكيفية والكمية. 
؟ - ذكره الحجة المفوضة وهي قوله تعالى «إوَمًا يَعْلَمُ نويل لَهُ إلا آلله» وأن 
(159) سورة طة أآية 8. 
)١70(‏ سورة آل عمران أآية لا. 


(١/ا1)‏ سورة آل عمران اية /ا. 
(؟7١)‏ الشامل ص ٠هه ‏ ١60ه.‏ 


-؟7/5؟ - 


بعض الأئمة من القراء يرى الوقف على اسم الله من العزائم 


والذي يفهم من حجة المفوضة منع التأويل فا هو موقفه؟ 
لقد أجاز التفويض ولم يمنع التأويل ليل ولي أن هذا هو الراجح. ويتضح 
لنا ذلك من النص التالي إذ إذ يقول: (وقد سلك معظم أهل الحجاج طريقة 


ري وقد قدمنا في ذلك طرقاء وبينا أن الذي يجتنبه أصحاب الظواهر 
إزالتها وتغييرها. ومن يلتم إلى الحق من الأئمة ومخلصي الأمة يعترف بتقدس 
الرب عن الجهات والمقابلات. وليس هذا مما يسع جهله. إذ الترخيص في 
جهل ذلك يتداعى إلى جملة العقائد. ومن أبدى في ذلك ريبا فليس منا 
ولسنا منهم. فإذا اعترف هؤلاء بإزالة الظواهر. إذ الاستواء المطلق المضاف 
إلى الأجسام ظاهرة ينب عنما ينتحيه المشبهة ويبتغيه المجسمة. والمعترف بزوال 
الظواهر مترق عن الوقفة. فإنا نعلم أن الاستواء | إذا لم يكن تمكنا بالذات 
وتخصصا ببعض الجهات» فلابد أن يرجع إما إلى معنى القهرء وإما إلى معنى 
علو العظمة. وإما إلى فعل من أفعال الله عز وجل. ولا مزيد على هذه 
الأقسام. وإنما كان يستتب لوكان يتم للمعتقد تجويز إجراء الآية على 
ظاهرهاء وتجويز تأويلها فكان يتقرر الوقف على ذلك275. 

فكأنه في العبارة السابقة يرجح مسلك التأويل» ولا يرى حتمية التفويض 
وهو ما تقتضيه الآية التي تشبث بها المفوض على حد تعبيره. فكيف إذن 
يفهم الآية السابقة اليي احتج بها أهل التفويض على منع التأويل؟ 

قال: (وأما الآية فالكلام في الوقف عليها من أوجه: أحدها: أن من 
القراء من يقف على قوله لوالراسِحْونَ ف العلم * وتقدير قوله «يقولونَ 4 
استئنافا. ولا يبعد أن يقال «يقولون » في محل الحال للراسخين. وكان 
التقدير: 9والراسِحُونَ فى الْعلم »> قائلين امنا به ومن سلك هذه الطريقة 
م يقف على قوله فى الْعلم 4. 

والوجه الآخر في الكلام ما ارتضاه الزجاج حيث قال: أراد الرب تعالى 
بالمتشابه في الآية المواعيد التي انطوت عن الخلق عواقبها كمواقع الحشرء 


)١75(‏ الشامل. ص ١مه ‏ 9_مه. 





77ل 





والنشرء والساعة. وهي التي تقلب في السموات والأرض لا تأتي إلا بغتة» 
فوبخ الله تعالى الكفرة المعرضين عما ظهر من الآيات الباهرة المتشبثين 
باستعجال ماتوعدوا به من العذاب والعقاب. وباستكشاف موقع الساعة 
ومرساها ومختتم الدنيا ومنتهاها فوبخهم الله تعالى للا أصروا بالمتشابه 
وانحجزوا عن المتبين في الآيات الناجزة عُمَوًا منهم وعنادا وتعللا في دفع 
الحق . 

وهذه الآية المطلقة فسرتها اية من كتاب الله واضحة مشتملة على ذكر 
مساءلتهم عن الساعة. واستعجالهم العذاب وابتغائهم استزلال الناس والفتن 
بالتأويل» إذ قال الوعد والوعيد هو وقوعهماء وقد سمى الرب تعالى القيامة 
تأويلا في قوله طِمَلُ يَنْظُرُونَ إلا تَُويلَهُ294 وهذا أحسن الوجوه في الكلام 
على الآية). 

ثم ذكر أيضا وجهين آخرين فقال (وتكلم بعض الناس عليها من وجهين 
آخرين: أحدهما: أن التوبيخ إن)ا لحق من تتبع المتشابه وأضرب عن 
المحكمات وهذا ظاهر الآية.» وهو مستنكر وفاقا. فإذا رام تأويل المتشاءبات 
قبل العلم بالمحكئات زلٌ وضل. فإن سبيل التأويل رد المتشابه إلى فحوى 
١‏ : 
ا الآخر أن الآية إنما اشتملت على توبيخ من يبتغي الفتنة مع انتفاء 
التأويل وهذا منبى عنه وفاقا. 

فإذا تمهدت هذه الطريقة وهى المرضية فقد ذكر أهل التأويل. .. . 
الخ"2 أي ذكروا أوجه تأويل آية الاستواء وهو ماشرع في ذكره بعد النص 
السابق . 

مما سبق يتضح لنا أن له رأيا في الآية التي احتج بها المفوضة يخالف 
رأهم. وأن الرأي الراجح لديه هو ماذهب إليه الزجاج» إذ قال بعد ذكره 
لرأيه (هذا أحسن الوجوه في الكلام على الآية) مع أن للآية أوجها أخرى. 


)١74(‏ سورة الأعراف آية ه. 
)١075(‏ الشامل ص 6067 #مه. 


- 597/5 





وتميع هذه الأوجه لد تمنع التأويل بل على «تميع الأوجه فالتأويل جائز. 

وهكذا يتضح أن موقف إمام ا حرمين من تأويل ايات العقيدة 5 مرحلة 
الإرشاد والشامل تردد رأيه بين إبجاب التأويل ومنع التفويض . وبين تجويز 
التفويض وترجيح التأويل . 
4 - أنواع التأويل الباطل وضوابط التأويل عند إمام الحرمين: 

إل أن إمام الحرمين لا يفتح باب التأويل على مصراعيه. بل يجعل له 
ضوابط يجب مراعاتها. وعدم مراعاة هذه الضوابط تجعل التأويل باطلاء 
يقول: (ثم إذا ثبت جواز التأويل فلا يسوغ التحكم به اختصارا عليه. 
من غير عضد له بشيء.. فإذا وضح أن أصل التأويل مقبول. وتبين أن 
التحكم به مردود, فيفتح بعل ذلك الكلام 5 تفصيل التأويل. وما يعضد 
كل قسم منه من فنون الدليل9"©. 

وسأعرض لأنواع التأويل الباطل عند إمام الحرمين مع أنه ساقها في 
المسائل العملية» إلا أننى أرى أنها تعكس رأيه بصورة عامة إزاء التأويل 
الباطل» سواء أكان في القضايا العملية أو القضايا الاعتقادية. 

فمن أنواع التأويل الباطل عنده: 
كل تأويل غير مقترن بدليل يمنع إرادة الظاهر ويجيز المعنى المؤول. يقول 
إمام الحرمين: (ولا خلاف بين العالمين بالظواهر أن تأويلاتها لا تقبل غير 
مقترنة بأدلة) 079 , 

ولذا نجده يمنع مثلا تأويلات المعتزلة للآيات المثبتة لرؤية المؤمنين لله 
فالمعتزلة يرفضون إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة ويؤولون النصوص 
التي تثبت الرؤيةء وقد حملوا النظر في قوله تعالى: وجوه يَوْمَئِذٍ ناضرة 
إلى رما ناظرة294 على الانتظار يقول القاضى عبدالجبار (فان قيل: النظر 
المذكور في الآية إذا لم يفد الرؤية فا تأويل الآية؟ 
١5/ا1)‏ البرهان ج ١‏ ص كاه. 


(177) البرهان اج ١ء‏ ص "الاه. 
(107) سورة القيامة آية 77 77 . 


- 50/6 








قيل له: قد قيل إن النظر المذكور هاهنا بمعنى الانتظارء فكأنه تعالى 
قال تعالى: طقَنَظرَةٌ إل مَيْسرة2"94 أي فانتظارء وقال عز وجل فيا يحكي 
عن بلقيس : #إفناظرة بم يَرجِع المرسّلون74*" أي منتظرة2. 

ودافع المعتزلة إلى هذا التأويل زعمهم أن إثبات الرؤية يناقض الدليل 
العقلٍ والسمعي . 

أما الدليل العقلي: فيرون أن إثبات الرؤية يستلزم الجهة. ان من 
لوازم الأجسام , والله منزه عن ذلك بالذلي ليل العقلٍ القاطع فيبطل ما أ 
إليه . 

أما الدليل السمعى : فيرون أن الله امتدح نفسه بأنه لا يدرك بالأيصار. 

عى م ممم ور ل برل بيرم بيرم معهة ده م 

قال تعالى: 8لا تذركه الابصلر وهو يدرك الابصارك029 , 

واستدلوا كذلك على قوهم باستحالة الرؤية بقوله تعاللى #إلن تَرَانِى 00094 
جوابا لسؤال موسى عليه السلام الرؤية . قال تعالى حكاية عنه #رب ارنيَ 
نظ إِلَيَكَ ه09 فأجابه سبحانه وتعالى بقوله «لن َرَانَى و2800 , 

فاستدل المعتزلة مهذا الجواب بأن الله لا يرى مطلةا6© . 

وبناء على هذه الأدلة وغيرها منعوا القول برؤية الله وتأولوا الآيات المثبتة 
لما. 

بن إمام الحرمين». من حيث المبدأ - كما سبق تقريره في مبحث النص - 
أن قوله تعالى وجوه يَومَئدٍ ناضرة إل رَبِبَا ناظرة94© نص في إثبات 
الرؤية» والنصوص لا يتطرق إليها التأويل فلا يلتفت إلى تأويلاتهم. 
(109) سورة البقرة آية .98٠‏ 
(04) سورة التمل آية نوت 
)18١(‏ شرح الاصول الخمسة. ص 108؟. 
(185) سورة الأنعام آية .٠١#‏ 
(18*5) سورة الأعراف آية .١47‏ 
(1484) سورة الأعراف آية .١47‏ 


(186) سورة الأعراف آية .١47‏ 


(185) انظر شرح الأصول الخمسة ص ”"؟ ل .56١‏ 
147) سورة القيامة آية 55 9. 


كل - 


أما أدلتهم العقلية والسمعية لنفي الرؤية فباطلة. فلا تنبض لنفي الرؤية 
ومنعها ومن ثم لا تعتبر أدلة مقتضية لتأويل الآيات اللمثبتة للرؤية وصرفها 
عن ظاهرها. 

إذ يرى إمام الحرمين أن إثبات الرؤية لا يستلزم الجهة. فالله يرانا 
ويبصرنا وليس هو في جهة من المرئي 48" . 

ثم منع إمام الحرمين دليلهم السمعي الذي استندوا إليه في نفي الرؤية 
نفيا يقتضي تأويلها وهو قوله تعالى : ل درك الأبْضرٌٍ . 240 فالآية كا 
ذكرنا عنه من قبل تنفي الإدراك, والإدراك أخص من الرؤية ونفي الأخص 
لا يستلزم نفي الأعم . 

ثم لو سلم أن الإدراك بمعنى الرؤية» فالآية التي تنفي الإدراك مطلقة 
والآية الآخرى المثبتة للرؤية قيدت الرؤية بالآخرة» فيحمل المطلق على المقيد 
فالله تعالى لا تدركه الأبصار في الدنياء ولكنها تراه في الآخرة. إعمالا 


للآيتين350 , 
أما قوله تعالى: ##لن تَرَانِى 2574 فهو دليل على إثبات جواز الرؤية لا 
على نفي الجواز. 


ووجه الاستدلال بالآية: أن الرؤية لو لم تكن جائزة لما صح من موسى 
عليه السلام طلبهاء إذ لا يجوز أن يطلب المستحيل فطلب موسى دل على 
جوازها. 

وغاية ما ينتهي إليه إمام الحرمين من إبطاله لآدلة المعتزلة على استحالة 
الرؤية» هو عدم اعتبار هذه الأدلة» ومن ثم يكون تأويلهم للنظر بالانتظار 
تأويلا باطلا لعدم اقترانه بدليل صحيح يوجبه. 

ولا قلب الأشاعرة الدليل على المعتزلة حاول الأخيرون تأويل الآية وهي 


(1848) ومذهب السلف أن الجهة لا تطلق نفيا وإثياتا حتى ينظر في مقصود قائلهاء انظر ص 6١٠١ه‏ 
من البحث. 

(149) سورة الأنعام آية 19١7‏ 

(190) أنظر الإرشاد. ص ١8١‏ - «148. 

. 147 سورة الأعراف آية‎ )19١١( 


-/ا/ا؟ د 





قوله تعالى: ظرَبٌ أرين أَنظُرُ إِلَيكَ20. فحمل بعضهم كم يقول إمام 
الحرمين طلب الرؤية على أن موسى طلب علما ضروريا بالله. 

وقال بعضهم: إنا سأل موسى الرؤية لقومه. 

وقال بعضهم: إن موسى كان يعتقد جواز الرؤية غالطا5*©. 

وهذه التأويلاات كا ترى لا دليل عليها.ء فهي إذن من التأويلات 
الباطلة . 

ولقد أجاب إمام الحرمين على قول من حمل الرؤية على أن موسى طلب 
علما ضروريا بأن النظر الموصول بإلى نص في الرؤية. 

ثم هذا يتناقض مع استدلالهم بقوله تعالى «إلن تَرَانِى» إذ حملوا الرؤية 
في الجواب على الرؤية الحقيقية وفي السؤال على طلب العلم الضروري . . 

وأما قولهم إن موسى عليه السلام طلب الرؤية لقومه. فهذا قول مخالف 
للنص فموسى عليه السلام أضاف الرؤية المسؤولة إلى نفسه. إذ قال (أرني) 
ثم لا يمكن لموسى عليه السلام أن يجارهم فيطلب ما يعلم استحالته سواء 
لنفسه أو لقومه. 

فلم| طلبوا منه أن يجعل لحم إلا رد عليهم قائلا: طإِنكُمْ قَومّ تَجْهَلُونَ». 

وأما حملهم طلب موسى الرؤية غالطا فهذا ازدراء بالأنبياء. 

وهذا مثل التأويلات التى تفقد ضوابطها من وجود الدليل الموجب للتأويل 
مع صحة المعنى المؤول. واعتبار إمام الحرمين لها من التأويلات الفاسدة 
لفقدان هذا الضابط. 

ويطول بنا القول لو ذهبنا نتقصى تأويلات المعتزلة التي يعتبرها إمام 
الحرمين قد فقدت ضابط التأويل الصحيح في نظره. وهي الآدلة المقتضية 
لهاء وقد ذكرنا بعض هذه المواضيع عند دراستنا للآيات التي يعتبرها إمام 
الحرمين نصا في معانيها ويعتبرها المعتزلة من قبيل الظواهر المؤولة» كتأويلاتهم 
للآيات الدالة على تفرده سبحانه وتعالى بعموم الخلق والآيات المثبتة لخلق 


.١47 سورة الأعراف آية‎ )١97( 
.184 - ١8# أنظر الإرشادى. ص‎ )١195( 


- 578 - 


الهداية والإضلال والمثبتة للختم والطبع. . الخ .059, 
مثاله: لو قال (لا تمنع فلانا شيئا من مالي) ثم فسره بكسرة أو شربة فهذا 
ومثاله لو قال: (رأيت جمعا من العلاء) وفسره بأنه يعني قطيعا من البقر 
إذ هي على علم با يصلحهاء فهذا أيضا يجعل صاحبه جاهلا أو هازلا""©. 
ومن التأويلات الباطلة كل تأويل يجعل من صاحب الكلام ملغزا مثل 
لو قال (رأيت أسدا) ثم أراد به رجلا أبخر أو دمياء إذ تشبيه الدميم أو 
الأبخر بالأسد مما لا يستعمل لغة. فكونه يريد الأبخر أو الدميم ينزل قوله 
منزلة الأحاجي والألغاز لا منزلة التعليم والتبيين فهذا تأويل باطل. 
وكذلك كل تأويل يلزم منه عدم فصاحة قائله وركاكة قوله وذلك كأن 
كتفسير الأحناف لقوله يكل : (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها 
باطل)057© بأنه محمول على المكاتبة . 
فهذا تأويل باطل وبعيدء إذ عبر النبي كَكةٍ بألفاظ العموم فكيف يحمل 
على صورة شاذة أو نادرة الوقوع ولا يحمل على الحرائر فهذا التأويل يعود 
على أصل النص بالإبطال وكل ما كان كذلك فهو تأويل باطل259. 


ه ‏ طرق التأويل عند إمام الحرمين: 
يسلك إمام ا حرمين عدة مسالك 5 تأويل الظواهر السمعية حسب ما 
يقتضيه المقام وذلك على النحو التالي : 





)١94(‏ انظر ص ١ا؟.‏ 5لا من البحث. 

.60775 انظر البرهان فقرة 0148 ج ١ع ص‎ )١1965( 

)1١97(‏ رواه الترمذي في كتاب النكاح باب ١4‏ ج ‏ ص 408. وقال أبوعيسى حديث حسن, وقال 
الشيخ محمد ناصر الدين الألباني حديث صحيح. ارواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل 
ح" ص1#؟. 

.ه١7 ص‎ ١ ج‎ .4١ انظر اليرهان فقرة‎ )١97( 


- "97/4 


أولا : صرف اللفظ عن ظاهره بتقدير مضاف محذوف. 
ثانيا : صرف اللفظ بحمل الإضافة على إضافة التملك». لا إضافة الصفة 
إلى الموصوف . 
ثالثا : إذا كان ظاهر اللفظ العموم خصصه. 
رابعا : إذا كان ظاهر اللفظ مطلقا قيده. 
خامسا : يؤول بحمل اللفظ على معنى آخر يحتمله احتالا مرجوحا. 
وسوف تتضح لنا هذه المسالك بدرجة أكر أثناء عرضنا لتأويلاته العقدية» 
وقد تحاشينا ذكر أمثلة تطبيقية خشية التكرار. 
5 - من تأويلات إمام الحرمين العقدية وإبطاها: 
من الآيات والأحاديث التي اعتبرها إمام الحرمين من قبيل الظواهر المؤولة 
الآيات والأحاديث التى تتضمن إثبات الصفات الخيرية. 
فالصفات الخبرية كالوجه واليدين والعين والقدم والساق والجنب والنزول 
والاستواء والمجيء والإتيان جميعها لم يثبتها إمام الحرمين لله تعالى» ى) وردت 
مما الآيات والأحاديث الصحيحة.» بل استضعف دلالة الآيات والأحاديث 
الصحيحة التى جاء فيها ذكر هذه الصفات على معانيها الدالة عليها وذلك 
للأسباب_التالية : 


١‏ إن هذه الصفات لا تثبت عنده عقلا ومن ثم فظاهرها غير مؤيد بالدليل 
العقلى. 

؟- بعض هذه الصفات يناقض الدليل الدال على حدوث العالمء والدليل 
يجب طرده. وقد كرر هذا في عدة مواضع رافضا إثبات صفة الاستواء 
والنزول والمجيء. 

أما البعض الآخر كالوجه واليدين. فهو يرى أنها لو أثبتت سمعا كا 
فعل أئمة المذهب الأشعري. للزم إثبات بقية الصفات. التي يرى في 
إثباتها لله تعالى إما وصفه تعالى بالحدوث. أو إبطال دليل حدث العالم. 
هذا إجمال يأتي تفصيله في عرضنا لتأويل إمام الحرمين لكل صفة على حدة. 


- 58 


أولا - تأويله لصفة اليدين: 

أثبت أئمة المذهب الأشعري قبل إمام الحرمين هذه الصفة لله تعالى 
سمعا. وقد حكى إمام الحرمين إثباتهم هذا وصرح بمخالفته لحم فيه. إذ 
عرض لأدلتهم ثم انتقدهاء فالأئمة يمنعون حمل اليدين في قوله تعالى موبخا 
لإبليس: طمَامنَعَكَ أن تَسْجُدَ لا خَلَقْتُ بِيّدَيّ 2204 على القدرة. إذ الحمل 
على القدرة يلغي فائدة التخصيص وبيان تميز آدم عليه السلام على إبليس» 
إذ جميع المخلوقات محخلوقة بالقدرة. يقول إمام الحرمين: (... ومن أثبت 
هذه الصفات السمعية وصار إلى أنها زائدة على مادلت عليه دلالات 
العقول. استدل بقوله تعالى في توبيخ إبليس 8مَامَنَعَكَ أن تَسْجُدَ لا لقت 
بِيَدَىٌ 31950 , 
قالوا ولا وجه لحمل اليدين على القدرة» إذ جملة المبدعات مخترعة لله 
تعالى بالقدرة» ففي الحمل على ذلك إبطال فائدة التخصيص)27'"©. 

وقد زيف إمام الحرمين دليلهم السابق وبين أن الآية من قبيل الظاهر, 
وأن الظاهر المفهوم منها غير مراد بالاتفاق. وذلك لأن ظاهر الآية أن الخلق 
وقع باليدين. والخلق إن يقع بالقدرة» ى) يدل على ذلك العقل. ولأن ظاهر 
الآية أن ادم استحق السجود لأنه مخلوق باليدين. والصحيح المتفق عليه 
أنه استحق السجود لأن الله أمر بذلك. لا لكونه مخلوقا باليدين وبهذا يكون 
ظاهر الآية غير مراد ويتعين التأويل. 

وفي ذلك يقول إمام الحرمين: (.. وهذا ‏ أي إثبات الأئمة السابقين 
عليه لليدين ‏ غير سديد. فإن العقول قضت بأن الخلق لا يقع إلا بالقدرة, 
أو بكون القادر قادراء فلا وجه لاعتقاد وقوع خلق ادم عليه السلام بغير 
القدرة» وما يوضح ماقلناه أن آدم عليه السلام ما استحق أن يسجد له 
لا خصص به من الخلق باليدين. وذلك متفق عليه مقضى به في موجب 
العقل. وإنما لزم السجود اتباعا لأمر الله. فإذا وجب على كل محقق القطع 


(199) سورة ص أية ”7 
)٠9٠١(‏ الإرشاد.» ص .١٠6١‏ 


- 581١- 


بأن آدم عليه السلام لم يسجد له لأنه خلق باليدين. وظاهر الآية يقتضي 
اقتضاء السجود لاختصاص ادم با تضمنته الآية. فالظاهر متروك إذا والعقل 
حاكم بأن الذي يقع الخلق به القدرة)0'". 

قلت: سبق أن ذكرنا أن إمام الحرمين في عدم اعتباره لهذه الآية نصا 
قد جانب الصواب. وخالف مذهبه في أن العدد نص في المعدود.ء بل هو 
في المرتبة العليا من النص9'©. هذا أمرء وأمر آخر وهو أنه جل وعلا ليس 
له قدرتان. حتى يؤول ممما لفظ اليدين. وإذا بطل التأويل بقيت الآية نصا 
في الدلالة على اليدين» وصح كون خلق ادم بيديه علة في استحقاق السجود 
لتمييزه بذلك عن غيره من المخلوقات عن طريق السنن الإلهية المعروفة. 

وكون تميز آدم بخلقه باليدين علة في استحقاقه للسجود. كا يقول. لا 
يمنع من أنه استحق سجود إبليس له لأمر الله له بذلك أيضا كما دلت 
عليه آية أخرى. ومن ثم فإن دعوى إمام الحرمين أنه من المتفق عليه عدم 
استحقاق ادم للسجود بما خصص به من الخلق باليدين. هذه الدعوى غير 
صحيحة بل العقل يقضى بأن استحقاق الشبىء الخاص لا يكون معللا 
بالأمور المشتركة بل تكون علته وجود صفة خاصة به. 

وهنالك ملحوظة أخرى وهو أنه لا تناني بين خلق آدم بيد الله" كما 
نص في الآية» وبين كونه بقدرة الله» كما يقول إمام الحرمين. فالغارس 
يغرس الغرس بيده وذلك في نفس الوقت أثر لقدرته ولا تنافي. 

أضف إلى ذلك أنه من الواضح أن فحوى الآية هو بيان ما يتميز به 
أدم على إبليس في الخلق. وهو كونه مخلوقا بيدي الله عز وجل وهذا هو 
الذي جعل الأئمة لا يؤولون اليدين بالقدرة» بل يعتيرونها نصا في معناها 
بناء على هذه الفحوى. فلمذا ينكر إمام الحرمين ذلك بينا سلك هذا 
الطريق في تقرير لعموم خلق الله لكل شيى. وذلك في قوله تعالى #آلله 


(501) الإرشادء ص .١656‏ 
25 راجع صفحة 55٠١‏ من الرسالة. 
)59١*(‏ راجع ص "51١‏ من الرسالة. 


- 585 


خَلِقٌ كُلَّ شيئْء2"94 اعتبارا لفحوى الآية وهي أنها سيقت مساق التمدح 
ولا يكون التمدح على وجهه الصحيح في ذلك إلا بعموم الخلق. 

فالفحوى معتبرة في تحويل الظاهر إلى نص عنده» وكان ينبغي أن يعتبرها 
كذلك في الآية المذكورة. 
ثانيا - تأويله لصفة العين: 

وكا أخطأ إمام الحرمين في تأويل الآية السابقة بقة التي جاء فيها ذكر صفة 
اليدين لله تعالى » كذلك أخطأ في تأويلٍ الآية التي جاء فيها إثبات صفة 
العين لله تعالى وهي قوله تعالى : «ترى بأعيننا0* ''©» فهذه الآية عند إمام 
الحرمين مزالة الظاهر بالاتفاق كا يقول, إذ يدّعى أن ظاهرها أن لله أعيناء 
وأن السفينة تجري في أعين الله. وما كان هذا الظاهر غير مراد قطعا وجب 
تأويلهاء ومراده من ذلك أن دلالة هذه الآية على إثبات صفة العين ليست 
قطعية. يقول إمام الحرمين: (فأما الآية المشتملة على ذكر العينين فمزالة 
الظاهر اتفاقاء وكذلك ترك تعالى في الإنباء عن سفينة نوح عليه السلام 
«تجرى بِْعينَا04» ول يثبت أحد من المنتمين إلى التحقيق أعينا لله تعالى» 
والمعنى بالآية أنها تجري بأعينناء وهي منا بالمكان المحوط بالملائكة والحفظ 
والرعاية.» يقال فلان بمرأى من الملك ومسمع. . .)209. 

وما نلحظه على نص إمام الحرمين السابق مايليٍ: 
أولا: عدم وجود آية مشتملة على ذكر العينين» بل الآيات التي ذكرت هذه 
الصفة إما بصيغة المفرد أو بصيغة الجمع. 
ثانيا: فات إمام الحرمين أن يقول: إن الآية ظاهرها يثبت آلطة كثيرة» إِذ 
أضيفت الأعين إلى ضمير الجمع. 
)٠١5(‏ سورة الزمر آية 51. 
)9١(‏ سورة القمر اية .١4‏ 


.١4 سورة القمر آية‎ )7١5( 
.١89 الإرشاد. ص‎ )٠١70 


- 58* - 








يقول ابن القيم: (... ودعوى الجهمي أن ظاهر هذه «يعني قوله تعالى) 
«تجرى يننا '" إثبات أعين كثيرة كذب ظاهر. فإنه إن دل ظاهره على 
أعين كثيرة دل على خالقين كثيرين »2 وكذلك قوله تعالى : «تجرى بأَعيسَا4 إنا 
ظاهره بزعمك أعين كثيرة على ذوات متعددة لا على ذات واحدة. .)59 , 
ثالغا : من منع اتصاف الباري تعالى بعين واحدة. استدل 5 رواه البخاري 
عن رسول الله كَكةِ أنه قال: «إن ربكم ليس بأعور)'". 

فبين ابن القيم أن هذا الحديث صريح في أنه ليس المراد إثبات عين 
واحدة ليس إلاء فإن ذلك عور ظاهرء. تعالى الله عن ذلك علوا 
كبيرا . لي 
رابعا: إفراد هذه الصفة في آية جمعها في آية أخرى. لا ينبض «ليلا على 
يقول تعالى طق صغت لويم . 2219# فد فجمع القلوب والمخاطب مثنى . 

وتارة تعبر بالواحد وتريد الاثنين تقول رأيت بعيني» ولا يفهم من ظاهر 
الخطاب أن المتكلم ليس له إلا عين واحدة. 

يقول ابن القيم : (إن لغة العرب متنوعة في إفراد المضاف وتثنيته وجمعه 
بحسب أحوال المضاف إليه» فإن أضافوا الواحد المتصل إلى مفرد أفردوه 
وإن أضافوه الى اسم جمع ظاهرا أو مضمرا جمعوهء وإن أضافوه إلى اسم 
مثنلى فالأفصح 5 لغتهم جمعه كقولم تعالى : «فقذ صَغْتٍ لوك )55 0 
لىا قلبان وكقوله تعالى: لوَآلسّارقُ وَآلسَارة قَهَ فاقطعوا يديس 9م وتقوا 
العرب: اضرب أعناقهما. وتارة يفردون المضاف فيقولون لسانه) وقلبه) 7 
24١‏ سورة القمر آية 315 

.74 مختصر الصواعق. ص‎ )7٠09( 


)2 أخرجة البخاري في باب قوله تعالى (ولتصنع على عيني) . فتح الباري بشرح صحيح الإمام أبي 
عبدالله محمد بن بن إساعيل البخاري. جك ص 788. 

.208 ص‎ ١ الصواعق المرسلة» ج‎ )5١١( 

)5١9(‏ سورة التحريم آية 4؛. 

1515) سورة التحريمع آية 5. 

)05١5(‏ سورة المائدة اية م”. 


-585- 


يثنون كقوله: «ظهراهما مثل ظهور الترسين». والقرآن إنما نزل بلغة العرب 
لا بلغة العجم والط|اطم"" والأنباط.. الذين أفسدوا الدين وتلاعبوا 
بالنصوص فجعلوها عرضة لتأويل الجاهلين. . 

ولا يلتبس على السامع قول المتكلم. نراك بأعيئنا ونأخذ بأيدينا ولا يفهم 
منه بشر على وجه الأرض عيونا كثيرة على وجه واحد)0"'". 
خامسا: أستطيع أن أجزم أن الآية نص في إثبات العين حتى مع التسليم 
أن الآية معناها الحفظ والرعاية على نحو ماذكره إمام الحرمين. لأن استععال 
لفظة العين للتعبير عن الحفظ والرعاية لا يصح لمن لم تكن له هذه الصفة 
حقيقة ثم لا يمكن أن يمتدح الله نفسه با ليس فيه235). 
الئا - تأويله لصفة «(الوجه): 


يرى إمام الحرمينٍ أن الآية التي جاء فيها إثبات صفة الوجه لله تعالى 
وهي قوله تعالى «كُلُ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَقَى وَجْهُ رَبّكَ دُو الجَكلٍ 
وَآلإِكرَام 204" يرى أن ظاهرها أن الفناء يشمل كل شيء حتى الذات 
والصفات الإلهية ماعدا صفة الوجه هذا هو الظاهر في نظر إمام الحرمين . 

ولا كان هذا الظاهر باطلا حتما وجب عنده تأويل الآية. 

والمقصد أن الآية ظاهر لا نص في إثبات صفة الوجه. ومن ثم لا تثبت 
بها تلك الصفة بل يجب تأويلها عنده. يقول إمام الحرمين (فلا وجه لحمل 
الوجه على صفة. إذ لا تختص بالبقاء بعد فناء الخلق صفة لله تعالى» بل 
هو الباقي بصفاته الواجبة. فالأظهر حمل الوجه على الوجود. . .)19"), 

وكلام إمام الحرمين ظاهر السقوط. فلا أحد يفهم من ظاهر الآية مافهم 
إمام الحرمين. 
)5١15(‏ مختصر الصواعق ص 8 
210 77 العقيدة السلفية, د. محمود خفاجي. ص 2*754 وشرح العقيدة الواسطية ص 58 - 59. 


(71) سدرة الرحمن آية 5١‏ /0ا؟. 
(519؟) الإرشاد.» ص لا6١.‏ 


-5868 








بل إن السلف الصالح منعوا الجهمية من الاستدلال بهذه الآية على تقرير 
وقوع الفناء على الحنة والنار والعرش فمن باب الأولى أن يمنعوا دلالتها على 
مافهمه إمام الحرمين من أن الفناء يشمل الذات والصفات ماعدا الوجهء 
الأمر الذي جعله يؤول الوجه بالوجود. 

يقول الإمام أحمد بن حنبل: (وأما العرش فلا يبيد ولا يذهب لأنه سقف 
الجنة. والله عليه فلا يبلك ولا يبيد. وأما قوله طكُلُ شي هَالِكُ إِلاّ 
وَجهّه04"" فذلك أن الله أنزل لكل مَنْ عَلَيْهَا فانيه7") قالت الملائكة : 
هلك أهل الأرض وطمعوا في البقاء فأنزل الله أن يخبر عن أهل السموات 
والأرض أنكم تموتون. فقال كل شيء من ال حيوان هالك يعني ميت إلا وجهه 
أنه حي لا يموت تأيقنوا عند ذلك بالموت)9""©. 

ثم إن أئمة المذهب الأشعري قبل إمام الحرمين يثبتون صفة الوجه لله 
تعالى بهذه الآية» جاء في الإبانة (فمن سألنا فقال أتقولون: إن لله سبحانه 
وجها؟ 

قيل له: نقول ذلك خلافا لما قاله المبتدعون وقد دل على ذلك قوله تعالى 
لِرَيبقَ وَجْهُ رَبّكَ ذُو الْجَكل والإكرام 900" 

وكذلك فعل الباقلاني إذ استدل بالآية السابقة مثبا صفة الوجه*""©. 

ولقد أكد البيهقى أن الوجه صفة لأن النعت في الآية السابقة وهي قوله 
تعالى ليق وَجْهُ رَبّكَ دُو آلْجَلْل وَالإِْرَام 04" نعت للوجه يقول: 
(فأضاف الوجه إلى الذات» وأضاف النعت إلى الوجهء فقال: 3 دو 
آلْجَلّل وَآلِإكْرَامِ 04" ولو كان ذكر الوجه صلة, ولم يكن للذات صفة, 


(570) سورة القصص أية 84. 
)57١(‏ سورة الرحمن آية 5١؟.‏ 
(5590) الرد على الجهمية. ص 608. 
(57) سورة الرحمن أآية /30. 
)5١1(‏ الابانة ص .١56 - ١١4‏ 
)7١6(‏ أنظر التمهيد ص 708. 
(75؟) سورة الرحمن ص 717. 
770) سورة الرحمن أآية /17؟ . 


 158ك-‎ 


لقال ذي الجلال والإكرام. فلا قال: ذو الجلال والإكرام. علمنا أنه نعت 
للوجه وهو صفة للذات)59"), 

ثم إِنْ هنالك أحاديث كثيرة تتضمن إثبات هذه الصفة أعني الوجه 
للباري تعالى . 

فمن ذلك الأدعية التِى دعا بها الرسول ككِ سائلا المولى بوجهه الكريمء 
ومنها نبي النبي أن يسأل بوجه الله إلا الجنة. ومنها حديث الحجاب ولو 
كشفه الرب لأحُرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره9""©. 

إلى غير ذلك من الأحاديث التى تعتير من القرائن الدالة على نصية الآية 
القرآنية في دلالتها على إثبات الوجه لله تعالى» وتبطل اعتبارها من الظواهر 
المؤولة كما فعل إمام الحرمين. 

يقول ابن القيم: (إن من تدبر سياق الآيات والأحاديث والآثار التي فيها 
ذكر وجه الله الأعلى ذي الجلال والإكرام قطع ببطلان من حملها على 
المجاز. . . )52" , 


رابعا - تأويله لآيات المعية: 


وقد اعتبر إمام الحرمين يات المعية من قبيل الظواهر المؤولة حيث أخطأ 
في تحديد العلا الظاهر للمعية في قوله تعالى: رَهُوَ مَعَكُمْ أن 
َكنم 704 وفي قوله تعالى اما يَكُونُ من نَجَوَى تَلَثَةِ إلا هو و رَابعهُم 
وَلَاحمْسَة إلا هو سَادِسُهُمْ ولا دن من ذلك ولا تر إَّ هو مَعَهُمْ 0994 . 

إذ ادععى إمام الحرمين أن ظاهر المعية في الآيتين السابقتين أن الله معنا 
بذاته وهذا معنى باطل. فتعين تأويل المعية بأن الله معنا بعلمه وإحاطته. 

وإمام الحرمين إنما قال ما قال ليلزم الحشوية على حد تعبيره بوجوب تأويل 





(5658) الاعتقاد للبيهقي ص 2.88 وأنظر مختصر الصواعق.» ص .4١9‏ 
(569) انظر مختصر الصواعق المرسلة. ص .473١ 47١‏ 

(70) انظر مختصر الصواعق المرسلة. ص ©472. 

(١91؟)‏ سورة الحديد اية ؛. 

(؟9؟) سورة المجادلة آية /ا. 


-/ا541؟ - 





والإحاطة. ظنا منه أن هذا التفسير منهم للمعية من قبيل التأويل بصرف 
اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى آخر محتمل. 

فتأويل البعض يقتضي تأويل الكل7”". 

والواقع أنه ليس في لغة العرب أن مع تقتضي المخالطة والمصاحبة بالذات 
ضرورة فلا يكون ظاهر الآية كى) توهم إمام الحرمين. يقول شيخ الإسلام 
أبن تيمية: (... إن كلمة مع في اللغة إذا أطلقت فليس ظاهرها في اللغة 
إلا المقارنة المطلقة. من غير وجوب مماسة او محاذاة عن يمين أو شمالء. فإذا 
قيدت بمعنى من المعاني دلت على المقارنة في ذلك المعنى)9""), 
مختلطة بالخلق.» حتى يقال قد صرفت عن ظاهرها)9'"). 

ويقول الإمام 7 (باب بيان ماذكر الله في القران «وهو و مَعَكم)00 
وهذا على وجوه قال الله جل نناق ا موسى لإِنَى مك774 . يقول: ف 
الدفع عنكما وقال: نان آثْنَينَ إِدُْمَا فى الْغار إِذْ يَقُولُ لصّحبه لآ تحَرَنْ 
إن ن آلله مَعَنا ه10 يقول يعني في الدفعم عنا. 

وقال: 9كم من ّةٍ قَليلَة عَلَبَتْ َه كثيرة بِإِذْن الله وَآلله مَعْ 
الصَِّينَ94”". يقول في النصر لهم على عدوهي. 

وقال: لفلا نوا وَتَدْعُوَا إل آلسَّلْمٍ ونم آلأعْلَوْنَ وآلله مَعَكم 4 ليق 

ففي النصرٍ لكم على عدوكم . 'وقال دمن َرَاءًَا آلْجَمْعَان قَال أُضْحَْتُ 

مُوسَئ إن لْدْرَكُونَ . قَالّ 3 إَ مَعىَ ري سَيهدِين 417") يقول ف العون 
("78) انظر الإرشاد. ص .15١‏ 
(585) مجموع الفتاوي ج 5.) ص .٠١*”‏ 
١ه77)‏ جموع الفتاوي ج ه. ص 3٠١5‏ 
(*7) سورة الحديد آية 4. 
70) سورة طه آية 145 . 
(788) سورة التوبة آية 4٠‏ 
(و*”) سورة البقرة آية 549 . 


(140) سورة محمد آية ه". 
(551) سورة الشعراء اية 5١‏ - ؟5. 


-1588- 


على فرعون)9؛"©. 

فالمعية إذن تنقسم إلى قسمين: 

معية عامة - ومعية خاصة. 

والمعية الخاصة تكون بالرعاية والعناية كقوله تعالى: «لآ تَحرَنْ إِنَّ آلله 
معنا و1459 أي مع النبي وأبي بكر بنصره وتأييده» مع أن الله معهم ومع 
مشركي قريش |الذين يلاحقونه بعلمه. وكذلك قوله تعالى: ظإِنّ آلله مع 
آلْذِينَ أَتقَوا وَآلْذِينَ هم حسئُون 40 , فهذه معية خاصة بالمتقين تكون 


بالنصر والتأييد. 
5 عع ل لاليرره طموم ىل م 
وأما قوله تعالى ##وهو معكم اين ماكنتم . . . 40#" فهو مع جميع 
المخلوقات بالعلم . 


وبهذا يتضح أن للمعية معان كثيرة ظاهرة من اللفظ. وأن اختيار أحد 
هذه المعاني في كل استعمال إنما يكون تحديده تبعا للسياق. ولا يعتبر هذا 
الاختيار من قبيل اتأبيل كا يذهب إليه إمام الحرمين. | 

وقد سبق أن بينا أ ن إمام الحرمين مع إقراره بتعدد معنى النظرء وأ 
يأتي بمعان متعددة أقول مع ذلك اعتير النظر في قوله تعالى #وجوة يَومَئْذٍ 
نَّاضِرَةٌ إِلَّ رَعبَا ناظرة :0 نص في إثبات الرؤية وذلك للقرينة المقالية ىا 
سبق بيانه . فلم يمنعه تعدد معنى النظر من أن يعتبر نصا في إثبات الرؤية» 
وم بخطئىء في تحديد معنى النظرء ك) أخطأ في تحديد معنى المعية ليصل 
إلى وجوب تأويلها ملزما بذلك الخصوم . 

لقد كان عليه إزاء تعدد معاني المعية - أن يعتبر القرينة المقالية في هذه 
الآية» وهي ما أشرنا إليه سابقا في تحديد معنى المعية المقصودة. هنا دون 
بقية المعاني وأعني بها معية العلم والإحاطة حيث تجعلها تلك القرينة نصا 


(157) الرد على الجهمية ص 04. 
(*74) سورة التوبة آية 4٠‏ 

.١١8 سورة النحل آية‎ )1١44( 
.4 (1:60؟7) سورة الحديد اية‎ 
سورة القيامة آية 77 “ا9ا.‎ )745( 


-588- 





أما هذه القرينة المقالية التي د؛ نشير إليها فهي أن الآية افتتحت بتقرير علم 
الله لما في السموات والأرض» ثم اختتمت بتقرير هذا المعنى في قوله تعالى : 
إن آنل بِكُلْ شيءٍ عَلِيم04". 

أضف إلى ذلك أن قوله تعالى: «الرّحمنٌ عل آلْعَرشٍ أستوّئ 110 
من القرائن اللفظية القرآنية الدالة على استحالة أن تكون المعية بالنسبة لله 
تعالى في القرآن بمعنى المخالطة حيث يمنع من هذا المعنى ثبوت استواء 
الله تعالى على العرش. 
خامسا ‏ تأويله لصفات المجىء والنزول والإتيان: 


صفة المجيء والنزول: 

يغبت السلف الصالح صفة المجيء والنزول والإتيان لله تعالى ويقولون 
هو نزول وبجىء يليق بجلاله فى) أنه ذاته لا تشبه الذوات فكذلك أفعاله 
وصفاته لا تشبه الأفعال والصفات». فيصفون الله تعالى با وصف به نفسه 
وبما وصفه به رسوله. ويثبتون له نعوت الكال إثباتا بلا تكييف ولا تشبيه 
ولا تعطيل. 

أما نفاة الصفات فل) ظنوا أن إثبات الصفة يقتضى مشابمهة الله لخلقه 
منعوا إطلاقها عليه تعالى وأولوها. ْ 

أي إنهم شبهوا أولا فعطلوا ثانيا. 

وإمام الحرمين فهم أن الله عز وجل لا يتصف بالنزول والإتيان والمجيء 
لأن هذه من نعوت الأجسام. فحقيقية النزول والمجيء والإتيان هو تفريغ 
مكان وشغل مكان, وما كان هذا ممتنعا في حق الله فقد ذهب إمام الحرمين 
إلى تأويل هذه الصفات. 

والآيات التي وصف الله بها نفسه بالمجيء والإتيان هي قوله تعالى : 


50؟) سورة المجادلة آية . 
(744) سورة طه آية ©. 


-5840- 


«وجَاء رَبْكَ وَآلْمَلَكُ صَفًا صَنّاع:"©. 

وقوله تعالى : هِمَلْ يَطُرُونَ إل أن يَنتِهُمُ آل فى ظَلَل مَنَ آلْعَام 
والملتكة)4**". 

قال إمام الحرمين: (وليس المعنى بالمجيء الانتقال والزوال تعالى الله عن 
ذلك. ..)200, 

والحديث الذي فيه صفة النزول هو مارواه البخاري في باب الدعاء 
والصلاة من آخر الليل من أن رسول الله كل قال: «ينزل ربنا تبارك وتعالى 
كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني 
فأستجيب له. من يسألني فأعطيه. من يستغفرني فأغفر له)09©. 

يقول إمام الحرمين: (ولا وجه لحمل النزول على التحول والانتقال وتفريغ 
مكان وشغل غيرهء فإن ذلك من صفات الأجسام ونعوت 
الأجرام . . . )209 . 

وبهذا يتضح لنا أن إمام الحرمين ظن أن ظاهر الحديث إثبات النزول 
الذي حقيقته التحول وتفريغ مكان وشغل غيرهء لذا فيجب تأويل هذا 
الظاهر أيضا إلى جانب تأويل الآيات الواردة في إثبات المجيء والإتيان. 

والواقع أن ظاهر النزول والمجيء والإتيان للرب ليس كا يقول إمام 
الحرمين من أن ذلك يقتضي تفريغ مكان وشغل مكان بل هذا فهم باطل» 
ولا يكون حجة في تعطيل الصفة وعدم إثباتها لله تعالى كا يليق بجلاله. 
قال ابن القيم: (إن الأوهام الباطلة والعقول الفاسدة لما فهمت من نزول 
الرب ومجيئه وإتيانه وهبوطه ودنوه ما يفهم من مجيء المخلوق وإتيانه وهبوطه 
ودنوه» وهو أن يفرغ مكانا أو يشغل مكاناء نفت حقيقة ذلك فوقعت في 
محذورين: محذور التشبيه ومحذور التعطيل» ولو علمت هذه العقول الضعيفة 


(749) سورة الفجر آية .7١‏ 

(760) سورة البقرة آية .31١١‏ 

.١69 الإرشاد.» ص‎ )161١( 

(569) فتح الباري بشرح. صحيح البخاري ج “ا ص 278 رقم الحديث 21١١48‏ 
[سحلة الإرشاد. ص 15١‏ 


1 - 591١ - 


أن نزوله ومجيئه وإتيانه لا يشبه نزول المخلوق وإتيانه ومجيئه» ى)| أن سمعه 
وبصره وعلمه وحياته كذلك. بل يده الكريمة ووجهه الكريم كذلك. وإذا 
كان نزولا ليس كمثله نزول فكيف تنفي حقيقته. فإن لم تنف حقيقته ذاته 
وصفاته وأفعاله بالكلية وإلا تناقضواء فإن أي معنى أثبتوه لزمهم في نفيه 
ما ألزموا به أهل السنة المثبتين لله ما أثبته لنفسه ولا يجدون للفرق 
سبيلا) 1999 , 

وغاية القول أن الآيات والأحاديث الثبتة للمجيء والنزول والإتيان 
نصوص في إثبات معانيها بالمعنى اللائق بذات الله تعالى» وليست من قبيل 
الظواهر المؤولة كما يرى إمام الحرمين. 
سادسا - تأويله لصفة الاستواء: 

أول إمام الحرمين الاستواء في قوله تعالى: «اآلرّحمَنُ عَلَ الْعَرشٍ 
آسْتَوَى» بمعنى الاقتدار والقهر والغلبة فقال: (ذهب بعضهم الى أن المراد 
بالاستواء الاقتدار والقهر والغلبة, وذلك سائغ في اللغة شائع فيهاء إذ القائل 
يقول: استوى الملك على الإقليم. إذا احتوى على مقاليد الملك فيه. ومنه 
قول القائل: 
قد استوى بشر على العراق # من غير سيف أو دم مهراق 
وقال الآخر: 
ولا علونا واستوينا عليهم * تركناهم صرعى لنسر وكاسر*"" 

والذي حمل إمام الحرمين على تأويلها هذاء التأويل الذي ذكرناه انفاء 
ظنه أن المعنى الظاهر من الاستواء هو الاستقرارء وهذا المعنى كما يقول 
من لوازم التجسيم. يقول إمام الحرمين: (إن رام السائل إجراء الاستواء 
على ما ينبىء عله في ظاهر اللسان.» وهو الاستقرارء فهو التزام 
)١64(‏ مختصر الصواعق ص ؟4"1. 


(5665) الشامل في أصول الدين ص 5#ه. وانظر الإرشاد ص .4٠‏ لمع الأدلة للجوينىي ص 8. 


-5975- 


للتجسيم2*7 . 

والواقع أنه لا يلزم من إثبات الاستواء ما ذكر إمام الحرمين وليس معناه 
الظاهر ماذهب إليه. 

جاء في صحيح البخاري: باب: وكان عرشه على الماء وهو رب العرش 
العظيم) : 

قال أبوالعالية: استوى إلى الماء: ارتفع . 

فسواهن: خلقهن. وقال مجاهد استوى علا على العرش)9*©. 
نص عليه جميع أهل اللغة وأهل التفسير المقبول)250, 

بل اعتبره في موضع آخر للقرائن التي تحف به ودلالة الإجماع نصاً في 
معناه لا يحتمل معنى آخر يقول ابن القيم: (إن استواء الرب على عرشه 
المختص به الموصول بأداة (على) نص في معناه لا يحتمل سواه)9""©. 

ولقد أبطل ابن القيم تأويل الاستواء بالقهر والغلبة باثنين وأربعين 
وجها'" . 

ويكفينا ما ذكرناه عنه من أن الاستواء نص في معناه لا يحتمل التأويل 
لقيام إجماع السلف على ذلك المعنق والذي سنذكره 5 مبحث الإجماع إن 
شاء الله. 


سابعا ‏ تأويله لصفة النور: 


وصف الله تعالى نفسه في القران بأنه نور. 
وكذلك وصفه الرسول كَلٍ بأنه نور. 


(555) الإرشاد.» ص .14١‏ 

١ه‏ ؟) فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر ج ١*‏ ص ”10. 
(568) مختصر الصواعق. ص 968". 

(568) مختصر الصواعق ص 988". 

."”8٠0 انظر مختصر الصواعق ص‎ )75١٠١( 


 5949- 





والسلف وصفوا الله بها وصف به نفسه وبا وصفه به رسول الله وه . 
وإمام الحرمين في إرشاده وشامله يمنع وصف الله ببهذه الصفة. وجعل المفهوم 
من الآية التي فيها ذكر النور معنى باطلا في حق اللهء وتوهم أن ذلك 
هو ظاهرها ثم بعد ذلك عمد إلى تأويلها. 

| يقول إمام الحرمين (فمما يسأل عنه قوله تعالى © آلله نور آلسَّمَنِوَات 
وَآلأرْض |04 ولا يتسجيز منتم إلى الإسلام القول بأن نور السموات 
والأرض هو الإله)279©. 

ومن كلامه السابق يتضح أن إمام ا حرمين توهم أن ظاهر الآية أن نور 
السموات والأرض هو الإلهء وأن هذا المعنى باطل لا يجيزه مسلمء 
ونحن معه في أن المعنى باطل وأنه لايجيزه مسلم ولسنا معه في أن الآية 
يفهم منها ذلك. قال ابن القيم (... أسأتم الظن بكلام الله ورسوله َكل 
حيث فهمتم أن حقيقته ومدلوله أنه سبحانه هو هذا النور الواقع على 
الحيطان والجدران. . 

فمن ادعى أن ظاهر القرآن وكلام الرسول ككلِِ أن نور الرب سبحانه هو 
هذا النور الفائض فقد كذب على الله ورسوله. فلو كان لفظ النص: ١‏ 

هو النور الذي تعايئونه وترونه في السموات والأرض لكان لفهم هؤلاء 
وتحريفهم مستند. أما ولفظ النص #اآلله نور آلسَّمَوَات وَالأرْض 74" فمن 
أين يدل هذا بوجه ما أنه النور الفائض عن جرم الشمس والقمر والنار. . 

فإخراج نور الرب تعالى عن حقيقته وحمل لفظه على مجازه إنما استند إلى 
هذا الفهم الباطل الذي لم يدل عليه اللفظ بوجه...)9"©. 

قلت: والإمام أحمد بن حنبل استدل بهذه الصفة. أعني النور» في إبطال 

مذهب الجهمية القائلين بأن الله في كل مكان, إذ لو كان كذلك لما وجدت 


61١‏ سورة النور آية 6ن 
(؟55) الإرشاد» ص .١58‏ 


)١79(‏ سورة النور آية' ه". 
(714) مختصر الصواعق ص ؟472. 


5944- 


الظلمة يقول الإمام أحمد : (وقلنا. للجهم الله نورء فقال هو نور كله فقلنا 
فالله قال: #وأشرَقَت آلأرْض بثور رَيا9"© فقد أخبر الله جل ثناؤه أن 
له نوراء فقلنا: أخيرونا حين زعمتم أن الله تعالى في كل مكان وهو نورء 
فلم يضيء البيت المظلم من النور الذي هو فيه...)0©. 

وقد نقل ابن القيم عن ابن فورك إثبات صفة النور لله اعتمادا على هذه 
الآية» وأنه مذهب أثمة الأشاعرة» وأنه سبحانه نور لا كالأنوار لا بمعنى 
أنه هاد. يقول ابن الفورك:. (ان سأل سائل عن الله عز وجل أنور هو؟ 
قيل له كلامك يحتمل وجهين: إن كنت تريد أنه نور يتجزأ تجوز عليه الزيادة 
والنقصان فلا. وهذه صفة النور المخلوق . وإن كنت تريد معنى ما قال 
الله سبحانه «الله نُورٌ آَلسّمَوَات والازض نقد اله سبحانه نور 
السموات والأرض على ماقال. فإن قال فيا معنى قولك نور؟ قيل له: قد 
أخبرناك مامعنى النور المخلوق وما معنى النور الخالق. وهو الله الذي ليس 
كمثله شىء. ومن تعدى أن يقول الله نور فقد تعدى إلى غير سبيل 
المؤمنين. لأن الله لم يكن يسمي نفسه لعباده با ليس هو بهء فإن قال 

أعرف النور إلا هذا النور المضىء المتجزىٌ. قيل له فإن كان لا يكون 
نور إلا كذلك فكذلك لا يكون شيء إلا وحكمه حكم ذلك الشبيء)9". 

ولقد حكى أبوالحسن الأشعري في المقالات مذهب أهل السنة والحديث» 
وبين أنهم يثبتون لله صفة النور مستندين على هذه الآية #آلله نور 
آَلسَّمَوَات وَآلأزْض لخ يو 

وغاية القول ثبوت صفة النور هذه الآية نصا على ما يليق بذات الله 
تعالى» وليست الآية من قبيل الظاهر المؤول كما يرى إمام الحرمين لاعتضادها 


(556) سورة الزمر آية 59. 

(555) الرد على الجهمية ص 089. 

710؟) سورة النور آية ه"#. 

(58) مختصر الصواعق المرسلة ص ه"؛ - 1"5. 
(59؟) سورة النور آية ه"#. 

(970) انظر مقالات الإسلاميين ص ١١5؟.‏ 


ه5846 





بالقرائن المتمثلة بالأحاديث المثبتة لصفة النور لله تعالى"©. 


امنا - تأويله لقوله تعالى: «ولايرضى لعباده الكفر»: 

سبق أن بينا مذهب المعتزلة في الإرادة الإلهية9"" وأنهم يرون أن الله 
مريد للطاعات ولا يريد المعاصيء إذ يقول القاضي عبدالجبار (فصل في أنه 
تعالى لا يجوز أن يكون مريدا للمعاصى)". 

ويقول أيضا (... إذ المقصود أنه تعالى لا يريد القبائح ولا يشاؤها بل 
يكرهها ويسخطها. . .)229 

ويتأيد, المعتزلة في مذهبهم هذا في الإرادة الإلهية بقوله تعالى #وَلايرضئ 
لعباده الكفر»ه"". 

أي إن إرادة الله تعالى لا تتعلق بظلمهم. لأن الظلم شر وإرادته لا 
تتعلق بالشرء ثم إنه لايريد الكفر من العباد ولا يرضاه لهمء فمن كفر 
منهم فبإرادته هو لا بإرادة الله. 

ولقد أجاب إمام الحرمين على استدلال المعتزلة لقوله تعالى #وَلايرضئ 
لعبّاده لكف" معتبرا الآية السابقة ظاهرا في المعنى الذي يريده المعتزلة 
ومن ثم سلك مسلكين في الجواب: 

فأولا: حمل الآية على ظاهرها فالله لا يرضى الكفر لعباده وإن أراده 
قدرا فلا يلزم من نفي الرضى نفي الإرادة. 

ثانيا: على تقدير أن الرضى بمعنى الإرادة. فالآية ظاهر في العموم 
وليست نصًا فيه وبالتالي أونها محصصا عمومها فالمراد بعض العباد وهم المؤمنون 
المصطفون لا جميع العباد. 


(071؟) انظر مجموع الفتاوي ج 5 ص /47”. 
7070) انظر ص 77١‏ من البحث. 

(77) شرح الأصول الخمسة ص .4#"١‏ 
(14؟) شرح الأصول الخمسة ص 409. 
(4/؟1) سورة الزمر اية /ا. 

(15؟) سورة الزمر آية 7. 


كة35 


يقول إمام ا حرمين : (استدل المعتزلة بظواهر من كتاب الله تعالى: , 
يحبطوا بفحواهاء ول يدركوا معناهاء منها قوله تعالى لوَلآيْرَضَئْ لعبّاده 
الْكفر004 وفي في الجواب عن هذه الآية مسلكان : 

أحدهما: الجري على موجبهاء تمسكا بمذهب من فصل بين الرضا 
والإرادة . 

والوجه الثاني: حمل العباد على الموفقين للإيان الملهمين للإيقان وهم 
المشرفون بالإضافة إلى الله سبحانه ذكراء وهذه الآية تجري بحرى قوله 
تعالى» طعَيْئًا يَشْرَبُ با عبّادُ آلله94""©. فليس المراد جميع عباد الله» بل 
المراد المصطفون المخلصون للنعيم المقيم)0"©. 
يرضى لعباده الكفرء ولا يحبه منهم وإن أراده قدرا. 

فلابد من التفرقة بين الإرادة الكونية والرضاء ومن ثم م يكن إمام 
الحرمين بحاجة إلى تأويل الآية بتخصيص عمممهاء حيث خصص العباد 
الكفر للموفقين للإيوان ويرضاه لغيرهم » وهذا باطل فالله لا يرضى الكفر 
تاسعا ‏ تأويله لقوله تعالى سَيَقُولُ آلّذِينَ أشركوأ لو شآء الله مآ أشركنا» : 

استدل المعتزلة بقوله تعالى لسَيْقُولُ آلَذِينَ أشركوا لّوْ شآءَ آلل مآ أشرَكُنا 
ولا بون وَلا حَرْمُنا من شي كذْلك كَذَّبَ آلْذِينَ من بهم حَنَىٍ ذَاقُوا 
سنا قل هَل عندكُم من علم تَمُحْرِجء نا إن : تَعُونَ إل لطن وإِنَّ انتم 
ل كرصُون 6( بليرف على أن الله , يرد الكفر من الكافرين» إن وقع بإرادتهم له. 

ووحه استدلالهم هذه الآية أن الله وبخ المشركين عندما احتجوا بالقدر, 
(777) سورة الزمر آية. /ا. 
(91/8) سورة الإنسان آية 5. 


7/90؟7) الإرشاد ص للن 8 
(180) سورة الأنعام آية .١54‏ 


 ؟ةا/-‎ 





فلو كانت مقالتهم صحيحة, وأن الله أراد منهم الشرك لما وبخواء يقول 
إمام الحرمين: (ويما يستروحون إليه قوله تعالى طسَيَقُولُ الْذِينَ أشركُوا لو 
شآء آلله ما اث شركنا 80 , قالوا: فوجه الدليل من هذه الآية.» أن الرب 
سبحانه أخبر عنهمء وبين أنهم قالوا: لو شاء الله ما أشركناء ثم وبخهم 
ورد مقالتهم ولو كانوا ناطقين بحق مفصحين بصدق لا قرعوا)9*"). 

وقد منع إمام الحرمين دلالة الآية على معناها الظاهر ى) فسرها المعتزلة» 
ثم بين معناها با يتفق مع القول بإثبات مشيئة الله لكل شيء. وإن أخطأ 
في بيان هذا المعنى» حيث زعم أن المشركين احتجوا بالمشيئة والقدر هازئين 
ولم يكونوا جادين» إذ لا يعترفون أساسا بالله تعالى فكيف يثبتون له صفة 
المشيئة لأن إثبات الصفة فرع عن الإيمان بالله وهؤلاء كفرهم كفر بالله. 

يقول إمام الحرمين: (قلنا إنما استوجبوا التوبيخ لأنهم كانوا هزؤون بالدين 
ويبغون رد دعوى الأنبياء. وكان قد قرع مسامعهم من شرائع الرسل تفويض 
الأمر إلى الله تعالى» فلا طولبوا بالإسلام والالتزام بالأحكام تعلقوا با 
احتجوا به على النبيين» وقالوا: «لَوْ شاء آلله مَا أشرَكتا». ولم يكن من 
غرضهم ذكر ما ينطوي عليه عقدهم . . والدليل على على ذلك في سياق قوله تعالى 
« قُلْ هَل عندكم منْ علم فَتَحْرِجْوءُ لنا إن تتبِعُونَ إلا آلظنَّ74”". وكيف 
لا يكون الأمر كذلك, والإيمان بصفات الله فرع عن الإيان بالله» والكفر 
بالآية كفر بالله تعالى)9*"©. 

ونحن لا نسلم لإمام الحرمين فهمه لمهذه الآية واعتباره أن المشركين لا 
يقرون بوجود الله تعالى» وبالتالي لا يث يثبتون له المشيئة. فمن الثابت أن بعض 
المشركين يقرون بوجود الله ويقرون بالقضاء والقدر وإن أنكروا الأمر 
والعبى 4" , 


(81١؟)‏ سورة الأنعام آية .١44‏ 

089 الإرشاد ١68؟.‏ 

.144 سورة الأنعام آية‎ )١80( 

(584) الإرشاد» ص .736١‏ 

(186) أنظر مجموع الفتاوي ج * ص .١١١‏ 


594- 


ولا مانع من ذلك كي تحكيه أيات أخرى كقوله تعالى : «ولئن سَألتهُم 
ص خَلَقَ آلسّموَات وَالأْض وَسَخْرَ آلسّمْسَ وَالْقَمَرَ يفون ألله ان 
يُوفَكُونَ 204 , 

وقوله تعالى: لوَلئن سألتَهُم مّن نَزْلَ من آلسَّيآهِ ماه قحا , به الأزض 
من بَعْدِ متها ليقن آله. . . 04م 

وقوه تعال : «ولين متهم من حلفم لفن آل فأ يُوْدكُون 0 

وَقالَ آلْذِينَ أشركواً لَوْ شَاءَ آلله مَا عَبَدْنَا من دُونه من شيءٍ نْحْنُ ولا 
َابَآوناو90 , 

والتوبيخ جاء لكل من يحتج بالقدر مبررا جريمته وكفره. فلا يحق لكافر 
أو عاصٍ أن يبرر كفره ومعصيته محتجا بالقدر.ء فالاحتجاج بالقدر تبريرا 
للمعاصي والاخطاء باطل. وبطلان الاحتجاج به لا يستلزم نفيه» وعدم 
وجوده كما فهم المعتزلة» فظنوا أن المشركين وبخوا لأنهم أثبتوا المشيئة لله. 
والله أعلم . 

ومع خطأ إمام الحرمين في تفسير الآية فإن مال كلامه إبطال ما يذهب 
إليه المعتزلة من عدم تعلق المشيئة الإلهية بأفعال العبادء الأمر الذي يقتضي 
تعلقها بها وهو المذهب الحق. 
عاشرا ‏ تأويله لقوله تعالى 9وَمَاخَلَقَتُ آلِْنّ وَالإنس إلا ليَعْبْدُون» : 

وعندما استدل المعتزلة على مذهبهم السابق في الإرادة بقوله تعالى» 
#وَمَاخَلَقَتُ لحن والإنس ل ِيَعْبْدُونَ»("2 بناء على أن هذه الآية صريحة 
ف أن الله لم م يخلق الخلق إلا لعبادته» فهو تعالى مريد للعبادة والطاعة ولا 
يريد الكفر والمعصية. 


(785) سورة العتكبوت آية .5١‏ 
(7870؟) سورة العنكبوت آية “517. 
(788) سورة الزخرف آية 49. 
(89؟) سورة التحل آية ه". 

(90؟) سورة الذاريات آية 5ه. 


-599- 


منع إمام الحرمين استدلاههم بهذه الآية على المعنى السابق. معتبرا الآية 
من قبيل الظواهر المؤولة. فدلالتها ظنية وليست بنص فلا يسوغ الاستدلال 
بها في الأمور القطعية. 

ووجه كونها ظاهرا أنها عامة قابلة للتخصيصء. إذ المجانين والصبيان 
مستثنون. يقول إمام الحرمين: (وبما يستذلون به العوام الاستدلال بقوله 
تعالى وَمَاحَلَقَتٌ أن والإنس َّ ليَعْبَرُون )ه0917 وهذه الآية عامة في 
صيغتهاء متعرضة لقبول التخصيص عند القائلين بالعموم.» مجملة عند 
منكري العموم. ولا يسوغ الاستدلال في القطعيات با يتعرض للاحتمال» 
أو يتصدى للإجمال. ومن مذهب العتزلة. أن العموم إذا دخله التخصيص 
صار مجملا في بقية المسميات. 

ولا خلاف أن الصبيان والمجانين مستثنون من موجب الآية 
تخصيصا)9"" . 

ولقد اعتبر شيخ الإسلام هذا القول ضعيفا وإن قال به بعض السلف 
فهو مخالف للجمهور. 

فقصد العموم ظاهر 5 الآية ولو كان المراد المؤمنين فقط لما ذكر الجن 
والإنس دون الملائكة. فلا فرق بين المؤمنين والملائكة. 

ثم تأيد شيخ الإسلام في بيان أن ظاهر الآية العموم بسياق الآية. 
فسياقها يقتضي ذم من لم يعبد الله وتوبيخه. لأن الله خلقه للعبادة فلم 
يفعل ما خلق له. 

يقول شيخ الإسلام (فإن قصد العموم ظاهر في الآية. وبين بيانا لا 
يحتمل النقيض. إذ لوكان المراد المؤمنين فقط. لم يكن فرق بينهم وبين 
الملائكة. فإن الجميع قد فعلوا ماخلقوا له. ولم يذكر الإنس والجن عموماء 
ولم تذكر الملائكة. مع أن الطاعة والعبادة وقعت من الملائكة دون كثير من 
الإنس والحن. 


(591) سورة الذاريات آية 55. 
(585) الإرشاد. ص .560١‏ 


35 


وأيضا فإن سياق الآية يقتضي أن هذا ذم وتوبيخ لمن لم يعبد الله منهم. 
لأن الله خلقه لشيء فلم يفعل ماخلق له. وهذا عقبها بقوله: «مَآ أريدٌ 
منهم من رَزْقِ وَمَأ أريدٌ أن يُطَعمُون 2294 . 

فإثبات العبادة ونفي هذا يبين أنه خلقهم . وم يرد منهم مايريده السادة 
من عبيدهم من الإعانة لهم بالرزق والإطعام)9©. 

ثم بين شيخ الإسلام معنى الآية الصحيح والذي عليه جمهور المسلمين 
وهو أن الله خلقهم لعبادته وهو ان يفعلوا ما أمرهم به ويجتنبوا ما نهاهم 
| عنه. 

وأيد هذا المعنى بآيات أخرى تحمل نفس المعنى ففسر القران بالقران. 

يقول شيخ الإسلام : (... الذي عليه جمهور المسلمين. أن الله خلقهم 
لعبادته وهو فعل ما أمروا بهء وهذا يوجد المسلمون قدييما وحديثا يحتجون 
بهذه الآية على هذا المعنى. حتى في وعظهم وتذكيرهم وحكاياتهم. ك) في 
حكاية إبراهيم بن أدهم . 02 
ومن الآيات التي تأيد مها قوله تعالى «ومَا أمرُوَا إل ليَعبْدُوا آلله مخْلصِينَ 
لَه آلدّينَ2*4. 
أوقوله تعالى : دم أمرُوا إل ليَعْبْدُوَأْ إِهَا وَاحدًاه'". وقوله تعالى 
«أَيْسَبُ آلإِنِسَنْ أن يرك سُدّى )0 . 

ثم ذكر بعض أقوال الصحابة والتابعين في تفسير الآية» فعن علي بن 
أبي طالب أنه قال: إلا لأمرهم أن يعبدون وأدعوهم إلى عبادتي. 

وعن مجاهد أنه قال: لآمرهم وأنباهه؟"" . 

ثم قال: (فهذا هو المعنى الذي قصد بالآية قطعا. وهو الذي تفهمه 


ل 


(590) سورة الذاريات آية لاه. 

١59415؟)‏ جموع الفتاوي. ج ماص .54١- 54٠0‏ 
)240 مجموع الفتاوي. ج م ص ١51-65ه.‏ 
(95؟) سورة البينة الآية © . 

(/41”) سورة التوية الآية ."١‏ 

(948؟) سورة القيامة الآية 8"5. 

(144) انظر مجموع الفتاوي ج 4 ص 7ه. 


351 





جماهير المسلمين. ويحتجون بالآية عليه. ويعترفون بأن الله خلقهم ليعبدوه 
لا ليضيعوا حقه. . .)20 . 

ولقد أوضح شيخ الإسلام أن تفسير الآية با سبق بيانه لا يستلزم وقوع 
العبادة منهم. وإذن فلا داعي لتخصيصها. كا أن ذلك لا يستلزم أن يكون 
في ملكه مالايشاءء. أو يشاء مالا يكون كما قالت القدرية يقول شيخ 
الإسلام: قوله: طوَمَاحَلَقُتُ آلْحنّ وآلإنس إل لِيَعْبُدُون74”” لا يستلزم 
وقوع العبادة منهم . . . 

ولا يستلزم نفي المقدور أن يكون في ملكه مالايشاء أو يشاء مالايكون 
كيا قالت القدرية)9'). 
- منع إمام الحرمين التأويل في كتابيه: البرهان والنظامية. 

أما في (البرهان) فهو يمنع التأويل. تبعا لمنعه الاستدلال بالظواهر في 
باب العقائد. والتزاما بالمنبج الصحيح في الجدل. فقد رأينا سابقا أنه في 
تلك المرحلة يمنع الاستدلال بالظاهر على العقائد. لأن العقائد من باب 
القطعيات التي لا يستدل عليها بالظنيات ومن ثم لاتكون الظواهر واردة في 
إثبات العقائد مؤولة أو غير مؤولة. 

وفي باب الجدل لابد من التمسك بهذا الموقف. فيكفي المستدّل عليه 
أن يرد دليل المستدل؛ إذا كان ظاهرا أو مجملا لمجرد كونه كذلك وليس 
له أن يشتغل بتأويله. 

أي إن المستدّل عليه ممنوع من تأويل دليل المستدل وإلا كان متجاوزا 
حدود الجدل الصحيح. 

يقول إمام الحرمين: (ثم إذا فرض ذلك في المستدل «أي استدل مستدل 
بالظاهر على مسألة قطعية» فليس من حق المستدّل عليه أن يشتغل بالتأويل» 
بل يكفيه أن يبين تطرق الاحتتمال. وخروج اللفظ عن القواطع. وإذا وضح 


رةه جموع الفتاوي ج م ص ”«7م. 
(لدفرة سورة الذاريات الآية ك65, 


(فقنضة جموع الفتاوي ج 4 ص 4ه. 


”ل 


ذلك التحق الظاهر في محل طلب العلم بالمجملات التي لا تستقل 
بأنفسها 05". 

لكن يرد على إمام الحرمين ‏ مع هذا الموقف من الظاهر في باب إثبات 
العقيدة أو الجدل فيها ‏ يرد عليه أنه لابد أن يكون له موقف من تفسير 
النص الظاهر في العقيدة» حتى ولو لم يجز الإثبات به. وهذا الموقف يتلخص 
في الالتزام بأحد مواقف ثلاثة: إما تفويض معنى الآية للهء وفيه منع 
التأويل» وإما إجراؤها على حقيقتها الظاهرة وفيه أيضا منع للتأويل. وإما 
تفسيرها بالمعنى المجازي وفيه قول بالتأويل بالمعنى الاصطلاحي . 

أي إنه يلزمه المنع من التأويل أو تجويزه حتى مع عدم استعمال الظواهر 
في إثبات العقائد أو الجدل فيهاء لكنه لم يحدد موقفه من هذين الأمرين 
مكتفيا بالمنع من التأويل جدلا كما سبق. 

وأخيراً يأي حكم التأويل عنده في (النظامية) وني هذا الكتاب يمنع 
التأويل» لكونه بدعة ومخالفا لإجماع السلف. ومن ثم يوجب التفويض. وفيٍ 
هذا يقول (وقد اختلفت مسالك العلاء في الظواهر التي وردت في الكتاب 
والسنةء أو امتنع على أهل الحق اعتقاد فحواهاء وإجراؤها على موجب ما 
تبتدره أفهام أرباب اللسان منهاء فرأى بعضهم تأويلها والتزام هذا المنبج 
في آي الكتاب. وما يصح من سنن الرسول و 

وذهب أثئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل. وإجراء الظواهر عل 
مواردهاء وتفويض معانيها إلى الرب تعالى. والذي نرتضيه رأياء وندين الله 
به عقلا: اتباع سلف الأمة. فالأولى الاتباع وترك الابتداع. والدليل 
السمعيّ القاطع في ذلك: أن إجماع الأمة حجة متبعة» وهو مستند معظم 
الشريعة . 

وقد درج صحب رسول الله يكْة. ورضي عنهم على ترك التعرض لعانيها 
ودرك مافيهاء وهم صفوة الإسلام والمستقلون بأعباء الشريعة., وكانوا 
لا يألون جهدا في ضبط قواعد الملة» والتواصي بحفظهاء وتعليم الناس ما 


(00”) البرهان ج .١‏ ص 614. 


3 








يحتاجون إليه منها. فلو كان تأويل هذه الآيات والظواهر مسوغا ومحتوما 
لأوشك أن يكون اهتامهم لما فوق اهتامهم بفروع الشريعة. . 

وإذا انصرم عصرهم ء وعصر التابعين على الإضراب عن التأويل. كان 
ذلك قاطعا بأنه الوجه المتبع . فحق على ذي دين: أن يعتقد تنزه الباري 
عن صفات المحدثين. ولا يخوض في تأويل المشكلات. ويكل معناها إلى 
الرب تبارك وتعالى . 
7 وعد إمام القراء وسيدهم الوقوف على قوله تبارك وتعالى: «ووما عْلَم 
وله ل آلله94'” من العزائم» ثم الابتداء بقوله تعالى ظوَآلرَاسحُونَ ف 
العلم. 4" وبمما استحسن من ْ إمام دار الهجرة - رضي الله عنه ‏ وهو 
مالك بن أنس رضي الله عنه أنه سئل عن قوله تبارك وتعالى «#آلرّحمنٌ 
عَلى آلعَرّش أسْتوّئى»24'” فقال: الاستواء معلوم والكيفية مجهولة. والسؤال 
عنه بدعة. فلتجر آية الاستواء المجىء وقوله: 8 لما خَلَفْتُ بِيَدَيّ 00 على 
ماذكرناه. فهذا بيان ما يجب لله تبارك وتعالى)5© 2202 

من هذا النص يتضح . لنا موقف إمام الحرمين على النحو التالي: 


١‏ لا يزال يرى وجود تعارض بين ظاهر القران وما ثبت عقلاء بدليل 
قوله #وامتنع على أهل الحق اعتقاد فحواها «أي الظواهر» وإجراؤها على 
موجب ما تبتذره أفهام أرباب اللسان. 0م 

؟ لا يرى معالحة هذا التعارض بالتأور 3 لكونه بدعة ومخالفا لإجماع 

“- يرى أن السلف تركوا التعرض لعانيها ودرك مافيها «أي فوضوا المعنى 
لله) . 





(04) سورة آل عمران آية /. 

.6 سورة طه آية‎ )٠١0( 

(0*) سورة ص آية 76. 

07*) العقيدة النظامية. ص #" 86 


"05 


5- يرى أن الموقف الصحيح من هذه الظواهر هو التنزيه عن التشبيه. ثم 
عدم التأويل. ثم تفويض معرفة المراد من هذه الظواهر إلى الله سبحانه 
وتعالى . 

فيه وما يسنده هنا إلى الصحابة رضي الله عنهم من التفويض في بيان معاني 


"56 





الفصل الرابع 


نقد منهج إمام الحرمين قي التأويل وبيان موقف السلف منه ومن 
التفويض 

١‏ الاتفاق على تقسيم أي القرآن إلى نص وظاهر: 

رأينا أن إمام الحرمين يقسم الآيات القرآنية - من حيث دلالتها على 
معانيها ‏ إلى ماهو نص في هذه الدلالة وما هو ظاهر. ف) كان منها قطعي 
الدلالة على معناه بحيث لا يحتمل معنى آخر فهو النص. 

وما كان منها ظني الدلالة لاحتمال دلالته على معنى آخر فهو الظاهر. 
وما يقرره إمام الحرمين في هذا المقام موضع اتفاق بينه وبين علاء السلف. 
بل بينهم وبين جميع المتكلمين. لأن هذا التقسيم للآيات القرانية يجري 
بالنسبة لكل كلام يقصد به صاحبه الدلالة على معنى من المعاني. 

فهو إما نص في الدلالة على هذا المعنى أو ظاهر فيها. 

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (ولفظ النص يراد به تارة ألفاظ الكتاب 
والسنة» سواء كان اللفظ قطعياً أو ظاهراً. وهذا هو المراد من قول من قال: 
النصوص تتناول أحكام أفعال المكلفين. ويراد بالنص مادلالته قطعية لا 
تحتمل النقيض كقوله تعالى: طتلّكَ عَشْرَة كاملة)ه:0". 

ويقول ابن القيم: (لما كان وضع الكلام للدلالة على مراد المتكلم وكان 
مراده لا يعلم إلا بكلامه انقسم كلامه ثلاثة أقسام : 
أحدها : ماهو نص في مراده لا يقبل محتملا غيره. 


(08”) سورة البقرة آية .1١95‏ 
(09*") مجموع فتاوي شيخ الإسلام حم 21١9‏ ص 588. 
فتاوي سيخ الإسلام اج 


-/ا70 ل 





الثاني: ماهو ظاهر في مراده وإن احتمل أن يريد غيره. 
الثالث: ماليس بنص ولا ظاهر في المراد بل هو محتمل محتاج إلى 
البيان)0١23‏ , 
٠‏ الاختلاف في تحديد النصوص والظواهر القرانية وأساسه: 

أما موضع الخلاف بين علماء السلف وعلماء الكلام ‏ ومتهم إمام الحرمين ‏ 
بل بين أصحاب المذاهب الكلامية المختلفة بعضهم مع بعضء إنما هو في 
تحديد ما يعتبر من الآيات القرانية نصاء وما يعتبر منها ظاهرا في الدلالة 
على معناه. وأساس هذا الاختلاف في تحديد الظواهر والنصوص القرانية تلك 
القاعدة التي وضعها المتكلمون ‏ ومنهم إمام الحرمين - ليهايزوا على أساسها 
بين ماهو نص في مضمونه العقدي وبين ماهو ظاهر يجب تأويله. فلمتكلمون 
يرون أن كل آية يقوم الدليل العقلي على استحالة القول بمعناها المتبادر 
منها لا تعتبر نصا في ذلك المعنى. بل هي من قبيل الظواهر في الدلالة 
عليه . 

وقد رأينا أن إمام الحرمين في خلافه مع المعتزلة يعتير الآيات الدالة على 
انفراد الله تعالى بالخلق وعموم قدرته على كل شيءء وخلقه للهداية 
والإضلال في. قلوب العباد وللطبع والختم عليهاء والدالة على رؤية المؤمنين 
لربهم في الآخرةء وعلى أن الجنة والنار مخلوقتان الآنء يعتبر هذه الآيات 
نصوصا في الدلالة على معانيها التى يقررهاء بين) يعتبرها المعتزلة من قبيل 
الظواهر المحتملة في الدلالة على تلك المعاني.. نظرا لما يرونه في تقرير تلك 
المعاني من المخالفة لمقتضى الدليل العقلي عندهم. حيث يلزم على تقريرها 
لوازم باطلة في حق الله على حد زعمهم. 

. وبالتاللي فإن المعتزلة يبادلونه هذا الموقف فيعتبرون الآيات الدالة على ما 
يذهبون إليه في تلك القضايا وغيرها نصوصاء بينا يعتبرون الآيات الدالة 
على مذهب مخالفيهم دلالة نصية من قبيل الظواهر المؤولة للاعتبار السابق» 


.6١٠ مختصر الصواعق المرسلة.» ص‎ )*5١( 


-5048- 


بل هذا هو الشأن عند جميع أصحاب المذاهب الكلامية في اعتبار ما يشهد 
لذهبهم من الآيات نصا وني اعتبار ما يستدل به مخالفوهم من قبيل 
الظواهر 

بل هذا هو شأن علماء الكلام جميعا ومنهم إمام الحرمين مع علماء السلف 
في] يختلفون معهم فيه من القضايا العقدية. 

فالمعتزلة مثلا ينفون القدر لاعتقادهم أن ذلك يتعارض مع العدل الإلهي , 
وبالتالي يعتبرون الآيات المثبتة للقدر من قبيل الظواهر القابلة للتأويل. 

وينفون الصفات لاعتقادهم أن إثباتها يتعارض مع التوحيد. إذ يستلزم 
إثباتها تعدد القدماء. ولهذا فالآيات المثبتة للصفات - في نظرهم ‏ من قبيل 
الظواهر 

والمعتزلة والأشاعرة من أصوهم في إثبات حدث العالم ( (أن مالا يخلو من 
الحوادث فهو حادث) ولهذا يعتبرون الآيات المثبتة للصفات الاختيارية هي 
من قبيل الظواهر المؤولة وليست نصوصا في معانيهاء وإلا للزم حدوث 
الباري عز وجل كا يظنون. وذلك كالآيات في إثبات الاستواء والنزول 
والإتيان والمجيء وأن الله يتكلم متى شاء وينادي. . . الخ . 

ومن أصوطم أن الباري يستحيل أن يكون في جهة لأن الجهة من لوازم 
الأجسام . ونتيجة لهذا الأصل اعتبروا الآيات المثبتة لعلو الله وفوقيته من 
قبيل الظواهرء ونتيجة لهذا الأصل أيضا منع المعتزلة رؤية المؤمنين لرمهمء 
واعتيروا الآيات في إثبات الرؤية من قبيل الظواهر المؤولة لأن الرؤية عندهم 
تستلزم الجهة وفي هذا تعارض مع أصلهم. 

هكذا يرى هؤلاء المتكلمون الآيات التي لا تتفق مع أصول مذاهبهم 
من قبيل الظواهرء مع أنها في حقيقتها وى) يراها علماء السلف من قبيل 
النصوص القرانية 3 لا تتضمنه من العقائد الصحيحة. يقول ابن القيم : 
(وهذا شأن عامة نصوص القراآن الصريحة في معناهاء خصوصا أيات 
الصفات . والتوحيدء وأن الله مكلم متكلم. آمره ناهء قائل» مخبر موجد 
حاكم. واعد موعد مبين. هاد. داع إلى دار السلامء وأنه تعالى فوق عباده 


0 


عال على كل شيء مُسْتَو على عرشه. ينزل الأمر من عنده. ويعرج إليه 
وأنه فعال حقيقة وأنه نه كل يوم في شأن فعال لما يريد, وأنه ليس للخلق 
من دونه ولي ولا * شفيع يطاع ولا ظهير. وأنه المنفرد بالربوبية والتدبير والقيومية 
(وأنه يعلم السر وأخفى) سورة طه أية لا (وما تسقط من ورقة إلا يعلمها) 
سورة ة الأنعام آبة 9 وأنه يسمع الكلام الخفي اسم الجهر. ويرى مافي 
السموات والأرض ولا تخفى منها ذرة واحدة. وأد نه على كل شيء قذير» ,: 
بخرج مقدور واحد عن قدرته البتة ىا لا يحرج عن علمه وتكوينهء وأ 
له. ملائكة مدبرة بأمره للعالم تصعد وتنزل وتتحرك وتنتقل من مكان 9 
مكان. وأنه يذهب بالدنيا ويخرب هذا العام ويأقي بالآخرة. ويبعث من 5 
القبور إلى أمثال ذلك من النصوص التى هى في الدلالة على مرادهاء كدلالة 
لفظ العشرة والثلاثة على مدلوها وكدلالة لفظ الشمس والقمر والليل والنهار 
والبر والبحر والخيل والبغال والإبل والبقر والذكر والأنثى على مدلولها لافرق 
بين ذلك ألبتة . 

فهذا القسم إن سلط التأويل عليه عاد الشرع كله مؤولاء لأنه أظهر 
أقسام القرآن ثبوتا وأكثرها ورودا ودلالة. ودلالة القرآن عليه متنوعة غاية 
التنوع فقبول ما سواه للتأويل أقرب من قبوله بكثيرم©. 
“ - إبطال أساس التأويل عند المتكلمين: 

ويرجع خطأ المتكلمين ومنهم إمام الحرمين في دعوى تعارض العقل مع 
السمع. المومجب لاعتباره ظاهرا مؤولا - يرجع خطؤه 5 ذلك إلى أحد أمرين : 
الأول : اعتبارهم لا يقيمونه من الأدلة العقلية ‏ معارضين به المعاني 
الصحيحة للآيات ‏ اعتبارهم إياها أدلة قطعية» بينا هي في الحقيقة ليست 
كذلك» فإنه إذا وزن بالميزان الصحيح كا يقول شيخ الإسلام (وجد ما 
يعارض الكتاب والسنة من المجهولاات لامن المعقولاات)9١23,‏ 


.ه١ مختصر الصواعق. ص‎ )91١( 
.١149 التدمرية, تأليف شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية تحقيق محمد بن عودة.» ص‎ )"١1( 


- "65١ 


الثاني : فهمهم من الأيات معان باطلة يعتبرونها هي الظواهر المستفادة من 
تلك الآيات. ومن ثم يقيمون الدليل العقلي على استحالتها ومن ثم يؤولونها 
بمعانٍ أخرى. 

ويرى علاء السلف أن هذه المعاني الباطلة في حق الله تعالى لا يمكن 
أن تكون هي الظواهر المرادة من آأيات الصفات». فظواهر القران يستحيل 
أن تكون كفراء بل ظواهر اياته هى معانيها التى تدل عليها دلالة واضحة 
على نحو ما يليق بذات الله تعالى. يقول شيخ الإسلام: (لفظ الظاهر فيه 
إجمال واشتراك. فإن كان القائل يعتقد أن ظاهرها (ظاهر الآيات والأحاديث 
في الصفات) التمثيل بصفات المخلوقين أو ماهو من خصائصهم». فلا ريب 
أن هذا غير مراد. ولكن السلف والأئمة لم يكونوا يسمون هذا ظاهرهاء 
ولا يرتضون أن يكون ظاهر القرآن والحديث كفرا وباطلاء والله سبحانه 
أعلم وأحكم من أن يكون الذي وصف به نفسه لا يظهر منه إلا ماهو 
كفر وضلال)79©. 

فغاية ما ينتهي إليه المتكلمون في هذا المقام, أنهم يعمدون إلى معنى 
فاسد. فيجعلونه هو ظاهر اللفظ حتى يجعلوه محتاجا إلى التأويل. وهذا هو 
مناط خطئهم. ومن هذا القبيل ما سبق أن ذكرناه عن إمام الحرمين من 
خطئه في تحديد ظواهر بعض الآيات القرانية» كا فعل في الآيات المثبتة 
لصفة العين للباري تعالى. والمثبتة لصفة الوجه. وكذلك آيات المعية وايات 
المجيء. . . الخ 2369© . 

ومن ثم عمد إلى تأويلها تجنبا لتلك الظواهر الباطلة التي توهم دلالة 
الآيات عليها. 
4 - مواقف علاء السلف من التأويل: 


وإذا كنا قد بينا فيها سبق الدوافع الباطلة التي تدفع المتكلمين إلى تأويل 


(*1”) التدمرية. ص 297 . 
(15”) انظر ص 2787 27868 417؟ من البحث. 


"#١١ 


الآيات القرآانية» والطرق الفاسدة التى يسلكونها في سبيل هذا التأويل. فإننا 
نتساءل ماهو موقف علاء السلف من التأويل ف حد ذاته. ونعنيى به صرف 
اللفظ عن ظاهره إلى معنى آخر تمل لدليل يقتضي ذلك. 

هل يرفضونه مطلقا أم يقبلونه ولاذا؟ ْ 

وما هى ضوابط القبول أو الرفض عندهم؟ 

الواقع أن علاء السلف لا يرفضون التأويل بهذا امعنى رفضا مطلقاء 
بل كانوا يفسرون بعض الآيات بتخصيص عمومها وبتقييد مطلقها وبتقدير 
مضاف محذوف منهاء ولم يكونوا يلجؤون إلى هذا اويل إلا لوجود دليل 
عقلي ظاهر أو سمعي ظاهر يقتضي ذلك. يقول شيخ الإسلام (فلا يجوز 
أن يتكلم «أ ي النبي كَكْةِ) هو وهؤلاء «يعنى الصحابة» بكلام يريدون به 
خلاف ظاهره إلا وقد نصب دليلا يمنع من حمله على ظاهره. إمَا أن 1 
عقليا ظاهراء مثل قوله تعالى «وأوتيت من كَُّ شيئ 100 فإن كل أحد 
يعلم بعقله أن المراد أوتيت من جنس ما يؤتاه مثلهاء وكذلك «خَدلقٌ كل 
شيء2"04 يعلم المستمع أن الخالق لا يدخل في هذا العموم. وإِمًا سمعيا 
ظاهرا مثل الدلالات في الكتاب والسنة التي تصرف بعض الظواهر5©. 

فالسلف لا يمنعون التأويل. بمعنى صرف اللفظ عن ظاهره إلى معنى محتمل. 
إذا وجد دليل يقتضي ذلك من كتاب أو سنةء والذي يمنعونه أن يتم ذلك 
بلا دليل» أو أن يعتقد الصارف وجود دليل يحيل المعنى الظاهر وليس هو 
في حقيقته بدليل صحيح ك) توهم. كتوهم نفاة الصفات أن العقل يمنع 
اتصاف الباري بالصفات التي وردت في القران والسنة.» ومن ثم يؤولونهاء 
ولا كان السلف يمنعون أن يوجد دليل عقلى يحيل اتصاف الباري با وصف 
به نفسه في القرآن ‏ بل العقل يدل على اتصافه بها عندهم ‏ فإنهم يعدون 
تأويلات المتكلمين في هذا الجانب من التأويلات الباطلة. لأنها تخلو من 


(1) سورة النمل آية 7 . 
(1*) سورة الأنعام آية .٠١5‏ 
17 جموع الفتاوي , جح كى ص "6١‏ 


-”١7؟2‎ 


الدليل. يقول شيخ الإسلام: (وقد تقدم أنا لانذم كل ما يسمى تأويلا 
ثما فيه كفاية. وإنما نذم تحريف الكلم عن مواضعه. وتخالفة الكتاب والسنة . 
والقول في قرا بالرأي) . 

ويقول أب يضا: (ويجوز باتفاق المسلمين أن تفسر إحدى الآيتين بظاهر 
الأخرى ويصرف الكلام عن ظاهره. إذ لا محذور في ذلك عند أحد من 
أهل السنة؛» وإن سُمَى تأويلا وصرفا عن الظاهر. فذلك لدلالة القرآن 
عليه: ولوافقة السنة والسلف عليه. لأنه تفسير للقرآن بالقرآن» ليس تفسيرا 
له بالرأي. والمحذور إنما هو صرف القرآن عن فحواه بغير دلالة من الله 
ورسوله والسابقين كى] تقدم . 

وللإمام أحجمد - رحمه الله - رسالة في هذا النوع وهو ذكر للآيات التي 
يقال: بينهبا معارضة. وبيان الجمع بينها. 

وإن كان فيه مخالفة لما يظهر من إحدى الآيتين. أو حمل إحداهما على 
المجاز. وكلامه في هذا أكثر من كلام غيره من الأئمة المشهورين» فإن كلام 
غيره أكثر ما يوجد في المسائل العملية» وأما المسائل العلمية فقليل. وكلام 
الإمام أحمد كثير في المسائل العلمية والعملية لقيام الدليل من القرآن والسنة 
على ذلك. ومن قال: إن مذهبه نفي ذلك فقد افترى عليه والله 
أعلم) 08 , 

- ضوابط تأويل صفات الله عند علاء السلف: 

ولعل ما قدمناه من قبول علماء السلف للتأويل وعدم رفضهم له رفضا 
مطلقاء يكشف لنا عن الضوابط التي يجب التزامها ليكون التأويل صحيحا 
وبدونها لا يعتبر تأويلا صحيحا. يقول شيخ الإسلام في تحديد هذه 
الضوابط: (إذا وصف الله نفسه بصفة. أو وصفه بها رسوله. أو وصفه بها 
المؤمنون الذين اتفق المسلمون على هدايتهم ودرايتهم فصرفها عن ظاهرها 
اللائق بجلال الله سبحانه. وحقيقتها المفهومة منها: إلى باطن يخالف 


(914) مجموع الفتاوي. ج اث ص 55-5١‏ 


كين حت 





(أحدها): أن ذلك اللفظ مستعمل بلمعنى المجازي. لأن الكتاب والسنة 
وكلام السلف جاء باللسان العربي. ولا يجوز أن يراد بشيء فيه خلاف لسان 
العرب. أو خلاف الألسنة كلهاء فلابد أن يكون ذلك المعنى المجازي مايراد 
به اللفظى وإلا فيمكن كل مبطل أن يفسر أي لفظ بأي معنى سنح لهء 
وإن لم يكن له أصل في اللغة. 

(الثاني): أن يكون معه دليل يوجب صرف اللفظ عن حقيقته إلى مجازف 
وإلا فإذا كان يستعمل في معنى بطريق الحقيقة» وفي معنى بطرق المجاز 
لم يجر حمله على المجازي بغير دليل يوجب الصرف بإجماع العقلاء.» ثم إن 
ادعى وجوب صرفه عن الحقيقة فلابد له من دليل قاطع عقلي أو سمعي 
يوجب الصرف. وإن ادعى ظهور صرفه عن الحقيقة فلابد من دليل مرجح 
لحمله على المجاز. 

(الثالث): أنه لابد من أن يسلم ذلك الدليل - الصارف ‏ عن معارض 
وإلا فإذا قام دليل قراني أو إياني يبين أن الحقيقة مرادة, امتنع تركهاء ثم 
إن كان هذا الدليل نصا قاطعا لم يلتفت إلى نقيضه. وإن كان ظاهرا فلابد 
من الترجيح . 

(الرابع): أن الرسول كِ إذا تكلم بكلام وأراد به خلاف ظاهره وضد 
حقيقته فلابد أن يبين للأمة أنه لم يرد حقيقته. وأنه أراد مجازه.» سواء عينه 
أو لم يعينه, لا سي) في الخطاب العلمي الذي أريد منهم فيه الاعتقاد 
والعلم» دون عمل الجوارح. فإنه سبحانه وتعاللى جعل القران نورا وهدى 
وبيانا للناس وشفاء لما في الصدور. وأرسل الرسل ليبين للناس مانزل إليهم. 
وليحكم بين الناس فيهما اختلفوا فيه. ولئلا يكون للناس على الله حجة بعد 
الرسل239 . 


(519) مقصد شيخ الإسلام ني هذه القاعدة أنه لا يجوز حمل اللفظ الظاهر المشهور في معناه إلى معنى 
خفي أو نادر لأن ذلك الحمل يكون تلبيساً يناقض الكشف والبيان. 


71١5 


ثم هذا (الرسول) الأمي العربي بعث بأفصح اللغات وأبين الألسنة 
والعبارات» ثم الأمة الذين أخذوا عنه وكانوا أعمق الناس علاء وأنصحهم 
للأمة وأبينهم للسنة. فلا يجوز أن يتكلم هو وهؤلاء بكلام يريدون به خلاف 
ظاهره إلا وقد نصب دليلا يمنع من حمله على ظاهره. إِمَا أن يكون عقليا 
ظاهرا مثل قوله: 9وَأوتيْتْ من كل شيء 4( '"” فان كل أحد يعلم بعقله 
أن المراد أوتيت من جنس ما يؤتاه مثلها وكذلك طخَلِقُ كل شيع 74" 
يعلم الستمع أن الخالق لا يدخل في هذا العموم. 

أو سمعيا ظاهرا مثل الدلالات في الكتاب والسنة التي تصرف بعض 
الظواهر 

ولا يجوز أن يحيلهم على دليل خفي لا يستنبطه إلا أفراد الناس» سواء 
كان سمعيا أو عقلياء لأنه إذا تكلم بالكلام الذي يفهم منه معنى. وأعاده 
مرات كثيرة» وخاطب به الخلق كلهم وفيهم الذكي والبليد. والفقيه وغير 
الفقيه» وقد أوجب عليهم أن يتدبروا ذلك الخطاب ويعقلوه. ويتفكروا فيه 
ويعتقدوا موجبه. ثم أوجب أن لا يعتقدوا بهذا الخطاب شيئا من ظاهره. 
لأن هناك دليلا خفيا يستنبطه أفراد الناس يدل على أنه ١‏ يرد ظاهره.ء كان 
هذا تدليسا وتلبيساء وكان نقيض البيان وضد الحدى. وهو بالألغاز 
والأحاجي أشبه منه بالهدى والبيان. 

فكيف إذا كانت دلالة ذلك الخطاب على ظاهره أقوى بدرجات كثيرة 
من دلالة ذلك الدليل الخفي على أن الظاهر غير مراد؟ أم كيف إذا كان 
ذلك الخفى شبهة وليس ها حقيقة؟)9"©,. 

ويتضح مما تقدم أن عدم مراعاة هذه الضوابط في التأويل يجعله 
باطلا شأن كثير من تأويلات المتكلمين ‏ وقد ذكر ابن القيم أنواعا من 
التأويللات الباطلة التي فقدت ضوابط صحتها سنذكرها في الفقرة التالية: 





(70”) سورة الثمل آية 37 . 
)"971١(‏ سورة الأنعام آية 1١‏ 


- "١6 


١‏ - أنواع التأويل الباطل عند علماء السلف: 


وابن القيم الجوزية جعل أنواع التأويل الباطلة عشرة أنواع هي : 

١‏ ملم يحتمله اللفظ بوضعه الأول مثل تأويل الرجل في قوله كله (حتى 
يضع رب العزة فيها رجله)97"”© بأن الرجل جماعة من الناس فهذا 
التأويل ليس له سند من اللغة). 

؟" ‏ مام يحتمله اللفظ ببنيته الخاصة من تثنية أو جمع وإن احتمله مفردا 
مثل تأويل اليدين في قوله تعالى طلا خَلَقَتُ بيَدَيّ 294 بالقدرة. 

وك مالم يحتمله اللفظ بسبب السياق والتركيب وإن- احتمله ف غير ذلك 
مثل تأويل, إتيان الرب في قوله تعالى «هَلُ يَنظرُونَ ا أن تيَهُمُ 
لْلَبْكةُ 0 َأ رَبك أو يَأ بَعْض ءَايّنت رَيكَ”"" بأن إتيان الرب 


إتيان بعضص آياته وهي أمره. فالسياق يمنع هذا التأويل لا فيه من تنويع 
وترديدك وتفسيم . 
4 - مالم يؤلف استعاله في لغة المخاطب وإن ألفَ استعاله اصطلاحا مثل 
تأويل الأفول في قوله تعالى ظفل 604 بالحركة إذ لا يعرف في 
لغة العرب أن الأفول هو الحركة. 
ماألف استعاله في غير ذلك المعنى لكن في غير التركيب الذي ورد 
عليه النص مثل تأويل اليدين بالنعمة في قوله تعالى طمَامَنَعَك أن 


(50") روى البخاري في صحيحه في كتاب التفسير حديثا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال 
النبي كه : «تحاجت الجحئة والثار فقالت الثار أوثرت بالمتكرين والمتجبرين , وقالت الحئة: مالي 
لا يدخلي إلا ضعفاء اء الناس وسقطهم » قال الله تبارك وتعالى للحنة : أنت رحمي أرحم بك 
من أشاء من عبادي. وقال للنار: إنما أنت عذاب أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدة 
منها ملؤها فأما النار فلا تمتلىء حتى يضع رجله فتقول قط قط فهنالك تمتلىء ويزوي بعضها 
إلى بعض ولا يظلم الله عز وجل من خلقه أحدا. وأما الجئة فان الله عز وجل ينشىء ها 
خلقاء». فتح الباري ج م7 ص 0ه ح ١٠486غ:‏ وروى مسلم في صحيحه حديثا عن أبي هريرة 
وفيه (حتى يضع الله تبارك وتعالى رجله) كتاب الحنة وصفة نعيمها وأهلها. صحيح مسلم ج 4 
ص 0م18١‏ ؟ . 

(15؟*) سورة ص أية 8. 

(76) سورة الأنعام آية .١648‏ 

(55*) سورة الأنعام آية 5ا. 


- "١5 


َسْجدَ لا حَلَقْتٌ بِيّديّ 974" فاليد تأي بمعنى النعمة ولكن في غير 
هذا التركيب. 70 

5 اللفظ الذي اطرد استعاله في معنى هو ظاهر فيه ولم يعهد استعاله 
في المعنى المؤول. أو عهد استعاله فيه نادرا. فحمله على خلاف المعهود 
من استعماله باطل. فإنه يكون تلبيسا يناقض البيان والهداية. بل إذا 
أرادوا استعمال مثل هذا في غير معناه المعهود حفوا به من القرائن ما 
يبين للسامع مرادهم به لثلا يسبق فهمه إلى معناه المألوف. 

- كل تأويل يعود على أصل النص بالإبطال كتأويل قوله كه «أيما امرأة 
نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل)2"” , 

فحمله على الأمة يرجع على أصل النص بالإبطال وهو قوله: (فإن 
دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها)9"” ومهر الأمة انم) هو 
للسيد . 

8- تأويل اللفظ الذي له ظاهر لايفهم منه عند إطلاقه سواه بالمعنى الخفي 
الذي لايطلع عليه إلا فرادى من أهل النظرء كتأويل لفظ الأحد 
بالذات المجردة عن الصفات. فالذات المجردة عن الصفات لو أمكن 
ثوبتها في الخارج. لما أمكن إثباتها إلا بعد مقدمات صعبة جدا فكيف 
ووجودها محال 5 الخارج . 

فيستحيل وضع اللفظ المشهور عند كل أحد ذا المعنى الذي هو 
في غاية الخفاء. 

4 التأويل الذي يوجب تعطيل المعنى الذي هو غاية العلو والشرف, إلى 
معنى أقل منه بمراتب مثل تأويل الفوقية في قوله تعالى طوَهُوَ الْقَاهرٌ 
َوْقَ عبّادهو2"74 بأنها فوقية الشرف. 


700”) سورة ص آية 1/6 

(74") رواه الترمذي في سلله ح لل جَ ؟ ص وقال حديث حسن. 
(59”) رواه الترمذي في ستله ح ١٠١‏ جح #" ص .5١8‏ 

(0”) سورة الأنعام آي .١8‏ 


”١10/-‏ ل 


-٠‏ تأويل اللفظ بمعنى لم يدل عليه دليل من السياق ولا قرينة تقتضيه. 
فإن هذا لايقصده المبين المادي بكلامه0"©. 


١‏ - إبطال القول بالتفويض: 

رأينا سابقا أن إمام الحرمين انتهى أمره في (النظامية) إلى منع تأويل 
الصفات الخبرية - أي منع صرفها عن ظاهرها إلى ممنى عتل مرجوح ٠‏ 
حيث يعتبر التأويل بدعة لم يفعله السلف. مع أنه يرى أ نه يمتنع على أهل 
الحق اعتقاد فحواها ومن ثم يرى أنه يجب التفويض إلى الله في إدراك معاني 
ما تتضمنه هذه الآيات من الصفات, زاعما أن السلف كانوا يفوضون تلك 
المعاني إلى الرب. وأنهم درجوا على ترك التعرض لها تفسيرا وبيانا. 

وقد استدل على ترك التأويل مع الذهاب إلى التفويض - كا رأينا - بإجماع 
السلف على ذلك. وبم| يدل عليه اعتبار إمام القراء الوقف ‏ عند قوله تعالى 
فزوما يعم وي ِ ه774 . 0 ثم الابتداء واه تعال 
مع تفويضص المعنى ‏ إلى الله . 

كبا استدل على ذلك بقول الإمام مالك عندما سئل عن قوله تبارك وتعالى 
«ِآلرَّحمنُ عَلَّ العَرّش أسْتَوَى74” فقال: الاستواء معلوم والكيفية مجهولة 
والسؤال عله بدعة) 79 , 

أما ما يذهب اليه إمام الحرمين من أنه يمتنع إدراك فحوى هذه الآيات 
فل) يظنه ‏ خطأ من أن فحواها هو معانيها التشبيهية» والواقع أن فحواها 
إنا هو إثبات تلك الصفات على نحو ما يليق بذات الله تعالى ولاشيء 
في إدراك فحواها على هذا النحو. 

وما يسنده إلى الصحابة من أنهم لا يدركون معاني هذه الصفات». 


(1*) مختصر_الصواعق. _ ص ١7 ١١‏ بتصرف. 
(5”) سورة آل عمران آية . 

(م0”") سورة طه آية 8. 

(4 0# انظر النظامية ص 7م 4م 


-5148- 


ويفوضون معرفتها إلى الله فغير صحيح. فقد كانوا يدركون معانيها على ما 
يليق بذات الله وصفاته. ولم يكونوا يفوضون إلا في معرفة حقيقتها وكيفيتها 
على نحو مايدل عليه كلام الإمام مالك. 

ذلك أن التفويض في إدراك معاني ايات القران ولا سيما فيا يجب اعتقاده 
من صفات الله هو في حقيقته تجهيل لحم وأنهم لم يكونوا يفهمون القران 
ولا يثبتون عقيدتهم على الوجه الصحيح . 

وفيه أيضا أن القرآن لم يكن ميسرا للذكر والفهم في قضايا العقيدة ِ 

وأما ما يحتج به من الوقف على قوله تعالى «إوَمًا يَعْلَمْ تأويلهُ إلا 
آله 77004 , 

فالمراد بالتأويل في هذه الآية ‏ كما يرى شيخ الإسلام - الحقيقة» وحقيقة 
الصفات هي كنبهها الذي لا يعلمه غير الله. 

ولقد بين شيخ الإسلام أن مقتضى كلام مالك رضي الله عنه لا ينصر 
دعوى من قال بالتفويض 5 إدراك معنى الأيات. فالاستواء معلوم وإنا 
المجهول هو الحقيقة وهو الكيفف. 

وقد استدل شيخ الإسلام على أن السلف لم يكونوا مفوضين. بل كانوا 
يعلمون معاني الآيات ويعتقدونها. 

بقول مجاهد إنه عرض المصحف على ابن عباس يقفه عند كل أية يسأله 
عنها. 
وقول الحسن البصري ما أنزل الله اية إلا وهو يحب أن يعلم ما أراد بها. 

وقول ابن مسعود إنه ما من أية في كتاب الله إلا هو يعلم فيا أنزلت. 

فهذه الأقوال تبطل قول المفوضة وتدل على أن السلف كانوا يعلمون تأويل 
أيات الصفات أي تفسيرها. 

يقول شيخ الإسلام: (وأما تأويل ما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم 
الآخر فهو نفس الحقيقة التى أخير عنما وذلك في حق الله: هو كنه ذاته 
وصفاته التي لا يعلمها غيرهء وهذا قال مالك وربيعة وغيرهما: «الاستواء 


(ه**) سورة آل عمران آية /. 


-5819- 


معلوم والكيف مجهول». وكذلك قال ابن الماجشون وأحمد بن حنبل وغيرهما 
من السلف يقولون: إنا لا نعلم كيفية ما أخبر الله به عن نفسه وإن علمنا 
تفسيره ومعناه . 

ولهذا رد الإمام أحمد بن حنبل على الجهمية والزنادقة فيما طعنوا فيه من 
متشابه القران وتأولوه على غير تأويله» فرد على من حمله على غير ما أريد 
به وفسر هو جميع الآيات المتشاءهة وبين المراد بها. 

وكذلك الصحابة والتابعون فسروا جميع القران وكانوا يقولون إن العلماء 
يعلمون تفسيره وما أريد به وإن لم يعلموا كيفية ما أخبر الله به عن نفسه 
وكذلك لا يعلمون كيفية الغيب. 

فإن ما أعده الله لأوليائه من النعيم لاعين رأته ولا أذن سمعته ولا خطر 
على قلب بشرء. فذاك الذي أخبر به لا يعلمه إلا الله.» فمن قال من السلف 
إن تأويل المتشابه لا يعلمه إلا الله بهذا المعنى فهذا حق. 

وأما من قال إن التأويل الذي هو تفسيره. وبيان المراد به لا يعلمه إلا 
الله فهذا ينازعه فيه عامة الصحابة والتابعين الذين فسروا القرآان كله وقالوا 
إنهم يعلمون معناه. 

كا قال مجاهد: «عرضت المصحف على ابن عباس من فاتحته إلى خاتمته, 
أقفه عند كل آية وأسأله عنها»). وقال ابن مسعود: «مافي كتاب الله آية 
إلا وأنا أعلم فيما نزلت». وقال الحسن البصري: ما أنزل الله آية إلا وهو 
يحب أن يعلم ما أراد بها. ولهذا كانوا يجعلون القران يحيط بكل ما يطلب 
من علم الدين كما قال مسروق: «وما تسأل أصحاب محمد عن شيء إلا 
وعلمه في القران ولكن علمنا قصر عنه)2*©. 

ثم إن القول بالتفويض يتعارض مع ما أمرنا الله به من تدبر القران 
وفهمه . 

بل إن القول بالتفويض يتضمن أن من النصوص القرانية ما ظاهره باطل 
وكفرء وهذا يتعارض مع القول بأن القران كتاب هداية وبيان وأن الله أنزله 


(8"5") درء التعارخ اج ١‏ ص 5١90‏ -84١5؟.‏ 


-5006"”ل 


ليخرجنا من الظلمات إلى النوره مع أن هذا هو معتقد كل مؤمن ومسلم 


اللي لا جدال فيه. 
يقول شيخ الإسلام: (أما 076 فإنه من ن المعلوم أن الله تعالى أمر: 


أن نتدبر القآن) وحضنا على عقله وفهمه فكيف يجوز مع ذلك أن 3 
منا الإعراض عن فهمه ومعرفته. 

وأيضا فالخطاب الذي أريد به هدانا والبيان لنا وإخراجنا من الظلمات 
إلى النورء إذا كان ماذكر فيه من النصوص ظاهره باطل وكفرء ولم يرد منا 
أن نعرف لا ظاهره ولا باطنه أو أريد منا أن نعرف باطنه من غير بيان 
في الخطاب لذلك فعلى التقديرين لم نخاطب با يبين فيه قول الحق ولا 
عرفنا أن مدلول هذا الخطاب باطل وكفر) © , 

ويقول شيخ 6 (ومعلوم أن هذا قدح في في القرا والأنبيياء» إذ كان 
الله أنزل القرآن وأخير أنه جعله هدى وبيانا للناس وأمر الرسول أن يبلغ 
البلاغ المبين. وأن يبين انين ماتزل إليهم. وأمر بتدبر القران وعقله. ومع 
هذا فأشرف مافيه ‏ وهو ما أ خير الرب به عن صفاته أو عن كزنه يخالتا 
لكل شيء. وهو بكل شيء عليم. أو كونه أمراً ونبياء ووعداً وتوعداً. أو 
عما أخبر به عن اليوم الآخر لا يعلم أحد معناه فلا يعقل ولا يتدبرء ولا 
يكون الرسول يبين للناس ما نزل إليهم ولا بلغ البلاغ المبين)©. 





(فضفة درء التعارض» جح ١‏ ص 0 
(8*”؟) درعء التعارض ج ١‏ ص 5١86©‏ 


”؟1١-‎ 








الفصل الخامس 


الاستدلال بالمفهوم 
١‏ - تعريفه: 


إن إفادة اللفظ لمعنى من المعاني تكون كا قلنا سابقاء تارة بمنطوقه وتارة 
بمفهومه فقوله تعالى قَلا تقل ] أفّ04” يدل بمنطوقه على منع التأفيف 
ويدل بمفهومه على منع الضرب والتعنيف وهذا المفهوم أتى من حيث أشعر 
الأدنى وهو النبى عن التأفيف بالأعلى وهو النبى عن الضرب والتعنيف. 

وكذلك قرله تعالى ظقَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَةٍ حيرا يرَه474© دل بمنطوقه 
على أن الإنسان سيجازى على مثقال الذرة من الخير ودل بمفهومه على أنه 
سيجازى على ماهو أكبر من ذلك من باب أولى. 

يقول إمام الحرمين: (ما يستفاد من اللفظ نوعان: أحدهما متلقى من 
المنطوق به المصرح بذكره. والثاني ‏ ما يستفاد من اللفظ. وهو مسكوت عنه. 
لا ذكر له على قضية التصريح.... وأما ماليس منطوقا به.» ولكن المنطوق 
به مشعر بهء فهو الذي سمه الأصوليون المفهوم. والشافعي قائل به)2؛©. 
" - أقسامه: 

وينقسم المفهوم إلى قسمين: 
أحدهها مفهوم الموافقة» والثاني مفهوم المخالفة. 

وما تقدم من دلالة الغبي عن التأفيف على الغبي عن الضرب والتعنيف 
(ؤ#م) سورة الإسراء _آية "3 . 


(50*) سورة الزلزلة آية 4. 
(١1؛)‏ البرهان ج 21١‏ ص 444. 


ل 








وكذلك دلالة الجزاء على ذرة الخيرء» على الجزاء على الخير الكبير كلاههما مثال 
لمفهوم الموافقة ويسمى هذا المفهوم أيضا مفهوم الخطاب ولحن الخطاب 

يقول إمام الحرمين: (المفهوم قسان: مفهوم موافقة ومفهوم مخالفة. أما 
مفهوم الموافقة, فهو ما يدل على أن الحكم في المسكوت عنه موافق للحكم 
في المنطوق به من جهة الأولى» وهذا كتنصيص الرب تعالى في سياق الأمر 
بير الوالدين على النبي عن التأفيف, فإنه مشعر بالزجر عن سائر جهات 
التعنيف)2719) , 

وقد عرف إمام الحرمين مفهوم الموافقة في الكافية قائلا (وهو ما يفهم من 
الخطاب لا بصرحه)219 , 

أما مفهوم المخالفة ويسمى دليل المخطاب فقد عرفه إمام ال حرمين قائلا : 
(هو ما يدل من جهة كونه محصصا بالذكر. . . على أن المسكوت عنه مالف 
للمخصص بالذكر. كقوله عليه السلام (في سائمة الغنم الزكاة)49"© هذا 
التخصيص يشعر بأن المعلوفة لا زكاة فيها)**». وقد عرفه في الكافية قائلا: 
(وهو ما فهم من تخصيص مطلق اللفظ بوصف أو عدد أو قرينة وهو يقرب 
من المقيد)2؛” , 


)١(‏ ما خصص فيه مطلق اللفظ بصفة معينة كقوله كَللِِ (في الغنم السائمة 
زكاة)9؟” فيدل ذلك على أن غير السائمة لا زكاة فيهاء من باب مفهوم 
المخالفة . 





#45 البرهان ج ١اء‏ ص 444. 

(45*) الكافية في الجدل ص ١ه.‏ 

(44”*) روى الإمام مالك في الموطأ حديثا طويلا فيه (وني سائمة الغنم إذا بلغت أربعين إلى عشرين 
ومائة شاة) جْ أ ص5608؟. 
ورواه أبوداود. في سئته ج *. ص 44 وذكر الألباني حديثا ني ارواء الغليل (في الغنم سائمتها 
اذا كانت أربعين ففيها شاة) قال حديث صحيح.ء إرواء الغليل ج 7 ص 554. 

(5:”) البرهان ج 231١‏ ص 444. 

(45”") الكافية في الجدل ص .6١‏ 

40”") سبق تخريجه ‏ انظر الحاشية 744. 


- 75955 - 


(؟) ما خصص فيه مطلق اللفظ بعدد معين كقوله تعالى طفَآجِلَدُوهُم 
نَمَِنِينَ جَلْدَة94*” فيدل ذلك على أن القاذف لا يجلد أقل ولا أكثر 
من هذا العدد. 

(9) ما خصص فيه مطلق اللفظ بالحد. 

(4) ما خصص فيد مطلق اللفظة بمكان متخصوص أو زبان مين كثرة 
تعالى : «الحج اشهرٌ مُعْلومت»0؟" وقوله تعالى: «إوانتم عمكفون فى 
ألمجد»7*. 

(ه) ما خصص باللقب مثل (جاء زيد). 

والأربعة الأول قال بها الشافعي. وأيده الجويني قائلا: (وما ذكره الشافعي 
من حصر القول بالمفهوم في الجهات التى عدها من التخصيصات حق متقبل 

عند الجاهر)2010 , 

ولكن الجويني رأى أنه يمكن اختصار التخصيصات الأربعة والتعبير عن 
جميعها بالصفة فقال: (ولكن لو عبر معبر عن جميعها بالصفة لكان ذلك 
منقدحاء فإن المعدود والمحدود موصوفان بِعَدّهما وحدهماء والمخصوص بالكون 
في مكان وزمان موصوف بالاستقرار فيهاء . . . فالصفة تجمع جميع الجهات 

التي ذكرهاء ومن ينكر المفهوم فإنه يأبى القول به في جميع هذه الوجوه)7”" . 

وأما التخصيص باللقب فقد رفضه الشافعى. إذ نقل ذلك عنه الجوينى 
قائلا (ونص رضى الله عنه على أن تخصيص المسميات بألقاها لا يتضمن 
نفي ماعداها)0*© ولكنٌّ أبوبكر الدقاق ذهب إلى أن التخصيص بالألقاب 
ظاهر في نفي ماعدا المنصوص عليه وتابعه على ذلك طوائف من أئمة 
المذهب الأشعري. يقول الجويني: (وقد صار إلى ذلك طوائف من 


(44*) سورة النور آية 4. 
(49”") سورة البقرة آية .1١91/‏ 
(.ه*) سورة البقرة آية /141. 
ره" البرهان ج .١‏ ص 404. 
.(50ه”) البرهان ج ١‏ ص «4067. 
[فردارة برهان جّ ا ص 169. 


ا 


أصحابنا) 59" , 

وينقسم المفهوم سواء أكان مفهوم موافقة أم مخالفة إلى مقطوع به وهو 
(النص)» وإلى مظنون وهو (الظاهر). شأنه في ذلك شأن المنطوق في انقسامه 
هو الآخر إلى (نص) وإلى (ظاهر). والغالب على مفهوم الموافقة أن يقع 
نصاء والغالب على مفهوم المخالفة أن يقع ظاهراء وأن ينحط عن رتبة 
النصوص. يقول الجويني (فقد ذكرنا أن المفهوم ينقسم إلى ما يقع نصا غير 
قابل للتأويل. ويغلب ذلك في مفهوم الموافقة» وإذا ذاك يسمى عند أرباب 
الأصول الفحوى”*»., والغالب على مفهوم المخالفة الظهور, والانحطاط عن 
رتبة النصوص)””". 

ومثال مفهوم الموافقة الواقع نصا قوله تعالى: «قلاً تقل لمآ أف04. 
فهذه الآية مفهومها (نص) في منع الضرب والتعنيف وليس (ظاهرً) فيه . 
ومثال ما يقع ظاهرا قوله تعالى: ومن قَتَلَ مُوْمِنًا خطنًا فتحرير رَقَبَة 
مُوَمنة ه0500 قال الشافعي (تقيد القتل بالخطأ في إيجاب الكفارة يدل على 
أن إيجابها في قتل العمد أوى) ثم قال الجويني معلقا على كلام الشافعي 
السابق (وهذا الذي ذكره ظاهر غير مقطوع به إذ يتطرق إليه إمكان آاخر 
سوى ما ذكره الشافعي من إشعار الأدنى بالأعلى)9”". 
* - موقف إمام الحرمين من نفاة القول بالمفهوم : 

وقد صحح إمام الحرمين دلالة المفهوم في إثبات الحقائق الدينية» سواء 
كانت عملية أو عقدية» وقبل أن نتناول بالعرض والدراسة الأسس التي يقوم 
عليها إعال إمام الحرمين للمفهوم. نحب أن نذكر رأيه في موقف نفاة 


4ه" برهان ج ١‏ ص 146054. 

(6ه”) كان مخص الفحوى بنوع من مفهوم الموافقة وهو ماكان نصا مع أن تعريفه في الكافية يعم كل 
مفهوم موافقة . 

(65”) برهان جِ لمك ص “ا فقره 8/ا". 

(07*) سورة الإسراء اية 38 . 

.917 سورة النساء آية‎ )١68( 

(9ه*) البرهان ج .١‏ ص 10# فقره 04". 


-5؟”- 


المفهوم . وأنهم لا ينفون جميع صور المفهوم. وإن) ينفون بعضها دون البعض 
الآخر. 

فقد ذكر إمام الحرمين أن ممن أنكر المفهوم أبا حنيفة وجمعاً من الأصوليين 
لم يسمهم7”'” وكذلك لاني أبوبكر الباقلاني2"©. 

لكن إمام الحرمين يرى أن من أنكر المفهوم لا ينكر مفهوم الموافقة. فهم 
/ كرا ما يدل عله قله تال (ق ل يا أ عل مع اضرب 
والتعنيف من باب أولى باعتباره مفهوم موافقة. يقول: (ثم من أنكر المفهوم 
يجحد ما يسمى الفحوى وهو مفهوم الموافقة) في مثل قوله تعالى: «إقلا 
تقل كْيآ أقٌ»4 من حيث أشعر الأذنى بالأعلى . ومنهم من قال وهم أهل 
التحقيق كما يقول إمام الحرمين (ليس ثبوتها من جهة إشعار الأدنى بالأعلى. 
ولكن مساق قوله تعالى: وَبِآلْوِْدَيْنَ إِحْسَسنًا54 إلى تتم الآية.» مشتمل 
على قرائن في الأمر بالتناهي في البرء يدل مجموعها على تحريم ضروب 
التعنيف. وليس يتلقى ذلك من محض التنصيص على النبي عن التأفيف, 
إذ لا يمتنع في العرف أن يؤمر بقتل شخص وينهى عن التغليظ عليه بالقول 
والمواجهة بالقبيح)9"". ثم أهل التحقيق لا يثبتون من مفهوم الموافقة 
(الفحوى) إلا ماكان قطعيا بسبب ما يحف به من القرائن الكثيرة. أما ما 
لم يكن كذلك بأن كان ظنيا فلا يقبل عندهم. يقول إمام الحرمين: (وضابط 
مذهب هؤلاء أن المقطوع به يستند إلى قرائن مجتمعة. ولا سبيل إلى نفي 
القطع ‏ وما يتطرق إليه الظنون.» فهو من المفهوم المردود عندهم. وإث كان 
مقتضيا للموافقة عند القائلين انهو 

وكذلك يرى إمام الحرمين أن من أنكر المفهوم لم ينكر اقتضاء الشرط 


(950) انظر البرهان ج .١‏ ص .468١0‏ 
(955) انظر البرهان ج ١اء‏ ص .40١‏ 
(55*) سورة الإسراء آية 137 . 

5م27 برهان ج .١‏ ص 1405. 
[قلضة برهان ج ١‏ ص 405. 


38:57 - 


تخصيص الجزاء بهء فإذا قلت: من جاعني أكرمته» فهم من هذا الكلام 
تخصيص الإكرام بمن حقق الشرط وهو المجيء. فلا يشمل الإكرام من جاء 
ومن لم يأت. فالذين ينكرون المفهوم لا ينكرون هذا وإن كانت هناك قلة 
غالية على حد تعبير إمام الحرمين يمنعون اقتضاء الشرط تخصيص الجحزاء 
به» يقول إمام الحرمين: (ربما تردد فيه من رد المفهوم ‏ الشرط وأبوابه. 
فذهب الأكثرون إلى الاعتراف باقتضاء الشرط تخصيص الجزاء بهء وغلا 
غالون بطرد مذهبهم 5 رد اقتضاء الشرط تخصيص الجحزاء به.» وهذا سرف 
عظيم)209. 
4 - الأسس التي يقوم عليها إعمال إمام الحرمين للمفهوم: 

أما أخذ إمام الحرمين بالمفهوم فقدسبق فيه بشيخه الأشعري. - خلافا 
لمن نقل عنه القول بنفي المفهوم - فقد ذكر عنه إمام الحرمين استخدامه 
للمفهوم ني إثبات الرؤية لله تعالى. 

يقول إمام الحرمين (وقد نقل النقلة عنه «أي عن أبي الحسن الأشعري» 
رد الصيغة والمفهوم. وني كلامه ما يدل على القول باللفهوم , فإنه تعلق في 
مسألة الرؤية بقوله تعالى سبحانه: كلا إنم عن ريم يَومَئِلٍ 
الْحجويُون 030 وقال: لما ذكر الحجاب في إذلال الأشقياء. أشعر ذلك 
بنقيضه في السعداء)”2 كما سبق فيه الشافعي. فعمل الشافعي بالمفهوم لا 
يخفى. فقد حكى إمام الحرمين في البرهان حصر الشافعي لأنواع مفهوم 
المخالفة )| سبق ذكره9”” كما ساق أدلته على القول بالمفهوه*7©. 
. وقد جاء إمام الحرمين كما ذكرنا سابقا متابعا لشيخه الأشعري في إعمال 
المفهوم.ء وكذلك متابعا لشيخه الشافعي. ويقوم أخذ إمام الحرمين بالمفهوم 


(50") البرهان ج .١‏ ص 405. 
(55”*) سورة المطففين آية .١6‏ 

590 البرهان ج .١‏ ص 4680. 
(54”) انظر البرهان ج .١‏ ص «407. 
(59”) انظر البرهان ج 2١‏ ص ؟45. 


-7558- 


على أساس أن ذلك مقتضى اللغة ومقتضى العقل معا. ويظهر اقتضاء اللغة 
والعقل لإعمال المفهوم في إثبات الحقائق الدينية في صور متعددة يعتمد عليها 


أولا : اقتضاء الشرط تخصيص الجزاء به. ويعنى بذلك أن ترتب الجزاء على 
شرط معين واختصاصه بهذا الشرط يدل بالمفهوم على تخلف الجزاء عند تخلّف 
الشرط ضرورة بحكم اللغة. وني ذلك يقول: (فمن الصور التي يجب 
الاعتناء بها الشرط والجزاءء فإن سلم اقتضاء الشرط تخصيص الجزاء به 
تعدينا هذه المرتبة» وإن استقر على النزاعء اكتفينا معه بنسبته إلى الجهل 
باللسان. أو إلى المراغمة والعناد. فنحن نعلم من مذهب العرب قاطبة 
أما وضعت باب الشرط لتخصيص الجحزاء بهء فإذا قال قائل: من أكرمني 
أكرمته» فقد أشعر باختصاص إكرامه بمن يكرمه. ومن جوز أن يكون وضع 
هذا الكلام على أن يكرمه ويكرم غيره أيضاء فقد نأى وبعد. فآل الكلام 
معه الى التسفيه والجهل. والإحالة على تعلم مذاهب العرب ولسنها 
وحوارها)(""2) , 

ومع أن إمام الحرمين قد اعتمد على اللغة في إثبات المفهوم من تخصيص 
اللفظ المطلق بوصف أو عدد.. الخ فإننا نجده يحاول إضعاف استدلال 
المثبتين للمفهوم. عندما احتجوا بالحديث المروي عن يعلى بن أمية من (أنه 
قال لعمر بن الخطاب ما بالنا نقصر وقد أمنًا؟ وأشار إلى قوله تعالى : فَلَيْسَ 
َليكُمْ جاح أن تَقصرُوا من آلصّلَرة إن لم04" فقال لقد تعجبت ما 
تعجبت منهء فسألت رسول الله كل عن ذلك فقال: «صدقة تصدق الله 
مها عليكم فاقبلوا صدقته)2775 , 


(00) البرهان ج ١ع‏ ص 456. 

(1لا*) سورة النساء آية .١١١‏ 

(9لا) روى مسلم ني صحيحه عن يعلى بن أمية قال: قلت لعمر بن الخطاب: (فليس عليكم جناح 
أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) فقد أمن الئاس فقال: عجبت مما 
عجبت منه فسألت رسول الله يكل عن ذلك فقال: (صدقة تصدق الله بها عليكم فأقبلوا 
صدقته) . صحيح مسلم بشرح النووي.» جه ص195١.‏ 


"54 


فالذين استدلوا بهذا الحديث يرون أن يعلى بن أمية وعمر بن الخطاب 
قد عملا بمفهوم. هذه الآية» وهو عدم جواز القصر في حالة عدم الخوف. 
لأن منطوقها تجويز القصر في حالة الخوف ففهموا عدم جواز القصر في غير 
تلك الحالة. 

لكن الجويني لا يعتبر تساؤل يعلى بن أمية وعمر بن الخطاب من قبيل 
القول بالمفهوم. إذ يقول: (فنقول: على هذا الحديث. قد كان ثبت وجوب 
الصلاة أربعا في غير حالة الخوف واستقر الشرع عليه وورد القصر خصوصاً 
بحالة الخوف. فاعتقدوا وجوب الإتمام في غير حالة الخوف عل ما تمهد 
الشرع عليه فلم يكن ذلك قولا بالمفهوم. والذي يحقق ذلك أنه لو فرض 
مع ما تقدم تخصيص بلقبء. لكان ماعدا المخصوص مقرا على ما استمر 
الشرع عليه قبل ذلك. وإن لم يكن للألقاب مفهوم على أن الآية اقتضت 
التخصيص على صيغة الشرط: فإنه تعالى قال: «إن حَفْتمُ» وقد قال 

بتخصيص الشرط معظم من أنكر المفهوم)9"". 

ولنا على ماقاله إمام الحرمين بعض الملحوظات: 
أولا : إنه ليس صحيحا ما يقوله إمام الحرمين من أن الأصل في فرضية 
الصلاة في الحضر أربعا بل مقتضى حديث عائشة رضي الله عنها؟””" أن 
الصلاة فرضت مثنى مثنى. فأقرت في السفر وزيدت في الحضرء ولا يعقل 
أن يغيب ذلك عن عمر بن الخطاب ويعلى بن أمية حتى ينسب اليهما إمام 
الحرمين أنمها أرادا إعمال وجوب الإتمام في غير حالة الخوف جريا على 
الأصل . 
ثانيا : إنهها لو أرادا هذا المعنى دون إعال المفهوم في قوله تعالى إن 
خفتم» لا كان هنالك معنى لاحتجاجهم بالآية المذكورة. فاحتجاجهم بها 
-على نحو ما عرضها إمام الحرمين ‏ على الإتمام في غير حالة الخوف. دليل 
/ا”) البرهان. ج ١ء‏ ص 408. 


(7/4) عن عائشة رضي الله عنها قالت: (الصلاة أول ما فرضت ركعتين فأقرت صلاة السفر وأتقت 
صلاة ال حضر) . فتح الباري شرح صحبح البخاري. ج37 ص 59ه: 


عن 5 


على أنهم أعملوا المفهوم من اشتراط حالة الخوف في قصر الصلاة ومن ثم 
إتقامها في حالة الأمن. 
ثالثا : إن إمام الحرمين يسند إلى من أنكر المفهوم إعماله التخصيص 0 
وكأن هنالك منافاة بين إعمال تخصيص الشرط وإعمال المفهوم. والواقع 
لا خلاف إلا في التسمية, فإذا أعملنا تخصيص الشرط ورتبنا الجزاء 0" 
شرط مخصوص كقصر الصلاة بشرط الخوف كان مفهوم ذلك عدم قصر 
الصلاة 5 حالة الأمن. 
رابعا : نجد إمام الحرمين بعد اعتباره أن ما دار بين عمر بن الخطاب ويعلى 
ابن أمية ليبس من تيل إعمال المفهوم. نجده بعد ذلك وعند مناقشته للإمام 
الشافعي في مسألة أثر العرف في العمل بالمفهوم. قد اعتير أن مادار بينها 
من قبيل المفهوم. إذ يقول: (والني عتق ذلك أن لا قا يمل بن أن 
لعمر بن الخطاب رضي الله عثم! في قوله تعالى : «أن نَقْص وا منّ آلصَلوة 
إِنْ خَفم 6 أنقصر وقد أمنًا؟ قال عمر: تعجبت مما تعجبت نه ول بكر 
عليه اعتقاد المفهوم من طريق اللسان....» فلست أرى المفهوم في هذا 
الفن متروكا من غير فرض دليل)2"”© وفي هذا تناقض واضح 5 موقف إمام 
الحرمين من دليل امثبتين. كذلك أبطل إمام الحرمين دليل المثبتين للمفهوم, 
عندما استدلوا بقوله تعالى مخاطبا لنبيه : «استغفز م أو لا تَشتَغفز كم إن 
تستغفرٌ لكُمْ سَبْعِين مر فلن َعْفرَ آلله 0 فلقد جاء 5 الحديث 
الصحيح أن النبي كك قال: (وسأزيد على السبعين). 

فظاهر الآية تخيير النبي كَلْهِ بين الاستغفار وعدمه. ومنطوقها أنه إن 
استغفر سبعين مرة فلن يغفر الله لهم. وسكت عن مازاد عن السبعين. 
فعمل النبي كَلِةِ بمفهومهاء إذ قال كَكلِهِ (إن) خيرني الله فقال: استغفر لهم 
أو لا تستغفر لحم إن تستغفر لحم سبعين مرة وسأزيد على السبعين) 079 


(ه/ا) البرهان ج اء ا ص 21978. 
(5/ا") سورة التوبة آية .8٠١‏ 
(7307) فتح الباري ج 4 ص 70#0. 


"١ 


ولقد ناقشهم إمام الحرمين في احتجاجهم بهذا الحديث على إثبات المفهوم 
على أساس عدم صحة الحديث المذكور كا يقول: (قلنا هذا لم يصححه 
أهل الحديث)2"7© مع أن الحديث المذكور أخرجه البخاري في صحيحه كا 
ذكرته انفا. 

ويقول أيضا ناقلا قول القاضي (وقد قال القاضي رضي الله عنه: من 
شدا طرفا من العربية لم يخف عليه أن قول الله تعالى (أي قوله تعالى إن 
فر نَم سبع مر (م يجر تحديدا بعدد. على تقدير أن الزائد عليه 
يخالفه. وإنما جرى ذلك مؤيسا من مغفرة المذكورين» وإن استغفر لهم ما 
يزيد على السبعين. فكيف يخفى مدرك هذا وهو مقطوع به عمن هو أفصح 
من نطق بالضاد؟)70. 

وما قاله القاضي ليس بصحيح فليس كون العدد للمبالغة مقطوعا به 
بل هو محتمل والدليل على ذلك صحة هذا الحديث الذي يدل على إعمال 
النبي كه لمفهوم الآية. 

وكذلك أبطل إمام الحرمين استدلال المثبتين للمفهوم ‏ با روى أن ابن 
عباس (كان لا يرى حجب الأم من الثلث إلى السدس باثنين من الإخوة 
والأخوات ويحتج بقوله تعالى : «فإن كان لَه إخحوة لام آلسدُِسٌُ» سورة 
النساء اية ١‏ وكان يرى أن الأمر في الاثنين بخلاف الإاخوة وقال لعثمان 
رضى الله عنه محتجا عليه: ليس الأخوان إخوة في لسان قومك). 

فلقد أجاب الحوينى قائلا: (قلنا: أولا انفراده بهذا المذهب. ومخالفته جملة 
الصحابة يعارض احتجاجه. وقد قيل: إنه لما قال لعثمان: ليس الأخوان 
إخوة في لسان قومك. قال له عثان ردا عليه: إن قومك حجبوها باثنين 
ياصبيّ ع ثم قد تمهد للأم الثلث بالنصء» ثم استبان ردها إلى السدس في 
حالة محصوصة, فرأي ابن عباس تقرير ماعدا تلك الحالة على ما تمهد مطلقا 


(008”) البرهان جَ ل ص 1408. 
زنهضة البرهان. جح ل ص 2ه؛ - 5609. 


رف و 


قبل الحجب والرد)”*". 


ونلحظ هنا على رد إمام الحرمين للاستدلال بهذه الآية على إعمال المفهوم 
ما يأق: 
ياني ٠‏ 


أولا : إن عثمان بن عفان رضي الله عنه احتج على ابن عباس بعمل 
الصحابة ولم يبطل احتجاجه بمفهوم الآية. 
ثانيا : لو فرض أن عثان رضي الله عنه قد احتج على ابن عباس با احتج 
به بناء على أن العرب يعتبرون أقل الجمع اثنان» لدل ذلك على أن عثمان 
رضي الله عنه لم يبطل احتجاج ابن عباس بلمفهوم. وإنا أبطل ما ظنه ابن 
عباس من أن أقل الجمع ثلاثة» ويكون رد عثان معناه أن الأخوين إخوة 
في لسان العرب يثبت بها الحجب كما يثبت بالإخوة. فلا مجال لإعمال المفهوم 
وليس في هذا إبطال لمفهوم الآية» وإنا يدور الخلاف حول تحقيق ما يصدق 
عليه أقل الجمع في لسان العرب. 
ثالثا : لو أن ابن عباس أراد مجرد إعمال الأصل في توريث الأم الثلث مع 
وجود الأخوين لاكتفى بمطالبة الحاجبين لما بالأخوين إلى السدس بالدليل 
على هذا الحجب المخالف للأصلء. ولم يحتج عليهم بأن الحجب إنما ورد 
بالإخوة لا بمجرد الأخوين الاثنين» أما وقد احتج بذلك فإن ذلك يدل 
على إعاله لمفهوم الإخوة المخالف لمفهوم الأخوين.» بحيث يكون الحكم 
الثابت مع وجود الإخوة وبشرطهم مخالفا للحكم الثابت مع وجود الأخوين 
لعدم تحقق شرط الجمع فيهما. 

ومحاولة إمام الحرمين إبطال أن تكون النصوص السابقة شواهد على إعمال 
المفهوم ليس معناها إبطال القول بالمفهوم. فإمام الحرمين كما قلنا سابقا من 
الذين يعملونه في إثبات الحقائق الدينية. ولكنه لا يرى من وجهة نظره 
صلاحية هذه النصوص لأن تكون أمثلة على إعماله. وقد عقبنا على كلامه 
في كل مثال با يبطل كلامه بل ويثبت تناقضه. 


80 البرهان. ج 2.١‏ ص 44094 - .15١‏ 


لا 





ثانيا: من صور اقتضاء العقل واللغة لإعمال المفهوم 3 يرى إمام الحرمين 
أن التحديد بالزمان أو المكان أو العدد يقتضي تخصيص تخصيص الحكم بهذه 
المحدودات. ويعني بذلك أن الحكم إذا حد بزمان معين ن أو مكان معين أو 
عدد معين. فإن تحديده على هذا النحو يدل على عدم خروج الحكم عن 
هذه المحدودات. بل يدل على اختلافه خارج هذه المحدودات», وإلا لما كان 
للحدود فائدة. يقول إمام الحرمين: (وبما نذكره التحديد بالزمان والمكان أو 
العدد. ونقول: مما ظهر في الكلام ظهورا لا يستجاز المراء فيه» أن الحدود 
تتضمن حصر المحدودات ولذلك تساق, وهذا الغرض تصاغء فإذا كان 
الحكم وراء المحدود كالحكم فيها يحويه الحدء فلا غرض في الحدء وظهور 
ذلك لا يجحد وهو من صور مسألة المفهوم)57" وقد خالف إمام ا حرمين 
ما قرره هنا عندما رفض مفهوم المخالفة في قوله تعالى: «إمَا مَنَعَكَ أن تَسَجدَ 
ا حَلَقَتْ بِيّدَيّ2*94 والذي احتج به السلف والأشاعرة قبل إمام الحرمين 
كدليل على إثبات صفة اليدين للباري تعالى. فمنطوق الآية أن ادم مخلوق 
باليدين» ومفهومها أن غيره لم يخلق باليدين. فتخصيص آدم دون غيره 
بالخلق باليدين هو مقتضى مفهوم المخالفة لهذه الآية» ذلك أن غير آدم لو 
كان مخلوقا باليدين لما كان هنالك وجه لتخصيصه بالأمر بالسجود له اعتبارا 
لاختصاصه بالخلق باليدين». وظاهر من الآية أن اختصاصه بالخلق باليدين 
هو علة أمر إبليس ولملائكة بالسجود له 

لكن إمام الحرمين يرفض إعمال مفهوم المخالفة لهذه الآية مدعيا أن غير 
ادم يشارك آدم ف الخلق بالقدرة على أساس رجوع الخلق إلى القدرة فقط 
وهذا9”"© فيه إبطال للنص والمفهوم . 
ثالثا : من صور اقتضاء الفعل لإعمال. المفهوم كما يرى إمام الحرمين 

أن الوصف الناسب يقتضي نفي الحكم عند انتفاء الصفة». ومثال ذلك 
(941) البرهان ج ١اء‏ ص 4155. 


[فحسية سورة ص اية نقة 
ممم أنظر الإرشافق .١6١‏ 


79 


قول النبي كله (في سائمة الغنم زكاة)9*©. فوصف النبي كك الغنم التي 
تجب فيها الزكاة بالسائمة وصف مناسب يصح أن يكون في وجوب الزكاةء 
لأن الوصف بالسوم يشعر بخفة المؤونة» وأن صاحبها لا يتكلف الإنفاق 
عليهاء بل هي ترعى من نعم الله الوافرة» الأمر الذي يجعلها أصح قوة 
وأكثر عددا مما يجعل إيجاب الزكاة على صاحبها يسيرا ومتحملا. والشرع 
يراعي ذلك. يقول إمام الحرمين: (فالسوم يشعر بخفة المؤن وورود المنافع» 
واستمرار صحة اللموائشى. .. وهذه المعاني تشير إلى سهولة احتمال مؤونة 
الإرفاق بالمحاويج » عند اجتماع أسباب الارتفاق بالمواشي. وقد انبنى الشرع 
على رعاية ذلك. من حيث خصص وجوب الزكاة بمقدار كثير» وأثبت فيه 
مهلا يتوقع في مثله حصول المرافق. فإذا لاحت المناسبة» جرى ذلك على 
صيغة التعليل)”*". والمثال الثاني قول النبي كَل «لُِ الواجد ظلم»”*”© يقول 
إمام الحرمين: (فإن الموسر المقتدر ذا الوفاء والملاء. إذا طلب با عليه لم 
يعذر بتأخير الحق المستحق. وهذا في حكم التعليل لانتسابه إلى الظلم إذا 
سَوف وماطل)7*". فهو يجعل الوصف بالواجد له مفهوم. لأن الوصف 
بالواجد مناسب للحكم بالظلم. فبهذا يتبين أن غير الواجد ليس بظالم. 
ولكن ما الدليل على أن الوصف إذا كان مناسبا للحكم كان له مفهوم؟. 
نجد الجواب في قوله : (فالقول الواضح فيهء أن ما أشعر وضع الكلام يكون 
تعليلا فهو أظهر عندي في اقتضاء التخصيص الذي من حكمه انتفاء الحكم 
عند انتفاء الصفة من الشرط والجزاءء فإن العلة إذا اقتضت حكماء 
تضمنت ارتباطه ماء وانتفاءه عند انتفائهاء وإذا قال القائل: إنما أكرم 
الرجل لاختلافه إل كان ذلك أوضح في تضمن اختصاص إكرامه بمن 
(586) سبق مخريجه - أنظر ص 804 من هذا البحث. 
(46*) البرهان. ج ج ١اص‏ 450. 
(85*) روى البخاري في صحيحه في كتاب الاستقراض عن أبي هريرة رضي الله عنه (مطل الغنى 
ظلم). وقال: (ويذكر عن النني يك : لي الواجد يحل عقوبته وعرضه). صحيح البخاري ج ", 
ص .١66‏ ولكن ذكره المنذري في الترغيب والترهيب ثم قال: (رواه ابن حبان في صحيحه 


والحاكم وقال صحيح الإسناد) ج ”2 ص 5094. و أقف على حديث 23 الواجد ظلم). 
(فنضية المرهان » ج لحك ص 5597., 


د هل 





يختلف إليه من قوله: من اختلف إل أكرمته)©. ويشترط الجويني في 
الصفة لكي يكون لما مفهوم. أن تكون مناسبة للحكم. وإذا لم تكن الصفة 
مناسبة فهي كاللقب يقول: (الحق الذي تراه أن كل صفة لا يفهم منها 
مناسبة للحكم. فالموصوف بها كاللقب ولقبه. والقول في تخصيصه بالذكر 
كالقول في تخصيص المسميات بألقابهاء فقول القائل: زيد يشبع إذا أكل» 
كقوله : الأبيض يشبع» إذ لا أثر للبياض فيا ذكر كا لا أثر لاحسمية يزيد 
فيه) . 

والتخصيص باللقب قال به الدقاق. ولذلك سفهه علاء الأصول. 
والجويني يعثير البالغة في ال عليه سرفاء مع أن الجويني لا يقول بمفهوم 
اللقب ولكن يرى أن في ذكره غرضاً يا إذ يقول (الذي نراه أن 
التخصيص باللقب يتضمن غرضا مبهاء ولا يتضمن انتفاء ماعدا 
المذكور)2**2. وقد أعطى إمام الحرمين ملخصا لما ذكره في إثبات المفهوم قائلا 
(فقد صار قوم إلى إبطال المفهوم. وهذا ذهوك عن فائدة الكلام. وصار 
قوم إلى أن لكل تخصيص مفههمما كالدقاق. وهذا الرجل ابتدر أمرا لا ينكر, 
وهو أن العاقل لا يخصص مذكورا هزلاء وليس كل الغرض موقوفا على نفي 
ماعدا المسمى. واعتبر الشافعي الصفة ولم يفصلهاء واستقر. رأي على 
تقسيمها وإلحاق ما لا يناسب منها باللقب وحصر المفهوم فيما يناسب وهذا 
منتهى الكلام)260 . 

- من استدلال إمام الحرمين بالمفهوم في إثبات العقائد: 


أوللا تمدح الباري بانفراده بالخلق وعموم قذرته : 

يرى إمام الحرمين أن قوله تعالى «ذلكم آلله َبكُمْ خللقٌ كَُُ اللهد 
وقوله تعالى #وآلله عَلّ كَُّ شيءِ قدير29 . إذا كانا يدلان بمنطوقهم) على 
رمه البرهان ج .١‏ ص 4588. 
(89*) اليرهان ج 23١‏ ص 459 - ١ال9ا4.‏ 
(90") البرهات اج ١ع‏ ص 105. 


)*91١(‏ سورة غافر اية ؟1". 
(90*) سورة آل عمران اية .1١56‏ 


لف" 





انفراد الباري تعالى بالخلق وعلى عموم قدرته فإنم| يدلان بمفهومهه| على تمدح 
الباري بذلك وأغما سيقا مساق التمدحء وإرادة التمدح بقوله تعالى # «ِذلكُم 
آلله رَبْكُمْ لآ إِلهَ إل هُوَ خَئلقُ كل ش74" تفهم من هذه الآية قطعا 
واستيقانا على حدة تعبيره, وأساس هذا القطع واليقين بهذا المفهوم للآية 
هو القرائن المحيطة بهاء والدالة على فحواهاء ويعنيى بذلك أنها جاءت في 
سياق آيات دالة على تمدح الباري بمضموبها. سواء كان هذا لضمون 
صفات كال إيجابية يوصف مها الباريء أو تنزيها له عن النقائئص التي الحقها 
به المشركون وذلك في قوله تعالى: «إِنَّ آلله فَالِقُ آلْحَبُ وَآلبْوَى)194" حتى 
انتهى السياق بالآية التي معنا وهي قوله تعالى : نلك أله ريك 19 
إَّ هو خللقٌ كَُّ شي )524” بل احتد هذا السياق إلى ما بعدها. فدل 
ذلك بموجب هذه القرينة على صحة ما رآه إمام الحرمين من أن مفهومها 
هو إرادة تمدح الباري بالخلق تمشيا مع مقتضى السياق. 

يقول إمام الحرمين (قاماٍ نصوص الكتاب فمنها قوله تعالى وِذُلكُم آلله 
بكم لا إِلَه َّ هو خدلقٌ كل : شيءِ 2194 والآية تقتضي تفرد الباري تعالى 
بخلق كل تلوق والاستدلال بها يعتضد بأنا نعلم أنَّ فحواها يتضمن 
التمدح بالاختراع والإبداع. والتفرد بخلق كل شيء. فلو كان غيره خخالقا 
مبدعا لانتفى التمدح بالخلق المحمول على الخصوص. ولساغ للعبد أ 
يتمدح بأنه خالق كل شيء». ومراده بأنه خالق لبعض المخلوقات)9*© ويقول 
أيضا: (لم نتمسك بمحض الصيغة حتى أوضحنا اقترانها بإرادة التمدحء 
وبينا أن ذلك التمدح مفهوم من مقتضى الآية على قطع. ولا يستمر حمل 
الآية على الخصوص مع ما استيقناه من التمدح. والمفهوم وإن لم يستفد من 
مجرد 'صيغ فهو متلقى من القرائن)*"". 
(5845) سورة الس آية 0537 
(96*) سورة غافر آية 517. 
(45) سورة غافر آية 61 


97" الإرشاد. صن .١98‏ 
(94") الإرشاد.» ص 199. 


لا 





وقد رأينا من قبل أن إمام الحرمين يستدل على انفراد الله تعالى بالخلق, 
ليس فقط بعموم الآية السابقة» ولكن با يفهم منها من إرادة التمدح بذلك». 
وإلا لما تم هذا التمدح المفهوم قطعا من الآية. 

ويقول إمام الحرمين في دلالة قوله تعالى: إن آله عَلَْ كل شيءٍ قدير» 
على تمدحه بعموم قدرته المفهوم من الآية السابقة ‏ يقول: (ولا معنى لذلك 
عند المعتزلة» فإن المعنى بقوله تعالى «وآلله عَلْ كل شئءٍ قَديره9"" أنه 
قادر على أفعال نفسه وليس بمقتدر على أفعال غيره. وإذا كان الأمر كذلك, 
فالعبد أيضا قادر على كل شيء على هذا التأويل, ويبطل تمدح الباري تعالى 
عند التحصيل)”'), 


ثانيا : تمدحه تعالى باقتداره على قهر القلوب بالختم والطبع : 

رأينا سابقا أن إمام الحرمين يستدل على أن الختم والطبع على القلوب 
أمران حقيقيان ‏ ليسا مجرد وسم أو تسمية ىم يقول المعتزلة ‏ رأيناه يستدل 
على ذلك بقوله تعالى: «ختمَ آلله عَلْ قُلُومِمْ)” 0 

وقوله تعالى : دبل اط آله عَلَيْهَا بكُفْرهمْ 04 '“». وقوله تعالى : 9وَجَعَلنا 
عل قري أكنة أن يفقهوه وف ءَاذْامهم وَقراي57 '*». وقوله تعالى لوَجَعَلْنا 
فُلوَهُمْ فنْسِيّة094. واستدلاله بهذه الآيات على ذلك ليس بمجرد منطوقها 
النصي ولكن بفحواها ومفهومها أيضاء وفحوى هذه الآيات ومفهومها هو 
تمدح البارى سبحانه باقتداره وقهره لقلوب العباد وأسرارهم والتمكن منها 
طبقا للشيثته وطبقا لمقتضى قوله تعالى طوَُْقَلُبُ أَفْيِدَتمْ وَأَبْصَرَهُمْ كنا لم 
يُومنوا به 5 م00 4 

بكل هذه المعاني فإن هذا المفهوم يدل على أن ما تضمنته من الختم 
ردم سورة البقرة آية 964 0000000 


(400) الإرشاد ص .5٠١‏ 
(051١غ4)‏ سورة البقره آية 7 
(؟40) سورة النساء آية ه16 
100) سورة الأنعام _آية 1ك 
(4014) سورة المائدة اية .١‏ 
(400) سورة الأنعام أية ١١١‏ 


”ل 


والطبع على القلوب, كا قلنا من قبل» أمور حقيقية مخلوقة لله تعالى» وليست 
جرد وسم أو وصف كا يقول المعتزلة» أو ليس في مجرد الوسم والوصف للقلوب 
بذلك دلالة على الاقتدار والقهر الإلمهيّ لتلك القلوب, ففحوى الآيات 
ومفهومها يدل على مادل عليه منطوقها من الاعتقاد بختم الله تعالى وطبعه 
على القلوب حقيقة 

يقول إمام الحرمين ردا على تفسير المعتزلة للختم والطبع على القلوب بأنه 
عبارة عن تسميتها بذلك يقول ردا على ذلك: (ولا خفاء بسقوط هذا 
الكلام: فإن الرب تعالى تمدح بهذه الآيات وأنبأ بباعن اقتهاره واقتداره على 
ضهائر العباد وأسرارهم » وبين أن القلوب بحكمه يقلبها كيف يشاء. وصرح 
بذلك في قوله تعالى لِوَنْقَلتُ دتمم وََنْصَرَهُمْ ئَ ل يومئوا به وَل 
مَرةِ4”0) فكيف يستجاز حمل هذه الآيات على تسمية وتلقيب؟ وكيف يسوغ 
ذلك اللبيب؟ والواحد منا لا يعجز عن التسميات والتلقيبات فا وجه استيثار 
الرب بسلطانه؟)7). 


الثا : إبطال مذهب العتزلة في أن الإنسان خالق لأفعاله: 

كما استدل إمام الحرمين لإبطال مذهب المعتزله في أن الانسان خالق 
لأفعاله بفحوى قوله تعالى: «إِذا لُلَمَبَ كَُُ إِلْه ب خَلقَ #4 '©» إذ يرى 
أن العبد لو كان خالقا لأفعاله» للزم أن يكون رما وإلههاء لأنه مستبد 
بالقدرة عليهاء وهذا المعنى يدل عليه فحوى الآية السابقة وفي ذلك يقول 
(وإذا كان العبد خالقا لأفعال نفسه. لزم أن يكون ربها وإلههاء من حيث 
استبد بالاقتدار عليهاء وهذه عظيمة في الدين» لا يبوء مر موفق » وقد دل 
عليه فحوى التنزيل». فإنه عز من قائل قال: دإِذًا لََمَبَ كُل إلّه با خَلّق 


ره * وهم 


ولعلا بَعَضَهُمْ عَلْ بَعْض 0 


(405) سورة الأنعام آية .١١١‏ 
)5١00‏ الإرشاد. ص ”«١؟  .5١54‏ 
(408) سورة المؤمنون آية 931. 
(509) الإرشاد. ص .١97‏ 


4 





رابعا : جواز رؤية الله تعالى: 

يرى إمام الحرمين أن قوله سبحانه وتعالى حكاية لسؤال موسى ربه «إرَبٌ 
ءً ع موق ممم 
ارنئ انظر إليك04؟2 يدل بمنطوقه على طلب الرؤية» ويدل بمفهومه على 
جواز الرؤية التي طلبها في حقه تعالى» ذلك أن طلب الرؤية على هذا النحو 
جاء من نبي معصوم يعرف ما يجوز في حقه تعالى وما يستحيل. ومن ثم 
لا يعقل أن يطلب النبي أمرا مستحيلا في حقه تعالى فدل طلبه الرؤية على 
جوازها . 

وإثبات جواز الرؤية على هذا النحو إثبات له بمفهوم الآية الذي فهم. 
فلا يطلبه. يقول إمام الحرمين: (فهذه الآية «أي الآية السابقة» من أصدق 
الأدلة على ثبوت جواز الرؤية» فإن من اصطفاه الله لرسالته واختاره واجتباه 
لنبوءته وخصصه بتكريمه وشرفه بتكليمه يستحيل أن يجهل من حكم ربه 
ما يدركه حثالة المعتزلة. ومن نفى الرؤية نسب مثبت جوازها إما إلى ثبوت 
ما يقتضي تكفيرا وإما إلى ثبوت ما يقتضي تضليلا والأنبياء عليهم السلام 
مُبرّؤُون عن ذلك كيف وقد ذهب تحالفونا إلى وجوب عصمتهم عن جميع 
الزلل):41. 
خامسا: بطلان وجوب فعل الأصلح على الله: 

القول بوجوب فعل الأصلح على الله باطل عند الأشاعرةء ومنهم إمام 
الحرمين. وقد أبطل إمام الحرمين قول المعتزلة هذا بأن القول بوجوب فعل 
الأصلح على الله يلزم منه أن الله ليس بمتفضل ينعم على من يشاء ويكف 
نعمه عمن يشاءء ومعنى هذا أنه ليس بمختار في ذلك بل فعل الأصلح 
واجب عليه لا اختيار له فيه. وهذا باطل في نظر إمام الحرمين استدلالا 


.1١47 سورة الأعراف آية‎ )4٠١( 

.184 - 1١87# الإرشاد.» ص‎ )4١١( 
ملاحظة : المعتزلة لا يوجبون عصمة الأنبياء عن جميع الزلل بل عن الكبائر دون الصغائر. انظر‎ 
شرح الأصول الخمسة ص 0/86ه.‎ 


940 - 


بمفهوم قوله تعالى «وَرَبُكَ يَْلْقُ مََيْسَاءُ وَيَخَْارُ مَاكانَ لم الخيرة4 00 

فمنطوق هذه الآية ثبوت الاختيار لله تعالى في كل شيء, ومفهومها عدم 
وجوب شيء على الله. ومنه الصلاح والأصلح. وإلا فلو وجب عليه شيء 
لا كان مختارا. يقول إمام الحرمين: (فإنهم إذا أوجبوا فعل الاستصلاح» 
فلا يبقى للإفضال مجال, ويخرج الرب تعالى عن كونه متفضلا تعالى الله 
عن قول المبطلين. وقد علمنا على الضرورة أنباء فحوى خطاب الشرع عن 
كون الرب متفضلاء على من يشاع» كافًا نعمه عمن يشاءء وليس لله عند 
المعتزله خيرة في أفعاله وإفضاله. وهذا قدلح منهم في الإلهية» ومراغمة 
الكتاب العزيزء قال الله تعالى في استيثاره واختياره وقهر عباده واقتداره: 
ورك ْلُق مَيسَآءُ وَعْثَارُ مَاكَانَ لهُمْ آخرةم 005 
سادسا: جواز الإعادة: 

ولقد استند إمام ا حرمينٍ ف إثبات جواز الإعادة إلى مفهوم الموافقة 
قوله تعالى طقُلُ نحييهَا لذ سما أوْلَ مَرْةٍ وَهُوَ ِكل خَلق 2 

فإذا كان منطوق الآية يدل على إسناد الإعادة إلى من أنشأ النشأة الأولى 
وهو الله تعالى» فإن مفهومها هو المساواة بين العا وبين النشأة الأولى 
فيا يجوزء أو يجب. وإذا قضى العقل بأن يثبت لأحد المتشابهين مايثبت 
للشبيه الآخر فإن مفهوم الآية يدل على جواز الإعادة كجواز النشأة الأولى. 
يقول إمام الحرمين (فإن سثلنا الدليل على جواز الإعادة استثرناه من نص 
الكتاب. وفحوى الخطاب وشبهنا الإعادة بالنشأة الأول كما قال تعالى ردا 
على منكري البعث. قال من بخ آلْعظمَ وَهىّ رَميم» قَُْ يها ألْذَىَ 
انْسَاْمَا وَل مَرَةٍ وهو كل خَلقٍ عَلَيم 404 . 


(41) سورة القصص آية 3 
(414) الإرشادء ص 0 


4 سورة يس آية‎ )51١0( 
194 - 4 سورة يس آبة‎ )415( 


"41 - 








ووجه تحرير الدليل أنا لا نقدر الإعادة مخالفة للنشأة الأولى على 
الضرورة. ولو قدرناها مثلا لها لقضى العقل بتجويزهاء فإن ماجاز وجوده 
جاز مثله. إذ من حكم المثلين أن يتساويا في الواجب والجائن5». 


سابعا: تأويل الوجه بالوجود: 

وقد استخدم إمام الحرمين المفهوم من قوله #وَيبُقى وَجْهُ رَبْكَ» كا يظن 
5 دعم تأويله للوجه في الآية المذكورة بالوجود. . 

فمنطوق الآية 5 نظره أن الوجه وحده هو المستثلى من الفناء في قوله 
تعالى «كُل مَنْ عَلَيْهَا فَانِ04». ومفهومها كا توهم هو دخول الذات 
وبقية الصفات في ما يشمله الحلاك قبل يوم القيامة» وبما أن هذا المفهوم 
باطل. فالله بذاته وصفاته كلها باق. فبطل ما أدى إليه في نظر إمام الحرمين 
وهو حمل الوجه على الصفة. وبالتالي فقد أوجب تأويل الوجه بالوجود حتى 
يستقيم معنى الآية في ثبوت الفناء لكل شيء ماعدا الله وصفاته. وهذا 
يدل على استعمال إمام الحرمين للمفهوم في تبرير هذا التأويل. يقول إمام 
الحرمين: (وأما قوله تعالى 9وَيَبْقَى وَجَهُ رَبك ُو الْخَلَل وَالإكرَام 10# 
فلا وجه لحمل الوجه على صفة, إذ لا تختص بالبقاء بعد فناء الخلق صفة 
لله تعالى»ء بل هو الباقي بصفاته الواجبة» فالأظهر حمل الوجه على 
الوجود)””"؟ . 1 


تأمنا: 5 بيان وجه تخصيص العرش بالاستواء : 

استخدم إمام الحرمين مفهوم الموافقة فق الإجابة على الأسئلة التى ترد إذا 
ما أول الاستواء في قوله تعالى «آلرّحمنُ عَل الْعَرش ستو بالاقتدار 
والقهر والغلبة9"». إذ يرد على التأويل السابق السؤال التالليى ‏ ماوجه 
41905) الإرشاد. ص 5؟/ا7. 
(418) سورة الرحمن آية 7١‏ . 
(419) سورة الرحمن آية /اا. 
)2 الإرشاد ص /ا16. 


)47١(‏ سورة طه أية ه. 
(1475) انظر الشامل ضص 687 


-545- 


تخصيص العرش بالذكر دون بقية المخلوقات؟ فأجاب إمام الحرمين مستعينا 
بالمفهوم بأن العرش أكبر المخلوقات فالاستيلاء عليه يدل على استيلائه على 
بقية المخلوقات من باب أولى وني ذلك يقول: (خصص العرش بالذكر من 
حيث كان أعظم المخلوقات في أوهام البرية» ونبه بذكر الاقتدار عليه على 
ما دونه | نبه بالغبي عن التأفيف عم) فوقه من ضروب التعنيف)9'). 

وجدير بالذكر أننا أبطلنا فيها سبق تأويل إمام الحرمين للوجه بالوجود 
وللاستواء على العرش بالاستيلاء عليه؛ وإنما قصدنا هنا إلى ذكر استدلالات 
إمام الحرمين بالمفهوم في باب العقائد سواء صح الأساس الذي يبني عليه 
هذه الاستدلالالات أم م يصح . ش 

ومع هذا | ستذكر رد ابن القيم عل هذا 0 إذ بين ١‏ ابن القيم أد أن 
أن يقال استوى على العرش . وذلك مثل الربوبية 38 رب العرش العظيم 
ونقول: رب كل شيء يقول ابن القيم: (لو كان هذا صحيحا «قوهم 
تخصيص العرش بالذكر تنبيه على مادونه») م يكن ذكر الخاص منافيا لذكر 
العام. ألا ترى أن ربوبيته لما كانت عامة للأشياء لم يكن تخصيص العرش 
بذكره منها كقوله لِرَبٌ لْعَرشٍ آلْعَظيم يه 9؛) مائعا من تعميم إضافتها 
كقوله لِرَبُ كَُّ شيع 4700) فلو كان الاستواء بمعنى الملك والقهر لكان 
لم يمنع إضافته إلى العرش إضافته إلى كل ما سواه وهذا في غاية 
الظهور)2”")., 
فا هو موقف علاء السلف من الاستدلال بالمفهوم في باب العقائد. 
١‏ - إعمال السلف للمفهوم في باب العقائد: 

الواقع أن العمل بمفهوم الموافقة والمخالفة من المناهج التي يستخدمها 
ضكق انظر الشامل ص 6664 0000000000 
(475) سورة النمل آية 5؟. 


(5؟4) سورة الأنعام آية 154. 
(475) مختصر الصواعق. ص ."8١‏ 


وك 


السلف. ولقد اعتبر شيخ الإسلام رفض المفهوم من بدع الظاهرية كما 
انتقدهم شيخ الإسلام عارضا لناذج من الآيات التي لها مفهوم ويجب العمل 
بمفهومها . 

يقول شيخ الإسلام (ومن لم يلحظ المعاني من خطاب الله ورسوله ولا 
يفهم تنبيه الخطاب وفحواه من أهل الظاهر كالذين يقولون: إن قوله: ولا 
تقل ل] اف4”" لا يفيد العبي عن الضرب. وهو إحدى الروايتين عن 
داودء واختاره ابن حزمء وهذا في غاية الضعف. بل وكذلك قياس الأوللى 
وإن لم يدل عليه الخطاب. لكن عرف أنه أولى بالحكم من المنطوق بهذاء 
فإنكاره من بدع الظاهرية التي لم يسبقهم مها أحد من السلف فازال السلف 
يحتجون بمثل هذا وهذا. ش 

كا أنه إذا قال في الحديث الصحيح : «والذي نفسي بيده لايؤمن كررها 
ثلاثا ‏ قالوا من يارسول الله؟ قال: من لا يأمن جاره اا فإذا كان 
هذا بمجرد الخوف من بوائقه.» فكيف تكيش من فعل البوائق مع عدم أمن من جاره 
منه؟ كما في الصحيح عنه أنه قيل له:. أي الذنب أعظم؟ قال «أن تجعل 
تله ندا وهو خحلقك». قيل ثم ماذا؟ اا أن ل ولدك خشية أن يطعم 
معك» قيل ثم أي؟ قال: «أن تزاني بحليلة جارك)9'» ومعلوم أن الجار 
لا يعرف هذا في العادة فهذا أولى بسلب الإيان من لا تؤمن بوائقه ُ 
يفعلٍ مثل هذا. وكذلك إذا قال: ونلا وَرَيْكَ لا يُومنُونَ ختى يحكُمُوكَ 
فيا شجَر مم شم ل يدوا ف أنْفْسِهِمْ حرجا م قَضيْتَ وَيُسَلّمُوا 
تَسَليَا4” 64 فإذا كان هؤلاء لا يؤمئنون فالذين لا يحكمونه ويردون حكمه 


24770 سورة الإسراء آية “الى 

(478) رواه البخاري في صحيحه في كتاب الأدب عن أبي شريح بلفظ (والله لا يؤمن ...) ج 8» 
ص ؟١.‏ 

(9؟55) روى البخاري في صحيحه في كتاب التفسيرء تفسير سورة البقرة عن عبدالله قال : سألت 
الني وق أي الدنب أعظم عند الله قال أن تجمل لله ندا وه خلقك قلت إن ذلك 

ثم أي قال وأن تقتل ولدك تخاف أن يطعم معك قلت ثم أي قال أن تزاني حليلة جارك. 
يح البخاري ج 5 ص؟7. 
(4*:0) سورة النساء آية 56. 


-7555- 


ويجدوا حرجا تما قضى لاعتقادهم أن غيره أصح منه أو أنه ليس بحكم 
سديد أشد وأعظم . وكذلك إذا قال: بلا تج قوم يُومنونَ بآلله وَآلْيَوم 
الآخر يوَآدُونَ مَنْ حادٌ آلله وَرَسولَه (١؟؛)‏ فإذا كان بموادة المحادٌ لا يكون 
مؤمنا فأن لا يكون مؤمناء إذا حادٌ بطريق الأولى والأحرى.. .)9 ولقد 
استخدم السلف المفهوم ٍ في اثبات قضايا عقدية». فأثبتوا الرؤية مستدلين 
بمفهوم قوله تعالى «إكلا ِهُمْ عن رَيُمْ يَوْمَئذٍ لْحجُوبُونَ . . # جاء في مجموع 
الفتاوي (قال رجل لمالك: ياأبا عبدالله هل يرى المؤمنون رهم يوم القيامة؟ 
فقال مالك: لوم ير المؤمنون رهم يوم القيامة لم يعير الله الكفار بالحجاب» 
قال تعالى: مكلا نِم عن رهم يَومَئْذِ الْحَجَوبُونَ . #. وعنٍ الزن قال 
سمعت ابن أب همام يقول: تل الشافعي في كتاب الله كلا م عن 
رَيُمْ يوْمَئِذٍ الْحَجُوبُونَ. . . . 0 دلالة على أن أولياءه يرونه على 
صفته)459) , 

وجاء فيه أيضا: (قال أبو عبدالله هكد مم عَن رَيمْ يُومَئلٍ 
الْحجَويُونَ ه(0؟؛) فلا يكون حجاب الا لرؤية. فأخير الله أن من شاء الله 
ومن أراد فإنه يراه والكفار لا يرونه)9*). 

فأنت ترى أن مالكا والشافعي وأحمد استدلوا على اثبوت الرؤية» أي رؤية 
المؤمنين الرهمء بمفهوم قوله تعالى: لكلا إُِمْ عَن رَيُمْ يَوْمَنَذٍ 
لمحجويو ن.. »# فمنطوق الآية أن الكفار محجوبون عن رؤية الله فدل 
مفهومها أن المؤمنين ليسوا بمحجوبين عن رؤية الله. أي إنهم سيرونه. 

كا استخدم شيخ الإسلام المفهوم في إثبات أن الله هو الجبار ابطر 
على الكفار وذلك من مفهوم قوله تعالى #وما أنتَ عَلَيهمْ بجَبار24794 وو قو 


(4*1) سورة المجادلة آية 77 . 

(4*5) مجموع الفتاوي ج ”5١‏ ص لا١5‏ - .75١8‏ 

(4"9) سورة المطففين آية .1١6‏ 

(185) جموع الفتاوي ‏ ج كاص 446. 

(ه*4) سورة المطففين آية .١6‏ 

(45) مجموع الفتاوي ج 5 ص 444. وانظر الرد على الجهمية ص 15 . 
(1477) سورة ف اية ©4. 


-*56 





تعالى #لسَتٌ عَلَيْهُم بِمُصَيْطرٍ9» فمنطوق الآيات نفي كرنه كل جبارا 
ومسيطرا على الكفارء ومفهومها إثبات قدرته تعالى عليهم . يقول شيخ 
الإسلام: (وقوله : #وما أنتَ عَلَيهِمْ بجَبار» » و#لسست عَلَيْهم بمصَيطر» 
ونحو ذلك. هو يدل بمفهومه على أن الرب هو الجبار عليهم المسيطر وذلّك 
يستلزم قدرته عليهم)9). 
ونجد السلف يستخدمون المفهوم في إبطال تأويل المتكلمين للاستواء 
بمعنى الاستيلاء. لأن مفهوم ذلك أن العرش مضى عليه زمن خارجا عن 
ملك الله 5 ثم استولى عليه وهذا المعنى باطل فيبطل ما يؤدي | ليه وهو التأويل 
المذكور. 
يقول عبدالعزيز المكي صاحب الشافعي وصاحب «الحيدة» المشهور في 
كتاب الرد على الزنادقة والجهمية | يحكي عنه شيخ الإسلام يقول: (باب 
قول الجهمية في قول الله تعالى «آلرّحْمْنُ عَلَ الْعَرَشُ أآسْتوَى» زعمت 
الجهمية أن قول الله: «آلرَّحْمَنُ عَلَ الْعَرْشُ أآسْتَوَى)©» إنما المعنى 
استولى» كقول العرب استوى فلان على مصرء. استوى على الشام يريد 
استولى عليها.. يقال له أيكون خلق من خلق الله أتت عليه مدة ليس 
الله بمستول عليه؟ فإذا قال: لا. قيل فمن نم ذلك؟ قال من زعم 
ذلك( الله بمستول, عليه وذلك أن الله أخبر أنه خلق العرش قبل خلق 
السماوات والأرض (**) ٍ فقال الله عز وجل : «النى خَلنّ آلْسمنوَات 
َآلارْض وما بَبمَنا ف ستة يام 4 أستوق عل الْعَرش آلرّحمْنُ فَسْكَل به 
بير 044004410 وجاء في مختصر الصواعق أيضا: «أنه أتى بلفظة (ثم) التي 
حقيقتها الترتيب والمهلة. ولو كان معناه معنى القدرة على العرش والاستيلاء 


(48) سورة الغاشية آية 39 . 

(189) جموع الفتاري ج هه ص ار 

(45) سورة طه آية © 

8 سورة الفرقان آية‎ )554١( 

447) مجموع الفتاوي ج ه ص 94". 

(#) سقط: فهو كافر يقال له يلمك أن تقول إن العرش قد أتت عليه مدة ليس 

(*) سقط في سنة أيام ثم استوى على عرشه بعد خلقه السموات والأرض, قال الله عز وجل. . 


-5غ”7- 





عليه لم يتأخر ذلك إلى ما بعد خلق السموات والأرض» فإن العرش كان 
موجودا قبل خلق الساوات والأرض بخمسين ألف عام. كما ثبت في 
الصحيحين9*) عنه يَكِةِ أنه قال إن الله تعالى قدر مقادير الخلائق قبل أن 
يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشهٍ على الماء. وقال تعالى 
وهو آلْنِى خَلّقٌ آلسّموَات وَآلأرْض فى ستة ة يام وَكَانَ عَرْشْهُ عل 
ألاء94؛؟» فكيف يجوز أن يكون غير قادر ولا مستول على العرش إلى أن 
خلق السموات والأرض)5:؛). كا استخدم السلف المفهوم في إبطال تأويل 
الجهمية لليد. في قؤه تعاق خاطا إيليس ين مَك أن تخد ب حلفت 
يدي 404؛) بالقدرة فمنطوق الآية أن ادم محلوق باليدين. . ومفهومها أن 
غير آدم ليس بمخلوق باليدين فالخلق باليدين خاص بأدم. وهذا فتأويل 
اليد في الآية المذكورة بالقدرة يبطل التخصيص في الآية» ويبطل مفهومها 
فالجميع مخلوقون بالقدرة. جاء في مختصر الصواعق (.. لم يجز أن يكون 
المراد به «باليد» ههنا القدرة فإنه يبطل فائدة تخصيص ادم فإنه وجميع 
المخلوقات حتى إبليسٍ مخلوق بقدرته سبحانه, فأي مزية لآدم على إبليس 
في. قوله «هما مَنَعَكَ أن تَسجِدَ لا خَلَقَتٌ بدي )نان ولقد استدل 
السلف. بمفهوم قوله تعالى: «وَلكن رَُسُولَ آلله وَحَاتَم آلتْينَ4؟» على 
نفي بعثة رسول بعد محمد كلِ. فمنطوقها أن محمدًا يك هو خاتم النبيين 
ومفهومها أنه خاتم الرسل من باب أولى. 

يقول ابن كثير عند قوله تعالى: «وَلكن رُسُولَ آلله وَحَاتَم تين وَكَانَ 
آلله بَكُلٌ شيءٍ عليً)2)2*74: (فهذه الآية نص في أنه لا نبي بعده فلا رسول 


(549) روى مسلم في صحيحه في كتاب القدر عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول 
الله كك يقول: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة 
قال وعرشه_على الماء) . صحيح مسلم بشرح النووي ج ١١‏ ص 7١37”‏ 

(444) سورة هود اية /9. 

(145:) مختصر الصواعق ص 87". 

(445) سورة ص آية 76 . 

4470) سورة ص أآية 98. 

(558) مختصر الصواعق 1١7‏ . 

(449) سورة الأحزاب آية .4٠‏ 

(450) سورة الأحزاب أية .1٠‏ 


- ”51/- 








بعده بالطريق الأولى والأحرى. لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة. 
فان كل رسول نبي ولا ينعكس ...)2400 

كما استدل السلف 0 قوله تعالى: «آلرّحْمنٌ عَلَّمَّ الْقَرْءَانَ حَلَقَ 
الإنسنٌ عَلَّمَهُ آلْبَيّانَ94*». على أن القران ليس بمخلوق. . قال عبدالعزيز 
الكناني : (إن الله عر وجل أخبرنا في كتابه بخلق الإنسان في ثانية عشر 
موضعاء ماذكره في موضع منها إلا أخبر عن خلقه. وذكر القرآن في أربعة 
وخمسين موضعا فلم يخبر عن خلقه في موضع منا ولا أشار إليه بشيء من 
صفات الخلق. ثم جمع بين القران والإنسان قي آية من كتابه فأخبر عن 
الخلق للإنسان ونفى الخلق عن القران فقال الله عز وجل : «الرّحمنٌ عَلَّم 
آلْقَرْءَ ءَانْ خلقٌ الإِنْسن عَلَّمَهُ آلَْيَانَ و00 4)) 4090 وبما يدل على استخدام 
السلف للمفهوم ما نقله ابن كثير في تفسيره عن السلف الصالح عند تفسيره 
لقوله تعالى «مُتكثِينَ عَلَ فُرْشٍ بَطَائئًا مِنْ إِسْتَبرَقِ وَجَنى الْننٌ دَانِ004 
يقول ابن كثير: (وهو «أي الاستبرق ما غلظ من الديباج قال عكرمة 
والضحاك وقتادة وقال أبوعمران الجوني هو الديباج المزين بالذهب, فنبه على 
شرف الطهارة بشرف البطانة فهذا من التنبيه بالأدنى على الأعلى)2457- وما 
قدمنا من أمثلة يدل على استدلال السلف بالمفهوم في إثبات قضايا عقدية 


مما يدل على أنه منبج صحيح . 


.59#” تفسير القرآن العظيم - أبي الفداء إسماعيل بن كثير ج «'. ص‎ )16١( 
.54 (؟1651) سورة الرحمن أية ل ”لل "“ء‎ 

2405 سورة الرحمن آية أ ”ل "ل 5 

(151) الحيدة للامام عبدالعزيز بن يحبى بن مسلم . الكناني المكي/ .514٠‏ ص .8١‏ 
(هه؛) سورة الرحمن اية 4ه. 

(405) تفسير ابن كثير ج 5 ص /الا؟. 


-58- 


البساب الرابسع 


منهحجه 


في الاستدلال السمعي بالسنة على العقائد 


الفصل الأول : الاستدلال بالخير المتواتر. 

الفهل الثاني : الاستدلال بخير الآحاد. 

الفصل الثالث : نقد موقف إمام الحرمين من الاستدلال بالسنة 
في إثبات العقائد على ضوء المنهج السلفي . . 


-*9- 





الفحل الأول 
الاستدلال بالخير المتواتر 
١‏ - تعريف الخبر المتواتر لغة واصطلاحا: 


التواتر في اللغة (عبارة عن تتابع الأشياء واحدا بعد واحد بينه| مهلة, 
ومنه قوله تعالى لتم أَرْسَلَْا رُسُلَنا 204 أي واحداً بعد واحد بمهلة)9©. 
وفترات. وقال اللحياني: تواترت الإبل والقطا وكل شيء» إذا جاء بعضه 
إثر بعض ولم تجئْ مصطفة, وأوتر بين أخباره وكتبه وواترها مواترة ووتارا تابع 
بين كل كتابين فترة قليلة. والخير المتواتر أن يحدثه واحد عن واحد)”. 
التواتر في الاصطلاح : 

ويرى الآمدي أن التعريف الصحيح للمتواتر هو (خبر جماعة مفيد بنفسه 
للعلم بمخبره)29». 

ولقد ذكر إمام الحرمين في كتابه الكافية تعريفين للمتواتر ذكرهما. بصيغة 
التمريض قائلا: (وقيل: (أي في تعريف الخير المتواتر) كل خير يجب به 
العلم للسامع ضرورة على العادة . 

وقيل: كل خير تعذر حصر ناقليه جملة وتفصيلا فيا علموه ضرورة)2). 


.44 سورة المؤمنون آية‎ )١( 

زفة الإحكام في اصول الأحكام للآمدي ج ؟ اص .3٠١‏ 
[فة اللسان جَ ه ص ها" مادة وتر. 

63 الإحكام في أصول الأحكام ج ؟ء ص 2.53١‏ 

(5) الكافية ص 68. 


اه" 


ولعل تضعيفه للتعريف الأول لأنه غير مانع إذ يدخل فيه خبر الواحد 
الذي يعقب علما ضرورياء لتأيده بمعجزة أو دليل عقلي أُوحفتٌ به قرينة 
من القرائن المستعقبة للعلم الضروري. 

ولعل تضعيفه للتعريف الآخر. لأنه غير جامع. إذ قد يصدر الخبر عن 
جماعة محصورين بعدد كثير مع أمن تواطئهم على الكذب بأن يكونوا 
متباعدين مع تطابق أقوالهم . 

أما ني «الإرشاد» فقد عرفه إمام الحرمين بتعريف عام. وهو أنه الذي 
يستعقب العلم ضرورة وفق شروط وصفات محددة. فأي خبر توفرت فيه 
هذه الشروط والصفات فهو من قبيل الخبر المتواتر. 

يقول إمام الحرمين: (فأما ما يعقب علما بمخبرهء فهو الخبر المتواترء فإذا 
توفرت شرائطه وتكاملت صفاته.ء) استعقب العلم بالمخبر عنه على 
الضرورة. ..)20. 

ثم ذكر أمثلة للخبر المتواتر كالبلاد النائية التي لم نرها والوقائع والخروب 
التي لم نشهدها فإننا نجد في أنفسنا علا ضروريا بوجودهاء ومصدر معرفتنا 
بها الخير المنواتر يقول: (وبه «أي بالمتواتر» نعلم البلاد النائية التي لم 
نشهدهاء والوقائع والدول التي لم تقع في عصرناء وبه تتميز في حق الإنسان 
والدته عن غيرها من النساء. وجاحد العلم بذلك جاحد للضرورة ومتشكك 
في المعلوم على البديهة)©. 

ونلحظ على هذا التعريف أنه لم يضمنه شروط المتواتر مفصلة. ولكننا 
نجده في الكافية قد ضمن التعريف بعض هذه الشروط إذ قال: (فحده: 
كل خبر تكرر عن عدد كثروا وعلموا المخبر عنه ضرورة). 

وفي تعريفه هذا نرى أنه لم يحدد طبيعة الكثرة المعتبرة في تحقيق التوات 
إذ كان عليه أن يصف هذه الكثرة باستحالة تواطئها على الكذب. إذ لا 


(5) الإرشادى. ص ؟١4.‏ 
0) الإرشاده» ص ؟١4.‏ 
(8) الكافية في الجدل ص 058. 


اهم 


يكفي أن يصدر الخبر عن كثرة» بل لابد من اشتراط عدم التواطؤ ى) سيأتي 
ذكره في شروط الخبر المتواتر. 

وهذا نجده قد راعى ذلك في الورقات فوصف الكثرة با ذكرته انفاء 
إذ قال: (لمتواتر ما يوجب العلم وهو أن يرويه جماعة لا يقع التواطؤ على 
الكذب عن مثلهم. وهكذا إلى أن ينتهي إلى المخبر عنه فيكون في الأصل 
عن مشاهدة أو سواع لا عن اجتهاد)”). 

ويرد على هذا التعريف تقيده إدراك المحسوس بكونه عن مشاهدة أو سماع 
فالحواس أكثر من هذا. ثم إن الحصول على العلم الضروري ليس محصورا 
في إدراك الحواس بل قد يحصل بدلالة قرائن الأحوال. إذن فالعبرة أن يصدر 
الخبر عن علم ضروري وهو أعم من أن يكون حصيله بالحس أو بغيرو”©. 

ويتضح من خلال التعريفات المعتيرة عند إمام الحرمين ى) ذكرناها انفاء 
أن الكثرة واستعقاب العلم الضروري عنصران من عناصر الخير المتواتر. 

ومع هذا فإننا نرى صاحب (فقه إمام الحرمين) يذهب إلى أن إمام 
الحرمين في البرهان يجعل من قبيل المتواتر الخبر المستعقب للعلم اليقيني وإن 
صدر عن واحد0), 

وهذا الذي ذهب إليه لا يمكن فهمه من كلام إمام الحرمين. فالكثرة 
معتبرة عنده في تحقيقه )| مره وك| سيأ عند دراستنا لشروطه. 
؟ - أنواع الخبر المتواتر: 

يقسم العلاء التواتر إلى قسمين: 
-١‏ تواتر لفظي ويمثلون له بحديث (من كذب عل متعمدا فليتبوأ مقعده 

من النارم29© . ْ 


)٠١(‏ انظر البرهان ج اا اص 6كه. 

.1١977 انظر فقه إمام الحرمين ص‎ )١١( 

05 لوامع الأنوار ج اص 2.١٠6‏ وأخرجه البخاري فقي صحيحه في كتاب العلم ج ١ع‏ ص 275١5‏ 
جح 1١0‏ 


- 769 


فقد روى هذا الحديث بلفظه عن النبي كك نيف وستون صحابيا 

منهم العشرة المبشرون بالجنة» كما يمثلون لهذا النوع من التواتر بالقران 

الكريم . 

اللزوم ‏ ويمثلون له بحديثث الحوض وسخاء حاتم وشجاعة عل2"5 , 

ولم أجد إمام الحرمين يقسم التواتر صراحة هذا التقسيم. ولكننى وجدت 
له كلاما في الإرشاد يتضمن ذكر النوع الثاني وإفادته العلم الضروري» وإن 
لم تتواتر أحاده. إذ جاء فيه وهو يتحدث عن معجزات الرسول قوله : 
(والمرضيٌ عندنا أن آحاد هذه المعجزات لا تثبت تواتراء لكن مجموعها يفيد 
العلم قطعا لاختصاصها بخوارق العادات. كما أن احاد البذل من حاتم 
لا تشبت تواتراء ولكن مجموعها يفيد العلم على الضرورة بسخائه. وكذلك 
القول في جسارة أمير المؤمنين على رضى الله عنه وشجاعته. ...)29. 
+« شروط الخبر المتواتر: 

يشترط إمام الحرمين في الخبر لكي يكون متواترا عدة شروط هي: 
الشرط الأول: علم المخبرين با أخبروا به علما ضروريا كالإخبار عن الأمور 
المحسوسة أو البديهيةء» ولو أخيروا عما علموه نظرا واستدلالا لم يوجب 
إخبارهم علما ضروريا يكون أساسا للتواتر. يقول إمام الحرمين: (ثم إنما 
يثبت التواتر بشرائط. منهاأن يكون المخبرون عللمين با أخبروا عنه على 
الضرورة» مثل أن يخبروا عن محسوس أو معلوم بديهة بجهة أخرى.» سوى 
درك الحواس» ولو أخيروا با علموه نظرا واستدلالاء م توجب أخبارهم 
علم|) 9" . 

ثم ضرب مثلا يوضح أن الإخبار عن المعلوم بالنظر لا يفيد علماء أما 
الإخبار عن المعلوم بديهة. أو عن مشاهدة فيفيد علماء فمثال الإخبار عما 
(19) انظر لوامع الأنوار البهية ج ١‏ ص .١5‏ 


205 الإرشاد ص 307 
)206 الإرشاد. ص .4١"*‏ 


ه60" 


علم نظراء الإخبار عن حدث العالمء فلو أخبر عدد يبلغ التواتر عن حدث 
العالم م يفد علاء ولو أخبروا عن بلدة لم نرها فإخبارهم يفيد عل| لأنه 
عن مشاهدة. يقول إمام الحرمين: (فإن المخبرين عن حدث العالم زائدون 
عن عدد التواتره وليس يوجب خيرهم علماء والمخبرون تواترا عن بلدة لم 
نرها مصدقون على الضرورة)7". 

ولقد انتقد إمام الحرمين في برهانه طوائف من الأصوليين الذين قيدوا 
حصول العلم بالخبر عنه بالحسء إذ العلم يحصل بالحس وبغيره» كقرائن 
الأحوال فلا معنى لتقييدهم. يقول إمام الحرمين: (وقيد طوائف من 
الأصوليين هذا الركن. الذي فيه نتكلمء باشتراط إسناد الإخبار إلى 
المحسوس». ولا معنى لهذا التقييدء فإن المطلوب صدور الخبر عن العلم 
الضروري. ثم قد يترتب على الحواس ودركها وقد يحصل عن قرائن 
الأحوال. ولا أثر للحس فيها على الاختصاصء. فإن الحس لا يميز احمرار 
الخجل والغضبان عن احمرار المخوف والمرعوب. وإنما العقل يدرك تمييز هذه 
الأحوال» ولا معنى إذا للتقيد بالحس)29©. ثم قال: (والوجه اشتراط صدور 
الإخبار عن البديهة والاضطرارء ثم لانظر إلى تفاصيل مقتضيات العلوم 
الضرورية)2" . 
الشرط الثاني: ومن شروط الخبر لكي يكون متواتر أن يرويه جماعة لا يتصور 
وقوع التواطؤ منهم على الكذب, ولو تواطؤوا لظهر تواطؤهم مع طول الزمن . 
يقول إمام الحرمين: (والشرط الثاني للخبر المتواتر» أن يصدر عن أقوام يزيد 
عددهم على مبلغ يتوقع منه التواطؤ في العرف المستمرء ولو تواطؤوا مثلا 
لظهر على طول الدهر تواطؤهم)*". 

وقبل أن نذكر تفصيل رأي إمام الحرمين في هذا الشرط. يجب أن نذكر 
رأيه في أقوال غيره من العلماء في هذا الصدد. فالنظام قد رُويَ عنه أنه 
)1١(‏ الإرشاد. ص .4١"‏ 
10) البرهان ج ١‏ ص 658. 


.658 ص‎ ١ البرهان ج‎ )١8( 
.4١4 الإرشاد. ص‎ )19( 


مه 


لم يشترط العدد. يقول إمام الحرمين: (فنقل أصحاب المقاللات عن النظام 
أنه قال: قد يتضمن إخبار الواحد العلم الضروريء فلا يشترط على موجب 
هذا النقل عنده عدت ولا يتضح مذهبه الآن ونحن نبين حفيقته عند ذكرنا 


الحق المختار)02'") . 
أما الذين يشترطون العدد في تحقيق المتواتر فقد اختلفوا في تعيين أقل عدد 
يمكن أن يتحقق معه التواتر: 


فمنهم من اعتبر الأربعين شرطا لأنه عدد الجمعة عند بعض الفقهاء. ولأن 

قوله تعالى : هباي لني حسبيك ألله ومن أتَبَعَكَ من نّ الوْمنين2©04, نزلت 

ل أمن أربعون من الرجال وكملت العدة بإسلام عمر. 

ومنهم من اعتبر عدة أمل د وثلاثة عشر. 

ومنهم من ذكر أهل بيعة الرضوان وهم كانوا أ لفا وسبعراثة . 

ومنهم من ذكر السبعين لقوله تعالى 9وَآختَار مُوسَئ قُوْمَهُ سَبْعِينَ 

رَجاا 294 

وذهب بعض الفقهاء إلى أنه ينبغي أن يبلغوا مبلغا لا يحويهم ب بلد ولا 

يخصيهم عذدد. 

ومنهم - وهو رأي القاضي - الذي يرى أن (عددهم يزيد على أقصى 

العدد المرعي في بينات الشريعة). 

أي إن عدد الأربعة لا يتضمن علياء أما عدد الخنمسة فقد تردد القاضي 
وهذه المذاهمب حميعا منتقدة عند إمام الحرمين وم يرتض شيئا منباء ولقد 

نقضها بثلاثة طرق: 


أولا - عارض بعضها ببعض ولو ترجح بعضها على بعض. فالترجيح يفيد 
الظن ولا يفيد عل|. يقول إمام الحرمين: (أحدها أن يعارض بعض المذاهب 


)١(‏ البرهان ج ١‏ ص 54ه. 
١١؟)‏ سورة الأنفال اية 55 
(770) سورة الأعراف آية .١68‏ 


دكهة3 ل 


ببعض» فلا يتجه عند تعارضها ترجيح بعضها على بعض. وإن عَنَّ ترجيح 
فليس ذلك من مدارك الحق المقطوع به.ء فإن الترجيحات ثمراتها غلبات 
الظنون 5 مطرد العادة)9") , 
ثانيا - هذه الأعداد لا تتعلق بالإخبار وليس هنالك ثمة مناسبة بينها وبين 
إفضائها للعلم. يقول إمام الحرمين (لا يتعلق شيء من هذه الأعداد. التي 
هي مستندات المذاهب بالإخبار, وإنما هى قضايا واتفاقات جرت في 
حكايات أحوال. وليس في العقل ما يقضي بمناسبة شيء منها لاقتضاء العلم 
فلا وجه لاعتبار شيء منها)9". 
ثالثا: إن الأعداد التي تمسك بها أصحاب المذاهب السابقة يمكن تصور 
تواطئهم على الكذب, و المراد بالخبر المتواتر حصول العلم بالخبر على يقين. 
يقول إمام الحرمين: (المطلوب من الخبر المتواتر وجدان الصدق على ثلج من 
الصدر في المخير عنه. وما من عدد تمسك به طائفة إلا ويمكن فرض 
تواطئهم على الكذب)”*". 

أما الذين ذهبوا إلى أن عدد التواتر لا يجحويهم بلد ولا يحصيهم عدد. 
فقد وصفهم بالسرف ويجاوزة الحد والذهول عن مدارك الحق إذ يقول: (فإن 
التواتر يقع بدون ذلك وإذا أخبر جمع كثير في بلدة عن واقعة شاهدوهاء 
واستجمع إخبارهم الشرائط المرعية التي نحن في تفاصيلهاء فيحصل العلم 
الضروري بإخبارهم. وهم بعض من أهل البلدة» والخروج عن إمكان العدد 
لا يعتبر شرطاء وليس عدد معظم أهل الدنيا خارجا عن إمكان البشر)9”". 

وإذا كان هذا هو نقد إمام الحرمين لأقوال العلاء في تحديد العدد الذي 
ينعقد به التواتر فا رأيه الصحيح في ذلك؟ 

لقد قدّم إمام الحرمين مقدمة لكي يوضح مذهبه الذي يرضاه وهي أن 
القرائن التي بسببها يحصل العلم بحكم العادة كالعلم بخجل الخجل 
(3) البرهان ج ١‏ ص الاه. ْ 
(14) البرهان ج ١‏ ص الاه. 


(16) البرهان ج ١‏ ص الاه. 
)7١(‏ البرهان فقرة “١ه‏ ج ١‏ ص “لاه 4اه. 


د لاه“ - 


وغضب الغضبان ونشط الثمل ووجل الوجل ونحوهاء هذه القرائن لا تنضبط 
انضباط المحدودات بحدودهاء فإذا ثبتت هذه القرائن ترتب عليها علوم 
بديبية لا ينكرها إلا جاحدء ولو أراد من يجد العلم بسببها ضبط القرائن 
ووصفها ب)| تتميز به عن غيرها لم يجد إلى ذلك سبيلا. 

والحاصل أنه يصعب وصف هذه القرائن وضبطهاء وصعوبةٌ وصفها 
وضبطها لا يمنع حصول العلم عندها. 

فكأنها تدق على العبارات وتأبى على من يحاول ضبطها بها"“. بل لو 
قيل (لأذكى خلق الله قريحة وأحدهم ذهنا: افصل بين حمرة النجل وحمرة 
الغضب وبين حمرة المرعوب» لم تساعده عبارة في محاولة الفصل» فإن القرائن 
لا تبلغها غايات العبارات)9). 

والنتيجة أنه (لا يتوقف حصول العلم بصدق المخبرين على حد محدود. 
وعدد معدود. ولكن إذا ثبتت قرائن الصدق ثبت العلم به)9©. 

فى)ا يمكن حصول العلم بخبر الواحد. إذا احتفت به القرائن. إذا 
وجدت رجلا مرموقا حاسرا رأسه شاقا جيبه وهو يصيح من الحزن ويذكر 
أنه أصيب بقريب عزيز عليه. ورأيت الغسال يدخل ويخرج ورأيت الجحنازة 
فهذه القرائن» إذا اقترنت بإخبار الرحل حصل بخبره مع القرائن العلم 
الضروري”". 

أقول: فهو يرى أنه كما يمكن حصول العلم بخير الواحد. كما في 
الصورة السابقة» كذلك يمكن تخلف حصول العلم بإخبار عدد كثير وَجَمْ 
غفي إذا جمعتهم إيالة. يقول: (فإن الملك قد يواطىء قواد الجند في مكيدة 
ليواطثوا بامترتبين. . . وغرضه إخقاء أمره. ليشن غارةء فيقع التواطؤ على 
الكذب فيا أشرنا إليه. ولا تعويل على العدد بمجرده أصلا)2©. 


(77) انظر البرهان فقرة “50ج ١‏ ص هلاه - كلاه. 
(258) البرهان ج ١‏ ص هلاه كلاه. 

)1١9١‏ الرهان ج ١‏ ص كآلاه. 

زحضية البرهان ج ١‏ ص كلاه. 

(1”) البرهان ج ١‏ ص الاه. 


4ه" 


أي إن إمام الحرمين يرى أن العبرة بالقرينة» وليست العبرة بالعدد 
المجردء مع أن إمام الحرمين يجعل الكثرة قرينة من القرائن التي تجعل الخبر 
يفيد اليقين ولكنها ليست هي القرينة الوحيدة إذ يقول: 
(ولكن إذا انتفى ماذكرناه من تقدير جامع على التواطقء وبلغ المخبرون مبلغا 
لا يقع في طرد العادة اتفاق تعمد الكذب منهم. ولا يجري ذلك من أمثالهم 
سهوا وغلطا أيضاء فتصير حينئذ الكثرة مع انتفاء أسباب التواطؤ قرينة 
ملحقة بالقرائن التي ترتبت عليها العلوم. فالعدد في عينه ليس مغنياء إذ 
يتصور معه تقدير حالة ضابطة. وإيالة حاملة على الكذب...)9©. 

وخلاصة القول أنه يرى أن العبرة بوجود قرينة على عدم التواطقء ولهذا 
وجّه كلام السمنية القائلين (لا ينتهي الخبر إلى منتهى يفضي إلى العلم 
بالصدق)7”” وجّه قولهم هذا بأنه محمول على أن العدد لا يكتفى به حتى 
تحتف به قرينة يقول: (وهو محمول على أن العدد وإن كثر فلا يكتفى بهء 
حتى ينضم إليه مايجري مجرى القرينة من انتفاء الحالات الجامعة)9". 

ولكن إمام الحرمين عرض في الإرشاد طريقة لضبط أقل عدد للمخبرين 
به يكون الخبر من قبيل المتواتر» وذلك بأن يفرض الشخص الذي يروم ضبط 
العدد الأقل عددا وليكن واحدا ‏ ثم يتدرج برفع العدد» ثم ينظر في كل 
عدد مفروض ما يتطرق للخير الصادر من هذا العدد من ريب وغلبات 
ظنون واحتالات. حتى يصل إلى عدد ينقطع فيه الاحتال ولا يتطرق إليه 
ريب أو غلبة ظن. يقول إمام الحرمين: ( إن رام ذو تحصيل في ذلك 
ضبطاء فليفرض خبر واحد عن محسوس. ثم خبر اثنين» ثم كذلك فزايدا 
صاعداء وهو في ذلك كله يعلم ما بطرقه من الريب وغلبات الظنون حتى 
ينتهي الأمر إلى العلم الضروري» فإذا أدركه وانتفى عنه كل ريب.» ضبط 
العدة في المخبرين وقدر أقل عدد التواتر)”©. 
9 اليرهان ج ١‏ ص لالاه ‏ 94ا0. 
(مم البرهان ص 01/8. 


(5*) البرهان ج ١‏ ص 4/اه. 
[فكية الإرشاد ص 56 


هه" 





إلا أنه في البرهان انتقد هذه الطريقة واعتير محاولة ضبط العدد الأقل 
من قبيل المستحيل إذ جاء فيه: (الكثرة من جملة القرائن التى تترتب 
العلوم المجتباة من العادات. مع انضمام انتفاء الإيالات عنهاء وكل قرينة 
تتعلق بالعادة» يستحيل أن تحد بحد. أو تضبط بعد. وماعندي أن ذلك 
يخفى على (المتطرفين) في هذا الفنء فليت شعري كيف تشوفوا إلى ضبط 
ما يستحيل ضبطه ثم اختلفوا وتقطعوا؟)”©. 

وكأن الدكتور عبدالعظيم الديب فهم أن إمام الحرمين يجعل من المتواتر 
الخبر الذي يرويه الواحد واحتفت به القرائن المفضية به للعلم إذ قال 
الدكتور: (فا الذي يرعاه من الأعداد اد ويرضاه من الأراء؟ يرى شي الله 
عنه أن العبرة بقرائن الأحوال التي تعقب العلم. فلو ثبتت هذه القرائن 
العلم من غير نظر إلى عدد. أي يكفي مع القرائن أن يكون المخر 
واحدا)9” , 

ونحن مع الدكتور في أن إمام الحرمين يرى أن خبر الواحد إذا احتفت 
به القرائن أفاد العلم بالمخبر به. ولكن هل يرى مثل هذا الخبر من قبيل 
المتواتر؟ 

هذا مالا أفهمه من كلام إمام الحرمين. 

أما في الإرشاد فرأيه صريح في أن خبر الواحد وإن أفاد علما فلا يعتبر 
من قبيل المتواتر. ٍ 

وكذلك في البرهان إذ جعل العدد شرطا من شروط الخبر لكى يكون 
متواتراء وفي هذا دلالة على أن الخبر الواحد وإن أعقب علما لا يعد من 
قبيل المتواتر» وإلا لكان إمام الحرمين متابعا للنظام الذي فهم منه أصحاب 
المقالات عدم اشتراطه العدد كما سبق بيانه. 

وما يؤكد ماذهبنا إليه قول الغزالي في المنخول: (وقد أجمع أصحابنا على 
اعتبار أصل العدد وإن اختلفوا في أقله. وقد أحالوا تلقي العلم الضروري 


شه البرهان ج ١ا‏ اص ١8مه.‏ 
(9*) فقه إمام الحرمين فقرة 1١145‏ ص .١95‏ 


50د 


من شخص واحد نخلافا للنظام)*2 . 


الشرط الثالث: استمرار عدد التواتر أيا كان هذا العدد المعتبر. حيث يرى 
إمام الحرمين أن هذا العدد لابد وأن يكون متحققا فيمن رووا الخبر أول 
مرة» وأن يبقى متحققا فيمن رووا عنهم طبقة بعد طبقة حتى الطبقة الأخيرة 
منبمء بحيث إذا قل عدد التواتر في إحدى هذه الطبقات لا يكون متواترا. 
يقول إمام الحرمين: (ثم إن كان المخبرون أنبؤوا عما شاهدوه وعلموه ضرورة 
من غير واسطة. فالكلام ىا ذكرناهء» وإن نقلوا ما أنبؤوا عنه عن آخرين. 
ونقل أولئك عن متقدمين» وتناسخت الأعصارء وتواترت الأخبار. فلا يحصل 
العلم الضروري بالمقصود من الخير إلا عند استواء طرفي المخبرين 
وواسطتهم. والمعني بذلك أن يكون المخبرون عن المقصود أولا على عدد 
التواتر» وكذلك المخبرون عنهم إلى أن يتصل الخبر بناء فلو انخرم شرط 
من شرائط التواتر في الأول أو في الآخر أو ني الوسائط. لم يحصل العلم 
بالمخبر عنه المقصود بالخب)9. 

وبما يجدر ذكره أن استمرار العدد المعتبر في كل الطبقات في أوله وأوسطه 
وآخره. الذي اشترطه في الإرشاد وذكرناه انفاء والذي يعتيره الأصوليون شرطا 
الثا مستقلاء لم يعتبره شرطا ثالثا مستقلا في البرهان. بل انتقد الأصوليين 
قائلا: (فمما ذكره الأصوليون في شرط التواتر: استواء الطرفين والواسطة. 
وعنوا به أن العصور إذا تناسخت فلا يكفي توافر الشرائط. وكال العدد 
في طرف النقل من الرسول يَكيْهْ مثلاء بل ينبغي أن يدوم ذلك في كل عصرء 
وقد ينقلب ما تواتر أحاداء وقد يندرس ما تواتر دهراء على ما سيأي ذلك» 
فالتواتر من أخبار الرسول ككِدِ في حقوقنا ما اطردت الشرائط فيه» عصرا بعد 
عصر. حتى انتهى إليناء وهذا لاخفاء به. ولكنه ليس من شرائط التواترء 
وحاصل ذلك أن التواتر قد ينقلب أحادا. وليس الأمر كذلك ولكنه من 
(8*) المنخول من تعليقات الأصول ص 8"؟. 


يرد على كلامه هنا ما ذكرناه أنفا أن خبر الواحد الذي احتفت به القرائن يفيد علما ضروريا. 
(9*#) الإرشاد. ص .4١6©‏ 


د#م#كخك1١-‎ 


تفاصيل القول فيا يتواتر وينقلب آحاداء وليس من شرائط وقوع التواتر)9»». 

ولا يشترط إمام الحرمين أن يكون الرواة الذين يروون الخبر عدولا أو 
مؤمنين» حتى يكون الخبر متواتراء معللا عدم اشتراطه عدالة الرواة وإيمانهم 
بأن (... الأخبار إذا تواترت من الكفار في بلدهم بأن ملكهم قد قتل 
فنضطر إلى صدقهم. و إذا أخبروا عن ذلك في أقاصي ديارهم. علمنا 
صدقهم عند شرائط التواتر)2). 

كا أنه لايشترط أن يكون الرواة متباعدين على تنائي الديار» وأوضح 
السبب قائلا: (فإن أهل البلدة الواحدة إذا أخبروناء وهم الجم الغفير» 
علمنا صدقهم. وإن كانت البلدة جامعة لهم)9». 

ولا يشترط إمام الحرمين أن يكون الرواة على ملل. مختلفة» والسبب في 
ذلك ما يقوله من (أن أهل بغداد مثلا لو أخرجوا من بين أظهرهم كل 
ذمي. ثم أخبروا عن واقعة جرت. فإنا نصدقهم مع تمسكهم بلملة 
الواحدة)9)) , 

كا أنه لا يشترط ما اشترطه اليهود من أن يكون المخبرون أصحاب ذلة, 
وصغارء بل العلم يحصل باضطرارء إذا أخبر جماعة عظيمة مع توفر القرائن 
عن واقعة وإن لم يكن من جملتهم أهل ذلة9». 
- حجية الخبر المتواتر - عند المتكلمين ‏ في إثبات العقائد: 


يرى المعتزلة أن الخبر المتواتر يفيد العلم الضروري بالمخبر به وأن أقل 
عدد يحصل به التواتر يكون حمسة. 

ويشترطون أن يعلم المخبرون الخبر عن اضطرار لا عن نظر واستدلال 
يقول القاضي عبدالحبار: (مايعلم صدقه اضطراراء فكالأخبار المتواترة» نحو 


(50) البرهان ج ١‏ ص (١2ىه.‏ 
)ع2 الإرشاد. ص .4١5‏ 
(؟:) الإرشاد. ص .4١5‏ 
(45) الإرشاد. ص .4١5‏ 
(454) البرهان ص 54١ه.‏ 


كل 


الخبر عن البلدان والملوك وما يجري هذا المجرى. ونحو خبر من يخبرنا أن 
النبي كه كان يتدين بالصلوات الخمس وإيتاء الزكاة والحج إلى بيت الله 
الحرام وغير ذلك. فإن ماهذا سبيله يعلم اضطرارا. وأقل عدد» الذين 
يحصل العلم بخبرهم حمسة. حتى لا يجوز حصوله بخبر الأربعة. ولا يكفي 
خير الخمسة على أي وجه أخبرواء بل لابد من أن يكون خبرهم مما عرفوه 
اضطراراء وهذا لا يجوز ان يحصل لنا العلم الضروري بتوحيد الله وعدله 
بخبر من يخبرنا عن ذلكء ل لم يعرفوه اضطرارا)”». 

وبناء على ما يقرره المعتزلة هنا من إفادة الخبر المتواتر للعلم اليقيني 
ضرورة» فهل يعتبرونه حجة في إثبات العقائد إذا استجمع شروط التواتر؟ 

الواقع أن منهج المعتزلة يقوم على أساس أن الأصل في إثبات العقائد 
هو الدليل الس ومن ثم إذا كان الخير المتواتر موافقا لدلالة العقول بل 
مضمونه العقدي لا بالنظر إلى نفس الخبر بل اعتبارا لدلالة العقل» أما إذا 
خالف الخير المتواتر ما يدل عليه العقل عندهم فإنهم يقطعون بعدم صحة 
نسبته إلى الرسول ومن ثم لا يثبتون به العقائد. وبناء على هذا ردوا أحاديث 
الرؤية محتجين بأنها من قبيل الآحاد. فالأحاديث في الرؤية بلغت ثلاثين 
حديثاء يقول ابن حجر: (جمع الدارقطي طرق الأحاديث الواردة في رؤية 
الله تعالى في الآخرة فزادت على العشرين» وتتبعها ابن القيم في حادي 
الأرواح فبلغت الثلاثئين وأكثرها جيادء وأسند الدارقطني عن يحبى بن معين 
قال عندي سبعة عشر حديثا في الرؤية صحاح)9». 

ومع هذا فإن المعتزلة ترفض الأحاديث الواردة في الرؤية بحجة أنها من 
قبيل الآحاد. جاء في المغنى : (إن جميع ما رووه وذكروه «يعني في في الرؤيةه 
أخبار أحاد, ولا يجوز قبول ذلك فيها طريقه العلم)9). 


)ه20 العدد هكذا فقي الكتاب بال التعريف ولعله خطأ مطبعي . 

(45) شرح الأصول الخمسة ص 758. 

(40) فتح الباري بشرح صحيح الإمام ابي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري للإمام الحافظ أحمد بن 
حجر العسقلاني ج5١‏ ص 154 . 

(48) المغنى في أبواب التوحيد والعدل للقاضي أبي الحسن عبدالجبار ج 4 ص 756 . 


تريس 








ويقول القاضي عبدالجبار أيضا: (إِنْ صح هذا الخبر «خبر أنكم سترون 
ربكم» فأكبر مافيه أن يكون خيرا من أخبار الآحادء وخير الواحد ما لا 
يقتضي العلمء ومسألتنا طريقها القطع والثبات)9). 

وهذا يدل على أن القوم أصحاب هوى. فيقبلون مايوافقهم ويرفضون 
ما يخالف اراءهم وإن كان حجة حسب أصوطهم. 

وكذلك فعلوا في حديث محاجة موسى لآدم. 

يقول القاضي عبدالجبار: (وأما مايروون من قصة. أدم وموسى عليهم| 
السلام» فقد دفعه شيوخنا رحمهم الله. لأنه لا يحتمل التأويل» إذ العقل 
يمنع من القول بأن العاصي لا يلام» ويوجب كون الشيء كافرا. وهذا 
ما لايجوز على من يعرف الله فكيف على الأنبياء كلخ)”». 

والقاضي يشير إلى الحديث الصحيح الذي رواه البخاري في كتاب القدر 
عن أبي هريرة عن النبي كلل قال: احتج آدم وموسى فقال له موسى : ياادم 
أنت أبوناء خيبتنا وأخرجتنا من الجنة. قال له أدم: ياموسى اصطفاك بكلامه 
وخط لك بيده أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ 
فحج آدم موسى فحج آدم موسى ثلانا)00 , 

وهذا الحديث أنكره المعتزلة مع ثبوته لتعارضه مع مذهبهم في القدر يقول 
ابن عبدالير: (هذا الحديث ثابت بالاتفاق. رواه عن أبي هريرة جماعة من 
التابعين» ورويَ عن النبى كَل من وجوه أخرى من رواية الأئمة الثقات 
الأثبات . ْ 

قلت: (المتكلم ابن حجر): وقع لنا من طريق عشرة عن أبي هريرة)7©. 

ومع هذا فالمعتزلة تصرح برده مع ثبوته قطعا عن النبي عَيِةِ . 

وأيا كان موقف المعتزلة من الاستدلال بالخير المتواتر في إثبات العقائد من 
الناحية النظرية» فإننا نلحظ عليهم من الناحية العملية أنهم لم يثبتوا به شيئا 
(50) المغني في أبواب التوحيد والعدل ج م ص 84". 


)61١(‏ فتح الباري بشرح صحيح البخاري ج ١١‏ ص 08ه. 
(09) فتح الباري بشرح صحيح البخاري ج ١١‏ ص 05ه. 


- 551ل 


من العقائد إلا في النادر منهاء كإثباهم صدق النبي في دعوى الرسالة بناء 
على ماتواتر من الأخبار عن وجوده وادعاثه النبوة وظهور المعجزات على يديه. 

يقول القاضي عبدالجبار: (فان قيل مادليلكم على نبوة محمد...؟ 

قيل: الدليل عليه أنه قد ادعى النبوة وظهر عليه المعجر). 

ثم قال: (ولا يمكنك أن تعرف صحة هذه الجملة إلا إذا عرفت وجود 
محمد كلوه وأنه قد ادعى النبوة. وظهر عليه القران. وسمع منه ولم يسمع 
من غيرهء وأنه تحدى العرب بمعارضته وقرعهم بالعجز عن الإتيان بمثله 
فلم يأتوا به» لا لوجه سوى عجزهم وقصورهم عن الإتيان بمثله» فمتى 
عرفت هذه الوجوه كلها كنت عارفا بنبوة محمد ككل . 

أما وجودهء وادعاء النبوة.» وأن القرآن معجز ظهر عليه وسمع منه وم 
يسمع من غيره فمعلوم ضرورة» ولا مانع يمنع من حصول العلم بهذه 
الأشياء وما جانسها اضطراراء فإن العلم بالملوك والبلدان وبكون المصنفات 
منسوبة إلى مصنفها ضرورة)9" . 

وفيها عدا إثبات صدق النبي كَللةِ بالأخبار المتواترة» لا نجدهم يحتجون 
على شيء من العقائد بتلك الأخبار» لمبجهم العقلٍ ى) قدمناء ولعدم 
اشتغالهم بالحديث وعدم معرفتهم ‏ لذلك - بطرق تمييز المتواتر منها وغير 
المتواتر. الأمر الذي جعلهم يخالفون منبجهم برد أحاديث الرؤية والأحاديث 
المثبتة للصفات الخبرية.» بحجة أنها ليست من قبيل المتواتر» مع كثرة رواتها 
وتواترها تخالفين بذلك قوهم بأن أقل عدد يثبت به التواتر خمسة رواة. 

وإذا جثنا إلى الإمام الأشعري فإننا نراه يحتج في إثبات العقائد بالسنة 
الصحيحة بصفة عامة. كما يبدو ذلك واضحا في كتاب «الإبانة) وهو الأمر 
الذي سنذكره عن الأشعري عند عرضنا لموقفه من الاستدلال بأخبار الآحاد 
في إثبات العقائد. 

وإذا كان الأشعري يحتج بالآحاد في اثبات العقائد ‏ كما سيأتي - فإن 


(09) شرح الاصول الخمسة ص 088 - 085. 


"56 





ذلك يدل من باب أولى على استدلاله بالأخبار المتواترة على ذلك. 

كا أن الباقلاني قد بين في التمهيد أن الخبر المتواتر يحصل به العلم 
ضرورة» وأن من شروطه أن يكون المخبرون أكثر من أربعة. وأن يكون 
علمهم بالمخبر به حصل لهم ضرورة» وأن يستمر هذا العدد في أول الرواة 
ووسطهم واخرهم . 

ولا يشترط فيهم تباعد الديار واختلاف الأديان واختلاف النسب9». 

وبغض النظر عن مدى صحة ما يذهب إليه الباقلاني من اشتراطه 
لتحقيق تواتر الخبر- أن يكون رواته أكثر من أربعة» فإننا نرى في حكمه 
في إفادة الخبر المتواتر للعلم اليقيني» ما يدل على صحة الاحتجاج به في 
إثبات العقائد عنده من الناحية النظرية. 

وإن كان من الناحية العملية نادرا ما يحتج به في باب العقائد. 

ومن العقائد التي استدل بالخبر المتواتر على إثباتها إثبات ختم النبوة» إذ 
سأل على لسان الخصم (ما الذي يدل عندكم على منع نبي بعد نبيكم؟). 

فأجاب قائلا: قيل لهم الخبر الوارد عنه ككِ وهو ما نقله كافة الأمة من 
قوله «لانبي بعدي)”” وقد نقلوا مع ذلك عن سلفهم. والسلف عن 
سلفهم. حتى يتصل ذلك بمن شاهد)””». 

وفي إثبات الشفاعة لأهل الكبائر بالخبر المتواتر يقول الباقلاني (وما يدل 
على جواز الغفران لعصاة أهل الملة ما ورد من الأخبار الثابتة المتظاهرة في 
إثبات شفاعة الرسول ككْةِ في أهل الكبائر ‏ نحو قوله عليه السلام: «ادخرت 


(081) انظر التمهيد ص 87#" - 868". 

(هه) رواه الترمذي في سننه عن ثوبان قال: قال رسول الله يِ: لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل 
من أمتي با مشركين وحتى نعبدوا الأوثان. وإنه سيكون في أمتى ثلاثون كذابون كلهم يزعم أنه 
نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي. 
قال أبوعيسى: هذا حديث حسن صحيح ج 4ع ص 1# ح: 5515. 

(5ه) التمهيد ص .١8١‏ 


355 - 


شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي) )0 

ثم قال (والأخبار في الشفاعة أكثر من أن يؤتى عليهاء وهي كلها 
متواترة» متواخية على خروج الموحدين من النار بشفاعة الرسول)9”. 

ومهما يكن من ندرة استدلال الباقلاني بالأخبار المتواترة في إثبات العقائد, 
فإن استدلاله بذلك في إثبات ختم النبوة وني إثبات الشفاعة» يشهد لا 
قررناه سابقا من حجية الخبر المتواتر في إثبات العقائد عنده. 

ويشهد لما كذلك استدلاله ‏ في إثبات العقائد ‏ بأخبار الآحاد ىا 
سيأقي. حيث يدل ذلك على حجية الخبر المتواتر من باب أولى. وكذلك 
لا نجد الباقلاني يرفض شيئا من السنة بحجة أنها من أخبار الآحاد بل 
يجمع بين نصوصها دفعا للتعارض وإن كان قليل الاستدلال بالسنة ‏ في باب 
العقائد - بصفة عامة. 


ه ‏ حجية المتواتر في إثبات العقائد عند إمام الحرمين ودفاعه عنه: 


يرى إمام الحرمين أن الخبر المتواترء إذا توافرت شرائطه وتكاملت صفاته. 
استعقب العلم بالمخبر به على الضرورة”©. 

ويرى إمام الحرمين أن الخير المتواتر لا يوجب العلم بالمخير عنه لعينه» 
وإننا سبيل إفضائه إلى العلم بالمخبر عنه استمرار العادات» ومن جائزات 
العقول أن يخرق الله العادة فلا يخلق العلم بالمخبر عنه وإن تواترت الأخبار 
عنه310) , 


وما قاله الجويني بناء على أصل الأشاعرة في نفي العلة والتعليل» وبناء 


(7ه) ذكر اطيثمي في بجمع الزوائد حديثا عن ابن عباس قال كنا نمسك الاستغفار لأهل الكبائر حتى 
سمعنا نبينا يلدٍ يقول: إني ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي يوم القيامة. فأمسكنا عن كثير 
تما كان ف أنفسنا ورجونا هم . رواه الطبراي في الأوسط وفيه حرب بن سريج وقد وثقه غير 
واحد وفيه ضعف وبقية رجاله رجال الصحيح ج١٠.‏ ص4لا". 

(68) التمهيد ص 56”". 

(9ه) التمهيد ص 75607. 

(60) الإرشاد. ص ؟١4.‏ 

ر١!ى‏ الإرشاد, ص .5١3©‏ 


0 








على أصلهم أن الارتباط بين الأسباب والمسيبات ه هو ارتباط من قبيل العادات 

وليسا ارتباطا عقليا. 

وإذا كان رأى الجويني وجميع أهل الحق أن الخير المتواتر بشروطه وصفاته 
يفيد العلم ضرورةء» فقد وجد من يشكك في حصول العلم عقب الخبر 
المتواترء زاعمين أن الراوي منفردا لا يفيد خيره العلم. فانضام خير غيره 
إليه لا يغير في حكم خبره, والنتيجة أن مجموع الأخبار لا يفيد إلا ما يفيده 
خبر الواحد. ولقد اعتبرهم إمام الحرمين متعسفين في معرض تصويره لشبههم 
إذ يقول: (فإن رام متعسف قدحاء وقال: كل واحد من المخبرين لو انفرد 
بأخباره لم يفد علماء وانضمام خبر غيره إلى خبره لا يحيل حكم خبره. فيلزم 
أن لا يفيد مجموع الأخبار مالم يفده الخبر الواحد)9©. 

وقد أجاب الجويني مفندا هذه الشبهه بالاعتاد على العادة, إذ يمتنع عادة 
أن يتواطأا عدد كثير وجم غفير على الكذب. حتى في الأمور العادية 
المتكررة. ومن زعم ذلك فيعتبر كلامه خلفاء بمثابة من يجيز انقلاب الجبال 
ذهبا. يقول إمام الحرمين: (وهذا الذي ذكروه لا تحصيل له. فإنا أوضحنا 
أن الخبر المتواتر لا يوجب العلم بالمخبر عنه. وإن| يعقبه العلم مع استمرار 
العادة. . . ونظير ذلك من مستمر العادة أنه لا يبعد قيام شخص واحد في 
وقت معين. ولو قيل قام في هذا الوقت عدد كثير وجم غفير لا يحصون 
من غير تواطؤ منهم ولا مستهم حاجة, ودعتهم داعية إلى القيام عامة. فيعلم 
أن هذا الخبر خلف. فإنه على خلاف العادة. وهو بمثابة الخير عن انقلاب 
الجبال ذهبا. . .)29 

وقد أصاب إمام الحرمين فيا ذهب إليهء فإذا كان خبر الواحد لا يفيد 
اليقين. فإن أخبار الجمع المتواتر يكون لما من الخصائص بهذا التجمع 
مالايكون للخير الواحد منفردا. حيث نستفيد اليقين من خير الجميع وقد 


لا نستفيده من خير الواحد. 





59) الإرشاد. ص .4١5‏ 
(55) الإرشاد. ص .4١7‏ 


 ”54- 


والواقع أن تصوير الشبهة كاف في الرد عليهم. فكل عاقل يدري أن 
سماع الخبر من مئة أقوى بكثير من سماعك الخبر من شخص واحدء فتعدد 
المخبرين يوجد عند السامع علا ضروريا قد لا يجده عند سماعه من واحد. 
يقول شيخ الإسلام: (وكل واحد من اللقم والجرع والأقداح لا يشبع ولا 
يروي ولايسكر. فإذا اجتمع من ذلك عدد كثير أشبع وأروى وأسكر وكل 
واحد من الناس لا يقدر على قتال العدوء فإذا اجتمع طائفة كثيرة قدروا 
على القتال. فالكثرة تؤثر في زيادة القوة وزيادة العلم وغيرهما)9" , 

ومع أن إمام الحرمين عرض شبهة هذه الفئة في الإرشاد وناقشها إلا أنه 
في البرهان عرض مذهب السمنية القائلين (بأنه لا ينتهي الخبر إلى منتهى 
يفضي إلى العلم بالصدق)2"©. 

ثم وجه كلامهم وحمله على أنهم يقصدون أن العدد وإن كثر فلا يكفي 
حتى يعلم الإنسان عدم وجود إيالة جامعة تجمعهم . أي حتى يتحقق 
الإنسان من عدم وقوع تواطؤ منهم9©. 

وأيا كان رأينا في توجيه إمام الحرمين لكلام السمنية في هذا المقام. فغاية 
ما قدمناه عنه أن الخبر المتواتر يفيد العلم اليقيني. هذه حقيقة يقررها إمام 
الحرمين ويرد على منكريها. 

وبناء على ذلك فإن مقتضى كلامه من الناحية النظرية» أن الخير المتواتر 
عن رسول الله يلق حجة في إثبات القضايا الاعتقادية» لأنه يفيد العلم 
الضروري بتلك العقائد التى تضمنتها الأحاديث المنقولة تواترا عنه يله . 

ومن الناحية العملية نرى إمام الحرمين يستدل في إثبات بعض العقائد 
بالأخبار المتواترة على نحو ما سنذكره في الفقرة التالية. 

بل نراه يستدل في إثبات العقائد بأخبار الآحاد التى لا تعارض دلائل 
العقول كما سيأتي في بيان موقفه من الاستدلال على العقائد بأخبار الآحاد. 





(54) منهاج السئة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية. تأليف شيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم بن 
تيمية ج48 ص /اه". 

(56) البرهان ج ١‏ ص 4لاه. 

(5) انظر اليرهان جَ ١‏ ص هلاه. 


754 - 


فهذا يدل على حجية المتواتر عنده في إثبات العقائد من باب أولى» وينبغي 
أن نقرر هنا أن حجية المتواتر أو الآحاد ني باب العقائد عند إمام الحرمين 
مرهونة بعلم خالفتها للأدلة العقلية عنذه وإلا أسقط حجيتها وتناولها بالرد 


والتأويل . 
5 من مواضع استدلال إمام الحرمين بلمتواتر في إثبات العقائد : 

وتبعا لا قرره إمام الحرمين من حجية المتواتر في إثبات الأحكام الدينية 
لما يفيذه من العلم اليقيى » فإننا نراه يستدل به على العقائد الدينية الآتية : 
أولا - ظهور القرآن على يد النبي 6 : 

عرض إمام الحرمين لتشكك بعضهم في ظهور القران على يدى محمد مَل 
مطالبين بالدليل على ذلك متسائلين: لم لا يكون القرآن مختلقا بعد 
محمد يك . إذ يقولون كما يحكي عنهم إمام الحرمين: (ما دليلكم على أن 
نبيكم أظهر القران؟ وما يؤمنكم أن يكون ذلك مختلقا بعده؟. 

وقد أجاب إمام الحرمين عن هذا التشكك بأن ظهور القران على يد 
محمد َل معلوم بالضرورة» لثبوته بالتواتر» والتشكك في ذلك كالتشكك في 
وجود محمد عَيِدِ وفي وجود الدول والوقائع الي ثبت العلم مها ضرورة. يقول 
أن نبينا عليه السلام كان يدرس القرآن ويتلوه» ويعلمه صحبه وأتباعه. وما 
ثبت تواترا معلوم على الضرورة وجحد ذلك بمثابة جحد كون محمد علد 5 
الدنياء وهذا كجحد الدول والوقائع وأيام الماضين)9" . 


ثانيا - وقوع التحدي بالقرآن: 
٠. 0 5 ٠.‏ 3 
كما عرض إمام الحرمين لتساول بعضهم عن الدليل على ثبوت التحدي 
بالقرآن فبين أن معرفة التحدي بالقران معلوم بالضرورة لأنه ثابت بالتواتر. 


50) الإرشاد.» ص 48". 


3 - 


يقول إمام الحرمين: (فإن قيل: فإن سلم لكم ظهور ذلك منه في زمانه, 
ف دليلكم على تحديه به وتعجيزه الأمم بالدعاء إلى معارضته؟ قلنا: هذا 
أيضا معلوم على الضرورة, فإن رسول الله كك لم يزل مدليا بالقرآن؛ مدلا 
به مدعيا اختصاصه بكتاب الله تعالى المنزل عليه. ومن أنكر ادعاء استيثاره 
به وتعلقه بتخصيص الرب تعالى إياه بكتابه.» فقد جحد ماتواترت الأخبار 


عنه)48" , 


الثا - ظهور المعجزات من النبي وله : 

وقد أثبت إمام الحرمين كذلك معجزات الرسول كلخ الحسية بالتواتر 
المعنويٌ كما يسميه العلماء. ومن ذلك إنطاق العجماء ونبع الماء من خلل 
الأصابع وتسبيح الحصى وتكثير الطعام القليل. يقول إمام الحرمين: (المرضي 
عندنا أن احاد هذه المعجزات لا تثبت تواتراء لكن مجموعها يفيد العلم 
قطعا لاختصاصه بخوارق العادات. كما أن احاد البذل من حاتم لاتثبت 
تواتراء ولكن مجموعها يفيد العلم على الضرورة بسخائه. وكذلك القول في 
جسارة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وشجاعته)*©. 
رابعا - عذاب القبر: 

كها أثبت إمام الحرمين عذاب القبر ومساءلة منكر ونكير باستعاذة 
الرسول كه المتواترة من عذاب القبرء وفي ذلك يقول (فمنها «أي من أحكام 
الآخرة» إثبات عذاب القبر ومساءلة منكر ونكير. والذي صار إليه أهل الحق 
إثبات ذلك. فإنه من مجوزات العقول. والله مقتدر على إحياء الميت وأمر 
الملكين بسؤاله عن ربه ورسوله. وكل ماجوزه العقل. وشهدت له شواهد 
السمع. لزم الحكم بقبوله.» وقد تواترت الأخبار باستعاذة الرسول وَكِعَ بربه 
من عذاب القبرء ونقل أحاد من الأخبار في ذلك تكلف. ثم لم يزل ذلك 


(58) الإرشاد. ص 48". 
59١‏ الإرشاد, ص 4ه". 


الل 








خامسا ‏ إثبات البعث: 
وقد استند إمام الحرمين في النظامية إلى التواتر في إثبات البعث وني ذلك 
يقول: (فإذا ثبت الحواز «جواز البعث» فقد نطق الكتاب ومتواتر السئن بنشر 
الخلائق ليوم الدين وقيامهم لرب العالمين©. 
سادسا ‏ إثبات الميزان وصفته: 

ولقد أثبتهما إمام الحرمين في النظامية بالأخبار المتواترة إذ يقول: (وقد 
تواترت الأخبار في الميزان وصفته)9” . 
سابعا: رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة: 

يثبت إمام الحرمين رؤية الباري تعالى يوم القيامة. ولقد أثبت جواز رؤيته 
(.. وما لم يحله العقل التحق بالجائزات سيما إذا اعتضد بالنصوص القاطعة 
في الكتاب والسنة. . .)29 , 

وتما يجدر ذكره أن إمام الحرمين لا يعتبر قاطعا من السنة إلا ماكان 
متواترا . 
ثامنا - صحة إمامة أبي بكر: 

وعندما حاول الشيعة الطعن في إمامة أبي بكر الصديق رضي الله عنه. 
بين إمام الحرمين توافر شروط الإمامة فيه» ومن تلك الشروط العلم والورع ‏ 
(7) الإرشاد. 8/ا". 
)9/١(‏ النظامية ص 918. 
(77) النظامية ص .8١‏ 

قلت: وقد ذكر ابن تيمية أن الأخبار في الميزان تواترت تواترا معنويا. مجموع الفتاوي ج 1١8‏ . 


ص 596 أ 
(7) النظامية ص 94". والذي في الكتاب (من) بدل (ما) (واعتقد) بدل (اعتضد) ولعله خطأ مطبعي. 


ع 3 


بالتواتر المعنوي. وفي ذلك يقول: (ومن شرائطها «أي الإمامة) العلم. 

ونحن على اضطرار نعلم أنه كان من أحبار الصحابة ومفتيهم, لا ينكر عليه 
أحد في تصديه للتحليل والتحريم» وأما الورع فنقطع به في زمن النبي مَل 
ويعلم دوامه. إذ لم يثبت قادح فيه مقطوع به وإجماع الصحابة 0 
يع تشميرهم للبحث عن الدين أصدق أية على ورعه. وورعه قل إلينا 

نَقْلَ جود حاتم وشجاعة عمرو بن معدي كرب وغيرهما فلا معنى للمماراة 


فيه)(4") 8 





(7/5) الإرشاد. ص 459. 


سروف 5 


الفصل الثاني 


الاستدلال بخبر الآحاد 

١‏ - تعريفا خير الآحاد: 

عرفه الآمدي قائلا: (خبر الآحاد ماكان من الأخبار غير منته إلى حد 
التواتر) 2" , 

وهذا هو ما اصطلح عليه الأصوليون كما ذكر ذلك ابن حجر"”". 

ومن هنا يتبين لنا أن جمهور الأصوليين يقسمون الخبر إلى متواتر وإلى 
ماليس بمتواتر وهو الآحاد.» بصرف النظر عن درجة صحته وهل هو من 
قبيل المظنون أم من قبيل المكذوب. 

ولقد تبين لنا من دراسة المتواتر عند إمام الحرمين العلاقة بين بر المتواتر 
والخبر المجزوم بصدقه. وأنها علاقة عموم وخصوص مطلق فكل خبر متواتر 
مجزوم بصدقه. وليس كل خبر مجزوم بصدقه متواتراء كخبر الواحد الذي 
احتفت به القرائن الدالة على صدقه كما سبق بيانه. 

وحيث إِنْ الخبر ينقسم إلى المجزوم بصدقه والمجزوم بكذبه والمظنون, 
فنريد أن نحدد مفهوم خبر الواحد عند إمام الحرمين وماذا يريد به. فهل 
يريد به كا ذكرته انفا ملم يتواتر بصرف النظر أكان الخبر مكذوبا أم 
مظنونا. . أم يريد به الخير المظنون دون المكذوب؟ هذا ما ستبينه من خلال 
ماجاء فى كتبه. 


7 


فقد جاء في الكافية قول إمام الحرمين: (وأما خخير الواحد فكل بر لم 


[فقة الإحكام في أصول الأحكام للآمدي جَ >" ص 464. 
جحلل فتح الباري لابن حجر ج ”ا ص 377 . 


- "0/6 


يدخل في حد الكثرة.» دخل فيه الواحد والاثنان إلى خمسة وستة 
وعشرة. . .)09 , 

فمن هذا التعريف لخبر الواحد نجد أن مفهومه عند إمام الحرمين يشمل 
الخبر بأقسامه الثلاثة: المجزوم بصدقه والمجزوم بكذبه والخبر المظنون. أي 
إنه يشمل المتواتر. لأن خبر الخمسة ومافوق إذا جزمنا بصدقهم أصبح خيرهم 
من قبيل المتواتر. ولذ! فإن هذا التعريف غير مانع. 

ولقد جاء في الإرشاد (وكل خبر لم يبلغ مبلغ التواتر فلا يفيد علما بنفسه. 
إلا أن يقترن به ما يوجب تصديقه مثل أن يوافق دليلا عقليا أو تؤيده 
معجزة. أو قول يؤيد بمعجزة تصدقه. وكذلك إذا تلقت الأمة خيرا 
بالقبول. وأجمعوا على صدقه فنعلم صدقه. فإن فقد ماذكرناه؛ ولم يكن الخبر 
متواتراء فهو المسمى بر الواحد في اصطلاح المتكلمين وإن نقله جمع)9". 

وعبارته هذه أخرجت الخبر المجزوم بصدقه من مفهوم خبر الواحد ولم تخرج 


الخبر المجزوم بكذبه. 
فكان تخير الواحد يشمل الخبر المجزوم بكذبه والمتردد بين الصدق 
والكذب. 


ولكنه في الورقات يخرج المجزوم بكذبه والمجزوم بصدقه من مفهوم خبر 
الواحد. إذ جاء في الورقات تعريفا لخبر الآحاد (وهو الذي يوجب العمل 
ولا يوجب العلم لاحتتال الخطأ فيه)9". 

فهذا التعريف يحصر خبر الآحاد كمصطلح في الخبر الذي لا يجزم بصدقه 
ولا يجزم بكذبه. فلو جزمنا بصدقه لأفضى إلى العلم. ولو جزمنا بكذبه 
0 أوجب العمل فهو إذن الخير المتردد بين الكذب والصدق أي الخبر 
المظنون6”0 . 1 


(/ا/ا) الكافية في الجدل ص 5ه. 

(8/) انظر الإرشاد. ص .4١9 - 4١5‏ 

(9/) الورقات ص .١١‏ 

(480) ذهب الدكتور عبدالعظيم إلى أن إمام الحرمين يرى أن خير الآحاد هو الذي لا يقطع بصدقه 
ولا بكذبه وأحال إلى الفقرة 015 ولكنني لم أجد هذا التعريف في الفقرة المذكورة. فقه إمأم الحرمين 
فقرة 2.1١44‏ 


سكا 








وهذا المفهوم لخبر الواحد بأنه الذي يوجب العمل ولا يوجب العلم.» هو 
ماذهب إليه الباقلاني قبل إمام الحرمين والذي يحكيه عن الفقهاء والمتكلمين 
قائلا: (غير أن الفقهاء والمتكلمين قد تواضعوا على تسمية كل خبر قصر 
عن إيجاب العلم بأنه خبر واحد وسواء عندهم رواه الواحد أو الجاعة التي 
تزيد على الواحد. وهذا الخبر لا يوجب العلم على ماوصفناه أولا ولكن 
يوجب العمل)7". 

إلا أن إمام الحرمين اعتبر الفقهاء متساهلين بجعلهم خير الآحاد يوجب 
العمل إذ يقول في البرهان (ثم أطلق الفقهاء القول بأن خبر الواحد لا 
يوجب العلم ويوجب العمل. وهذا تساهل منهم, والمقطوع به أنه لا يوجب 
العلم ولا العمل. فإنه لو ثبت وجوب العمل مقطوعا به. لثبت العلم 
بوجوب العمل. وهذا يؤدي إلى إفضائه إلى نوع من العلم. وذلك بعيد, 
فإن ماهو مظنون في نفسه يستحيل أن يقتضى علما مبتوتا) 9 . 

ولا يعني هذا أن إمام الحرمين لا يرى أن خبر الواحد حجة في العمل. 
بل الواقع أنه يرى ذلك كا سيأتي. إلا أنه يرى أن العمل بخبر الواحد 
غير مستفاد من خبر الواحد نفسه. وإن| لدليل اخر قطعي وهو إجماع 
الصحابة على العمل بخبر الآحاد وتواتر النقل عنهم بذلك7©. 

ففحوى كلامه في البرهان كى) سبق. يفهم منه أن خبر الآحاد يراد به 
الخبر المظنون الذي لا يقطع فيه بالصدق ولا يقطع فيه بالكذب. 

لأن من المسلم به أن الخبر المجزوم بكذبه لا يعمل به. وبهذا نستطيع 
أن نجزم أن إمام الحرمين في البرهان يخرج المجزوم بكذبه من مفهوم (خبر 
الآحاد) وأنه يعني به الخير المظنون9". 


(81) التمهيد ص 85”. 

(80) البرهان ج ١‏ ص 054. 

(م) البرهان ج ١‏ ص 500. 

(85) انظر البرهان ج ١‏ ص 8ه فقرة /ااه. 


الال 


؟" ‏ حجية خبر الآحاد في الأحكام العملية والرد على منكريها: 

لقد ذكر إمام الحرمين في البرهان مسلكين أثبت بهما حجية خبر الواحد 
في العمليات: 
المسلك الأول: يستند إلى أمر متواتر» إذ ثبت بالتواتر أن النبي يلةِ كان 
يرسل محملين بالشريعة وتفاصيل الحلال والحرام. وكانوا آحادا وخيرهم 
مظنون فهذا الإرسال الثابت بالتواتر يدل على أن خبر الواحد يجب العمل 
به. يقول إمام الحرمين: (وذلك أنا نعلم باضطرار من عقولنا أن الرسول 
عليه السلام كان يرسل الرسل. ويحملهم تبليغ الأحكام. وتفاصيل الحلال 
والحرام. وربما كان يصحبهم الكتب. فكان نقلهم أوامر الرسول ككلخِ على 
سبيل الآحاد. ولم تكن العصمة لازمة لهحم. فكان خبرهم في مظنة المظنونء 
وجرى هذا مقطوعا به. متواترا لا اندفاع له إلا بدفع التواتر» ولا يدفع 
المتواتر إلا مباهت)*4. 
والمسلك الثاني: مستند إلى إجماع الصحابة. 

فلقد ثبت إجماع الصحابة على العمل بخبر الواحد. وهذا الإجماع منقول 
بالتواتر. يقول إمام الحرمين: (... وإجماعهم على العمل بأخبار الآحاد 
منقول تواتراء فإنا لا نستريب أنهم في الوقائع» كانوا يبغون الأحكام من 
كتاب الله تعالى. فإن لم يجدوا للمطلوب ذكرا مالوا إلى البحث عن أخبار 
رسول الله كلك وكانوا يبتدون التعويل على نقل الاثبات والثقات . . .)02 . 

ولقد دافع إمام الحرمين عن حجية خبر الواحد في العمليات عارضا حجج 
المخالفين ثم دفعها. 

فمن لا يرى أن خبر الواحد حجة في العمل الروافض وبعض العتزلة 
ىا يذكر إمام الحرمين قائلا: (وذهب طوائف من الروافض إلى أن خبر 
الواحد لا يناط به وجوب العمل. وهؤلاء أنكروا الإجماع. . وقد مال إلى 


)8م البرهان ج ١ء‏ ص 5١0١‏ 
بكم البرهان ج ١‏ ص اءعك فقرة +6841. 


- 708 ل 





ذلك بعض العتزلة) 9" , 
ولقد اختلفت حجج المانعين فمنهم من يدعي أن العمل بخبر الواحد 


ومنهم من ذهب إلى أنه لا يستحيل عقلا ولا شرعاء ولكن الشارع منع 
من العمل به. 


ومنهم من يقول إن الشارع لم يمنع من العمل بهء ولكن لم يرد دليل 
قطعي يوجب العمل به فوجب التوقف. 

يقول إمام الحرمين: (ثم افترق نفاة العمل بخير الواحد. فذهب بعضهم 
إلى أن العقل يحيل التعبد بالعمل به وذهب الأكثرون إلى أنه لا يستحيل 
ورود الشرع به.ء وهو من تجويزات العقل. ثم افترق هؤلاء من وجه آخر: 
فذهب ذاهبون إلى أن في الشرع ما يمنع التعلق به. وقال آخرون لم تقم 
دلالة قاطعة على العمل به.ء فتعين الوقف)689. 

ويتلخص جواب إمام الحرمين عن حجج المانعين بإثبات وجوب العمل 
عند ورود خير الواحد. وأثبته بالإجماع والتواتر | سبق عرضه. 

ثم أبطل استحالة العمل بخبر الواحد عقلاء إذ يبين معنى الاستحالة» 
وأنه ما أن يراد بها استحالة الوقوع والوجود ىا يستحيل اجتماع النقيضين» 
وهذا باطل ودليل بطلانه تقدير وقوعه. فلو كان مستحيلا لا وقع ولكنه وقع 
فدل على عدم استحالته. 

يقول إمام الحرمين (فقد تكرر مرارا أن إطلاق الاستحالة يتردد بين أن 
يستحيل وقوعه وجودا كاستحالة اجتماع الضدين ونحوهاء وهذا ساقط. فإن 
تقدير اتباع العمل عند اتفاق أمر يغلب على الظن غير مستحيل قطعاء 
والواحد منا يكتسبه في حق مأموره وعبده. والمحالات يستحيل تقدير وقوعها 
شاهدا وغائبا)0*9 , 





(80) البرهان ج 2.١‏ ص 099 5000. 
4م البرهان ج ا.ا ص 5٠6١0‏ 
2844١‏ الرهان ج أ ص 505 


-0/4ا”# ل 








وما أن يراد بالاستحالة ما في ذلك من استفساد الخلق وأيضا أبطل 
ذلك : 


أولا : لأنه مبني على أصل لا يسلم به وهو القول بالصلاح والأصلح 
والتحسين والتقبيح العقليين. وعنده لا يجب على الله فعل الأصلح ولا 
حسن إلا ماحسنه الشرع ولا قبيح إلا ماقبحه الشرع. 
انيا : وهو من باب التنزل فليس في إيجاب العمل بخير الواحد نقيض 
الاستصلاح» فلا يمتنع عقلا أن في علم الله لو كلف الخلق باتباع غلبات 
الظنون لصلحوا ولو تركوا سدى حتى يجدوا اليقين لفسدوا. 

يقول: (ليس يستحيل تقدير وقوعه استحالة اجتماع الضدين. ولكن 
يستحيل وقوعه لما فيه من استفساد الخلق. وهذا ينجر الآن إلى الصلاح 
والأصلح. والاستفساد والاستصلاح وكل ذلك مرتب على التقبيح والتحسين 
العقليين.» وقد سبق القول فيها... . 

على أنا إن رمنا انتقالا عن هذه المحاجة. فليس يتجه هم ادعاء نقيض 
الاستصلاح» فإنه لا يمتنع في العقل أن يقع في علم الله أن الخلق لو 
كلفوا اتباع غلبات الظنون لصلحواء ولو تركوا سدى إلى وجدان اليقين 
لفسدواء أو كادواء فقد بطل جميع ماذكروه)”". 

أما دعواهم انحسام الدليل العقلي والسمعي في إيجاب العمل بخير 
الواحد فقد أبطلها الجويني» إذ هم منازعون في هذه الدعوى فكى) سبق. 
فقد أثبت العمل بخير الواحد بالتواتر والإجماع . 


© - موقف المتكلمين - قبل إمام الحرمين ‏ من الاستدلال بأخبار الآحاد 
في إثبات العقائد: 


يرى المعتزلة أن خير الواحد إذا ورد بشرائطه يجوز العمل به ولكنه لا 


(90) البرهان ج ١‏ ص 20# فقرة 847. 


- "8 





يقبل في القضايا الاعتقادية» إذ يقول القاضي عبدالجبار: (وأما مالا يعلم 
كونه صدقا وكذباء فهو كأخبار الآحاد وماهذه سبيله يجوز العمل به إذا ورد 
بشرائطه. فأما قبوله فيا طريقه الاعتقادات فلا)0©. 

ففي هذا النص يرفض خير الآحاد فيا طريقه الاعتقاد مطلقاء ولكنه 
مالبث أن فصل الموقف إزاء خبر الآحاد إذا ماجاء بمسألة عقدية» فإن كانت 
هذه المسألة مما يدل عليها العقل قبل الخبر واعتقد موجبه بسبب الدليل 
العقلي لا بسبب الخير. ْ 

وإن لم يؤيد بدليل عقلي لم يقبل موجبه وأوّل إن قبل التأويل وإلا جزم 
بأن النبي لم يقله. يقول القاضي عبدالجبار: (وههنا أصل آخر. وهو أن 
ماهذا سبيله من الأخبار فإنه يجب أن ينظر فيه. فإن كان مما طريقه العمل 
عمل به إذا أورد بشرائطه. وإن كان مما طريقه الاعتقادات ينظرء فإن كان 
موافقا لحجج العقول قبل واعتقد موجبه, لا لمكانه بل للحجة العقلية» وإن 
لم يكن موافقا لهاء فإن الواجب أن يرد ويحكم بأن النبي لم يقله. وإن قاله 
فإنم| قاله على طريقة الحكاية عن غيره. هذا إذا لم يحتمل التأويل إلا 
بتعسف, فأما إذا احتمله فالواجب أن يتأول. وتفصيل هذه الجملة موضعه 
أصول الفقه)69©, 

وهذا يدل على أن القاضى لا يقبل خبر الآحاد لذاته مطلقا في 
الاعتقادات. اللهم إلا إذا وافق دلالة العقول فيقبل مدلوله لدلالة العقل 
عليه.ء ومع هذا فإن القاضي عبدالجبار أثبت عذاب القبر محتجا با أخبر 
به النبي كَكْهْ في إثباته. كذلك أثبت وجود منكر ونكير بالخبر أيضاء مع أن 
العقل لا يدل على ثبوت ذلك اللهم إلا على مجرد الجواز. 

يقول القاضي عبدال جبار: (ومما يدل على ذلك «عذاب القير» ماروي أن 
النبي كلد مر بقبرين فقال: «إنهما ليعذبان وما يعذبان من كبير. كان أحدهما 


.959 شرح الأصول الخمسة ص‎ )94١( 
.97١ شرح الأصول الخمسة ص‎ )89( 


3581 


يمشى بالنميمة والآخر كان لا يتنزه من البول» «وروي: لا يستتر)»5" , 

ثم دافع عن معنى الحديث. 

كما أثبت أن الذين يقومون بالعذاب ملائكة يسمى أحدهما منكرا والآخر 
نكيرا كا ورد بذلك السمع©©. 

وفي نفس الوقت نجده لا يستدل على أحوال يوم القيامة بالأحاديث 
الواردة في ذلك بل ينكر أن يكون الصراط أدق من الشعر وأحد من 
السيف*. كما وردت بذلك الروايات وهذا مظهر من مظاهر تناقض موقف 
القاضي عبدالجبار إزاء دلالة خير الآحاد على العقائد. 

يقول: (فلسنا نقول في الصراط ما يقوله الحشوية من أن ذلك أدق من 
الشعر وأحد من السيف. ..)02, 

أما أبوالحسن الأشعري فنجده في الإبانة يحتج بالأحاديث الصحيحة» إذ 
يقول في معرض بيانه لمذهب أهل الحق والسنة (ونؤمن بعذاب القبر 
وبالحوض. وأن الميزان حق والصراط حق والبعث بعد الموت حق وأن الله 
عز وجل يوقف العباد في الموقف ويحاسب المؤمنين. وأن الإيهان قول وعمل 
يزيد وينقص. ونسلم الروايات الصحيحة عن رسول الله كله التي رواها 
الثقات عدل عن عدل حتى تنتهي إلى رسول الله كو" . 

ولهذا احتج في إثبات رؤية المؤمنين لربهم بها صح عنه يَكِهْ في الرؤية حيث 
يقول: (وندين بأن الله يرى في الآخرة بالأبصار كما يرى القمر ليلة البدر, 


(4) أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال: «خرج البي كله من بعض حيطان المديئة فسمع 
صوت إنسانين يعذبان في قبورهما فقال: يعذبان وما يعذبان في كبيرة وإنه لكبير: كان أحدهما 
لا يستتر من البول وكان الآخر يمشي بالنميمة. ثم دعا بجريدة فكسرها بكسرتين - أو ثتتين- 
فجعل كسرة في قبر هذا وكسرة في قير هذاء فقال لعله بخفف عنها مالم يببسا». فتح الباري 
بشرح صحيح البخاري ج ٠١‏ ص41. 

(45) شرح الأصي الخمسة ص ١"ل9.‏ 

(65) انظر شرح الأصول الخمسة ص 74 778 

(95) شرح الأصول الخمسة ص /الالا. 

97) الإبانة عن أصول الديانة ص 37 . 


- 58 - 





يراه المؤمنون كيا جاءت الروايات2» عن رسول الله ه01 , 

وأثبت الإصبع لله قائلا: (وندين الله عز وجل بأنه يقلب القلوب بين 
إصبعين من أصابعه. وأنه سبحانه يضع السموات على إصبع والأرضين على 
إصبع. كم)| جاءت الرواية عن رسول الله كَكِْةِ من غير تكيف)”'"2. 

وأثبت نزول الباري تعالى بالحديث إذ يقول: (ونصدق بجميع الروايات 
التي يثبتها أهل النقل عن النزول إلى سماء الدنيا وأن الرب عز وجل يقول: 
«هل من سائل.» هل من مستغفر»7'". 
وسائر ما نقلوه وأثبتوه خلافا لما قال أهل الزيغ والتضليل)2"9©. 

وهذا النص يدل على أن من منهج أبي الحسن الأشعري الاحتجاج بكل 
ما ثبت عن رسول الله ونقل عنه. وأن مخالفة هذا المبجح زيغ وضلال. 
ولهذا نجده يحتج بالأحاديث كى) ذكرت انفا دون أن يشترط كونها من قبيل 
المتواتر» كما أنه يكثر من الاحتجاج بالأحاديث خلافا للمتكلمين الذين قل 
مانجد حديثا في كتبهم الكلامية يحتجون بهاء وذلك نتيجة نظرتهم للسنة 
وعدم احتجاجهم بأخبار الآحاد. 


(948) أخرج البخاري في صحيحه في باب قوله تعالى (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) عن جرير 
قال: «كنا جلوسا عند النبي ككلِةِ إذ نظر إلى القمر ليلة البدر قال: إنكم سترون ربكم كما ترون 
هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وضلاة 
قبل غروب الشمس فافعلوا». فتح الباري بشرح صحيح البخاري ج*١1‏ ص419. ح رقم 
. 

(44) الإبانة عن أصول الديانة ص 06؟. 

2٠٠١‏ أخرج البخاري في صحيحه يباب قول الله تعالى «إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا» 
عن عبدالله قال «جاء حبر إلى رسول الله يخِ فقال يامحمد إن الله يضع السماء على إصبع 
والأرض على إصبع والجبال على إصبع والشجر والأنمار على إصبع وسائر الخلق على تت ثم 
-.يقول بيده أنا الملكب. فضحك رسول الله عي وقال: «وما قدروا الله حق قدره» . فتح باري 
ج١١‏ ص 498 ح رقم 27416 الإبائة عن أصول الديانة ص 5؟. 

)٠١(‏ أخرج البخاري في صحيحه باب الدعاء والصلاة من آخر الليل عن أبي هريرة رضي الله عنه 
أن رسول الله بْهِ قال: «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل 

الأخير يقول: من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له». فتح الباري 
ج٠١‏ ص 559 ح .1١1١40‏ 
وروى في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله كلع «إذا مضى شطر الليل أو 
ثلثاه ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيقول: هل من سائل يعطى هل من داع يستجاب 
له هل من مستغفر يغفر له حتى ينفجر الصبح». ج ١‏ ص ؟5؟0 كتاب صلاة المسافر وقصرها. 

)٠١(‏ الإبانة عن أصول الديانة ص 9؟. 


- 7 - 





ويمن سار على منهجه من أتباعه في الاهتام بالسنة والاحتجاج با في 
القضايا الاعتقادية البيهقى في كتابه (الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد على 
مذهب السلف وأصحاب الحديث). فهو يحتج بالروايات الصحيحة مثبتا بها 

قضايا عقدية . 

أما القاضي الباقلاني فإنه كان يرى أن خبر الواحد يقصر عن إيجاب 
العلم ولكن يجب به العمل. يقول ‏ بعد أن بين مفهوم خبر الواحد كمصطلح 
عند المتكلمين: (غير أن الفقهاء والمتكلمين قد تواضعوا على تسمية كل خير 
قصر عن إيجاب العلم بأنه خبر واحد وسواء عندهم رواه الواحد أو اللماعة 
التي تزيد على الواحد. وهذا الخبر لا يوجب العلم على ما وصفناه أولاء 

ولكن يوجب العمل إذا كان ناقله عدلا وم يعارضه ماهو أقوى منه)09 , 

ولهذا لانجده في كتابه التمهيد يكثر من الاستدلال بالأحاديث؛, اللهم 
إلا بضعة أحاديث وردت في التمهيد» وم يبين درجة هذه الأحاديث وهل 
هي من قبيل اللمتواتر أم لا؟ ومن ذلك قوله: (وكيف يجتمع في قلب مؤمن 
تصديق الرسل وتصحيح الآيات مع اعتقاد تصحيح أحكام المنجمين واعتقاد 
كون سير الأفلاك أدلة على علم ماكان ويكون؟ وقد روي عن النبي كَل 
أنه قال: (من صدق كاهنا أو عرافا -وفي بعضها أو منجخ|- فقد كفر با 

أنزل الله على قلب محمد)0090009, 

وجاء في التمهيد أيضا: (وتأويل قول النبي كَل «لله تسعة وتسعون اس| 
من أحصاها دخل الجنة)7١2)‏ أي له تسع وتسعون تسمية هي عبارات عن 

كون الباري تبارك وتعالى على أوصاف شتى)29. 

."”85 التمهيد للباقلاني ص‎ )٠١*( 

)٠١5(‏ ذكر المنذري حديثا عن أبي هريرة قال قال رسول الله يِ: (من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه 
بها يقول فقد كفر با أنزل. على محمد) رواه أبوداود والترمذي والنسائي وابن ماجه وفي أسانيدهم 
كلام . والحاكم وقال: صحيح على شرطهها. الترغيب والترهيب ج 4 ص 56”. و أقف على 
الرواية التي ذكرها الباقلاني. 

.09 التمهيد للباقلاني ص‎ )٠١6( 

)٠١(‏ أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة ان رسول الله يه قال: (إن لله تسعة وتسعين اسسأ 


مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الحنة) فتح الباري اج 3# ص /0ا#. 
)٠١7(‏ التمهيد ص 737:9 . 


- 584 - 


كا أنه أنكر على المعتزلة عدم إثباتهم رؤية المؤمنين لرمهم مع ورود الحديث 
في ذلك لأن ذلك جحد للسنة والآثار«"2©, 

وعندما عارض المعتزلة أحاديث الشفاعة بأحاديث أخرى مثل قوله يكن 
(لاتنال شفاعتي أهل الكبائر من أمتي) بين أن هذه الرواية غير معروفة عند 
أهل النقل ولو سلمت لأمكن تأويلها. وأما الأحاديث الأخرى التي زعم 
المعتزلة أنها تدل على عدم ثبوت الشفاعة.» فقد أجاب عن جميعها ومنع 
دعواهم أنها تعارض أحاديث الشفاعة)209. 

ومقصدي أن الباقلاني لم يرفض حديثا بحجة أنه من قبيل الآحاد. ولا 
تقوم به حجة كما كان يفعل المعتزلة. 
5 - مدى إفادة خير الواحد للعلم عند إمام الحرمين: 

ما موقف إمام الحرمين من إفادة خبر الواحد للعلم؟ 

هل يرى أنه لايفيد العلم مطلقا: لابنفسه ولا با يحتف به من القرائن 
حتى ولو كان ذلك تلقى الأمة له بالقبول؟ 

أم إنه يرى إفادته للعلم مع بعض هذه القرائن دون البعض الآخر؟ 
يرى إمام الحرمين ني الإرشاد ‏ أن الخبر إذا لم يتواتر وم تحتف به القرائن 
فإنه لا يفيد العلم بنفسه. 

أما إذا احتفت به القرائن - ومنها تلقي الأمة له بالقبول ‏ فإنه يفيد العلم 
لا بنفسه ولكن بمقتضى القرائن التي احتفت به. يقول (وكل خبر لم يبلغ 
مبلغ التواتر فلا يفيد عل| بنفسه. إلا أن يقترن به مايوجب تصديقه مثل 
أن يوافق دليلا عقلياء أو تؤيده معجزة أو قول مؤيد بمعجزة تصدقه. 
وكذلك إذا تلقت الأمة خبرا بالقبول» وأجمعوا على صدقه. فتعلم 
صدقه)(١01),‏ 





)٠١4(‏ انظر التمهيد ص 05؟. 
)١١9(‏ انظر التمهيد ص 7”5107. 
)٠١١(‏ الإرشاد ص .5١797‏ 


- "586 


وكذلك يذهب إمام الحرمين في البرهان إلى أن خبر الواحد إذا احتفت 
به القرائن يفيد العلم. وفي ذلك يقول: (لا يتوقف حصول العلم بصدق 
المخيرين على حد محدود وعدد معدودء ولكن إذا أثبتت قرائن الصدق ثبت 
العلم به فإذا وجدنا رجلا مرموقا عظيم الشأن. معروفا بالمحافظة على رعاية 
الروءات حاسرًا رأسه. شاقا جيبهء حافيا وهو يصيح بالثبور والويل» 
ويذكر أنه أصيب بوالده أو ولدهء وشهدت الجنازة» ورئي الغسال مشمرا 
يدحل وخرج فهذه القرائن وأمثالحاء إذا اقترنت بإخباره تضمنت العلم 
بصدقه. مع القطع بأنه لم يطرأ عليه خبل وجنة)1""©. 

وإذا كان إمام الحرمين كا رأينا انفا يعتبر تلقي الأمة للخبر بالقبول إحدى 
القرائن الموجبة لصدقه وبالتالى تجعله مفيدا للعلم. فإننا نراه يخالف هذا 
الرأي في الشامل والبرهان.ء حيث لا يعتبر تلقي الأمة للخبر بالقبول قرينة 
توجب القطع بصحته. ومعنى ذلك أنه لايعتبره مفيدا للعلم. يقول في 
الشامل: (والصحيح في ذلك طريقة القاضي فإن الحديث وإن رواه الأثبات 
ونقله الثقات فلم يجمع أهل الصنعة على صحته على معنى أنه منقول عن 
الرسول ككِهٍ قطعا)27. 

ويقول أيضا: (إن الأمة لو اجتمعت على العمل بخير من أخبار الآحاد 
فإجماعهم على العمل به لا يوجب القطع بصحته)9'"©. 

أما في البرهان فقد ارتضى كلام القاضي في أن تلقي الأمة للخبر لا 
يعتبر قرينة موجبة لصدقه حيث يقول: (قال القاضي: لا يحكم بصدقه. وإن 
تلقوه بالقبول قولا وقطعاء فإن تصحيح الأئمة للخبر مجرى على حكم 
الظاهر. فإذا استجمع خير من ظاهره عدالة الراوي وثبوت الثقة به وغيرجما 
مما يرعاه المحدثون» فإنهم يطلقون فيه الصحة, ولا وجه إذا للقطع بالصدق 
والحالة هذه)219, 


و 





)1١١(‏ البرهان ج ١ء‏ ص 56لاه. 
؟١١)‏ الشامل ص لاهه ‏ 6688. 
)1١9‏ الشامل ص 0508. 

)01١5(‏ البرهان جج ١‏ ص 88ه. 


كما 


'وهكذا تبين لنا أن إمام الحرمين لا يرى أن خبر الواحد لا يفيد العلم 
مطلقا بل قد يحصل العلم به إذا احتفت به القرائن. وأن موقفه اختلف 
من الخبر الذي تلقته الأمة بالقبول. فتارة اعتبر ذلك قريئة تجعل الخبر مفيدا 
للعلم, وتارة أخرى لم يعتبر ذلك قرينة تجعل الخبر مفيدا للعلم. 

ومع هذا نرى إمام الحرمين في البرهان يشتد نكيره على من يرى أن خبر 
الواحد يحصل به العلم إذ يقول: (ذهبت الحشوية من الحنابلة وكتبة الحديث 
إلى أن خبر الواحد العدل يوجب العلم وهذا خزي لا يخفى مدركه على 
ذي .لب)012, 

وأعتبر قولهم خزيا وعارا لأمرين: 

أوهما: جواز الخطأ على الرواة فهم ليسوا بمعصومين ودليله رجوع بعض. 
الرواة عن رواياتهم . 

ثانيها: أن تعديل المحدثين للراوي إنما يكون بناء على مايظهر منه مع 
أنه يجوز أن يكون بخلاف ما يظهر20,. 

ومن ثم يرى أنه لا يحتج به في إثبات العقائد التي تخالف الدليل العقلي 
في نظره كا سيأتي وإن كان يحتج به في العمل بالأحكام كا سبق. 

والواقع أن اشتداد إمام الحرمين على أهل الحديث معتيرا قولهم بإفادة خبر 
الواحد للعلم من قبيل الخزي والعار ليس في محله.ء ذلك أن أهل الحديث 
لا يذهبون إلى أن خبر الآحاد مطلقا يحصل به العلم» وإنا يرون أن الخبر 
الذي تحتف به القرائن ومنها تلقي الأمة له بالقبول يحصل به العلم ىا 
سيأي. ثم إن القول بإفادة خبر الواحد للعلم إذا احتفت به القرائن هو 
مذهب إمام الحرمين في الإرشاد والبرهان ف| وجه تحامله على أهل الحديث 
في ذلك؟. 


)016 البرهان ج ل ص .50١"‏ 
)١١5(‏ انظر البرهان ج ١‏ ص ."١9‏ 


-/ا58 - 








ه ‏ موقف إمام الحرمين من حجية خبر الواحد في إثبات العقائد: 

يترتب على قول إمام الحرمين بأن خبر الآحاد لا يفيد العلم بنفسه عدم 
قبوله الاحتجاج به في قضايا العقيدة التي يزعم أنها مخالفة للعقل كم| سيأتي. 
ولهذا نرى أنه في الإرشاد يجيز الإضراب عن الأحاديث بحجة أنها من قبيل 
الآحاد وذلك في معرض رده على من يسميهم الحشوية في قضية الصفات 
الخبرية إذ يقول: (واما الصفات التي يتمسكون بها. فاحاد لا تفضي إلى 
العلم, ولو أضربنا عن جميعها لكان سائغاء لكنا نومىء إلى تأويل مادون 
منها في الصحاح)21. 

وكذا في الشامل تأول أحاديث في الصفات تسامحا على حد قوله. وإن 
كان يرى أنه لا يلزمه تأويل الآحاد وفي ذلك يقول: (وليس يتحتم علينا 
أن نتأول كل حديث مختلق وقد بينا أن ما يصح في الصحاح من الآحاد 
لا يلزم تأويله إلا أن نخوض فيه مساعحين فإنه إنما يجب تأويل مالو كان 
نصا لأوجب العلم)2012. 

وبعد أن ذكر حديث النزول نقل قول القاضي أنه من الآحاد. ثم عقب 
قائلا: (وقد قدمنا أن أخبار الآحاد لا يجب انقضاؤها في القطعيات)019). 

ولم يكن رفضه للحديث بحجة أنه من قبيل الآحاد في جانب واحد من 
جوانب العقيدة فقط وهى الصفات. بل نجده يسلك هذا المسلك في 
جوانب أخرى». ففي معرض مناقشته لأصحاب الحديث الذين يجعلون 
العمل داخلا في مسمى الإيان. يذكر بعضا من حججهم. ثم يبين أن 
الحديث الذي يستدلون به من الآحاد. أي كأنه يقول إنه لا حجة فيه إذ 
جاء في الإرشاد (... وربا يستدلون بها روي عن النبي كه «الإيهان بضعة 
وسبعون بابا أولما شهادة لا إله إلا الله واخرها إماطة الأذى عن 


.١١١ الإرشاد.» ص‎ )1١7 
.ه5١ الشامل ص‎ )1١4( 
.6800 الشامل ص‎ )١١9( 


-7588- 


الطريق. . .)270 وأما الحديث فهو من الآحاد. ثم هو مؤول والعرب تسمى 
الثيء باسم الثيء إذا دل عليه أو كان منه بسبب)0512), 
علي مستدلين بقوله ككْةِ «أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ومن كنت مولاه فعلي 
مولاه)30"59). 
قال: (قلنا هذا من أخبار الآحاد ثم هو منكر للاحتمالات)279. 
هذا هو موقف إمام الحرمين كما جاء 5 الإرشاد والشامل من عدم 
الاحتجاج بخبر الآحاد في إثبات العقائد المخالفة للعقل. كى) يزعم بناء على 
أصله أن خير الواحد لا يفيد العلم بنفسه ثم لمخالفتها لمدلول العقل في 
زعمه . 
أما إذا كان مضمون الخبر ليس مستحيلا عقلا فلا يقطع بمضمونه ولكن 
يقبل دلالته على سبيل غلبة الظن. جاء في الإرشاد: (وإن لم تثبت الأدلة 
السمعية بطرق قاطعة. ولم يكن مضمونها مستحيلا في العقل. أو ثبتت 
أصوطا قطعا (كايات القران والأخبار المتواترة وأخبار الآحاد المقترنة بقرائن 
الصدق). لكن طرق التأويل يجول فيهاء فلا سبيل إلى القطع. ولكن 
المتندين يغلب على ظنه ثبوت مادل الدليل السمعى على ثبوته) 059 , 
وسوف نذكر في الفقرة التالية أمثلة لاستدلاله بمثل هذا النوع من أخبار 
الآحاد. في إثبات العقائد. 
)1١(‏ أخرج مسلم في صحيحه عن أب هريرة قال: قال رسول الله يكهِ: «الإيهان بضع وسبعون أو 
بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة 
من الإيهان» صحيح مسلم بشرح النووي ج ؟ ص ". وأخرجه البخاري ج ١‏ ص ١ه‏ ح 5. 
)0171١‏ الإرشاد. ص 8ؤة" - 5905". 
(؟7١)‏ روى ابن ماجه في سننه حديثا عن البراء بن عازب وفيه «أن النبي ككل قال «ألست أولى بالمؤمنين 
من أنفسهم؟» قالوا: بى. قال ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بى. قال «فهذا ولي 
من آنا مولاه. .). 
الحديث فضل عل بن أبي طالب ج 2.١‏ ص 4٠‏ في الزوائد إسناده ضعيف وروى حديثا 
آخر فيه «من كنت مولاه فعلي مولا ج ١‏ ص 18. 
وروى الترمذي بسنده عن زيد بن أرقم عن النبي كلِهَ قال: «من كنت مولاه فعلى مولاه» قال 
أبوعيسى هذا حديث حسن صحيح سنن الترمذي ج ه. ص: ١ه‏ باب مناقب عل بن أي طالب. 


.4737 - 45١ الإرشاد. ص‎ 01١9 
."84 الإرشاد. ص‎ )١١؟5(‎ 


- 584 





وهكذا كان موقفه قٍ النظامية من أخبار الآحاد ف عدم إفادتها للعلم 
وعدم الاستدلال بها في إثبات العقائد على سبيل القطع والاكتفاء بمجرد 
قبرف تدينا وعل سيل غلبة الظن إذا كان مدليفا غير مستجيل عقلا. حيث 
يقول: (ثم ما يقتضيه الدين القويم والمبج المستقيم أن كل ما نقل عن 
النبي كله بطرق صحيحة مرتضاة عند أهل الإثبات. وكان ممكنا غير 
مستحيل» فإن كان النقل تواتراء علم قطعا على حد العلم بالسمعيات» 
وإن نقل أحادا ثبت ذلك المظنون في مأثور الأخبار وَتلقيَ بالقبول» وم 
يعارض بالاستبعاد.ء فإن الاستبعاد فيا هذا سبيله من شيم المرتابين في 
الدين. .)2050 , 

أما أخبار الآحاد التي يرى استحالة اعتقاد ظاهرها لمخالفته للتنزيه» ومن 
ثم لمخالفته للدليل العقلي المقتضي لتنزيه الله تعالى» أما هذه الأخبار فإن 
موقفه منها يختلف في النظامية عنه في)| سواهاء ففيها سوى النظامية نراه يرد 
هذه الأخبار باعتبارها أخبار أحاد ولخالفتها للعقل في نظره كذلك» لكنه 
يتأول مادون منها في الصحاح كما سبق. 

أما في النظامية فإنه مع حكمه باستحالة الأخذ بظاهرهاء فإنه يقف منها 
موقف التفويض وعدم التأويل ذهابا منه إلى أن التأويل بدعة لم يفعلها 
الصحابة حيث يقول: (وقد اختلفت مسالك العلماء في الظواهر التى وردت 
في الكتاب والسنةء وامتنع على أهل الحق اعتقاد فحواها. وجراوها على 
موجب ما تبتدره أفهام أرباب اللسان منهاء فرأى بعضهم تأويلها والتزام 
هذا المنبج في أي الكتاب وما يصح من سنن الرسول كله . 

وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل.» وإجراء الظواهر على 
مواردها وتفويض معانيها إلى الرب تعالى. والذي نرتضيه رأيا وندين الله 
به عقلاء اتباع سلف الأمة. فالأولى الاتباع وترك الابتداع59©. 

ولهذا نجده يقبل حديث النزول ويرى بدعة تأويله فهو على حد تعبيره 


(ه؟١)‏ النظامية ص /ا/ا. 
(؟١)‏ النظامية ص ؟9:". 


9” 


فق43 


حديث صحيح 

أما موقف إمام الحرمين (في البرهان) من الاحتجاج بخبر الآحاد في الأمور 
القطعية - ومنها العقائد فهو عدم الاحتجاج به مطلقاء حتى وإن كان 
الحكم ما يجوزه العقل. 

ويشهد لهذا رفضه الاحتجاج بحديث «لا تجتمع أمتي على ضلالة» على 
حجية الإجماع بدعوى أنه من أخبار الآحاد إذ يقول (فلست أرى للتمسك 
بذلك وجهاء لأنه من أخبار الآحاد.ء فلا يجوز التعلق بها في القطعيات. 
وقد تكرر هذا مرارا)2© مع أنه ممن يقول بحجية الإجماع كما سيأتي» إلا 
أنه يرفض إثبات تلك الحجية بحديث الآحاد. كما يدل على ذلك موقفه 
من الظاهرء فقد بينا سابقا أنه يرى عدم الاحتجاج بالظواهر الثابتة قطعا 
في المسائل القطعية. وذلك لأن الظاهر دلالته ظنية. بل ويرى أنه لا يحق 
للمستدل عليه أن ينشغل بتأويل الظاهر بل يكفى أن يبين أن الدليل محتمل 
وليس من القواطع ليسقط الاستدلال به في مسألة قطعية9"©. 

فإذا كان هذا موقفه من الظواهر الظنيّة الدلالة حتى ولو كانت قطعية 
الثبوت كما قلناء فإنه يدل على التزامه نفس الموقف من أخبار الآحاد لأنها 
ظنية الثبوت . 
١‏ - من مواضع استدلال إمام الحرمين بأخبار الآحاد في إثبات العقائد: . 


من الأمور الاعتقادية التي يثبتها إمام الحرمين بخبر الآحاد طبقا لما شرحناه 
من موقفه منها في الفقرة السابقة ما يأتي: 

أثبت إمام الحرمين السحر في الإرشاد إذ جاء فيه (وقد شهدت شواهد 
سمعية على ثبوت السحر... ومنها سورة الفلق مع اتفاق المفسرين على أن 
)١700‏ انظر النظامية ص 9" - 4”". 


(8؟1) البرهان ج ١‏ ص 5018. 
)١7189(‏ انظر البرهان ج ١اص‏ 1#3ه. 


"91١ - 


فإنه سححره على مشط ومشاقة تحت راعوفة ف بكر ذروان)2352, 


١‏ - إثبات الحن: 


وفي معرض إثباته للجن قال (وقد نصت نصوص الكتاب والسنة على 
إثباتهم)079 , 


“* - إثبات عروج أرواح المؤمنين إلى الجنة: 
ولقد تحدث عن مصير أرواح المؤمنين في سياق حديثه عن الروح ومعناه 
قائلا: (ثم الروح من المؤمن يعرج به ويرفع في حواصل طيور خضر إلى 
الجنة» ويهبط به إلى سحيق من الكفر. كما وردت به الآثار)29059 . 
ومصير أرواح المؤمنين وكونها في طيور خضر قضية عقدية. 
5 - إثبات الصراط وصفته: 


وأثبت الصراط وصفته فقال: (والصراط ثابت على حسب ما نطق به 


)1١(‏ أخرج البخاري في صحيحه في كتاب بدء الخلق باب صفة إبليس وجنوده عن عائشة رضي 
الله عنها قالت: (سحر النبي كَكِةِ حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله حتى كان ذات 
يوم دعا ودعا ثم قال: أشعرت أن الله أفتاني فيا فيه شفائي. أتأني رجلان فقعد أحدهما عند 
رأمي والآخر عند رجلي. فقال أحدهما للآخر: ما وجع الرجل؟ فقال: مطبوب. قال: ومن 
طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم. قال: فبماذا؟ قال: في مشط ومشاقة وجف طلعه ذكر قال: فأين 
هو؟ قال في بثر ذروان. فخرج إليها النبي كَل م رجع فقال لعائشة حين رجع : نخلها كأنه 
رؤوس الشياطين. فقالت أستخرجته؟ فقال: لا. أما أنا فقد شفاني الله وخشيت أن يثير ذلك 
على الناس شرا ثم دفنت البئر) ح 2758 فتح الباري ج 5 ص 7"4". 

(11) الإرشاد. ص 77". 

(0189) الإرشاد, 0#" 

(17) روى مسلم في صحيحه في كتاب الأمارة باب في بيان أن ارواح الشهداء في الجنة (عن مسروق 
قال: سألنا عبدالله عن هذه الآية «ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند 
رهم يرزقون4 قال أمّا إِنَا قد سألنا عن ذلك فقال أرواحهم في جوف طير خضر لا قناديل 
معلقة بالعرش تسرح من الجئة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل. .) الحديث صحيح 
مسلم شرح النووي ج١1‏ ص 7377 . 

(174) الإرشاد. ص /الا”. 


- ”97- 


الحديث) وهو جسر تمدود على متن جهنم يرده الأولون والآخرون. . .)05 , 

فهاهو ذا يعتمد على الحديث في إثبات قضية عقدية بل ويدحض تشكيك 
المتشككين في ثبوته ذاكرا استبعادهم. إذ يقول: (فإن أبدوا مراء في الصراط 
وقالوا: في الحديث المشتمل عليه أنه أدق من الشعر وأحد من السيف. 
وخطور الخلائق على ماهذا وصفه غير تمكن...) دحض هذا الاستبعاد 
مبينا عدم استحالة مرور الخلائق على الصراط إذ يقول (فأما ماذكروه في 
الصراط فلا خفاء بسقوطه. فإنه لا يستحيل الخطور في المواء والمثي على 
الماع .)2350 , 


ه - إثبات الشفاعة لأهل الكبائر: 
وأثبت إمام الحرمين الشفاعة مبينا جوازها عقلا ثم معتمدا على الأحاديث 
إذ يقول: (فإذا ثبت جواز التشفيع عقلاء فقد شهدت له سئن بلغت 
الاستفاضة. فمن رامها ألفاها منقولة.» ثم هي مصرحة بالتشفيع في أهل 
الكبائر» إذ قال رسول الله يِه «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)""©. 
وقال في الشفاعة «لا تحسبوها للمتقين وانما هي للخاطئين المتلوئين» وقال 


(176) قال البخاري (باب الصراط جسر جهنم. .) ثم ذكر حديثًا طويلا عن أب هريرة وفيه (ويضرب 
جسر جهنم. . .) فتح الباري ج ١١‏ ص 444 . وني صحيح مسلم (قال أبوسعيد بلغني أن الجسر 
أدق من الشعرة وأحد من السيف) صحيح مسلم بشرح النووي اج* ص 354. 
ويقول ابن حجر: (ووقع عند مسلم قال أبوسعيد : بلغي أن الصراط أحد من السيف وأدق 
من الشعرة. 'ووقع من رواية ابن منده من هذا الوجه «قال سعيد بن أبي هلال بلغي ووصله 
البيهقي عن أنس عن النبي يل محزوما به وني سنده لين) فتح الباري ج ١١‏ ص 454. وذكره 
اليثمي في مجمع الزوائد عن عبدالله بن مسعود موقوفا ثم قال: (رواه الطبراني ورجاله رجال 
الصحيح غير عاصم وقد وثق). مجمع الؤوائد ومنبع الفوائد لأي بكر الفيثمي ج ٠‏ صسص 360١‏ 

)١85(‏ الإرشاد. ص 4لا”. 

(10) روى الترمذي في سننه عن أنس قال: قال رسول الله كلهِ شفاعتي لأهل الكبائر من أمتى «قال 
أبوعيسى: هذا حديث حسن صحيبح غريب من هذا الوجه. ج ؛ ص 4لاه ح 170؟. 
ورقاه الآجري ف الشريعة ص 8”ا7. 


9 - 








خيرت بين الشفاعة وبين أن يدخل شطر أ متى الحنة فاخترت الشفاعة فإنها 
أشفى )0155001780 , 


)١188(‏ ذكر الهيئمي في مجمع الزوائد حديثا عن عبدالله بن عمرو عن النبي كَل قال خيرت بين الشفاعة 
أو يدخل نصف أميي الحنة. فاخترت الشفاعة لأمبا أعم وأكفأ ترونا للمتقين لا ولكنها للمتلوثين 
الخطائين. «رواه أحجد والطيراني إلا أنه قال أما إنها ليست للمؤمنين المتقين ولكنها للمذنين 
الخطائين المتلوثين» ورجال الطبراني رجال الصحيح غير النعمان بن قراد وهو ثقة اج ٠١‏ ص 717/8 . 
وروى ابن ماجه في كتاب الزهد باب ذكر الشفاعة عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول 
الله كيد «خيرت بين الشفاعة وبين أن ” يدخل نصف أمي الحنة فاخترت الشفاعة لأنها أعم وأكفى . 
أترونها للمتقين؟ لا ولكنها للمذنيين الخطائين المتلوثين» في الزوائد إسئاده صحيح ورجاله ثقات 
ج؟ ص 1441 
ورواه أحمد في مسئده عن ابن عمر وفيه اختلاف في اللفظ. انظر الفتح الربان ج 4؟ ص8١1.‏ 

.47 الإرشاد ص 44”. وانظر النظامية ص‎ )١189( 


"95 


الفصل الثالث 


نقد موقف إمام الحرمين من الاستدلال بالسئة في إثبات العقائد 


قْ ضوء اليج السلفي 


قدمنا في الفصلين السابقين رأي إمام الحرمين في مفهوم قسمي السنة 
النبوية الشريفة المتواتر منها والآأحاد.ء وشروط كل منه| وحجيته ومدى إفادته 
للعلم» كا قدمنا موقفه من الاستدلال بكل منها في إثبات العقائد. 

فا مدى صحة اراء إمام الحرمين في ذلك كله في ضوء الممبج السلفي, 
وما مواضع الاتفاق والاختلاف بين الموقفين في ذلك؟. 
١‏ - قضية الاستدلال بالمتواتر في إثبات العقائد: 

إذا تجاوزنا مختلف أوجه النقد التى قدمناها سابقا للتعريفات المتعددة 
التي قدمها إمام الحرمين للحديث المتواتر في مختلف كتبه. فإننا ننتهي إلى 
ماقدمناه عنه في الورقات من أن (المتواتر مايوجب العلم وهو أن يرويه جماعة 
لا يقع التواطؤ على الكذب عن مثلهم وهكذا إلى أن ينتهي المخبر عنه)؟©. 

وإذا كان شيخ الإسلام يوافق إمام الحرمين فيا يذهب إليه من دخول 
إفادة العلم في حقيقة المتواتره حيث يرى أن (المقصود من المتواتر ما يفيد 
العلم. . .)247 فإنه يخالفه في] نقلناه عنه هنا من الورقات من اشتراط الكثرة 
في رواته» ويتفق معه فيم|ا ذهب إليه إمام الحرمين في البرهان من أن الكثرة 
تعتبر إحدى القرائن المفيدة للعلم. وليست هي القرينة الوحيدة كما قدمنا 


)١40(‏ انظر ص 40١‏ من البحث. 
)١5١(‏ مجموع الفتاوي ج 1١8‏ ص 484. 


5946 


في ص وه" من الرسالة.» حيث يرى شيخ الإسلام أن العلم يحصل من 
الحديث ليس فقط بكثرة المخبرين. بل قد يكون بها أو بغيرها كاعتبار 
صفات المخبرين أو القرائن المحيطة بالخبر أو تلقي الأمة بالقبول. وقد تجتمع 
هذه الأسباب وقد يحصل العلم بطائفة منها دون طائفة . 

ومما يجدر ذكره أن إمام الحرمين ذكر طريقة في الإرشاد لضبط أقل عدد 
يحصل به التواتر 5 الخبر ومن ثم يوجب العلم9؟"2, وإن كان قد رجع 
عن ذلك في البرهان ورأى عدم إمكانية ضبط العدد الذي يحصل به التواتر, 
وهو ما يراه شيخ الإسلام. حيث ضعف رأي من يرى أن كل عدد أفاد 
و :0 قضية أفاد مثل ذلك العدد الع قٍِ كل قضية. نظرا لاختلاف 
العلم مر من لك القرائن من جهة أخرى. 
ما يفيد العلم ٠‏ لكن من الناس من لا يسمي متواترا إلا مارواه عد كثير 
يكون العلم حاصلا بكثرة عددهم فقط. ويقولون: إن كل عدد أفاد العلم 
في لضت لد ل ا 

والصحيح ماعليه الأكثرون: أن العلم يحصل بكثرة المخبرين تارةء» وقد 
يحصل بصفاتهم لدينهم وضبطهم. وقد يحصل بقرائن تحتف بالخبر يحصل 
العلم بمجموع ذلك. وقد يحصل العلم بطائفة دون طائفة)9"©. 

ويقول أيضا: (وأما عدد ما يحصل به التواتر فمن الناس من جعل له 
عددا محصوراء ثم يفرق هؤلاء. فقيل: أكثر من أربعة». وقيل: اثنا عشر 
وقيل: أربعون وقيل: سبعون. وقيل ثلاثائة وثلاثة عشر. وقيل غير ذلك. 
وكل هذه الأقوال باطلة لتكافتها في الدعوى. 
(؟5١)‏ انظر الإرشاد ص .4١6‏ 

مع أنه في ص "٠‏ بين استحالة ذلك إذ يقول (وهذا بمثابة إفضاء الأخبار المتواترة إلى العلم 
الضروري بالمخير عنه. فلو أردنا ضبط أقل عدد يحصل التواتر بأخبارهم م نجد إلى ذلك 


سبيلا) . 
)١55(‏ مجموع الفتاوي ج ١4‏ ص 48. 


5945 - 


والصحيح الذي عليه الجمهور: أن التواتر ليس له عدد محصورء والعلم 
الحاصل بخبر من الأخبار يحصل في القلب ضرورة؛ كما يحصل الشبع عقيب 
الأكل والري عند الشرب. وليس لا يشبع كل واحد ويرويه قدر معين. 
بل قد يكون الشبع لكثرة الطعام وقد يكون لحودته كاللحم وقد يكون 
لاستغناء الآكل بقليله» وقد يكون لاشتغال نفسه بفرح أو غضب أو حزن» 
ونحو ذلك. 

كذلك العلم الحاصل عقيب الخبر» تارة يكون لكثرة المخبرين» وإذا كثروا 
فقد يفيد خيرهم العلم. وإن كانوا كفاراء وتارة يكون لدينهم وضبطهم. 
فرب رجلين أو ثلاثة يحصل من العلم بخيرهم مالا يحصل بعشرة وعشرين 
لا يوئق بدينهم وضبطهم. وتارة قد يحصل العلم بكون كل من المخبرين 
أخير بمثل ما أخبر به الآخر مع العلم بأنما لم يتواطاء وأنه يمتنع في العادة 
الاتفاق في مثل ذلكء. مثل من يروي حديثا طويلا فيه فصول ويرويه آخر 
لم يلقه. وتارة يحصل العلم بالخير لمن عنده الفطنة والذكاء والعلم بأحوال 
المخبرين وبا أخيروا به ماليس لمن ليس له مثل244) ذلك. وتارة يحصل العلم 
بالخبر لكونه روي بحضرة جماعة كثيرة شاركوا المخبر في العلم ولم يكذبه أحد 
منهم. فإن الجماعة الكثيرة قد يمتنع تواطؤهم على الكتران» كما يمتنع 
تواطؤهم على الكذب. وإذا عرف أن العلم بأخبار المخبرين له أسباب غير 
مجرد العدد علم أنه من قيد العلم بعدد معين وسوى بين جميع الأخبار فقد 
غلط غلطا عظيما)2©:9, 

وبناء على ما تقدم من كون إفادة الخبر للعلم واستفادته منه أمرا نسبياء 
وليس بالضرورة منوطا بعدد الرواة» فإن شيخ الإسلام يرى أنه يجب التسليم 
في معرفة تواتر الأخبار لعلاء الحديث» كما يجب التسليم في معرفة الأحكام 
المجمع عليها لأهل الإجماع من العلماء. لهذا يقول شيخ الإسلام إن (التواتر 
ينقسم إلى عام وخاصء. فأهل العلم بالحديث والفقه قد تواتر عندهم من 


)١44(‏ أضفنا (ليس) ليستقيم المعنى. 
(146) جموع الفتاوي جْ م١1‏ ص مه 


-/اة9” - 











السنة مالم يتواتر عند العامة كسجود السهو. ووجوب الشفعة. وحمل العاقلة 
العقل. ورجم الزاني المحصن. وأحاديث الرؤية وعذاب القبر والحوض 
والشفاعة وأمثال ذلك. 

وإذا كان الخبر قد تواتر عند قوم دون قوم فقد يحصل العلم بصدقه لقوم 
دون قوم. فمن حصل له العلم به وجب عليه التصديق به والعمل 
بمقتضاه. كى) يجب ذلك في نظائره. ومن لم يحصل له العلم بذلك فعليه 
أن يسلم ذلك لأهل الإجماع الذين أجمعوا على صحته. كما على الناس أن 
يسلموا الأحكام المجمع عليها إلى من أجمع عليها من أهل العلم. فإن الله 
عصم هذه الأمة أن تجتمع على ضلالة. وإنا يكون إجماعها بأن يسلم غير 
العالم للعالمء إذ غير العالم لا يكون له قولء وإنا القول. للعالمء فكما أن 
مَنْ لا يعرف أدلة الاحكام لا يعتد بقوله. فمن لا يعرف طرق العلم بصحة 
الحديث لا يعتد بقوله, بل على كل من ليس بعالم أن يتبع إجماع أهل 
العلم)42©. 

ولا كان شيخ الإسلام يرى - كا قدمنا انفا ‏ أن المتواتر حجة في إفادة 
العلم في حق من ثبت عنده التواتر» ومن لم يثبت عندهء إذا كان القائلون 
بالتواتر من أهل الاشتغال بالأخبار وأهل المعرفة بطرق صحتها ومعرفة 
الأسباب الموجبة للحكم بتواترهاء فإننا نراه ينكر على المناطقة الذين جعلوا 
المتواتر حجة في حق من تواتر عنده الخبر دون الغير واعتبر ذلك أصلا من 
أصول الالحاد. 

يقول شيخ الإسلام: (وقد ذكر المناطقة أن القضايا المعلومة بالتواتر 
والتجربة والحواس يختص بها من علمهاء ولا تكون حجة على غيره. بخلاف 
غيرهاء فإنها مشتركة يحتج بها على المنازع. وهذا تفريق فاسد. وهو أصل 
من أصول الإلحاد والكفرء فإن المنقول عن الأنبياء بالتواتر من المعجزات 
وغيرهاء يقول أحد هؤلاء بناء على هذا الفرق هذا لم يتواتر عندي. فلا 


.ه١ مجموع الفتاوي ج 816 ص‎ )١45( 


 7*958- 


تقوم به الحجة عَليَّ وليس ذلك بشرطء. ومن هذا الباب إنكار كثير من أهل 
البدع والكلام والفلسفة لما يعلمه أهل الحديث من الآثار النبوية» فإن هؤلاء 
يقولون إنها غير معلومة لناء كما يقول من يقول من الكفار إن معجزات 
لأنبياء غير معلومة له. وهذا لكونهم لم يعلموا السبب الموجب للعلم بذلك. 
والحجة قائمة عليهم تواتر عندهم أم لا)049. 

وإذا تجاوزنا هذا الجانب من جوانب دراسة الخير المتواتر الذي بينا فيه 
مدى الاتفاق والاختلاف بين إمام الحرمين وأهل السنة في مفهومه وشروطه 
وحجيته في إفادة العلم اليقيني. إذا تجاوزنا هذا الجانب وأتينا إلى الجانب 
الآخر منه وهو حجيته في الاستدلال به في إثبات العقائد. فإننا نرى اتفاقا 
واضحا بين أهل السنة والمتكلمين. وإمام الحرمين. بل بينهم وبين المتكلمين 
في القول بحجية الخبر المتواتر في إثبات العقائد من حيث المبدأ. أما من 
حيث التفصيل فإن موقف إمام الحرمين بل والمعتزلة والباقلاني أيضا يمكن 
أن يكون موضع التعقيب والنقد من وجهة النظر السلفية. 

فم| يؤخذ على إمام الحرمين عدم اشتغاله بدراسة الحديث بالدرجة التي 
يقتضيها منه اتخاذه أصلا في إثبات العقائد. والتي تجعله عارفا بطرق تمبيز 
الصحيح منه وغير الصحيح., أو المتواتر منه وغير المتواتر» و قد ترتب على 
ذلك قلة استدلاله بالحديث في كتبه الكلامية ورده لبعض الأحاديث 
الصحيحة مع أنها ثابتة في الصحيحين. 

وكذلك رده لتواتر بعض الأحاديث المتواترة - لعدم إحاطته بتواترها ‏ 
واعتباره إياها من أخبار الآحاد التى لا يأخذ بدلالتها الصريحة في العقائد. 
كحديث النزول مع حكم العلماء بتواترها9"©. يقول ابن القيم: (وتواترت 
الرواية عن رسول الله يَلِةٍ بنزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء 
الدنيا)0492) , 





(140) نصيحة أهل الإييان في الرد على المنطق اليوناني ص .77١‏ 
(054) انظر الشامل ص لامه. 

وانظر الإرشاد, ص .15١‏ 
)١19(‏ مختصر الصواعق ص ”107. 


8944 


وقد يكون رد إمام الحرمين لتواتر الأخبار الثابت عند أهل الحديث أرباب 
الفن المشتغلين به العارفين بطرقه القادرين على التمييز بين أنواعه.» نقول 
إن رده هذه الأخبار المتواترة عند هؤلاء وإيطاله لحجيتها قد يكون لا يتوهمه 
من مخالفتها لدلائل العقل عنده. 

وكأنه جيز إمكان تعارض ماصح الحكم بتواتره عند أربابه مع دلائل 
العقول. 

والواقع أنه لا يمكن التعارض بين صحيح المنقول وصريح المعقول. 

وإذا توهم متوهم مثل هذا فإن) يرجع إلى عدم صحة النقل في واقع 
الأمر أو على عدم صراحة المعقول. 

وموقف إمام الحرمين في هذه القضية يدل أيضا على أن الأساس في إثبات 
العقائد عنده هو الدلالة العقلية. وتأتي الدلالة النقلية تابعة لها في كثير من 
جوانب العقيدة. وهو إذ يعتبر الدلالة العقلية كأساس لا يعنى با الدلالة 
العقلية الضرورية» وإنا الدلالة العقلية النظرية كما يراها هو طبقا لقواعده 
دون اعتبار لمخالفة غيره من العقلاء له. 

وما قدمناه في هذا المقام من التعقيب على موقف إمام الحرمين متوجه إلى 
موقف المعتزلة أيضا فها متقاربان من الناحية المنهجية. وإن اختلفا في 
قواعدهم وأصولهم العقلية وما يبنى عليها من أد 


١‏ - قضية الاستدلال بأخبار الآحاد فى إثبات العقائد: 


رأينا إمام الحرمين لا يرى أن خير الواحد يفضي إلى العلم اليقيني بنفسه. 
بل با قد يحتف به من القرائن. وتردد موقفه من خبر الواحد الذي تلقته 
الأمة بالقبول» ففي الإرشاد ذهب إلى أنه يفيد العلم اليقيني حيث اعتبر 
تلقي الأمة له بالقبول إحدى القرائن الموجبة لذلك. أما في الشامل والبرهان 
فلا يرى اعتبار تلك القرينة موجبة للعلم اليقيني. 

والواقع أن ما يذهب إليه إمام الحرمين من عدم إفادة خبر الآحاد العلم 
اليقيني بنفسه. بل إنا يكون ذلك بسبب ما يحتف به من القرائن» نقول: 


655٠9: 





إنه يتفق في هذا مع موقف السلف. ولكن يؤخذ عليه عدم اعتباره لتلقي 
الأمة بالقبول للخبر قرينة توجب العلم اليقيني بمقتضاه. 

فالقول بأن تلقي الأمة بالقبول للخبر موجب للعلم هو رأي جمهور العلماء 
من أتباع المذاهب الأربعة. كما حكاه شيخ الإسلام إذ يقول: (وخبر الواحد 
المتلقى بالقبول يوجب العلم عند جمهور العلماء من أصحاب أبي حنيفة 
ومالك والشافعي وأحمد. وهو قول أكثر أصحاب الأشعري كالاسفراييني وابن 
فورك)0. 

ويقول أيضا (فالخبر الذي تلقاه الأئمة بالقبول تصديقا له أو عملا بموجبه 
يفيد العلم عند جماهير الخلف والسلف)200. 

وقد بين شيخ الإسلام السبب الذي جعل هذا الخبر مفيدا للعلم وهو' 
إجماع أهل الحديث على الحكم بصدقه. وإجماعهم معصوم عن الخطأ وشأنهم 
في ذلك شأن إجماع الفقهاء على الأحكام في وجوب قبول ما يجمعون عليه. 
يقول شيخ الإسلام: (فإنه «أي خبر الواحد المتلقى بالقبول» وإن كان في 
نفسه لا يفيد إلا الظن. لكن لا اقترن به إجماع أهل العلم بالحديث على 
تلقيه بالتصديق» كان بمنزلة إجماع أهل العلم بالفقه على حكم مستندين 
في ذلك إلى ظاهر أو قياس أو خبر واحد. فإن ذلك الحكم يصير قطعيا 
عند الجمهورء وإن كان بدون الإجماع ليس بقطعي. لأن الإجماع معصوم , 
فأهل العلم بالأحكام الشرعية لا يجمعون على تحليل حرام ولا تحريم حلال» 
كذلك أهل العلم بالحديث لا يجمعون على التصديق بكذب ولا التكذيب 
بصدقء» وتارة يكون علم أحدهم لقرائن تحتف بالأخبار توجب لهم العلمء 
ومن علم ماعلموه حصل له من العلم ماحصل الهم)07. 

كا أن ابن القيم بعد أن ساق كلام ابن حزم في حجية خبر الواحد 
وأنه يقتضي العلم والعمل معا. قال: (وهذا الذي قاله أبومحمد حق في الخبر 





)06 جموع الفتاوي ج 6 اص .4١‏ 
)15١(‏ مجموع الفتاوي ج ١١‏ ص 48. 
065١‏ جموع الفتاوي ج ملااص .14١‏ 


5٠1 - 


الذي تلقته الأمة بالقبول عملا واعتقادا دون الغريب الذي لم يعرف تلقي 
الأمة له بالقبول)2067. 

وينبني على ما يقرره علماء السلف هنا من إفادة الخبر المتلقى بالقبول 
العلم اليقيني - ينبني على ذلك صحة الاحتجاج به في إثبات العقائد 
باعتبارها علوما قطعية. وهذا ماجرى عليه علاء السلف في الاحتجاج على 
العقائد بأخبار الآحاد المتلقاة بالقبول» ومن ثم يخطىء إمام الحرمين في عدم 
أخذه بمثل هذه الأخبار في باب العقائد ورده إياها بحجة عدم إفضائها 
إلى العلم اليقيني. 

أما الاحتجاج بخبر الواحد في الأمور الاعتقادية فقد رأينا أن إمام الحرمين 
يرى في الإرشاد والنظامية جواز الاحتجاج به في الأمور الاعتقادية التي يجوزها 
العقل ولا يحكم باستحالتهاء حتى ولو كان مجردا من القرائن مادام 
صحيحاء ولكن لا يقطع الإنسان بمضمونه العقدي لمجرد الخبر بل يقرره 
على سبيل غلبة الظن أو تديناء أما إذا كان خير الآحاد مع صحته وعدم 
غخالفته للعقل ‏ قد احتفت به القرائن فإنه يلتحق عنده بالمتواتر في إفادة 
العلم وصحة الأخذ به في العقيدة. وإمام الحرمين في هذه النقطة يتفق مع 
وجهة النظر السلفية. 

فإذا كان خبر الآحاد مخالفا لأدلة العقول في نظره - حتى مع صحته بل 
واقتران القرائن به - فإنه لا يصحح دلالته في إثبات العقائد. بل يرد دلالته 
على المعنى الظاهر منه بحجة أنه من أخبار الآحاد ولخالفته دلائل العقول. 
ومن ثم يتناوله بالتأويل كا في الإرشاد والشامل أو بالتفويض ك) في 
النظامية . 

أما في البرهان فقد رأيناه يرد دلالة خير الآحاد في باب العقائد بكونها 
ظنية الثبوت. 

والواقع أن إمام الحرمين. إذ يقبل دلالة خبر الآحاد في إثبات العقائد بشرط 





)١69(‏ مختصر الصواعق ص 84ه. 


7 5ه 





عدم مخالفة مضمونه للعقل كما يقولء. إنما يبني ذلك كا قلنا سابقا ‏ على 
ما يظنه من إمكان تعارض العقل الصريح مع النقل الصحيح وهذا غير 
صحيح بل فيه تناقض. لأن علماء الحديث إذا صححوا حديثا دل على أنه 
يتفق مع العقل ولا يخالف العقل لأن من شروط الحديث الصحيح أن يكون 
خاليا من الشذوذ والعلة. 

إلا إذا كان إمام الحرمين لا يثق بعقول المحدثين أو يريد أن يعرضص 
الحديث الصحيح على النظريات الكلامية التي هي موضع نزاع عند أصحابها 
من أهل الكلامء إن تطبيق هذا الشرط يؤدي إلى أن لا يصح حديث 
أبدا. لأن لكل مدرسة كلامية نظريات عقلية تخالف بها المدرسة الأخرى 
فبعقل من نزن الحديث؟ فلمعتزلة مثلا ترى أن العقل يحيل رؤية المؤمنين 
لربهم يوم القيامة وبالتالي يرفضون جميع الأدلة السمعية الدالة على ثبوت 
الرؤية 29 مع أن جمهور السلف والأشاعرة لا يرون أن العقل يحيل رؤية 
المؤمنين لربهم. فهل مجرد دعوى المعتزلة بإحالة العقل يكفي لرفض الأحاديث 
الصحيحة؟ . 

وأما إذا كان يقصد بالعقل الذي يعرض عليه الحديث الذي صححه 
علماء الحديث من القضايا الضرورية وهي التي لا يختلف عليها أحد من 
العقلاء فكيف يتمع أن يقال إنه حديث صحيح ثم هو تخالف لقضية عقلية 
ضرورية؟!! 

أما ما انتهى إليه إمام الحرمين في البرهان من عدم الاحتجاج بخبر الآحاد 
مطلقا في إثبات العقائد فمنبج باطل. ذلك أن الأدلة التي ساقها إمام 
الحرمين في حجية خبر الواحد في الأحكام العملية من أنه قد تواتر أن 
الرسول يِةِ يرسل الرسل محملين بالأحكام وتفاصيل الحلال والحرام وكان 
يصحبهم الكتب وكانوا آحاداً وأن الصحابة أجمعوا على العمل بخبر الآحاد 
وإجماعهم قد نقل تواترا" . 


)١65(‏ انظر شرح الأصول الخمسة ص 58؟. 
)١6١6(‏ انظر البرهان ج أ ص 5٠١‏ ل ادك 


35 





أقول إن هذه الحجج هي بذاتها أدلة على أن خبر الواحد حجة في الأمور 
الاعتقادية. لأن الرسل الذين يرسلهم الرسول كِ لم يكونوا محملين بالشرائع 
دون العقائد. بل كانوا يحملون الإسلام عقيدة وشريعة. وماحكاه من إجماع 
فصحيح ولكن ليس خاصا بالأحكام بل يشمل الأحكام والقضايا 
الاعتقادية» وذلك أن السلف لا يعرف عنهم التفريق بين القضايا الاعتقادية 
والقضايا العملية. 

يقول ابن القيم: (إن هذه الأخبار لو لم تفد اليقين فإن الظن الغالب 
حاصل منهاء ولا يمتنع إثبات الأسماء والصفات بهاء )| لا يمتنع إثبات 
الأحكام الطلبية بها فا الفرق بين باب الطلب وباب الخبر بحيث يحتج بها 
في أحدها دون الآخر. وهذا التفريق باطل بإجماع الأمة فإنها لم تزل تحتج 
هذه الأحاديث في الخبريات العلميات كا| تحتجح بها في الطلبيات 
العمليات)007, 

ثم قال (فأين سلف المفرقين بين البابين.» نعم سلفهم بعض متأخري 
المتكلمين الذين لاعناية لهم بياجاء عن الله ورسوله وأصحابه. بل يصدون 
القلوب عن الاهتداء في هذا الباب بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة ويحيلون 
على اراء المتكلمين وقواعد المتكلفين. فهم الذين يعرف عم التفريق بين 
الأمرين فإنهم قسموا الدين إلى مسائل علمية وعملية وسموها أصولا 
وفروعا)99" 2 , 

ومما يدل على أن خير الواحد حجة في الأحكام والعقائد إضافة إلى ماذكره 
إمام الحرمين قوله تعالى «إفلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في 
الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون2#"". 

ووجه الاستدلال: أن الطائفة تطلق على الواحد فا فوق وهو منقول عن 
ابن عباس وغيره كالنخعي ومجاهد©*2 فالآية تحث أن ينفر من كل فرقة 
)١65(‏ مختصر الصواعق ص .5١‏ 
(169) مختصر الصواعق ص 717. 


.١؟1؟ سورة التوية اية‎ )١68( 
. 5394 ص‎ ١ فتح الباري ج‎ )169( 


-1505- 








طائفة ليتفقهوا في الدين فيتعلموا أمور دينهم من الشرائع والعقائد ثم بعد 
التعليم والتحصيل يرجعون إلى أقوامهم دعاة ينذرونهم ويحذرونهم. فلو لم 
يكن خبر الواحد حجة لما وجب على أقوامهم قبول الإنذار والتحذير ونا 
استحثهم سبحانه للتفقه والتعلم . 

وتما يدل أيضا على أن خير الواحد حجة في العقائد ماذكره ابن حجر 
في فتح الباري واستحسنه إذ يقول: (واحتج بعض الأئمة بقوله تعالى هيام 
الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك*27 مع أنه كان رسولا إلى الناس 
كافة ويجب عليه تبليغهم. فلو كان خبر الواحد غير مقبول لتعذر إبلاغٌ 
الشريعة إلى الكل ضرورة لتعذر خطاب جميع الناس شفاهاء وكذا تعذر 
إرسال عدد التواتر إليهم وهو مسلك جيد)0'". 

كا ساق الشافعى رحمه الله أدلة كثيرة في إثبات حجية خبر الواحد في 
كتابه الرسالة”*2 فليراجع. وذكر ابن القيم واحدا وعشرين دليلا في إفادة 
خير الواحد العدل للعلم ومن ثم يصح الاحتجاج به في العقائد» وهذا 
يدل على خطأ إمام الحرمين فيما ذهب إليه من عدم الاحتجاج بخير الواحد 
في العقائد. 

ولا أدري كيف سيثبت إمام الحرمين كثيرا من العقائد التي أثبتها في 
الإرشاد والنظامية معتمدا على خبر واحد. أقول: كيف سيثبتها إذا كان 
منبجه رفض خبر الواحد مطلقا فيها طريقه العلم؟! 

وفي ختام هذا الفصل نشير إلى ماذكرناه في تعقيبنا السابق على موقف 
إمام الحرمين من الاستدلال بالخير المتواتر في إثبات العقائد ‏ نشير إلى ما 
ذكرناه هناك من عدم اشتغال إمام الخرمين بالحديث النبوي الشريف بالدرجة 
التي تجعله على معرفة دقيقة بطرق إثباته والتمييز بين أنواعهء الأمر الذي 
جعله يقرر هذه الأحكام السابقة التي تتضمنها أقواله في قضية أخبار الآحاد 


0509 المائدة: آية /51. 
)1١5١(‏ فتح الباري بشرح صحيح البخاري ج ١‏ ص 39"98. 
(؟15) انظر الرسالة ص .4١0١‏ 


5:6 





وعلاقتها بإثبات العقائد. هذا إلى جانب ماذكرناه سابقا من اعتماده بالدرجة 
الأولى على الأدلة العقلية في إثبات كثير من العقائد. ومن ثم يأتي استدلاله 
على بعض العقائد بالسنة النبوية قليلا ولا يشمل جميع قضايا العقيدة 
وكذلك يجعل مجرد كون الخير من أخبار الآحاد مبررا لرد دلالته» بل ويجعل 
هذا المبرر حجة في رد دلالة الأحاديث على العقائد إذا توهم مخالفتها لقواعده 
العقلية حتى ولو كانت في حقيقتها متواترة. 


4505 





البساب الخاصسس 
صسنهجه 


في الاستدلال السبعي بالاجماع على العقائد 


الفحل الأول : استدلال إمام الحرمين بالإجماع على العقائد 0 
الفصل الثاني : استدلال علماء السلف بالإجماع على العقائد 
مع التعقيب على اراء إمام الحرمين. 


غ١‎ 


الفحل الأول 
استدلال إمام الحرمين بالإجماع على العقائد 


تمد : 

الإجماع أحد الأدلة السمعية في إثبات الأحكام والعقائدء» وإنا اعتبر 
كذلك لما سنقرره فيا بعد من ضرورة قيام الإجماع في كل مسألة على دليل 
سمعي من الكتاب والسنةء وإن لم يذكر هذا الدليل في مورد الاحتجاجء 
ومن ثم يأتي ترتيبه من حيث حجية الأدلة وأهميتها بعد الكتاب والسنة» 
وترجع قيمة الإجماع وفائدته ‏ مع قيامه على أساس من النصوص السمعية - 
إلى أنه يحسم النزاع في دلالة النص على مضمونه الشرعي. بحيث لا يكون 
هناك محال لدعوى نسخه أو تخصيصه إن كان عاما أو تقييده إن كان مطلقا 
أو تأويله بالاستدلال على غير ما يستفاد من ظاهرهء» ويدل كلام إمام الحرمين 
على الإجماع واستلالاته به على وقوعه في معظم الشريعة» سواء في ذلك أصول 
الدين وعقائده أو فروعه وأحكامه الفقهية.» ىا يدل على ذلك كلام غيره من 
العلماء سواء في ذلك العلماء السلفيون وغيرهم . 

وقبل أن نورد مواضع استدلال إمام الحرمين بالإجماع على العقائد نذكر 
فيا يلي رأيه في مفهوم الإجماع ووقوعه والرد على منكريه. ونيين شروط صحته 
عنده وأساس حجيته في إثبات ما يثبت به من العقائد والأحكام. 

ولا كانت الصلة بين علم أصول الدين وأصول الفقه في مناهج 
الاستدلال صلة قوية» ولا كان أئمة كل من هذين العلمين هم في نفس 
الوقت أئمة في العلم الآخر. ونظرا لاهتام العلماء بشرح الموضوعات السابقة 


-508- 


المتعلقة بالإجماع في أصول الفقه -لا كان الأمر كذلك فإننا سنستعين في 
دراسة الإجماع بها كتب عنه في علم الأصول ولاسيا البرهان بيانا لوجهة 
نظر إمام الحرمين مقارنة بآراء غيره من العلماء. 
١‏ - مفهومه: 

الإجماع في اللغة الإحكام والعزيمة على الشيء. 

جاء في اللسان (وقال الفراء في قوله تعالى: نامر كُيِدَكُمْ كم انتوا توا 
صَفايي0) قال الإجماع الإحكام والعزيمة على الشيء . تقول أجمعت 3 
وأجمعت على الخروج. . 

والإجماع: أن تجمع الشيء المتفرق جميعا فإذا جعلته بقي جميعا ولم يكن 
يتفرق)2) . 

فالإجماع إذن يأتي بمعنى العزم وعلى هذا فيصح إطلاق اسم الإجماع 
على عزم الواحد9". 

ويأي بمعنى الاتفاق فيكون اتفاق كل طائفة على أي أمر إجماعا حتى 
اتفاق اليهود والنصارى© . 

ولقد جاء في التلخيص أن المعنى الآخر وهو الاتفاق يرجع إلى المعنى 
الأول وهو العزم جاء فيه: (.. وهذا ‏ أي تفسير الإجماع بالاتفاق ‏ في 
التحقيق راجع إلى المعنى الأول. وذلك أنهم إذا اتفقوا على شيء فقد أ 
العزم عليه)9». 

وأما الإجماع في الاصطلاح كا جاء في التلخيص: (فهو اتفاق الأمة أو 
اتفاق علائها على حكم من أحكام الشريعة)©. 
(؟) اللسان: مادة جمع ج 4. ص /ه. وانظر اللمع في أصول الفقه للإمام أبي إسحاق إبراهيم بن 

علي الشيرازي» الفيروزابادي. ص /1ا8م. 
2_2 انظر: الكافية في الجدل. ص /ه. والتلخيص لإمام الحرمين. ص 2١‏ والإحكام للآمدي. اج 3 

ص 258٠١‏ ومذكرة أصول الفقه للشنقيطي: ص .١8١‏ 
(4) التلخيص.» ص .١‏ 


(0) انظر هامش التلخيصض.» ص .١‏ 
(5) التلخيص. ص 01١‏ -7. 


-5٠١ 


وبين إمام الحرمين حده عند العلماء في الكافية قائلا: (فأما حده في عرف 
العلماء: فهو ظهور حكم للحادثة بين أهل الصنعة في تلك الحادثة مع عدم 
النكير والمنازعة) 2 . 

وهذا التعريف يجعل من أنواع الإجماع الإجماع السكوتي. 

وجاء في الورقات (وأما الإجماع فهو: اتفاق علماء أهل العصر على 
الحادثة)00. ثم بين مراده بالعلاء وبالحادثة قائلا: (ونعني بالعلاء الفقهاء 
ونعني بالحادثة الحادثة الشرعية)" . 

وهذا التعريف وماجاء في الكافية لايجعل الإجماع خاصا بأمة محمد كَل . 

مع أنه في الورقات يجعل الإجماع خاصة بأمة محمد كل دون سائر الأمم . 
وقد كان على إمام الحرمين أن يراعي في وضع التعريف شرط الإسلام في 
المجمعين وهو شرط معتبر لا يصح الإجماع بدونه عنده. 

وهذا هو الذي صنعه الآمدي في تعريف الإجماع. فبعد أن عرض جملة 
من التعريفات الاصطلاحية خلص إلى أن الصحيح في مفهوم الإجماع 
اصطلاحا أن يقال: (الإجماع عبارة عن اتفاق جملة أهل الحل والعقد من 
أمة محمد في عصر من الأعصار على حكم واقعة من الوقائع)"© . 

ومن ثم لا يعتبر إجماع اليهود والنصارى إجماعاء ويرجع عدم انطباق 
المفهوم الصحيح للإجماع على إجماع اليهود والنصارى لأمرين: أولما: أن 
الإجماع الصحيح لابد وأن يقوم على أساس سمعي صحيح وليس لديهم 
شيء من ذلك لما طرأ على التوراة والإنجيل من التغيير والتحريف. ثانيهما: 
لقوله كِِ : «لا تجتمع أمتي على ضلالة)2 وما يفهم من الحديث هو جواز 
إجماع غيرها من الأمم على الضلالة ومن ثم لايعد اجتماعها على ذلك إجماعا 


0 


(0) الكافية في الجدل ص 088. 

(8) الورقات ص .١١‏ 

(8) المصدر السابق. 

)2 الإحكام للآمدى. ج 5 ص 4 . 
)1١١(‏ سبق تخريجه انظر ص 57 من البحث. 


-5١١- 





؟" - وقوع الإجماع في الأحكام والعقائد والرد على منكريه: 

يرى إمام الحرمين أن الناس بالنسبة لتصور وقوع الإجماع بين طرفي 
نقيض» بين ذاهب إلى تصور وقوعه مطلقاء وذاهب إلى عدم تصور وقوعه 
مطلقا وكلا الرأيين عنده خطأ. لأن المسألة فيها تفصيل: 

يقول إمام الحرمين: (... من أطلق التصور «أي ف الوقرع») أو عدم 
التصور فهو زلل» والكلام المفصل إذا أطلق نفيه أو إثباته كان خلفا)9©. 

فهو يرى أن الإجماع يمكن تصور وقوعه في الأمور التالية: 


١‏ الأمور الكلية التى تتعلق بقواعد العقائد في الملل. فهذه الأمور فيها 
دواع تستحث على الإجماع وتدعو إليه. 
يقول إمام الحرمين: (لا يمتنع الإجماع عند ظهور دواع مستحثة عليه 
داعية إليه» ومن هذا القبيل كل أمر كلى يتعلق بقواعد العقائد في 
المللء فإن على القلوب روابط في أمثالهاء حتى كأن نواصي العقلاء 
تحت ربقة الأمور العظيمة الدينية)9©). 
؟ - الأمور التي بهتم بها ولاة الأمر فلا يمتنع في حق الملك أن يجمع علماء 
الشريعة لبحثها9©. 
*«- احاد المسائل المظنونة مع انتفاء الدواعي الجامعة. فهذه يتصور وقوع 
الإجماع فيها في زمن الصحابة فقط©9©. 
أما الأمور التي لا يمكن تصور وقوع الإجماع بهاء فهي احاد المسائل 
المظنونة بعد زمن الصحابة عند عدم وجود دواع جامعة. فهذه المسائل لا 
يتصور وقوع الإجماع بها لتفرق العلماء واستقرارهم في أماكنهم23. 
'ولقد احتج المانعون لتصور وقوع الإجماع مطلقا با ذكره عنهم إمام 
الحرمين فيما يأتي: 
)١١‏ البرهان. ج .١‏ ص ه50. 
)١8(‏ البرهان. ج ١ء‏ ص 4" فقرة .5171١‏ 
)١5(‏ انظر: البرهان. ج ١اء‏ ص 504. 


زففلة انشر: البرهان. ج ذا ص 5068". 
رك انظر: البرهان. جْ ١اء‏ ص 57©8". 


-5١؟-‎ 


أولا- صعوبة عرض مسألة واحدة على كافة العلماء» ووجه الصعوبة اتساع 
خطة الإسلام ورقعته ومبذا تكون أماكن العلماء متباعدة . 
والمطالب. هذا التفاوت والتباين يجعل اتفاقهم أمرا غير ممكن بل 
تصور اتفاقهم والحالة هذه كمن يتصور اجتماع العالمين 5 وقت مملود 
على قيام وقعود وأكل. وهذا غير ممكن في اطراد العادة. إلا أن يقع 
من قبيل المعجزة أو الكرامة فقد تنخرق العادة لنبى أو ولي9©. 
ثالنا- تعذر النقل تواتراً عنهم في المسألة الواحدة. لأن حكم المسألة ليس 
مما تتوافر الدواعي على نقله. 
رابعا- عدم ضانة بقاء العالم على رأيه» فا الذي يضمن عدم رجوعه عن 
رأيه 200 
وبعد أن ذكر إمام الحرمين شبه المانعين لتصور وقوع الإجماع مطلقاء ذكر 
أجوبة القاضي عنها وهي أمثلة توضح جواز الإجماع عقلا. 
فالكفار الذين يزيد عددهم على عدد المسلمين اتفقوا على مسائل باطلة 
يدرك بطلانها بأدنى نظر. وأصحاب الشافعي من العلماء أجمعوا على مذهبه 
في المسائل الفرعية مع تباعد الديار وانقطاع الأسفار"©. 
وهذه الأمثلة تتضمن وقوع الإجماع وقوعا عمليا وليس جرد تصور نظري . 
والتحقق العمل للإجماع خير رد على الشبهات النظرية التي يوردها المانعون 
له. 


ولا يقتصر وقوع الإجماع على الأحكام الفقهية ولا بين علماء المذاهب» 
ولكنه واقع كذلك في مجال العقائد.» حيث أجمع الصحابة والتابعون على 
العقائد السلفية الثابتة بالكتاب والسنة با تتضمنه من أركان الإيهمان الستة. 


[فقة انظر البرهان , جِ ل ص ا" 
(148) انظر البرهان, ج ١‏ ص الاك - الع" 
(19) انظر البرهان , ج ل ص الاك - 5لا" 


-4١59- 








وإئبات ما أثبته الله لنفسه وأثبته له رسوله يك من الصفات والأفعال 
والأحكام إلى غير ذلك من العقائد. ك| سنبينه في التعقيب على هذا 
الفصل. وني الوقوع الفعلي للإجماع عقيدة وشريعة الرد العمل على منكري 
جوازه عقلاء فلو لم يجز لم يقع لكنه قد وقع فدل على جوازه. 
 “*‏ شروط صحته: 

ويشترط لصحة الإجماع وصحة الاحتجاج به في الأحكام الشرعية شروط 
أربعة وإن وقع الاختلاف في بعضها بين العلاء ى]| سنرى: 
الشرط الأول انقراض العصر: اختلف العللاء هل يشترط انقراض عصر 
المجمعين لصحة الإجماع أم لا يشترط على ثلاثة أقوال ى) حكاها إمام 
الحرمين في البرهان: 
القول الأول: قول من ذهب إلى أنه يشترط انقراض العصر فلا (يحكم 
بانعقاد الإجماع ما بقي من المجمعين أحد)". 

والعبرة بالمجمعين الذي أجمعوا أولا فلو لحقهم في نفس العصر لاحقون 
بلغوا رتبة الاجتهاد. فلا عبرة. بعدم انقراضهم ولا بخلافهم. والسبب في 
ذلك أنه لو اعتبر انقراضهم لأدى إلى عدم تصور انقراض العصر (فالمرعيّ 
إذا انقراض الذين أجمعوا أولا)0"». 

ويرى أصحاب هذا القول أنه يجوز رجوع واحد من الذين أجمعوا عن 
رأيه وتصبح المسألة حينئذ نزاعية”"©. 

وهذا مذهب الأستاذ أبي بكر بن فورك والمقدسي والحلواني وابن عقيل 
وظاهر كلام الإمام أحمد9”». ْ 


.595 انظر البرهان. ج ١ا. ص‎ )9١( 

[طقة البرهان. جَ ١‏ ص 55 فقرة 5 

56 انظر البرهان, ج 25 ص‎ 2١ 

25 انظر المسودة. ص 2758107 والإحكام ج ١‏ ا ص8"556. 


-5١5- 


ولقد بين إمام الحرمين أن من مقتضى هذا القول أنه (لو اتفق اجتماع 
العلماء ومصيرهم إلى مذهب في واقعة» ثم خر عليهم السقف على القرب. 
أو. عمهم وجه من وجده الحلاك. فقد انبرم إجماعهم في ذلك الحكم. وإن 
كان ذلك في زمن قريب. ولو بقوا زمنا طويلا مصممين على ماقالوه لم ينعقد 
الإجماع مالم ينقرضوا)9». ولقد انتقد إمام الحرمين هذا القول ومقتضاه 
قائلا: (واشتراط الموت مع طول الزمن لا معنى له والاكتفاء به على قرب 
لا طائل وراءه)*" . 
القول الثاني: قول القاضي والذي ذهب كا يحكي عنه إمام الحرمين إلى 
عدم اشتراط انقراض العصرء بل إن الإجماع ينعقد ويصبح ملزما من حين 
قيامه من غير استئخار» وبناء عليه فمن خالف من المجمعين أو غيرهم بعد 
انعقاد الإجماع يكون (خارجا عن حكم الإجماع خارقا ربقة الوفاق)9". 

ويرى إمام الحرمين أن رأيه الذي سنذكره يتضمن الرد على قول القاضي 
هذا. 
القول الثالث: وهو ماذهب إليه الأستاذ أبوإسحاق وطائفة من الأصوليين 
فقد ذهبوا إلى عدم اشتراط انقراض العصر إذا كان الإجماع قولياء أما إذا 
كان الإجماع سكوتيا فيشترط انقراض العصر"". 

وهو اختيار الآمدي في الإحكام ذاكرا أنه مذهب أكثر أصحاب الشافعي 
وأبي حنيفة والأشاعرة والمعتزلة9). 

وقد انتقد إمام الحرمين مذهب الأستاذ أبي إسحاق. فإمام الحرمين لا 
يعتبر سكوت العلماء على قول قائل إجماعا سكوتيا. يقول إمام الحرمين: (وما 
ذكره الأستاذ أبوإسحاق من ربط الإجماع السكوتي بالانقراض فغير مرضي» 





)55 البرهان. ج .١‏ ص 50 
زفقة البرهان. جح أاء ص /5980. 
زفهة البرهان. ج ١‏ ص “5 
277١‏ البرهان. جح .١‏ ص /59870. 
(18) الأحكام للآمدي. ج 2.١‏ ص 856". 


-541١6- 





فإننا سنوضح أن سكوت العلماء على قول قائل محل الظن لايكون إجماعاء 
ثم ماذكره يلزمه اعتبار الزمان إذا باحوا بصدور حكمهم عن وجوب الظن 
كا قدمناه. ثم لا معول على الانقراض . .)9"). 

وبعد أن سرد إمام الحرمين هذه الأقوال السابقة في مسألة اشتراط انقراض 
العصر في انعقاد الإجماع وانتقدها كا رأينا ذكر الرأي الراجح الذي يرتضيه 
وهو مبني على دليله في حجية الإجماع ى) سيأتي. 

فالإجماع عنده ينقسم إلى: 
مقطوع به. وإلى حكم مطلق أسنده المجمعون إلى الظن. 

فالصورة الأولى: وهي إذا أجمعوا قاطعين بالحكم لايرجعون فيه رأيا فلابد 
والحالة هذه أنهم استندوا إلى قاطع سمعي». فهذه الصورة ينعقد الإجماع 
بها على الفور بدون استئخار لأنهم لابد رجعوا إلى أصل مقطوع به عندهم, 
وهذا ماتوجبه العادة وهي لا تنخرق لافي لحظة ولافي ماد متطاولة”©. 


اما الصورة الثانية: وهي إذا أجمعوا على حكم وذكروا سندهم. وكان 
مستندهم ظنيا فلا يتم الإجماع حتى يتطاول الزمن. يقول إمام الحرمين : 
(فإن الإجماع على الحكم مع الاعتراف بالتردد في الأصل لا يعد إجماعا 
وإطباقاء ولو فرض من بعضهم إظهار خلاف ما عن لم على البدار. لم 
يعد ذلك المخالف والحالة ىا صورناها عاقا خارقا حجاب اطيبة. . .)29©. 

ثم قال: (نعم إن استمروا على حكمهم, ولم ينقدح على طول الزمن 
لواحد منهم خلاف. فهذا يلتحق بقاعدة الإجماع) 29 . 

وخلاصة القول أنه في الصورة الأولى يرى أن الإجماع ينعقد فورا. 

وفي الصورة الثانية يشترط تطاول الزمن. بحيث يتحقق ظهور الإصرار 
وكذلك يشترط أن يظلوا متذكرين للمسألة خلال الزمن. 


590 ص‎ ١ البرهان . ج‎ )15١ 

كيه انظر البرهان . ج .2 ص 555 
١١‏ البرهان 3 2١‏ ص 554. 

[فضة البرهان. جح ١‏ فشرة 54١‏ ص 5968. 


سكاع - 


(فلو وقعت واقعة فسبقوا إلى حكم فيهاء ثم تناسوها فلا أثر للزمان 
والحالة هذه)7”9 , 

وحيث يشترط في الصورة الثانية ظهور الإصرار بتطاول الزمان فلو حكموا 
في مسألة مستندين على ظن ذكرو. ثم ماتوا على الفور فلا يعتبر ذلك إجماعا 
(من جهة أنهم أبدوا وجها من الظن ثم لم يتضح إصرارهم فهذا هو 
المغزى) 

فا مقدار الزمن الذي يشترطه الجويني لإظهار إصرارهم في المسألة؟ يقول 
إمام الحرمين: (لمعتبر زمن لا يفرض في مثله استقرار الجم الغفير على رأي 
إلا عن حامل قاطع. أو نازل منزلة القاطع على الإصرار)9©. 

ومما يجدر ذكره أن إمام الحرمين نص صراحة في الورقات على عدم اشتراط 
انتقراض العصر إذ يقول: (ولا يشترط قُْ حجته «أي الإجماع» انقراض 
العصر. . . )00 , 
الإجماع في تعقيبنا على هذا الفصل إن شاء الله. 
الشرط الثاني بلوغ المجمعين درجة الاجتهاد: وهذا هو رأي إمام الحرمين 
فقد جزم بأن العوام لا عبرة بخلافهم ووفاقهم9”. 

وذكر أن أهل الإجماع هم المفتون المجتهدون وأنه لا شك في اعتبارهم . 
فإننا لن نطيل بذكر الخلاف بينهم في هذا المقام. 
الشرط الثالث ‏ اتصاف أهل الإجماع بالإسلام: يشترط العلماء ومنهم إمام 
الحرمين في أهل الإجماع أن يكونوا مسلمين, أما الكافر (وإن حوى من أركان 


زشفة اليرهان. جح ل ص 555 
205 اليرهان. ج 1 ص كاك 
(5*) الورقات ص .١١‏ 

."58 البرهان, جّ 21 ص6‎ 2١ 


-ةا١ا7/-‎ 





الشريعة أركان الاجتهاد فلا معتير بقوله وافق أو خالف)9©. فالحجة في 
إجماع المسلمين. 

وعلى هذا ينبني القول في المبتدع. فإن كانت بدعته مكفرة لم يعتد بقوله . 

يقول إمام الحرمين: (والمبتدع إن كفرناه لم نعتبر خلافه ووفاقه وإن لم 
تكفره فهو من المعتبرين إذا استجمع شرائط المجتهدين)9". 
الشرط الرابع - بلوغ المجمعين عدد التواتر: يشترط إمام الحرمين أن يبلغ 
عدد المجمعين عدد التواتر» وهذا الشرط نتيجة طبيعية لدليله الذي أثبت 
به حجية الإجماع. كى) سيأتي. 

وإذا لم يبلغ المجمعون عدد التواتر فلا يعتبر إجماعهم حجة. يقول إمام 
الحرمين: (فإن كان علماء العصر بالغين مبلغاً لا يتوقع منهم التواطق وهم 
الذين يسمون عدد التواتر.ه فلا شك في انعقاد الإجماع بوفاقهم)9". 

ويقول أيضا: (... من قال: إن إجماع المنحطين عن مبلغ التواتر حجة 
فهو غير مرضي فإن مأخذ الإجماع يستند إلى طرد العادة» | تقدم ذكره. 
ومن لم يحسن إسناد الإجماع إليه لم تستقر له قدم فيه)”»©. 

ولا يشترط الأستاذ أبوإسحاق الاسفراييني أن يبلغ المجتهدون عدد التواتر» 
ويرى أن عددهم إذا انحط عن عدد التواتر فإجماعهم حجة. يقول كما يحكيه 
إمام الحرمين: (يجوز ألا يبقى في الدهر إلا مفت واحد ولو اتفق ذلك». 
فقوله حجة كالإجماع)40). 

وجاء في المسودة أن قول أكثر الفقهاء والمتكلمين أن عدد المجمعين يجوز 
أن ينحط عن عدد التواتر ولو وقع لكان إجماعهم حجة9". 





(فضة البرهان» جّ ١‏ ص 584. 

إنيية البرهان. ج 2.١‏ ص 464 - 202 4ك 

زه البرهان ,» ج 2١‏ ص 00 

)20 البرهان. جَّ 2.١‏ ص 56١‏ 

,)2 اليرهان» جّ ١‏ ص 50١‏ 1 

(49) انظر المسودة. ص 5580. وانظر مذكرة أصول الفقه للشنقيطي.» ص ؟19. 


-4148- 





وسوف نرى فيما بعد مدى التزام إمام الحرمين برعاية ما اشترطه هنا في 
صحة الإجماع. وذلك فيها سنذكره عنه من العقائد التي استدل على إثباتها 
بالإجماع . 

كا سنرى كذلك مدى قيمة هذه الشروط في تحقق الإجماع وصحته من 
وجهة النظر السلفية في باب الأحكام الشرعية بصفة عامة والعقائد بصفة 
خاصة. وهي موضوع دراستنا في هذه الرسالة. 


4 - حجية الإجماع والرد على منكريها: 

إذا استوى الإجماع شروط صحته كان حجة يحتج بها في الأحكام الدينية 
العقدية والعملية»ء خلافا لمن ينكرون تلك الحجية من الشيعة والخوارج 
والنظام من المعتزلة9؟». 

ويرجع إنكار المنكرين لحجية الإجماع إلى ما يذهبون إليه من عدم وجود 
الدليل على تلك الحجية. فيزعمون أنه لايوجد دليل عقلي ولا سمعي قطعي 
يدل على حجية الإجماع, إذ يقولون كا يحكيه إمام الحرمين عنهم: (العقول 
لا تدل على كون الإجماع حجة. وليس يمتنع في مقدور الله تعالى» أن 
يجمع أقوام ‏ لا يعصم آحادهم عن الخطأ ‏ على نقيض الصواب» فإذا ليس 
في العقل متعلق في انتصاب الإجماع حجة). 

وزعموا كذلك أنه لا يوجد دليل سمعي قطعي لا من القرآن ولا من 
السنة المتواترة على حجيته. وهذا هو مايحكيه عنهم إمام الحرمين حيث 
يقولون : (... فلم يبق إلا تتبع الأدلة السمعية وتعيين انتفاء القاطع فيه 
- والقاطع نص الكتاب أو نص السنة متواتراء والمسألة عرية عنههاء فلا دليل 
إذا على أن الإجماع حجة)9». 

هذا هو موقف المنكرين لحجية الإجماع وسندهم على ذلك. ومن المنكرين 
لحجية الإجماع كى) ذكرنا سابقا طوائف من الروافض.2 وأما من قال منهم . 
(4) انظر البرهان. ج ١‏ ص 3/0, التمهيد لأبي الخطاب ج “ا ص 0774 التبصرة. للفيرو زأبادي. 


ص 944. مجموع الفتاوي. ج .١١‏ ص "4١‏ والأحكام للآمدي ج ١‏ ص 7856. 
255 البرهان. ج ١‏ ص0 506. 


-51١ة-‎ 








أن الإجماع حجة فلأن الحجة عندهم قول الإمام وهو منغمس في غغمار 
الناس» فإذا وقع الإجماع فيكون قول الإمام من جملة الأقوال وقوله هو الحجة 
وليس إجماع الناس©» , 

وهذا القول تلبيس منهم كما ذكر إمام الحرمين» وزعمهم أن الإمام 
معصومء خلافا لمذهب جماهير السلف والخلف. بدعة شيعية مرفوضة فلا 
عصمة إلا للأنبياء. 

ولقد وصف إمام الحرمين كلام المانعين لحجية الإجماع بأنه (كلام ميل 
بالغ في فنه إن لم يسلك المسلك المرضي في تتبعه)7». 

ومع أنه ممن يرى حجية الإجماع كا سيأتي إلا أنه وافق القائلين بعدم 
حجية الإجماع على عدم وجود دليل سمعي قطعي مباشر على حجية 
الإجماع, ولهذا نراه يرد استدلال الشافعي على حجية الإجماع واحتجاجه عليه 
بقوله تعالى «إومن يشاقق الرسول من بعد ما تبن له الطّدى ويتبعٌ غير سَيبل, 
المؤمنين نُوَلّهِ ما تولى ونُضْله جهنم وساءت مصيراً» 0 . 

ووجه استدلال الشافعي بهذه الآية ى) حكي عنه أنه (إذا أجمع المؤمنون 
على حكم في قضية» فمن خالفهم فقد شاقهم واتبع غير سبيلهم وتعرض 
للوعيد المذكور في مساق الخطاب)8). 

أقول إن إمام الحرمين يرد استدلال الشافعي على حجية الإجماع مبذه الآية 
إذ يرى أن الآية ليست نصا في الموضوع. حيث يفسرها تفسيرا مغايرا لتفسير 
الشافعي فيقول: (إن الرب تعالى أراد بذلك من أراد الكفرء وتكذيب 
المصطفى كَل والحيد عن سنن الحق» وترتيب المعنى : ومن يشاقق الرسول 
ويتبع غير سبيل المؤمنين المقتدين به نوله ما تولى)9"». 


(46) انظر: البرهان. ج ١.ء‏ ص 5لا25 والتمهيد. ج ١‏ ص 2756 والتبصرة في أصول الفقه 
ص 164". 

(55) البرهان. جح 2 ص كلاك. 

(/ا4) سورة النساء اية .١١6‏ 

(4) البرهان. ج ١ء‏ ص ل/الا5. 

(49) البرهان.ء جَ ١ء‏ صلالا؟. 


450 - 


ْ 
فادامت الآية محتملة فلا يصح في منهجه الاستدلال بها في الأمور 
القطعية . 
وسوف نورد في الفصل التالي: إبطال شيخ الإسلام لمنع الاحتجاج بهذه 
الآية على صحة الإجماع وحجيته. 
كيا أنه رد استدلال المثبتين لحجية الإجماع الذين استدلوا بقوله كئِةٍ «لا 
تجتمع أمتي على ضلالة». مبينا أسباب الرد وهي : 
١‏ إن هذا الحديث من أخبار الآحاد فلا يجوز التعلق به في القطعيات. 
١‏ - إن القول بأنه حديث متلقى بالقبول إثبات للإجماع بالإجماع ثم لا 
تستتب هذه الدعوة مع اختلاف الناس في الإجماع . 
*- إِنْ هذا الحديث له تأويل آخر فيحمل على أنه بشارة بأن أمة محمد 
لا ترتد إلى قيام الساعة. والمقصود أن الحديث طني الثبوت طني الدلالة 
فلا يحتج به في القطعيات. 
يقول إمام الحرمين: (فان تمسك مثبتو الإجماع بما روي عن النبي كلل 
أنه قال: «لا تجتمع أمتي على ضلالة) وقد روى الرواة هذا المعنى بألفاظ 
مختلفة. فلست أرى للتمسك بذلك وجهاء لأنها من أخبار الآحاد فلا يجوز 
التعلق بها في القطعيات. وقد تكرر هذا مرارا. ولا حاصل لقول من يقول: 
هذه الأحاديث متلقاة بالقبول. فإن المقصود من ذلك يؤول إلى أن الحديث 
مجمع عليه. وقصاراه إثبات الإجماع بالإجماع. على أنه لا تستتب هذه الدعوة 
أيضا مع اختلاف الناس في الإجماع . 
ثم الأحاديث متعرضة للتأويلات القريبة المأخذ الممكنة. فيمكن أن يقال 
قوله يك رلا تجتمع أمني على ضلالة» بشارة منه. مشعرة بالغيب» في مستقبل 
الزمان. مؤذنة بأن أمته عليه السلام لا ترتد إلى قيام الساعةء وإذا لم يكن 
الحديث مقطوعا به نقلاء وم يكن في نفسه نصاء فلا وجه للاحتجاج به 
5 مظان القطع)*". 


)2 البرهانء ج .١‏ ص طشلاك - فلك وانظر الغياثي» ص 55. 


45١ - 


قلت: أما دعواه أن حديث الآحاد لا يحتج به فهو منازع في ذلك. وقد 
بينا أن خير الواحد حجة في العمليات والاعتقاديات. وقد ذهب كثير من 
العلياء إلى أن الأحاديث في حجية الإجماع تواترت تواترا معنويا”». 

يقول الآمدي: (... إن كل واحد من هذه الأخبار وإن كان خبر واحد 
يجوز تطرق الكذب إليهء إلا أن كل عاقل يجد من نفسه العلم الضروري 
من جملتها: قصد الرسول يَكخِ تعظيم هذه الأمة وعصمتها من الخطأ. كا 
علم بالضرورة سخاء حاتم وشجاعة علي وفقه الشافعي ومالك وأبي حنيفة 
رضي الله عنهم وميل رسول الله يَكِةِ إلى عائشة دون باقي نسائه بالأخبار 
التي أحادها أحاد غير أنها (في جملتها) نازلة منزلة التواتر)5©. 

وفي رأي أبي الخطاب أحمد بن الحسن الكلوذاني (أنه يجوز قبول خبر 
الواحد في المصير إلى الإجماع لأنه حكم شرعي طريقه طريق مسائل 
الفروع)9" . 

أما اختلاف الناس في الإجماع فلا يبطل كونه حجه قطعية فقد يرجع 
خلاف بعضهم إلى الموى والتعصب لا إلى الدليل الصحيح» ولا يكاد يسلم 
أمر من وجود خلاف فيه. ولو فرضنا أن اختلاف الناس في حجية الإجماع 
يبطل قطعيته. فإن تقرير إمام الحرمين لذلك يؤدي به إلى التناقض مع نفسه 
حيث يعتبر الإجماع حجة قطعية مع وقوع الخلاف في شأنه. ومع أن إمام 
الحرمين قد رد الاستدلال بهذا الحديث في البرهان للأسباب السابقة الذكر. 
فإننا نجده يحتج به في الورقات إذ يقول: (وإجماع هذه الأمة حجة دون 
غيرها لقوله يد رلا تجتمع أمتي على ضلالة» والشرع ورد بعصمة هذه 
الأمة)69 , 


)0١(‏ انظر المسودة في أصول الفقه. ص 585. التبصرة في أصول الفقه ص هه”. والمستصفى من 
الأصول للغزالي ج 1 ص 17# - 174. 
(00) الأحكام ج ١‏ ص #16 وانظر التمهيد ج 7# ص 88؟. 
(00) التمهيد في أصول الفقه. تأليف محفوظ بن أحمد بن الحسن ابوالخطاب الكلوذاني الحنبلي ج 27 
ص ١51؟.‏ 
(04) الورقات.» ص .١١‏ 


55:2 


وإذا كان إمام الحرمين قد أبطل دعوى القائلين بعدم حجية الإجماع 
وإذا كان قد أبطل كذلك أدلة المثبتين لحجيته. فا هي أدلته على أن الإجماع 
حجة قاطعة؟ 

لقد أثبت إمام الحرمين حجية الإجماع في برهانه بالمعقول وبين أن له 
صورتين وكل منهها تتضمن دليل حجية الإجماع فيها. 

الصورة الأولى: أن تجمع الكثرة على حكم دون تصريح بدليلهء ولا 
كانت العادة تحيل أن يجتمع الخلق الكثير على حكمء. وليس لهم مستند 
قاطع. فإذا وجدوا مجتمعين على حكم قاطعين به فلابد والحالة هذه من 
اعتادهم على مستند قطعي سقط ولم ينقل يقول: (إحداهما أن نصادف علماء 
العصر على توافرهم في أطراف الخطة وأوساطهاء مجمعين على حكم مظنون» 
والرأي فيه مضطرب, فنعلم والحالة هذه أن اتفاقهم إن وقع. لا يحمل على 
وفاق اعتقاداتهم. وجريانها على منهاج واحد. فإن ذلك مع تطرق وجوه 
الإمكان واطراد الاعتياد مستحيل» بل يستحيل اجتماع العقلاء على معقول 
مقطوع به في أساليب العقول. إذا كان لا يتطرق إليه إلا بإنعام نظر وتسديد 
فكر. وذلك لاختلاف الناظرين في. نظرهم. فإذا كان حكم العادة هذا في 
النظر القطعي. فا الظن بالنظر الظني؟ الذي لا يفرض فيه قطع. فإذا تقرر 
أن اطراد الاعتياد يحيل اجتاعهم على فن من النظرء فإذا ألفيناهم قاطعين 
بالحكم لا يرجعون فيه رأياء ولا يرددون قولا فنعلم قطعا أنهم أسندوا الحكم 
الى شيء سمعي قطعي عنلدهم ولا يبعد سقوط النقل فيه...)*9©. 

ويتوجه على استدلال إمام الحرمين القول بحجية إجماع علماء غير المسلمين 
على عقائدهم الباطلة كالتثليث والصلب ضرورة الحكم بقيام إجماعهم عل 
دليل شرعي عندهم وهو باطل. 

بل يتوجه على دليله كذلك لزوم القول بحجية إجماع العوام على إحدى 


آذ[ سسسب ١ج‏ 
(4ه) اليرهان. اج ١أءا‏ ص .581١ - 58٠‏ وانظر الغيائي, ص ©40. 


-79 5 د 


ضلالاتهم لمجرد كونهم عقلاء ضرورة القول بقيام إجماعهم على دليل مالم ينقل 
وهو باطل0*. 

ثم إن العادة لا تحيل الخطأ على الخلق الكثير. ومن ذلك خطأ اليهود 
والنصارى في تكذيب محمد يكخِ رغم كثرتهم وإجماعهم على ذلك. يقول 
الأمدي: (فالعادة لا تحيل الخطأ على الخلق الكثير بظنهم ماليس قاطعا 
قاطعا. ولهذا فإن اليهود والنصارى مع كثرتهم كثرة تخرج عن حد التواتر» 
قد أجمعوا على تكذيب محمد عليه السلام وإنكار رسالته وليس ذلك إلا 
لخطئهم في ظن ماليس قاطعا قاطعاء وبالجملة فإما أن يقال باستحالة الخطأ 
عليهم فيا ذهبوا إليه أو لا يقال باستحالته. فان كان الأول لزم أن لا يكون 
محمد نبيا حقا وإن كان الثاني فهو المطلوب...)9©. 

وف رأي إمام الحرمين أن الكثرة التي يجوز إجماعها على الضلالة ولا يكون 
له سند صحيح . ومن ثم لا يكون إجماعها حجة في رأيه ‏ أن مثل هذه 
الكثرة إنا يكون إجماعها غير حجة في المسائل التي تندفع الكثرة فيها بتأثير 
ديني أو سيامي. ومن هذا النوع إجماع اليهود والنصارى على ضلالتهم 
الدينية» أما إجماع الكثرة على أحكام نظرية في مسائل مخصوصة, فإنه لا 
يكون إلا بناء على دليل صحيح هو مستند هذا الإجماع. وقيام مثل هذا 
الإجماع على دليل هو أساس القول بحجية الإجماع. يقول إمام الحرمين: 
(وملاك الأمور كلها ملة تدعو إلى القربات والخيرات وتزجر عن الفواحش 
والموبقات ومرتبطها الأنبياء المؤيدون بالآيات وإيالة قهرية تضم النشر من 
الآراء المتناقضة ومتعلقها الملوك والأمراء الممدون بالعدد والعدد.» وأسباب 
المواتاة» فا كان من اتساق واتفاق مستنده دين أو ملك. فليس وقوعه بديعا 
وماذكروه جميعا من هذا الصنف في مستقر العرف. وأما ماجعلناه متمسكا في 
الإجماع فالاتفاق على حكم معين في مسألة مخصوصة. «وهذا التعيين لا 
تقتضيه إيالة ملكية قهرية ولا قضية دينية نبوية ويستحيل إجماع عدد عظيم 


ركم انظر الآمدي. الإحكام للآمدي, جح 21 ص الرشرت 
(لاه) الإحكام للآمدي, جَ ١‏ ص "50١‏ 


- 5755 


على أمر من غير ثبوت سبب جامع)9©. 

ويلزم على كلام إمام الحرمين في هذا المقام أمور باطلة منها: 
١‏ أن الإجماع الذي جعله حجة هنا لم يجعله خاصا بالصحابة دون غيرهم 

خلافا لما قرره من قبل عند كلامه على وقوع الإجماع9©. 
؟ - يلزم من كلامه عدم صحة أكثر ما أجمع عليه الصحابة من الأحكام 
في المسائل الدينية وعدم صحة إجماعهم على إمامة الخلفاء الاربعة» وبالتالي 
لا يصح لغيرهم أن يستند على إجماعهم في إثبات صحة إمامة هؤلاء 
الخلفاء . 

الصورة الثانية: من صور الإجماع المتضمنة دليل حجيته كما يرى إمام 
الحرمين أن يجمع المجمعون على حكم مع التصريح بدليله الظني. 

يرى إمام الحرمين أن الإجماع في هذه الصورة حجة قاطعة ولا يؤثر 
تصريحهم بالدليل الطني على حجيته. واعتمد في كون هذا الإجماع حجة 
على الصورة الأولى» فالسلف أجمعوا على تبكيت من يخالف إجماع العلماء 
وينسبون المخالف إلى المروق والعقوق. 

فإجماعهم على تبكيت المخالف لابد وأن يستند إلى دليل قطعي وصل 
إلينا الحكم. وهو حجية الإجماع وتحريم مخالفته وسقط السند الذي استند 
إليه السلف. 

يقول إمام الحرمين: (إنا وجدنا العصور الماضية والأمم المنقرضة متفقة 
على تبكيت من يخالف إجماع العلماء علماء الدهر» فلم يزالوا ينسبون المخالف 
إلى المروق والمحادة والعقوق ولا يعدون ذلك أمرا هيناء بل يرون الاجتراء 
على مخالفة العلماء ضلالا مبيناء فإجماعهم على هذا مع الإنصاف كالقطع 
في مجال الظن عند نظر العقل. فإذا التحق هذا بإجماعهم قطعا في حكم 
مظنون قطع به المجمعون من غير ترديد ظن. فليكن الإجماع على تبكيت 


(58) الغيائي. ص 6١‏ 
(09) انظر ص 155 من البحث. 


558 - 


التي ذكرناهاء تلقاها من تلقاها من فلق في رسول الله علد علم بقرائن الحال 
قصد المصطفى عليه السلام قي انتصاب الإجماع حجة.» ثم علموا ذلك 
وعملوا به. واستمروا على القطع بموجبه ول بهتموا بنقل سبب قطعهم». فقد 
تقرر الآن انتصاب الإجماع دليلا قاطعا)0' ©. 


قلت: ومع تسليمنا بحجية الإجماع إلا أننا ننتقد طريقة إمام الحرمين 
في الاستدلال عليها. ففي الصورة الأولى التي ذكرها الجويني أمران: 
الأمر الأول: حكم أجمع عليه المجمعون. 
الأمر الثاني: مصدر للحكم ويراه دليلا قطعيا سمعيا استند إليه المجمعون. 

الأمر الاول: توفرت الحمم والدواعي لنقله بدليل إجماع المجمعين أما 
الأمر الثان فاندرس وامحق وانطمس على حد تعبيره. 
والذي يرد عليه في ذلك كيف نقل الحكم وهو الأمر الأول ولم ينقل الثانٍ 
وهو مصدر الحكم ودليله. ولقد حاول إمام الحرمين الإجابة عن هذا 
الإشكال مبينا أنه لايبعد. أن يتفق المجمعون على حكم ويكتفون بالاتفاق 
عليه ولا ينقلون سبب اتفاقهم لقلة الحاجة إليه. 

يقول إمام الحرمين عارضا للإشكال مجيبا عنه: (فإن قيل كون سند 
الإجماع خيرا مثلا مقطوع به للهج المجمعون بنقله. 

قلنا: لا نبعد أن ينعقد الإجماع عن سبب مقطوع. ثم يقع الاكتفاء 
بالوفاق» ويضرب المجمعون عن نقل السبب لقلة الحاجة إليه وكم من شيء 
يستفيض عند وقوعه. ثم يمحق ويدرس حتى ينقل أحادا ثم ينطمس حتى 
لا ينقل ويقع الاكتفاء با ينعقد الوفاق عليه ووضوح ذلك يغني أصحاب 
المعارف عن الإطناب في تقريره)0©. 


به البرهان. ج ١‏ ص "الت فقرة 578. 
راى الغياثي . فقرة ك0 


-55ع- 


وجوابه هذا لا أراه سديدا فا قاله محرد دعوى. فكيف يدعي أن 
المجمعين يضربون عن نقل سبب الحكم لقلة الحاجة إليه. فكيف يقال إن 
مصدر الحكم لا حاجة إليه؟! 

بل كيف يدعي أنهم أضربوا عن نقله؟! 

هل يجمع المسلمون على إغفال أمره كك كله «بلغوا عني ولو آية»5©, 

أم إن هذا الحديث يعني الحكم دون دليله ومصدره؛. وماهو الهم في 
النقل الحكم أم مصدر الحكم. فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. 

ثم قوله إن السبب المقطوع به أي مصدر الحكم تتوفر الدواعي والهمم 
لنقله في أول الوقت فقط أيضا مجرد دعوى وأظنه سيفتح الباب الذي أغلقه 
على الرافضة وهم الذين يدعون أن النبي كك قد نص قطعا على (علي) رضي 
الله عنه ولكن لم ينقله النقلة من أهل السنة لعدم اكتراثهم فا كان جوابا 
له عن ذلك فهو جوابنا عن الدعوى السابقة إذ لافرق. 

وبعبارة أخرى: إن دعواه أن المجمعين استندوا إلى دليل قطعي سمعي 
ول يُنقل يفتح أبواب الجهالات وهو باب قد أغلقه في القاعدة التي أوضح 
فيها معرفة الخبر المجزوم بكذبه. إذ أوضح أن ماتتوفر الدواعي والهمم لنقله 
ثم لم ينقل دل ذلك على عدم وقوعه9"©. ثم بين أن الهمم والدواعي تتوفر 
لنقل الأمور الدينية على الاستمرار يقول: (... والقسم الثاني يمثل بالأمور 
الدينية فإن همم أصحاب الدين متوفرة على نقل الجليات فيه فإن وهى 
فبالحري أن يتداعى إلى الأخبار الدينية الدروس)9©. 

ثم إن لم تتوفر الحمم والدواعي لنقل مصدر الحكم وسببه كما يقول فهل 
تتوفر على كتانه؟!. فتصور أن جميع المجمعين لا يذكرونه كمستند لهم وهم 
متباعدون أمر مستحيل» إذ لا يمكن أن يتواطؤوا على كتانه وإخفائه وهم 


(59) رواه البخاري في صحيحه في كتاب أحاديث الأنبياء وهو قطعة من حديث فتح الباري ج 5 
ص 95؛ ح ١5غ".‏ ورواه الترمذي - وهو قطعة حديث - في كتاب العلم باب ما جاء في الحديث 
. عن بنى إسرائيل» ج ه ص 4". 
35 انظر البرهان. جح 57 ص كقره. 
(55) انظر البرهان. اج كء فقرة 5ه ص 488ه. 


- 5 707/- 








بعدد التواتر كما هو شرط إمام الحرمين, ولا يمكن كذلك أن يغفله الجميع 
أو ينسوه أو يضيعوه. حتى مع استبعاد تواطئهم على الكتهان . 

ولقد حكى شيخ الإسلام أن الأمة معصومة من تضييع النص الذي 
أمرت باتباعهء وذلك جوابا لما قاله بعض المتأخرين بأن المجتهد ينظر أولا 
في الإجماع. فإن وجده لم يلتفت إلى غيره وإن وجد نصا خالفه اعتقد أنه 

لم يسلم شيخ الإسلام بهذاء وقال إن الإجماع إذا انعقد مخالفا لنص 
فلابد أن يكون معه نص معروف. إذ الأمة معصومة من : تضييع النصوص . 

يقول شيخ الإسلام: (... وذلك لأن الإجماع إذا ع نصاً فلابد 
أن يكون مع الإجماع نص معروف به أن ذلك منسوخ. فإما أن يكون النص 
المحكم قد ضيعته الأمة وحفظت النص المنسوخ فهذا لايوجد قطء وهو نسبة 

0 

الأمة إلى حفظ مانهبيت عن اتباعه وإضاعة ما امرت باتباعه وهى معصومة 
من ذلك..)009, 

وقال شيخ الإسلام أيضا: (... فلا يوجد قط مسألة مجمع عليها إلا 
وفيها بيان من الرسول. ..)62©. 

وأيا كان الأمر ما كان أغنى إمام الحرمين عن الوقوع في الإلزامات التي 
لزمته في استدلاله على حجية الإجماع بأدلة واهية كما قدمنا _ماكان أغناه 
عن ذلك لو أنه رضي بأدلة الجمهور على حجية الإجماع . 
ه ‏ استدلال المتكلمين بالإجماع : 

لم ينازع في حجية الإجماع من أرباب المذاهب والفرق إلا النظام من 
المعتزلة وبعض الروافض والخوارج9" . 

ومعنى هذا أن المتكلمين قبل إمام الحرمين قد احتجوا بالإجماع في إثبات 
(55) مجموع الفتاوي ج ل ص0 30١١‏ 
(56) مجموع الفتاوي ج ١9‏ ص .١968‏ 


57 انظر البرهان, اج ك3 ص هملاى, التمهيد ج “* ص 13754. التبصرة ص 2”19 الإحكام في أصول 
الأحكام ج ١‏ ص 2585 مجموع الفتاوي ج ١‏ ص ."4١‏ 


-458- 


بعض القضايا العقدية. ولقد حكى أبوالحسن الأشعري في مقالات 
الإسلاميين عن عباد بن سليهان وهو من المعتزلة أنه كان إذا سكل من كم 
وجه يعرف الحق؟ 

قال: (من كتاب الله عز وجل وإجماع المسلمين وحجج العقول)08©. 

وذكر عنه أيضا أنه كان يقول: (أسماء الله سبحانه ما أجمعت الأمة على 
تخطئة نافيها. وكل اسم أجمعوا على تخطية نافيه فهو من أسمائه كالقول عالم 
أجمعت الأمة على تخطئة من قال: إن الله ليس بعالم. وكالقول قادر أجمعت 
الأمة على تخطئة من قال ليس بقادر. . .)5©, 

وقد بين القاضى عبدالجبار - كذلك ‏ (أن الأذلة أربعة حجة العقل 
والكتاب والسنة والإجماع)3. ظ 

ويقول محتجا بالإجماع على تفاوت الجزاء في الجنة حسب تفاوت الأعمال 
بقوله : 

(وقد اتفقت الأمة على أن المكلف إذا دخل الجنة فلابد أن يميز حاله 
من حال الولدان المخلدين. وعن حال الأطفال والمجانين. فليس إلا أن 
تقطع أنه لا تتساوى طاعات المكلف ومعاصيه. وقد خالف في هذه الجملة 
الصوفية وبعض السادات وقالوا: إن بين الجنة والنار مواضع يقال لما 
الأعراف وعلى هذا قال تعالى: #ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم 
بسيم|اهم 20717 وذلك مما لا وجه له لأنه خرق الإجماع)90” , 

ولقد استخدم الأشاعرة قبل إمام الحرمين الإجماع. إذ احتج به أبوالحسن 
الأشعري في إثبات رؤية المؤمنين لرهم يوم القيامة. 

وفي ذلك يقول: (وقد روي عن أصحاب رسول الله يكِ أن الله عز 
وجل تراه العيون في الآخرة. وما روي عن أحد منهم أن الله تعالى لا 


(728) مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين» ص ١06ه.‏ 
(59) المقاللات, ص 498. 

)007 شرح الأصول د الخمسة. ص 88. 

(١لا)‏ سورة الأعراف اية /1. 

(7/) شرح الأصول الخمسة. 574. 


-4759- 





تراه العيون في الآخرة. فل كانوا على هذا مجتمعين, وبه قائلين» وإن كانوا 
في رؤيته تعالى في الدنيا مختلفين. ثبت في الآخرة إجماعاء وإن كانت في 
الدنيا مختلفا فيها)9”". 

كا اعتمد على الإجماع في إثبات أن وصف الله تعالى بكونه عالما قادرا 
ليبس من باب التلقيب. 

يقول أبو الحسن الأشعري: (فإذا قلنا: إن الله تعالى عالم قادر فليس 
تلقيبا كقولنا: زيد وعمر. وعلى هذا إجماع المسلمين)9". 

ورد على المعتزلة قوهم بعدم تعلق المشيئة الإلهية ببعض أفعال العباد. 
محتجا بإجماع المسلمين على عموم مشيئة الله لكل ماهو كائن. 

فقال: (إذا زعمتم أنه قد كان في سلطان الله عز وجل الكفر والعصيانء 
وهو لا يريده. وأراد أن يؤمن الخلق أجمعون فلم يؤمنواء فقد وجب على 
قولكم ان أكثر ماشاء الله أن يكون لم يكن. وأكثر ماشاء الله أن لا يكون 
كان. .. 

وهذا جحد ما أجمع عليه المسلمون. من أن ماشاء الله أن يكون كان 
وما لا يشاء لا يكون)22». 

كا بين في المقالات إجماع المسلمين على أن نعيم أهل الجنة وعذاب أهل 
النار لا ينقطعان. فقال: (أجمع أهل الإسلام جميعا إلا «الجهم» أن نعيم أهل 
الجنة دائم لا انقطاع له. وكذلك عذاب الكفار في النار)”©. 

وكذلك الباقلاني جعل من الأدلة السمعية التي يحتج بها الإجماع. يقول 
في تميهده: (وقد يستدل على بعض القضايا العقلية وعلى جميع الأحكام 
الشرعية بأدلة التوقيف والسمع فأوها الكتاب والسنة وإجماع الأمة)7""©. 

ولقد استدل بالإجماع في إثبات كونه تعالى متصفا بالعدل والإحسان. إذ 


لاس سسسسسسسسسسحببب 
[ضفة الإبانة عن أصول الديانة لأبي الحسن الأشعري. ص ١ه.‏ 

00/50 الأبانة ص 1٠6١‏ 

.1657 الإبانة ص‎ )/١ 

(075) مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين. للإمام أبي الحسن الأشعري.» ص 4074. 
(70) التمهيد. ص .1١"‏ 


5 0 


بين أن الأمة قاطبة مجمعة على ذلك (وأن من قال: إِنَْ العدل والإحسان ليسا 
من صفات الله فقد فارق ماعليه المسلمون)9”». 

كا ذكر أن الأمة مجمعة على أن لله تعالى أسساء وصفات قبل أن يخلق 
خلقه وفي ذلك يقول: (ومما يدل على ذلك أيضا إجماع الأمة على أن لله 
تعالى أسماء وصفات قبل أن يخلق خلقه)9*". 

وهكذا فعل البغدادي فقد كان يحتج بالإجماع في إثبات بعض القضايا 
العقدية. إذ استدل به على إثبات صفة الكلام لله إذ يقول: (أجمع أهل 
الحق على أن كلام الله تعالى صفة أزلية قائمة وهي أمره ونبيه وخبره ووعده 
ووعيده)60 , 

كا احتج به على أن النبي أفضل من الولي يقول: (جميع أصحابنا مع 
أكثر الأمة على أن كل نبي أفضل من كل ولي)67. وأثبت كذلك أن 
محمداً يك خاتم النبيين والرسل فقال: «كل من أقر بنبوة محمد يي أقر بأنه 
خاتم الأنبياء والرسل وأقر بتأبيد شريعته ومنع من نسخها)9©. 

وغاية القول أن الإجماع كان حجة في إثبات العقائد عند المعتزلة 
والأشاعرة قبل إمام الحرمين باعتباره أحد الأدلة في إثبات الأحكام الشرعية 
بصفة عامة. 
5 - من مواضع استدلال إمام الحرمين بالإجماع في إثبات العقائد: 
أولا - تفرد الباري تعالى بالخلق: لقد استدل إمام الحرمين بالإجماع في إثبات 
تفرد الباري تعالى بالخلق. يقول إمام الحرمين: (اتفق سلف الأمة قبل ظهور 
البدع والأهواء واضطراب الآراء على أن الخالق المبدع رب العلمين» ولا 
خالق سواه ولا مخترع إلا هو. فهذا مذهب أهل الحق. فالحوادث كلها 
حدثت بقدرة الله تعالى)65. 


(7/8) التمهيد.ء ص .9١9‏ 

(9/) أصول الدين, لأي منصور عبدالقاهر البغدادي.ت 259 ص .٠١56‏ 
)8١0(‏ أصول الدين» ص 84؟. 

(81) أصول الدين.» ص .١57‏ 

80) أصول الدين.» ص ؟15. 

02 الإرشاد. ص /7ا18. 


- 2 "1١- 





وأيضا استدل بالإجماع على عموم مشيئته يقول: (وقد أجمنع سلف الأمة 
وخلفها على كلمة لا يجحدها مُعْتزٍ إلى الإسلام وهي قوهم: ماشاء الله كان 
ومالم يشأ لم يكن)69. 

ثانيا - إثيات صفات السمع والبصر والكلام لله تعالى: 
اعتمد الجويني في الإرشاد على الإجماع في إثبات بعض مقدمات دليله العقلي 
على اتصاف الباري عز وجل بصفة السمع والبصر والكلام . أما دليله العقلٍ 
على اتصاف الباري عز وجل بهذه الصفات» فيقوم على أساس أن الله عز 
وجل فاعلء. وفعله يدل على كونه حياء والحي يجوز اتصافه يبذه الصفات. 
ومادام قابلالها فهو لا يخلو عن الاتصاف مها أو بضدها من الآفات 
والنقائلص. وإذا كان اتصافه بأضدادها مستحيلا فقد ثبت وجوب اتصافه 
هذه الصفات يقول إمام الحرمين: (والدليل على أن الباري تعالى سميع 
بضير على الحقيقة. أن الأفعال دالة على كونه حياء كما سبق تقريره. والحي 
يجوز أن يتصف بكونه سميعا بصيراء وإذا خرج عن كونه سميعا بصيرا لزم 
اتصافه بكونه مووفاء إِذ كل قابل للنقيضين على البدل لاواسطة بينها يستميل 
خلوه عنبئاء فاذا تقرر استحالة كونه مَوُوفا تقرر اتصافه بكونه سميعا 
بصيرا) 9" . 

أما مقدمة هذا الدليل التي يستدل بالإجماع عليها فهي استحالة كونه مَؤوفا 
يقول إمام الحرمين: (فإن قيل: من أركان دليلكم استحالة اتصاف الباري 
تعالى بالآفات المضادة للسمع والبصرء فا الدليل على ذلك؟ قلنا: هذا مما 
كثر فيه كلام المتكلمين. ولا نرتضي مما ذكروه في هذا المدخل إلا الالتجاء 
إلى السمع. إذ قد أجمعت الأئمة وكل من أمن بالله تعالى على تقدس 
الباري تعالى عن الآفات والنقائص)67. 

ولكن الاستدلال بهذه الطريقة على صفة الكلام يحتوي على ثغرة أحس 
(85) لمع الأدلة للجويني.» ص 15. 


(46) الإرشاد. ص "لا 978 
(85) الإرشاد. ص 4ل9. 


خض 5 


بها إمام الحرمين. تلك الثغرة هي لزوم الدور في هذا الاستدلال على أساس 
أن إثبات صفة الكلام. بناء على استحالة اتصافه بالآفة القائمة على الإجماع 
- والإجماع لابد وأن يستند إلى نص سمعي ‏ فكان في ذلك إثبات الكلام 
بالكلام وهذا هو الدور. يقول إمام الحرمين: (فإن قيل الإجماع لايدل 
عقلاء وإنما دل السمع”9” على كونه دليلاء والسمع وإن تشعبت طرقه فاله 
كلام الله تعالى.» وهو الصدق وقوله الحق. والأفعال لا تدل على ثبوت 
الكلام.» بل سبيل إثباته كسبيل إثبات السمع والبصرء كا سنذكرهء فلو 
وقعت الطلبة في الكلام نفسه. وأسندنا إثباته إلى نفي الآفة.» ثم رجعنا في 
نفي الآفة إلى الإجماع الذي لايثبت إلا بالكلام. لكنا محاولين إثبات الكلام 
با لايثبت إلا بعد تقدم العلم بالكلام عليهء وذلك نهاية العجز)0». 

ثم حاول الانفصال عن الإشكال السابق مبينا أن المعجزات تدل على 
صدق الأنبياءء وهم بعد ثبوت صدقهم يثبتون صفة الكلام لله. ولا يكون 
في هذا دور حيث إن الإجماع قائم على نص سمعي صادق, وهذا النص 
السمعي الصادق يقوم في صدقه على دلالة المعجزة. يقول إمام الحرمين: 
(المعجزات إذا دلت على صدق الرسل عليهم السلام. وأخبروا بعد ثبوت 
صدقهم عن الكلام الثابت لله تعالى على الجملة» ثم أخبروا عن تفاصيل 
متعلقاته فيعلم على القطع ما نرومه)9©. 

ولكن لا يزال الإشكال قائ) فدلالة المعجزة عنده ليست من قبيل الدلالة 
العقلية» وهي نازلة منزلة قول الله عز وجل: #صدق عبدي فيا يبلغ عني » 
فكيف تدل على الكلام وهي نازلة منزلة الكلام؟ 

يقول إمام الحرمين عارضا هذا الإشكال (فإن قيل: المعجزات لا تدل 
على صدق الأنبياء لأعيانها دلالة الأدلة العقلية» وإن)ا تدل من حيث تنزل 
منزلة التصديق بالقول.».... فإذا كان المعجز يدل من هذا الوجه لأنه يحل 


80) مما يجدر ذكره أن إمام الحرمين رفض الدلالة السمعية على حجية الإجماع كما سبق ذكره. 
,68م الإرشاد, ص 04. 
(49) الإرشاد. ص 6. 


29د 


محل قول مصدق. فكيف تدل المعجزة على قولء. ووجه دليل نزوله منزلة 
قول؟)60), 

أجاب إمام الحرمين عن هذا الاشكال ذاهبا إلى أن دلالة المعجزة على 
صدق النبي دلالة ضرورية لا تتوقف على إثبات صفة الكلام للباري ثم 
ضرب مثالا توضيحيا لذلك فقال: فإن من ادعى في محفل أنه رسول ملك 
وقام على رؤوس الأشهاد وادعى أنه رسول الملك على من شهد وغاب. ذلك 
بمرأى من الملك ومسمع ثم قال: آية رسالتي أني إذا اقترحت على الملك 
أن يقوم ويقعد فعل على خلاف المعتاد منه. ثم عقب على ماقال بالاقتراح» 
فوافقه الملك فيضطر أهل المجلس إلى العلم بكونه رسولا مصدقا من 
المرسل. وقد لا يخطر لبعضهم كون المرسل متكلماء وقد يحضر المجلس من 
ينفي كلام النفس ويعتقد ألا كلام إلا العبارات. ثم يستوى الحاضرون 
في درك العلم بكونه رسولاء مع اختلافهم في الذهول عن كلامه إذ ذاك 
والعلم به. .)0©. 

وهذا الجواب من إمام الحرمين اعتيره د. محمد القوصي في تعليقه على 
النظامية خطابيا إقناعيا”»». 

قلت: فإذا كان ثبوت النبوة لا يتوقف على إثبات صفة الكلام للباري 
تعالى» بل تثبت بالضرورة عند ظهور المعجزة على يد النبي كله - ىا يرى 
إمام الحرمين ‏ فلاذا لا يلجأ إلى الأدلة السمعية المباشرة في إثبات هذه 
الصفة. فيستدل على إثبات صفة الكلام لله تعالى بمجرد إثبات النبي 
لذلك. ويضاف إلى ذلك أيضا أننا مع تسليمنا بصحة الإجماع على نفي 
الآفات عن الله تعالى ‏ لا ندري لاذا لم يختصر طريق إثبات الكلام لله 
تعالى» فيستدل بالدلالة العقلية على استحالة اتصاف الباري تعالى بالبكم. 
بدلا من أن يلجأ ني ذلك إلى الإجماع ثم يحاول التخلّص من الإشكالات 





(40) الإرشاد. ص هلا. 
)4١(‏ الإرشاد. ص كلا. 
(47) انظر هوامش على العقيدة النظامية» ص 787. 


- 2955 - 


الواردة على ذلك. ووجه الدلالة العقلية على ذلك أن الجمع بين كمال 
الألوهية الا مطلقا وافة البكم في ذات واحدة جمع بين النقيضين وذلك 
مستحيل » ومن ثم تجب صفة الكلام لله عز وجل. 

ولا يفوتنا أن ننوه بأن بعض الآيات القرانية الورادة في إثبات البصر 
والكلام لله عز وجل تتضمن الدلالة العقلية على استحالة اتصاف الباري 
تعالى بنقائض هذه الصفات. فإبراهيم عليه السلام بين عدم استحقاق 
المعبودات للعبادة لأنها لا تسمع ولا تبصر. قال تعالى حكاية عنه وهو يخاطب 
أباه «لم تَعْبّدٌُ مالا يُسمُعْ ولا يْنْصرُ ولا يُعْنى عَنك شَيئاه0". 

وبين سبحانه أن العجل الذي عبده بنوإسرائيل لا يستحق الألوهية لأنه 
لد يتكلم وعدم الكلام صفة نقص تقدح في الألوهية. قال تعالى امج 
يتن بن يديه بن نيع علا نذا از ألم روا أنه 9 


وغاية القول أن إمام الحرمين كان في غنى / عن الاستناد إلى الإجماع فقط 
في نفي الآفات والنقائص عن الله اكتفاء بدلالة العقل والنقل في ذلك. 
الئا - زيادة الصفة على الذات: 

يرى الجويني أن من أحكام الصفات الإلية كونها زائدة على الذات 
الإلهية» فالله عالم بعلم زائد على ذاته قادر بقدرة زائدة على ذاته. . 3 
وهو يرى أن ثبوت الصفات لله تعالى يقوم على أساس 7 العقلية 
كونها زائدة على الذات. وتغاير بعضها بعضا فطريق الحكم به هو 00 

يقول إمام الحرمين: (... قلنا القضية العقلية تدل على إثبات الصفة 
على الجملة. فأما كون العلم زائدا على القدرة فمما لا يتوصل القطع إليه 
عقلا والسبيل فيه التمسك بأدلة السمع. فإن المتكلمين في الصفات بالنفي 
والإثبات مجمعون على نفي صفة في حكم العلم والقدرة» فمن رام إثبات 


(95) سورة مريم آية 417. 
(15) الأعراف .1١48‏ 


همه 2 


صفة في حكمها كان خارقا للإجماع) ©" . 

ويقول أيضا: (... إن العقل يدل على إثبات العلم. ثم المصير إلى 
أن العلم زائد على النفس مدركه السمع» فإذا دل العقل على إثبات العلمء 
وانعقد الإجماع على أن وجود الباري تعالى ليس بعلم فيحصل من مدلول 
السمع والعقل إثبات علم زائد على الوجود)”». 

ولم يرتض شارح الإرشاد استناد إمام الحرمين إلى الإجماع في إثبات تغاير 
الصفات وزيادتها على الذات. حيث يرى كفاية الأدلة العقلية في ذلك دون 
حاجة إلى دعوى الإجماع . 

وفي ذلك يقول: (وكيف يصح أن يصرف وجدد الباري تعالى إلى علمء 
وهو جل وعلا قائم بنفسه مستغن عن المحل. وهذا مما ثبت من صفاته 
الواجبة» والعلم مفتقر إلى المحل. فكيف يصح أن يقدر وجوده غير مستغن 
عن المحل. من حيث هو علم ومستغن عنه من حيث هو قائم بنفسه. 
هذان حكان متناقضان لا يصحان من موجود واحدء وكيف يصح أن يكون 
ذات الباري تعالى في حكم العلم وذاته من حيث هي ذات موصوفة لا 
توجب حكى]| ولا تتعلق بمتعلق. كا لا يوجب الجوهر حكى]| وهو موصوف 
ولا يتعلق بمتعلق. والعلم يوجب للمحل الذي قام به كونه عالماء ويتعلق 
بالمعلوم على ماهو بهء ثم إن الذات من حيث هي ذات موصوفة لا يفتقر 
وجودها إلى شرط يصحح ثبوتهاء والعلم مشروط بوجود الحياة لا يصح وجوده 
دون وجودهاء وهذه كلها براهين عقلية توصل إلى العلم بأن وجود الباري 
تعالى ليس بعلم. 

وأيضا فإنا لم نعلم الباري ضرورةء وإنما علمناه بأفعاله» وأفعاله لا تصح 
إلا من قادر عليها مريد لما عالم بها متصف بالحياة إذ العجزة والغافلون 
والجهلة والموتى لا يفعلون. 

فلو كانت ذاته علما لما صح أن يكون قادرا ولا عالما ولا حيا ولا مريداء 


(ه1ة) الإرشاد, ص ؟9و. 
(5ة) الإرشاد.» ص 94. 


15د 


لأن الصفات لا تقوم بالصفات», فإذا كان الدليل الموصل لنا إلى العلم بالله 
جل وعز مقتضيا كون المدلول حيا عالما قادرا مريداء لزم بالعقل أن يكون 
موصوفاء وكونه موصوفا يحيل كونه صفة. فلم يحال العلم على أن وجود 
الباري تعالى ليس بعلم على السمع والإجماع. وأي حاجة مع هذه القواطع 
من البراهين إلى الالتجاء في ذلك إلى السمع)9©. 

ومع صحة دعوى إجماع أهل الحق على التغاير بين الصفات وزيادتها على 
الذات» فإنه من الخطأ مايوحي به كلام إمام الحرمين من الظن بأن هذه 
الأحكام لا طريق لا إلا الإجماع. فطريق إثباتها بالعقل طريق صحيح كما 
نقلنا عن شارح الإرشاد. ولابد من تحديد المراد بالذات وأنه يراد بها الذات 
المجردة عن الصفات التي يقر بها نفاة الصفات لأن الذات الإلهية الموجودة 
في الخارج لا تكون موجودة إلا بصفاتها. 

يقول شيخ الإسلام (وإذا قيل هل صفاته زائدة على الذات أم لا؟ قيل 
إن أريد بالذات المجردة التى يقر بها نفاة الصفات». فالصفات زائدة عليها. 
وإن أريد بالذات الموجودة في الخارج فتلك لا تكون موجودة إلا بصفاتها 
اللازمة. والصفات ليست زائدة على الذات المتصفة بالصفات وإن كانت 
زائدة على الذات التي يقدر تجردها عن الصفات)9»©. 
رابعا: عدم مغايرة الصفات للذات الإلحية: 

وينبغي ألا يفهم من أقوال إمام الحرمين بأن الصفات زائدة على الذات» 
أنه يرى جواز إطلاق أن الصفات غير الذات بل رأيه أن إطلاق الغيرية 
يمتنع , وذلك لانعقاد الإجماع على منعه. يقول إمام الحرمين: (فهل تقطعون 
بالمنع من إطلاق الغيرية في صفات الباري تعالى وذاته؟ قلنا: هذا مما نمنع 
منه قطعاء لاتفاق الأمة على منع إطلاقه, وكا لا توصف الصفات بأنها 
أغيار للذات فلا يقول إنها هي)9". 
47) شرح الإرشاد. ص 4. 


(44) جموعة الرسائل والمسائل 3 ه ص /7 5 
(49) الإرشاد ص 18 


-/20 د 


والواقع أن الحكم بالعينية أو المغايرة بين الذات والصفات نفيا أو اثباتاء 
يحتاج إلى تفصيل لا في هاتين اللفظتين من الإجمال فلابد من بيان المعنى 
المقصود لكل منها قبل الحكم به نفيا أو إثباتاء وهذا هو موقف علاء 
السلف. 

يقول شيخ الإسلام (والتحقيق أن الذات الموصوفة لا تنفك عن الصفات 
أصلا ولا يمكن وجود ذات خالية عن الصفات. . .). 

ثم قال: (... قالت الأئمة: لا نقول الصفة هي الموصوف ولا نقول: 
هي غيره لأنا لا نقول: لاهي هوء ولا هي غيره فإن لفظ الغير فيه إجمال. 
قد يراد به المباين للشىء أو ماقارن أحدهها الآخر وماقاربه بوجود أو زمان 
أو مكان ويراد بالغيرين: ماجاز العلم بأحدهما مع عدم العلم بالآخر. 

وعلى الأول فليست الصفة غير الموصوف ولا بعض الجملة غيرها. 

وعلى الثاني فالصفة غير الموصوف وبعض الجملة غيرهاء فامتنع السلف 
والأئمة من إطلاق لفظ الغير على الصفة نفيا وإثباتا لما في ذلك من الإجمال 
والتلبيس)(2. 

والبيهقي يعلن هذه العقيدة في كتابه الأسسماء والصفات قائلا: (ونعتقد 
في صفات ذاته أنها لم ترل موجودة بذاته ولا تزال موجودة به ولا نقول فيها 
إنها هو ولا غيره ولا هو هي ولا غيرها)2""9. 

ويقول شارع الطحاوية: (وقد يقول بعضهم: الصفة لا عين الموصوف 
ولا غيره. وهذا له معنى صحيح. وهو أن الصفة ليست عين ذات الموصوف 
التي يفرضها الذهن مجردة بل هي غيرهاء وليست غيرالموصوف؛ بل الموصوف 
بصفاته واحد غير متعدد. فإذا قلت أعوذ بالله فقد عذت بالذات المقدسة 
الموصوفة بصفات الكمال المقدسة الثابتة التي لا تقبل الانفصال بوجه من 
الوجوه)” ١‏ . 


)٠٠١(‏ مجموع الفتاوي ج ”# ص 6" - لا". 
06١01١‏ الأسماء والصفات ج .١‏ ص 184. 
)٠١9‏ شرح الطحاوية ص 514. 


- 5*8 


خامسا ‏ الحنة والنار مخلوقتان الآن: 

ذهبت المعتزلة إلى أن الجنة والنار ليستا مخلوقتين الآن. إذ لافائدة من 
خلقها قبل يوم الثواب والعقاب27 وفسروا المراد بالجنة التي أخرج منها آدم 
بأنها بستان من بساتين الدنياء فأبطل الجوينيى ماذهب إليه المعتزلة محتجا 
عليهم بالإجماع» واعتبر تفسيرهم خروجا عن هذا الإجماع إذ يقول إمام 
الحرمين: (وقد أنكرت طوائف من المعتزلة خلق الحنة والناره وزعموا أن 
لافائدة من خلقها قبل يوم الثواب والعقاب» وحملوا مانصت الآية عليه ف 
قصة آدم عليه السلام على بستان من بساتين الدنياء وهذا تلاعب بالدين 
وانسلال عن إجماع المسلمين)9"©. 

فهو يرى أن المسلمين أجمعوا على أن الجحنة التي أخرج منها آدم عليه 
كا أثبته من قبل بنص القرآن2029©. 

ويؤيد شيخ الإسلام هذا القول إذ جاء في مجموع الفتاوي (والجنة التي 
سكنها آدم وزوجه عند سلف الأمة وأهل السنة والماعة هي : جنة الخلد. 
ومن قال: إنها جنة ف الأرض بأرض الهند. أو بأرض جدة أو غير ذلك 
فهو من المتفلسفة والملحدين» أو من إخوانهم المتكلمين المبتدعين. فإن هذا 
يقوله من يقوله من المتفلسفة والمعتزلة » والكتاب والسنة يرد هذا القول. 
وسلف الأمة وأئمتها متفقون على بطلان هذا القول)23"'9. 
سادسا - المنع من التأويل في آخخر حياته : 

استند إمام الحرمين فيا ذهب إليه - آخر حياته - من المنع من التأويل 
إلى إجماع الصحابة على ذلك. وذلك في) يتعلق بظواهر ايات الصفات كا 
سبق9١0):‏ فقال: (وقد اختلف مسالك العلاء ف الظواهر التى وردت ف 
)٠١*‏ انظر ص 07" من البحث. 
)٠١5(‏ الإرشاد ص 8ل/ا". 
)٠١6(‏ راجع ص 550 من البحث. 


.1407 مجموع الفتاوي ج 04 ص‎ )1١5( 
"9:94 شرح الطحاوية ص‎ 25 


"9 


الكتاب والسنة» وامتنع على أهل الحق اعتقاد فحواهاء وإجراؤها على موجب 
ما تبتدره أفهام أرباب اللسان منهاء فرأى بعضهم تأويلها والتزم هذا الممبج 
فى أي الكتاب. وما يصح من سئن الرسول كلل وذهب أئمة السلف إلى 
الانكفاف عن التأويل» وإجراء الظواهر على مواردهاء وتفويض معانيها إلى 
الرب تعالى» والذي نرتضيه رأيا وندين الله به عقلاء اتباع سلف الأمة. 
فالأولى الاتباع وترك الابتداع » والدليل. السمعي القاطع في ذلك: أن إجماع 
الأمة حجة متبعة وهو مستند معظم الشريعة)2"2. 


سابعا - إثبات وقوع السحر: 

يعتقد إمام الحرمين بوقوع السحر وكان منهجه أن دلل على جوازه عقلاء 
ثم دلل على وقوعه سمعاء واستعمل الأدلة السمعية في إثباته القران 
والإجماع. يقول إمام الحرمين: (وقد شهدت شواهد سمعية على ثبوت 
السحرء منها قصة هاروت وماروت» ومنها سورة الفلق مع اتفاق المفسرين 
على أن سبب نزوها ماكان من سحر لبيد بن أعصم اليهودي لرسول الله كل 
فإنه سحره على مشط ومشاطة تحت راعوفة في بئر ذروان). 

ثم قال: (واتفق الفقهاء على وجود السحر واختلفوا في حكمه. وهم أهل 
الحل والعقد. وبهم ينعقد الإجماع ولا عبرة مع انفاقهم بحثالة المعتزلة فقد 
ثبت السحر جوازا ووقوعا)*"". 

كا اعتمد على الإجماع في كون السحر لا يظهر إلا على فاسق وكون 
الكرامة لا تظهر على يد الفاسق. إذ لا يمكن التدليل على ذلك عقلا 
يقول: (نم اعلموا أن السحر لا يظهر إلا على فاسق والكرامة لا تظهر على 
فاسق, وليس ذلك من مقتضى العقل ولكنه متلقى من إجماع الأمة)211©. 
ثامنا - عصمة الأنبياء: 

أثبت إمام الحرمين عصمة الأنبياء من الكذب عقلاء لأن مدلول المعجزة 





)٠١8(‏ النظامية ص ؟". 
)٠١09(‏ الإرشاد. ص «7؟”". 
)١٠١١(‏ الإرشادء ص #؟”". 


-5590- 


الحرمين : (فإن قيل هل تجب عصمتهم عن المعاصي قلنا: أما الفواحشس 
المؤذنة بالسقوط وقلة الديانة فتجب عصمة الأنبياء عنها إجماعاء ولا يشهد 
لذلك عقل» وإنما يشهد العقل بوجوب العصمة عنما يناقض مدلول 
المعجزة) 2301١10‏ , 

ومن حكى الإجماع على ذلك القاضي عياض إذ قال (فأجمع المسلمون 
على عصمة الأنبياء من الفواحش والكبائر الموبقات)9١2)2.‏ 

والظاهر أن إجماعهم على ماكان عمدا لا مطلقا نص عليه الآمدي فقال: 
(فإن كان من الكبائر فقد اتفقت الأمة سوى الحشوية على عصمتهم عن 
تعمده من غير نسيان ولا تأويل)١2.‏ ويقول صاحب المواقف (أما الكبائر 
عمدا فمنعه الجمهور وأما سهوا فجوزه الأكثرون)0192, 


)١١١(‏ الإرشاد. ص 5ه". 

.8#7 ص‎ ١ الشفا ج‎ )١١ 

.7 ص 754. وأنظر عصمة الأنبياء للرازي ص‎ ١ الإحكام في أصول الأحكام للآمدي ج‎ )١١*( 
المواقف ص وه"#.‎ )1١15( 


-55١- 


الفحل الثاني 


استدلال علماء السلف بالإحماع على العقائد مع التعقيب على آراء 
إمام الحرمين 


تمصت : 


بعد أن عرفنا موقف إمام الحرمين من الإجماع تنظيرا واستدلالاء 
سنعرض هنا في الفصل التعقيبي موقف السلف من الإجماع والاستدلال به 
على الأحكام الدينية بصفة عامة والعقائد بصفة خاصة. 

والواقع أن للإجماع منزلته في الاستدلال السمعي على الأحكام والعقائد 
عند علماء السلف. وهو يأتي في الدرجة والأعمية بعد الكتاب والسنةء وهذا 
مقتضى أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه للقاضي شريح, وهو قول لابن 
مسعود وابن عباس2. يقول شيخ الإسلام: (كتب عمر إلى شريح اقض با 
في كتاب الله. فإن لم تجد فبا في سنة رسول الله. فإن لم تجد فبا به قضى 
الصالحون قبلك. وفي رواية فبا أجمع عليه الناس. وعمر قدم الكتاب ثم 
السنة. وكذلك ابن مسعود قال مثل ماقال عمرء قدم الكتاب ثم السنة 
ثم الإجماع. وكذلك ابن عباس كان يفتي با في الكتاب ثم با في السنة 
ثم بسنة أبي بكر وعمر لقوله: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمرء 
وهذه الآثار ثابتة عن عمر وابن مسعود وابن عباس وهم من أشهر الصحابة 
بالفتيا والقضاء وهذا هو الصواب)235. 

وإذا كان الإجماع ,هذه المثابة من الأهمية وأصالة الاستدلال به على 
الأحكام والعقائد. فإننا نقدم في هذا الفصل خلاصة لرأي علماء السلف 


.5١١ 0 5٠١ ص‎ ١9 مجموع الفتاوي ج‎ )١١9( 


5455 - 





في مفهومه ووقوعه وشروطه وحجيته وأنواعه. مقارنة با قدمناه عن إمام 
الحرمين وذلك قبل أن نذكر استدلالاتهم به على العقائد وموقفهم من 
استدلال المتكلمين به قبولا أو ردا. 

مفهوم الإجماع عند علماء السلف كما يقول شيخ الإسلام (أن تجتمع علماء 
المسلمين على حكم من الأحكام) 01 وماقاله شيخ الإسلام يوافق ماجاء في 
التلخيص لإمام الحرمين . 


؟" - وقوعه وتوجيه كلام الإمام أحمد 5 إنكاره : 


وقوع الإجماع أمر متفق عليه بين عامة المسلمين. ولا اعتداد بإنكار من 
أنكره , وإن كان شيخ الإسلام يرى أن الإجماع المقطوع به هو ماكان في 
عهد الصحابة. أما بعدهم فيتعذر العلم به غالباء يقول شيخ الإسلام : 
(الإجماع وهو متفق عليه بين عامة المسلمين من الفقهاء والصوفية وأهل 
الحديث والكلام وغيرهم في الجملة. وأنكره بعض أهل البدع من المعتزلة 
والشيعة» لكن المعلوم منه هو ماكان عليه الصحابة, وأما ما بعد ذلك فيتعذر 
العلم به غالباء ولهذا اختلف أهل العلم فيا يذكر من الإجماعات الحادثة 
بعد الصحابة)05, 

وإذا كان وقوع الإجماع كا قدمنا فكيف يفهم العلماء كلام الإمام أحمد 
الذي ينكر فيه دعوى الإجماع فقد قال الإمام أحمد في رواية ابنه عبدالله: 
(من ادعى الإجماع فقد كذب. لعل الناس قد اختلفواء» هذه دعوى بشر 
المريسي والأصم ولكن يقول: لا أعلم الناس اختلفواء وفي رواية المروزي 
كيف يجوز للرجل أن يقول أجمعوا إذا سمعتهم يقولون أجمعوا فاتهمهم. 
لوقال إني لا أعلم هم مخالفا جاز. 


(015) جموع الفتاوي ج أ ص 5284. 
)١١7(‏ مجموع الفتاوي ج ١‏ ص ١غ8".‏ 


-4554- 


وقال في رواية أي طالب: هذا كذب ما أعلمه أن الناس مجمعون؛ ولكن 
يقول: لا أعلم فيه اختلافا فهو أحسن من قوله إجماع الناس. وقال في 
رواية ابن الحارث: لا ينبغي لأحد أن يدعي الإجماع. لعل الناس 
اخحتلفوا1" , 

حمل شيخ الإسلام كلام الإمام أحمد على انكاره لمن يدعى الإجماع بعل 
الصحابة وبعدهم وبعد التابعين أو بعد القرون الثلاثة المحمودة. 

ودليله احتجاج الإمام أحمد بالإجماع بقوله: (فإنه أي «الإمام أحمد» قال 
في القراءة خلف الإمام: ادعى الإجماع في نزول الآية وفي عدم الوجوب 
فى صلاة الجهر)21, 

ويقول ابن القيم موجها كلام الإمام أحمد السابق: (وليس مراده «أي 
الإمام أحمد) استبعاد وجود الإجماع, ولكن أحمد وأئمة الحديث بلوا بمن كان 
يرد عليهم السنة الصحيحة بإجماع الناس على خلافهاء فبين الشافعي وأحمد 
أن هذه الدعوى كذب. وأنه لا يجوز رد السئن بمثلهاء قال الشافعي في 
رواية الربيع عنه: مالا يعلم فيه نزاع ليس إجماعاء وقال أيضا وقد أنكر 
على منازعه دعوى الإجماع وبين بطلانها. 

قال فهل من إجماع؟ قلت نعم بحمد الله كثير في جل الفرائض التي 
لا يسع جهلهاء وذلك هو الذي إذا قلت (أجمع الناس) م تجد أحدا يعرف 
شيئا يقول لك ليس هذا بإجماع. فهذه الطريق هي التي يصدق بها من 
ادعى الإجماع فيها وفي أشياء من أصول العلم دون فروعه)2070, 

وقال ابن القيم في إعلام الموقعين: (ونصوص رسول الله كلِِ أجل عند 
الإمام أحمد وسائر أئمة الحديث من أن يقدموا عليها توهم إجماع مضمونه 
عدم العلم بالمخالف, ولو ساغ لتعطلت النصوص. وساغ لكل من لم يعلم 
مخالفا في حكم مسألة أن يقدم جهله بالمخالف على النصوص. فهذا هو 


١١ج مختصر الصواعق ص ه2575, وانظر اعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم الجوزية‎ )١1١6( 


ص ,9١‏ 
ر19١)‏ المسودة في أصول الفقه ص 584. 
)١١(‏ مختصر الصواعق ص 578" 2 7"5". 


-556- 


الذى أنكره الإمام أحمد والشاذ دعوى الاأماعء, لا مايظنه بعذ 
2 0 فعي من دعوى او مع بعص 
الناس أنه استبعاد لوجوده)050), 


و © شروط الإماع: 


وفيا يتعلق بشروط الإجماع فإن شيخ الإسلام يشترط انقراض العصر في 
استقرار الإجماع ولا يراه شرطا في حجيته والعمل به. 

فهو يرى أن المجمعين يكون إجماعهم حجة من حين وقوع الإجماع. ولو 
رجع أحدهم فلا بأس مثل قول الرسول الذي يجب اتباعه فورا مع جواز 
التبديل والنسخ. أي إنه يرى أن اتباعهم لا يتوقف على انقراض المجمعين. 
لأن الآية التي ذم الله فيها اتباع غير سبيلهم تشمل من خالفهم في حياتهم 
قبل انقراضهم. يقول شيخ الإسلام.: (... وإنا المتوجه أن يحتج بقوهم 
في حياتهم وإن كان انقراض العصر شرطا. لأن الآية التي احتجوا بها في 
قوله تعالى: لوَيتعُ غَيْرَ سَبيل أَخُوْمنِينَ2"04 ذم الله تعالى بها من خالفهم 
في حياتهم قبل انقراضهم وكذلك شهادتهم على الناس قبلها النبي كلهِ في 
حياة الشهيد. وأيضا فلأهم إذا اتفقوا وجب عليهم جميعا اتباع اتفاقهم إلى 
حين يحدث خلاف بينهمء وهذا كا يجب علينا طاعة الرسول في)| يأمر به 
وإن جاز تبدله بنسخ أو تغيير من الله تعالى» وذلك لأن الأصل عدم 
رجوعهم وبقاء أقوالهم. ثم إذا رجعوا فأكثر ماني الباب أنهم اتفقوا على خطأ 
' يقروا عليه. وهذا جائز عند هذا القائل وإنما هم معصومون عن دوام 
الخطأء وهذا قريب إذا لم يطل الزمان بحيث يتبعهم الناس على ذلك الخطأ 
على وجه لايمكن إزالته» فأما مع ذلك فلا يجوز ى) لايجوز في الرسالة) 9" . 

وقال شيخ الإسلام (فإن كان الذين صاروا مجتهدين موجودين في حال 
إجماع الأولين فلا أثر لذلك إذ وجودهم غير مجتهدين بمنزلة عدمهم أو 
وجودهم كفارا أو صبيانا وإن صاروا مجتهدين قبل انقراض عصر الأولين لكن 
)١1١(‏ اعلام الموقعين عن رب العلمين ج ١ء‏ ص ."٠‏ 


(؟١١)‏ سورة النساء اية .١١6‏ 
)١59(‏ المسودة ص 88؟ - 584. 


"ةع 


لم يخالفوهم حتى انقرض عصرهم. فهذا الخلاف مسبوق بالإجماع المتقدم 
لأن المجتهد اللاحق لا يعتبر انقراض عصره في صحة الإجماع الأول بلا 
تردد إذا وافق أو سكتء أما إذا وافق فلا ريب إذ لو اعتبر ذلك لما استمر 
إجماع. وأما إذا سكت فكذلك أيضا إذا منعناه أن يخالف وإن سوغ .له 
أن يخالف وم يخالف فالإجماع قد تم بشروطه. فإن المجمعين انقرض 
عصرهم من غير خلاف)059, 

ويشترط شيخ الإسلام أن يكون المجمعون علاء ومسلمين وهذا يتضح 
من بيانه لمعنى الإجماع ىا سبق ذكره حيث عرفه بأنه (أ ن يجتمع علماء 
المسلمين على حكم من الأحكام)2"©. 

وقد انتقد 3 الإسلام قول من لايعتد برأي أهل الحديث والأصول 
في الإجماع بحجة أنهم ليسوا من أهل الاجتهاد وأن العبرة في الإجماع بقول 
المجتهدين وفي ذلك يقول: (وقول من قال: الاعتبار بالمجتهدين دون غيرهم 
وأنه لايعتبر بخلاف أهل الحديث أو أهل الأصول ونحوهم كلام لا حقيقة 
له فإن المجتهدين إن أريد بهم من له قدرة على معرفة جميع الأحكام بأدلتها 
فليس في الأمة من هو كذلك. بل أفضل الأمة كان يتعلم من هو دونه 
شيئا من السنة ليس عنده. وإن عنى به من يقدر على معرفة الاستدلال 
على الأحكام في الجملة. فهذا موجود في كثير من أهل الحديث والأصول 
والكلام وإن كان بعض الفقهاء أمهر منهم بكثير (من) في الفروع أوبأدلتها 
الخاصة أو بنقل الأقوال فيهاء فقد يكون أمهر منه في معرفة أعيان الأدلة 
كالأحاديث والفرق بين صحيحها وضعيفها ودلالات الألفاظ عليها والتمييز 
بين ماهو دليل شرعي موماليس بدليل». وبالجملة العصمة إن| هي للمؤمنين 
لأمة محمد لابعضهم. لكن إذا اتفق علاؤهم على شيء فسائرهم موافقون 
للعللاء.؛ وإذا تنازعوا ولو كان المنازع واحدا وجب رد ما تنازعوا فيه إلى الله 
والرسول)0"" . 
)١175(‏ المسودة ص 5884. 


(6؟١)‏ انظر ص 4554 من البحث. 
(5؟1) النبوات» ص .5١4‏ 


-/0ا55- 


5 - ححته: 


الإجماع منهج من المناهج السمعية التي سلكها السلف في إثبات العقائد 
والأحكام ولا يجوز لأحد أن يخرج عنه. يقول شيخ الإسلام (وإذا ثبت إجماع 
الأمة على حكم من الأحكام لم يكن لأحد أن يخرج عن إجماعهم فإن الأمة 
لا تجتمع عل ضلالة)059, 

ويقول أيضا: (فلهذا كانت الحجة الواجبة الاتباع: الكتاب والسنة 
والإجماع فإن هذا حق لا باطل فيه. واجب الاتباع لا يجوز تركه بحال» 
عام الوجوب لايجوز ترك شيء تما دلت عليه هذه الأصول. وليس لأحد 
ا خروج عن شيء ما دلت عليه)059) , 

وبهذا يتبين لنا أن علاء السلف يرون أن الإجماع حجة يجب اتباعه ولا 
يجوز ترك شيء دل عليه الإجماع . 

- الأدلة على حجية الإجماع : 

إن جمهور السلف والخلف يثبتون حجية - بالقرآن والسنة فالشافعي 
كما: سبق - يثبت حجية الإجماع بالقران, إذ يستدل بقوله تعالى «ومن 
يُشَاقق آلرَسُولَ من بَعْد اتن لَه شد مَبَعْ غَيرَ سيل لْؤْمنِينَ نُولّه ما 
وَل وَنْصّلِه جهنم وَسَءَتَ مَصِير)2594. 

وقد ذكرنا فيها سبق وجه الاستدلال بهذه الآية على حجية الإجماع 7" . 

وقد تابعه على الاستشهاد بها كثير من الأصوليين والفقهاء"©. 

وأما منع .إمام الحرمين وغيره الاحتجاج بهذه الآية على حجية الإجماع فإنه 
يبطله شيخ الإسلام بقوله: (والآية المشهورة التي يحتج بها على الإجماع قوله: 


(2)01759 الفتاوي الكبرى, جح ١‏ ص 5م . 

.6 جموع فتاوي_ابن تيمية جَ 8 ص‎ )1١1748( 

.١١6 سورة النساء اية‎ )١19( 

)١1١١‏ انظر ص 42٠١‏ من البحث. 

181) انظر مجموع الفتاوي ج 4 ص 1728. والمسودة ص 27588 والتمهيد اج ”*# ا ص 588. 


-4548- 


«إومن يشَاقِقَ َلرَسُولَ من بعد مَانَيينَ له آلحْدَئ يتب غَيْرَ سَبِيلٍ ونين 
وله مَا تَول)00. 

ومن الناس من يقول: إنها لا تدل على مورد النزاع فإن الذم فيها لمن 
جمع الأمرين. وهذا لا نزاع فيهء أو لمن اتبع غير سبيل المؤمنين التي بها 
كانوا مؤمنين. وهي متابعة الرسول. وهذا لانزاع فيهء أو إن سبيل المؤمنين 
هو الاستدلال بالكتاب والسنة وهذا لا نزاع فيهء فهذا ونحوه قول من 
يقول: لا تدل على محل النزاع وآخرون يقولون: بل تدل على وجوب اتباع 
المؤمنين مطلقا وتكلفوا لذلك ما تكلفوه ى| قد عرف من كلامهم ولم يجيبوا 
عن أسكلة أولئقك بأجوبة شافية. 

والقول الثالث الوسط: إنها تدل على وجوب اتباع سبيل المؤمنين وتحريم 
اتباع غير سبيلهم. ولكن مع تحريم مشاقة الرسول من بعد ماتبين له الهدى. 
وهو يدل على ذم كل من هذا وهذا كا تقدم. لكن لا ينفي تلازمههما ى]| 
ذكر في طاعة الله ورسوله وحيقة نقول الذم إما لاحقا لمشاقة الرسول فقط 
أو باتباع غير سبيلهم فقط أ و أن يكون الذم لا يلحق بواحد منهما بل با 
إذا اجتمعا أو يلحق الذم بكل منهما وإن انفرد عن الآخرء أو بكل منها 
لكونه مستلزما للآخر. 

والأولان باطلان لأنه لو كان المؤثر أحدهما فقط كان ذكر الآخر ضائعا 
لافائدة فيه. وكون الذم لا يلحق بواحد منه| باطل قطعا فإن مشاقة الرسول 
موجبة للوعيد مع قطع النظر عمن اتبعه. ولحوق الذم بكل منها وإن انفرد 
عن الآخر لا تدل عليه الآية فإن الوعيد فيها إنا هو على المجموع. 

بقي القسم الآخر وهو أن كلا من الوصفين يقتضي الوعيد لأنه مستلزم 
للآخر. كما يقال مثل ذلك في معصية الله والرسول ومخالفة القرآن والإسلام 
فيقال: من خالف القران والإسلام أو من خرج عن القرآن والإسلام فهو 
من أهل النار ومثله قوله: «إومن يَكْفْرُ بألل وَملتكته وَكتبه وَرُسْلِه وَالْيوُم. 


.١1١6 سورة النساء آية‎ )١10 


-5:44- 


الآخر فَقَد ضَلَّ ضَلااا بَعيدَا204 فإن الكفر بكل من هذه الأصول يستلزم 
الكفر بغيره» فمن كفر بالله كفر بالجميع» ومن كفر بالملائكة كفر بالكتب 
والرسل. فكان كافرا بالله إذا كذب رسله وكتبه وكذلك إذا كفر باليوم الآخر 
كذب الكتب والرسل فكان كافرا. 

اوكذلك قوله : «ِيَأهلَ الكتتب 4 تلْبِسُونَ لق بالطل وَتَكْتَمُونَ آلَقَّ 
َنم تَعْلْمُونَ؟294 ذمهم على الوصفين وكل منهم| مقتض 0 0 
متلازمان ولهذا نجى عنم| جميعا في قوله : «ولا لبسو آلحَقّ بالبطل و و 
58 اننم تَعَلْمُونَ ”0 فإنه من لبس الحق بالباطل فغطاه به فا به 
لزم أن يكتم الحق الذي تبين أنه باطل. إذ لو بينه زال الباطل الذي لبس 
به الحق. 

فهكذا مشاقة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين. ومن شاقه فقد اتبع غير 
سبيلهم. وهذا ظاهر. ومن اتبع غير سبيلهم فقد شاقه أيضا فإنه قد جعل 
له مدخلا في الوعيد.ء فدل على أنه وصف مؤثر في الذم. 

فمن خرج عن إجماعهم فقد اتبع غير سبيلهم قطعا. والآية توجب ذم 
ذلك. وإذا قيل: هي إن)| ذمته مع مشاقة الرسول. قلنا: لأنبها متلازمان 
وذلك لأن كل ما أجمع عليه المسلمون فإنه يكون منصوصا عن الرسول. 
فالمخالف لمم مخالف للرسول كا أن المخالف للرسول مخالف لله.ء ولكن 
هذا يقتضي أن كل ما أجمع عليه قد بينه الرسول وهذا هو الصواب)00©. 

وهكذا يتضح لنا صحة الاحتجاج بالآية السابقة على حجية الإجماع 
وبطلان دعوى من يدعي عدم حجيتها في ذلك. 

ومن الحجج على حجية الإجماع أيضا قوله تعالى : «وكذلك جَعَلَتَكُمْ 
آم وَسَطًا لتكونواً شهدَاءَ عَلُ آلناسٍ وَيَكُونَ آلرّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدٌ/1594, 


.١5 سورة النساء آية‎ )١0( 

.ال١ سورة آل عمران آية‎ )١84( 

(ه1١)‏ سورة البقرة آية 47 . 

(15) مجموع الفتاوي ج 88 ص 1١97‏ - 1514. 
)١*(‏ سورة البقرة اية ,.1١147‏ 


560+ 


فالوسط الخيار العدل ووجه الدلالة 3 يقول أبوالخطاب (ولا جوز أ 
يغب تمالى بلعدالة والشهاءة مع ميا نه يجوز أن يقدموا جيعهم على 
المعصية أو يخطئوا أو يشهدوا بغير حق)058. 

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن استدل بالآية السابقة: (والوسط 
العدل الخيار وقد جعلهم الله شهداء على الناس وأقام شهادتهم مقام شهادة 
الرسول. . ) 

ثم قال (فإذا كان الرب قد جعلهم شهداء لم يشهدوا بباطل» فإذا شهدوا 
أن الله أمر بشيء فقد أمر به وإذا شهدوا أن الله نمى عن شبىء فقد 
نمى عنهء ولو كانوا يشهدون بباطل أو خطأ لم يكونوا شهداء الله في 
الأرضء» بل زكاهم الله في شهادتهم كا زكى الأنبياء فيا يبلغون عنه أنهم 
لا يقولون إلا الحق. وكذلك الأمة لا تشهد على الله إلا بحق )279 . 

ثم تابع شيخ الإسلام استدلاله قائلا: وقال الله تعالى «واتبعُ سَبِيلٌ 
مَنْ اناب إِلي244 والأمة منيبة إلى الله فيجب انب سبيلها) . 

وقال تعالى : لوَآلسَبِقُونَ لون من آلْمْهْجِرِينَ َالأنْصَارِ وَآنْذِينَ نَبَعُوهُم 
بإِحْسَنٍ رَضىّ آلله عَنهمُ وَرَضُواً عَّْه0 014 , 

فرضي عمن اتبع السابقين إلى يوم القيامة» فدل على أن متابعهم عامل 
بها يرضي الله والله لا يرضى إلا بالحق لا بالباطل9"©. 

ويستدل شيخ الإسلام, أيضا بقوله تعالى : «كتم خير آم أَخْرجَْتْ 
لئاس مُرُونَ بالْعْرُوف وَتَمَوْنَ عن المتكر)0*5. 

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : (وأما إجماع الأمة فهو حق. لا تجتمع 
الأمة ‏ ولله الحمد ‏ على ضلالة» كما وصفها الله بذلك في الكتاب والسنة 


.3756 التمهيد اج "ءا ص‎ )١8( 

.١9184 - 1١الا/ل مجموع الفتاوي ج 6 ص‎ )١189( 
.١6 سورة لقمان اآية‎ )١50( 

,(٠٠١ سورة التوبة آية‎ )١4١( 

.١78 مجموع الفتاوي ج 19 ص‎ )١55 

.١١١ سورة ال عمران اية‎ )١5*( 


4:6١ 


0 


مس أنه 


فقال تعالى «كنتم خيْرَ آمّةِ. . . » الآية وهذا وصف لهم بأنهم يأمرون بكل 

فلو قالت الأمة في الدين با هو ضلال فكانت لم تأمر بالمعروف في ذلك 
ولى تنه عن المنكر فيه)429". 

ويستدل علماء السلف أيضا بقوله عله لا تجتمع أمتى على ضلالة)012, 

ويقول كلِةِ: «فليلزم الجماعة فإن الشيطان مع الفذ وهو من الاثنين 
أبعل)0150), 

لقد بين الشافعي رحمه الله وجه الدلالة - من حيث لزوم الجماعة على 
حجية الإجماع قائلا: (إذا كانت جماعتهم متفرقة في البلدان فلا يقدر أحد 
أن يلزم جماعة أبدان قوم متفرقين وقد وجدت الأبدان تكون مجتمعة من 
لا يمكن ولأن اجتاع الأبدان لا يصنع شيئا فلم يكن للزوم جماعتهم معنى 
إلا ما عليهم جماعتهم من التحليل والتحريم والطاعة فيه))19), 

ويرى جمع من العلاء أن الأحاديث قد تواترت تواترا معنويا في المعنى 
المراد وهو أن إجماع الأمة حجة ويجب لزوم جماعة المؤمنين وعدم الشذوذ 
عنهبم 0140 وقد سبق أن ذكرنا ذلك في مناقشتنا لإمام الحرمين. 


: أنواع الإجماع وحكم منكريه‎ - ١ 


المخالف. 





.ا١الال‎ - ١!ل6 جموع الفتاوي ج 4 ص‎ )١5:5( 

)١46(‏ سبق تخريجه - انظر ص 7517 من البحث. 

(14) الحديث رواه الشافعي في الرسالة وقال أحمد شاكر المحقق: (الحديث بهذا الإسناد مرسل) الرسالة 
ص 4!/4. وروى الترمذي بنحوه وفيه: (عليكم بالجماعة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثتين 
أبعد) سئن الترمذي كتاب الفتن. 
قال أبوعيسى: هذا الحديث حسن صحيح غريب. ج 4): ص .4١٠4‏ 

. 2/8 الرسالة ص‎ )١597 

. 7185 - 588 ص 216 المسودة ص‎ ١ الإحكام للآمدي ج‎ 2.54٠0 ص‎ ٠ انظر التمهيد ج‎ )١54( 


-467- 


يقول شيخ الإسلام: (الإجماع نوعان: قطعي: فهذا لا سبيل إلى أن 
يعلم إجماع قطعي على خلاف النص. 

وأما الظني فهو الإجماع الإقراري والاستقرائي» بأن يستقرىء أقوال العلماء 
فلا يجد في ذلك خلافا أو يشتهر القول في القران ولا يعلم أحدا أنكره. 
فهذا الإجماع وإن جاز الاحتجاج به فلا يجوز أن تدفع النصوص المعلومة 
به. لأن هذا حجة ظنية لا يجزم الإنسان بصحتهاء فإنه لا يجزم بانتفاء 
المخالف. وحيث قطع بانتفاء المخالف فالإجماع قطعي. وأما إذا كان يظن 
عدمه ولا يقطع به فهو حجة ظنية)2420, 

ويرى شيخ الإسلام أن الإجماع القطعي يعتبر حجة قطعية والظني يعتبر 
حجة ظنية يقول: (وتنازعوا في الإجماع هل هو حجة قطعية أو ظنية؟ 
والتحقيق أن قطعيه قطعي وظنيه ظني والله أعلم)2"©. 

كا حقق القول في حكم من يخالف الإجماع هل يكفر أم لا؟ 

فقال: (وقد تنازع الناس في مخالف الإجماع هل يكفر؟ على قولين: 
والتحقيق: أن الإجماع المعلوم يكفر مخالفه ىا يكفر مخالف النص بتركه 
لكن هذا لا يكون إلا فيا علم ثبوت النص به. وأما العلم بثبوت الإجماع 
في مسألة لا نص فيها فهذا لا يقع. وأما غير المعلوم فيمتنع تكفيره)9*"©. 
- إجماع الصحابة والتابعين على العقائد: 

يتبين لنا من تلك الدراسة التي قدمنا عن نظرة العلماء السلفيين للإجماع, 
مدى اعتبارهم له كطريق من طرق الاحتجاج والاستدلال وأهميته في هذا 
الباب. حيث يأتي في الدرجة بعد الكتاب والسنة» وحجيته في إثبات 
الأحكام الشرعية عملية وعقدية. 

وبغض النظر عما كشفت عنه تلك الدراسة. من مواضع الاتفاق 
والاختلاف بين شيخ الإسلام - وغيره من علماء السلف - وبين إمام الحرمين 


.؟0/٠ مجموع الفتاوري ج ص‎ )١6١( 
.35076 مجموع الفتاوري ج 14 ص‎ )1٠6١( 


- 6595 - 


في قضية الإجماع ) قدمناء إلا أنها تدلنا على مدى الاتفاق بينهم على حجية 
الإجماع في الاستدلال به على العقائد وهو موضوع اهتمامنا في هذه الرسالة. 
فإمام الحرمين يستدل به في إثبات كثير من العقائد التي يقررها في كتبه 
وكذلك علاء السلف يستدلون به في إثبات عقيدة أهل السنة والجماعة كما 
سترى في الفقرة التالية. 
وفي هذا المقام - وقبل أن نذكر حملة من استدلالاتهم بالإجماع في باب 
العقائد- نحب أن نقرر الحقيقة التالية وهي تقوم على أساس ما ذكرناه سابقا 
عن شيخ الإسلام من أن الإجماع المقطوع به إنا كان في عهد الصحابة . 
ولا كانت العقيدة الصحيحة قد تقررت أحكامها في ذلك العهد ‏ وذلك 
قبل ظهور انحرافات المبتدعة فيها ‏ فإننا نستطيع أن نقرر أنها كانت موضع 
إجماعهم ‏ ثم إجماع التابعين بعدهم ‏ وهذا هو ماتدل عليه الروايات الكثيرة 
عنهم. حيث تواترت الروايات عنهم في اتفاقهم على أصول العقائد الثابتة 
بالكتاب والسنة209 كأركان الإيهان وما يندرج تحتها من تفاصيل العقائد 
المتعلقة بذات الله تعالى في صفاته وأفعاله ‏ وملائكته وكتبه ورسله وباليوم 
الآخر وما فيه وبالقدر خيره وشره.. الخ. 
يقول أبوعبدالله الشيرازي : (فاتفقت أقوال المهاجرين والأنصار في توحيد 
الله ومعرفة أسمائه وصفاته وقضائه وقدره قولا واحدا وشرطا ظاهراء وهم 
الذين نقلوه عن رسول الله يَكةِ ذلك حين قال عليكم بسنتي» فكانت كلمة 
الصحابة على الاتفاق من غير اختلاف وهم الذين أمرنا بالأخذ عنهم. إذ 
لم يختلفوا بحمد الله في أحكام التوحيد وأصول الدين من الأسماء والصفات 
كا اختلفوا في الفروع ولو كان منهم في ذلك اختلاف لنقل إلينا كما نقل 
(16) انظر مثلا كتاب السئة للإمام أبي عبدالرحمن عبدالله بن إمام أهل السنة أحمد بن حتبل. 
وكتاب الشرح والإبائة على أصول السنة والديانة ومجانبة المخالفين ومبايئة أهل الأهواء المارقين 
لأي عبدالله عبيد الله بن بطة العكبري ت 5807. والشريعة للإمام أبي بكر محمد بن الحسين 
الآجري ت .55٠0‏ وانظر كتاب التوحيد ومعرفة أسماء الله عز وجل وصفاته على الاتفاق والتفرد. 
للإمام الحافظ أبي عبدالله محمد بن إسحاق بن محمد بن يحبى بن منده .890-8٠‏ وشرح 


دل اعتقاد 8 السنة والجماعة 0 الكتاب والسنة ا الصحابة والتابعين ومن بعدهم 


-4684- 


إلينا سائر الاختلاف)007, 

ويقول ابن القيم: (وقد تنازع الصحابة في كثير من مسائل الأحكام وهم 
سادات المؤمنين وأكمل الأمة إياناء ولكن بحمد الله لم يتنازعوا في مسألة 
واحدة من مسائل الأسماء والصفات والأفعال. بل كلهم على إثبات ما نطق 
به الكتاب والسنة كلمة واحدة من أوطهم إلى آخرهم. لم يسوموها تأويلاء 
ولم يحرفوها عن مواضعها تبديلاء ولم يبدوا لشيء منها إبطالاء ولا ضربوا 
لها أمثالاء ولم يدفعوا في صدورها وأعجازهاء وم يقل أحد منهم يجب صرفها 
عن حقائقها وحملها على مجازها. بل تلقوها بالقبول والتسليم». وقابلوها 
بالإيهان والتعظيم. وجعلوا الأمر فيها كلها أمرا واحداء وأجروها على سنن 
واحد. ولم يفعلوا | فعل أهل الأهواء والبدع حيث جعلوها عضين. وأقروا 
ببعضها وأنكروا بعضها من غير فرقان مبين. مع أن اللازم فيا أنكروه 
كاللازم فيا أقروا به وأثبتوه)009. 
8 - أمثلة من استدلال علماء السلف بالإجماع على العقائد: 

ومن القضايا العقدية التي استدل علماء السلف على إثباتها بالإجماع القول 
بأن الإيهان قول وعمل. يقول شيخ الإسلام: (ولهذا كان القول أن الإيمان 
قول وعمل عند أهل السنة من شعائر السنة. 

وحكى غير واحد الإجماع على ذلك. وقد ذكرنا عن الشافعي رضي الله 
عنه ماذكره من الإجماع على ذلك قوله في الأم: وكان الإجماع من الصحابة 
والتابعين من بعدهم ومن أدركناهم يقولون إن الإيهان قول وعمل ونية لا 
يجري واحد من الثلاثة إلا باخر. .)2300. 

ك! أثبتوا كونه تعالى فوق سمواته بالإجماع. جاء في مجموع الفتاوى: (وقد 
دخل فيا ذكرناه من الإيمان بالله الإيمان بخ أخبر الله به في كتابه وتواتر 


)١5(‏ نقلا عن ابن القيم الجوزية في كتابه (اجتاع الميوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية) 
ص .٠١١‏ 


.494 ص‎ 02١ اعلام الموقعين عن رب العلمين لابن قيم الجوزية ج‎ )١54( 
الإيهان. لشيخ الإسلام ابن تيمية تحقيق محمد خليل الحراس.» ص 6868؟.‎ )١55( 


568 - 





عن رسول الله عد وأجمع عليه سلف الأمة من أنه سبحانه فوق سمواته 
على عرشه عل على خلقه. . .)260 

وقال أبوعمر بن عبدالبر: (أجمع علماء الصحابة والتابعين الذين حمل أعفهم 
التأويل قالوا في تأويل قوله تعالى مَايَكُونُ من نَجَوَى تَلمةٍ إلا هو 
رَابعهِم 1007# هو على العرش وعلمه في كل مكان وماخالفهم في ذلك أحد 
يحتج بقوله. . ,)090. 

ويقول شيخ الإسلام: (فإن أراد قائل هذا القول: أنه ليس فوق 
السموات رب ولا فوق العرش إله وأن محمدا لم يعرج به إلى ربه ومافوق 
العالم إلا العدم المحض. فهذا باطل مخالف لإجماع سلف الأمة)*20. 

ولقد استند ابن قتيبة على الإجماع في الرد على الذين ينفون الصفات 
بدعوى تصحيح التوحيد إذ يقول: (وتعمق اخرون في النظر وزعموا أنهم 
يريدون تصحيح التوحيد بنفي التشبيه عن الخالق. فأبطلوا الصفات مثل 
الحلم والقدرة والجلال. والعفو و أشباه ذلك فقالوا: نقول الحليم ولا نقول 
بحلم وهو القادر ولا نقول بقدرة وهو العالم ولا نقول بعلم . كأنهم م يسمعوا 
إجماع الناس على أن يقولوا: (أسألك عفوك وأن يقولوا: (يعفو بحلم ويعاقب 
بقدرة) . . 

وأجمع الناس على أن الحول والقوة للهء والحول الحيلة©. 

كا استند ابن تيمية على الإجماع في إثبات أن الله متكلم بكلام قائم 
به مريد بإرادة قائمة به. 

وأن كلامه وإرادته غير مخلوقة فقال: (وأما مايوصف الرب من الكلام 
والإرادة فقد دلت عليه أسماؤه احسنى » وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها على 
أن الله تعالى متكلم بكلام قائم به وأن كلامه غير مخلوق وأنه مريد بإرادة 


(165) مجموع الفتاوي ج *" ص .١1:5‏ 

)١697(‏ سورة المجادلة آية /ا. 

. القاعدة المراكشية لشيخ الإسلام ابن تيمية ) ص م74‎ )1١648( 

.556 مجموع الفتاوي ج هص‎ )١69( 

05٠‏ الاختللاتف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة للإمام عبدالله بن مسلم بن فتيبة ضمن كتاب 
عقائد السلف تيضف > رضفة 





-كه56- 


قائمة به وأن إرادته ليست محلوقة . 

وأنكروا على الجهمية من المعتزلة وغيرهم الذين قالوا: إن كلام الله مخلوق 
في غيره وأنه كلم موسى بكلام خلقه في الحواء. واتفق سلف الأمة وأئمتها 
على أن كلام الله منزل غير مخلوق _منه بدأ وإليه يعود)"2. 

ويقول أيضا: (بل في كلامي ما أجمع عليه السلف أن القران كلام الله 
غير مخلوق)2""9. 

ويقول أيضا ذاكرا الإجماع على أن الله تعالى يتكلم متى شاء وكيف شاء 
يقول: (ولهذا قال عبدالله بن المبارك والإمام أحمد بن حنبل وغيرهم: لم 
يزل متكل) إذا شاء وكيف شاء وهذا قول عامة أهل السنة فلهذا اتفقوا 
على أن القرآن كلام الله منزل غير تخلوق)2”9. 

ولقد قال ابن القيم : (وقد دل القرآن والسئة والإجماع على أنه سبحانه 
يجي ع يوم القيامة وينزل لفصل القضاء بين عباده ويأتي في ظلل من الغمام 
والملائكة. وينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا وينزل عشية عرفة وينزل إلى 
الأرض قبل يوم القيامة» وينزل إلى أهل الجنة. وهذه أفعال يفعلها بنفسه 
في هذه الأمكنة فلا يجوز نفيها عنه بنفي الحركة والنقلة المختصة بالمخلوقين 
فإنها ليست من لوازم أفعاله المختصة به)239. 

فقد حكى ابن القيم الإجماع على اتصاف الباري تعالى بالمجيء والنزول 
والإتيان ومنع نفي هذه الصفات بحجة أنمها تستلزم النقلة والحركة وذلك 
بمنع التلازم . 

فأفعاله تعالى المختصة به لاتستلزم ذلك . 

كا نقل شيخ الإسلام عن الحافظ أبي نعيم ما يحكيه من إجماع المسلمين 
على اتصاف الباري تعالى بالاستواء والمجيء. 

يقول شيخ الإسلام: (قال الحافظ أبونعيم في كتابه «محجة الواثقين 
)١11(‏ العقيدة الأصفهانية لابن تيمية ص ©0. 
(1517) مجموع الفتاوي ج ه ص 55868. 


(155) مجموع الرسائل الكبرى رسالة الفرقان بين الحق والباطل لابن تيمية ج ١ء‏ ص 9ؤ. 
)١54(‏ مختصر الصواعق ص 1485. 


لاهغع - 





ومدرجة الواقفين تأليفه) وأجمعوا أن الله فوق سمواته عال على عرشه مستو 
عليه لا مستول عليه كم تقول الجهميّة أنه بكل مكان. . 

وأنه تعالى يجيء يوم القيامة لفصل القضاء .بين عباده والملائكة صفا ص 
كما قال تعالى: وَجَاءَ رَيُكَ وَأْكَلَكُ صَفًا ضَها0. وزاد النبي كل : 
تعالى وتقدس يجيء يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده. فيغفر 0 شاء 
ويعنب من شاء كما قال تعالى: لِنَعْفْرُ أن يَشَآهُ وَيُعَذّبُ مَن 
ا لا 

وعلماء السلف يثبتون الصفات على وجه لا يقتضي التشبيه به والتكيف. 
ويستدلون بالإجماع على ذلك. فقد ذكر ابن تيمية أن أباالقاسم اللالكائي 
قد روى في (أصول السنة عن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة قال: 

تفق الفقهاء كلهم من المشرق والمغرب على الإيمان بالقران والأحاديث التي 

جاءت بها الثقات عن رسول الله يك في صفة الرب من غير تفسير ولا 
وصف ولا تشبيه فمن فسر اليوم شيئا من ذلك فقد خرج مما كان عليه 
النبي وَل وفارق الجاعة, فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا ولكن أفتوا بها في 
الكتاب والسئة ثم سكتوا فمن قال بقول جهم فقد فارق الجاعة لأنه قد 
وصفه بصفة لا شيء) 030 

ويقول شيخ الإسلام : (وفي الجملة الكلام في في التمثيل والتشبيه ونفيه عن 
الله مقام» والكلام في التجسيم ونفيه مقام آخر. . 

فإن الأول دل على نفيه الكتاب والسنة وإجماع السلف والأئمة واستفاض 
عنهم الإنكار على المشبهة الذي يقولون: يد كيدي وبصر كبصري وقدم 
كقدمي)219. 

ولقد استدل اللالكائي بالإجماع على أن الإضلال يقع بإرادة الله وذلك 
(15) سورة الفجر آية ؟؟. 
(15) سورة البقرة اية 588؟. 
(157) مجموع الفتاوي ج ©. ص .5١‏ 


(154) الفتاوي الكبرى ج ه. ص .١1"‏ 
)١159(‏ درء التعارض ج 4 ص .١168‏ 


-48هة:؟- 


من خلال قصة عمر رضي الله عنه مع النصراني الذي ادعى أن الله لا 
يضل أحداً فكذبه عمر وأراد قتله لولا العهد الذي بينه وبين النصارى. 

فقد سأل عمر أصحاب الرسول ما يقول النصراني: (قالوا ياأمير المؤمنين 
يزعم أنه «أي الله» لا يضل أحدا. . فقال عمر: كذبت بل الله خلقك 
والله أضلك ثم يميتك فيدخلك النار إن شاء الله. أما والله لولا ولث 
عهد لك(2"0) لضربيت عنقك . 

قال فتفرق الناس وما يختلف في القدر اثنان. 

قال الشيخ ابوالقاسم الحافظ: فإن كان في الدنيا إجماع بانتشار من غير 
إنكار فهو في هذا المسألة فمن خالف قوله فيها فهو معاند مشاقق يلحق 
به الوعيد وهو داخل نحت قوله «إومْن يُشاقق آلرَسُولَ من بَعْدِ مَا تبن له 
مد ويتبع غير سَبيلٍ أخْومِنِينَ وله مَا تَولْ وَنْضّله جَهَنْمَ وَسَأءَتَ 
مَصِبر ه(079001371 , 

ويقول ابن قتيبة مخطئا القدرية في مخالفتهم للإجماع على عموم مشيئة الله : 
(وجعلوا العباد فاعلين لا لا يشاء. وقادرين على مالا يريد وكأنهم لم يسمعوا 
بإجماع الناس على «ما يشاء الله كان ومالا يشاء لا يكون))9"©. 


4 إبطال شيخ الإسلام لدعوى إمام الحرمين وغيره من المتكلمين الإجماع 
على أخطائهم العقدية: 

يقرر شيخ الإسلام خطأ المتكلمين في حكاية الإجماع على ما يقررونه من 
قضايا عقدية لم تكن موضع بحث الصحابة لماء ولا إجماعهم عليها وليس 
لهم ما يحكونه من الإجماع دليل» وليس عندهم عليه نقل صحيح بل كثرا 





(170) أي طرف من عقد أو يسير منه. لسان العرب لابن منظور. ج 7“ اص ٠١#‏ مادة ولث. 

(101) سورة النساء آية .1١6‏ 

(107) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة : هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري اللالكائي ج ؛. 
ص 5050. وانظر كتاب السئة لأبي عبدالر حمن عبدالله بن حنبلء ٠ج"‏ ص *477 وانظر التريعة 
ص .3٠١‏ 

(107) الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة للامام عبدالله بن مسلم ابن قتيبة ص 4؟7, 
ضمن كتاب عقائد السلف. 


ه16 





ما يحكون الإجماع على مايخالف الكتاب والسنة من العقائد وبهذا يحذر شيخ 
الإسلام مما يقرره علماء الكلام من مثل هذا الإجماع الباطل. يقول شيخ 
الإسلام . 

(وهذا القول الذي يحكيه هذا «يعني أبوالحسن الطبري . .» وأمثاله من 
إجماع المسلمين. أو من إجماع المليين في مواضع كثيرة» يحكونه بحسب ما 
يعتقدونه من لوازم أقوالهم. وكثير من الإجماعات التي يحكيها أهل الكلام 
هي. من هذا الباب. فإن أحدهم قد يرى أن صحة الإسلام لا تقوم إلا 
بذلك الدليل. وهم يعلمون أن المسلمين متفقون على صحة الإسلام 
فيحكون الإجماع على ما يظنونه من لوازم الإسلام» كما يحكون الإجماع على 
المقدمات التي يظنون أن صحة الإسلام مستلزمة لصحتهاء وأن صحتها من 
لوازم صحة الإسلام. أو يكونون لم يعرفوا من المسلمين إلا قولين أو ثلاثة» 
فيحكون الإجماع على نفي ماسواهاء وكثير مما يحكونه من هذه الإجماعات 
لا يكون معهم فيها نقل لا عن أحد من الصحابة ولا التابعين» ولا عن 
أحد من أئمة المسلمين. بل ولا غن العلاء المشهورين الذين لهم في الأمة 
لسان صدق.. .)20079 

ومع أن إمام الحرمين قد استدل بالإجماع على عقائد صحيحة كانت 
بالفعل موضع إجماع الصحابة والتابعين وعلاء السلف إلا أننا نذكر هنا 
بعض ما ادعى فيه الإجماع من القضايا العقدية الباطلة فأخطأ في هذه 
الدعوى. ومن ذلك دعواه في للع الأدلة الإجماع على تقدسه سبحانه وتعالى 
عن قبول الحوادث فقال (الرب سبحانه وتعالى يتقدس عن قبول الحوادث 
واتفق على ذلك: أهل الملل والنحل. وخالف إجماع الأمة طائفة نبغوا من 
«سجستان»» لقبوا ب«الكرامية») فزعموا: أن الحوادث تطرأ على ذات الباري 
تعالى عن قوهم ‏ وهذا نص مذهب المجوس. 

والدليل على استحالة قيام الحوادث بذات الباري تعالى أنها ‏ لو قامت 


35 24 درء تعارض العقل والنقل. جح‎ )١/4 
إحففحة ص ج ص‎ 


-55022 


به لم يخل عنها. ومالم يخل عن الحوادث حادث)2"2. 

ودعوى الإجماع على تقدسه تعالى عن قبول الحوادث كان موضع نقد شيخ 
الإسلام وفي ذلك يقول: (.. وتجد كثيرا من متكلمة أهل الحديث كأبي 
الحسن بن الزاغوني وأبي بكر بن عربيء يحكون الإجماع على امتناع قيام 
الحوادث به. وأظن أن أباعلي بن أبي موسى ذكر ذلك وهذه من جملة 
الإجماعات التي يطلقها من يطلقها بحسب ماظنه. وهذا لأن هذه اقوال 
مجملة» قد يفهم مغها ماهو باطل بالإجماع, والمطلقون لما أدرجوا فيها معان 
كثيرة» لا يفهمها إلا خواص الناس. 

وأول من أظهر هذه المقالات الجهمية والمعتزلة ونحوهم. . .)2"0. 

لأنه إذا كان المراد بأنه يمتنع قيام الحوادث من أنه لا يخلق شيئا من 
المخلوقات في ذاته فهذا كلام صحيحء, وعليه إجماع المسلمين» وإذا كان 
المراد أنه لا تقوم به تعالى الصفات الاختيارية كصفة الكلام والمجيء والنزول 
وأنه يتكلم متى شاء وكيف شاء فدعوى الإجماع باطلة بل الإجماع على 
خلافها . 

ومن القضايا العقدية التي ادعى فيها إمام الحرمين خطأ الإجماع. قوله 
بالإجماع على نفي الجهة. 

إذ نفى إمام الحرمين الجهة عن الباري ونفى أن يكون الباري تعالى فوق 
خلقه. ثم زعم أن أهل الحق أطبقوا على ذلك إذ يقول: (ومذهب أهل 
الحق قاطبة أن الله سبحانه وتعالى يتعالى عن التحيز والتخصص بالجهات . 
' وذهبت الكرامية وبعض الحشوية إلى أن الباري» تعالى عن قولهم متحيز 
مختص بجهة فوق)0"9). 

والواقع أن دعوى إمام الحرمين الإجماع على ماذهب إليه من نفي التحيز 
والجهة ليس صحيحا. فلعلماء السلف رأبهم الخاص في هذين الأمرين نفيا 


.55 لمع الأدلة ص‎ )١70( 
.9884 درء تعارض العقل والنقل ج م ص‎ )١05١ 
الإرشاد, ص اضد‎ 217 


-ع5ك١-‎ 





أو إثباتا. 

ذلك أن الشرع لم يرد بلفظ التحيز والجهة صراحة لا بإثباته) ولا بنفيه) 
عنه. فالحكم بنفيهما أو إثباته) يتوقف على ما يراد بها من المعاني. فه) لفظان 
مجملان ولابد من تحديد المعنى المراد من كل منها قبل الحكم بإثباته أو نفيه 
عن الله. فإن أريد بالجهة شيء مخلوق كالعرش والسموات» فالله يمتنع 
أن يكون في شىء من محلوقاته فليس هو في جهة بهذا المعنى. وإن أريد 
به مافوق العالم فلا ريب أن الله فوق العالم. 

وإن أريد بالتحيز أن الله تحوزه المخلوقات فالمعنى باطل في حق الله» 
وإن أريد به أن الله منحاز عن خلقه مباين للعالم. فالله سبحانه وتعالى 
كذلك . 

يقول شيخ الإسلام: (فيقال لمن نفى الجهة: اتريد بالجهة أنها شيء 
موجود مخلوق فالله ليس داخلا في المخلوقات. أم تريد بالجهة ماوراء العالم 
فلا ريب أن الله فوق العالم بائن من المخلوقات. 

وكذلك يقال لمن قال: إن الله في جهة: أتريد بذلك أن الله فوق العالمء 
أو تريد به أن الله داخل في شىء من المخلوقات فإن أردت الأول فهو حق . 
وإن أردت الثاني فهو باطل. ' 

وكذلك لفظ المتحيز. إن أراد به أن الله تحوزه المخلوقات فالله أعظمٍ 
وأكرء بل قد وس كرسيه السمواتٍ والأرض وقد قال تعالى: لوَمَاقَدَرُوا 
ألله حَقٌّ ذه والازرض جميعًا قَبِضتَهُ يوم آلْقيمَة وَآَلسَّمَْوَاتٌ مَطويتَ 
بيمينه00. , . وإن أراد به أنه منحاز عن المخلوقات أي مباين لما منفصل 
عنها ليس حلا فيها فهو سبحانه كا قال أئمة السنة: فوق سمواته على 
عرشه بائن من خلقه)2""9. 

إذن فمذهب أهل الحق قاطبة إثبات علو الله على خلقه واستوائه على 
عرشه وأنه بائن من خلقه. والآيات والأحاديث في إثبات ذلك كثيرة» وأقوال 


.51/ سورة الزمر آية‎ )1١8( 
.58 - 56 التدمرية ص‎ )١019( 


5غ 


السلف والصحابة متضافرة في هذا المعنى وكتب السلف مملوءة بأقوال العلماء 
بهذا المعنى . 
أنكرت الجهمية أن يكون الله على العرش)040, 

وقد تعجب الامام أحمد من إنكارهم الاستواء وإنكارهم أن يكون على 
العرش مع قوله تعالى «آلرّحمْنُ عَلَ الْعَرَشُ أآسْتَوَى74*© وقال الشيخ 
أبوعثمان إساعيل الصابوني (ويعتقد أهل الحديث ويشهدون أن الله سبحانه 
وتعالى فوق سبع سموات على عرشه كى) نطق به كتابه)9*"©. 

وروي عن عبدالله بن المبارك قوله (نعرف ربنا فوق سبع سموات على 
العرش. استوى باثئنا منه خخلقه)0295), 

وذكر ابن بطة في كتابه الإبانة من صفاته تعالى أنه (يقبضص ويبسط ويأخذ 
ويعطي وهو على عرشه بائن من خلقه)2*9. / 

وقال أبوالقاسم اللالكائي (وقال عز وجل 9«إِليّْه يَصَعَدُ الكلم آلطيبٌ 
َالْعَمَلُ آلصلحٌ يَرْفَعه4ي2. 
و 5 ع 2 7 4 هرد ع مه 7 مو معخوم ا م 

وقال «ءَامنتم من قى السماء ان يخسف بكم الارض 0437# , 

وقال طوَهُوْ الْقَاهِرٌ فَوْقَ عبَّادهِ ويُرْسِلُ عَلَيكُمْ حَفَظَة)ه20. 

فدلت هذه الآيات أنه تعالى في السماء وعلمه بكل مكان من أرضه 
وسمائه)(044 , 
)18١(‏ انظر الرد على الجهمية ص .06١0‏ 
)148١(‏ سورة طه آية 6. 
(187) عقيدة السلف وأصحاب الحديث. ضمن مجموعة الرسائل المثيرية. ج ١ء‏ ص .٠١9‏ 
(*18) عقيدة السلف وأصحاب الحديث. مجموعة الرسائل المنيرية. ج 2.١‏ ص .١١١‏ 
(185) الشرح والإبانة ص م رسالة ماجستير . 
(186) سورة فاطر آية .٠١‏ 
(148) سورة الملك .١١‏ 


147) سورة الأنعام آية .51١‏ 
(188) شرح أصول اعتقاد أهل السنة ج 7 ص 88". 


ير 








يستوى على عرشه استواء يليق بجلاله من غير طول استقرار كما قال: 
لآلرّحمْنُ عَلَ الْعَرْش أآسْتَوَى» وقد قال تعالى 8ِإَِيْه يَضْعَدُ الْكلمُ آلطيّبُ 
وَآلْعَمَلُ آلصَلحٌ يرَفعة 0140 , 

ثم شرع يسرد الآيات التي تدل على استوائه.» ثم يرد تأويل الجمهية 
للاستواء بأنه الاستيلاء والقهر.ء ويبطل مذهبهم بأنه تعالى في كل مكان 
مستدلا بالآيات السابقة وبالمعقول. ثم شرع يستدل على أنه تعالى مستو 
على عرشه بالأحاديث الصحيحة كقوله كك : ينزل ربنا عز وجل كل ليلة 
إلى السماء الدنيا فيقول هل من سائل فأعطيه هل من مستغفر فأغفر له 
حتى يطلع الفح 06100150 , 

ثم ذكر حديث الجارية قائلا: (وروت العلماء أن رجلا أتى النبي كَل 
بأمة سوداء فقال يارسول الله إني أريد أن أعتقها في كفارة فهل يجوز عتقها. 
فقال لها النبي يك أين الله؟ قالت في الساء. قال: فمن أنا؟ قالت أنت 
رسول الله. 
فقال النبي كك : «اعتقها فإنها مؤمنة)59", 
وهذا يدل على أن الله تعالى على عرشه فوق السساء فوقية لا تزيده قربا 
من العرش)259. 

وحكى أبوعمر بن عبدالير إجماع العلماء على أنه تعالى فوق العرش وليس 
في كل مكان. حكاه عنه شيخ الإسلام قائلا: (قال أبوعمر بن عبدالير: 
(140) لم أقف على هذه الرواية. والذي في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله كَل 

«إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيقول: هل من سائل 


يعطى هل من داع يستجاب له هل من مستغفر يغفر له حتى ينفجر الصبح» ج 1١‏ ص 5177 . 
مهلا. 

.٠١6 انظر الإبانة ص‎ )١191( 

)١97(‏ روى مسلم في صحيحه حديثا طويلا عن معاوية بن الحكم السلمي وفيه (قال: «وكانت لي 
جارية ترعى غنما لي قبل أحد والجوانية فأطلعت ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها. 
وأنا رجل من بني آدم أسف ك) يأسفون. لكني صككتها صكة. فأتيت رسول الله يك فعظم 
ذلك على.. قلت يارسول الله أفلا أعتقها؟ قال اثتنى بها «فأتيته ها فقال ها أين الله؟ قالت 
في السماء. قال: من أنا؟ قالت أنت رسول الله. قأل: أعتقها فإنها مؤمنة». ج 1١‏ ص١8"‏ 
ح لالاه مساجد وبنحوه في الموطأ كتاب العتق ج ؟. ص االالا. 

(195) الأبانة ص ١١8‏ - 119. 


-455- 


أجمع علماء الصحابة أوالتابعين الذين حمل عنهم التأويل قالوا في تأويل قوله 
تعالى لما يَكُونُ من نُجْوَى تنه إلا أ تابيخ 0 هو على العرش وعلمه 
في كل مكان وما خالفهم في ذلك أحد يحت بقوله)2352, 

وغاية القول - بناء على ماقدمناه - أن دعوى إمام الحرمين الإجماع على 
نفي الجهة والتحيز عن الله تعالى ليست صحيحة. 

وأن النفي أو الإثبات للتحيز والجهة بصفة مطلقة ليس صحيحا كذلك 
وإنها يتوقف على تحديد المعنى المراد نفيه أو إثباته ىا شرح ذلك شيخ 
الإسلام . 

وإذا كان ما يدعيه المتكلمون من إجماع على المسائل التي يظنون خطأ 
توقف صحة الإسلام عليها وهي موضع نقد من العلماء. السلفيين» فإنه 
يتضح لنا بذلك بطلان ما يدعيه المستشرقون من أن الإجماع أصبح وسيلة 
لجعل ماهو بدعة سنة. وأن يخترع الناس عقائد وسننا بتفكيرهم ‏ وأعالهم, 
حتى زعموا أن التوسل بالأولياء أصبح سنة بعد أن كان بدعة. وهذه المزاعم 
الباطلة عن الإجماع قررها المستشرقون في دائرة المعارف إذ جاء فيها: 
(ومنطوق هذا المبدأ الذي قرره الفقهاء «يعنيى الإجماع» هو كا ذكرناه انفاء 
ولكن تطبيقه كان في الحقيقة أوسع من ذلك. .. وعلى هذا فإنه يكون في 
مقدور الناس أن يخلقوا , يقة تفكيرهم وأعمالهم عقائد وسنناء لا أن 
يسلموا با تلقوه عن طريق آخر فحسب وقد أصبح بفضل الإجماع ماكان 
في أول أمره بدعة (أي فعله مخالفة للسنة الأولى) أمرا مقبولا نسخ السنة 
الأولى. . فالتوسل بالأولياء مثلا صار عمليا جزءا من السنة. . . فلم يقتصر 
الإماع هنا على تقرير أمور لم تكن مقررة من قبل فحسبء بل غير عقائد 
ثابتة وهامة جدا تغييرا تاما. وعلى هذا فهو د يعتبر اليوم عند الكثيرين 
مسلمين وغير مسلمين ‏ وسيلة فعالة للإصلاح. فهم يقولون إن المسلمين 
يستطيعون أن يجعلوا من الإسلام ماشاؤوا على شريطة أن يكرنوا 


. سورة المحادلة آية‎ )١94( 
./8 القاعدة المراكشية ص‎ )١95( 





556 - 





مجمعين)019, 
وما قاله المستشرقون يعتبر كلاما باطلا لا يخفى بطلانه على أقل الناس 
ثقافة بالإسلام لأنْ بطلانه معلوم من الدين بالضرورة. 
فكيف يجهله المستشرقون المتخصصون في العلوم الإسلامية؟!! 
إنها محاولة رخيصة منهم للنيل من الإسلام بدس هذه الأفكار الزائفة, 
ظنا منهم أنها ستروج ومع هذا فلا بأس أن نشير إلى بعض ما قررناه سابقا 
فهو يتضمن تفنيد ماذكروه: 
أولا : الإجماع إنم)ا هو حجة بعد الكتاب والسنة فكيف ينيض الإجماع 
لإبطال ما يقرره الكتاب والسنة؟ . 
ثانيا : إن الإجماع 'لابد له من مستند من الكتاب والسنة. 
الثا : إن الإجماع المقطوع به هو ماكان في زمن الصحابة» وخاصة في 
مسائل العقيدة لأنها ثابتة لا تتجدد ولا تتغير. وأما المسائل العملية 
فيتعذر العلم بها غالبا بعد زمن الصحابة. 
رابعا : إن الإجماع المعتبر هو إجماع العلماء لا إجماع عوام الناس مهما كثروا. 
خامسا : إنه لا يتصور أبدا أن يجتمع المسلمون على تغيير عقائد ثابتة. لأن 
النبي كَْةِ يقول (لا تجتمع أمتي على ضلالة)99" وتغيير العقائد من 
أكبر الضلال والابتداع . 
سادسا : إن قولهم: إن المسلمين أحمعوا على أن التوسل سنة. وقد كان بدعة 
قول باطل. بل العلماء مازالوا ينكرون البدع ومنها التوسل منذ 
ظهوره حتى زمننا هذا. وكتب علماء السلف في التحذير من البدع 
ومنها التوسل كثيرة جدا. 





. دائرة المعارف الإسلامية‎ )١95( 
نقلها إلى العربية محمد ثابت الفندي. أحمد الشنتاوي. إبراهيم زكي خورشيد: عبدالحميد‎ 
. 1498 موسى »2 مادة إجماع جك“ ص‎ 

1990) سبق تخريجه. انظر ص 50 من البحث. 


د ككة-ه 


البساب السسادتس 


منحجحه 


في الاستدلال بالمعجزة 


الفحل الأول : استدلال إمام الحرمين بالمعجزة وحدها على 
صدق النبي دون غيره من العقائد. 

الفحل الثاني ٠:‏ نقد منهج إمام الحرمين في استدلاله بالمعجزة 
وحدها على صدق النبي دون غيره من العقائد. 


-/51ع - 








الفحل الأول 


استدلال إمام الحرمين بالمعجزة وحدها على صدق النبي دون غيره 
من العقائد 


أٌ - استدلاله بالمعجزة على صدق النبي : 

يرى إمام الحرمين أن المعجزة طريق إلى إثبات صدق النبي في دعوى 
النبوة» إذ جاء في البرهان إثباتا لذلك: (والمدرك الثاني هو المرشد إلى ثبوت 
كلام صدق وهذا لا يتمحض العقل فيه فإن مسلكه المعجزات وارتباطها 
بالعادات انخراقا واستمرارا)9©. 

وفي هذا المقام سوف نشرح منهج إمام الحرمين في دلالة المعجزة على 
صدق النبي بعد أن نذكر حقيقتها وشروط صحتها على ذلك. 
١‏ - مفهوم المعجزة لغة واصطلاحا: 
أ مفهوم المعجزة لغة: 

المعجزة عند إمام الحرمين من حيث اللغة: (... مأخوذة لفظا من 
العجزء وهي عبارة شائعة على التوسع والاستعارة والتجوز. فإن المعجز على 
التحقيق خالق العجز. والذين يتعلق التحدي بهم لا يعجزون عن معارضة 
النبى يكِةِ. فإن المعجزة إن كانت خارجة من قبيل مقدورات البشرء فلا 
يتصور أيضا عجز المتحدين بالمعجزات» فإن العجز يقارن المعجوز عنهء فلو 
عجزوا عن معارضته. لوجدت المعارضة ضرورة» والعجز مقترن بها على ما 


)0 البرهان ج اء ص .١47‏ 


555 





تقصيناه في كتاب القدر. فالمعنى بالإعجاز الإنباء عن امتناع المعارضة من 
غير تعرض لوجود العجز الذي هو ضد القدرة. 

وقد يتجوز بإطلاق العجز على انتفاء القدرة» كما يتجوز بإطلاق الجهل 
على انتفاء العلم . 

ثم في تسمية الآية معجزة تجوز آخر أيضاء وهو إسناد الإعجاز إليهاء 
والرب تعالى هو معجز الخلائق بهاء ولكنها سميت معجزة لكونها سببا في 
امتناع ظهور المعارضة على الخلائق)2). 
ب - أما تعريف المعجزة اصطلاحا عند إمام الحرمين: 

فهو كى) جاء في البرهان: (المعجزة تكون فعلا لله سبحانه وتعالى» خارقا 
للعادة. ظاهرا على حسب سؤال مدعي النبوة» مع تحفقيق امتناع وقوعه في 
الاعتياد من غيرهء إذا كان يبغي معارضة)©. 


؟ - شرصط المعجزة: 

أما شروط المعجزة فهي على النحو الآتي: 
أولا - أن تكون فعلا لله تعالى» فلا يجوز أن تكون المعجزة صفة قديمة. 
إذ لا اختصاص للصفة القديمة ببعض المتحدي: دون بعض ولو كانت 
الصفة القديمة معجزة. لكان وجود الباري تعالى معجزاء. وإنما المعجز فعل 
من أفعال الله تعالى نازل منزلة قوله لمدعى النبوة صدقت©). 
ثانيا - أن تكون خارقة للعادة» إذ لو كانت عامة معتادة يستوي فيها البار 
والفاجرء والصالح والطالح. ومدعي النبوة المحق بها والمفتري بدعواه. لما 
أفاد ما يقدر معجزا تمييزا وتنصيصا على الصادق0©. 
الئا - أن تتعلق بتصديق دعوى من ظهرت على يديه. 
(9) الإرشافى .#١08‏ 
(”) البرهان. ج ١ع‏ ص ١18‏ فقرة 54. 


5( الإرشاد, 04" 
)2( الإرشاد, اخلكرة 


- 5١ - 


وهذا الشرط يقتضي ثلاثة أمور: 
الأول: (أن يتحدى النبي بالمعجزة وتظهر على وفق دعواه. فلو ظهرت من 
شخص وهو صامت فلا تعد معجزة. 

ويكفي في التحدي أن يقول: أآية صدقي أن يحبي الله هذا الميت» 
وليس من شرط المتحدي أن يقول: هذه آيتى ولا يأي أحد بمثلهاء فإن 
الغرض من التحدي ربط الدعوى بالمعجزة» وذلك بحصل دون أن يقول: 
ولا يأقي أحد بمثلها. . .)©2. 
الثاني: (ألا تتقدم المعجزة على الدعوى. فلو ظهرت اية أولا وانقضت, فقال 
قائل: أنا نبي والذي مضى كانت معجزتي فلا يكترث به. إذ لا تعلق لا 
انقضى بدعواه)”". ظ 
وإذا كان إمام الحرمين لا يجيز تقدم المعجزة على دعوى النبوة فهل يجيز 
تأخيرها عنها؟ 

الواقع أنه يجيز ذلك إذا حدد وقتا معينا لظهور المعجزة على ألا يكلفهم 
بالتكاليف الشرعية قبل ذلك. 

جاء في الإرشاد (فإن قيل هل يجوز استيخار المعجزة عن دعوى النبوة؟ 
قلنا: إن تأخرت وطابقت الدعوى كانت أية. وذلك مثل أن يقول النبي : 
آية صدقي انخراق العادة بكذا وكذا وقت الصبح. فإذا وقع ذلك كما وعد 
وكان خارقا للعادة كان آاية. 

فإن قيل: لو قال مدعي النبوة: ستظهر أيتي بعد موت بوقت ضربهء 
فإذا وقع ماقاله بعد الوفاة على حسب دعواهء كان ذلك خارقا للعادة؟ . 

فالوجه عندي في ذلك أن تقول: إن كلف الناس التزام الشرع ناجزا والآية 
موقوفة» فقد كلفهم شططاء وإن نص على الأحكام وعلى التزامها بوقت 
ظهور الآية صح. والقاضي أبوبكر رضي الله عنه منع ما صححته. ولا 





ى الإرشاد. ص وضرة 
3ع( الإرشاد, لق 


-الاعٌ د 





وجه لنعه والحق أحق أن يتبع)0©. 
الثالث ‏ ألا تظهر مكذبة للنبي. مثل أن يدعى مدعى النبوة فيقول: اية 
صدقي أن ينطق الله يدي. فإذا أنطقها تعالى بتكذيبه أي قالت اليد ناطقة 
إنه كذاب مفتر. فهذه لا تكون معجزة. وهناك صورة أخرى خالف فيها 
القاضي وهي لو قال أيتي أن يحبي الله هذا الميت فأحياه. فقام الميت وأنكر 
نبوته وكذبه وقال أحياني الله لأفضحه. 

فالقاضي يرى ان هذه الصورة مكذبة فلا تدل. 

أما الجويني فيفرق بين الصورتين حيث يعتبر الصورة الأولى غير معجزة, 
لأن تكذيب اليد خارق للعادة. 

وأما الصورة الثانية: فإن تكذيب الميت إذا حبيَ ليس بخارق وإننا الخارق 
إحياؤه وفي ذلك يقول: (وللنبي أن يقول إنما الآية إحياؤه وتكذيبه إياي 
كتكذيب سائر الكفرة)9©». 

يرى إمام الحرمين أنه إذا توافرت هذه الشروط في المعجزة دلت على صدق 
النبي. فا وجه دلالتها على ذلك. 
وجه دلالة المعجزة : 

لا يعتبر إمام الحرمين دلالة المعجزة على صدق النبي من قبيل الدلالة 
العقلية» إذ الدليل العقلي لا يتخلف عن المدلول. والمعجزة في نظره قد 
تتخلف عن الدلالة على صدق النبى حيث توجد الخوارق غير مقترنة بدعوى 
النبوة» فلا يكون لا دلالة على شىء. 

يقول إمام الحرمين في ذلك: (. . . إن المعجزة لا تدل على صدق النبي» 
حسب دلالة الأدلة العقلية على مدلولاتهاء فإن الدليل العقلي يتعلق بمدلوله 
بعينه.» ولايقدر في العقل وقوعه غير دال عليه. وليس كذلك سبيل 
المعجزات. وبيان ذلك بالمثال في الوجهين أن الحدوث كا دل على المحدث» 


(8) الإرشاد, ."١6‏ 
(ة) الإرشاد 6ا". 


كلاد 


لم يتصور وقوعه غير دال عليه؛ وانقلاب العصا حية؛ لو وقع بديا من فعل 
الله عز وجل من غير دعوى نبي » لا كان دالا على صدق مدع فقد خرجت 
المعجزات عن مضاهاة دلالات العقول)20. 

وإذا كان إمام الحرمين لا يعتير دلالة المعجزة دلالة عقلية» فإنه يعتبر 
هذه الدلالة من باب التصديق العملي القائم مقام التصديق القولي لمدعي 
النبوة في دعواه هذه. 

وفي ذلك يقول: (فإن قيل: ف) وجه دلالتها إذا؟ قلنا: هذا مما كثر فيه 
خبط من لا يحسن علم هذا الباب. والمرضي عندنا أن المعجزة تدل على 
الصدق من حيث تنزل منزلة التصديق بالقول. وغرضنا يتبين بفرض مثال» 
فنقول: إذا تصدر ملك للناس وتصدر لتلج عليه رعيته.» واحتفل الناس 
واحتشدواء وقد أرهق الناس شغل شاغل» فلا أخذ كل مجلسه وترئب الناس 
على مراتبهم انتصب واحد من خواص الملك. وقال: معاشر الأشهاد قد 
حل بكم أمر عظيم. وأظلكم خطب جسيم. وأنا رسول الملك إليكم 
ومؤقّنه لديكم ورقيبه عليكم» ودعواي هذه بمرأى من الملك ومسمع ١‏ فإن 
كنت أمها المللك صادقا في دعواي. فخالف عادتك وجانب سجيتك» 
وانتصب في صدر بهوك, ثم اقعد. ففعل الملك ذلك على وفق ما ادعاه 
ومطابقة هواه. فيتيقن الحاضرون على الضرورة تصديق الملك إياه وينزل 
الفعل الصادر منه منزلة القول المصرح بالتصديق)0"©. 

وفي هذا المثال يتبين لنا أن حصول المعرفة بصدق النبي بالمعجزة ضروري 
عند إمام الحرمين. وإذا كانت المعجزة تدل على الصدق من حيث تنزل 
منزلة التصديق بالقول. فهذا يدل على أن إمام الحرمين يرى أن دلالتها دلالة 
وضعية. وإن ١‏ يصرح بذلك لأنما إذا نزلت منزلة القول فدلالة الألفاظ دلالة 


وصعيه . 


َك 


0 الإرشاف 84 
)01 الإرشاد, نيف 


- 51/5 


- ظهور الكرامة لا يبطل دلالة المعجزة: 

اتضح لنا مما سبق مذهب الجويني في المعجزة وشروطها ودلالتهاء وقبل 
أن نتعرف على رأيه في الفرق بين المعجزة والكرامة وبيانه لكون الكرامة لا 
تبطل دلالة المعجزة. لابد أن نعرف مذهبه في الكرامات. 

فالجويني يجيز انخراق العادة للأولياء كرامة» وهو بهذا يخالف المعتزلة 
ويخالف الأستاذ أباإسحاق رضى الله عنه إذ يقول: (فالذي صار إليه أهل 
الحق جواز انخراق العادات في حق الأولياء وأطبقت المعتزلة على منع ذلك» 

والأستاذ أبوإسحاق رضي الله عنه يميل إلى قريب من مذاهبهم)9"©. 
ويستدل على تجويز وقوع الكرامة, بأنها من الخوارق التي تقع تحت قدرة 
الله. ولا يلزم من وقوعها محذور عقلي. وني ذلك يقول: (فإن قيل مادليلكم 
على تجويزها؟ قلنا: مامن أمر يخرق العوائد إلا هو مقدور للرب تعالى 
ابتداء» ولا يمتنع وقوع شيء لتقبيح عقل لما عهدناه فيها سبق)2©9. 

ويستدل إمام الحرمين على وقوع الكرامة بالسمع أيضا. حيث يقول: 
(واستدل مثبتو الكرامات با لا سبيل إلى درئه من مواضع السمع. فإن 
أصحاب الكهف وما جرى لهم من الآيات لا سبيل إلى جحده. وما كانوا 
أنبياء إجماعاء وكذلك خصت مريم عليها السلام بضروب من الآيات. 
فكان زكريا صلوات الله عليه يصادف عندها فاكهة الشتاء في الصيف. 
وفاكهة الصيف في الشتاءء ويقول متعجبا: أن لك هذاء وتساقط عليها 
الرطب الجني» إلى غير ذلك من أياتها. وكذلك أم موسى عليه السلام» 
أهمت في أمره با لاخفاء به. وجرى من الآيات في مولد الرسول عليه 
السلام مالا ينكره منتم إلى الإسلام. وكان ذلك قبل النبوة والانبعاث. 
والمعجزة لا تسبق دعوى النبي)29. 

ويرى نفاة الكرامة أن في إثباتها إبطالا للمعجزة, ووجه الإبطال أن النبي 





."15 الإرشادء‎ )1١( 
الإرشا وال.‎ )( 
#0٠. الإرشاد‎ )14( 


- 57/5 


يتحدى بالمعجزة أهل الدعوة» فإذا جاز وقوعها من أحدهم انتفى التحدي 
وبالتالي تبطل المعجزة. 

ويعتير إمام الحرمين هذه الشبهة من باب التمويهء لأن المعجزة تتكرر 
وقوعا من نبي بعد نبي». فوقوعها من النبي اللاحق لا تبطل دعوى النبي 
السابق. ولا تبطل دعوى النبي المتأخر ايضا. 

أي إن إمام الحرمين يرى أن وقوع الكرامة من الولي كوقوعها متكررة 
من الأنبياءء فإذا جاز تكرار وقوعها من الأنبياءء جاز وقوعها من الأولياء. 
إذ هم ليسوا من المتنبئين ولا من المنحرفين ولا ممن يروم تكذيب الأنبياء 
ومن ثم لا يمتنع ظهور الخوارق على أيديهم ولا يكون في ذلك إبطال لدلالة 
المعجزة. يقول إمام الحرمين مصورا لشبههم: (فمما تمسك به نفاة الكرامة 
أن قالوا: لو جاز انخراق العادة من وجهء لجاز من كل وجهء ثم يجر مقاد 
ذلك إلى ظهور ماكان من معجزة النبي على يد ولي» وذلك يفضي إلى 
تكذيب البي المتحدي بآيته. القائل لمن تحداه: لا يأتي أحد بمثل ما أتيت 
به» فلو جاز إتيان الولي بمثله» لتضمن ذلك نسبة الأنبياء إلى الافتراء) . 

ثم أجاب إمام الحرمين عن هذه الشبهة بقوله: (وهذا تمويه لاتحصيل 
له. إذ لا خلاف في أن الشىء الواحد من خوارق العوائد يجوز أن يكون 
معجزة لنبي بعد نبي ثم لا يكون ظهوره ثانيا مكذبا لمن تحدى به أولا). 

فإن أجاب نفاة الكرامة عن ذلك بأن (النبي يقيد دعواه في خطاب من 
تحداه ويقول: لا يأتي أحد بمثل ذلك إلا من يدعى النبوة صادقا في دعواه) . 

فإن إمام الحرمين يرد عليهم بأنه (إن ساغ تقييد الدعوى با ذكرتمروه» 
فلا يمتنع أيضا أن يقول النبي لا يأتي بمثل ذلك متنبئْ ولا ممخرق مفتر 
ولا من يروم تكذيبي. وتخرج الكرامات عن هذه الجهات وليس تقيبد أولى 
من تقييد) 09 , 

وفي رأي المثبتين للكرامات ومنهم إمام الحرمين أن هناك فروقا واضحة 
بين الكرامة والمعجزة بحيث لا يؤدي وقوع الكرامة على أيدي الأولياء إلى 


(16) الإرشادء 818. 


هلاة - 





إيطال دلالة معجزات الأنبياء. 

وإذا كان إمام الحرمين لا يرتضي ما يقدمه بعض مثبتي الكرامات من 
الفروق بينها وبين. المعجزات ‏ تلك التي تجعل ظهور الكرامة غير مبطل 
لدلالة المعجزات ‏ إذا كان لايرتضى تلك الفروق بين الكرامة والمعجزة ف| 
الفرق الذي يراه صحيحا بينهها بحيث يقتضى عدم بطلان دلالة المعجزة 
بظهور الكرامة؟ . 

الواقع أن إمام الحرمين لا يرى في الكرامة ما يبطل دلالة المعجزة, 
فالمعجزة خارق يأتي على حسب دعوى النبوة» بخلاف الكرامة حيث لا تأتي 
مقترنة بمثل هذه الدعوى. ودلالة المعجزة في نظره ليس بمجرد كونها عملا 
خارقاء ولكن باقترانها بدعوى النبوة كتصديق عملي يقوم مقام التصديق 
القولي وليس كذلك شأن الكرامة حيث لا تظهر على يد صاحبها على هذا 
النحو الذي تظهر عليه المعجزات على أيدي الأنبياء. يقول إمام الحرمين 
(... وليس في وقوع الكرامة ما يقدح في المعجزة. فإن المعجزة لا تدل 
لعينباء وإنما تدل لتعلقها بدعوى النبي الرسالة ونزوها منزلة التصديق 
بالقول. والملك الذي يصدق مدعي الرسالة ب) يوافق وبا يطابق دعواه لا 
يمتنع أن يصدر منه مثله إكراما لبعض أوليائه , ولا يقدح مرام الإكرام في 
قصد التصديق إذا أراد التصديق ولاخفاء بذلك على من تأمل)29©. 
ه ‏ ظهور السحر لا يبطل دلالة المعجزة: 

وكا أنكر المعتزلة الكرامة ى) ذكرنا طردا لدلالة المعجزة على صدق النبي - 
لأن الدليل يستلزم المدلول. فمتى ماوجد الدليل وجد المدلول ‏ أنكروا أيضا 
السحر للسبب نفسه وهو طردٌ لدلالة المعجزة. إذ مفهوم المعجزة عند هؤلاء . 
الأمر الخارق للعادة فلا يمكن أن تخرق العادة لغير نبي من ولي أو ساحرء 
وإلا لما كان الخارق دليلا. 

فلهذه العلة أنكروا الكرامة والسحر. 


(15) الإرشاد 39". 


 عالك‎ - 


وإذا كان الإمام الغزالي© كذلك يطرد دلالة المعجزة مع وجود السحر 
على أساس أن الساحر لا يمكن أن يصدر منه مثل خوارق الأنبياء» فإن 
إمام الحرمين لم يسلك هذين المسلكين. فلم ينكر السحر كما فعل المعتزلة 
في طرد دلالة المعجزة. ولم يسلك مسلك الغزالي في التمييز بينه وبين 
المعجزة. فأما إثباته للسحر فقد أثبته بقوله: (فأما السحر فثابت ونحن نصفه 
أولا ثم ندل عقلا على جوازه ونتمسك بموارد السمع على وقوعه)2"©. 

ولكن هل يجيز أن يقع سحراً ما يقع معجزة؟ 

الظاهر أنه يجيز ذلك إذ يقول (... فلا يمتنع أن يترقى الساحر في 
الهواء» ويتحلق في جو السماء ويسترق ويتولج في الكواء والخوخات. إلى غير 
ذلك مما هو من قبيل مقدورات البشر. إذ الحركات في الجهات من قبيل 
مقدورات الخلق. ولا يمتنع عقلا أن يفعل الرب تعالى عند ارتياد الساحر 
ما يستأثر بالاقتدار عليه. فإن كل ماهو مقدور للعبد فهو واقع بقدرة الله 
تعالى عندنا. 

والدليل على جواز ذلك. كالدليل على جواز الكرامة. ووجه الميز هاهنا 
بين السحر والمعجزة كوجه الميز في الكرامة. فلا وجه إلى إعادته)29©. 

وقد سبق أن ذكرنا رأيه في وجه الفرق بين المعجزة والكرامة. فالمعجزة 
تفترق عن الأخيرة في أنها تقترن بدعوى النبوة الصادقة فهي نازلة منزلة 
التصديق بالقول في حين أن الولي لو ادعى النبوة لما وقع منه الخارق 
لاستحالة وقوعه. لأنه يستحيل تصديق الكاذب. 

ومثل هذا يقال في الفرق بين السحر والمعجزة. فالساحر لا تظهر منه 
الخوارق إذا ادعى النبوة لأنها ى) يرى لا تظهر على يد كاذب لأن ظهورها 
على يد الكاذب, كا مرّء تصديق له وتصديق الكاذب مستحيل في حق الله 
وإنما كان كذلك لأن تصديق الكاذب كذب. والكذب محال على الله. وبهذا 


.١7“ انظر الاقتصاد في الاعتقاد ص‎ )١7( 
.”51١ الإرشاد. ص‎ )18( 
الإرشاد, ص 2؟2؟".‎ )19) 


- /ا/1 - 











لا يطعن ظهور السحر في دلالة المعجزة على صدق النبي عند إمام الحرمين. 
ب - المعجزة هي الدليل الوحيد على صدق النبي عند إمام الحرمين: 

لا يعتبر إمام الحرمين المعجزة دليلا على صدق النبي فقط. بل ويعتيرها 
الدليل الوحيد على ذلك. ذلك أن الأمور العادية يتساوى الناس جميعا في 
وقوعها منهم. فلا تدل على الصدق في دعوى النبوة» ومن ثم تنحصر الدلالة 
في العمل الخارق المقترن بدعوى النبوة وهو المعجزة. وفي ذلك يقول: 
(فصل: لادليل على صدق النبى غير المعجزة: فإن قيل: هل في المقدور 
نصب دليل على صدق النبي غير المعجزة؟ قلنا ذلك غير ممكن. فإن ما 
يقدر دليلا على الصدق لا يخلو: إما أن يكون معتاداء وإما أن يكون خارقا 
للعادة. فإن كان معتاداء يستوي فيه البر والفاجر.ء فيستحيل كونه دليلاء 
وإن كان خارقا للعادة» يستحيل كونه دليلا دون أن يتعلق به دعوى النبي » 
إذ كل خارق للعادة يجوز تقدير وجوده ابتداء من فعل الله تعالى» فإذا لم 
يكن بد من تعلقه بالدعوى. فهو المعجزة بعينها)”©. 

ويأتي في الفصل الثاني تعقيبٌ على رأي إمام الحرمين ببيان أن هنالك 
طرقا أخرى لإثبات صدق النبي غير المعجزة. 
ج ‏ عدم استدلال إمام الحرمين بالمعجزة على غير صدق النبي من العقائد 
الأخرى : 

لا تجد إمام الحرمين يستدل بالمعجزة على إثبات شيء من العقائد سوى 
إثبات صدق النبى. ذلك أنه يرى أن من العقائد مالايثبت إلا عقلاء 
كإثبات وجوده تعالى وحياته وقدرته وإرادته وسمعه وبصره وكلامه. 

ومن العقائد مالايثبت إلا سمعا كإثبات أحوال يوم القيامة كالحشر والنشر 
والصراط والميزان والحوض ووجود الجحنة والنار. . الخ . 

ومن العقائد ما يثبت عقلا وسمعا كإثبات رؤية المؤمنين لربهم وتفرد 


(50) الإرشاد انا" 


-8لائ - 


الباري تعالى بالخلق©. 

أما صدق النبى فمدركه المعجزة فقط. 

وسوف نقوم في الفصل التالي بنقد هذا الموقف من إمام الحرمين ببيان 
أن علماء السلف كانوا يثبتون بالمعجزة عقائد أخرى مع إثباتهم صدق النبي 
بها . 


)7١(‏ انظر ص /ام من البحث. 


4ة/!؛؟ - 


الفصل الثاني 


نقد منهج إمام الحرمين في استدلاله بالمعجزة وحدها على صدق 
النبى دون غيره من العقائد 

١‏ - نقد منهج إمام الحرمين بالاستدلال بالمعجزة على صدق النبي: 

تقدم لنا في الفصل السابق أن إمام الحرمين يتخذ من المعجزة دليلا على 
صدق النبي في دعواه النبوة. وبيانا لرأيه في دلالة المعجزة على صدق النبي 
ذكرنا عنه شروط صحة تلك الدلالة ‏ كما يراها هو من ضرورة أن تكون 
فعلا لله تعالى وأن تكون خارقة للعادة» وأن تتعلق بتصديق دعوى من 
ظهرت على يديه. بأن تكون مقترنة بتحدي النبي بها وأن لاتتقدم على دعواه 
النبوة وأن لا تظهر مكذبة له. 

والشروط التي يقدمها إمام الحرمين هنا تكاد تكون نفس الشروط التي 
يذكرها غيره من المتكلمين لتحقق المعجزة صحة دلالتها على صدق النبى . 
لكننا نجد شيخ الإسلام ابن تيمية ينقد المتكلمين ومنهم إمام الحرمين ‏ في 
بعض ما يذكرونه ‏ لتحقيق المعجزة وصحة دلالتها - من شروط وحكم تلك 
الدلالة. فمع أن شيخ الإسلام يرى ما يراه المتكلمون - ومنهم إمام الحرمين ‏ 
من أن المعجزة طريق صحيح لإثبات صدق النبي في دعواه النبوة حيث يقول 
(ولا ريب أن المعجزات دليل صحيح لتقرير نبوة الأنبياء)9"©. 

ومع أنه قد يجري على قلمه تسمية دليل النبي على صدقه باسم المعجزة 
على نحو ما يعبر عنه المتكلمون., إلا أنه قد بين أن القران سمه آية ‏ وبرهانا 
وم يسمه معجزة يقول شيخ الإسلام: (وهذا لم يسمها «أي المعجزات» الله 


(9؟) شرح العقيدة الاصفهانية ص 84. 


- 548١ - 


في كتابه إلا آيات وبراهين فإن ذلك اسم يدل على مقصودها ويختص بها 
لا يقع على غيرها لم يسمها معجزة ولاخرق عادة وإن كان ذلك من بعض 
صفاتهاء فهى لا تكون أآية وبرهاناء حتى تكون قد خرقت العادة وعجز 
الناس عن الإتيان بمثلها)”©. 

ويقول أيضا: (فالآيات التى تكون آيات للانبياء هي دليل وبرهان والله 
تعالى سماها برهانا في قوله الموسى «فذانك بُرْمَئان من رَبك 9" . 

وهما العصا واليدء وساها برهانا وآيات في مواضع كثيرة من القرآن)*"©. 

وإذا كان إمام الحرمين يشترط لتحقيق المعجزة وصحة دلالتها على نبوة 
النبي أن تكون خارقة للعادة, فإن شيخ الإسلام يوافق على ذلك يقول شيخ 
الإسلام : (جنس آيات الأنبياء خارجة عن مقدور البشر بل وعن مقدور 
جنس الحيوان)9". ويقول أيضا: (فأية النبى لابد أن تكون خارقة للعادة, 
بمعنى أنها ليست معتادة للآدميين وذلك لأنها حيئذ لا تكون مختصة بالنبي 
بل مشتركة)7"). 

ونلاحظ هنا أن شيخ الإسلام لا يعتبر في نحقيق شرط خرق العادة مجرد 
عادة المدعوين فقط. بل عادة غيرهم من جميع المخلوقات الإإنس والجن وفي 
ذلك يقول: (إِنَّ ماتاتي به السحرة والكهان والمشركون وأهل البدع من أهل 
الملل لا يخرج عن كونه مقدورا للإانس والجن. وآيات الأنبياء لايقدر على 
مثلها لا الإنس ولا الجن كما قال تعالى: هل لين اجْتَمَعَتِ الإنس وَآبِنُ 
عَلَ أن يوا بمثل هَذًَا آلْقُرْءَانَ لآ يَأنُونَ بمثله وَلَوْ كَانَ بَعْضْهُمْ لبَعْضٍ 
ظهيرا 00000 . 

إذا كان شيخ الإسلام يوافق المتكلمين على اشتراط كون المعجزة خارقة 





(350) النبوات ص ."3١‏ 
(4؟7) سورة القصص آية ؟". 
(6؟) النبوات.» ص 7817 . 
25١‏ النبوات» ص 69. 

27 النبوات» ص 0 
(8؟) سورة الإسراء آية 34 
(58) النبوات.» ص 458. 


-581- 


للعادة. فإنه مع ذلك لا يعتبر محرد خرق العادة هو مناط الإعجاز ومناط 
صحة الدلالة على صدق النبي لأن ذلك لا ضابط له. 

يقول شيخ الإسلام: (فلهذا لم يكن في كلام الله ورسوله وسلف الأمة 
وأئمتها وصف أيات الأنبياء بمجرد كونها خارقة للعادة. ولا يجوز أن يجعل 
محرد خرق العادة هو الدليل. فإن هذا لا ضابط له وهو مشترك بين الأنبياء 
وغيرهم. ولكن إذا قيل من شرطها أن تكون خارقة للعادة بمعنى أنها لا 
تكون معتادة للناس فهذا ظاهر يعرفه كل أحدء ويعرفون أن الأمر المعتاد 
مثل الأكل والشرب والركوب والسفر وطلوع الشمس شد ضِ المطر 
في وقتهء وظهور الثمرة في وقتها ليس دليلاء ولا يدعي أحد أن مثل هذا 
دليل له فإن فساد هذا ظاهر لكل أحد)””©. 

وقد بين لنا إمام الحرمين علة اشتراطه أن تكون المعجزة خارقة للعادة. 
ذلك أن العمل المعتاد لا يصح دليلا لأنه مشترك بين جميع الناس وحتى 
لا يشتبه النبي بالمتنبي. فالتمييز بينها علة في هذا الشرط وهذا صواب منه. 
ولكن وجه الخطأ عند إمام الحرمين هو تسويته بين معجزات الأنبياء وخوارق 
السحرة في درجة خرق العادة. فا يكون معجزة لنبي يجوز عنده أن يكون 
خارقا لساحرء ويرجع خطأ إمام الحرمين إلى هذه التسوية بين معجزات 
الأنبياء وخوارق السحرة؛. فهذا معلوم فساده بالضرورة. يقول شيخ 
الإسلام: (كون آيات الأنبياء مساوية في الحد والحقيقة سحر السحرة أمر 
معلوم الفساد بالاضطرار من دين الرسل., الثاني أن هذا من أعظم القدح 
في الأنبياء إذا كانت آياتهم من جنس سحر السحرة وكهانة الكهان)0©. 

ومن ثم فخوارق السحرة والكهان لا تشتبه بمعجزات الأنبياء ولا تطعن 
ف نبوتهم . . ولقد بين شيخ 3 الفوارق بين خوارق الأنبياء واياتهم وما 
يظهر من السحرة والكهان فقال: (... فإنها «أي خوارق السحرة» إنها تدل 
على أن صاحبها بزثر آثارا غرية ما هو نساد في العام ٠»‏ ويسر با يفعله 


(0) النبوات. ص >؟؟ - 737#, 
(9”) التبوات. ص 48. 


- 58 - 








من الشرك والكذب والظلم» ويستعين على ذلك بالشياطين. فمقصوده الظلم 
والفساد. والنبي مقصوده العدل والصلاح وهذا يستعين بالشياطين وهذا 
بالملائكة» وهذا يأمر بالتوحيد وعبادته وحده لا شريك له. وهذا إنما يستعين 
بالشرك وعبادة غير اللهء» وهذا يعظم إبليس وجنوده» وهذا يذم إبليس 
وجنوده)22 . 

ثم قال: (فلابد في ايات الأنبياء من أن تكون» مع كونها خارقة للعادة, 
أمرا غير معتاد لغير الأنبياء بحيث لا يقدر عليه إلا الله الذي أرسل الأنبياء 
ليس مما يقدر عليه غير الأنبياء» لا بحيلة ولا عزيمة ولا استعانة بشياطين 
ولا غير ذلك)9©. 

ومعنى ذلك أن خوارق السحرة كسبية يمكن تعلمها. يقول شيخ 
الاسلام (إن الكهانة والسحر يناله الإنسان بتعلمه وسعيه واكتسابهء وهذا 
مجرب عند الناس بخلاف النبوة فإنه لا ينالها أحد باكتسابه)9”©, 

هكذا يفرق علاء السلف بين ايات الأنبياء وخوارق السحرة. وهي تفرقة 
ترجع إلى طبيعة كل منهم|. أما إمام الحرمين فإنه جعل الفارق بينهها هو 
اقتران المعجزة بالدعوى. فالساحر - عنده - يقع منه الخارق إذا , يدع 
النبوة» أما متى ادعى النبوة فلن يقع منه الخارق. وهو بهذا يجعل الدعوى 
الي ينبغي أن يستدل عليها جزءا أو ركنا من الدليل فكيف يستدل على 
الثيء بالثيء نفسه. يقول شيخ الإسلام: (ودعوى النبوة هو الذي تقام 
عليه البينة. والذي تقام عليه الحجة ليس هو جزءا من الحجة) 2" . 

ويقول أيضا: (ومعلوم أن ماليس بدليل لا يصير دليلا بدعوى المستدل 
أنه دليل)9” , 

ومما يبين أن دعوى المتكلمين ‏ أن الساحر إذا ادعى النبوة لم تخرق له 


(7*) النبوات.» ص 4”". 
(*”) النبوات. ص ه". 
(5*) النبوات. ص 2١88‏ 
جه النبوات.» ص ١0/48‏ . 
(5*”) النبوات. ص 86٠‏ ١8ه.‏ 


-484- 


عادة باطلة ‏ وقوعٌ الخوارق ممن ادعى النبوة وهو كاذب كما ذكر شيخ 
الإسلام قائلا: (... وهذا يظهر بالوجه السادس وهو أن من الناس من 
ادعى النبوة» وكان كاذبا وظهرت على يده بعض الخوارق فلم يمنع منها 
ولم يعارضه أحد. بل عرف أن هذا الذي أتى به ليس من ايات الأنبياء 
وعرف كذبه بطرق متعددة كى) في قصة الأسود العنسى ومسيلمة الكذاب 
والحارث الدمشقي وبابا الرومي وغير هؤلاء تمن ادعى النبوة فقولهم: إن 
الكذاب لا يأتي بمثل هذا الجنس ليس كما ادعوه)7©. 

وثمة نقد آخر يوجه إلى إمام الحرمين في اشتراطه كون المعجزة خارقة 
للعادة. حيث جمع بين هذا الشرط وجواز أن يستدل النبي على نبوته بفعل 
معتاد يتحدى قومه أن يفعلوا مثله فيمتنع عليهم ذلك. فكأن مدار الدلالة 
في مثل هذه الصورة هى السلامة من المعارضة لهذا العمل المعتاد. فإذا كان 
الأمر كذلك فها وجه اشتراط كون المعجزة خارقة للعادة, وقد استشعر إمام 
الحرمين وقوع التناقض في موقفه من شرط خرق العادة فأجاب عن ذلك 
بأن المنع من العمل المعتاد مع محاولة من أقوام كثيرين أمر خارق للعادة 
حيث يقول: (القعود المستمر مع محاولة القيام من أقوام يعدون كثرة خارق 
للعادة. . .)8©, 

ويقول في النظامية: (المعجزة تنقسم قسمين: 

أحدهما: مايكون فعلا بديعا خارقا للعادة. 

الثاني: يكون منعا من المعتاد. . .)*5©. 

وهذا يعني أن وجه دلالة المعجزة عنده يرجع إلى منع الناس من المعارضة 
بمثل فعل النبي بغض النظر عن كون هذا الفعل الذي تحدى به الناس 
خارقا في نفسه أو ليس بخارق. 

وههذا فإن مذهب إمام الحرمين الأخير في إعجاز القرآن أنه معجز 


(0:”) النبوات.» ص ١ه.‏ 
إليسية الإرشاد, ص 09“ ما أثبتناه هو الذي ثراه صوابا بحذف ١لا‏ في قوله ١لا‏ يعدون). 
(9”) العقيدة النظامية. ص 55. 


- 5:86 - 





بالصرفة. أي إن الله منع الناس من الإتيان بمثله. لا أن القرآن معجز 
بنفسه ى]| هو مذهب الجمهور ومذهبه قبل ذلك في الإرشاد2؟». 

يقول إمام الحرمين بعد أن ذكر أن الله تحدى الخلق قاطبة أن يأتوا بمثل 
هذا القرآن ولم يأتوا بمثله (... فتبين قطعا أن الخلق ممنوعون عن مثل 
ماهو من مقدورهم وذلك أبلغ عندنا من خرق العوائد بالأفعال البديعة في 
أنفسها. . .)42), 

فإذا كانت العبرة بالسلامة من المعارضة فلا معنى إذن لاشتراط أن تكون 
المعجزة خارقة للعادة. إذ يكفى اشتراط السلامة من المعارضة. 

ولقد أشار شيخ الإسلام إلى هذا الاضطراب لدى المتكلمين فقال: 
(. . حقيقة الأمر على قول هؤلاء الذي جعلوا المعجزة الخارق مع التحدي. أن 
المعجز في الحقيقة ليس إلا منع الناس من المعارضة بالمثل. سواء كان المعجز 
في نفسه خارقا أو غير خارق. وكثير مما يأتي به الساحر والكاهن أمرمعتاد 
لهم. وهم يجوزون أن يكون أية للنبي» وإذا كان أية منع الله الساحر 
والكاهن من مثل ماكان يفعل أو قيض له من يعارضهء وقالوا هذا أبلغ , 
فإنه منع المعتاد وكذلك عندهم أحد نوعي المعجزات منعهم من الأفعال 
المعتادة وهو مأخذ من يقول بالصرفة. وإذا كان كذلك جاز أن يكون كل 
أمر كالأكل والشرب والقيام والقعود معجزة. إذا منعهم أن يفعلوا كفعله 
وحينئذ فلا معنى لكونها خارقا ولا لاختصاص الرب بالقدرة عليهاء بل 
الاعتبار بمجرد عدم المعارضة وهم يقرون بخلاف ذلك...)9). 

ومبذا نرى شيخ الإسلام جمع في المعجزة بين الشرطين شرط خرق العادة 
وشرط السلامة من المعارضة. فلا يكفي عنده مجرد سلامة فعل النبي من 
المعارضة أيا كان ذلك الفعل. بل لابد وأن يكون ذلك الفعل ‏ مع سلامته 
من المعارضة ‏ خارقا للعادة في نفسه. ولهذا كان القران عنده معجزا في نفسه . 


(40) انظر الإرشاد. ص 4"9. 
(41) النظامية. ص 94. 
(57) النبوات. ص 5ه6. 


كمع - 


مع سلامته من التحدي خلافا للقائلين بالصرفة9». 

يقول شيخ الإسلام: (أيات الأنبياء لا تكون إلا خارقة للعادة» ولا تكون 
مما يقدر أحد على معارضتهاء فاختصاصها بالنبي وسلامتها عن المعارضة 
شرط فيها بل وني كل دليل)9». 

ويقول أيضا: (ولهذا يجب في آيات الأنبياء أن لا يعارضها من ليس 
بنبي » فكل ماعارضها صادرا ممن ليس من جنس الأنبياء فليس من أياتهم . 
ولهذا طلب فرعون أن يعارض ماجاء به موسى لا ادعى أنه ساحر فجمع 
السحرة ليفعلوا مثل ما يفعل موسى» فلا تبقى حجته مختصة بالنبوة» وأمرهم 
موسى أن يأتوا أولا بخوارقهم. فلا أتت وابتلعتها العصا التي صارت حية 
علم السحرة أن لهذا اليس سِ جنس مقدورهمٍ فآمنوا إعانا جازماء ور قال 
ع فرعون : ولاصَلَبدكُمْ ف جُذوع آلنخل وَلتعْلْمُنَ 59 أشَدُ عَذَّانًا وَأَبْقَى 
قَانُواْ أن ويرك عَلْ مَاجَاءنَا من بيت وَنْذِي قَطَرَناه*». 

وقالوا: طءَامَنَا برب الْعْلَمِينَ رَبّ مُوسَئ وَهَْرُونَ04». فكان من تمام 
علمهم بالسحر أن السحر معتاد لأمثالهم وأن هذا ليس من هذا الجنسء 
بل هذا مختص بمثل هذا فدل على صدق دعواه)9). 

ويقول أيضا: (ومن خصائص معجزات الأنبياء أنه لا يمكن معارضتهاء 
فإذا عجز النوع البشري غير الأنبياء عن معارضتها. كان ذلك أعظم دليل 
على اختصاصها بالأنبياء. بخلاف ما كان موجودا لغيرها فهذا لا يكون أية 
البتة)48) , 

وفيا يتعلق با يشترطه إمام الحرمين في صحة المعجزة من اشتراط استدلال 
النبي بهاء وكذلك تحديه لقومه أن يأتوا بمثلها ‏ فيما يتعلق با يراه إمام 
الحرمين من ذلك كله نرى شيخ الإسلام لا يشترط في آيات الأنبياء أن 
(55) انظر شرح العقيدة الاصفهانية ص ١١7‏ . 
(45) النبوات ص .١66‏ 
(4؛) سورة طه آية الا ل 95. 
(47) سورة الأعراف آية .١٠١‏ 


47) التبوات ص ١؟.‏ 
(548) النبوات ص ©8". 


- لامع - 


يستدل النبي بها أو أن يتحدى بها قومه. فا وقع للنبي كل من خوارق 
كتكثير الطعام ونبع الماء وغير ذلك يعتبر من الآيات مع أنه لم يستدل بها 
ولم يتحد بها قومه. وكذلك إلقاء الخليل في النار أية على نبوته مع خلوه 
من التحدي والاستدلال. يقول شيخ الإسلام (ان آيات الأنبياء ليس من 
شرطها استدلال النبي بها ولا تحديه بالإتيان بمثلهاء بل هي دليل على نبوته 
وإن خلت عن هذين القيدين وهذا كإخبار من تقدم بنبوة محمد يل فإنه 
دليل على صدقه. وإن كان هولم يعلم با أخبروا به. ولا يستدل به. وأيضا 
فا كان يظهره الله على يديه من الآيات مثل تكثير الطعام القليل حتى كفى 
أضعاف أضعاف من كان محتاجا إليه وغير ذلك كله من دلائل النبوة. ولم 
يكن يظهرها للاستدلال بها ولا يتحدى بمثلها بل لحاجة المسلمين إليهاء 
وكذلك إلقاء الخليل في النار إنما كان بعد نبوته ودعائه هم إلى التوحيد)9؟). 

ومع أن إمام الحرمين يشترط في المعجزة أن يستدل بها النبي وأن يتحدى 
مها قومه. فهو في نفس الوقت يعتبر ماحدث على يد النبي كَل بين جماعة 
المؤمنين من نبع الماء من أصابعه وتكثير الطعام وتسبيح الحصى . . . الخ 
- يعتبر ذلك من معجزاته كما نص على ذلك في الإرشاد قائلا: 
(للرسول يَِةِ أيات لا تحصى سوى القرآن كانشقاق القمر وإنطاق العجمي 
ونبع الماء من خلل الأصابع وتسبيح الحصى وتكثير الطعام القليل. والمرضي 
عندناء أن احاد هذه المعجزات لا تثبت تواتراء ولكن مجموعها يفيد العلم 
قطعا لاختصاصه بخوارق العادات. . .)60©. 

مع أن هذه الآيات لم يستدل بها النبي ولم يتحد بها أحدا فلا وجه إذن 
لاشتراط إمام الحرمين لحذين الشرطين في حقيقة المعجزة. 

يقول شيخ الإسلام: (وبما يلزم أولئك «يعني المتكلمين في اشتراط 
التحدي» أن ما كان يظهر على يد النبي كَِةِ في كل وقت من الأوقات ليس 
دليلا على نبوته لأنه لم يكن كلما ظهر شيء من ذلك احتج به. وتحدى الناس 


(59) النبوات ص .١65‏ 
220 الإرشاد. ص 4ؤه". 


- 5:88- 


بالإتيان بمثله. بل لم ينقل عنه التحدي إلا في القران خاصة ولا نقل 
التحدي عن غيره من الأنبياء مثل موسى والمسيح وصالح. ولكن السحرة 
لا عارضوا موسى أبطل معارضتهم . 

وهذا الذي قالوه يوجب ألا تكون كرامات الأولياء من حملة المعجزات». 
وقد ذكر غير واحد من العلماء أن كرامات الأولياء معجزات لنبيهم وهي من 
أيات نبوته وهذا هو الصواب كقصة أبي مسلم الخولاني وغيره. . .)2 . 

وفيها يتعلق بدلالة المعجزة فإن إمام الحرمين كما سبق لا يرى أن دلالة 
المعجزة دلالة عقلية» ذلك أن الدليل العقلى يتعلق بمدلوله بعينه ولا يقدر 
في العقل وقوعه غير دال» والمعجزة عنده ليست كذلكء إذ لو انقلبت العصا 
مثلا حية بديا من فعل الله عز وجل من غير دعوى نبي لما دلت على صدق 

والواقع أن المعجزة تتعلق بمدلولها وهي صدق من ظهرت على يديه. ولا 
يقدر في العقل وقوعها غير دالة على صدق مدعي النبوة» وأما ماذكره من 
جواز انقلاب العصا حية بديا من فعل الله دون أن تدل على صدق مدع, 
فإنها لا تعد في هذه الحالة على مذهب إمام الحرمين نفسه ‏ معجزة. فليس 
كل خارق معجزة. بل ها شروط متى توافرت دلت دلالة ضرورية - كما قرر 
هو ذلك على صدق من ظهرت عليه. 

فالارتباط بين المعجزة كدليل وصدق دعوى من ظهرت على يده وهو 
المدلول عليه ارتباط ضروري لا يقبل الانفكاك. وهذا يدل على أن دلالة 
المعجزة دلالة عقلية وهذا هو رأي علاء السلف. 

يقول شيخ الإسلام: (لابد أن تكون الآية التي للنبي أمرا مختصا 
بالأنبياء.ء فإن الدليل مستلزم للمدلول عليه. فاية النبي هي دليل صدقه 
وعلامة صدقه وبرهان صدقه. فلا توجد قط إلا مستلزمة لصدقه)9©. 

ويقول ابن القيم: (وارتباط أدلة هذا الطريق «المعجزة) بمدلولاتها أقوى 


.١98 - 1١الا/ النبوات ص‎ )8١( 
.١67« (؟8) النبوات ص‎ 


-4884- 


من ارتباط الأدلة العقلية الصريحة بمدلولاتها..)9©. 

وإذا كان إمام الحرمين لا يعتبر دلالة المعجزة دلالة عقلية» فهو كا قلنا 
سابقا ‏ يعتبرها نازلة منزلة التصديق بالقولء والظاهر من هذاء كا قررناء 
أنه يرى أن دلالتها على صدق النبى دلالة وضعية كدلالة الألفاظ. 

وبما يجدر ذكره أن شيخ الإسلام ابن تيمية أسند إلى المتكلمين بصفة 
عامة قوهم بوضعية دلالة المعجزة حيث قال: (... وهذا ١‏ يجعلوا دلالة 
المعجزة دلالة عقلية بل دلالة وضعية كدلالة الألفاظ بالاصطلاح. .)9©. 

وقد انتقد شيخ الإسلام هذا الاتجاه فقال لمن يقول من المتكلمين بأن 
دلالة المعجزة دلالة وضعية: (فيقال لهم هذه الأمور كلها إنما تدل إذا تقدم 
علم المدلول بهاء أن الدال جعلها علامة ىا يوكل الرجل وكيلا ويجعل بينه 
وبينه علامة. إما وضع يده على ترقوته. وإما وضع خنصره وإما وضع يده 
على رأسه فمن جاء ببذه العلامة علم أن موكله أرسلهء فأما إذا لم يتقدم 
ذلك لم تكن دلالة جعلية وضعية اصطلاحية. وايات الأنبياء لم تتقدم قبلها 
من الرب مواضعة بينه وبين العباد. ..)9©. 

وإذا كان القول الصحيح في دلالة المعجزة هو ما يراه علماء السلف - 
أنها دلالة عقلية فهل هي مع ذلك ضرورية أم نظرية؟ . 

يذهب إمام الحرمين ‏ كما قدمنا ‏ إلى أن دلالة المعجزة على النبوة دلالة 
ضروريةء وبعض التكلمين يرى كما حكاه ابن تيمية أنها نظرية ف)| هو 
الصواب في ذلك. 

يرى شيخ الإسلام أن كلا القولين صحيح . لأن الأمر في إدراك دلالة 
الأدلة نسبي يختلف باختلاف مدارك الناس فالدلالة قد تكون ضرورية لقوم 
نظرية لآخرين. يقول شيخ الإسلام: (قد تقدم أن للناس في وجه دلالة 
المعجزات, وهي آيات الأنبياء على نبوتهم. طرقا متعددة» منهم من قال دلالتها 


26 ختصر الصواعق .2 ص .1١198©‏ 
)25 البوات ص 44. 
(6ه) البوات ص .١94‏ 


590 


على التصديق تعلم بالضرورة» ومنبم من قال تعلم بالنظر والاستدلال وكلا 
القولين صحيح . .). 

ويقول أيضا: (وكذلك كثير من الأدلة والعلامات والآيات من الناس من 
يعرف استلزامها للوازمها بالضرورة؛ ويكون اللزوم عنده بينا لا يحتاج فيه 
إلى وسط ودليل ومنهم من يفتقر إلى دليل ووسط. .)2©. 


" - المعجزة ليست الدليل الوحيد على صدق النبي : 


يرى إمام الحرمين ‏ كما ذكرنا سابقا ‏ أن المعجزة هي الدليل الوحيد 
على صدق النبي وليس بالإمكان إقامة دليل على صدق النبي غيرها. 

والصحيح أن المعجزة من الأدلة على صدق النبي ولكنها ليست الدليل 
الوحيد على ذلك. والجويني في دعواه عدم إمكان إقامة دليل غيرها على 
صدق النبي قد جانب الصواب. 

فا قوله إذا أخبر نبي وقال فلان نبي بعدي أو معي ألا تثبت ببذه البشارة 
نبوة» إن قال لاتثبت فقد عرض كلام النبي للكذب أو لاحتتال. الخطأء 
وهذا كله مناف للعصمة وهو باطل. فا أدى إليه فهو باطل. 

وإن قال تثبت فقد أقر أنه بالإمكان إقامة دليل على نبوة نبى من غير 
احتياج للمعجزة. ْ 

ولقد بين شيخ الإسلام خطأ المتكلمين الذين يجعلون المعجزة هي الدليل 
الوحيد على صدق النبوة وما يترتب على ذلك من أمور باطلة حيث قال: 
(ولا ريب أن المعجزات دليل صحيح لتقرير نبوة الأنبياء» لكن كثيرمن هؤلاء 
«يعني المتكلمين» بل كل من بنى إيانه عليها يظن أن لا تعرف نبوة الأنبياء 
إلا بالمعجزات . . . ومنبم من مجعل المعجزة دليلا ويجعل أدلة أخرى غير 
المعجزة» وهذا أصح الطرق ومن لم يجعل طريقها إلا المعجزة اضطر لمهذه 
الأمور التي فيها تكذيب لحق أو تصديق لباطل, ولهذا كان السلف والأئمة 





(65) النبوات ص 7”"8. 


-5491١- 





يذمون الكلام المبتدع فإن أصحابه يخطئون. ..)5. 

وفي رأي شيخ الإسلام أن معرفة صدق النبي بغير المعجزة أمر ممكن. 
إذ التمييز بين الصادق والكاذب له طرق كثيرة» ليست محصورة في طريق واحد 
وفي هذا يقول (.. فإن معرفتها «أي النبوة» بغير المعجزات ممكنة. فإن 
المقصود إن)| هو معرفة صدق مدعي النبوة أو كذبه. فإنه إذا قال إني رسول 
الله» فهذا الكلام إما أن يكون صدقا وإما أن يكون كذبا... فإذا كان 
مدعي الرسالة لم يكن صادقا فلابد أن يكون كاذبا عمدا أو إضلالاء 
فالتمييز بين الصادق والكاذب له طرق كثيرة فيها هو دون دعوى النبوة فكيف 
بدعوى النبوة. . 

وما من أحد ادعى النبوة من الكذابين إلا وقد ظهر عليه من الجهل 
والكذب والفجور واستحواذ الشياطين عليه ماظهر لمن له أدنى تمييز. وما 
من أحد ادعى النبوة من الصادقين إلا وقد ظهر عليه من العلم والصدق 
والبر وأنواع الخيرات ماظهر لمن له أدنى تمييز فإن الرسول لابد أن يخبر 
الناس بأمور ويأمرهم بأمور ولابد أن يفعل أمورا)8». 

وكما أن التمييز بين الصادق والكاذب من المدعين للصناعات سهل 
وميسورء فكذلك الحال في الأمور الدينية» وني هذا المعنى يقول: (والناس 
يميزون بين الصادق والكاذب بأنواع من الأدلة حتى في المدعين للصناعات 
والمقالات كالفلاحة والنساجة والكتابة وعلم النحو والطب والفقه وغير ذلك, 
فها من أحد يدعي العلم بصناعة أو مقالة إلا والتفريق في ذلك بين الصادق 
والكاذب له وجوه كثيرة. وكذلك من أظهر قصدا عملا كمن يظهر الديانة 
والأمانة والنصحية والمحبة وأمثال ذلك من الأخلاق. فإنه لابد أن يتبين 
صدقه وكذبه من وجوه متعددة)*0). 

فمعرفة النبي من المتنبىء سهلة ويسيرة» فالنبوة موجودة منذ وجد الإنسان 


(ه) شرح العقيدة الأصفهانية ص 84. 
(00) شرح العقيدة الأصفهانية ص 84. 
(69) شرح العقيدة الأصفهانية ص .4١‏ 


-5:9537- 


على وجه الأرض فالأصل في البشرية معرفة النبوة لا الجهل بهاء فيعرف 
الناس دعوة الأنبياء وأخلاق الأنبياء وصفات الأنبياء بالتوارث. فالنبي الأول 
هو الإنسان الأول وهو آدم عليه السلام. وفي هذا المعنى يقول شيخ 
الإسلام : (والنبوة مشتملة على علوم وأعمال لابد أن يتصف الرسول بها وهي 
أشرف العلوم وأشرف الأعمال. فكيف يشتبه الصادق فيها بالكاذب ولا يتبين 
صدق الصادق وكذب الكاذب من وجوه كثيرة» ولا سيما والعالم لا يخلو من 
اثار نبي من لدن ادم إلى زمنناء وقد علم جنس ماجاءت به الانبياء 
والمرسلون وماكانوا يدعون إليه ويأمرون به. ولم تزل آثار المرسلين في الأرض» 
لم يزل عند الناس من آثار الرسل ما يعرفون به جنس ماجاءت به الرسل 
ويفرقون بين الرسل وغير الرسل)0©. 

فالناس تعرف كذب الانسان عندما يدعى النبوة ويأمر بأمور باطلة 
منكرة» كالشرك وعبادة الأوثان والظلم والكذب والغبي عن عبادة الله والإييان 
باليوم الآخر فمثل هذا لا يشك فيه كذبه9". 

ثم ضرب مثالا بالدجال قائلا: (وهذا لما كان الدجال يدعي الإلهية لم 
يكن ما يأتي به دالا على صدقه للعلم بأن دعواه ممتنعة في نفسها وأنه 
كذاب)0"9), 

ولقد أوضح شيخ الإسلام ‏ بناء على ذلك كيف عرفت خديجة 
صدقه ويه حيث قالت له عندما جاء إليها يرتجف بعد نزول الملك عليه 
لأول مرة (كلا والله لا يخزيك الله إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث 
وتحمل الكل وتقري الضيف وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق)9©. 
فبينت خديجة بهذا الكلام ما ينفي عنه السوء (وهو ماكان محبولا عليه من 





(50) شرح العقيدة الأصفهانية ص .9١‏ 

.9١ انظر شرح العقيدة الأصفهانية ص‎ )5١( 

(؟5) انظر شرح العقيدة الأصفهانية ص .9١‏ 

35 هذه قطعة من حديث فقد روى مسلم في صحيحه باب بدء الوحي (قالت خديجة : كلا أبشر 
فوالله لا يخزيك الله أبدا والله إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وحمل الكل وتكسب المعدوم 
وتقرى الضيف وتعين على نوائب الحق). صحيح مسلم بشرح النووي ج ١‏ ص .7٠١‏ 


- 5:35" 


مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم. . . وقد علم من سنة الله أن من جبله الله 
على الأخلاق المحمودة ونزهه عن الأخلاق المأمومة فإنه لا 00 

وبعبارة أخرى يرى شيخ الإسلام أن هناك مسلكين لمعرفة النبوة: المسلك 
الأول النوعي ويعني به موافقة ماجاء به النبي من الحدى لما جاء به الأنبياء 
السابقون لوحدة النوع بينبا. وهو مما استدل به النجاشى على نبوته كَل عندما 
استخبيهم عا يخبر به فقرؤوا القرآن قال: (إن هذا والذي جاء به موسى 
ليخرج من مشكاة واحدة)*"©. 

ويهذا المسلك عرف ورقة بن نوفل صدق النبي يَكةِ وكان ورقة نصرانيا 
فعندما أخبره النبي له بخيره قال: (هذا هو الناموس الذي كان يأتي موسى 
وإن قومك سيخرجونك» فقال النبي كَلهِ أو محرجيّ هم؟ فقال نعم. لم يأت 
أحد بمثل ما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا. 
ثم لم يلبث ورقة أن تُوَفي)3. 

والمسلك الثاني: الشخصى ويعني به ما يحيط بشخص النبي كَلهِ من 
القرائن الدالة على صدقه. وهو ما استدل به هرقل ملك الروم من خلال 
ما أجابه به أبوسفيان» عندما سأله عن أحوال النبي كله أثناء وجوده في 
بلاد الشام قبل أن يسلم. فقد علم من أبي سفيان أن النبي كه كان صادقا 
لا يتهم بكذب وكان لا يغدر, وأنه ذو نسب ولم د يسبق أن ادعى أحد منهم 
النبوة قبله وأن النبي كل لم يكن من سلالة الملوك وأن أتباعه من الضعفاء 
وأنهم يزيدون ولا ينقصون بالارتداد عن الدين» وأن ا حرب بيئه وبينهم 
سجال وعرف طبيعة دعوته» وأنه يدعو إلى عبادة الله وحده وعدم الإشراك 
بالله وإلى إقامة الصلاة والصدق والعفاف والصلة. 


5 شرح العقيدة الأصفهانية ص 57. 

(69) شرح العقيدة الأصفهانية ص "87. 

(ككلم هذه قطعة من الحديث السابق وفيه كا ف صحيح مسلم: (فقال له ورقة هذا الناموس الذي 
أنزل على موسى عليه السلام ياليتني فيها جذ جذع ياليني أكون حيا حين يخرجك قومك فقال رسولٌ 
الله يه : أومخرجي هم؟ قال ورقة نعم : يأت رجل قط با جئت به إلا عودي وإن يدركني 
يومك أنصرك نصرا مؤزرا). صحيح مسلم بشرح النووي ج"7 ص 7١‏ 704. شرح العقيدة 
الأصفهانية ص "97. 


-49554- 


فاستنتج هرقل من هذا أن النبي صادق في دعوته. لأن الرسل تبعث 
في أشرف أنساب قومها ولأنه لم يسبق بهذه الدعوة فانتفى بذلك احتمال أن 
يكون بدعواه يتأسى بقول قيل قبله. وأمر آخر فليس من ابائه ملك. فبطل 
احتمال أن يكون بدعواه إنما يطلب جد أبائه. ثم إنه كان صادقا لا يكذب 
ف) كان ليكذب على الله ويدع الكذب على الناس. ولأن أتباعه الضعفاء 
يزيدون ولا ينقصون وهكذا أتباع الأنبياء ضعفاء ولا يتركون الإيمان إذ دخل 
قلوهم . 

كا أنه لايغدر والأنبياء أوفياء لا يغدرون. ثم إن دعوته هي دعوة الأنبياء 
السابقين التوحيد والصلاة والصدق والعفاف. ثم قال هرقل: (فإن كان ما 
تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين. وقد كنت أعلم أنه خارج ولم أكن 
أظن أنه منكم فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه ولو كنت عنده 
لغسلت عن قدمه)9©, 

وقد اعترض بعض التكلمين كالمازري؛ كما يقول شيخ الإسلام؛ على 
طريقة هرقل في معرفته لصدق النبي كَلةٍ زاع| أنه لا يمكن معرفة النبوة إلا 
بالمعجزة. وقد أبطل ابن تيمية هذا الاعتراض بقوله (وليس الأمر على ما 
قال.ء بل كل عاقل سليم الفطرة إذا سمع هذا السؤال والبحث علم أنه 
من أدل الأدلة على عقل السائل وخيرته واستنباطه ما يتميز به هل هو صادق 
أو كاذب ..)209, 

وبهذا يتضح أن السلف لم يجعلوا المعجزة هي الطريق الوحيد لمعرفة صدق 
النبي. بل هنالك طرق أخرى كالبشارات والنظر في أحوال النبي والنظر 
في دعوته ونصر الله وتأييده له. فبكل هذا يمكن معرفة صدق النبي في 
دعواه . 


(89) فتح الباري بشرح صحيح البخاري ج ١‏ ص 785 ح 5. وانظر شرح العقيدة الأصفهانية ص 
56 - 994 
(8") شرح العقيدة الأصفهانية ص 49. 


546 - 


م - الاستدلال بالمعجزة على غير صدق النبى من العقائد: 

والمعجزة لا تقتصر دلالتها على إثبات صدق النبي - كا يرى إمام 
الحرمين ‏ بل إِنَّ علماء السلف يرون أنها موصلة إلى إثبات توحيد الربوبية 
وإثبات صفاته تعالى وإثبات المعاد» وأنها طريقة شرعية إذ استخدمها الأنبياء 
مع أقوامهم. فموسى عليه السلام أقام الحجة على فرعون وقومه ‏ الذين 
أنكروا ربوبية الله سبحانه وتعالى - مستخدما المعجزات التى أيده الله بها 
ولقد استدل شيخ الإسلام بقصة موسى مع فرعون مثتا صحة دلالة 
المعجزات كطريق لإثبات توحيد الربوبية» فبعد أن ساق الآيات الي نحكي 
قصة اي مع فرعون وهي قله تعالى : ويا َو فوا إن | يسول زر رَبَ 
مُوقنين. قال أَنْ حَز 5 تمعن قَال ْ ورب 1 آلأدّلينَ. قال 
إن رَسُولَكُم آلْذِىَ أَرْسلَ يكم لمْجَنُون . قَال 5 ألَشْرِقٍ وَلَغْرب وَمَابيتا 
إن كنم َعْقلُونَ. َال لئن آتخَذْتَ إِلَهَا غَيْرِي لأجَعَللْك من ألْسَجُونِينَ قَال 
أولوْجدُكَ بشي مين قَالَ أت به إن كنت من آلصَّدقِينَ الى عَصَاهُ فنا 
3 تيان مبين َس يِدَهُ قَإِذًا ' فى بيِضاءُ للنظرينَ074. 
البينة الي جعلها دليلا على م صدقه قٍِ كونه رسول رب العالمين» وفي أن 
له إها غير فرعون يتخذه, وكذلك قال تعالى 0 يُستجيبُوا لَكُمْ فَأَعَلموا 
أن أنزل بعلم ألله وَأَن لا إِلْهَ إَّ هو»<"". فبين أن المعجزة تدل على 
الوحدانية والرسالة. وذلك لأن المعجزة التي هي فعل خارق للعادة تدل 
بنفسها على ثبوت الصانع . كسائر الحوادث بل هي أخص من ذلك لأن 
الحوادث المعتادة ليست 2 الدلالة كالحوادث الغريبة» وهذا ب يسبح الرب 


عندهاء ويمجد ويعظم مالايكون عند المعتاد» وبحصل فق النفوس ل من 


(59) سورة الشعراء آية 1١‏ #". 
:7ع سورة هود اية 315 


4:95 





ذكر عظمته مالايحصل للمعتاد. إذ هى آيات جديدة فتعطى حقها. وتدل 
بظهورها على الرسول. وإذا تبين أنها تدعو إلى الإقرار بأنه رسول الله فتقرر 
بها الربوبية والرسالة)©. 

ولقد تابع ابن القيم شيخه في أهمية المعجزة كطريق من الطرق الموصلة 
إلى إثبات الصانع. بل هي من أقوى الطرق لقوة ارتباطها بمدلولاتهاء إذ 
هي تجمع بين دلالة الحس والعقل ودلالتها ضرورية والله عز وجل ساها 
آيات وبينات لذلك. يقول: (وهذه الطريق من أقوى الطرق وأصحها وأدلها 
على الصانع و صفاته وأفعاله» وارتباط أدلة هذه الطريق بمدلولاتها أقوى 
من ارتباط الأدلة العقلية الصريحة بمدلولاتهاء فإنها جمعت بين دلالة الحس 
والعقل ودلالتها ضرورية بنفسهاء وهذا يسميها تعالى أيات بينات وليس في 
طرق الأدلة أوثق ولا أقوى منبهاء فإن انقلاب العصا - تقلها اليد ثعبانا 
عظي| يبتلع ما يمر به ثم يعود عصا كا كانت من أدل دليل على وجود 
الصانع وحياته وقدرته ومشيئته وإرادته وعلمه بالكليات والحزئيات. وعلى 
رسالة الرسول وعلى المبدأ والمعاد. فكل قواعد الدين في هذه العصا وكذلك 
اليد وفلق البحر طوقا والماء قائم بينا كالحيطان ونتق الحبل من موضعه 
ورفعه على قدر العسكر العظيم فوق رؤوسهم)9". ْ 

وتما يجدر ذكره أن البيهقي قد حكى أن بعض مشايخه سلكوا - في إثبات 
الصانع وحدث العالم ‏ طريق الاستدلال بمقدمات النبوة ومعجزات الرسالة . 
وذلك («لأن دلائلها مأخوذة من طريق الحس لمن شاهدها ومن طريق 
استفاضة الخبر لمن غاب عنها)97” . 

والواقع أن من يتدبر أحوال الرسل. لايجدهم يأمرون الكافر إذا أراد 
الإيمان والصبي إذا أبلغ. أن ينظر أولا في إثبات وجود الله وصفاته 





(71) مجموع الفتاوي ."/8/١١‏ وانظر ترجيح أساليب القرآن على أساليب اليونان ص47. 
(77) مختصر الصواعق ص .١848‏ 
(76) الاعتقاد للبيهقي ص 40. 


 عةالد‎ 


وبعد ذلك ينظر في جواز الرسالة وإمكانها وأن الله حكيم لا يظهر المعجزة 
على يد كذاب بل كانوا يدعون الناس دون فصل بين الإيان بالله والإييان 
عون 

ويؤسسون إيانهم بالله وإيانهم بهم على المعجزة نفسها. 

فالمعجزة إذا ظهرت وشاهدها الإنسان كانت من أعظم الأدلة على وجوده 
سبحانه وقدرته وعلمه وعلى صدق الرسول وأنه مؤيد من الله . 


-:358- 


الخاتمة 


انتهيت من دراستي لمنيج إمام ال حرمين في دراسة العقيدة عرضا ونقدا على 


رابعا : 


: تتمشل العقيدة عند إمام الحرمين في تحديد المصطلحات العقدية 


والاستدلال على العقائد بطرقه المختلفة. 


: يتابع إمام الحرمين في كتابيه الإرشاد والشامل - المتكلمين والأصوليين 


قبله ‏ في مفهوم الحد والغرض منه والقول ببساطته ونفي التركيب عنه 
غالفا في ذلك المنطق الأرسطى . 

أما في البرهان فتبدو معرفته بالحد الأرسطي وميله إليه وإن كان لم 
يخرج حدوده في الكتاب المذكور طبقا للحد الأرسطي خلافا لمن 
يدعي ذلك من الباحثين. 


: يرى إمام الحرمين أهمية تحديد المفاهيم والمصطلحات العقدية قبل 


استععالها في القضايا العقدية والاستدلال عليها والجدل حوطا تحديدا 
للمراد تحديدا دقيقا. 

ويعنى في كتبه بذكر كثير من هذه المصطلحات وتحديدها وإن كان 
يستخدم في دراسته العقدية بعض المصطلحات الدخيلة على الفكر 
الإسلامي كالجوهر والعرض. . . الخ . 


يوافق شيخ الإسلام على ما يذهب اليه إمام الحرمين وغيره من 
المتكلمين في مفهوم الحد والغرض منه وبساطته ونفي التركيب عنه. 
ويخالفهم في| يقعون فيه من أخطاء لغوية او شرعية فيما يصفونه من 
حدود. 


-4544- 


وفي إثبات مصطلحاتهم العقدية لله تعالى أو بنفيها عنه مطلقا مع 
ما يتضمنه الإثبات أو النفي المطلق من معان باطلة في حق الله 
تعالى . 


خامساً : يحصر إمام الحرمين طرق إثبات العقائد في العقل والنقل والمعجزة. 
حيث يثبت بالعقل وحده ما يسبق إثبات صفة الكلام كوجود الله 
وحياته وعلمه. وبالسمع وحده ما يتوقف إثباته على الخير الصادق» 
وبالمعجزة وحدها صدق النبى في نبوته. متابعا في ذلك المعتزلة 
ومخالفا لمنبج شيخه أبي الحسن الاشعري وعلاء السلف بصفة 
عامة . 

سادساً : يبطل إمام الحرمين الاستدلال على العقائد بقياس الغائب على 
الشاهد وبإنتاج المقدمات على النتائج» وبالمتفق عليه على المختلف 
فيه وبالسير والتقسيم المنتشر لا المنحصرء وهي الطرق التي 
استعملها ائمة الأشاعرة قبله وذلك في البرهان ‏ بعد أن استعملها 
في أول حياته في الإرشاد والشامل. 


سابعاً : مع استدلال إمام الحرمين بقاعدة (ما لا دليل عليه يجب نفيه) في 
الإرشاد فقد أبطلها في الشامل كا أنه يستدل بصحة الشيء على 
صحة مثله وباستحالته على استحالة مثله كما يستدل بقياس الأولى 
في العقيدة النظامية فقط. 
أما القياس الأرسطي فلم يستدل به خلافا لمن قرر ذلك من 


٠5 


الباحثين . 
ثامناً : دلالة العقل مقبولة عند السلف في باب العقائد إذا استعملت فيها 
الطرق الصحيحة. وهي بذلك لا تتعارض مع دلالة النصوص 
الصحيحة. ويتمثل منهج الاستدلال العقلي عند السلف في صحة 
الاستدلال بقياس الغائب على الشاهد وإنتاج المقدمات النتائج . 


والسبر والتقسيم والاستدلال بالمتفق عليه على المختلف فيه خلافا لما 
انتهى اليه إمام الحرمين في البرهان من بطلان الاستدلال بذلك. 
كا يتمثل المنيج السلفي في الاستدلال بصحة الشيء على صحة مثله 
واستحالته على استحالة مثله. والاستدلال بقياس الأولى وعدم 
الاستدلال بالقياس الأرسطي «(القياس الشمولي) وبقاعدة (ما لا 
دليل عليه يجب نفيم. 0 


تاسعاً : يرى إمام الحرمين عدم ندرة النصوص القرآنية خلافا لما يزعمه 
بعض الأصوليين كما يرى قطعية دلالة هذه النصوص في باب 
العقائد. 


عاشراً : يرى إمام الحرمين دلالة الظواهر على العقائد التي توافق مقرراته 
العقلية في نظره. 
أما ما يخالفها كا يظن فإنه يعمد في الإرشاد والشامل - 
تأويلها طبقا لضوابطه في التأويل وبالطرق التي يراها من تخصيص 
العام وتقييد المطلق. وتقدير مضاف محذوف أو اختيار المعنى 
المرجوح اعتبارا للقرينة العقلية الصارفة عن إرادة المعنى الراجح في 
نظره . 
أما في النظامية فإنه يبدع الأخذ بالتأويل - كما يمنعه في البرهان- 
زاعما أن التفويض هو مسلك السلف الصالح . 


حادي عشر: كى) يرى إمام الحرمين دلالة المفهوم خلافا لنفاة القول به 
- طبقا للأسس التي تقوم عليها تلك الدلالة من اقتضاء 
الشرط تخصيص الجحزاء بهء واقتضاء العقل واللغة أن التحديد 
بالزمان والمكان والعدد يقتضي تخصيص الحكم مبذه المحدودات 
وأن الوصف المناسب يقتضي انتفاء الحكم عند انتفاء هذا 
الوصف . 





ولكنه يختلف مع منبج علماء السلف ‏ كغيره من المتكلمين 

فيا يل: 

-١‏ في اعتبارهم أيات الصفات من الظواهر لمخالفتها في 
للعقل إذا أخذت ظواهرها على الوجه اللائق بذات الله 
طبقا لما هو مقرر عندهم من موافقه صحيح المنقول 
لصريح المعقول. 

"- في تأويل الظواهر القرآنية الذي يلجأ إليه إمام الحرمين 
وغيره من المتكلمين لما يزعمونه من تعارضها مع المقررات 
الظواهر إلا عند وجود نص صريح أو قرينة موجودة في 
نفس الآية يمنعان من إرادة المعنى . 

0# كا يختلف مع إمام الحرمين في زعمه أن منهج السلف 
في ايات الصفات هو التفويض إلى الله في فهم معانيها 
حيث يعتبرون التفويض من قبيل التجهيل . 


ثاني عشر : يتفق المنبج السلفي مع منهج إمام الحرمين في دلالة النصوص 
القرانية على العقائد وقطعيتها وإعمال دلالة المفهوم في هذا 
الباب . 

الث عشر : يرى إمام الحرمين صحة الاستدلال على العقائد بالحديث 
المتوائر. 
أما خير الآحاد فمع أخذه في الأمور العملية فإنه لا يحتج به 
في العقائد لّنه لا يفيد العلم ولا سيا إذا كان مخالفا لدلالة 
العقل في نظره- أما إذا كان مضمونه غيرمستحيل فإنه يقبل 


-؟ ١ه‏ 





دلالته على سبيل التدين وغلبة الظن. 
اضطراب موقف إمام الحرمين من بر الآحاد الذي تلقته الأمة 
بالقبول فتارة يحكم بإفادته للعلم وتارة يحكم بعدم إفادته له ىا 
في البرهان. 
بالخير المتواتر في إثبات العقائد أما خبر الآحاد المتلقى بالقبول 
فإن علاء السلف يرون إفادته للعلم ومن ثم يرود الاحتجاج 
به في جميع القضايا الشرعية عقدية وعملية خلافا لما انتهى 
إليه رأي إمام الحرمين في ذلك. 


: يرى إمام الحرمين حجية الإجماع ووقوعه خلافا لمن يمنعون 


ذلك ويستدل به على بعض ما يقرره من العقائد. 


كانوا يرون تعذر تحقّق العلم بالإجماع بعد الصحابة والتابعين مع 
مخالفتهم لإمام الحرمين في الأساس الذي تقوم عليه حجية 
الإجماع وإبطالهم لما يذكره المتكلمون من الإجماع على بعض 
عقائدهم الباطلة. 


: يختلف إمام الحرمين في حكم دلالة المعجزة وبوجه تلك الدلالة 


وشرائطها عن المنبج السلفي في ذلك. كا لا يستدل على صدق 
النبي إلا بالمعجزة وحدهاء ولا يستدل بالمعجزة على شىء من 
العقائد الأخرى. 


لشرائط المعجزة ودلالتها فإنه يخالفه كذلك فيا يراه علماء 
السلف من صحة الاستدلال على صدق النبى بغير المعجزة 
من قرائن الأحوال الصحيحة وبشارات الأنبياء ومضمون رسالة 
النبي نفسها. 


69 


كى) ان المبجين يختلفان با يراه علاء السلف كذلك من 
الاحتجاج بالمعجزة على غير صدق النبى من العقائد الأخرى 
كوجود الله وصفاته وأفعاله . 


-6٠8- 


ثبت المراجع 


الإبانة عن أصول الديانة. 
لأبي الحسن الأشعري . تحقيق د. فوقية حسين محمود. 
دار الأنصار بالقاهرة. الطبعة الأولى /91اه 


اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية. 
لابن قيم الجوزية الدمشقي . دار الفكر. القاهرة ١1٠1١اه‏ 


الإحكام قْ أصول الأحكام . 
توزيع دار الباز للنشر والتوزيع. مكة المكرمة. 
دار الكتب العلمية. بيروت. 


الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة. 
للإمام عبدالله بن مسلم بن قتيبة. ضمن كتاب عقائد السلف. 
تحقيق علي سامي النشار - عاد جمعي الطالبي. الناشر منشأة 
المعارف بالاسكندرية ١19100م.‏ 


الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد. 
لإمام الحرمين الجويني . حققه د. محمد يوسف موسى2 د. علي 
عبدالمنعم عبدالحميد. الناشر مكتبة الخانجي شارع عبدالعزيز - 
مصر طبع لام / 6م. 





إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل. 
تأليف محمد ناصرالدين الألبان. بإشراف محمد زهير الشاويش » 
المكتب الإسلاميى. الطبعة الأولى 789١ه‏ . 


الأساء والصفات. 
للإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي /40 
تحقيق: الشيخ عاد الدين أحمد حيدر. دار الكتاب العربي 
بيروت. لبنان» الطبعة الأولى 8٠54١ه‏ . 


- أصول الدين . 
للإمام الأستاذ أبي منصور عبدالقاهر بن طاهر التميمي البغدادي 
الطبعة الأولى. استانبول - مطبعة الدولة 85«١ه‏ . 


أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقران. 
تأليف محمد الأمين بن محمد المختار الجكنى الشنقيطي المطابع 
الأهلية للأوفست. الرياض.» "١٠5١ه.‏ 


الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد على مذهب السلف وأصحاب الحديث . 
تصنيف الإمام الحافظ الكبير أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي 
الشافعي. خرج أحاديثه أحمد عصام الكاتب. 
منشورات دار الآفاق الحديدة. بيروت الطبعة الأولى ١٠5١ه‏ . 


إعلام الموقعين عن رب العامين. 
لشمس الدين أبي عبدالله محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم 
الجوزية. تعليق طه عبدالرؤوف. دار الجبيل. بيروت. لبنان. 
#ا/لمغوام. 00 


605 


إمام الحرمين . 
ابوالمعاللي عبدالملك بن عبدالله الجويني حياته وعصره. اثاره وفكره 
تأليف : د. عبدالعظيم الديب. دار القلم. الكويت. الطبعة 
الأولى ١1٠١5١اه.‏ 


إمام الحرمين وأثره في بناء المدرسة الأشعرية. 
تأليف : على محمد جير. رسالة لنيل شهادة العالمية مع درجة أستاذ 


الأنساب. 
السمعاني ت57ه حققه: عبدالرحمن المعلمى. الناشر محمد 


الإيمان. 


لشيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية. تحقيق محمد خليل 
هراس دار الطباعة المحمدية. القاهرة. 


البحر المحيط. (مخطوط). 
ج .١‏ المكتبة الأزهرية. أصول الفقه 27١١‏ ؟”لا رقم التصوير 
4”/ 8اك. 


البداية والعهاية . 
لأبي الفداء الحافظ ابن كثير. مكتبة المعارف. بيروت. الطبعة 


الثانية /ا/91١‏ . 


دلامهة ل 


البرهان في أصول الفقه. 


لإمام الحرمين الجويني 4١9‏ 478. تحقيق د. عبدالعظيم 
الديب توزيع دار الأنصار بالقاهرة . الطبعة الثانية .5ه . 


البصائر النصيرية في علم المنطق . 
تأليف : الإمام زين الدين عمر بن سهلان السامري. المطبعة 
الكبرى الأميرية ١1١5‏ - 1848ه . الطبعة الأولى. 


تاج العروس من جواهر القاموس . 

للإمام القوي محب الدين أبي الفيض السيد محمد مرتضى 
الحسيني الواسطي الزبيدي. منشورات دار مكتبة الحياة. بيروت. 
لبنان . 


- تاريخ الإسلام السياسى والدينى والثقافي والاجتماعى . 
تأليف د. حسن إبراهيم حسن . دار الأندلس. بيروت. 


تاريخ الحضارة الإسلامية في الشرق من عهد نفوذ الأتراك إلى منتصف 
القرن الخامس ا حجري . 


التبصرة في أصول الفقه. 
تأليف الإمام أبي إسحاق إبراهيم بن علي الفيروز آبادي الشيرازي 
ت 4ه تحقيق محمد حسن هيتو. دار الفكر. 


تبيين كذب المفتري فيا نسب إلى الإمام أي الحسن الأشعري. 


الدمشقى . دار الكتاب العري. بيروت. لبنان . 


- 4ه 


التحفة اللطيفة في تاريخ المديئة الشريفة. 
تأليف شمس الدين السخاوي. عني بطبعه ونشره أسعد الحسني 
5٠‏ ١ه‏ 


التحقيق والبيان في شرح البرهان. 
للإمام أبي الحسن علي الأبياري مخطوط في مكتبة مراد ملاء له 
صورة (بالميكروفيلم) في جامعة أم القرى. 


التدمرية 
تحقيق الإثبات للأساء والصفات وحقيقة الجمع بين القدر 
والشرع تأليف شيخ الإسلام تقي الدين أبي العباس أحمد بن 
عبدالحليم بن تيمية. تحقيق محمد بن عودة السعوي الطبعة الأولى 


.ه١عة:ه‎ 


التزرغيب والترهيب من الحديث الشريف. 
للإمام الحافظ زكي الدين عبدالعظيم بن عبدالقوي المنذري 


ت كه" 


تفسير القران العظيم. 
لأبي الفداء إساعيل بن كثير القرشى الدمشقي ات 4/ا/ا طبع 
بدار إحياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي وشركاه. 


التلخيص 
لإمام الحرمين أبي المعالي الجوينىي. رسالة مقدمة لنيل درجة 
الدكتوراه. إعداد الطالب عبدالله جوم وشبير أحمد العمري 
الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة شعبة أصول الفقه. 


8ه 


التمهيد 
تأليف الإمام أبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني تحقيق: الأب 
رتشرد يوسف مكارثي اليسوعي . 
المكتبة الشرقية . بيروت /ا196م. 


التمهيد في أصول الفقه. 
تأليف محفوظ بن أحمد بن الحسين أبي الخطاب الكلوذاني ت 
7ه . تحقيق محمد بن على بن إبراهيم. الطبعة الأولى 
5 ه. دار المدني للطباعة والنشر والتوزيع . 


تأليف الاستاذ د. محمد شمس الدين. 
مطبعة دار التأليف 8 شارع يعقوب بالمالية بمصر. الطبعة الثالثة. 


جامع البيان عن تأويل آي القرآن. 


الجوينيى إمام الحرمين. 
للدكتورة فوقية حسين محمود. المؤسسة المصرية للتأليف والأنباء : 
والنشر. 


الحدود في ثلاث رسائل. 
تأليف الفاكهى وإخوان الصفا واين سينا. 
تقديم وتحقيق د. عبداللطيف محمد العبد. 
منشورات المكتبة العصرية. صيدا - بيروت. 


6١١ 





الخجيدة 


نقلها إلى العربية محمد ثابت الفندي. أحمد الشنتاوي إبراهيم 
زكي خورشيد» عبدالحميد موسى . 


درء تعارض العقل والئنقل . 
لابن تيمية أبي العباس تقي الدين أحمد بن عبدالحليم. من 
مطبوعات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. الطبعة 
الأولى 8507١1ه‏ . 


دمية القصر وعصرة أهل العصر. 
لأبي الحسن الباخرزي ت 457 تحقيق د. سامي مكي العاني. 
مطبعة النعهان. الطبعة الأولى ١9١‏ ه. 


للحافظ بحب الدين أبي عبدالله محمد بن محمود بن الحسن . 
المعروف بابن النجار البغدادي . تصحيح د. قيصر فرح. دائرة 
المعارف العثانية بحيدر آباد الدكن/ الهند/ الطبعة الأولى. 


الرد على الجهمية والزنادقة في) شكوا فيه من متشابه القرآن وتأولوه على 


غير تأويله: 


تصحيح إسماعيل الأنصاري. نشر وتوزيع رئاسة إدارة البحوث 
. العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد. 


اأه- 


الرد على المنطقيين. 
للإمام شيخ الإسلام تفى الدين أحمد بن تيمية . 
إدارة ترحمان السنة/ لاهور/ باكستان/ الطبعة الثانية 1١95‏ ه . 


الرسالة 
للإمام المطلبي محمد بن إدريس الشافعي ١6١١‏ - )م 
تحقيق أحمد محمد شاكر .١.٠89‏ 


روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات. 
تأليف العلامة المتبع الميرزا محمد باقر الموسوى الخوانساري 
الأصبهاني. تحقيق/ أسد الله اساعيليان. دار الكتاب العربي. 
بيروت/ لبنان 187ه . 


سئن ابن ماجه. 
للحافظ أبي عبدالله محمد بن يزيد القزوينى ابن ماجه 7١7(‏ - 
هه تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقى . 
دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع . 


سنن الترمذي. 
لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة (709 - 17917)ه تحقيق 
كال يوسف الحوت. دار الفكر 1١1408‏ ه/ 1988م. 


سير أعلام النبلاء . 
للذهبي. مخطوط في جامعة أم القرى للمكتبة المركزية قسم 
المخطوطات رقم المصور 771417 . 


-61١؟-‎ 


السئة. 
للإمام أبي عبدالرحمن بن عبدالله ابن إمام أهل السنة أحمد بن 
حنبل. تحقيق ودراسة. د. محمد بن سعيد القحطاني الطبعة 
الأول 05٠5١ه‏ . دار ابن القيم. 


الشامل في أصول الدين للإمام الجويني. 
تحفيق د. علي سامي النشار. فيصل بدير عون. سهير محمد مختار 
الناشر المعارف بالاسكندرية. 


تأليف أبي الفلاح عبدالحي العاد الحنبلي. الناشر: المكتب 
التجاري للطباعة والنشر والتوزيع . بيروت. لبنان. 


0-7 شرح الإرشاد. 
لأبي بكر بن ميمون. مخطوط مكتبة أحمد الثالث رقم .1١85٠‏ 


شرح أصول اعتقاد أهل السئة والجماعة من الكتاب والسئة وإجماع 
الصحابة والتابعين من بعدهم . 

تأليف الشيخ أبي القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبرانٍ 
اللالكائي ‏ ت418ه . 
تحفيق د أحمد سعد حمدان. الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع 
الرياض ص. ب؟١5.‏ 

شرح الأصول الخمسة. 
لقاضي القضاة عبدالجبار بن أحمد. تعليق الإمام أحمد بن الحسين 
ابن ابي هاشم. تحقيق: د. عبدالكريم عثان. الناشر: مكتبة 
وهبة. الطبعة الأولى .١784‏ 


ه١‎ - 


- شرح الطحاوية في العقيدة السلفية . 
تأليف قاضي القضاة علي بن علي بن محمد بن أبي العز الحنفي . 
تحقيق أحمد محمد شاكر. مكتبة الرياض الحديثة بالرياض. 


م شرح العقيدة الأصفهانية . 
لابن تيمية أبي العباس تقي الدين أحمد بن عبدالحليم. تقديم 
حسين محمد لمحلوف. دار الكتب الحديثة. مصر شارع 


الجمهورية . 


شرح العقيدة الواسطية. لشيخ الإسلام ابن تيمية. 
تأليف محمد خليل هراس. مراجعة عبدالرزاق عفيفي. نشر 
وتوزيع رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد 
الطبعة الرابعة. 


شرح المواقف. 
الصائب. 


الشرح والإبانة على أصول الديانة ومجانبة المخالفين ومباينة أهل الأهواء 
المارقين لأبي عبيدالله عبيدالله بن بطه العكيري. رسالة ماجستير مقدمة من 
رضا نعسان. جامعة أم القرى عام 99١1ه‏ . 


الشريعة. 
للإمام أبي بكر محمد بن الحسين الآجري ات .55١‏ 
تحقيق: محمد حامد الفقى. الناشر: حديث اكادمي نشاط اباد 
باكستان . ْ ْ 


-61١5- 


الشفا ‏ المنطق والقياس . 
لأبي علي بن سيئنا. تحقيق سعيد زايدك. القاهرة . الحميئة العامة 
لشؤون الطابع الأميرية م1 ه . 


شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل. 
تأليف الإمام العام أبن قي قيم الجوزية. 
دار المعرفة لا والنشر. بيروت. لبنان ١98‏ ه. 


صحبح البخاري . 
لأبي عبدالله محمد بن إساعيل البخاري . دار الجيل. بيروت . 


صحيح مسلم . 
للإمام أي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري ٠١5(‏ 
- ١551)ه‏ تحقيق محمد فؤاد عبدالباقى. دار الفكر للطباعة 
والنشر 1١40#‏ 148م. 


الصفات الخبرية بين الإثبات والتأويل. 
رسالة ماجستير. إعداد الطالب عبدالله آدم الأثيوبي 
والدراسات الإسلامية. قسم العقيدة. 


صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام. 
لجلال الدين السيوطي. نشر عباس أحمد الباز. مكة المكرمة. 


الصواعق المرسلة على الحهمية والمعطلة. 
تصنيف الشيخ أبي عبدالله محمد بن أبي بكر بن أيوب_الشهير 


6ه 





بابن قيم الجوزية. تحقيق: د. علي بن محمد بن الدخيل الله دار 
العاصمة الرياض. النشرة الأولى 550/8١ه‏ . 


ضوابط المعرفة وأصول الاستدلال والمناظرة . 
تأليف: عبدالرحمن حسن حبنكة الميداني. الطبعة الثانية 


١5١ه.‏ دار القلم. دمشق. بيروت . 


طبقات الشافعية . 
لأبي بكر هداية الله الحسينى ءت .٠١١5‏ تحقيق عادل نوبيهقي . 
دار الآفاق الجديدة . بيروت . لبنان . 


طبقات الشافعية . 
لجال الدين عبدالرحيم الأسنوي ت الالاه . تحقيق: عبدالله 


طبقات الشافعية الكبرى. 
لتاج الدين أبي نصر عبدالوهاب بن على بن عبدالكافي السبكي 
77 ١/)ه‏ تحقيق محمود محمد الطناحي - عبدالفتاح محمد 
الحلو. دار إحياء الكتب العربية. 


ظهر الإسلام. 
تأليف أحمد أمين. دار الكتاب العربي. بيروت. لبنان. الطبعة 
الثالثة . 

عصمة الأنبياء . 


تأليف الإمام فخر الدين الرازي ت 505ه . 


كاه 


العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين. 
للإمام تقي الدين محمد بن أحمد الحسني الفامى المكى 80م ه 
تحقيق فؤاد سيد. القاهرة - 1788 ه/ 955١م.‏ 


العقيدة الإإسلامية بين السلفية والمعتزلة . تحليل ونقد . 
تأليف د. محمود أحمد خفاجى. الطبعة الأولى. مطبعة الأمانة ٠‏ 


الغيائي. غياث الأمم في التياث الظلم . 
لإمام الحرمين أبي المعالي عبدالملك بن عبدالله الجويني (419 - 
0ه تحقيق د. عبدالعظيم الديب. الطبعة الأولى طبع على 
نفقة الشؤون الدينية بدولة قطر. 


الشهير بابن تيمية. قدم له وعرف به حسين محمد لمحلوف دار 
المعرفة . بيروث . لبنان . 


فتح الباري بشرح صحيح الإمام أبي عبدالله محمد بن إساعيل 
البخاري. 


للإمام أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ت807ه ترقيم محمد 


الفتح الرباني لترتيب مسئد الإمام أحمد بن حنبل الشيباني. 
تأليف أحمد عبدالرحمن البنا الساعاتقي. دار الحديث. عطفة الرسام 


بالغورية. القاهرة. 


 ةهاالد‎ 


فقه إمام الحرمين ‏ خصائصه - أثره - منزلته. 
تأليف: عبد العظيم الديب. طبع على نفقه الشيخ خليفه بن 
حمد آل ثاني. الطبعة الأولى 508١1ه ‏ 1988م 


القاعدة المراكشية . 
الرشيد/ رضا نعسان. الناشر مطابع الصفا ١1٠5١1ه.‏ 


الكافية في الجدل. 
للجويني إمام ال حرمين. تحقيق فوقيه حسين محمود. طبع بمطبعة 
عيسى البابي الحلبي وشركاه 89١ه‏ . 


الكامل في التاريخ . 
للإمام العلامة أبي الحسل" عل بن محمد بن محمد المعروف بابن 
الأثير ٠ه‏ الناشر: دار الكتاب العربي ص. ب 9ؤكلاه ١١‏ 
بيروت - الطبعة السادسة. 


تأليف: عزالدين بن الأثير الجزري . دار صادر. بيروت . 


لسان العرب . 
للإمام العلامة أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور 


دار صادر. بروت . 


لع الأدلة . 
في قواعد عقائد أهل السنة والجاعة. 


-61١48- 





د. فوقية حسين محمود. المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء 
والنشر. الدار المصرية للتأليف والترجمة . 

اللمع في أصول الفقه. 
للإمام أبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي الفيروزابادي 


الشافعي (55/خ) دار الكتب العلمية. بيروت. الطبعة الأول 
هه 


اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع . 
للإمام أبي الحسن الأشعري ٠ه‏ . تحقيق حمود غرابه. مطبعة 
مصر .١19868‏ 
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية. شرح الدرة المضية في 
عقيدة الفرقة المرضية . 
تأليف الشيخ محمد بن أحمد السفارينى . المكتب الإسلامي . 
- ججمع الزوائد. 


للحافظ نورالدين على بن أبي بكر الميثمي ات 8ه 
الكتب العلمية. بيروت. لبنان 048٠14١1ه/‏ 1988م. 


. دار 
مجموعة الرسائل . 
إدارة الطباعة المنيرية . دار إحياء التراث العربي . بيروت . ليبنان . 
للإمام تفى الدين ابن تيمية. دار الكتب العلمية. بيروت . 
لبنان. الطبعة الأولى. 


-19أه6 


مجموع فتاوي شيخ الإسلام ابن تيمية . 
جمع وترتيب عبدالرحمن بن محمد بن قاسم. مكتبة المعارف. 
الرباط - المغرب. 


المحيط بالتكليف . 
السيد عزمى. المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر. 
الدار المصرية للتأليف والترحمة. 


مختصر الصواعق المرسلة على الحهمية والمعطلة. 
تأليف ابن قيم الجوزية. اختصره الشيخ محمد الموصلي مكتبة 
المتنبى . القاهرة . 


مذاهب الإسلاميين. 
تأليف الدكتور عبدالرحمن البدوي . دار العلم للملايين. بيروت. 
الطبعة الأولى /1و1م. 


مذكرة أصول الفقه . 
تأليف الشيخ محمد الأمين بن المختار الشنقيطي . المكتبة السلفية . 
باب الرحمة. المدينة المنورة. 


مرأة الجنان وعبرة اليقظان فى معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان. 
للإمام أبي محمد عبدالله بن أسعد اليافعي اليمني ت78 
منشورات مؤسسة الأعلمى. بيروت. الطبعة الثانية ١8٠‏ .ه 


الكت المستصفى من علم الأصول.. 
للإمام أبي حامد محمد الغزالي. دار الفكر. المطبعة الأميرية ببولاق 
- مصر الطبعة الأولى. 


6ه 


للإمام الام أبي يعلى أحمد بن علي الموصللي 5١١(‏ - 00*#ه ) 
تحقيق: إرشاد الحق الأثري. مؤسسة علوم القرآن. الطبعة الأول 
4 :١ه‏ . 


المسودة في أصول الفقه. 
تأليف ثلاثة من أئمة آل تيمية هم أبوالبركات عبدالسلام 
وأبوالمحاسن عبدالحليم وشيخ الإسلام تقى الدين أحمد بن 
عبدالحليم جمعها: أحمد بن محمد الحراني الدمشقي ات ه4. 
تقديم: محمد محبي الدين عبدالحميد. مطبعة المدني. المؤسسة 
السعودية بمصر العباسية. القاهرة. 


معيار العلم في فن المنطق. 
للإمام حجة الإسلام أبي حامد محمد بن محمد الغزالي (00ه ه ) 
تحقيق محمد مصطفى أبوالعلا. مكتبة الجندي. سوق أم الغلام 
بسيدنا الحسين بمصر. 


المغنى في أبواب التوحيد والعدل (المخلوق). 
ْ للقاضي أبي الحسن عبدالجبار. تحقيق مجموعة من العلماء. الدار 
المصرية للتأليف والترجمة. 
مغيث الخلق في ترجيح القول الحق. 0 
لأبي المعالي عبدالملك الحوينى. الناشر حديث اكاديمي فيصل 
أباد. باكستان 05٠4١ه‏ . ْ 


مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين. 
للإمام أبي الحسن على بن إساعيل الأشعري. (ت #74ه ). دار 


مه؟١-‎ 





الثالئة . 


مقدمة ابن خلدون. 
دار القلم. بيروت. لبنان. الطبعة الرابعة ١م.‏ 


مناهج البحث عند مفكري الإسلام واكتشاف المنبج العلمي في العالم 
الإسلامي . 
تأليف د. علي سامي النشار. الطبعة الثالثة /951١م.‏ دار 
المعارف . 


مناهج التفكير في العقيدة بين النصيين والعقليين. | 
رسالة مقدمة لنيل درجة العالمية «الدكتوراة» في العقيدة والفلسفة 
د. عماد خفاجي. جامعة الأزهر. كلية أصول الدين. قسم 
العقيدة والفلسفة. 


المنتظم في تاريخ الملوك والأمم . 
لأبي الفرج عبدالرحمن بن علي بن الحوزي (ت لاؤه ه ). دائرة 
المعارف العثانية. حيدر اباد الدكن 9ه١.‏ الطبعة الأولى. 


المنخول من تعليقات الأصول. 
1 لي حامد الغزالي ت ه٠هه.‏ حققه محمد حسن هيتو. دار 
منطق ابن تيمية ومغهجه الفكري. 
تأليف د. محمد حسن الزين. المكتب الإسلامي. الطبعة الأولى 


4 هه . بيروت. 


6572- 


منهاج السنة النبوية. 
تأليف ابي العباس تقي الدين أحمد بن عبدالحليم بن تيمية. 
تحقيق: رشاد سالم. دار الثقافة والنشر جامعة الإمام محمد بن 
سعود 1١85٠5‏ ه. 


موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول . 
تأليف شيخ الإسلام. الطبعة الأولى. دار الكتب العلمية. 
بيروت . لبنان . 


المواقف في علم الكلام. 
تأليف: عضد الله والدين عبدالرحمن بن أحمد الإيجي. عالم 
الكتب . بيروت . 


الموطاً. 
لإمام الأئمة وعالم المدينة مالك بن أنس رضي الله عنه. 
تصحيح : محمد فؤاد عبدالباقي. دار إحياء الكتب العربية فيصل 
عيسى البابي الحلبي . 


للإمام العلامة شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية. دار 
الكتب العلمية. بيروت. لبنان 5٠854١1ه.‏ 


النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة . 
تأليف: جمال الدين أبي المحاسن يوسف بن تغري بردي 104مه 


وزارة الثقافة والإرشاد القومي. المؤسسة المصرية العامة. 


-65* 





نقض تأسيس الجهمية. 


نقض المنطق . 
تأليف شيخ الإسلام ابن تيمية. تحقيق الشيخ محمد بن 
عبدالرزاق حمزه والشيخ سليهان الصنيع تصحيح . محمد حامد 
الفقى. مكتبة السنة المحمدية شارع سامي البارودي. القاهرة. 


عباية السول. 
شرح الآسنوي للإمام جمال الدين عبدالرحيم الآسنوي 
ت "لالاه . مطبعة محمد عل صبيح وأولاده بالأزهر بمصر. 


هوامش على العقيدة النظامية . 
لإمام الحرمين الجويني. د. محمد عبدالفضيل القوصي. الطبعة 
الأولى ه٠5١1‏ ه/ 1984١م.‏ دار الطباعة المحمدية ٠١‏ درب 
الأتراك بالأزهر. القاهرة. 


لأبي المعالي إمام الحرمين عبدالملك بن يوسف الجويني. مكتبة 
ومطبعة محمد علي صبيح وأولاده بميدان الأزهر. 


وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان. 
لأبي العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان 
ت١41ه‏ تحقيق محمد نحيى الدين عبدالحميد. مطبعة السعادة 
بجوار محافظة مصر. ْ 


6755 








فهرس الموضوعات 
الموضوع الصفحة 
شكر وتقدير ا و ع ع ع ع ع مس ع مه 
تقديم المركز لم هي ع مع مع ع ع مع ع ع ع م ع ع مع ع ع ع ع ع ع ع م ع 1 
مقدمة المؤلف ا ع اه ع ع ع ع ع ع ع م ع م ع ع ع ع ع 
الباب التمهيدي وحياة إمام الحرمين) ل ا مو 
الفصل الأول : عصسره اا م ا ااا 
الفصل الثاني : نشأته وأطوار حياته اسه سه سم مع ع ا م 8 
الفصل الثالث : شيوخه وتلاميذه 0 2ض 
الفصل الرابع : ثقافته ومؤلفاته ام اه 
الفصل الخامس : أخلاقه ومكانته العلمية ام ع 
الفصل السادس : مذهبه الكلامي 97 
الفصل السابع : طرق دراسته للعقيدة #(:عسعلعلللمسشس 
الباب الأول «منهجه في تحديد المصطلحات العقدية) 
الفصل الأول : الحد ومنهج إمام الحرمين في استخدامه في دراسة | العقيدة 917 
الفصل الثاني : نقد منبج إمام الحرمين في تحديد المفاهيم العقدية في 
ضوء المنيج السَلفي م ا ان 
الباب الثاني «منبجه في الاستدلال العقلي على العقائد) . الل ضف 
الفصل الأول : الاستدلال بقياس الغائب على الشاهد 
الفصل الثاني : الاستدلال بإنتاج المقدمات النتائج ل 
الفصل الثالث : الاستدلال بالسبر والتقسيم ل 
الفصل الرابع : الاستدلال بالمتفق عليه على المختلف فيه 1 
الفصل الخامس : الاستدلال بقاعدة [ مالا دليل عليه يجب نفيه ] © 18 


الفصل السادس : الاستدلال بصحة الشبىء على صحة مثله 
وباستحالته على استحالة مثله اا 0 














الموضوع الصفحة 

الفصل السابع : قياس الأولى 35 

الفصل الثامن : الاستدلال بالقياس المنطقي 3137 
الباب الثالث «منهجه في الاستدلال السمعي بالقران على العقائد» ان 

تمهيد ا ا ا ا ااا ا ا اشن 

افص الأول : الاستدلال بالنص إقرف 

الفصل الثاني : الاستدلال بالظاهر ما ا ا 3 

الفصل الثالث : منهج إمام الحرمين في تأويل الظواهر 3 

الفصل الرابع : نقد منبج إمام الحرمين في التأويل وبيان موقف 

السلف منه ومن التفويض ااا كن 

الفصل الخامس : الاستدلال بالمفهوم ا ريسن 
الباب الرابع «منبجه في الاستدلال السمعى بالسنة على العقائد» 40514 

ف الأول : الاستدلال بالخبر المتواتر 1 

الفصل الثاني : الاستدلال بخبر الأحاد يسن 

الفصل الثالث : نقد موقف إمام الحرمين من الاستدلال 

بالسنة في إثبات العقائد في ضوء المنبج السّلفي ب 
الباب الخامس «منهجه في الاستدلال السمعي بالإجماع على العقائد» 

الفصل الأول : استدلال إمام الحرمين بالإجماع على العقائد ان 

الفصل الثاني : استدلال علماء السلف بالإجماع على العقائد مع 

التعقيب على اراء إمام ا حرمين 6 
الباب السادس «منبجه فى الاستدلال بالمعجزة» 5ع سقةةع 

الفصل الأول : استدلال إمام الحرمين بالمعجزة وحدها على 

صدق النبي دون غيره من العقائد م 


الفصل الثاني : نقد منهج إمام الحرمين في استدلاله بالمعجزة وحدها 
على صدق النبي دون غيره من العقائد 








للبهوت والدراسات الاسلامبة