Skip to main content

Full text of "tafkir-balaghi"

See other formats


كيت الآداسك والعشلوم الاشائين بثو شن 


السلسلة السادسة : الفلسفة والآداب مجلد عدد 21 


التفكير البلاعم عنه العرب 
| تسل و نطورة (ِلَم الكرن الساخس 


) مسروع مرَاوةٌ‎ ١ 


٠ 
2 اي امو و‎ 


1 7 « - الها 8 5 اروز ٠‏ 


طبع إلطبعالسيت رمشو اننيد 
1281 


كليت الأداست والع لوم الاشانيتم بت شنس 


السلسلة السادسة : الفلسفة والآداب مجلد عدد 21 


النفكير البلاعى عنذالعرب 
| سسة ونطُورة ِل القرن الساذخس 
سروع مرَاوة ) 


متادى جمو 


)ضر 


اشاضة ) سضياة ‏ بشت 


طيع لطبت اميت امشو انيز ١‏ 
1281 


إلى والدي 
وإلى روح صهري ( سي بوبكر » الذي 
غادرنًا وأنا أضع الّمسات الأخيرة في هذا 


العمل . 


هذا الكتاب بحث أعده صاحبه تحت اشراف الأستاذ الدكتور 
عبد القادر المهيري كنيل دكنورا الدولة في الآداب وقد تمت 
مناقشته بكلية الآداب والعلوم الانسانية بالجامعة التونسية يوم 
5 افريل 1980 . 


فلكل من ساهم في ابرازه على ما هو عليه جزيل الشكر والثناء 


دأمًا بعد فإني أنا » أيضا ء» أنتهز 
هذه الفرصة لأقرر أن" الد“راسات البلاغية 
لا تزال تحيا في فلك المنهج القديم : علومه 
ومسائله » وأن” هذا العلم في حاجة ملحة 
إلى وضع جديد أشار به السابقون وأجملته 
أنا في غير هذا المكان ورجوت أن 
ينهض به هذا الرعيل الجديد) . 


-أأاته 015010115 5ه1] 5ء1لا01آ ©1026 » 
01 ©0611 51 71160101 10 ,65لا 
سطة 501 © 0111 16 عدلا© 1111 16 7716156 


66 <<. 


00 .م2 








المقدمية 


استأثرت البلاغة بنصيب وافر من مجهود المهتمين بالتدّراث العربي 
فمنذ القرن الماضي بدأت حركة تأليف نشيطة تتسارع نسقها شيئا فشيئا حتى 


© ساد سم 


أصبح من العسير الإلمام بكل ما نشر في الموضوع بل إن" المنشور جدير بأن' 


وقد مسّت هذه المؤلفات معظم جوانب البلاغة » فخُصّص قسم منها 
ان خط كلها: "ار تيه ماين الكبرى كالتاريخ لبعض مراحلها » 
(ادخقهام بأبرز مراضيعها ودراسة مصطلحها وعلاقتها بالتّراث الأجنبي 
مه قسم آخر للتعريف بأعلامها والكشف عن مساهمتهم قُُ 7 
مسائلها وضبط مقاييسها ؛ كما ل يفل الد"ارسون صلتها بأوجه النشاط 
الفكري الأخرى كالتّفسير والتّحو والإعجاز وحتّى الفلسفة السياسيّة 19) . 

ولا شك" في أن" هذه المؤلفات أسلهمت إسهاما كبيرًا في تعميق معر فتنا 
بالعلم وأعلامه ولفت التظر إلى المجهودات الحاسمة فيه ومد” الباحثين 
بأدواة عسل فبية . 


(1) انظر مثلا : : 
10 رز أمهده10ق[م لمعءفاقامم عتمبعاى1 همه ع معط : (وعابقطع). طامم معنم 
87-8 .مم ,1972 35111 ,111/2 ,.5. .1.0.14 


9 


وقد صاحبت هذه الجهود ني التأليف جهود أخرى » لا تقل" عنها قيمة 


تمثلت في نشر عدد كبير من النصوص وإعادة نشر عدد كبير آخر نشرأ 
علميا يوفر على الباحث كثيرا من العناء والوقت . 


إلا" أن هذه الجهود لا تخلو » على أهمئيتها » من النتقص » فالاثار التي 
تروم الإللام بمختلف مراحل البلاغة نشأة” وتطورًا واكتمالا قليلة” » وما 
اتجه منها هذه الوجهة باشر المسألة من زاوية تاريخية - حدائيّة أضعفت 
جانب التأليف والاستنتاج » كما أنها لم تَعدّن عناية” كافية 0 ا 
يقوم عليها التفكير ني جماليئّة الدّغة عند العرب » فجاء جالها تاريخا للتأليف 
البلاغي لا للبلاغة ولا يخفى الفرق بين الوجهتين . ومن ثم تشابهت هذه 
المُولفات في هيكلها العام وحتى ني مواقف أصحابها من بعض المسائل 
الجزئية » فتراها تعيد التصوص نفسها وتوظفها بنفس الكيفية » وهي 
في كل ذلك تعض عن استكناه مخزونها الفكري والأدبي دق ما 
مغلقة على أسس التّظرية الأدبية . 


لذلك رأينا أن" نهتم” » في عملنا » بالبعد التاريخي » محاولين » قدر 
الإمكان » المزاوجة بين التحليل والتأليف والتتركيز على المتعترجات 


الحاسمة في تطور العلم وبيان الترابطات القائمة بين سر 

ثم" إن" هذه المؤلفات » على كثرتها وتنوعها » لم تتوصل » في رأينا » . 
إلى إقنحام البلاغة في حَقئل العلوم الأدبية ولم تستطع أن تتقنع بفعاليتها في 
ممارسة الأدب ونقده فتعود إليها مكانتها السالفة باعتبارها نظرية في فن القول 
تولّدت عن ممارسة النص من جهة بنته النّغوية . لذلك تعالت أصوات تدعو 
إلى تجديد النظرة إلى قضايا البلاغة في إطار تجديد النظرة إلى الأدب . ولعل” 
أوضح تعبير عن ضرورة تغيير منهج الدراسة البلاغية قول أحمد الشتايب : 
«أما بعد فإِنّى أنا » أيضا » أنتهز هذه الفرصة لأقرر أن الدراسات البلاغية 
لا تزال 000 فلك المنهج القديم : علومه ومسائله » وأن” هذا العلم ني 


10 


حاجة ملحة إلى وضع جديد أشار به السابقون وأجلملته أنا ني غير هذا 
المكان » ورجوت أن ينهض به هذا الرّعيل الجديد» (1) . 

سب هذا القصور يعود » من وجهة نظرنا » إلى غياب جدلية 
١التراث‏ » و ١‏ الحداثة » في هذه المؤلفات وتصديها لدراسة التفكير البلاغى » 
في الغالب » من منظور أحادي امعد يقع على هامش النقاش الجوهري 
المطروح ٠‏ اليوم » ني أغلب التيارات النقدية الحديثة والدائر حول إمكانية 
إعادة قراءة البلاغة على ضوء المكتسبات المنهجية الجديدة ولا سيّما مكتسبات 
اللسانيات أو عدم إمكانية ذلك » وبالتالي الإقرار بموت البلاغة وقيام 
( الأسلوبية ) بديلا عنها . 

ولذلك حرصنا » في هذه المحاولة » على مباشرة التدّراث من منطق 
التفاعل بينه وبين الحداثة قصد فهمه ني ذاته واستجلاء أبعاد النظرية الأدبية 
التي يتضمنها » ثم لمحاصرة مظاهر المعاصرة فيه التي يمكن استحضارها » 
اليوم » للمساهمة بها في تغذية التقاش القائم » حولنا » في هذه القضايا . 

ول تخب عنا » طيلة- هذا العمل » الصّعوبات بل المخاطر الحافة بهذا 
التوجه لأن كل" عمل ٠‏ من هذا القبيل » ملهتداد بالوقوع في ضَرْبٍ من 
« الاستيلاب » (2) الثقائي و «السلفية » الفكرية الجديدة إن” لم نوفّق 
إلى استخدام أجهزتنا المفهومية استخداما يحترم خصائص التتراث والسياق 
اتتاريخي الذي يتنزل فيه والأسس المعرفية « الابستيمولوجية » القائم عليها 
لا سيّما أن المفاهيم التي نتتوسّل بها مفاهيم شبّت في منابت أخرى وتولدت 
عن تيارات فكرية وايديولوجية ورؤية للعالم تختلف عمًا هو موجود عندنا 


(1) وردت هذه الفقرة في مقدمته على تحقيق حفنى محمد شرف لكتاب ابن أبي الاصبع بديع 
القرآن وقد نشر بالقاهرة سنة 1957 »© والمؤلف يشير بقوله «وأجملته أنا في غير هذا 
المكان إلى مؤلفه الأسلوب وقد طبع أول مرة ستئة 1939 . وهي أول محاولة في اللسان » 
العربي للتقريب بين مسائل دراسة الأسلوب كما بدأت في أوروبا وقضايا البلاغة العربية . 
وقد دافع في هذا الكتاب بكثير من الحماس عن أهمية الصياغة والشكل في الظاهرة الأدبية 


(2) سمتتدمقتاث 


11 


وهي , بالتتالي تختلف .عن الإطار الذي نشأ فيه التفكير البلاغي العربي من هذه 
الجهة 2 ومن جهة الفارق الزمني أيضا . 

واجتنابنًا للمزالق التزمنا الحذر في استخدام هذه المفاهيم . واكتفينا في 
الغالب ؛ بالاستنارة بها لاستكشاف غوامض التراث » وتجدنا تسليطها عليه 
وحمله على المعاصرة قسرا ٠‏ وف إثباتنا كلمة « الأسس » في العنوان دليل 
على أن" مشغلنا الرئيسي هو فهم ما يتضمنه التراث من نظريات وآراء في 
ظاهرة الأدب والتصرّف في اللغة على جهة الإنشاء بالدترجة الأولى . 


3 3 


وقد اقتضى منا الجمع بين الأسس والتطور توسيع 1 فاق البحث فاخترنا 
أن' يمتد” عملنا على ستة قرون وهو إطار يحيط ببداية التفكير البلاغي 
وبأقصى ما وصل إليه من نضج واكتمال » كما نوعنا المصادر الي استقيًنا 
منها ماد ثنا فلم نقتصر على المؤلفات التي اشتهرت بمنزعها البلاغي الصرف 
وحاولنا الاستفادة من كتب التّراث الأخرى التي تناولت ظاهرة الّغة من 
زوايا مختلفة ومن ثم تضمنت آراء بلاغية يري جمعها والتنسيق بينهما 
المؤضوع ظ 

د جد ماد 


وقد ترتبت عن هذا الاختيار صعوبات منها كيفيّة التآوفيق بين 
الظرة التاريخية النطوّرية وما تتطليه من تحليل وتدقيق واعتناء بالجزئيات 
والنظرة الآنية التأليفية التي تقتضي أن يركز الحديث على المواقف البارزة 
والإضافات الحقيقيّة . لذلك يمينا عملنا على منهجيئة تحاول الدٌوفيق بين 
التأليف والتحليل وتاترم دراسة التفكير البلاغي اعتمادا على قضايا هامة : 
ولى تخرج عن هذا الالتزام إلا" ني القسم الثاني المتخصّص للجاحظ لأننه » 
في اعتقادنا » وَضِّمْ الأسس الكبرى للتفكير البلاغي بحيث تبقى الفترات 


2 


رمه اها سياه 


ستاك ستلهم ماداتسه وتستحضر مقاييسه » كما خرجنا عن هذا 


الؤاليت 
ني م في تحديدنا البداية” الحاسمة لفترة ما بعد الجاحظ لأهمنية بعض 
المساهمات الفردية في التمهيد لظهور كتاب عبد الله بن المعتز ١‏ البديع ) 

ثم لأهمئية هذا الكتاب ذاته لأنه أوّل مَظهر من مظاهر .استقلال 
التتأليف البلاغي ربط فيه صاحبه دراسة وجوه البلاغة بجتمئلة من الضوابط 
سيكون لي ياوها اثز عميق ف الشاف والبلاعيين ' التأحريق 


26 36 


والتأريخ لأي علم من العلوم تواجهه ‏ ني تصورنا ‏ جملة من 
الصعوبات العملية والمنهجية » لعل أشداها عسرا ». وأولاها بالتفكير والتدّدبير 
الاهتداء: إلى المشلك اللي يمكن” الباحة من :إبزاز فا بعتيرة أساسنا ومن 
تحديد الفترات الحاسمة في تطور ذلك العلم . 

وترداد تلك الصعوبة تبعا للحير الزمانى الذي يتنرّل فيه البحث ء 
إذ كما ا الفترة تشعئّبت القضابا وتداخلت الأسباب واختلطت كليات 
العلم بج بجز ثياته _فتد 2 المقاريس المي هد بها بين الفترات وقد تحتجب >2 
ويتعلّق التّاس منها بما يكون ‏ ريبما أقلها جدوى في ضصبط.التتحولاات 
الكبرى (1) . 


وكان لا بد" لدراسة أطوار البلاغة العربيّة على مددى يتريد على سئّة 
قرون فيحتوي هذا العلم نشأة وتطورا واكتمالا من البحث عن نقطة ارتكاز 








(1) من أبرز الأمثلة تحديد العمصور قي تاريخ الأدب العربي فهو كثيرا ما وقع بالاعتماد على 
أحداث تاريخية ربطت بين فترات الأدب والأسر المالكة وقد أدى ذلك إلى إقامة حدود 
مصطنعة وغريبة حر رز مئها بعض الباحثين وحملتهم على الدعوة إلى ضرزورة إعادة التفكير: 
قٍِ منهج تحديد العصور الأدبية . انظر مثلا : 

-1518 2 رعطونه ع اسسطومة 1111 1 00 [ ذ 1 707711 : : تقطع م81 1 
5-18 :مم ,11/1966 1160 


13 


تكون بمثابة مركز التّقل لذلك المحور الزمنى الطويل » تذدّل » أمامنا بعض 
العقبات وتقوم علامة بارزة تهدينا في محاولتنا تبن مقدار ما ساهمت به 
الفترات » قبلها وبعدها » ني بناء العلم . 

وتحديد نقطة الارتكاز تلك أمر دقيق وصعب لا يمكن أن يقوم على 
المواضعة المنهجية البسيطة ومجرد الافتراض لأنه ملتحم بتأويلنا لمسار العلم ذاته 
وأوّل نتيجة » وربما أهمّها » عن قراءتنا للتراث المتعلق به لذلك وجب أن 
يقوم على مقاييس من مادة البحث يعتقد الباحث أنها تخد م بصورة 
موضوعية اختياره أو هي ٠‏ على الأقل" » تدعّم اجتهاده وتنجو به عن 
الارتجال والاعتباط . 

إن جملة من العوامل الموضوعية » نلكر بعضها ونرجيء الحديث 
المفصّل عنها الى قسم آخر من هذا العمل » حملتنا على اعتسبار الجاحظ 
(- 255 ه) مرحلة هامة وحاسمة ثي تاريخ البلاغة العربية : 

فمؤلفاته تعتبر أقدم آثار » وصلتنا » لها علاقة بأفانين التتعبير (1) 
وهو كذلك » صاحب أوّل تأليف يخصّص لدراسة الكلام البليغ وضوابط 
المستوى الفنتي من الذّغة (2) ولم يقتصر هذا المؤلف على الأحكام العامة 
والانطباعات الذوقية بل دعم ذلك بأسس. نظرية هامة وتفكير بلاغ يدلاان 
على أن" جهوده » في الموضوع » تجاوزت مجرد الرواية والجمع إلى الخلق 
والابتكار . 

ولهذه المؤلفات خصائص مميزة » منهجنًا ومحتوّى » هيأتها لأن تكون 
مصب قرون من النشاط البلاغي ومَجُمّع أهم انطباعات العرب البيسانية 
وأحكامهم وصورة عما كان يدور في عصره » من أفكار فسجئل لنا 


(1) عبد القادر المهيري : النظريات البلاغية عند العرب » درس ألقى على طلبة « التبريز » بكلية 
الآداب » تونس » السنة الجامعية 1972 - 1973 . 


الخانجي » القاهرة (دثت) وهي طبعة في أربعة أجزاء . 


14 


ملاحظات معاصرية وبعض ملاحظات الأجانب الذين امتزجوا بالثقافة 
العربية الإسلامية (1) . ولقد عند”ت مؤلفات الجاحظ » نخاصة ١‏ البيان 
والتبيين ) أهم” وثيقة عن دور المتكلمين في إرساء أسس البلاغة وضبط 
مقاييسها (2) . 

2 كان" الجاحظ سيطيع البحث البلاغي » في مستوى التتصورات 
الكبرى وحتى ف بعض قضاياه الجزئية » بطابعه الخاص"” وستكون مؤلفاته 
أهم” مرجع لعلماء البلاغة بعده تشير إليه وتنقل عنه وتشيد بفضله (3) . فكانت 


(1) انظر : ميشال عاصي : مفاهيم الجمالية والنقد في أدب الجاحظ - دار العل للملايين ط 1 
بيروت » 1974 . ص 9. 


(2) نشير في هذا الصدد إلى أن كل المؤلفات التي قر أناها في الموضوع تعود في حديثها عن دور 
المعتزلة إلى مؤلفات الجاحظ . ونكتفي بذاكر مشال واحد عن ذلك لعله يوضح أهمية هذه 
المؤلفات خاصة البيان والتبيين فلقد أحال شوقي ضيف في القسم المخصص المعتزلة 
على مصادر قديمة إحدى وعشرين مرة استأئرت كتب الجاحظ بخمس عشرة . انظر : البلاغة 
تطور وتاريخ دار المعارف بمصر - ط 2 : قاهرة » (دت) ص 32- 45 1 


(3) ل يشذ عن ذلك - ني ما نعلم - إلا اسحاق بن وهب الكاتب (القرن الرابع) في كتابه البرهان 
في وجوه البيان » تحقيق : أحمد مطلوب وخديجة الحديثى ط 1 . بغداد » 1967 » حيث 
يقول في ص 56 « أما بعد » فانك كنت ذكرت لي وقوفك على كتاب الجاحظ الذي سماه 
كتاب البيان والتبيين ( كذا) وأنك وجدته إنما ذكر فيه أخبارا منتخلة وخطبا منتخبة » 
م يأت فيه بوظائف البيان » ولا أتى على أقسامه في هذا آللسان » فكان عندك ما وقفت عليه 
غير مستحق لهذا الاسم الذي نسب إليه» . 

وقد يحمل هذا على تقليد معروف في الحضارة العربية الاسلامية » فالمؤلف المتأخر 

يحاول أن يجد مطعنا على المتقدم حتى يقنع بضرورة كتابه » وإلا فإنه » على اختلاف المقاصد 

من التأليث » قد أنساق وراء الجاحظ وقسم وجوه البيان قسمته وأكثر من النقل عنه وقد 
تفطن المحققان إلى ذلك وأشارا إليه أثناء التحقيق (انظر : ص 32) ؛ ثم حتى هذا التحامل 
فإنه يدل دلالة تاريخية ذات قيمة مفادها أن كتاب « الجاحظ » هو الكتاب الوحيد المختص 

بهذا الموضوع أو أن له من الخصائص ما حجب كل المحاولات الأخرى - إن وجدث - 
مما يؤكد على دور آالجاحظ ومكانته في تاريخ التأليف البلاغي . ويدعم هذا الرأي ما قاله 
السكري في الصناعتين » تحقيق : على محمد البجاوي . وأبو الفضل ابراهيهم » ط 2 » 
القاهرة 1 ص 10 - 11 . «وكان أكبرها وأشهرها كتاب « آلبيان و التبيين » لأني 
عثمان عمرو بن بحر الجاحظ وهو لعمري كبير الفوائد » جم المنافع لما اشتمل عليه من الفصولٌ 
الشريفة » والفقر اللطيفة والخطب الرأئعة » والأخبار البارعة وما حواه من أسماء الخطباء 

وما نبه عليه من مقاديرهم في البلاغة و الخطابة وغير ذلك من فنونه الممتازة ونعوته المستحسنة » . 


ولم يستطع ابن قتيبة » خصي م الجاحظ من وجهة عقائدية » ورغم فورات 
الغضب التي تنتابه وهو يستعرض بعض آرائه » أن يفلت من تسلط كثير من آراله اللغوية 





والبيانية عليه وإن كان لا يبلغ في تفسيرها وتعليلها عمق الجاحظ ودقة نظره رغم توسعه 
في استعراض التفاصيل بكيفية لم نلحظها عند سلفه . انظر على سبيل المثال . تأويل مشكل 
القرآن : نشر أحمد صقر - دار التراث:ط 2 » القاهرة 1973 ص 13 : 21 + 101 ٠‏ 


15 


هذه المؤلفات بمثابة الذاكرة التي حفظت لنا أطوار العلم الأولى وفتحت 
السبيل إليها كما حملت ملامح ما تلآها وتولد عنها وبذلك تكون قد قامت 
بوظيفة مزدوجة : استقطاب ما سبق وتمثله ثم الزيادة عليه » ونشره ليستفيد 
منه اللأحق ويبني عليه . 

لذيك رأينا أن نقسم هذا المبحث إلى ثلاثة سام يحتل” منها الجاحظ 
. المركز : ما قبل الجاحظ » الحدث الجاحظي » ما بعد الحاحظ : 


16 


البتلافاننن باج 


مك ” 


تعتبر هذه المرحلة أقل” المراحل وضوحا وأكثرها استعصاء على الضبط 
الداقيق لأنها تمثل طور نشأة العلم وبداية التتعرض لسائله المختلفة . وليست 
هذه الصعوبة -- ني رأينا -- خاصة بالبلاغة دون غيرها من العلوم العربيّة 
الإسلامية الأخرى . فلقد واجهت المشتغلين بتاريخها عقبات ولاقؤا نفس 
المشاكل في تحديد ١‏ أوائلها» . وتكاد الأسباب تكون نفس الأسباب 
فمنها ما يمكن أن نسميه « مبدثيا ) يتعلدّق برؤية المصادر التي نعتمدها ‏ وقد 

نشترك فيه علنان أو أكترات إلى قفضثة الشفأة + ومنها ما هو حضاري عام" 
عن في قلة الوثائق والمستندات التي نستطيع ٠‏ اعتمادا عليها » أن نضبط 
خصائص هذه النشأة واتجاهها . 

أمما الناحية الأولى فتعود إلى تعلّق الروايات بمعرفة أول إنسان بدأ على 
يديه علم من العلوم رمي قناعة تكاد تكون السمة الغالية على كمي 
التتراجم والطبقات 6 حتى أنهم أوجدوا قُ تقاليدهم كتبا تسمى « كتب 
الأوائل » (1) . وهذه الروايات ؛ إلى جانب ما قد نصادف لدى 00 من 
الاعتقاد بأن 7 قزانه تو ند امفرما ق 3 حمطت 0 ص 
يل شخعخص مع دوك أن شد و مكنت العلم 
(1) أشار أمين الخولي إلى هذه المسألة في. كتابه : مناهج تجديد في النحو والبلاغة والآدب دار 

المعرفة » ط 1 ٠‏ 1961 ص 101 را لائل كنا رهذا ارات جنا اب الأو ائل لأبي 

هلال العسكري والأوائل للسيوطي نظر : ص 103 إحالة رقم 1 . 


19 


أن يتبلور في مرحلة من المراحل . هكذا قالوا في نشأة النحو ‏ على بد أبى الأسود 
الدؤلي ( ت 67 ه) في تصوره العام” وحتى ني بعض القضايا الجزئية المتصلة به (1). 

وتتعلق التاحية الثانية بقلة ما وصلنا عن هذه الفترة من مؤلفات واضحة 
الصلة بمجال بحثنا » فما بحوزتنا يكاد لا يعدو جَّمْلة” من الأخبار المتفرقة 
احتفظت لنا بها كتب الأدب التى آألّفت في عصور لاحقة وإشارات متفاوتة 
الشينة امعط مدا ها م "كاوس عق الها النذرة سبول كتيا كدت ون أخرامن 
صلتها بالبلاغة صلة عرضية فجاءت مسائلها على غير نظام وكثيرا ١‏ وقفت 
عند حد الإشارة والّمحة . وفي إمكاننا أن نجزم أنه لم يصلنا كتاب مخصص 
للبحث البلاغي عل ققرة ما أشارات إليه كتب الطبقات والتراجم من مؤلفات 
قد نفهم من عناوينها أن لها علاقة” بهذا العلم (2) . 


(0) انظر : ابن النديم : الفهر ست » ط. أوروبيا » مكتبة خياط » بيروت (د. ت) ص 40 , 
(2) يذكر ابن النديم بي الفهرست تحقيق فلو جسل » مكتبة خياط » بيروت (د. ت) ص 34 . 
في باب « ما ألف في معاني القرآن ومشكله ومجازه » للكسائي (ت. 189) والأخفش (ت. 211) 
والرؤاسي (ت. 175) ويونس بن حبيب (ت. 183) وقطرب (ت. 206) ومؤرج السدوسي 
(ت.195ه) كتبا في معاني القرآن. ولكن يبدو أن اتجأه هذه المؤلفات لغوي بالنظر إلى اختصاص 
مؤلفيها واعتمادا على نموذج منها وهو كتاب معاني القرآن للفراء (ت. 207). وهو مؤلف يقع 
في ثلاثة أجزاء نشرت بمصر بين 1955 و1973 . فهو » على أهميته النسبية في التعرض إل 
بعض مسائل البلاغة - وسنبين ذلك في مكان آخر - يبقى كتاب لغة متصلا بما يثير القرآن 
من قضايا متعلقة بالقراءات والكلمات والتراكيب أحيانا . أما ياقوت فيذكر في معجم 
الأدباء . ط. القاهرة » 1936 1939 » 4/258 » 106/7 . كتاب مجاز القرآن 
لقطسرب وك5: اب الفصاحة لأبي حاتم السجستاني (ت. 255) وهي كتب لا نمل عنهأ 
شيئا والأرجح أن تكون كتب أدب لا كتب تعليل وتحليل بلاغيين . ولعل كتاب صناعة 
الشعر لعبد الله بن أحمد بن حرب بن خالد أبي هفان المهزمي اللغوي الشاعر (ت. 195) « يمع 
بين أقدم المصادر آلتي قد يكون لها صلة بالنقد » والبلاغة (أنظر : جميل سعيد » داود سلوم : 
نصوص النظرية النقدية في القرنين الغالث والرابع للهجرة - بغداد ‏ 1971 ص 11) . ومما 
يزيد من أهمية هذا الكتاب إشارة وردت على لسان ابن الانباري في نزهة الألباء في طبقات 
الأدباء ط مصر »1294 »ص 117 مفادها أن الأوائل كانوا يطلقون على هذا الفن - البلاغة - 
إر صلعة الشعر ( وهذه الملحظة أخذناها عن : عمر الملاحويش 5 تطور درأسات إعجاز 
القرآن وأثرها في البلاغة العربية » بغداد 1972 ص 345 . ولكن رغم هذه الملاحظة فإننا نميل 
إلى عدم اعتبار هذا الكتاب كتاب بلاغة يدرس الأساليب ويصنفها ويبوب المسائل بمصطلحاتها 
ومن هنا فإن قيمته في الموضوع قد لا تتجاوز قيمة الكتب التي نعرفها . 
وتجدر الملاحظة أن الباحث يشعر أحيانا بخيبة أمل عندما يخرج المحققون على الناس 
ببعض الآثار التى كان ين » من عنوائها أو من شهادة القدماء فيها » أنها عظيمة الشأن في 
الموضوع الذي يهتم به » نذكر على سبيل المثال رسالة المبرد (ت. 285) في البلاغة فهي أول 
مؤلف ©) لحسبا علمنا © صر بح العلاقة «النبحيك البلاغي إلى هذا الحد وقد عر عليها رمضان 
عبد التواب وحققها ط1 » القاهرة » 1965 »© فإذا بها صغيرة الحجم (لا تزيد على_تسع 
صفحات) متواضعة المحتوى إذ ما تضمنته من معلومات عن بلاغة الشعر وبلاغة النثر أقل بكثير 
مما نعرف وأقل مما قاله المبرد نفسه في كتبه الأخرى . 


20 


م 


ولهذا رأينا بدل الجري وراء أول من ألف في « البيان ) أو في ١‏ البديع ( 
أَوْ «ني المعانى » (1) أن نبحث عن العوامل الثقافية والتاريخية والحضارية 
العامة التى نعتقد أنّها ساعدت على تبلور التفكير 2 وأوجدت المناخ 
الملاثم لبروز هذه المشاغل فحملت الناس على التفكير ني الاغة تفكيرا معياريا 
جماليا بتر صد عناصر الجودة فيها ويصف الأساليت ا معتمدا على 
ما بينها من تفاضل 

والبحث في العوامل لا ينفصل » رغم صلته الوثيقة بم رغيلة النتشأة: + 
عن بقية أطوار البلاغة مما قد يضطر نا » احتجاجا لأأهمئّية هذا العامل أو ذاك » 
أن نتخطى حدود هذا القسم فنستعين بمؤلفات من فترات متأخرة باحثين عن 
صدى هذه العوامل فيها 

ونستعر ض ي 5 في مرحلة ثانية » المادة البلاغية التي تمخضت عن تفاعل 
تلك العوامل ني هذا الطور الأول 








(1) هذا النوع من البحث سنه القدماء وتبعهم فيه المعاصرو ون » وكثيرا ما لاحظنا أن الأمر ينقلب 
إلى جدل غير مجد حول أسبقية علم في فن من الفئون البلاغية وسبب ذلك كما أشرنا © فساد 
المنطلق . ومن أقدم من رأينا لديهم » في العصر الحديث » هذا الحرص على تعليق بداية كل 
قسم من أقسام البلاغة يشخص معين الشيخ أحمد الاسكندري في كتابه تاريخ أدب اللغة العر بية 

في العصر العباسي ط 1 » مصر 1912 ص 98- 99 . 


21 


1 عوامل النسسأة 


[١‏ الشعس: 


إن" أهمية الشّعر في الحضارة العربية الإسلامية باعتباره من أبرز خخصائصها 
ومدخلا ضروريا لدراستها وفهلم روحها أو لا يحتاج إلى دليل : يكاد يجمع 
المهتمون بها على أن شأ"ن الشّعر فيها لا يوجد في حضارة سواها . وأنّه قل 
أن' نصادف في تاريخ الإنسانية الطتويل قوما اهتموا بأدبهم اهتمام الُعرب 
بشعر هم . ولا نمطا ني العيش داخل الشعر أغلب مستوياته مثل ما وقع في 
الحياة العربية حتى روئ الشّعر عن مشاهير ساستهم وشهد لبعضهم أنه 
( انقد اهل زمانه للشعر وانفذهم فيه معر فة ( )1( ويذكر الجاحظط متعددثا 
عن نفس الشخص أنه «ما أبرم عمر بن الخطاب أمرا قط إلا تمثل ببيت 
شعر » (2) ولمكانة الشاعر عندهم كانت الملوك والأمراء تقبل شفاعتهم 
وما زالت الشعراء قديما تشفع عند الملوك والأمراء وذوي قرابتها فيشفعون 
بشفاعتهم وينالون الرتب بهم) (3) . 


(01) ابن رشيق » العمدة » ط 4 » 1972 2 33/1 . 
(2) الجاحظ » الحيوان » ط 3 » 1969 + 590/5 . 
(3) ابن رشيتق » العمدة » 58/1 . 


043 


ولااشلك أن لذلك أسبانا تر تبط بنمط حياتهم وبنية مجتمعهم أفاضت 
المصادر في ذكرها وتناقلها الخلف منهم عن السّلف . فلقد كان الشعر 
أهم" عنصر في بنية مجتمعهم الثقافية ونسّط التعبير الذي شغلهم عن التفكير 
ف أنفاط أخرى, فلقد كان كما يقول ابن سلام الجمحي (ت. 231 ه) 
) علم قوم ١‏ يكن لهم علم أصح مله ) (1) . 

ولذلك ففخ الطبييى ‏ أن يحدل” تلك ال مكانة وأن يعلقزا نه ماد" 
الوظائف التي نعلقها » نحن اليوم » على الأدب والثقافة ومختلف وسائل 
التعبير المتوفرة لنا » فقد كان وسيلتهم التي قيدوا بها مآ ثرهم وصوروا 
حياتهم وما جد فيها من أحداث جسام وأصلا يحتكمون إليه في بقية 
علومهم » ولقد أتى ابن خلدون (ت. 808 ه) على ذلك ف قوله « واعلم 
أن فن الشعر من بين الكلام كان شريفا عند العرب ولذلك جعلوه ديوان 
علومهم وأخبارهم وشاهد صوابهم وخطئهم وأصلا يرجعون إليه في الكثير 
من علومهم وحكمهم ) 020 . 

ول تقتصر وظيفة الشعر على هذا فقط فنبه عنبدروا عن مختلف العواطف 
والأحاسيس التي تخالجهم وعن طريقه كانوا يؤثرون في غيرهم ويحملونهم 
على الحماس ويغرسون فيهم آخلاقهم وبداتو نهم على حسن الشيم (03. 

ونكاد لا نشك ني أن العرب الأوائل كانوا مدر كين » ولو عن طريق 
الانطباع والفطرة » لحتيلة من خصائصه التوعية ولا سيما ما يتعلق 


)1( ابن سلام الجمحي ٠‏ طبقات فحول الشعراء » تحقيق وشرح محمود محمد شاكر » القاهرة 
2 ») ص 22 . 


)2( ابن خلدون » المقدمة » طبعة دار الكتاب اللبنانىي » ص 1098 . 

(3) انظر : في وظيفة الشعر ومكانته الحيوان. » 590/5672/1 ٠»‏ مجالس ثعلي » تحقيق 
عبد السلام محمد هارون »ء ط. دار المعارف (د. ت ص 53 »2 نقد الشعر لقدامة بن جعفر » 
تحقيق س.. أ. بونيباكر » ليدن بريل ٠‏ 1956 » ص 3 » عيار الشعر لابن طباطبا » تحقيق 
طه الحاجري ومحمد زغلول سلام . مصر 1956 » ص 5-4 العمدة » 16/1 » 19 . 22 » 
7 © 40 ع 49ء منهاج البلغاء وسراج الأدباء حازم القرطاجني » تحقيق مد الحبيب 
بلخوجة » تونس 1966 » ص 249 » 252 » 294 » المقدمة » ص 1088 وما دعدها , 


24 


منها بأهميّة البعد الدّغوي فيه والطرق التى يتشكل حسبها هذا البعد بحيث 
لا يتأتى لكل واحد منهم أن يكون شاعراء يدل على ذلك المكانة 
المرموقة التي حظي بها الشاعر في السلم الاجتماعي واعتبارهم إياه مخلوقا 
« من نوع خاص » يتمتع بقدرات خحارقة على الفطنة بما لا يفطن به الناس » 
والتتطلّع إلى الغيب وإقامة علاقات مع عالم الجن والشياطين . 

وقد احتفظت المصادر بجملة من الأخبار عن هذه الفترة تتضمن 
ملاحظات تُمَقّل » رغم تواضعها ء اللّبتَة الأولى ني العمل التقدي 
والبلاغي وتشير إلى بداية الاهتمام بقضية الصياغة . 

وقد بدت لنا هذه الأخبار متفاوتة القيمة رغم انتمائها إلى عص 
واحد » فرأينا أن" نقسّمها ثلاثة أقسام بحسب أهميتها في موضوع بحثنا 
ودرجة نضح الأحكام التى تضمنتها . 

- يقوم القسم الأول منها » ف نطاق المفاضلة بين شاعر وآخر » على 
مجرد الانطباع ٠»‏ ويقوم التعليل فيها ‏ إن وجد - على عناصر لا تتعلق 
بالشعر نفسه » وحتى إن" تعلقت به قلا يعدو ذللك” الصّيغة اللّغوية 
الح كيه ماعن 2 شيو قن التعر عو لمر الو 

من ذلك«ما' تروىق: كتب الآذت عن آم" جنداب وقعدة امبو 
القيس حين عرض عليها أن تقضي بين زوجها وعلقمة الفحل فحكمت 
لعلقمة وقالت لزوجها «علقمة أشعر منك قال كيف ؟ قالت » لأأنّك 
قلت : (طويل) 
فَالسؤوط ألْهُوب و الساق درّة | والزجر مه وقع أخرج مهذب 
فجتهدات فرسك بسوطك في زجرله ومتريئته فأتثعتبتته بساققك ؛ وقال” 
علقّمة” : (طويل) 
دادر كين #النااس انه اخ كير الزاكتد «المتحليهم 


فأدرك فرسه ثانيا من عنانه ولم يضربه ولح يتعبه ) (1) 


(1) المرزباني » الموشح » تحقيق : على محمد البجاوي » دار النهضة » مصر» القاهرة 1965 . 


25 


فواضح من هذه الرواية ان" علقمة تفوق على امرىء القيس لا 
بفته الشعري وإنما بتعبيره أكثر منه عن طبيعة الحياة الجاهلية فوصف سرعةة” 
جواد ه طبق قوانين و الأصالة )» عندهم : 


ويدخل في هذا القس م الأول أيضا ما ل عن النابغة الذبياني وقد 
نصبته العرب يحكم 0 الشعرا ء لنياهته ؛ وما كان أه مع حسان بن ثابت 
عندما لم يرض هذا الأخير بحكمه وتطاول عليه مداعيا أنه أشعر منه ومن 
الكزماء + شيع قل عليه النايقة” الأعوت وق «الخنماء عل يناك 
جنسها » فثارت ثائرة حسان وتطاول عليه مدعيا أنه أشعر منه ومن الخنساء » 
فقال له النابغة حيث تقول ماذا ؟ قال : حيث أقول : (طويل) 
ل الا ل 2 
ولدنا بني العنقاء وابني حرق 22 وأكرم بنا خالا وأكرم بنا اينما 
فقال له النابغة : « إنك لشاعر لو لا أنتك قلت عدد جفانك وفخرت بمن 
ولدت ولم تفخر بمن ولدك » وف رواية أخرى : فقال له : إنك قلت 
الجفنات فقدلت العدد ولو قلت الجفان لكان أكثر » وقلت يلمعن في 
الضحى ٠»‏ ولو قلت يبرقن بالدجى لكان أبلغ ني المديح لآن” الضيف بالليل 
أكثر طروقا » وقلت : يقطرن من نجدة دما » فدللت على قلة القتل » ولو 
قلت يجرين لكان أكثر لانصباب الدم » وفخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن 
ولدك » فقام حسان منكسرا منقطعا » (1) . 


فهذه الرواية ‏ وغيرها ‏ (2) تدل على بداية الوعي بضرورة انطلاق 
الأحكام من الشعر نفسه بالدّظر في خصائص لغته » والاقتناع بأن الألفاظ 


(1) انظر : شوقي ضيف : البلاغة تطور وتاريخ ء ص 11 . وانظر و ُِ أخبار سان والتابنة 
الأصبهانى : الأغاني دار مكتبة الحياة » ببروت ؛ (د. ت) 4 وما بعدها و330/9 ؛ 
قاد بن جتفر : نقد الشعر :56-25 وم يأل هذا الأخير جهدا في الدفاع عن حسان 


3 في حكم النابغة , 


)2( 00 شوقى ضيف : الكتاب المذكور ص 1ن 


26 


وإنث 6 ار نفس الحيز الدلالي فإن بعضها أ لصق بال مو ضوع من بعضها 
الآخر و ر ملائمة لالمعنى الذي قصدهة الشاعر ومن 3-0 |أنت ضرورة 5 || تفكير 


فيها واختيارها طبق الغرض . 


27 


أمنا القسم الثاني فجملة أخبار تدل على تفطن الشعراء إلى ضرورة 
تعهد الصياغة الفتية وتنقيح الشعر وتصنيفه حتى يكون الكلام ذا طابع مميز . 

وني هذا وعي - غامض لا محالة ‏ بأهميّة عنصر الاختيار بي العمل 
الكتدر ‏ عاو ا فطرة والسليقة في الأدب العرب ى © وإقرار ضمني 
0 الكلام في الفصاحة » وأول مظهر من تادر اناه في الأدت 
والفن ولوتكاة لجيع المصادر على أن" تذلك كان نزعة قارة عند بعض الشعراء 
الجاهليين ويبدو أن زهير بن أبي سلمى كان رأس هذا المذهب وزعيمه . 


يقول الجاحظط : ومن شعراء العر ب من كان يدع القصيدة تمكث 
عندذهة حوللا كريتا وزمنا طويلا » برداد فيها نظره ودجيل ا عقله » ويقلب 
فيها رأيه اتهاما لعقله وتتبعا على نفسه ؛ فيجعل عقله زماما على رأيه » ورأيه 
عيارا على شعره + إشفاقا على أديه » و( حرازا لما خوله الله تعالى من نعمته » 
وكانوا عون تاك القصائد 1 الحوليئات والمقلدات والمنشحات 4 
والستكتااك ماهو «الليذاء خداك ”كار ميا قاع ا الفا 11 

وقد ذكر ذلك ني أشعارهم » وهو لا شك يدل على درجة من الوعي 
متطورة بأن يجعل الشاعر الخوض في هذه القضية موضوح شعره 

فمن شعر كعب بن زهير : (طويل) 


0 ا 


فمن للقوافي شأنها مسن يحوكها إذا ما وى كعب وفوز جرول” 
كفيك لا تلقى من الناس واحدا تنخل منهسا مشل مسا تستخل 


نثقفها حتتى 8 يتؤونها تنتتصر عبني كل مكل وه 





(1) الجاحظ : البيان والتبيين » 9/2 . 
(2) أبو الفرج : الأغاني 339/15 . 


22 


ومن شعر الحطيئة 8 (متقارب) 
تحن علىئ هدك المليك 2 فان لكل مقام مقالا (1) 


ويبدو أن ذلك كان شأنهم ٍ تصريف شؤونهم الهامّة فهم يحرصون 
على صياغة أفكار رهم والتعبير عنها في أحسن صورة تنصهر فيها الوسيلة اللغورة 
مع الفكرة انصهارا فتخرج للناس مصفاة كأنها أفرغت إفراغا واحدا . 


« وكانوا إذا احتاجوا إلى الرأي في معاظم ذفن وتعوناف: ال مون موا 
الكلام ني موزهم وقيدوه على أنفسهم فإذا قومه الثتفاف وأدخل الكير وقام 
على الخلاص أبرزوه #ككا منقحا ومصفى من الأدناس مهذبا » (2) . 

ولقد دفعت هذه الظاهرة ٠»‏ عنك العرب الأوائل 4 العلماء” بالشسعر 
وصناعةء منل القديم إلى رفض الفكر ةّ القائلة أن" الشعراء القدامى . كان 
يأتيهم الشعر عر 30 والفطرة » وبوأوا « الدارية ») مكانة هامة في مقاييس 
التفوق فيه » وأضافوا إليه النظر إلى فصاحة الكلام والمعرفة بأساليب القول 
وفلوله » فيقول ابن رشيق : ( العرب كانت تنظار ف قصاحة الكلام وجزالته 
وبسط المعنى وإبرازه وإتقان بنية الشعر وإحكام القواني وتلاحم الكلام بعضه 

. )3( ) 

وقد بالغ البعض منهم في تقرير هذا الجانب فرفض » أو يكاد » دور 
الفطرة والموهبة وأرجع قول الشعر إلى معرفة قوانين النظم وحذق وسائل 
الصناعة : لم أجد شاعرا مجيدا من شعراء الجاهلية إلا وقد لزم شاعرا آخر 
مداة طويلة وتعلم منه قوانين النظم » واستفاد عنه الدربة في أنحاء التصاريف 
البلاغية » (4) . 


)1( المبرد : الكامل » دار مكتبة المعارف ٠+‏ بيروت »؛ (د. ت) 357/1 . 
(2) الجاحظ : البيان والعبيين » 14/2 . 

(3) ابن 0 : العمدة » 129/1 . 

(4) حازم القر » منهاج البلغاء » ص 12 . 


28 


أما القسم الثالث من هذه الروايات فهو أكثرها صراحة في الانتساب 
إلى المباحث البلاغية وأعمقها دلالة على إدراكهم لخصائص الشعر التي تقوم ؛ 
أساسا ؛ على القدرة على صياغة الصورة الفنية » وإن كان ذلك لم يتجاوز 
في علمنا - التشبيه » وهو أقرب درجات التصوير الفني وأكثرها انتشارا 
في الشعر العربى » إلا أن ذلك لا يمنعنا من التأكيد على أهمية التفطن لهذا 
الأمر نخاصة 1 تلك الفترة المبكرة . 


من ذلك ما كان من أمر ز هيار ونع أنه كعبت وإشفاقه عليه دن قول 
الشعر صبيا » فلقد كان يمنعه من ذلك لأنه لم يكن متأكدا من قدرته عليه 
فلما رآه جيك الوصف ويدقق التشبيه 5 له بتعاطيه )1( 3 


وما يحكيه ابن قتيبة ‏ (2) عن طرفة وكيف تفجرت قدرته على 


الوصف 4 وكان صبيأ 4 أثناء :رسجلة صيدك فتوقع من معه تبوغه الشعر ي 5 


ويروي الجاحظ (3) أن عيلك الرحمن بن حساك الأنصاري قال وهو 
صعير : (سيط ) 


الله يعلم اق قلت شاد في دار حسان أصطاد اليعاسييا 


وقال لأبيه وهو صبسي - ورجع إليه وهو يبكي ويقول : لسعني طائر ! قال : 
فصفه لي يا بني قال : كأنه ثوب حبرة قال حسان : قال ابني الشعر ورب 
الكعية » . ْ 

فين من هذه الروايات أن العرب تجاوزت مجرد التذوق والانفعال 
إلى ربط البراعة في نظم الشعر بالبراعة في صياغة الصورة الفنية ؛ ولكن بدون 
أن يتحول ذلك إلى دراسة منظمة وتحليل وتعليل لهذه الصور والأساليب » 





)01 علي بن ظافر الأزدي 2 بدائع البدائه» تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم » مكتبة الأتجلو » 
القاهرة © 1970 . 


(2) ابن قتيبة » الشعر والشعسراء » ليدن » بريل ٠»‏ 1902 » 188/1 . 
(3) الجاحظ » الحيوان » 65/5 . 


29 


التعريف بها والإشارة إلى أسباب الحسن . وهي مباحث لم تهيئهم حياتهم 
العقلية البسيطة. في ذلك الوقت إلى خوضها مما سيتوفر لغيرهم بمفعول حوادث 
أخرئق تجد اق في المجتمع العربي الاسلامسي 


ولقد تواصل الاهتمام بالشعر ف العصور المتأخرة 6 وكانت العلوم 
الإسلامية الناشعة تستغله من الوجهة التى تناسب مو ضوع ببحثها 34 ولعل من 
وأشهر من اهتم به في الفترة التي تهمناء طبقات اللغويين والنحاة » فقد شدو 
الرحال إلى مسنتلف القبائل يرووت عنها الشاهد و والمثل” » ويقيدون ذلك ق 
نطاق ما يسمى في تاريخ العلوم اللغوية بحركة الجمّع . ولقد أددى اهتمام 
هذه الطائفة بالشعر في وقت مبكر إلى جملة من النتائج سيكون لها أبعد الآثر 
قُ تاريخ البلاغة والنقد عند العرب . 

ولعل من أهم " تلك النتائج الصلة الوثيقة التي أقاموها بين النشاط اللغوي 
ونين ن العمل النقدي باعتبار هم ا عت مشاركة جدرة عه لشينا سم في 
إقرار جملة من المقايس التي يقوم عليها » ولا نستبعد أن يكون الطابع اللغوي 
الذي أصبح سمة من سمات النقد العربي البارزة أتاه من هذه المرحلة طيلة 
التقرن الثانى وبداية الثالث - حيث كان اللغويون ينتصبون حكاما على الشعر 
والشعراء ويأخذونهم بمقابيسهم المتصلبة » ولقد كان لغويون كابني عمرو 
ابن العلاء وابن الع راسي والاصيين طْرٍ فا هاما قُ ما جل م ن صراع بين 
القدماء والمحدثين ؛ ولقد تولوا هي الوقوف في وجه تيارات التجديد الوليدة 
في ذلك الوقت » ودافعوا عن الذوق العربي القديم والصيغة الشعرية وأقروا 
الميادىء التى تقوم عليها « فحولة الشعراء ) ليكون لاشاعر على غيره ( مزية 
كمزية الفحل على الحقاق») (1) : ولقد أورد ابن رشيق ميجموعة كبيرة من 
الأخبار تعلق بمفهوم هؤلاء للفحولة » خاصة الأصمعي (2) وموقفهم من 








(1) المرزباني » الموشح »2 63 . 
(2) ابن رشيق العمدة 132/1 . 


30 


المولندين (1) ورغم تنبه النقاد منذ زمن مبكر إلى خطورة اللغوبين على الشعر » 
وتعلق أحكامهم بأغراض منه ليست من جوهره » وعلى أساس ذلك فسّروا 
موقفهم من المولدين » بل إن منهم من لو لم يعقد الحياء لسانه لذكر من عيوبهم 
ما لا يتصوّر : « ول أر غاية النحويين إل كل شعر فيه إعراب ول أر غاية 
رواة الأشعار إلا كل" شعر فيه غريب أو معنى صعب يحتاج إلى الاستخراج 
ولو لا أن أكون عيابا ثم للعلماء خاصة ؛ لصورت لك في هذا الكتاب بعض 


ما سمعثت من أي عبيدة »© ومن هو أبعد قُ وهمكٌ م لك عبيدة غ2 22( 5 


رغم كل ذلك فإنهم استفادوا من حركتهم استفادة كبيرة وأسسوا 
على مواقفهم ا من آرائهم قُ قضايا الشعر والبلاغة )03( 2 


ولم يقف الأمر عند هذا الحد فلقد أسهموا في تشكيل الذوق الأدبى 
عند العرب بصفة عامة وسرى مفعول ذلك إلى وقت متأخر جدا وصل إلى 
مشارف القرن السادس وذلك على مستويين على الأقل : 


الممستوى الأول في ضرورة النسج 0 منهج القدماء انطلاقا من تحديدهم 
الفصاحة والتفوق ٠‏ وربط ذلك جغرافيا بالقبائل التي لم تداخل لغتها العجمة 
والفساد وتارييخيا بحدود النصف الأول من 0 الثاني » مما يعني أنهم ربطوا 
ذلك أساسا بالشعر وعلى ضوئه حددوا المقاييس اللغوية الثتى يجب أن يتوخناها 
الشعراء المحدثون » ومختلف الأساليب التي يجب 0 يأخذ بها الشعرا 
أنفسهم . ولا نعتقد أن رأي الخليل - وهو رأي يدل على تفطنه إلى أن خمصائص 
الشعر وحرية الشاعر فوق ما يقرر اللغويون - القائل : ١‏ الشعراء أمراء الكلام 
يصرفونه أنى شاءوا ويجوز لهم ما لا يجوز لغير هم من إطلاق المعنى وتقييده 





(1) ابن رشيق العمدة 90/1 -91 . 

(2) الجاحظ » البيان و التبيين 24/4 1 

)2 يكفي دليلا على ذلك أن ذر جع إلى كتابى الساحظ البيان و التبيين والحيوان وأن ننظر إلى 
فهارس الأعلام الدقيقة الي ألحقها عسك السلام هارونث بالسحقيق . 


31 


ومن تصريف اللفظ وتعقيده ومد" المقصور وقصر الممدود والجمع بين لغاته 
والتفريق بين صفاته واستخراج ما كلت الألسن عن وصفه ونعته والأذهان 
عن فهمه وإيضاحه فيقربون البعيد ويبعدون القريب ويحتج بهم ولا يحتج 
عليهم ) (1) أنه كان مسموعا في تلك الجابة التي أحدثها اللغويون غيره حول 
الشعر والشعراء . 

أما المستوى الثاني الذي يبرز فيه تأثيرهم العميق في الذوق العربي فيتمثّل 
في الأهمية البالغة التي حظي بها التشبيه كقسم من أقسام الصورة الفنية في 

ولا شك" أن اللغوبين م يختلقوا ذلك اختلاقا ؛ فلقد كان » لأسباب 
تفوة لل ظيعة القأة الستوى القن "فى اللقة:واعتبان 'النشبية: أوالى در جات 
ذلك المستوى (2) » غالبا على شعر القدامى مما جعله يلفت انتباه هؤلاء اللغويين 
وعلى أساسه أقاموا معظم تصورهم للفن الشعري بل أقاموا على أساسه تعريفهم 
للشعر (3) . ولقد بين لنا البحث في مختلف المصادر التي اعتمدناها في هذا 
العمل أن التشبيه كان من الوجوه البلاغية الأولى التي وقع ضبطها وتحديد 
أقسامها ووظائفها وتسحديد الجيد مله والرديء 7 


ولكن لا بد أن نشير إل أن دور اللغويين هذا » رغم أهميته » جاء 
عرضا ؛ لأن” ذلك لم يكن ما يعنيهم من الشعر بالدرجة الأولى » لذلك لم تثمر 
دراستهم له معطيات واضحة تتعلق بالبلاغة » ويشمل هذا الحكم طبقة 
اللغويين الأوائل الذين لم تصلنا منهم مؤلفات كاملة فيها تفكير متواصل في 
قضايا اللغة وتخريج لمختلف ما طرحته مادتها الغزيرة التي تجمعت لديهم 


(1) حازم القرطاجني » منهاج البلغاء 143 - 144 . 


)2( أنظر : 
ندر 
.مم ,1971 105آ8 .60 عصطة[7 ,كمنتوتج«اعء1 ع36 2ه عأنززى عط : أمووع 02 اعومة لط 


(3) انظر : أحمد جابر عصفور : الصورة الفنية في السراث البلاغي والنقدي » القاهرة 1974 
ص 121 - 203 , 1 ١‏ 


32 


وهو عمل سيقوم به فريق آخر من اللغويين سنعرض آراءهم في محل آخر 
هذا البحث بعد أن ننتهي م ن استغر ان الأسيا ب 


ب 2 القرآن : 
لاشك أن نزول ب ع صرب ا 
الإسلامية فيما بعد » ولإبراز قيمة هذا المنعرج التاررٍ بيخي الحاسم الصق به 
يعض اليمين بالحضارة الغربية .مق 'المستشرفين لفظة الث (8 بح 
ل | على الأثر العميق الذي خلفه في طابع هذه الحضارة والدور الأساسي 
الذي لعبه في تحويل ممجرى حياة الشعب الذي نزل عليه» على المستويات كانها. 


ولقد احتوت هذه الرسالة السماوية من الخصائص ما ميزها على كل 
ما سبقها وهيأها لتلعب دورا حضاريا لم تقم بمثله الكتب المنزلة الأخرى » 
ومن أكبر خصائصها ؛ بالإضافة إلى جمعها بين البعد الروحى العقائدي واليعد 
الدنيوي المدنى» أنها اتخذت من شكلها االغوي 1 الرسول الذي 
اصطفاه الخالق ليبلغ عنه » فكانت معجزته من لخصائص اللغة في الرسالة 
وجودتها » زيادة عما يحتويه من أخبار عن الغيب وقصص عن الأمم السالفة 
ترد على لسان رجل أمي ني لا يعرف القراءة والكتابة (2) » ومن تحديه من نزل 
عليهم » وهم مهم اقدرة بيان وطلاقة لسان » أن يأتوا بشيء مثله (3) فأذعنوا 
ولم يعارضوا (4) . ول تستطع ردود الفعل الأولى الرافضة لهذه الرسالة » 


.8 رقلكة1 رانهنه0) لتك اتمأنل11ل 110 : عتقطعو1ا8 .1 
2( أو ول بعضص المستشرقين مقفهوم والأمي » تأويلد غير معهو د وذهبوا 4 أعتمادا على عم المعاني 
التار يخي » إلى أن هذه الكلمة كانت تعسي في ذلك الوقت » وي هذه الخالة الخاصة »© أله م 
يتلق » في السابق » تنزيلا » انظر : الكتاب المذ كور آنفا ص وما بعدها , 
(3) انظر : آيات التحدي : يونس/38 » البقرة/23 - 24 » الإسراء/88 . 


4( يقول « السيوطي » في تعريف المعجزرة 00 المعجزة في لسان الشرع أمر خارق للعادة مقرون 
بالتحدى سام 3 نَ المعارضة ذ( الإتقان اط فصر 1370 2 116/2 3 أما دالشيية يس 
المعار ضّات 0 » قانظر : 

1044-6 :2 1 عه" : لالاقطع 010 م70 8ن 


33 


بكثير من العنف ء إلا أن تقر بخصائصه الأسلوبية المتميزة وتسلم بها وإن 
ربطتها » مسايرة لتيار الرفض ذلك » بشعائر تعبيرية تبر منها القرآن بل 
هاجمها . ْ 

ولقد غدا القرآن القطب الذي تدور حوله ممختلف المجهودات الفكرية 
دالعقائدية للمسلمين : ومنطلق تلك المجهودات وغايتها في نفس الوقت ناهيك 
وأنه استطاع “بإشارة ذا كة :فى أحد أقطانه وهو عند الله بن عبان + أن" 
بحتوي الشعر » وهو ذاكرة العرب وصلتهم التاريخية بحياتهم قبله ؛ ونزله 
أمنزلة” الؤسيلة والأداة التي تدعم ما جاء فيه وتقوم مقام الشهادة للغته بأنها 
جاءت على لغة العرب » فلقد قال ابن عباس « إذا تعاجم شيء. من القرآن 
فانظروا في الشعر فإن الشعر عربي » (1) وتبدو نزعة « تهميش » الشعرء في 
رأينا واضحة في القسم الأخير من هذه الرواية » وبهذه الطريقة رَحتّرح الشعر 
عن المنزلة التي كان يحتلها في المجتمع وجعل منه فرعا من فروع المعرفة يخدم 
هذا الأصل الجديد الذي ستؤسّس عليه مختلف علومهم ومعارفهم . 

وبالفعل فستقوم حول القرآن ومنه حركة نشيظة تتصل بجملة المشاكل 
التي طرحها مجيئه ني ذلك الوقت المبكر » وسيكؤن الأصل في تبلور العديد 
من العلوم الإسلامية التي نعرفها اليوم » خاصة ما يتصل منها بلغته وانعكاس 
ذلك على اللغة العربية عامة فسارعوا إلى تقنينها وضبطها خدمة له وخوفا من 
أن يصيه الفساد بتفعول عوامل تاريخية موضوعية باعدت بين فصاحة اللغة 
وصفائها والأقوام الجديدة التي ضعفت صلتها بمعدن تلك الفصاحة . كما 
قافيت دواشاث لعوية أغرئ د عرض إلى يعضها في هذا الحت ساذات 
لهجة دفاعية محتشمة » تربط بين أساليبه وأسالرب العرب في القول وتروم 
الإعانة على استكناه معانيه وأحكامه انطلاقا من مدلول اغته والهيأة الى 
وردت عليها . ٠‏ 


(1) ثعلب : المجالس 317 » والفراء : معافي القرآن 289/1 - 290 . 


34 


ولكن” أهم جانب فيه ساعد على ظهور التفكير البلاغي هو الجانب 


المتصل بقضية إعجازه . 


فلقد سبق أن قلنا إن حركات الرفض الأولى وقت نزول الدعوة » إلى 
جانب كونها سلمت عدَنًا بتفوقه البيانى واللغوي » سرعان ما خمد صوتها 
في خضم الحماس والإيمان بهذا الدين الجديد والجري وراء شرف الانتماء 
إلبه ونضاحة: أشرف المرسلين » فلم تكن بالمسلمين في البدء حاجة » في تيار 
التحد'ي الحضاري ذلك » إلى تحليل مقومات روعة الكتاب وتعليلها ثم إنهم 
م تكن لهم الوسائل والقدرات العلمية الضرورية لبلوغ ذلك المقصد وإن 
أرادوه » فلمًا يزالوا تحت وطأة الانطباع والانفعال الذي خلفه فيهم ما يمكن 
أن نسمية و يالك ون الشعري 0. 


ولكن بمرور الزمن وبمفعول جماة من العناضر اللاصقة بمسار الحضارة 
الإسلامية المتشعب المتداخل » برزت الحاجة إلى ضرورة تأسيس قضية الإعجاز 
تلك على أسس عقلية وتحليل وتعليلٍ يمكن أن يقوى أمام حجج الخصوم » 
وقد بد عددهم يكثر » نظرا لما أراده الإسلام لنفسه من انتشار أفقى وعمودي 
في نفس الوقت . ونشير هنا إلى أنه لا يهم - في تصورنا ‏ وجود هؤلاء 
الخصوم وجودا فعليا بقدر ما يهمنا وعي المسلمين بذلك وتقبله كإفراز من 
إفرازات تطور حضارتهم لا يستطيعون له دفعا . ولعلنا نميل إلى أن ذلك كان 
من نتائج جدلية الإسلام مع نفسه أساسا » أما الأشخاص والنزعات التي اعتبرت 
مارقة فلقد كان باستطاعة الإسلام والمسلمين » لولا هذه الحاجة الذاتية » أن 
يتخلص منهم بوسائل أخرى . وهذا ما وقع بالفعل في أحيان كثيرة . 

فكانت » إذن » قضية الإعجاز في صدارة مسائل الاحتجاج للنبسوة 
بمفعول هذه الضرورات التي ذ كرنا 5 يقول الحاحظ قُ نص هام فيه إلام 
بمختلف العوامل التي أدت إلى الاهتمام بعلامات النبوة « إن السلف الذين 
جمعوا القرآن ني المصاحف بعد أن كان متفرقا في الصدور » والذين جمعوا 


36 


الناس على قراءة زيد بعد أن كان غيرها مطلقا غير محظور ؛ والذين حصنوه 
ومنعوه الزيادة والنتقصان » لو كانوا جمعوا علامات النبي صلى الله عليه 
3 وبرهاناته ودلائله وآياته » وصنوف بدائعه وأنواع عجائه في مقامه 
وظعنه وعند دعائه واحتجاجه في الجمع العظيم ؛ وبحضرة العدد الكبير الذي 
لا يستطيع الشك في خبرهم إلا الغببي الجاهل » والعدو المائل » وكما استطاع 
اليوم أن يدفع كونها وصحة مجيئها لا زنديق جاحد ٠‏ ولا دهري معاند »؛ 
ولا متطرف ماجن » ولا ضعيف مخدوع ولا حدث مغرور ولكان مشهورا 
في عوامنا كشهرته في خواصنا » ولكان استبصار جميع أعياننا في حقهم 
كاستبصارهم بي باطل نصاراهم ومجوسهم » ولما وجد الملحد موضع طمع 
ف بي ستميله وفي حدث يموه له ولولا كثرة ضعفائنا مع كثرة الدخلاء 
فينا » الذين نطقوا بألسنتنا » واستعانوا بعقولنا على أغبيائنا وأغمارنا لما تكلفنا 
كشف الظاهر وإظهار البارز والاحتجاج للواضح ) (1) . 

فلقد وجدت إذن . أسباب ذاتية وأخرى عرضية » دفعت مفكري 
الإسلام المتأخرين إلى الرجوع إلى النص القرآ ني ودراسته دراسة تقوم على 
الدليل العقلي والحجة الدامغة . 

ولقد كان - المتكلمون - خاصة المعتزلة ‏ وأصحاب الفرق الإسلامية 
هم المهيأون تاريخيا ٠‏ للقيام بهذا الدتور والدفاع عن الإسلام دفاعا لم تعد 
تكفي فيه حرارة الإيمان . 

وستستفيد البلاغة العربية من ذلك فائدة كبرى وستكون بيئة المعتزلة 
خاصة والمتكلمين عامة إحدى البيئات الرئيسية التي ينشأ في ظلها التفكير البلاغي 
ويترعرع وذلك على مستويين رئيسيين : 

1) ما تعلق بقضية الإعجاز وتأويل بعض المعتزلة لذلك وما نشأ عنه 
من ردود فعل تواصلت إلى وقت متأخر جدا بل إلى العصر الحديث (2) . 
60 الجالحظ + ترشائل » ط. الستدوبي مصر 1933 ص 119 . وانظر أيضا في نفس الموضوع 


ص 145 - 146 وانظر : ابن قتيبة : تأويل مشكل القرآن » ص 17- 18 . 
2( انظر : مصطفى صادق الرافمي : إعجاز القرآن والبلاغة النبوية » القاهرة » 1925 . 


36 


2 ما اضطر إليه المعتزلة من تأويل لكثير من الآيات التي يتنافى ظاهر ها 
مع أصولهم العقائدية - خاصة ميدأ التوحيد ‏ فحملوا هذه النصوص على 
المجاز وأصبح هذا المظهر اللغوي الموضوعي دعامة لبادئهم مما جعلهم يهتموت 
0 

ماابالقيية إن المسعرى الأول د على ما بين أيدينا من مصادر» 
أن 0 الآراء ني الموضوع تعود إلى رأس من رؤوس العتزلة : إبراهيم بن 
سيار النظام (3. 232) ورغم أنّنا لا نعرف له مؤلفا يحتوي آراءه في الإعجاز 
فقد انتشرت انتشارا كبيرا وتكاد تكون المؤلفات اللاحقة ني الموضوع ردا 
على رأيه وتفنيدا له وبيانا لتهافته » سواء كان ذلك بصفة مباشرة أو غير 
فاشرة + وغضل قوله أطلق عليه في سياق الحديث عن إعجاز القرآن 

« الصرفة » ومعناها أن نظم , القرآن وتأليفه في قدرة العبا در عرب اتيم 
عن ذلك . و رعو اك السرم وميد ابذا الرشعن وكاكة ابن 
حي اع د مان استعراضه أن قال إن" إعجاز قراط لعل 
ومن لم يقل بذلك : « واختلفوا ني نظم القرآن هل هو معجز أم لا ؟ على ثلاثة 
أقاويل : فقالت المعتزلة ‏ إلا التّظام وهشاما الفوطي وعباد بن سليمان - 
تأليف القرآن ونظمه ومعجزه » محال وقوعه منهم كاستحالة إحياء الموتى 
منهم » وأنه علدم' لرسول الله صلى الله عليه وسلم . 

وقال التظام : الآية والأعجوبة ني القرآن ما فيه من الأخبار عن الغيوب » 
تأما التأليف والنظم فقد كان يجوز أن يقدر عليه العباد » لولا أن الله منعهم 
بمنع وعجز أحدثهما فيهم . 

وقال هشام وعبساد الآ تقول :إن" يفا من الأغراض يدل على ١‏ 
سبحانه » ولا نقول أيضا إن" ل ا 
ولم يجعل القرآن علما للنبي صلى الله عليه وسلم . ورّعّمًا أن القرآن أعراض » (1). 








(1) انظر : أبو الحسن الأشعري : مقالات الإسلاميين » مطبعة السعادة مصر 1323ه ص 225 . 


3 


وواضح من هذا النط 81 هذا النوأي كان شاذا ناهيك أن المعترلة 
أنفسهم لم يأخحذوا به وليس مستعدا أن يكون إثبات الجاحظ لكلمة ١‏ النظم 0 
قُ عنوان كتابه الذي لم يصلنا (1) طريقة للرد على هذا الرأي وإن كان 
موقف الرجل في ال موضوع يكتنفه كثير من الغموض لتضارب بعض نصوصه 
الموزّعة على جملة مؤلفاته (2) . 

والمهم من كل هذا أن رأي النظام قد دفع علماء المسلمين على اختلاف 
ملاهم ونحلهم إلى الخوض في مسائل تنصب على ا#واتف 'النطي 'القرا لحن 
لغة وتراكيب مما سيكون عظيم الفائدة بالنسبة للمباحث البلاغية وسيخلق 
نهجا في التأليف يكون رافدا من روافدها الكبيرة » وليس من المبالغة في شيء 
أن نقول إن الداراسات التي تحركت من هذا المنطلق العقائدي ستثمر عن 
أهم نظرية ل بإجماع الباحثين - في تراثنا البلاغي : نظرية النظم ع 

ومن الأمور التي تستحق” الذكر في نطاق هذا الاستعراض السريع لآراء 


النظام أن نذا كر حسببا ما تشير إليه بعض الدراسات أله أو من فصل 2 


واللغوية العامة الماثلة في هذا النص (3) . 


وستقتفى المؤلفات يعده © أثره وتهتدي بهدي هذه السئة فتخصص 
أكبر قسم منها لدراسة هذا الجانب » ومنها ما سيعلق الإعجاز به دون سواه » 





)1( انظر : الجاحظ : الحيوان » 9/1 » 86/3 » وانظر رأي الباقلاني في هذا الكتاب إعجاز 
قر اق ع تصلق العا وار رط 1 ع 10-1972 بز 1و 1 : 


2( انظر : عسر الملاحويش » تطور دراسات إعجاز القرآن » ص 225 وما :بعدها . يقول 
البغدادي قُُ كتابه الفرق بيسن الفرق » تحقيق : محمد زاهد الكوثري » نشر عرزت العطار » 
القاهرة » 1948 ص 80 : بروأكثر المعتزلة متفقون على تكفير النظام » وإنما ثبعه في ضلالته 
شرذمة من القدرية ء كالأسواري » وابن حايط » وفضل الحدثي » والجاحظ » مع مخالفة 
كل واحد منهم له في بعض خلالته وزيادة بعضهم عليه » 5 


)3( انظر (حمتتوطع صن ممم .00 2 مقال 2 دائرة المعارف «( المذكور ص 4 . 


38 


وبذلك تحولت هذه المؤلفات في غالب الأحيان إلى كتب بلاغة لا يميزها 
عنها إلا حضور اليعد العقائدي منطلقا وغاية وما اصطيغت ره لهجتها من صيغة 


دفاعية واضحة (1) . 


أممًا المستوى الثاني فإن دور المتكلمين والمعتزلة لا يتمثل في اختراعه 
وا قداعة فليسوا أول من تفطن إلى هذا الجانب اللغوي ولم تكن آراؤهم 
ومؤلفاتهم أول ما وصانا في الموضوع » ورغم ذلك فإنه باستطاعتنا أن نقول 
إنهم أول من تحدد على أيديهم هذا المصطلح وضبطت دلالته كمستوى من 
الكلام يقابل الحقيقة (2) . 


فمنذ ماولات التفسير الأولى التي تعود إلى فترة ما يسمى ١‏ التفسير 
بالأثور » اعترضت المفسرين مشكلة المجاز القرآ ني واجتهدوا ني تأويلها بدون 
أن تطرح القضية كمبحث لغوي أصلي » كما أنها لم تكتسب الأبعاد العقائدية 
التي ستلتصق بها فيما بعد » وبذلك وجد المعتزلة من شق أمامهم الطريق وقام 
بالنسبة إليهم مقام الحجة النقلية التي تشيثوا بها لإثبات ضرورة القول بالمجاز. 
فليس- من قبيل الصدفة » في رأينا أن يستشهد الجاحظ في كثير من ردوده 
على الذين يأخذون بظاهر اللفظ برأي رجل حعبد الله بن عباس ويبنى عليه » 
ونضرب لذلك مثلا تعليقه على هذه الآية «وقال الله : «وإذا وقع ركم 
عليهم أخرجنا لهم دابّة من الأرض تكلمهم أن لكاي كاف باباننا 


(1) :مثلا.: ثلاث رسائل في اعجاز. القرآن » تحقيق » محمد خلف الله » محمد زغلول سلام » 
ط, 2 داز الممارف » القاهرة 1968 . وأبو بكر الباقلانيى : إعجاز القرآن » تحقيق أحمد 
صقر ط. 3 دار المعارق » القاهرة » 1972 . وقد خصص القاضي عيد الجبار قسما هاما 
من الجزء السادس عشر من تأليفه المغنى في أبواب التوحيد والعدل المعنون إعجاز القرآن » 
ط. 1 » دار الكتب 1960 للحديث عن خصائص القر آن الأسلوبية . وكمال الدين عبد الواحد 
الزملكانى : البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن » تحقيق : خديجة الحديئي ؛ أحمد 
مطلوب : ط. 1 ء بغداد 21974 ومؤلف هذا الكتاب من القرن السابع (ت. 651ه) وهذا 
يدل على تواصل هذه السنة في التأايف . : 


2( انظر ابن تيمية : الإيمان » ط. الخائجى » القاهرة » 1325 » ص 34 --35 الجاحظ : 
الحيوان 76/4 » 394 ) 425/5 ؛ 50/7 


39 


لا مُوقشون » (1) . وكان عبد الله بن عباس يقول : ليس يعنى بقوله : 

تكلمهم من الكلام » وإنما هو من الكلكم والجر عم الكلم كلوم » 
ولم يكن يجعله من المنطق : بل يجعله من الخطوط والوسم » كالكتاب 
والعلامة الدّذين يقومان مقام الكلام والمنطق » وقال الآخرون : لا ندع ظاهر 
اللفظ والعادة الدالة في ظاهر الكلام إلى المجازات ٠»‏ قالوا : فد ذكر الله 
الدابة بالمنطق + كما ذكروا في الحديث كلام الذئب لأهبان بن أوتين :وقول 
الهدهد مسطور ف الكتاب بأطول الأقاصيص وكذلك شأن الغراب ) (2) . 


ثم إن أبا عبيدة وت. 210) من أوائل من أذاعوا هذا المصطلح واستعملوه » 
وكتابه « مجاز القرآن ) (3) أقدم مؤلف وصلنا بهذا العنوان » إلا أن" مفهوم 
المجاز فيه » كما سنبين ذلك » لم يتمحض اللدلالة على المفهوم اللغوي « قسيم ١‏ 
الحقيقة بل بقى عاما تتحدد به مدلولات متعددة في نفس النص أو ضحها وأكثرها 
استعمالا يوافق ما جاء عند تخلفه ابن قتيبة إت. 276) عندما عرف المجاز قاثلا : 
( وللعيرب المجازات قِ الكلام ومعناها طرق القفول وما خذه ففيها : 
الاستعارة والتمثيل » والقاب » والتقديم » والتأخير » والحذف » والتكرار ؛ 
والإخفاء 4 والإظهار 4 والتعريض 0 والإفصاح 0 والكناية 32 والإيضاح 0 
ومخاطبة الواحد مخاطبة الجميع » والجميع خطاب الواحد » والواحد 
0 خطاتب ا 4 واد بلفظ ا لعنى 00 4 0 
الله تعالى » (4) ويبدو أن فهم 0 0 هذا النحو كان سائدا قِ 200 
اللغوية الأولى التي الطلقت من القرآن إلى أواخر القرن الثاني ومطلع الثالث 


(1) التمل/82 . 
(2) الجاحظ : الحيوان » 50/7 . 


)3( تحقيق محمد فؤاد سزكين » وهو يقع في جزلين » اعتمدنا في الجز ء الأول الطبعة الثانية مكتبة 
الخانجى » القاهرة 5 »1970 © وي الجزء الثاني الطبحة الأولى 2 . 


4( انظر م ابن قتيبة ع تأويل مشكل القرآن 4 ص 20 5 


40 


بدليل أننا نجده بنفس المعنى عند مؤلف آخر معاصر لأبي عبيدة واشتغل 
مثله بالنص القرآ ى ووصلنا مؤلفه ونقصد بذلك الفراء صاحب ( معاق 
القرآن » (1) . 

سيستفيد المعتزلة من كل هذه الجهود واللمباحث » إلا" أن" انتماءهم 
العقائدي سيضطرهم إلى تعميقه وجعله تقريبا » كما سبق أن ذكرنا » مبحنا 
وساس لخ عر يد جات : 5 - 7 ١‏ 4 
مكملا امتهم في باب اتويحياء ومجازهم إلى التأويل كمنهج ينضبط 
به مشكل القرآن ومشتبهه في إطار أصولهم الاعتقادية . 

ولمًا أحجموا عن معاملة النص القرآ نى معاملة الحديث «متنه وسنده» (2) 
كان لايد من حل يوفقون به بين احترام قداسة النص وبين مبادثهم التي 
قامت على ١‏ أدلة العقول ) . فقالوا في اللغة بالظاهر والباطن وقسموا دلالتها 
مستويين مترابطين يحيث نتطيع أن 'نتقل من سنتوى إلى آلعر حسيبا ما تملبه 
الضرورات : يقول الله رلك الع رتضى (ت. 436) موضحا هذا المبد] : « وإذا 
ورد على الله تعالى كلام ظاهره يخالف ما دلّت عايه أدلة العقول وجب صرفه 
عن ظاهره ء. إن كان له ظاهر ء وحمله على ما يوافق الأدلة العقلية 
ويطابقها ) (3) . 

وعلى ضوء هذا يمكننا أن تفهم تلك المنزلة التي خص” بها الزمخشري 
(ت. 538) عللمي المعاني والبيان فافتتح بالحديث عنهما تقسيره وجعلهما 
« علمين مختصين بالقرآن » وألح على ذلك في هيئة تركيب الجملة مما يدل" 
على أنهما أساس علم التفسير وأوثق اللر ماد ولحي الب ل 
تفسيره « الكشاف » استنادا إلى استعماله ١‏ البيان » في موضع من المواضع 
مرادفا للكشف «4) . 








(1) انظر الفراء » معاني القرآن » 14/1 - 15 »؛ 177 » 230 » 226/3 . 

2( انظر : صدى ذلك عند ابن قتيبة » تأويل مختلف الحديث مطبعة كر دستان » القاهرة 1326 » 
ص 21-20 0' 

(3) أخذناه عن جابر أحمد عصفور » الصورة الفنية ء ص 152 إحالة رقم 4 . 

(4) انار الزمخشري : الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل » مطبعة 
الحلبي » القاهرة » 1948 » ص 13/1 »© 95/1 . 


41 


فقال المعتزلة بالمجاز وحملوا عليه كل الآيات التي يتنافى ظاهرها مع 
قولهم قُ صفات الله وتنزيهه » خاصة الآيات التي يمكن أن يفهم منها التشبيه 
وإحلال الذات الالاهية في حيز مكاني وزماني (1) . 


ولقد استمدوا شرعية القول بالمجاز هذه من الممارسات العربية السايقة 
للغة ومن اجتهادات علماء المسلمين وأقاموها على هذه الحجة التقليّة واللغوية 
الصلبة وانتهوا هكذا إلى أنه سمة اللغة العربية الأساسية وموطن افتخار العرب 
انها وأ وكقغوا في الجهل والضلالة كل من لم يقل به أو أنكره ولقد وقفنا في 
مؤلفات الجاحظ على نص يجمع كل هذه المعاني نورده كاملا » على طوله » 
يقول : ١‏ وأما قوله عزّ وجل « يحرج من بسطُونها شَرَاب » (2) فالعسل 
لبون "زاك وإتما هوش حول الما شر ابا "أو نالاء تيذا ‏ افتماة: كما 
تزغ شرايا إذ كان 000 الغيراف : 

وقد جاء في كلام العرب أن يقولوا : جاءت الشماء اليوم بأمر عظيم » 
وقد قال الشاعر : (وافر) 0 

إذا سقط السّماء بأرض قوم 2 رعيناه وإن كانوا غضابا ' 

تعن أنهم عوك السماء وأن الشماء "تشفط 


ومتى خرج العسل من جهة بطونها وأجوافها فق خرج في اللغة مسن 
بطونها وأجوافها ومن حمل اللغة على هذا المركب » لم يفهم عن العرب قليلا 
ولا كثيرا وهذا الباب هو مفخر العرب في لغتهم وبه وبأشباهه اتسعت » وقد 
خاطب بهذا الكلام أهل تهامة وهذيلا وضواحي كنانة » وهؤلاء أصحاب 
العسل 3 والأعراب أعرف بكل صفحة سائلة » وعسلة ساقطة فهل سمعتع 
بأحد أنكر هذا الباب أو طعن عليه من هذه الحجة ؟) (3) 
00 يقول الجاحظ : « وقد عل الدهري أننا نعتقد أن لنا ربا يخترع الأجسام اختراعا وأنه ني 


لا بحياة » وعالم لا بعلم » وأنه شيء لا ينقسم » وليس بذي طول ولا عرض ولا عمق وأن 
الأنبياء تحيي الموتى وهذا كله عند الدهري مستنكر » . الحيوان » 90/4 . 


(2) النحل/69 . 
(3) الجاحظ » الحيوان » 524/5 - 426 , 


42 


وستكون نظرية ١‏ المواضع » أهم مبدأ بلاغي. ينتهي عنده هذا البعد 
العقائدي ني دراسة المجار , 1 6 » كما سترى » الإشارات 
المتفرقة عند دن سيقه 6 وتعيله هذه الوجهة 2 البحث على جعلها نظرية قارة 
في تفكيره البلاغى وتتأثر بها البلاغة العربية بعده أينما تأثر (1) . 


ولم يكن المعتزرلة هم وحدهم القائلون بالمجاز فلقد وافقهم على ذلك 
الجمهور هن المسلفين خمنة كاثوا 0 أشاعرة » وبذلك شاركوا » إلى جانبهم » 
منقدا رك أبينا مدي في تطوير هذا المبحث الذي كان من أبرز الميادين ني تاريخ 
الفكر الإسلامي الذي جمعهم على خصم مشترك تمثل في من أنكر المجاز 
دقال ببطلانه واعتبره قرين الكذب لذلك نزه القرآن عنه وقد أطاق على هؤلاء 
« الظاهرية ) (2) . 


لذلك نجد مواقف الجاحظ وابن قتيبة والجرجانى (ت. 7 متقارية 


وإنث فرق بينها قوة الحجة وعمق التأويل () كما أنهم يشتركون : في كثير 
من مباحث المجاز وما سطروه له مه ن ميادىء عامة كبيان عار ضه العرب ي 


2 


المجاز وتفوق ق لغتهم فيه على جميع اللغات ودفع أن يكورة . كدزا وضوور نه 
لفهم القرآن (4) . 


ول يكن يفرق بينهم في هذا الموضوع إلا ضوابط ذلك المجاز وحدود 
التأويل » فلقد قيده السنيون بقيود دخان كان المعترلة يتصرفون إزاءها 
بحرية 2 0 


1( لعل '* خلاضة هذا 'المبحث ا“عنده قوله :0( وللعرب أمثال واشتقاقات وأبنية و مو ضع كلام يدل 
عندهم على معانيهم و[ ذاناك 02و فلك الألقاط افراع أو > زايا حك الات شرا 
5 جهل تأويل الكتاب والسنة والشاهد والمثل » 5 الحيوات 4 153/1 3 

(2) انظر أبن قيم الجوزية : الصواعق المرنملة في الرد على الجهمية والمعطلة : مطبعة الإمسام 
ط. 2 » القاهرة » 1380ه , 

(3) انظر : أبن قعيبة » تأويل »ء ص 13 وعبد القاهر الجر جاني دلائل الإعجاز ط. 5 دار المتار 
2ه ص 326 . 8 

(4) انظر : التجاحظ. » البيان و التبيين ».ص 55 - 56 » الحيوان 287/1 - 289 وقارثه' بما جاء 

1 عد أ فده كناك الل كور »ء ص 12 © 21 وخاصة 132 , 

(5) انظر : جابر أحمد عصفور » الصورة الفنية » ص 160 . 


43 


إن جملة هذه المباحث ستكون عظيمة الفائدة بالنسبة للتفكير البلاغي 
في مستوى قضاياه الكلية ومسائله الجزئية » وستكون هذه الخلفية العقائدية 
وما نتج عنها من ضرورات منهجية من السمات الأساسية والقارة في هذا 
التفكير بحيث نستطيع أن نقرر أن الجدل الذي قام حول القرآن » وخاصة 
شكلته » كان من الحوافز القويئة التي دفعت الفكر العربي إلى الاشتغال 
بقضايا اللغة وبضروب طرقها في التعبير والتركيب . 


ولعل من أهم" ما استقر ني التفكير البلاغي من هذه الفترة ما يلي : 

ربط مباحث البلاغة بغائية قصوى في فهم النص القرآ ني والقدرة 
على تأويل مشكله والتسليم بإعجازه لذلك اعتررت البلاغة » في تصنيفهم 
للعلسوم » من علوم الآلة ومقدمة" كل علم » وضموها بذلك إلى علوم اللسان . 
ولم يشذ عن ذلك إلا الفلاسفة الذين بقوا متأثرين بتصنيف أرسطو (1) . وستبقى 
هذه التزعة مطردة في جل المؤلفات البلاغية مهما كانت الغاية من تأليفها . 
يقول العسكري (ت. 395) ( إن" أحق العلوم بالتعلم وأولاها بالتحفظ ‏ بعد 
المعرفة بالله جل ثناؤه ‏ علم البلاغة » ومعرفة الفصاحة » الذي به يعوف 
إعجاز كتاب الله تعالى الناطق بالحق » الهادي إلى سبيل الرشد » المدلول به 
على صدق الرسالة وصحة النبوة مادم 1 (2) + 

إن" إحلال المبحث البلاغي محل الوسيلة للوصول إلى مقاصد الرسالة 
الديئية جعل البلاغيين يلحون على « البيان» بالمعنى اللغوي الأصلي أو الوظيفة 
الإفهامية وجعلوا البحث عن أنجع الوسائل التي يتم بها ذلك » موضوع علم 
البلاغة فلم يعطوا مجموع الوظائف الأخرى » كالوظيفة الشعرية المكانة 
التي تستحقها في مباحثهم » وعن هذا نشأت في رأينا » تلك الفكرة السائدة 
(1) انظر : 


كتتة 2 رعتنهاسانسستدم وأوه18601 16 6 ه1اء0ه11 : للكقمظة أء 0906 هآ 
94-14 .مم ,2 .مقط ,1948 


© انظر : أبو هلال المسكري » كتاب الصناعتين » القاهرة » 1971 » ص 7. 
لكر 7 را م ععين هر ل 


44 


في التراث البلاغي والنقدي عندنا ومؤداها أن هذه الوسائل غلاف يغلف به 
المعنى وضرب من الزيئة يقصد من ورائه إخراج المعنى في أحسن صورة : 
وبذلك قطعوا » من الأساس » ما يمكن أن يقوم بين الشكل والمضمون من 
تأثر وتأثير » وبقي البحث يدور ني نطاق التأثير في السامع أو المتقبل باعتبار 
النص القرآ ني يرسي إلى إقناعه والوصول إليه » وبذلك نظر إلى خصائص 
النص من منطلق المعّنسي به لا من خخصائصه في ذاته وما يمكن أن ينشأ بين 
طرفيه - الشكل والمضمون - من علاقة ؛ كما أنهم لم يتصوروا » العلاقة 
بين الكاتب ونصه ٠‏ إلا ما ندر » وفي مجرى حديثهم عن الشعر . إذ' لا 
يعقل في هذه الحالة الخوض في مسائل يكون الخالق طرفا فيها . ولعل هذا 
من العوامل التي تفسر ضالة البعد الوجداني في النقد العربي على كثرة ما 
هنالك من أدب يطفح بذلك . ْ 


- إن تبيئن خصائص النص القرآ ني التركيبية على هدي الشعر وأساليب 
العرب في التعبير جعل العلماء المسلمين على اختلاف انتمائهم المذهبي يشتركون 
في جملة من التصورات العامة وتكون لهم إزاء بعض المظاهر نفس المواقف . 
فلقد أشرنا إلى موقف اللغويين المتشدد على الشعراء وضيق هؤلاء بهم » ونشير 
هنا إلى أن المتكلمين لم يكونوا ‏ ف بعض المواقف - أقل” تشددا منهم لذلك 
نجد مفكرا متسع الآفاق كالجاحظ يقرر في مواضع مختلفة من كتبه بأنه 
« قد يشبه الشعراء والعلماء والبلغاء الإنسان بالقمر والشمس والغيث والبحر 
والأسد والسيف وبالحبة وبالنجم ولا يخرجونه بهذه المعاني إلى حد 
الإفسان (...) ويروى عن النبي صل الله عليه وسلم أنه قال : « نعمت العمّة 
لكم النخلة خلقت من فضلة طينة آدم » . وهذا الكلام صحيح المعنى , لا 
يعيبه إلا من لا يعرف مجاز الكلام وليس هذا مما يطرد لنا أن نقيسه وإنما 
نقدم على ما أقدموا ونحجم عما أحجموا وننتهي إلى حيث انتهوا ) (1) . 


(1) انظر : الجاحظ » الحيوان » 211/1 - 212 , 


45 


إن" الأهمية البالغة التي اكتستها بنية النص القرآ ني جعلت المباح 
المتعلقة بها ماثلة في أغلب العلوم المنطلقة من القرآن باعت اريقا 00 د 
على مراميه » 000 المؤلفين المتأخرين من يخلط » عن قصد » البلاغة 
بأصول الفقه ريحاول إبراز العلاقة بين المبحثين (1). وليس معتعد ا أن :ركو 
القرآن والشعر لعبا دورا هاما في توسيع آفاق الاختصاص لدى الكتاب بل 
نقضه كتصور بي المعرفة . 

أخيرا إن ارتباط الدراسة اللغوية بالقرآن صبغ مجمل مباحثها بصبغة 
عقائدية بحيث يصعب علينا أن نلم” بإشكالاتها مجردة عنها . 

هكذا إذن » يعتبر القرآن من العوامل الرئيسية التى ساعدت على انطلاق 
الذرامتاتك اثلافية وكانت الأفحات: التق اقنمت: حو / خحميرة صالحة لبروز 
مثل هذا التفكير » ولعل هذه المرحلة كما ين أن أشنا » ستدفع به في 
مسالك يلتزمها في كل مراخله . 


ج - تقعيد اللفة : 


يبدو » من وجهة ألسدة عامّة » أن البحث البلاغي المنظم والنظر في 
الأساليب نظرا يرغب عن الانطباع .ومجرد الانفعال ويروم كشف السر في 
جودتها وفضل بعضها على بعض ل يتأتى إلا بعد معرفة دقيقة بقواعد اللغة 
والضوابط التي تتحكم في ما قد يقوم بين أقسامها من علاقات ووصف تلك 
الأقسام وصفا تتجلى به خصائصها . 

واللذتعفلت كه التكر “هل الأراعات الأطلرية اليوم. © متكانة :هامة 
ولعلها أصبحت من المسلمات المنهجية الضرورية ومقدمة كل دراسة غايتها 


(1) انظر تاج الدين السبكي (ت. 773) + عروس الافراح » ضمن شروح التلخيص » 
الخليي » القاهرة ؛ 1937 . 


46 


من النص بعده الفني ومنطلقا « ابستمولوجيا » تتأسس عليه دراسة الجانب 
الإنشائي في الفعل اللغوي عامة (1) . 


والسبب في ذلك طبيعة العمل الأدبي وخصائص اللغة فيه . وما بين 
علمي النحو والبلاغة من اختلاف ني الغاية . 


فوظيفة النحواسة ستخراج مبادىء اللغة ينها استنادا إلى الاستعمال المشترك 
5 يظن أنه استعمال. مشترك » وغايته القصوى حماية اللغة من الفساد 
والحرص على أن تواصل أداء وظيفتها الأصلية : الإبلاغ » ووسيلته في ذلك 
ضبط .المعايير التي نفصل بها بين الخطلٍ والصواب وبطابق » المتكلم باحترامها 
بينها وبين حاجته في التعبير ا مستقيم . 

أما البلاغة فوظيفتها وصف الطّرق الخاصة في استعمال اللغة وتضنيف 
الأكاليك« تسن تيكنيا في التعبير عن الغرض تعبيرا يتجاوز الإبلاغ إلى 
التأثير في لمتكا أو إقناعه بما نقول أو إشراكه في ما نخس" به » وغايتها 
مل” ا تعتبره أنجع طريقة في بلوغ المقاصد . 

وهي » على عكس النحو » تنطلق من الاستعمال الخاص” وتجعل منه 
موضوع درسها وهذا الاستعمال » بحكم مقاصده والمستوى الذي يتتزل 
فيه » يس فعلا لغويا عاديا » إنّه يقوم على طريقة مخصوصة في استعمال 
لوطل اللغوية » نعم إنه ينطلق من اللغة المشتركة ولكنه يؤديها بطريقة تجعل 
عمله الأدبي عملا فرديا . لذلك فإنّه لا يتسنى تقييم هذا العمل والإلسام 
بخصائصه وثبين دي اله إلا بالرجوع إلى تلك الميادىء التي أقامها 
الئحاة (2). ' 


(1) انظر : 485 ١‏ 1973 ر,كلكة82 ,لتناء5 ,26و 0611م ع4 كدموع::0 : وموطمئ1ة1 .1 


(2) انظر : ,صئاه© مقط وانى نكل عتأممكم[ث1م ع4 تمككظ : مووصدين .وى 
.187-66 .مم ,1968 ,ولعو 


4 


ونكتسي حركة جمع اللغة وتقعيدها » عند العرب » أهمية خاصة لا 
ألم" بها من ظروف ساعدت على ربط الصّلة بين العمل النحوي والتفكير البلاغي 
واضطرث اللغوين إل التعرض إلى جملة من المسائل ألحقت في وقت متأخر 
بالبلاغة بينما كانت في مؤلفاتهم شديدة الصلة بالنحو ممتزجة به . 


وبأتي على رأس تلك الظروف والأسباب الطريقة التي حددوا بها المادة 
. اللغوية التى ستضبط على أساسها قواعد اللغة ؛ ورغم المشاكل التي تطرحها 
تلك الطريقة في العمل (1) فإنها هيأت العمل اللغوي ليكون بيئة من البيئات 
الفتاطة لووز نواضن المسائل الفية .. 

ويسترعي الانتباه في تصنيفهم لطبقات من يحْتج بلغتهم ٠‏ أفرادا 
كانوا أو جماعات » تواتر مصطلح الفصاحة شرطا أساسيا في الذين عنهم 
تقلت اللغة العربية وبهم اقنبد ي (2) » ورغم أن الظّروف التاريخية التي 
حفّت بنشأة هذا المفهوم ريطت دلالقه بظواهر شكلية كتجنب العجمة 
واللحن (3) وسلامة اللساند من اللكنة (4) وارتفاع اللهجة عن الطرق المشينة 
في النطق (5) وقد جمعها العسكري تحت ما سماه ١‏ تمام آلة البيان» (6) ؛ 


ب 


يبدو عليها من تكلف وتعلق بطرق قُُ الت ركيب نستبعد أن يأتيها متكم عادي , 


انظر في بعض هذه القضايا : على أبو المكارم أصول التفكير النحوي » منشورات 
الجامعة الليبية 1973 . 


(2) انظر : السيوطي : الاقتراح » مطبعة المعارف ٠»‏ حيدر آياد » 1310ه ص 32-31 . 
30( انظر : الجاحظ : الحيوان 32/1 » وابن وهب : اليرهان في وجوه البيان ص 163 . 
(4) انظر : الجاحظ » البيان والعبيين » 162/1 . 

(5) ثعلب : مجالس » ص 100 . 

6( انظر : المسكري : الصناعتين » ص 13 . 


48 


رغم هذا المفهوم البعيد عن كل تصور سياقى وفنى 4 شير إلى دور اللغويين 
في التنبه إلى هذه الناحية التي ستصبح من المواضيع التي يوليها البلاغيون أهمية 
كبرى في مؤلفاتهم وطريقة من الطرق التي يستعملونها لتعريف البلاغة » 
ومنهم من سيخصها بتأليف كامل يستعرض فيه آراء اللغويين ويردها عايهم (1) 
أو يطابق في الدلالة بينها وبين البلاغة (2) . 

ويعتير الاعتماد على هذا المقياس » رغم تواضع دلالته الفنية » تناقضا 
في العمل النحوي ستستفيد منه العلوم البلاغية » فلقد تجاوز النحاة » لضبط 
معابير الخطإ والصواب » استقامة اللغة إلى فصاحتها بمعنى أتهم أرادوا بناء 
النحو على مستوى لغوي فيه من الخصائص ما ليس في غيره مما يدل على 
انّه أسمى من اللغة المشتركة في ذلك الوقت . 

وقد يبدو هذا التناقض » وهو الانطلاق في تقعيد اللغة في مسار معكوس 
يتمثل قُ اعتمادهم » لتقنين اللغة المشتركة » على المستوى الإنشائي منها » 
أوضح في موقفهم من الشعر والقرآن » فقد اعتبر النحاة هذين النصين مصدرا 
لغويا هاما وشهادة حاسمة ٠.‏ 

ولا شك" أن إدراجهم القرآن والشعر في عداد المصادر اللغوية قد نبههم 
إلى بعضص خصائصهما النوعية ودفعهم 4 قُ نطاق مشاغلهم النحوية 2 إلى جملة 
من الملاحظات البلاغية المفيدة خاصة أنهما يخرجان عن معهود الكلام 
وستعملان اللغة استعفالة خاصا لمقاصد فدة راضحة . وسيق أن أغرنا إلى أن" 
اللغويين كانوا من أُوّل من ساهم » مساهمة متواضعة لا محالة » في بشاء ‏ 
النقد العر بي ل 

ولفد نتج عن هذه المكانة التي حظي بها الشعر والقرآن عند اللغويين 
عداة نتائج لعل من أهمّها : أن” ما نعتبره (قواعل اللغة) قد ا 


(1) انظر : ابن سنان الخفاجي : .سر الفصاحة » تحقيق على فوده » ط. 1 مصر . 1932 . 
(2) انظر : عبد القاهر الجر جاني : دلائل الإعجاز » ص 35 وما بعدها . 


49 


في جانب كبير منه على ١‏ الكلام » وعلى كلام ذي خصائص بنيوية وفنية » 
لا شك فيها » ممنًا أدى إلى امتزاج المبادىء الكلرة المرتبطة بالاستعمال الفصيح 
بالخصائص النوعية للشعر والقرآن » وهذا أمر واضح في مؤلفات النحاة إلى 
درجة تجعلنا نتسائل عن الأسراب التي أدات » في تاريخ اللغة العربية » إلى 
فصل مبحث المعاني عن النحو والحاقه بالبلاغة . ثم إن اللغويين كانوا من 
أوائل من تفطن إلى بعض خصائص الشعر ولكنهم » في الأغلب ٠»‏ وقفوا 
عند الشكل الخارجى وما يفرضه على الشاعر من ضرورات لغوية » وقد 
يكون السبب في ل الفهم السطحي اعتبارهم إياه مصدرا لغويا لا يختلف 
في جوهره عن المصادر الأخرى إن ضبطنا هذه الضرورات » وقد يكون 
سيبويه أدرج باب (ما يحتمل الشعر ) (1) ضمن مقدمات الكتاب للسبب 
الذي ذكرنا . وسيساهم اللغويون بقسط وافر في ترسيخ هذا الفهم الشكلي للشعر. 


ورغم أن" غايتهم من دراسة اللغة لا تعدو ؛ مبدثيا » استخراج قواعدها 
وضبط النواميس التي تتحكم في أوجه استعمالها » والبحث عن بنية نظرية 
وهيكل عام تندرج ضمنهما تلك المادة الضخمة وتسجم في إطارها أقسامها 
على أسس تحقق تطابق مقولاتها مع مقولات العقل والمنطق (2) . فإنهم بحكم 
ارتباط هذه المشاغل بغايات دينية كالاحتجاج للغة القرآن وبيان أنها النموذج 
الأسمي لهذه اللغة » وبحكم كونهم مسلمين يعنيهم من القرآن ما يعني غيرهم 
من القضايا العقائدية التى أثيرت حول بنيته » أعانوا على بلورة عدد من المسائل 
اليلاغية وكانت مؤلفاتهم 4 قُ جانب منها » صدى لا يدور قُُ البيكة العر بية 
الإسلامية من مناقشات حول القرآن » ويبدو هذا واضحا في المؤلفات التي 
وضعت بداية من الفرن الرابع على واجه الخصوص . 


)01 انظر : سييو له © الكتاب 3 تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون 3 دار القلم 3 القاهرة 3 
6 »© 26/1 . 


(2) سعى اللفويون منذ وقت مبكر إلى ربط الدلالة اللغوية بالعقل والمنطق » ولعل من أقدم من أشار 


50 


فشاركوا في مناقشة مسألة اللفظ ولمعنى ونظروا ني مختلف المقاييس 
التي تنظم العلاقة بينهما » وعبروا عن رأيهم في أهمية كل" واحد منهما وفضله 
على الآخر (1) . 

كما خاضوا في مستويات الدلالة فبحثوا في فرق ما بين الحقيقة والمجاز 
وأفاضوا في ذلك ؛ واختاط عندهم ٠‏ في هذا المجال » النظر إلى المسألة من 
بعد لخوي صرف بجانبها العقائدي الجدلي » مما جعل بحثهم من أدق" المباحث 
التي وصلتنا على صعيد التصورات العامة والمبادىء الكبرى ومن أكثرها تعلقا 
بالجزئيات والبالغة في ذلك إلى حد السذاجة أحيانا » عندما يتعلق الأأمر 
بالجانب العقائدي والبحث عن الحجة . 


وبددو لنا أن" ابن جنى (ت. 392) أحسن” من يمثل ذلك على الصعيدين 
ا 00 
الملاحظات على غاية من الأهمية سواء تعلق الأمر بالتعريفات أو بالمصطلحات 
المستعملة أو بتحديد وظيفة كل منهما . يقول معرفا الحقيقة والمجاز « الحقيقة 
ما أقر في الاستعمال على أصل وضعه ني اللغة والمجاز ما كان بضد” ذلك » 
وإنما يقع المجاز ويعدل إليه عن الحقيقة لمعان ثلاثة وهي الاتساع والتوكيد 
والتشبيه فإن عدم هذه الأوصاف كانت الحقيقة البئّة) (2) . 

أوّل ما يلفت الانتباه في هذا النص الدقة المتناهية في حلاه الحقيقة » 
وهي دقة لم تقف في مصادر بحثنا على ما يقاربها فضلا عن أن يعادلها . فلقد 
ذكر فيه مصطلحي «اللغة») و«الاستعمال) معا ء وعلّق بالأول مفهوم 
المواضعة وبالثانى « فعل الإقرار » . فجاء الاستعمال عنده إقرارا بمواضعة 
لغوية بتع عنه أن" اللفنة متارية للغريه لقن القواقين التواضنمية ويذلك تكرح 
المقابلة بين الحقيقة والمجاز عن كونها مقابلة بين اللغة والاستعمال إلى كونها 


69 انظر على سبيل المثال : المبرد » رسالة في البلاغة 3 ص 59 وأبن جني 2 الخصائص 225/1 
(2) ابن جني الخصائص » 442/2 . 


51 


مقابلة بين استعمالين . فكأن” اللغة » من هذا الوجه » متصور وهمي لا وجود 
له البتة . ولئن كان منطاق تعريفه للمجاز ميهما مغلقا عديم الو ا 
بضد” ذلك » فإن بقية النصض توضحه وتكشف: عن جوانت أساسية فيه : 
فالجذر المستعمل وصيغته الزمنية «يقع » يدلان » إذا قوبل ذلك بالإقرار » 
على أن المجاز احتمال في اللغة وحدث طارىء على الحقيقة مرتبط بها في 
ثنائية لا تنفصم يطلق عليه ابن جني في نفس السياق » مصطلح العدول (1) 
ولقد ربط هذا العدول بجملة من الوظائف يكون » بغيابها » عبثا وضربا من 
الغو مما يؤكد على أنه طريقة في الدلالة مرتبطة بضرورات التعبير . 

إلا أن اتن حي يكنب المبالغة والتعستف وهو يبي أن أ كير اللقة 
مع تأمله مجاز لا حقيقة ) مشاركة في الجدل الذي قام بين جمهور المسلمين 
وبين القائلين بالظاهر » ويذهب في تفسير ذلك مذهبا فريدا غريا في نفس 
الوقت يتداخل فيه مذهيه البصري بالجانب العقائدي » وقد ركز حديثه في 
هذا المضمار على الأفعال بقسميها : «المسئدة إلى الفاعلين مهما كانوا) 
« وأفعال القديم سيحاته ) . 

فقال ‏ مثلا ‏ بأن القسم الأول كله مجاز لدلالة الفعل على الجنسية 
أو المصدر « فقولك قام زيد معناه كان منه القيام أي هذا الجنس من الفعل » 
ومعلوم أنه لم يكن منه جميع القيام) (2) «وكذلك قولك : ضربت عمرا مجاز أيضا من 
غير وجهة التجوز في الفعل وذلك أنك إنما فعلت بعض الضرب لا جميعه ) (3). 

وهذا ني رأينا خلط بين الحقيقة اللغوية والحقيقة المطلقة كمتصور أخلاقي 
وس" ل عهد]: الموناطعة فين : كاسام ون الأشمن* التى تبني تالف + 
فليس من الضروري أن تطابق المواضعة اللغوية الحقيقة المطلقة ' 


1( هو أحسن ترجمة » في تصورنا » لمفهوم شائع عند الأساوبيين أليوم وهو : أكوع8”) 
(2) ابن جني » الخصائص » 446/2 - 447 . 
(3) ابن جني نفس المصدر » 450/2 . 


52 


ولا مبرر لهذه المالغات ثي التحليل والتعليل » وقد يعجب القارىء 
باطفها » إلا" موقفه الشديد الصارم ممّن لم يقل بالمجاز وحملته عليهم حملة 
ا ا » مباحث كتابه الخصائص : يقول في باب « فيما يؤمنه 
علم العربية من الاعتقادات الدينية ) م اعلم أن” هذا الباب م 3 أشرف أبواب 
هذا الكتاب » وأن الانتفاع به ليس إلى غاية ولا وراءه من نهاية . وذلك أن 
أكثر من ضل من أهل الشريعة عن القصد فيها » وحاد عن الطريقة المثلي 
إليها فإنما استهواه (واستخف حلمه) ضعفه في هذه اللغة الكريمة الشريفة » 
التي خوطب الكافة بها » وعرضت عليها الجنة والنار من حواشيها وأحنائها » 
وأصل اعتقاد التشبيه لله تعالى بخلقه منها » وجاز عليهم بها وعنها 50 


وم تفف مشاركة اللغويين ني بلورة المسائل البلاغية عند هذا الحد نظرا 
لارتياطها الوثيق بالئحو فخاضوا في قٌّ دلاللات التركيب : 


ووقفوا في ذلك على جملة من القوانين وبحرا تررك ا دي 
إلى الإعجاب أحيانا عب قم نجد بذور ما ع اليوم 0 بعلم المعاني 
السياقي » » ولعلهم لو تعمقوا في البحث أكثر مما فعلوا لخرجوا بنظرية 
متكاملة ني الموضوع . رلقد تبلور هذا عندهم خاصة في اهتمامهم بعوارض 
الملفوظ وهيئاته كالحذف والإيجاز . فكانوا أُوّل من تفطن إلى تعداد عناصر 
الدلالة ونيابة بعضها عن بعض » وأوّل من تبلور على أيديهم تبعا لذلك مصطلح 
« السياق » كدليل إضاني يعن اللغة على الأداء رضابط يتحكم ني عناصر 
الملفوظ : ما يمكن الاستغناء عنه وما لا يمكن خوف الالتباس والإغلاق (2) ؛ 
وأهلهم اهتمامهم اللغوي إلى دراسة كثير من الأساليب العربية نتعرض إلى 
بعضها في مكان آخر من هذا العمل . 





(1) ابن جنى ٠»‏ الخصائص » 245/3 . 
(2) أنظر : سيبويه : الكتاب » 66/1 وابن جني » الخصائص » 360/2 . 


053 


د الحاجة الى التعلم والتعليم: 


برزت بتطور المجتمع العربي الإسلامي الحضاري والسياسي حاجات 
نوعية 0 تكن قُ عهد تأسويق الدولة والقرب من ١‏ سرة البادية 0 موجودة أو 
لم يشعر الناس بضرورتها شأنهم فيما بعد . 


ومرد ذلك استقرارٌ العرب بالمدن الكبرى » بعيدا عن مهد لغتهم 
وشعرهم ومهبط قرآنهم ؛ وفساد اللسان وشيوع اللحن » ورقة الصلة بتك 
الروح » وقد كانت تحفزهم على 3 راثهم يحفظونه بالتلقي المباشر والتعلم 
التلقائي » واتتساع رقعة السلطان » ورغية الحكام في إرساء 0 السياسى 
عل مؤسسات مك نمو تقد" الأطرافة إن رركن ع دفول ارام من 
حّضارات أخرى سعى أولو الأمر احتواءهم وإدخالهم في صلب جهاز 
الدولة » وتمكينهم من المناصب المرموقة » أحيانا » يضمئون بذلك ولاءهم 
ويضعفون من حددة انتماءاتهم الحضارية والعقائدية الأولى . وقد تضافرت 
هذه العوامل على خدق ملاسات حضارية وفكرية جديدة » وصراعات 
مذهبية » وتودرات في بنية المجتمع » ساهمت بقسط وافر ف إذكاء الجدل 
والاحتجاج حول قضايا كان بعضها متصلا بمقومات الحضارة العربية 
الإسلامية ا ن الوجهة اللغوية والبيانية ٠.‏ 


وقد أدات هذه العوامل إلى ظهور فئات اجتماعية تقوم على صناعات 
لم تكن الحاجة إليها في السابق واضحة » نذكر منها فثئة المؤدبين أو المعلمين . 


6 3 


ليس لدينا » عن هذه الفئة » معلومات كافية تسمح ترضح دورها 
قِ نشأة التفكير البلاغي . فحديث المصادر عنها عرضي : بأتي في غضون 


الترجمة تطبقات العلماء » لأن التعليم كان نشاطا فرعيا عن اختصاص العالم 2 


54 


وموقف الناس منهم ممشوب بكثير من الحذر والاستهزاء مما قد يكون ساعد 
على غمرها (1) . 

ويبدو رغم ذلك أن" هذه الفئة لم تكن » على اجتماع أهلها على صناعة 
واحدة » متجانسة" » لا من“ حيث أصل من ينتمى إليها ولا في مادة تعليمها 
وغايته » ولا حتتى من حيث اهتمامها بمظاهر اللغة والأسلوب . 

ويمكن تبعا لذلك أن نقسّمها إلى ثلاث طوائف . 

طائفة » يرتبط ظهورها بالدولة الأموية (2) » كانت تقوم على 
تربية أولاد الخاصّة وأولاد أولي الأمر المرشحين للخلافة » تعلمهم الشعر 
العربى الأصيل وما يتطلبه فهمه من إحاطة بفصاحة العرب وأخبارهم وأنسابهم 
وذكر أيامهم » وكان على هؤلاء »؛ لبعد المتعلمين زمانا ومكانا عن معدن 
الفصاحة » أن يقربوا ذلك الشعر إلى أذواقهم ويدلّوهم على جودته ببيان 
بعض خصائصه التعبيرية والفنية .. 

ولا شك أن قيمة تلك الملاحظات مرتبطة بأهمية المؤذب ومكانته في 
العلم » إذ كانوا طبقات عد الجاحظ (3) فيهم الأعلام » كالكسائي 
و قطرب والكميت بن زيد وعبد الحميد الكاتب وخاصة ابن المقفع » 
وقد عرف عنه اشتغاله بهذه الصناعة . فلقد ذكر الجاحظ (4) أن" اسماعيل 
بن على" عم السفاح والمنصور ألزمه بعض بنيه » ولابن المقفع هذا قُ مو ضوع 
اليلاغة مشاركات هامة . 

ولعل” أهمية هؤلاء المؤدبين ني تاريخ العلوم اللغوية والآدبية جعل بعض 
الباحثين يعتبر عملهم « أول تغيير يدخل على منهج الدراسة الفنية الفطرية » (5) 
(1) هذا الامر دفع الجاحظ إلى تخصيص داب (البيان والتبيين 248/1 - 256) لطبقات المعلمين 

حتى يبين تهافت العامة في استنقاص المعلمين عامة . 

(2) انظر : أمين الخولي » مناهج تجديد » ص 100 . 
(3) انظر : الجاحظ » البيان والتبيين » 250/1 -251 , 


(4) المصدر السابق 252/1 . 
(5) أمين الخولي » الكتاب المذكور » ص 100 . 


55 


لكننا نرجح أن" ملاحظاتهم ؛ ومعلوماتنا عنها قليلة » كانت بسيطة تأي عرضا 
في ثنايا الحديث عن لغة النص وفصاحته » ولم تكن أحكامهم تستند إلى 
أصول تتعلق بصياغة الشعر » وخصائص اللغة فيه » وما قد يترتب عن ذلك 
من أصول بلاغية (1) . 

أمّا الطائفة الثانية فهي شديدة الصلة ببيئة المتكلمين والمعتزلة » فهم 
. يعتبرون تعلم البلاغة غاية في حد ذاته » تمكنهم من أداة ناجعة يظهرون بها على 
خصومهم في المناظرات والمجادلات . ويبدو أن عددا منهم تجرد لتدريس 
أصولها باعتبارها وجهة علمية تخدم اختيارهم العقائدي. .> ول تستيعد. أن 
الحلقات التى أطنب الجاحظ في الحديث عنها يمؤلفاته كانت تتعرض إلى 
مسائل لها 0 بأهمية الكلام ني علم الكلام » وقد يفسر هذا سبق 
المعتزلة إلى تعريف البلاغة وتقنين أصول الخطاب وضبط غاياته ومراميه (2) 
ودور المتكلمين عامّة «لأن” كبار المتكلمين ورؤساء النظارين كانوا فوق ٠‏ 
أكثر الخطباء وأبلغ من كثير من البلغاء ) (3) إذ هم يحملون أنفسهم الدفاع 
عن الضلالات وإنقاذ العامة من المهلكات : ١‏ لولا مكان المتكلمين لهلكت 
العوام” واختطفت واستترقت . ولولا المعتزلة لهلك المتكلمون» (4) 

ولقد أطنب الجاحظ في خصال بعض العتزلة البيانية وذكر صراحة 
أن" بعضهم كان يقوم على تعليم الفتيان الخطابة (5) ؛ بل إنه يربط صحيفة 


(1) انظر : إحسان عباس : #اريخ النقد الأدبى عند العرب » دار الأمانة » ط. 1 © بيروت 
1 2 ص 45 - 59 , ١‏ 

2( من أقدم تعريفات البلاغة ما نسب إلى عمرو بن عبيد (ت. 4) وكان من شيوخ المعيزلة انظر : 
جابر أحمد عصفور : الصورة الفنية 4 ص 122 4 الجاحظ 3 البيان و التبيين ص 114 وهو 
سياق يدل يوضوح عل تسخير البلاغة لخدمة قضايا اعتقادية « قيل لعمرو بن عبيد : ما البلاغة ؟ 
قال : ما بلغ بلك الجنة وعدل بك عن النار » وما بصرك مواقع رشدك وعواقب غيك » . 

)3( انظر : الجاحظ » المصدر السابق » 139/1 . 2 

(4) انظر : الجاحظ » الحيوان » 289/4 . 

(5) أنظر حديئه عن أسباب وضع بشر بن المعتمر رمالته المشهورة يقول : هر بشر بن المعتمر 
بابراهيم بن جبلة بن محرمة السكوني الخطيب » وهو يعم فتيانهم الخطابة .... » الجاحظ » 
البيان والتبيين » 135/1 . 1 


56 


بشر بن المعتمر (ت. 210) بهذه الغاية التعليمية . ويمكن أن نعتبرها » من 
وجوه عديدة » ١‏ بيانا) يحد د فيه قوانين تعليم الخطابة ويمزج بين قضاياه 
وقضايا النقد الآدبي ويؤكد فيه على الناحية النفعية من كل خطاب وضرورة 
احترام تطايق اللفظ والمعنق حتى تحقق الإفهام (1). 

وقد تكون هذه الغاية التعليمية » بالإضافة إلى العامل الدينى الذي سبق 
أن تحدثنا عنه » السبب الذي دفعهم إلى التنقيب ني تراث الأمم الأخرى 
ليطلعوا على آرائها في الموضوع . ١‏ ولعل صنيعهم هذا هو الذي شجع على 
ترجمة كتاب الخطابة لأرسطو منذ فترة مبكثرة » ترجع إلى منتصف القرن 
الثاني للهجرة أو إلى أواخره على أكثر تقدير » (2) 

وكانت الطائفة الثالثة تقوم على تأديب (الكتاب » الملحقين في 
مؤسسات الدولة بديوان الرسائل والكتابة . 

ويعود ظهور هذه الطبقة إلى عهد الرسول والخلفاء الراشدين من بعده 
وكانوا 1 نذاك » عربا من الصحابة وذوي القربى » يجرون » في مراسلاتهم » 
على مستقيم اللسان وخالص اللغة » ثم أصبحت الكتابة » بتطور الدولة 
وفساد الاسان » صناعة من جملة الصناعات تقوم على التعلم والدربة 
والاختصاص : ١‏ فلما فسد اللسان وصار صناعة اختص” بمن يحسنه ») (3) . 


جه 


وقد تبلورت هذه الطبقة واشتد” أمرها مع تكوين الدواوين الإسلامية » 
على عهد عمر ابن الخطاب (4) » وبلغت الذزوة قُ العهد العباسى (5) . 
وكان القائمون عليها » في المشهور » من غير العرب » خاصة الفرس » وهم 


(1) انظر النص الكامل لهذه الصحيفة : البيان و التبيين » 135/1 - 139 . 
)2( جابر أحمد عصفور » الصورة الفنية » ص 123 . 
(3) انظر : أبن خلدون ٠‏ المقدمة » دار الكتاب اللبناني ط. 3 بيروت 1967 ص 436 , 


(4) انظر. : الجهشياري » الوزراء والكتاب » مطبعة ابن » ط. 1 » القاهرة. » 1938 » 
ص 20-16 , 
5( انظر : أبن خلدون » المصدر المذ كور » نفس الصفحة ., 


5 


أصحاب تقاليد عريقة في هذا الشأن يجلون الكاتب ويشرفونه شرف 
الملوك (1) » وكانت الكتابة طريقهم إلى نيل الحظوة لدى أولى الأمر والارتقاء 
إلى المناصب المرموقة في الدولة » لذلك كانوا يأخذون أنفسهم بالثقافة الواسعة » 
ويسعون إلى تنويع مصادر المعرفة » بالإضافة إلى ما يجب أن يكونوا عليه 
من أدب النفس مما تحتمه معاشرة الحكام وخدمة الدول . 


د 6 


واشتهر من بين هؤلاء جماعة اقترن اسمها بالنثر العربي وبدايته الحاسمة 
في النصف الأول من القرن الثاني » وقد شهد لهم بتمكنهم من البلاغة 
وفصل الخطاب (2) حتى طمع في منزلتهم الحكام والأمراء (3) » وغدوا 
مضرب الأمثال . ويأتي على رأسهم عبد الحميد ابن يحيى (ت. 132) الذي 
غلبت صناعته اسمته فأصبح يعرف بها . وقد قال فيه أبو جعفر المنصور 
لما آل الأمر إلى بني العباس » اعترافا بمكانته ني الكتابة ومكانة الكتابة 


- 


في تدعيم الدولة » « غلينا بنو مروان بثلاثة أشياء : بالحجاج » وبعد الحميك 
بن يحيى الكاتب 2 وبالمؤذن البعلبكي ) (4) . 


3 


(1)“يقول الجهشياري » المصدر السابق » ص 9 « ونم يكن يركب الهماليج ني أيام الفرس إلا 
املك بو الكاتي. و القاضي و , 


)2( نوه الجاحظ ببلاغتهم في أكشر من موضع في كتابه البيان والتبيين ولعل مسن أشهر السياقات 
ما ورد 137/1 حيث يقول : « أما أنا فلم أر قط أمثل طريقة في البلاغة من الكتاب » فإنهم 
قد التمسوا من الألفاظ ما لم يكن متوعرا وحشيا ولا ساقطا سوقيا» . وانظر أيضا » نفس 
المصدر ٠»‏ 24/4 . 

(3) يورد الجهشياري في أخبار «عبد الحميد بن يحيي » حكاية عن أبراهيم بن 'عباس قوله : 
ما تمنيت كلام أحد أن يكون لي إلا كلام عبد الحميد » حيث يقول : في رسالة له : الناس 
أصناف مختلفون وأطوار متباينون » منهم علق مضنة لا يباع » ومنهم غل مظنة لا يبتاع » . 
وواضح من السياق أن الإعجاب متعلق بفنه في الكتابة . المصدر السابق » ص 82 . 


(4) الجهشيارى » المصدر المذكور ع ص 81 . 


58 


وقد تكون دقة هذه الصناعة اللسانية التى يربط ابن خلدون ظهورها 
بخصائص العر بية وبلاغة العبارة فيها (1) ؛ ان ظهور ؛ نهج ني التأليف » 
منذ وقت مبكر غايته مد" أصحابها بالعلوم التي تحتاج إليها مهنتهم ني 
مقدمتها علوم اللغة وأساليب العرب في تصريفها . ولعل” رسالة عبد الحميد 
الكاتب المشهورة التي تناقلها الناس إلى عهد ابن خلدون هى البادرة الأولى 
في هذا المجال » 05 ذال اندو السديهية القامة واد ل الحديث على 
الخصائص البلاغية (2) » وهو ما سيتوفر في الكتب المتأخحرة التي تنتهي إلى 
القرن الثالث وما بعده (3) . 


ولثئن كان هذا النوع من التأليف غير مقتصر على تعليم فن' الترسّل على 
مستوى اللغة والأساليب حتى يؤدي ١‏ الكتاب اللغة بأبلغ من العبارة اللسانية 
في الأكثر» ‏ على حد تعبير ابن خلدون ‏ فإن” جانبا كبيرا منه يتعلق 
بتصاريف الكلام وسبله (4) » لذلك فلا مناص لها من أن تتحول في الغالب 
إلى بحث في قضايا البلاغة تعريفا ووجوها (5) » بل إن" منها ما سيعد من مصادر 
البلاغة الأساسية وهو في الحقيقة من أدب الكتتّاب 6) . 


69 أبن خلدون 4 المصدر المذكور 4 ص 0436 احيث يقول 11 وإنما أكد الحاجة إليها في 
الدولة الإسلامية شأن اللسان العربى والبلاغة في العبارة عن المقاصد . فصار الكتاب 
يؤدى كنه الحاجة بأبلغ من العبارة اللسانية في الأكثر 2.١‏ 

2( لاتعدو الإشارات البلاغية في الرسالة هذه الجملة « فليقصد الرجل منكم فى مجلسه قصد 
الكافي من منطقه وليوجز في ابتدائه وجوابه وليأخذ بمجامع حججة » » ابن خلدون » 
ص 78 

(3) من أقدم ما وصلنا في هذا المجال رسالة ابراهيم بن المدبر (ت . 279 ه) الموسومة د« الرسالة 
العذراء «( وقد اعتمدنا فيها على تحقيق زذكى. مبارك » ط 2 القاهرة 131 وأدب الكاتيب 
لابن قتيبة » تحقيق محمد محى, ألدين عبد الحميد المكتبة التجارية » ط 3 القاهرة 1958 . 

4( انظر عللى سبيل المثال : أدب الكاتب ص 17 (باب ما يضعه الئاس في غير موضعه) 
ص 37 (باب تأويل المستعمل من مزدوج الكلام) » ص 206 (باب الحروف .التي تأني 


المعانى.) ص 238:(باب الحرفين يتقاربان في اللفظ وفي المعنى ويلبسان فريما وضع الناس 
أحدهما موضع الآخر) » ص 239 (باب الحروف التي تتقارب ألفاظها وتختلف معائيها) .. 

(5) أحسن مثل لذلك » في رأينا الرسالة العذراء فلقد خصص ابن المدبر ثمانى, وثلاثين صفحة 
من جملة ثماني وأر بعين (ص 0 -481) الحديث عن مسائل بلاغية صرف 1 


(6) مثال ذلك كتاب البرهان في وجوه البيانت » لإبر اهيم بن وهب . 


59 


لذلك يمكن أن لعتبر أن" هذا النوع من لتأليف أعان على دلورة التفكير 
البلاغي عند العرب في تطاق اهتمامه بتعليم ذ فن 00 وذلك بطريقتين : - 

بالخوض فيما هو فشتك لين مختلف فنون القول التي تستعمل فيه 
اللغة استعمالا فليا واعيا برتيط بمقاصد الخطاب 

بإبراز ما يجوز في فن” ولا يجوز في آخخر فربطوا بين الفن” وأسلوبه 
وكأنهم أشاروا بذلك إلى الفصل 0 لالد الأدبية وإن بقي ذلك في مستوى 
سيط تحت ظلال التقسيم الثنائمي /١‏ 1 المنظوم والمنثور . 


إذن » نستطيع أن نقول » رغم قلّة معلوماتنا ني الموضوع ٠»‏ إن هذه 
الحاجة إلى التعليم كانت 0 م نالخوادر الهامة » دفع العرب قُ نطاة 
يا الو ا ل ل اله 


ا ا 


ه ‏ المؤثرات الاجنبية 


يحتل" موضوع تأثر البلاغة العربية بالتراث الأجنبي مكانة هامة في 
الدراسات المعاصرة : ولئن أثير ت هذه القضية بمئاسية النأ, ريح لعلوم أخدو 
غير البلاغة (1) فإِنها تتسم » هنا بطابع خاص” لعل مرده الظروف التي 
ألسة كات أطوان عيذا العم وكونها ظهرت فى :وقت: أضبخت فيه 
صلة العرب بالتراث الأجنبي أمرا واقعا . 

فمنك نهاية الثلث الأول دمن هذا القر نَْ أشال بعض البحاثين إل وجود 
عناصر غير عربية في موروثنا البلاغي والنقدي استخرجوا بعضها ٠‏ ولفتوا 


0( انظر : عبد القادر ال مهيرى 34 0 حول علاقة النحو العر بي بالمنطق واللغة » حوليات 
الجامعة التونسية » العدد 10 ٠»‏ السنة 1973 ؛) ص 21 - 36 , 


60 


انتباه غيرهم إلى ضرورة تعميق هذا الجانب من البحث لتتم" لنا صورة 
النظزية الأدبية عند العرب بالوقوف على مجمل روافدها (1) . 

ومن لم أضيوت هذه المسألة مبحثا قارًا < يكاد يخلو مله مو لف 
متعلّق بقضايا الأدب عامّة » وقضايا البلاغة » بصفة خاصة . 

ولقد قامت هذه الدراسات على أسياب وسلكت مناهج وانتهت إلى 
00 المفيد بد أستعر اضها على الترتيب منتهين ةُ بعد ذلك 2 إلى موقفنا 


الأسباب التى أدات إلى إثارة هذه القضية . 


يمكننا أن جع هذه الأسباب في محورين رئيسيين : محور تاريخي 
حضاري عام ومحور نسميه ١‏ نصيا» ونعني به جملة الإشارات والأدلة 
المستخلصة من مصادر البلاغة العربية نفسها . وهي إما إحالات مباشرة 
وصريحة على التراث الأجنبى أو خصائص ماتصقة بها في كيفية تناولها 
للمسألة أو تعبيرها عن 5 لا عهد للفترات السابقة بها » ولا 
تكفي العوامل الداخلية لتفسيرها تفسيرا مقنعا مما يبحمل على البحث عن 
فقا درها ارج الاق الها اعرد 


سكن أن تلكن ١‏ في «المحون :الأول 4 .إلى اك الأسنات: التاريكة 
العامة التي وطدت الصلة » منذ وقت مبككر » بين الثقافة العربية فالعربية 
الإسلامية وثقافات شعوب أخرى «جاورة لها أو متعايشة معها مما جعل 


(1) مز من أقدم الدراسات فى ي ا موضوع : 1 اطه حسين : البيان العر بي من الجاحظ إلى عبد 
القاهر وهو بحث قدمه بالفر نسية للمؤتمر الثاني عشر لجماعة المستشرقين الذي عقد فى 
سبتمير 1 في مدينة 00" جمه رر عبك الحميد العبادي » ومهد به لتحقيقه كتاب 
نقد الث الذي نسية خط إلى قدامة بن جعفر »© مطبوعات كلية الآداب بالجامعة المصرية 
سنة 1933 . 2 أمين الخولي : البلاغة العربية وأثر الفلسفة فيها وهو بحث ألقي في 
الا لا ل اياي عات ويا جل لحرو اتن +1 تنمدا مع 

في النحو والبلاغة والتفسير والأآدب . دار المعرفة 1 » 1961 ص 143 - 176. 


61 


البيئة الثقافية في الحواضر والأمصار غير خالية من عناصر فكرية 
أجنبية . نذكر التأخمّر التسبى الذي عرفته نشأة البلاغة ناهيك أن" أولى المؤلفات 
التي يمكن 50 » صريحة النسب إلى البلاغة تنتمي إلى نهاية 
القرن الثالث وبداية الرابع . وهي فترة صادفت ازدهار حركة الترجمة 
ونقل الفكر الأجنبي » اليوناني خاصة » إلى اللغة العربية ما مباشرة أو عن 
طريق اللغة السريانية . زد على ذلك أن" التراجمة وقعوا على كتب لها علاقة 
مباشرة بمشاغل البلاغة وهما كتابا « الخطابة » و ١‏ الشعر » لأرسطو . 


وقد لقَى هذان المؤلفان رواجا كبيرا آنذاك وعكف العرب على 
ترجمتهما وشرحهما وتلاخيصهما . 


فكتاب « الخطابة ») كان معروفا في نهاية القرن الثالث » اعتمادا على 
رواية ابن النديم في الفهرست حيث يقول : « الكلام على ريطوريقا ومعناها الخطابة 
يصاب بنقل قديم وقيل إن اسجق نقله إلى العربي ونقله إبراهيم بن عبد الله , 
فسره الفارابى أبو النصر . رأيت: بخط أحمد بن الطيئب هذا الكتاب نحو 
مائة ورقة » (1) واسحاق المذكور هو اسحاق ابن حنين المتوفي سنة 298ه أو 299ه. 


وقد اهتوم" الفلاسفة المسلمون به فشرحه أبو نصر الفارابى (ت. 339ه) 
لكننا لم يكن بين أيدينا إلى سنوات قليلة مضت من خطابته إلا النزر القليل 
الوارد في رسالته قُ « إحصاء العلوم » حتى وقع العثور على رسالتين له ضمن كتاب 
0 المنطق ) ودعتقد أنهما شرح لخطابة أرسطو أو يقعان على الأقل قُ فلكها (2). 


(1) طاء فلوجل » ص 250 .,. 
(2) انظر : : 6ناوه0طا6؟ 18 كناة 12601165 5ع لاناعه عتتاعل ,أطوجة1 أذ 
:53 -1آخى 11186 (1 


حتآطنا2 ,أطمعقطملم4 1055© ونه 5تاع]اماكتعة تمع 1مطاع]1 صذ 13لوء015آ (2 
قطعة4 لخ 125 ,تطأءسهصع 021 .3/1 أء ,علقطعقصهآ .ل : عهم ع6عوم26م ممقمه 
. .1ا0 1 اهمزع 8 


62 


أمنا ابن سينا (ت. 428ه) فقد تجسم اهتمامه به في كتابين عنوان الأول 
دي معاني كتاب ريطوريقا » وهو قسم من ( الحكمة العروضية أو كتاب 
المجموع ») (1) وفيه يعرف الخطابة » ويحداد مقاصدها . وصلتها بالجدل » 
ويدرس طرق الاستدلال فيها . والكتاب الثاني وهو بعنوان « الخطابة » وهو 
الفق الفامق هلع :فتوق المنطق القن دكر و :د ور ها «اللجيئلة الأو ىعن دل 
االعنادو ارو يقل عل ارم كاله تر إل قر لك + وقد لقان 
الرابعة وهي تعالج ترتيب الول الخطابي وخصائصه ومستحسن الألفاظ 
والأساليب ومستهجنها » أشد أقسام الكتاب صلة بالمباحث البلاغية (2) . 
كما لخص ابن رشد (ت. 595ه) الكتاب »: واستغله بكيفية تختلف عن 
الفيلسوفيين السابقين إذ حاول أن يستشهد للقضايا المطروحة بشعر العرب 
والقرآن . وقد ذهب بعض الباحثين إلى أنه لم يفهم كتاب ١‏ الخطابة ) فحرفه 
جهد استطاعته (3) . 

فمن الثابت » إذن أن" النص العربي لهذا التأليف كان معروفا في أواخر 
القرن الثالث ؛ وأن” الاهتمام به تواصل إلى فترة متأخرة (4) ؛ معنى ذلك 
أنه صاحب جل أطوار البلاغة العربية . 

وقد عرف العرب أيضا كتاب ١‏ الشعر ) . يقول ابن النديم في الفهرست » 
مباشرة بعد النص المتعلق بكتاب ١‏ الخطابة » : ١‏ الكلام على أبو طيقا ومعناه 
الشعر نقله أبو بشر متى من السرياني إلى العربي ونقله يحيبى بن عدي وقيل 
إن" فيه" كلكها لناستطو سن وإقال رت مقرلا وليه ولاكددي قمر فى 
هذا الكتاب » (5). 


(1) انظر : ابن سيناء كتاب المجموع » القاهرة » 1950 ص 15 - 76 , 

(2) انظر : ابن سينا »ء الشفاء [المنطق (الخطابة)] » تحقيق الدكتور محمد سليم سالم 2 
المطبعة الأميرية » القاهرة 1954 , 

)3( انظر 5 طَه حسين مقدمة نقد النثر 34 ص 24 : 
في القرن السابع عند حازم القرطاجنى, (684 ه) في كتابة مناهج البلغاء وسراج الأدباء 
تحقيق محمد الحبيب بلخوجة » دونس 1966 . 

(5) ص 250 , 


68 


فللكتاب » كما هو واضح في النص » ترجمتان بقيت لنا منهما واحدة 
تنسب إلى متى بن يونس القثائي (ت. 328ه) تجمع المراجع على رداءتها 
وانغلاق الكثير من فقراتها على الفهم . وقد اعتنى الباحثون بها عناية خاصة 
لكونها نسخة يتيمة عظيمة الفائدة من عداة جوانب ففكروا في نشرها منذ 
أواخر القرن الماضي وتواصل ذلك الاعتناء إلى اليوم (1) . ا 


كما يشير النص إلى مختصر وضعة رأس الفلاسفة العرب الكندي 
(ت. 252ه) ولكنه لم يصلنا . وإشارة ابن النديم هذه » بالإضافة إلى إشارات 
أخرى واردة ني بعض المصادر العربية تنسب إلى اسحاق بن حنين ترجمة 
لكتاب الشعر (2) » وضعت أمام الباحثين جملة من نقط الاستفهام تصعب 
الإجابة عنها ما لم نقف على مختصر الكندي . 


وقد اعتنى الفلاسفة العرب بهذا الكتاب عنايتهم بالكتاب السابق » 
ووصاتنا جملة من الملخصات والرسائل متفاوتة القيمة في فهمها لقضاياه ومختلفة 
في طريقة استغلالها لجملة القوانين الشعرية التي يتضمنها . وأشهر هذه الرسائل 
رسالة الفارابي وني قوانفين صناعة الشعر » وابن سينا «فن الشعر » وابن 


(1) أول من نشر النص العربى, اعتمادا على المخطوطة الوحيدة المحفوظة بالمكتبة الوطنية بباريس 
تحت رقم (2346 عربى) المستشرق الانجليزي مر جوليوث (3/1318011011:58) بلندن 
سنة 1887 في كتابه : تتقعاء)[هاكلعة مسفعناءه 30 قتلقادة 011 ماءه[دمة ثم نشر 
الكتاب نشرة ثانية بعد ذلك بحوالي نصف قرن من طرف ج . تكاتش (طقلة1' .3[) في كتابه 
صل م16 لصت وواء51اكتتة وهل علناءع20 068 عمتاجاءومءط11 عطعقتطوحت عمتجا 

١‏ معط قتطعه 1ت وه علتخاعكا عع عع13ل 
وقد ظهر الجزء الأول من هذا العمل سنة 1928 والجزء الثاني سنئة 1932 . ويبدو أن 
النشرتين السالفعين م تسلما من العيوب وخاصة فيما يتعلق بتخريج بعض فقرات النص 

لعر (ي القديم وقراءتها بطريقة تطمس المعنى » فاثيرى جملة من البحاثة العرب مختصين 
في الغة والآداب الطيلينية إلى إعادة نشر تلك الترجمة وتوضيحها بمقابلتها بالنص 

ليونانى. من ناحية و بترجمة حديثه يقترحونها لذلك النص نذكر من هؤلاء : 

أ شكري محمد عياد : كتاب أرسطو طاليس في الشعر نقل أبي بشر متى بن يونس 

لقنائى » من السرياني الى العربي » دار الكتاب العربى للطباعة والنشر » القاهرة » 

7 (الملاحظة أن البحث قام به 'صاحبه في أوائل الستينات فتاريخ المقدمة 1952) 

ب عبد الرحمن بدوي » أرسطو طاليس : فين الشعر مع الترجمة العربية القديمة وشروح 

لفارابى وابن سينا وابن رشد . دار الثقافة - بيروت » ط2 » 1973., 








)2( انظر : عبد الر حمن بدوي الكتاب اتلد كور ؛ صن 0 ., 


64 


رشد ١‏ تلخيص كتاب ارسطو طاليس في اأشعر ) رقد نشرت منفردة فى 


مواطن مختلفة وجمعها بعد ذلك عيد ار حمن بدوي 5 الكتاب الذي ذكرناه ٠‏ 
ودبدو أن” الحسن بن الهيثم وت 2220 وضع رسالة قُ صناعة الشعر 


ممتزجة من اليوناني والعربي إلا أننا لا نعرف عن هذه الرسالة شيئا يذكر (1) . 


فكتاب الشعر » رغم ما يحيط بتاريخ دحوله إلى البيئة العربية من 
غموض متأت من ضياع بعض الأعمال المتصلة به كمختصر الكندي المذكور » 
كان معروفا في ترجمة عربية » #دردة القيمة لا الة » في الثلث الأول من 
القرن الرابع 3 بل إن" مثر جمه كان على صلة يأحد )0 أعلام ( البلاغة والنقد : 
قدامة بن جعفر (2) . 

نستنتج ما عي 0 كتابتى ١‏ الخطابة » و« الشعر ) كانا مترجمتين 
في فترة شهدت بوادرٌ التأليف المستقل” ني فن” البلاغة مع كتاب ١‏ البديع ) 
لعبد الله بن المعتز (ت. 296ه) ؛ ونهجا في نقد الشعر لم نصادف مثله في 
المحاولاات السابقة نعني بذلك « نقد الشعر ) لقدامة بن جعفر (ت. 326ه) , 


3 3 


وبالإضافة إلى هذه العوامل التاريخية الثابتة التي تدل” على أن البيئة 
الثقافية العربية لم تكن أجنبية عن تيارات في التفكير نضجت في سياقات حضارية 
تختلف عن السياق العربي ٠‏ وعلى أن المعطيات الموضوعية لعملية اللقاح 
الفكري متوفرة . نذكر عوامل أخرى جعلت البحث في علاقة البلاغة بالفكر 
الأجنبى يكتسى صبغة خاصة . وجملتها تدخل في المحور الثانى الذي سميناه 
) الأسباب النصية ) . 
(1) انظر : أحمد مطلوب : عبد القاهر الجر جانى بلاغته ونقده » نشر وكالة المطبوعات 

بالكويت » ط 1 » بيروت »© 1973 ص 293 , 


(2) انظر : شكري محمد عياد » الكتاب المذكور © ص 234 , 


66 


فالجاحظ أشار أكثر من مرّة » في مواطن مختلفة وفي سياق اهتمامات 


متياينة » إلى مصادر اجنبية : 


ففى سياق )0 الحيوان 0 المشهسور الذي لأدخ فيه ميسلاد الشعر العر بسى 
يذ كر » دفعة واحدة ويدون تخصيص 2 لك أرسطاطاليس وأفلاطون 
وبطليموس وديمقراطس . وقد يبدو إبراد هذه الكسناء غريا 4 لأول وهلة ( 
ولكن » بتنزيل النص في الكتاب » نفهم أنه يحتج للكتاب على الرواية ويبيّن 
فضله قُ الحفاظ على التراث ولثيته (1) . 


5 5 


وي نطاق إبرازه أهمية الوزن ني الشعر العرسي يشير إلى تراث ثلاث 
أمم : الهند والفرس واليونان مقترنة بأفعال تفيد الترجمة والتحويل مشفعا 
ذلك بحكم مفاده أن" هذا التراث إن لم يزدد : بالتقل » حسنا فلم ينقص 
من أصله شيء . إلا أنّه لا يصرّح باللغة التي ترجمت إليها ولا يذكر أنه 
اطلع عليها وإن كان الحكم الذي أثبته يرجح أنه رآها أو سمع عنها فيما 
كان يدور في الحلقات من مناقشات (2) . 


كما أشار » وهو يؤكد على حاجة الكتاب إلى إفهام معانيه » إلى كتاب 
المنطق » مقررا أن أكثره يستعصي على أفهام الخطباء والبلغاء لآن” تمشله 
يحتاج إلى أن يكون السامع عرف جهة الأمر وتعود اللفظ المنطقي الذي 
استخرج من جميع الكلام ) (3) والغالب على الظن” أنه يعني منطق و 
الذي قد يكون الجاحظ اطلع على أجزاء منه تشير المصادر إلى ترجمتها في 


وقت مبكر (4) . 


(1) انظر : الجاحظ : الحيوان » 74/1 . 
(2) الجاحظ الكتاب المذكور » 75/1 . 
(3) نفس الكتاب » 89/1 - 90, 


(4) انظر : الفهرست + ص 248 - 250 , 


66 


وذكر » من اليونانيين » « دسيموس ») 2 مناقشته الفرق بين العاسم 
بالثي عاق ممار سئة ا و كيف أن” الناقد قل يكو ل (, كالمسن 1 يشحد. 
ولا يقطع ) (1) . 

ونصادف » بجانب هذه السياقات العامة » مجموعة أخرى أكثر 
اتصالا بقضايا اللغة والأسلوب . 


فهو يذكر » كلما سنحت الفرصة » خصائص بعض اللغات الأخرى (2) 
وينقل مباشرة عن الأجانب في قضايا لغوية صرف تحتل" مكانة هامّة في 
تفكيره وأدبه : فربط اللغة بالحاجة ولأثير هذه في الخواطر وتصاريف 
الألفاظ  .‏ وهو مبدأ من مبادثه اللغوية الكبرى كما نين ذلك في مكان 
الخد اده عن الهنود : «وتزعم الهند أن” سيب ماله كثر كلام السام 
واتخلقت ضور ألفاظهم ومخارج كلامهم ومقادير أصو اتهم في الليسن والشداة 
وفي المد والقطع كثرة حاجاتهم ولكثرة حاجاتهم كثرت خواطرهم وتصاريف 
ألفاظهم واتمعة على قدر اتساع معرفتهم) (3) . 

وسياقات كتاب «الحيوان») (4) لا تبلغ ؛: على أهمنيتها » ما ورد في 
( البيان والتبيين ) الذي تبدو فيه العناصر الأجنبية أكثر امتزاجا وأوثق اتصالا 
بأساليب البلاغة وفنون القول . 


وتعتبر « الصحيفة الهندية » من أبرز هذه السياقات ومن أوضحها دلالة 
على امتزاج الثقافة العربية بثقافات أجنبية واستفادة البلاغة في أطوارها الأولى 
من موروث الحضارات الأخرى ١‏ 
(1) الجاحظ : الحيوان » 290/1 . 
(2) انظر مثلا حدينه عن الاشتقاق في اللغة الفارسية وبعض طرقه والمثال على ذلك » الحيوان» 143/1 
(3) الحيوان 21/4 . 
(4) يكثر الجاحظ في كتاب « الحيوان » من الإحالة على كتاب لأرسطو بهذا العنوان وكثير 


ما يقف منه موقف الناقد » انظر : 55/2 » 137/3 © 513 » 365/5 © 502 ٠»‏ 441/6 » 
77 »© 226 . 


6 


وطريقة الجاحظ في تقديمها يلفت الدّظر » فهو يمهدد لها بذكر ملابسات 


تاريخية تحملنا على التصديق بكونها حدثا تاريخيا واقعا . فقد أشار إلى 
وو دها: خض" هذى الأصضل. وبولة) ذكر” اسه مقر نا رأطكاء + هتره 
استجلبهم « البرا مكة ) . وإشارة ( بهلة ؛ إلى الصحيفة كانت جوابا عن سؤال 
ستكشئف حد البلاغة عند الهندود . ويقوي الظن بوجودها إحجامه عن 
ترجمتها لخروجها عن اختصاصه واستعانة السائل بالمترجمين للوقوف على 
محتواها . وبعد استعراض هذه الظروف «التاريخية » يورد الجاحظ نشص” 
الرسالة مترجما . 

ويمكن أن نضبط هم" مواضيع هذه « الصحيفة » ني المحاور الآثية : 

أ الخصال التي يجب أن تتوفّر ني الخطيب والهيأة التي يتحتّم عليه 
أن يبرز عليها أمام الناس . 

ط) ضرورة مراعاة منزلة ممخاطبيه وطبقاتهم ويتجالى ذلك في 
مستويين : انختيار المستوى اللغوي المناسب لهم » واقتصاره في فنه على الحكماء 
والفلاسفة وأهل البلاغة . 

ج) ضرورة أن يتضلّع من علوم أخرى . ونلاحظ أنه وقع الاقتصار 
على « صناعة المنطق ») بضبط الجوانب التي تصلح منه للخطيب وتحديد الكيفية 
التي تستعمل على أساسها مقولاته . 

د) جملة من المقاييس تتعلّق بصفات اللفظ وعلاقة ذلك بالمعنى وارتباط 
هذا وذاك بالموضع . 

ه) قدرته على بناء خطبته بناء كما وألا ينسى » في الأثناء » ما عقد 
عليه كلامه قُ البدء . 

و) التهيتب من موقف الخطابة والرجوع مرة أخرى إلى.صفات اللفظ 
ثم" تختم الرسالة بالإلحاح على مسألة مراعاة المقام (1) . 





(1) البيان والتبيين » 92/1 - 92, 


68 


وقد جاءت مباشرة قبل هذه الصحيفة جملة من حدود البلاغة منسوبة 
إلى الفرس واليونان والروم والهند (1) . 

وني ١‏ البيان والتبيين » سياق آخخر (2) لا يقل" أهمية عن السابق ويكشف 
عن إحدى غايات الجاحظ من تأليفه إذ تبدو فيه النزعة الدفاعية غالبة ولهجة 
المؤلف حادة إلى درجة لم نعهدها فيه » إذ هو ني موقف دفاع على العرب ضد 
الشعوبية يبذل فيه قصارى جهده لينفي عن بقية الأمم سمة البلاغة والفصاحة » 
ويخص بها العرب دون غيرهم » لكنه لم يستطع أمام الحسجة القاطعة والوثائق 
التاريخية أن يركب هذه ١‏ الجهالة ) فسوى بين الفرس والعرب في الخطابة 
وفضل العرب بالبديهة والارتجال والطبع (3) . 1 


38 


ويكشف هذا الجدل الذي تحرج الجاحظ في خوضه أي تحرج عن 

دور العنصر الأجنبي في وصل البيئة العربية بالتراث الأجنبي 
واستخدامها ياه » في أغراض سياسية كاستنقاص العرب بإثبات سبق غيرهم 
إلى ما يعد فخرهم . 

الإعانة على معرفة الجوانب التي اشتهرت بها مختلف الحضارات 
في البيئة العربية والكشف عن أمور لا تمكننا معرفتنا اليوم بردها إلى مظانها ؛ 
ونضرب لذلك مثلا حديث الجاحظ عن الجانب الذي عرفه العرب من الحضارة 
اليونانية . « ولليونانيين فلسفة وصناعة منطق » وكان صاحب المنطق نفسه بكى 
بالخطابة ولا بهذا الجنس من البلاغة ») (4) . 


(1) البيان والتبيين » 88/1 . 

(2) المصدر السابق 6/3 - 30 , 

(3) المصدر السابق 28/3 . 

(4) « البيان والتبيين » » 27/3 - 28 , 


69 


فكيف حصلت للجاحظ هذه المعلومات الد قيقة عن أرشظي ؟ ومن أ 
طريق عرف علمه بتمييز الكلام ؟ هل عرف ذلك من أبواب المنطق التي ترجمت 
قبله أم أنه اطلع على بعض ما كتين انطلاقا من كتاب « الشعر ) ؟ ليس 
2 وسعنا أن نجيب عن هذه التساؤلات ما ١‏ نع على بعض الحاقات المفقودة 

ن ثراثنا . 

وم تقف مسألة التأثر 2 حدود هذه الفترة با ل لعلتها كانت 2 الحلقات 
الموالية أكثر وضوحا وأشيد” اتصالا بمشاغلنا 5 5 أن نتجاوز حدود فصلنا 
ونشير إلى مؤلفات أخرى تعتبر ها مسالك تعين على توضيح منطاق هذه القضية 
ومالها في تراثنا البلاغي والنقدي . 

«فإيراهيم نْ المدسو (ت. 279ه) » معاصر الجحاحظ » أشار إلى ارسطو 
مرتين قُ مواضيع حساسة وطريفة 2 البلاغة العر بية 4 ولكنه سك عن المصدر 
الذي استقى منه ذلك . تتعلق الإشارة الأرلى ببحثهم في أنواع الداوال 
دضروب الوسائل التي يمكن أن تؤدي معنى استَعّملت الرّموز اللغوية أو لم 
تستعملها » وهو ما يدخل اليوم قُ نطاق « علم العلامات » (1) . يقول ١‏ والدال 
على المعنى أربعة أصناف : لفظ وإشارة وعقد وخط وذكر أرسطا طاليس 
خامسا وهو النصية ( ,2( 5 

وليس ابن المدبّر أول من أشار إلى ذلك فالجاحظ سبق أن تعرّض إلى 
ذلك في كتاب « الحيوان » بدون أن يحيل على أي ند أعيي (23). 

أما الإشارة الثانية فهي إبراده تعريفا للبلاغة منسوبا إلى أرسطو وهر 
قوله : « اليلاغة حسن الاستعارة ) (4) . وم نستطع الوقوف على المصدر الذي 


(1) علعه1متصقم 

(2) انظر : الرسالة العذراء » ص 40 . 

)3( لعل إشارة ابن المدير هذه هي التى حملت بعض الباحثين على القول بأن الحاحظط تأثر دم منطق » 
أ رعاو في باب أنواع الدلالات انظر : شكري محمد عياد الكتاب المذكور ص 231 . 

(4) الرسالة العذراء »ء ص 46 وانظر أيضا : ابن رشيق العمدة » 245/1 , 


0 


أخذ منه ابن المدبّر هذا التعريف » فليس في « خطابة ) أرسطو و(« شعره») : 
بالإضافة إلى أذّنا رجح أن" ترجمتهما وقعت بعد وفاة الرجل » سياقا يشيه 
ما أثبته في رسالته : بل إن" من الباحثين من يجزم بأن" أرسطو لا يعرف كلمة 
استعارة بل كلمة نقل ومجاز ) (1) . أمًا الفلاسفة المسلمون الذين شرحوا 
كناك ار سطو فإنهم يستعملون هذا المصطلح ولكثهم لم يقرنوه البكّة 
بالبلاغة (2) . 

أممّا قدامة بن جعفر » وقد اعتبر مؤلفه « نقد الشعر » أول تحسم 
للمؤثرات الأجنبية ني النقد العربي » فلم يحل على الثراث الأجنبي إلا مرتين : 

فقد ذكر فلاسفة اليونان إجمالا عند مناقشته قضية «١‏ لغ ف 
«(....) إن الغلوٌ عندي أجود المذهبين وهو ما ذهب إليه أهل الفهم. بالشء 
والشعراء قديما وقد بلغني عن بعضهم أنّه قال : أحسن الشعر أكذيه 0 
يرى فلاسفة اليونانيين في الشعر على مذهب لغتهم ) (3) . 


ولثن اعتبر الباحثون هذا السياق من مظاهر التأثر بنظريات اليونان في 
الفن” الأدفي فقد اختلفوا في طريقة إثبات ذلك ولم يكونوا على نفس الدرجة 
من الاقتناع . فقد قرب بعضهم هذا بما جاء في نهاية الفصل الخامس والعشرين 
من كتاب «١‏ الشعر ) إذ بقرر أرسطو «أن" الشيء الممتنع يرد إلى الشعر » 
ويرد إلى المبالغة المثالية ويمكن أن يكوّن الشاعر من هذا الممتنع فكرة خاصة 
لأن” طبيعة الشعر تقبل بل تُوثر الممتنع المحتمل أكثر من غير المحتمل 


فقط ) (4) . 


(1) ابراهيم سلامة » بلاغة أرسطو بين العرب واليونان » مطبعة الأنجلو » ط 2 القاهرة 1952 

ص 112 . 

(2) انظر : ابن سينا : الخطابة » 199 ٠ 208 ٠» 2066» 205 ٠» 203 ٠‏ وانظر أيضا تلخيصه 
وتلخيص أبن رشد لكتاب « الشعر ) اشتمق كتاب عد حمق بدوي المذ كور 3 ص 168 34 
٠» 192 ©» 171 ©» 0‏ 193 »© 201 »> 202 . 

(3) انظر : نقد الشعر » تحقيق بوئيباكر » دريل 1956 © ص 26 . 

(4) أبراهيم سلامة » العتتاب المذكور » ص 161 . 


"1 


أمًا محقّق الكتاب » بوثيباكر ٠‏ فييدو أكثر احترازا » وقد أبدى ذلك » 
في مقدمة التحقيق المكتوبة بالانقليزية ٠‏ بطريقتين : 


بالبحث » أولا عمًا يُمكن أن يعتبر » في التراث العربي السابق » 
أصل هذه النظرية فقرب بين بدا « الإفراط » أو ١‏ الإفراط في الصفة ») 
ومصطلح ١‏ الغلو» وقد وقع على هذه المفاهيم في مؤلفات اشتهر أصحابها 
بانتمائهم إلى السّنة العربية في اللأليف (1) . كما بين من ناحية ثانية أننا لا 
نجد عند الإغريق استحسانا للغلوَّ إلى هذا الحد" . ولذلك فمن الممكن أن يكون 
هذا التعريف متأثرا بالفكرة الاغريقية أو صيغ عن غلط في فهم النص 
الأصلي (2). 

أمّا الاشارة الثانية فقد وردت في القسم المخصص للمعاني بمناسبة حديثه 
عنا شاه وعمق القنوة المميسيزة 8 فذ كر كتتابه م أخلاق الفسن» 
لجالينوس (3) ويبدو أنه لم ببق من هذا الكتاب إلا ملخص عربي 7 
فيه ما يمكن أن يكون أصلا لاستشهاد قدامة (4) . 

أما اسحاق بن إبراهيم بن وهب الكاتب (النصف الأول من القرن 
الرابع) صاحب كتاب ١‏ البرهان في وجوه البيان » الذي نسب خطأ إلى قدامة 
فإنّه أطنب تسبيا » في الإشارة إلى اليونان خاصة أرسطو : 


[ 69 انار - مقدمة تدقيق نقد الشعر ص 30 31 وقد استعمل اين قتييسة فى الشعر والشعراء 
ط » ليدن 1902 باطراد «الإفراط » ص 8 » 7294 ع 505 © 415 © 527 في حيسن 
اتتجيل ابق المعتنز في البديع نشر كر اتشكو فسكيى لندن 1935 «ر الإفراط فى الصفة » 
ص 65 2 ولعله من الطريف أن نشير إلى أن رثعلب» فى قواعد الشعر تحقيق رمضان عبد 
التواب» دار المعرفة » القاهرة 1966 يستعمل للالحاح على المفهوم «الإفراط في الإغراق» 
وضرب لذلك مثلا قول الثابغة ص 49 9 1 

بأنك-كسق ‏ والملدوك: كسواكت إذا طلعت لم يبد مئنهن كوكب 

(2) انظر مثال هذه القضية في التراث العربي بعض الإشارات الواردة في مقالنا : ملاحظات 
حول مفهوم الشعر عند العرب » ضمن قضايا الأدب العربي ». نشرء مركز الدراسات 
والأبحاث الاقتصادية والاجتاعية التابع الجامعة التونسية » تونس 1978 ص 238-213 . 

(3) نقد الشعر ص 45 . : 

4( انظر دول كس : مختصر من كتاب الأخلاق لجاليئوس 6 مجلة الآداب جامعة فّاد 
الأول القاهرة » 1937 » ص »© 51. 


12 


ذكره في باب ١‏ الاختراع » وهو يستعمله ني معنى ضيق مرتبط بما 
نسميه وضع المصطلحات » فقد وقف من القضية موقفا متحررا مستندا إلى موقف 
أرسظل نفسه : «وكل من استخرج علما واستنبط شيئا وأراد أن يضع له 
إسما من عنده ويواطىء من يخرجه إليه عليه » فله أن يفعل ذلك (....) وقد 
ذكر أرسطو طاليس ذلك وقال : إنّه مطلق لكل أحد يحتاج إلى تسمية شيء 
ليعر فه به أن يسميه بما شاء من الأسماء » (1) . 


وني استعراضه لأنواع الاستدلال يناقش قضية الحجة الشعرية أمقنعة 
هى أم لا ؟ فيحيل على كنات (الجدل ) لأرسطو .معقير ١١‏ باسعمالة: شعن 
أميروس حجة في كتاب ١‏ السياسة » : ( وقد ذكر أرسطو طاليس الشعر 
في كتاب « الجدل ) فجعله حجة مقنعة إذا كان قديما واحتج 000 
كتب السياسة بقول أميروس شاعر اليونانيين» (2) . 


أمما قضية الصدق والكذب في الشعر : وقد سبق أن رأيناها عند 
قدامة » فجذورها اليونانية أوضح هنا لسببين : فالرجل يدقق الإجابة ويربطها 
بأرسطو ثم يعاق ذلك بقضية الصياغة الشعرية » مما يدل" على أنه فهم 
المسألة على وجهها واعتبر أن" الكذب لا يتعلق بالمضمون ذاته وإنما بالكيفية 
التي نحاكيه بها ونخيله للسامع : « وللشاعر أن يقتصد في الوصف أو 
التشبيه أو المدح أو الذام ء وله أن يبالغ » وله أن يسرف حتى يناسب قوله 
المحال ويضاهيه ؛ وليس المّسْتحُْسّن السرف والكذب » والإحالة في 
شيء من فنون القول إلا" في الشعر » وقد ذكر أرسطاطاليس الشعر فوصفه بأنّه 
الكذب فيه أكثر من الصدق » وذكر أن" ذلك جائز في الصياغة الشعرية » (3) . 


(1) انظر بن وهب الكاتب : البرهان في وجوه البيان » تحقيق أحمد مطاوب وغديجة الحديثي 
ط1 » بغداد » 1967 ع ص 158 - 169 , 


(2) الكتاب السابق » ص 169 . 
(3) المصدر السابق» 185 . 


08 


وزيادة على هذه المواطن التي تطرح قضايا أساسية في ضبط خصائص 
البعد الإنشائي في اللغة » من جهة » وحرية المستعمل في التصرف في قضايا 
لغوية عامة كقضية المصطلحات ؛ من جهة ثانية » نجد سياقات أخرى تنم" 
عن معرفة ببعض خصائص علماء اليونان البيانية » وبما يطرأ على علاقة 
بعضهم ببعض على الصعيد الاجتماعي . فد عد أرسطوطاليس و اقليدس 
قا أضجات: الأتناق والاختضان وجالقوس ودعبا التعوق من 
أصحاب الشروح والإطالة (1) . وذكر في التحذير من السعاية والنميمة 
وتحميل السلطان على الرّعية » ما وقع بين أفلاطون و أرسطو 
بسبب ذلك بشيء من التفصيل (2) . 


3 د 


إن" البحث عن مظاهر التأثرلم يقف عند هذا الجانب الصريح الذي وإن 
دل على اطلاع العرب على آراء غيرهم في قضايا فلسفية عامة وأخرى 
لها مساس بمشاغلهم اللغوية والبلاغية » فهو لا يكفي » وحده » لمعرفة 
مدي ذلك التأثر وعمقه ومآ له في التراث العربى جملة . خاصة أن هذه 
الإشارات تبقى » رغم ما ذكر » محدودة كما منحصرة في آثار مؤلفين 
قلائل » ولا تمس" من قضايا الأدب والبلاغة الرئيسية إلا جوانب قليلة » 
مع أن الإشارة إلى تلك المواقف لا يدل" حتما على تبنيها والبناء عليها . 


لذلك أخذ هذا البحث وجهة أخرى تتقصّى التراث البلاغىّ والنقدي ‏ 
إلى حد المبالغة ‏ لتقف فيه على ما يمكن أن يعتبر في النظرية الأدبية ذاتها 
من رواسب ذلك الاتصال . 


(1) المصدر السابق » ص 205 . 
(2) المصدر السابق » ص 261 , 


3 


14 


والمنهج الذي سلكته جل" الأبحاث التي اطلعنا عليها تا ريخي مقارن 
فين كيل أطزا ار البلاغة » وإن ركز الحديث على بعضها دون بعض ؛ 
ويبحث في التراث الأجنبي السابق زمناء» عن النصوص التي قد تكون أصل 
السياقات الشبيهة بها في التراث العربي . وقد وقع الاهتمام » بصفة خاصة » 
بكتابي أرسطو « الخطابة ) و (الشعر)»). 

د د جد 

ولعله من المفيد » قبل استعراض أوجه التأثر التى وقعت الإشارة إليها 
أن نذكر بعض الخصائص العامة التي بدت لنا » برك بين هذه الأبحاث : 

أ) أنها تكاد تحصر البحث في التراث اليونانى ء وتكتفى » بالنسبة 
إلى الثقافات الأخرى » بالإشارة العابرة » وقد 08 الحديث عنها تماما 
ولهذا أسباب موضوعية نستخلصها من إلحاح المصادر نفسها كما بينا » على 
تلك الثقافة » ولا نستبعد الأسسباب العتاطفيئّة أيضا » فقد عرفت الثقافة 
المصرية فترة إعجاب بالثقافة اليونانية الكس ذلك على مؤسسات التعليم » وما 
كان يجري بها من أبحاث . ويبدو أن" طه حسين قام بدور هام في 
توجيه البحث هذه الوجهة وإن كان لم يغفل في مقاله المذكور المشهور دور 
الثقافات الاخرى . 

ب) ونتيجة لذلك اعتبرت الحضارة اليونانية منطاق الحضارات بعدها 
في الفلسفة والعلم والفن ٠‏ ولم يخطر على البال البحث عمًا قد تكون 
أخذت » هي بدورها عن حضارات أخرى أعرق منها . وكأن الباحثين 
يقرون » بذلك » التولد الذاتي بالنسبة إليها ويرفضونه بالنسبة إلى ما جاء 
بعدها . 

ج) ثم إن هذه الأبحاث تصدر عن تأويل خاص” لحركة المد” الحضاري 
فهو عندها مسار خطي يخرج فيه اللاحق من السابق فقربوا كل فكرة من 
فكرة سابقة وضربوا صفحا عن « وقوع الحافر على الحافر ») كما تقول العرب 


25 


أو قوازة الخؤاطر) كذا يقتول:غلماء الفسن. © ول يعتبروا أن الجنس 
البشري يتمتع بقاسم مشترك أعظم من الفطنة يوصلهم إلى نتائج متشابهة 
إن فكروا في نفس ا مو ضوع 

د التحرك من منطلق « قومي ) مزدوج متناقض : 

جارد فر العاتين بأن” العرب لم يفهموا كتابي ( الشعر ) و ( الخطابة ») 
ونفيهم » تبعا لذلك » أن يكونا أثّرا في النظرية الأدبية عند العرب ٠»‏ بإثبات 
أنهم فهموه وإن كان ذلك بطريقة ما (1) . إثبات أصالة التفكير العربي في 
الموضوع رغم الثأثر باعتبار أنهم أضافوا إلى مصادرهم أشياء ذات بال 

د د مد 

فالبيان العربي » ني رأي بعضهم » مدين ؛ منذ كان ملاحظات متناثرة 

ن اهتمامات أخرى لا ينظمه درس موحد ولا يخضع انهجية مضبوطة 
ل قد تسرب إلى البيئة العربية من أفكار أجنبية متعلقة به » بل ذهبوا » 
5 يتحدثون عن القرن الثاني وبداية الثالث » إلى أنه عر بي بمادته ولغته 
بينما أقيم بناؤه النظري على عرلاث أجنبية » ولعل 8 ما يعبر عن ذلك 
قول طه حسين »: متحدثا عن الفترة » : « فالبيان العربى فسيعج جمعت 
خيوطه من البلاغة العربية في المادة واللغة ومن البلاغة الفارسية في الصورة 
والهيئة » ومن البلاغة اليونانية في وجوب اللاعمة بين أجزاء العبارة » (2) . 


واعتبر بعضهم الآخحر : أن كثيرا من القوانين والمبادىء التي تتركز 
عليه نظرية الخطاب عند البلاغيين » خاصة المعتزلة ع كمفهوم ( المتفعة ) 
(1) انظر : 

ه011 مأأعل عترمتعهماء عند *[أء17 ه08جه وأدء0ج ء وء أعادظ : للأعارطة0 ."1 


,12 كط للمتصعتله نلتداد تاوعل هأ5أ ةا : قومرم 4 ء متبترعءءتته وكدعج مع أ 0715101 
291-71 .ترم ,1929 





ورد شكري محمد عياد عليه في ) كتابه المذكور ص 21-20 , 
)2( انظر : من حديث الشعر والئثر © ص 


66 


وربط «المقام بالمقال» ومراعاة « مقتضى الحال) أجنبية يمكن ردها إلى 
السوفسطائيين وإلى طريقة سقراط في توليد المعاني (1) . 

كما ربطوا تفطن العرب إلى الفرق بين خصائص اللغة في الخطاب 
العادي وخصائصها ني الخطاب الأدبي بنظرية أرسطوني الفن الأدبي عامة 
ومفهوم «الأضافا ع خاسة وس ركحدرة الابتكار في تصوره . وكأتهم 
مزيد الاقتناع بهذا الرأي ٠‏ اعتبروا قول السيراني » وهو ني سياق القرن 
الرابع مق أشين” خصوم المنطق والمناطقة : إلى « متى ») في المناظرة المشهورة 
التي جمعت بينهما ٠»‏ «فبهذا المعنى يكون الكلام جامعا لحقائق الأشباه 


وأشباه الحقائق » (2) اعتبروه متأثرا بالمادة اللغوية «التى يعرفها أرسطو 
والتى استعملها في المنطق والجدل والخطابة فأدلّة الخطابة عنده وأدلة 
الأدبية في عمومها تؤخذ من المحتملات والمظنونات التي هي « أشباه الحقائق 


وحقائق الأشباه » (3) . 

لس د ا أيهم في تأثر الجاحظ بأرسطو في قضيئة أنواع 
الدلاللات وأضافوا أنه تأثّر 2 تفريقه بين ( الفصيح ) و (١‏ الأعجم ( بأول 
كتاس «العبارة ») (4) . 

إلا أن" اهتمام الباحثين قد انصب ؛ في هذا الجانب أيضا » على قدامة 
ابن جعفر واسحاق ابن وهب الكاتب » وبدرجة أقل » عبد القاهر الجرجاني 

فقلامة زيادة على النهج الجديد قُ ثريب قضايا الشعر ودراسة 
خصائصه على مذهب البسائط والمركبات وشعوره من مق_دمية الكتاب 2 
بأنّه يباشر ني التأليف مسلكا لم يسبق إليه َ قد جاء حد الشعر عنده صورة 





(1) إبراهيم سلامة الكتاب المذكور » ص 31 --37, 

(2) أنظر : أبو حيان التوحيدي » المقابسات ٠»‏ نشر حسن السندوبي القاهرة 1929 ص 83 , 
(3) إبراهيم سلامة » الكتاب المذ كور و 0 ١‏ 

)4( شكري محمد عياد » الكتاب المذ كور ©» ص 231 - 232 , 


7 


لوعيه بمستازمات الحد” مطدقا كما ضبطها المناطقة » ورغم سكوته عن 
أهم" عنصر في تعريف الشعر عند اليونان وهو ( المحاكاة ) فقد رأى بعض 


الباحثين أنه تدارك ذلك في باب « نعت الوصف ) (1) . 


واعتبر تمسكه في (نعت العانى ) بمبد| الاستحالة والتناقض من 
مظاهر تأثره بالمنطق اليوناني إلى درجة جفّت معها ملكته النقدية واضمحل”" 
. لديه البعد النفسي والعاطفي في العمل الشعري فراح يتجتى على الشعر والشعراء 


ويحكم فيه بمقاييس صارمة أجنبية عن روحهم وفنهم 2( 


وذهب بعض الباحفين إلى أن التأثر يصل » أحيانا » إلى مرحلة 
النقل الحرني أو يكاد وضربوا لذلك مثلا ما قاله في نعت الهجاء : ١‏ أنه قد 
سهّل السبيل إلى معرفة وجه الهجاء وطريقه ما تقدام من قولنا في باب المديح 
وأسبابه إذ كان الهجاء ضد المديح » فكدّما كثرت أضداد المديح ف الشعر 
كان أهجى له (3) . 


(1) شكري محمد عياد » الكتاب المذكور » ص 258 ٠»‏ وفعلا ذكر قدامة في هذا الباب مادة 
فعلية من أصل المحاكاة يقول : «الوصف إنما هو ذكر الشيء بما فيه من الأحوال 
ولا كان أكثر وصف الشعراء إنما يقع على الأشياء المركبة من ضروب المعاني كان أحسنهم 
وصفا من أتى في شعره بأكثر المعاني ألتي الموصوف مركب منها » ثم بأظهر ها فيه وأولاها 


حتى يحكيه بشعره » ولمثله الحس بنعته » نقد الشعر ص 62. 


(2) ابراهيم سلامة » الكتاب المذكور » ص 154 155 - وانظر على سبيل المثال موقف 
قدامة من بيت ابراهيم بن هرمة : 


ثترآه إذا ينا أبصر الضيف كليبه يكلمه من يبه وهو أعجسم 


فترأآه يجرح هذا البيت اعتمادا على مبد] القنية (وهو مصطلح فلسفي يستعمل في معنى الاضافة 
والإثبات) منتهيا إلى رأن هذا الشاعر أقنى الكلب الكلام في قوله ويكلمه» ثم أعدمه إياه 
عند قوله روهو أعجم» من غير أن يزيد في القول ما يدل على أن ما ذكره إنما أجراه على 
طريق الاستعارة » . فقد الشعر ص 129 وانظر جملة الأمثلة التي حملها على الاستحالة 
والتناقض ص 124 - 129 . ا 


)3( نقد الشعر ص 44 - ويعلق إبراهيم سلامة © في الكتاب المذ كور ص 116 على هذا السياق 
بقوله : «وهذه العبارة تكاد تككون ترجمة حرفية الغفقدرة الغامنة عشرة من الفصل 
السادس من الكتاب الأول الخطابة التي نصها : وفيما يتعلق بالفضائل القابلة للإنكار أو 
للمناقشة تستمد الأقيسة من العبارة الآنية : خخير كل ما كان ضده شرا »ع . 


8" ا 


كما ردوا نظريته العامة في جودة الشعر وقوله إن مأتاها صورة الكلام 
وهيأته إلى كتاب )0 الشعر ) لأرسطو (1) . 

ولم تسلم من هذا التأثير المفاهيم والمصطلحات البلاغية التي يستعملها 
فوجدوا أن مفهوم « التمثيل ) عنده بينطبق والمفهوم اليوناني 5 وأن خلطه 
55 الطباق والمقايلة جاء من سوء فهمه لبعض سياقات كتاب اللخطاية 20 . 

أما بالنسبة إلى ابن وهب فقد أضافوا إلى الإحالات الصريحة التي 
سبقت مظاهر أخرى يتصل أولها بهيكل الكتاب وترتيب أقسامه وهو 
نهج في التأليف لا عهد للسابقين به » تأثر فيه المؤلف ترتيب الأقسام 
كما وردتث في (الخطابة » (3) . 

ولوضوح معالم هذه الطريقة ١‏ البديعة » في التأليف وكثرة الإحالة على 
التدابث اليوناني رأى بعض الباحثين أنه تو ع قُ الأخذ عن أرسظو: فأضاف 
إلى « الخطابة » و ١‏ الشعر » ١‏ المنطق ) و ١‏ الجدل ») ومزج ذلك مزجا واسعا 
بعقيدته ومباحث المتكلمين » ومسائل الفقهاء (4) . 

ومن أبرز المواطن التى شدات الانتباه » في هذا المبحث » حديثه عن 
الرّمز وتفريقه بين القياس المنطقي والقياس الخطابي أو المضّمر (5) فحديثه 
عن الرمز » بالإضافة إلى تضمنه إشارة صريحة الى إكثار أفلاطون 
من استعماله ٠‏ فإنه واضح الأبعاد متبلور الدلالة على أنّه نهج في التعبير 
يقوم على فكرة الترابط بينه وبين المعني الذي يشير إليه » وهو ترابط 


(1) شكري محمد عياد الكتاب المذكور » ص 227 . 

(2) إبراهيم سلامة » الكتاب المذكور » ص 129 » 221 - 222 . 

(3) انظر : طه حسين . من حديث الشعر والنثر » ص 77--78. 

(4) شوقي ضيف » الئقد » القاهرة » ل اليد بدوي طبانة أكثر تحفظا 
في هذا التطاق إذ د على عقلية الرج ل الفقهيه ويقرر أنه بنى كتابه على أساس ة قرآني وأنه 
317 درس البيان كما درسه الحاحظ بمعتاه الر حب الفسيح الذي يغالج الأدب وفئوله وأقسافة 
ل ا انظ ر البيان العربي » ط 3 » القاهرة » 1962 » ص 85 -87 


(5) عممقغموطامط 


19 


لا يتوفر ثي العلامة اللغوية . وهذا المفهوم هو عينه الموجود عند اليونئان 
خاصة أفلاطون (1) . 

أهنا مبحث القياس فواضح الصلة بالمنطق وكثيرا ما أشار المؤلف نخلاله 
إلى ما يفرّق بين قول أهل المنطق وما يكتفي به في لسان العرب . يقول : 
« وأمًا أصحاب المنطق فيقولون إِنّه لا يجب قياس إلا عن مقدمتيسن 
لإحداهما بالأخرى تعدّق . والقول على الحقيقة كما قالوا » وإنما نكتفي في 
لسان العرب بمقدمة واحدة على التوسع وعلم المخاطب ») (2) 8 إثر 
ذلك النتائج الخاصلة عن القياس إلى برهانية وإقناعية وكاذبة . 

وقد كان عبد القاهر الجرجاني نقطة الاستفهام الكبرى في قضية التأثر » 
فالرجل وهو قمة البلاغة العربية » سواء في جانبها التطبيقي الذي يقوم على 
الحس” المرهف والذوق الأفيقع الخالص أو جانبها النظري المجرد وقدرته 
على تعمق القضايا إلى نسيجها الباطني الناظم لها ووقوفه على جملة الروابط التي 
يتحول بمفعولها البحث البلاغى إلى نظرية في الإنشاء فذاة » هذا الرجل » 
ع لتر 1 عن بال 1 2 لا يشير إلى تراث أجنبي ومناهج قد 
تكون أعانته على إخضاع هذه المادة المتراكمة على مر القرون إلى جهاز من 
المبادىء والمفاهيم سيشملها ويتجاوزها في نفس الوقت . 

ولكثرة الاهتمام ببلاغته ونقده تعددت الآراء وانحصر مجملها بين 
طرفين نقيضين » طرف يؤكد على تأثره باليونان تأثرا عميقا حتى وصفه بأنّه 
لم يكن ( إلا" فيلسوفا يجيد شرح أرسطو والتعليق عليه » (3) وإن كان يقر بأن 
ذلك ل يأته مباشرة وإِنّما عن طريق الفلاسفة المسلمين خاصة ابن سينا » 
وبأن” الجرجاني كان أصيلا ني هذا الأخذ صاحب جهود واجتهادات تحسب 





(1) انظر : فقد النشر » ص 137 - 138. 
(2) انظر نقد اللشر ص 78 . 
(3) انظر : طه حسين » مقدمة نقد النشر » ص 14 » 29., 


060 


له في تاريخ البيان العربي . ويقف الطرف الثاني في ريبة من الأمر مؤسسا 
موقفه على ثقة تامّة في أخلاق الرجل العلمية إذ لا يرى موجيا لسكوته عن 
اليونان في حين أنّه ذكر مصادره الأخرى (1) وتبعا لذلك نفى أصحابه حتتى 
التأثر غير المباشر مؤكدين أنَّه لم ينتفع بمؤلفات ابن سينا خاصة المقالة الرابعة 
من كتاب ١‏ الخطابة » حيث نجد جملة من المعطرات تتعلق بأفانين القول (2) . 

أممًا بقية المواقف فمحترزة متحررجة تجنح إلى التوسّط بين الطرفين في 
الغالب وتحصر القضية في جزئيات العلم لا كلياته . 

فأمين الخولي 6 ومن لف لفه 4 حاول 2 لإثيات التأثر 2 الوقوف 6 
في مؤلفات الرجل » على الدليل المادي فرأى أن إشارته مرتين متتاليتين إلى 
« أهل الخطابة ونقد الشعر » دليل على أنّه ينسب الطريقة البلاغية لأهل 
الخطابة ( ويعتبر هم العارفين بهذا الشأن اليلاغى ) (3). وليس قُ هذه الإشارة 
فا رودل عل أن" المعتنى كناف أرسظو #« ولد من السيافيق الدكورين زم 
التتفريق” بين منهجين فق دراسة الاستعارة : منهج الأدباء والعالمين بالشعار 
ومنهج اللغويين . مع أنثنا لا نعدم ني التراث السابق واللاحق » عند الحديث 
عن أصناف المتعاملين مع النص الأدبي ٠‏ إشارات من هذا القبيل (5) . 





)1( انظر : أحمد أحمد بدوي » عبد القاهر الجر جاني وجهوده في البلاغة العر بية » سلسلة 
أعلام افر » القاهرة » 1962 ص 312 . 


(2) المرجع السايق » ص 315 

(3) انظر : أمين الخولي » مناهج تجديد » ص 154 - 155 . 

(4) انظر : أسرار اليلاغة » تحقيق ه. ريتر . استانيول 1954 ص 368 - 369 . 

5( فالمبرد يستعمل في الكامل نشر مكتبة المعارف » بيروت (د ت) في موضعين 21/1 » 
106 «والعلم بجوهر الكلام» » ويذكر الآمدي في الوا ا أهل المعاني 
ومن يميل إلى التدقيق وفلسفي الكلام » أما ابن الأثير » وموقفه من الفلسفة عامة ومن ابن 
سينا و« خطابنه ( خاصة فمعروف ٠‏ (انظر الكل السائن لحنت احير براي رياط 1 
مطبعة نهضة مصر » القاهرة (د ت) 229/1 » 6-3/2) فإنه يستعمل نفس التسمية » يقول 
وان أقل الخطاية ترسموا فى الأعالب الموجية فخلوا الحقيقة” إل المجاز وم يكن ذلك 


من واضع اللغة في أصل الوة ولهذا اختص "ا ل بشيء اخترعه في 1 لتوسعات المجازية «( 
المصدر أأسابق 109/1 . 5-5 ف 


81 


ولما لم يقم الدليل المادي على أن" الجرجاني اطلع على آثار أرسطو خاصة 
« الخطابة » و( الشعر » مما قد يؤدي إلى القول بأن” جوهر تفكيره النظري 
هو مدين به إليه تعلق البحث ببعض المظاهر الجزئية . فمنهم من قال بتأثره 
به في منزعه النفساني قُ فهم ظواهر الأدب اناالا يني الأصالة (1) . ومنهم 
من رأى أن" بعض مواقفه من قضية اللفظ والمعنى أتته من أرسطو إما مباشرة 
أو عن :طريق. ابن سينا (2) . كذلك قالوا في المجاز (3) وأقسام الاستعارة 
عنده (4) . 

وقد بالغ البعض في تحديد مواطن هذا 0 حتى جعلوا اهتمامه بالنحو 
من أرسطو وحصروا ار النظم في أنها « تأليف بين قواعد النحو العربي 
ويك آراء أرسطو العامة في الجملة والأسلوب والفصول » (5) وذهب البعض 
الآخر إلى أن” حديثه عن عدد من الأساليب مما يدخل في علم المعاني كالتقديم 
والتأخير والفصل والوصل من تأثير اليونان (6) . 

وسنحاول ؛ في مكان آخر من هذا البحث ؛ أن ته نبين أن" نظرية الظم » 
وهي أهم بعد منهجي في بلاغة الجرجاني ؛ لمتد” ا في التراث 
العربي » ولا تبالغ إن قلنا إن البيئة العربية كانت الإطار الأمثل لبروز مثل 
هذه النظرية ونم 0 عاماء الإعجاز في حاجة إلى التراث اليوناني ليدركوا 


)01( محمد خلف الله أحمد » من الوجهة النفسية في دراسة الأدب ونقده » ط 2 » القاهرة » 
0 ص 158 . 


(2) انظر » مقدمة محمد عبد المنعم خفاجي على تحقيقه دلائل الإعجاز » القاهرة » 1969 ص 12 » 
وشكري محمد عياد » الكتاب المذ كور » ص 251 . 
ورد أأحند مطلوب » عبد القاهر الجر جاني بلاغته ونقده » ص 299 غير مقنع إذ وجد 
أن الرأي أخذه الجرجاني عن ابن جني فهذًا لا يمنع أن يكون ابن جني نفسه أخذه عن 
عر خامة أنه عاق فته ار وهار الث حيط 


(3) طه حسين » المقدمة المذكورة » ص 12 . 
(4) شوقي ضيف » البلاغة تطور وتاريخ » ص 148 » 194. 
(5) طه حسين المرجم السابق » ص 30 . 


)6( شوقى ضيف » المرجع السابق » ص 168 ©» 178 © 180. 


082 


ذلك .. كما شنبين أن" كثيرا من الأساليب التي ذكرات لها أصل في فترات 
البلاغة الأولى خاصة عند اللغويين . 


هذه جملة من الحجج والمواقف أمدتنا مصادر بحثنا ببعضها واستخرجنا 
بعضها الآخر من مراجعه . وهى تدل" دلالة قاطعة على أن" البيئة التى ترعرعت 
في رحابها البلاغة العربية لم تكن خلوا من تيارات أجنبية » في الموضوع . كان 
علماء البيان على علم بها ويكفي دليلا أنهم أثبتوا الكثير منها في مؤلفاتهم . 

ويبدو أن" ذلك تجاوز العلماء بالأدب والشعر إلى الشعراء أنفسهم 2 
فلقد كانوا » هم أيضا على صلة بهذا التراث يستفيدون منه في بعض معانى 
شعرهم وإن كانت الشواهد قليلة لا تعدو إشارات متفرقة في حاجة إلى مزيدٍ 
التتمحيص والنظر (1) . 


وما ردود الفعل التي نصادف لدى أنصار التيار العربي الخالص في 
الشعر أو ني غيره من العلوم إلا" حجة إضافية لتسرب المعارف الأجنبية إلى 
شعاب الثقافة العربية الإسلامية (2) . 


(1) ذكر « العسكري » في الصناعتين »ء ص 21 أن بيت أبي العتاهية [وافر] : 
نظم لكلام دوناني قيل في الاسكندر . ولقد ذكر الجاحظ في الحيوان 505/6 : نص هذا 
الكلام مباشرة بعد بيت صالم بن عبد القدوس [خفيف] : 

إن يكن ما أصبت فيه جليلا فذهاب العزاء فيه أجل 
والملاحظ أنه ذكر هذا البيت في البيان والتبيين مرتين » 74/2 » 140 مججردا مسن 
النص اليوناني . 1 

(2) نذكر خاصة خصومة النحاة والمناطقة وقد تجلت في المناظرة الشهيرة التى جمعت بين 
أبي سعيد السير افي و أبسي بشر متى بن يونس القنائي انظر : الإمتاع والمؤانسة 
التوحيدي »ع تحقيق أحمد أمين © أحمد الزين » دار مكتبة الحياة » بيروت (د. ت) 
1 وما بعدها . وكتب أصول النحو كثيرا ما تفرق » فى حدها المقولات النحوية » 
بين « أوضاع النحويين » و« أوضاع المناطقة » وتلح على ضرورة النسج على سمت اللغويين 
في مسائل اللغة . 
وقد ضجر الشعراء أنفسهم من « المنطق »م وضاقوا ضرعا بالنقاد الذين كانوا يأخذونهم 
بحدوده وصرامة أقسامه . ومن أشبر المواقف في الموضوع أبيات البحتري : 

كلفتمونا حدود منطة : والشعر يغنى عن صدقه كذيه 
ول يكن ذو القروح يلهج بااتن طق ما توعه وما بيه 
والشعر لمح تكفي إشارته وليس “ادن .طسؤلت ظيادممة 


05 


إلا أن” لنا جملة من الاحترازات المبدئية من المنهج التاريخي المقارن 
الذي تبتته جل المراجع لتحديد مدى ذلك التأثر وعمقه وربطه بمصادر 
مضبوطة وأبواب منها مخصوصة . 

فقد يؤدي »2 ما لم يقم على أسس ثابتة » إلى ضرب مما يمكن أن نسميه 
الكل" في الكل" » . فباستطاعة أيّ باحث أن يوازي بين ساياقات مؤلفين في 
. نفس الموضوع وأن يجد أنهما يتقاطعان في أكثر من نقطة . وهذا لا يكفي 


7 00 


دليلا على الاحد . 


: عن هذا ني رأينا » نتجت بعض البالغات في ما استعرضنا من آراء‎ ٠ 
فهل كان الناقد العربي في حاجة إلى قادح أجنبي يفطتنه إلى الفرق بين خصائص‎ 
لغة الاستعمال العادي ولغة الأدب ؟ وهل كان الجاحظ في حاجة إلى كتب‎ 
أرسطو ليهتدي إلى ما اهتدى إليه في فرق ما بين الفصيح والأعجم ؟ وقد يصل‎ 
الأمر درجة الإفراط حتى كأن” صاحبه يرمي الفكر العربي » من حيث لا‎ 
وإِدّما نظن" الآن أن" كتاب‎ ١ : يشعر » بعدم القدرة على التطور الذاتي‎ 
البديع ) قد تأثر بشي ء من خطابة أرسطو لأنّه كان أوّل محاولة منتظمة للخروج‎ ( 
. )1( ) من أفق النقد الجزئي إلى أفق التقنين والتعميم‎ 

والطريقة التي استعمل على أساسها المنهج » وهذا تناقض » آنية تتركتز 
على مؤلف أو سياق من كتاب ولا تربط ذلك بجذوره التاريخية . ولا شك 
أن" العمل يبقى منقوصا ما لم يتوفر للباحث كشف دقيق عن المرحلة السابقة 
احور البحث على مستوى التصورات الكبرى والمسائل الفرعية والأمثلة » ي 
هذا النطاق » كثيرة نكتفي بإيراد بعضها للتوضيح : 

فليس من الثابت أن" نظرية قدامة في الغلوَ » وقد عدت من أهي"” 
مظاهر التأثر » من أصل يوناني » رغم الإشارة الصريحة الواردة في "نصه » 


)1( شكري محمد عياد » الكتاب الم كور »© ص 233 . 








84 


فبالاضافة إلى المصطلحات التي سبق أن ذكرناها » وهي قريبة من المراد 
بالغلو » نجد الأمر متبلورا كموقف في لدى ابن قتيبية إذ يقول : « وكان 
بعض أهل اللغة يأخذ على الشعراء أشياء من هذا اد وينسبها فيه إلى الإفراط 
وتجاوز المقدار وما أرى ذلك إلا جائزا حسنا على ما بِينّاه من مذاهبهم » (1) . 

وقد أثيت ابن رشيق (ت. 456ه) ني باب الغلوّ جملة من النصوص تتأكد بها 

الجذور العربية للمفهوم نورد منها نص الحاتمي (ت. 388ه) » على طوله: 
( وجدت العلماء بالشعر يعيبون على الشاعر أبيات الغلو والإغراق » ويختلفون 
في استحسانها واستهجانها . ويعجب بعض منهم بها » وذلك على حسب ١ا‏ 
يوافق طباعه واختياره » ويرى أنها من إبداع الشاعر الذي يوجب الفضيلة 
له » فيقولون : أحسن الشعر أكذبه » وأن الغلو إنما يراد به المبالغة والإفراط » 
وقالوا : إذا أتى الشاعر من الغالوّ بما يخرج عن الموجود ويدخخل في باب 
المعدوم فإنما يريد به المثل وبلوغ الغاية 9 النعت ٠»‏ واحتجنوا بقول التابغة 
- وقد سثل : من أشعر الناس - ؟ فقال : : من استجيد كذبه وأضحك رديثه » 
وقد طعن قوم على هذا المذهب بمنافاته الحقيقة » وأنّه لا يصح عنك التأمل 


والفكرة ) ) (2). 


كذلك الشأن بالنسبة إلى قضية « الاستحالة والتناقفض ) فلا بد من إثيات 
أنّها ليست تطويرا للجذور العرية المتعلقة بها (3) . 


ثم ' إن البقاء في حدود بعض المظاهر والمسائل منفصلة عن نسيج النظرية 
الأدبية ذاتها لا 0 ؛ في تصورنا ؛ من إدراك أهمية الأخذ إن ثبت 
الأخذ » ولا يتم ذلك في رأينا إلا بالنقد الداخلي للنصوص والإحاطة بأصول 
القضايا البلاغية والنقديّة جملة . 


(0 انظر : ابن قتيبة » تأويل مشكل القرآن » ص 172 . 
(2) انظر : أبن رشيق » العمدة » 61/2 - 62 . 
)3( انظر : ميخعلف السياقات ال ي أثبتها ) ونيا 5 3 في مقدمة نقد الشعر ص 30 ها بعدها , 


05 


فناقك + كقدامة > وتعن لا نناققن. مندى التآثير الأجحبى في :نا كنتب 
ولكن نناقش عتّمْقه » بقى ني رأينا » في أغلب المقاييس التي يصدر عنها » 
في نطاق الجمالية العربية والموروث النقدي إلى عهده . فإبداع الشاعر وقدرته 
أكبر من كل القوانين والضوابط (1) والطبع يبقى مقسوم الجودة الأوّل” 
والأخيرَ (2) . وتمكن الشعر في ١‏ الشعرية ) » مناط بالعنصر الموسرتمى وما 
يخلقه في البيت من تجانس (3) » وهذا الفهم للشعر ليس هينا . نكاد تقول 
إنّه على طرفي نقيض مع ما قرّر أرسطو فهذا الأخير ركز حديثه على الصورة 
وكاد يهمل الوزن . 

ويدافع قدامة عن بعض الشعراء وليس له من حجة إلا" عدم عدولهم 
عن الألوف والمعروف وعما جرت به عادة العرب (4) كذلك يبقى موقفه من 
جودة التشبيه (5) والاستعارة (6) عربيًا صميما . ويمكن للقائمة أن تطول . 

ويمكن أن نحيل بنفس السهولة على ابن وهب فتبين أن" مفهوم الشعر 
عنده وعماد الفطنة والبراعة فيه لا يخرج عمًا سدّه علماء القرن الثاني من 
اللغويين وما اهتمامه بالتشبيه نموذجا للصورة الشعرية إلا دليل” على ما نقول : 
( وأمًا التشبيه فهو من أشرف كلام العرب وفيه تكون الفطنة والبراعة عندهم . 
وكلّما كان المشبه منهم في تشبيهه ألطف كان بالشعر أعرف » وكلما كان 
بالمعق سق كان باحق أليق :1 07 : 

إذن » لا جدال في أن البيئة العربية كانت على صلة بتيارات أجنبية 
مكعلفة اتنقادت منها اللاعة: الفررة توحه من الوخوه ا لكق تعتقك أنه ليس 


(1) نقد الشعر » ص 17- 18. 

(2) المصدر السابق ص 23 . 

(3) المصدر السابق ص 23 . 

6 المصدر السابق ص 25 - 26 . 

(5) المصدر السابق ص 55 . 

(6) المصدر السابق ص 104 - 105 . 
(7) البرهان في وجوه البيان » ص 130 . 


56 


في مقدورنا ضبط ذلك الوجه بدقّة وتفكيك ذلك البناء المتراص لنرجع كل" 
لبنة منه إلى أصلها . 


ولا شك" » أيضا أن" الأخذ قوى في عصور دون عصور وتبلور لدى 
أشخاص دون أشخاص ولكننا © مع ذلك ٠‏ ل" نستطيع أن نقدار مدى عمق 
تأثيره في النظرية الأدبية عند العرب . ولا يتسنى ذلك في رأينا » إلا بتحديد 
أهم" مقوّمات تلك النظرية وضبط مراحلها الكبرى وتطوراتها ومن ثم البحث 
غما يمكق أن يكو النشيث ف اذلف 


8 


2 - ال مادة البلافية 


قلنا » في ما سبق » إنه لم تصلنا » عن هذه الفترة » مؤلفات صريحة 
الانتساب إلى البحث البلاغي » ورجتّحنا أن بعض العناوين التى احتفظت 
بها المصادر 5 ) مجاز القرآن ) المنمسوب إلى قطر ب و «وكتاب الفصاحة ) 


لأبي حاتم السجستاني كتب أدب لا كتب تحليل وتعليل لمسائل البلاغة . 


وكتاب « مجاز القرآن ») لآبى عبيدة (1) هو » من بين ما وصلنا » 
المصدر الوحيد الذي ينم عنوانه » مبدثيا » عن ارتباطه بموضوع بحثنا . 
إلا" أن" التثبست من محتوى هذا الكتاب » والاطلاع على ما أثير حوله من 
نقاش قديما وحديثا يضعفان من هذه الصلة » ويرفعان اللبس الذي يوقع 
فيه الحتوان. 

وقد دار جل النقاش حول مسألة تصنيفه ضمن شجرة العلوم العربية . 
ول يخفّف من حداته إلا" نتشر النص في السنوات الأخيرة . 

فقد اعتبره بعض القدماء » و تبعهم قُ ذلك فريق من المحدثين » 
كتاب «١‏ تفسير » . وقد أثارت طريقة المؤلف فيه حفيظة بعض معاصريه 
صق عن كر لناب كل ودار كنا امقواها ا جك 1 دس يللاف ا 

٠» 0‏ 7 - مكتبة الخانجي القاهرة » 1962 . 1 


89 


كالفراء و الأصمعي وبعض تلامذته فنحوا على أبي عبيدة باللائمة وقيل 
إن" الفراء تمنى أن يضربه . 

وغياة: امن انضفاق. عن عل» القبر اق نت :475 مه عباس 
١‏ المع في أصول الفقه » كتاب مجاز بلمعنى الاصطلاحي . 

وذهب كل من طه حسين وإبراهيم مصطفى إلى أنه كتاب لغة (1) . 
وسبب هذا الاختلاف كامن” في خصائص الكتاب : فموضوعه قرآني 
ومنهجه لغوي » وعنوانه والدداعي إلى تأليفه بلاغيان . 


6 6 


ولا يهمّنا » من كل هذا » إلا" البحث عن صلة هذا الكتاب بالبلاغة » 
والتغبيت مما إذا كان مصطلح ( المجاز ) مستعملا في حدوده البلاغية الضيقة 
أم أن" له في هذا السياق معنى آخر ء 

إن" الداعي إلى تأليف الكتاب » بإجماع المصادر » يقوّي الظن” بأن” 
مضمونه بلاغي صرف ؛ ومن م يمكن أن نعتبر كلمة « مجاز ») المستعملة 
5 العنوان ذات شحنة اصطلاحية ضيقة . فقد سأل بعض الكتاب أبا 
عبيدة في مجلس الفضل ابن الربيع ين توه فاك #اطلعها كانه 
رُؤُوس” الشسيتاطين » (2) وما فيه من إغراب فرد عليه أبو عبيدة 
أن" الله كلمهم على قدر كلامهم وذكر بيت امرىء القيس (طويل) : 
أيقعلني ولمشرني" مُضاجعي 2 ومسنونة زرق كأنياب أغوال 
ومن ثم عزم على أن يضع كتابا في القرآن «لمثل هذا وأشباهه وما يحتاج 
إليه من علمه) (3) . 


(1) انظر مختلف هذه المواقف في :. مقدمة محمد فؤاد سزكين على الكتاب المذ كور ص 17-16 » 
ونهاد الموسى » دراسة وتعقيب على مجاز القرآن» مجلة معهد المخطوطاته العربية » مايو 
7 © ص 173 . 

(2) الصافات / 65 , 

(3) انظر تفصيل هذا الخبر : طه حسين : ذكرى أبى العلاء » ط 1 القاهرة » 1915 ص 117 - 
8 . 


50 


نرى » إذن » أن الظرف الحاف بالتأليث من شأنه أن يهيء الكتاب 
لأن يكون من أول المباحث العربية في قضية الصورة الفنية » وطرق أدائها » 
والافين النفسية التي ترتكز عليها ؛ لما في هذه الآية من حمل معلوم على 
مجهول انطلق بموجبه التشبيه في غير منطلقه الأصلي”" . 


إل أن" اود فى اعتة انا شين إلى أن" العا ليك ساعن وعدية 


أخرى قوامها التقريب بين ما جاء ني القرآن » من طرق في التعبير » ومسالك 
في القول » وبين ما اشتهر عن العرب في استعمالها لفنيا . 

ويتأكد ذلك » في مقدمة المؤللف حيث حشد ضرويا من المجاز استقاها 

من القرآان من مواطن متفرقة ؛ هي بمثابة المسالك التي ينتهجها الفرآ ن في 
أدائه وضرب من ( النحو ) أو الشواعان التي استخر جها م ن استعمالاته . 
وانتهى في الأخير إل أنَها لا تخرج عن طرق العرب وأساليبها ٠‏ يقول 
« ففي القرآن ما في الكلام العربي من الغريب والمعاني ومن المحتمل من 
مجاز ما اختصر » ومجاز ما حذف ». ومجاز ماا كف عن خبره » ومجاز 
ما جاء لفظه لفظ الواحد ووقع على الجميع » ومجاز ما جاء لفظه لفظ اللجميع 
ووقع معناه على الاثنين » ومجاز ما جاء لفظه خخبر الجميع على لفظ خبر 
الواحد » ومجاز ما جاء الجميع في موضع الواحد (......) وكل” هذا 


جائز قد تكلموا به» (1) . 


إن جملة ١‏ ( المجازات » المذكورة » وهي عوارض تحدث في التركيب » 
أدرجت في وقت متأخر » ا لل اليد المخصص للمعاني مما يدل" 
على أنها طرق مخصوصة في القول وإمكانية من إمكانيات في التعبير » 
وما دامت كذلك فل" بد أن تر تبط بمفهوم الاختيار القائم على المفاضلة 
بين مسالك التعبير وسبله حسب قصد المتكلم من كلامه . 


(1) مجاز القسرآن »ء ص 18 - 19 . 


91 


وفي الاستشهاد السابق ما يدل على هذا صراحة : فزيادة عن تعفاج 
الجواز » الذي يقر متى خملناة عل. #الورخوت © بأآن” المتكلم حر بتخير 
الكلام ويتوسع في اللغة وهو » في ذلك لا يرتكب محظورا ولا يخرج عن 
شرع » استعمل أبو عبيدة مصطلحا آخر أكثر دقة في التعبير عما 
قلنا وقد جاء مجردا من الشّحنة المعيارية الفقهية الموجودة في رديفة » متمحضا 
للدلالة العقلية الرياضية نعنى بذلك الاحتمال » وهو يدل » إذ نستنطقه » 
على ما سبق ويضيف فكرة ذات بال مفادها أن" بروز هذه الأضاليت قُ 
الامتوال دع تفاعل جملة من العناصر اتويت » متى اجتمعت » 
طريقة دون سواها . 

فكأن” كتاب ومجاز القرآن» يتنّل » من هذه الجهة » ي نطاق 
القول لا اللغة » ويدرس جملة الملابسات التي تحف بإنجازه . وهذا مبحث 
بلاغي آخر يرتبط مفهوم ( المجاز ) فيه « بالاحتمال ») و (١‏ الجواز » فيصطبغ 
بصبغة أسلوبية عامة أسّها تجاوز المتكلم في خطابه طريقة في القول إلى 
أخرى لأسباب ومللاسات 

وهذه المعطيات كفيلة بأن تجعل الكتاب » لا دراسة ي سو 
نص فحسب ٠‏ بل دراسة مقارنلة بين أسلوبين تجمع إلى الوصف الآني 
المقارنة الزمانية . فهل يفي مضمون الكتاب بالأغراض التي تحسسناها 
من الدأاعي إلى التأليف والمقدمة ؟ 

أشرنا في الصّفحات الستابقة إلى أن" « مجاز القرآن ») يكاد يخلو من 

قضية الصورة الفنية . ولا تعدو المباحث المتعلقة بها بعض الإشارات المتفرقة 
إلى التشبيه » يكتفي المؤلف بذكر الوجه مجردا من كل" دراسة لس 
وأبعاده الفنية » بل إننا لا نصادف تعريفا له أو حديثا عن أقسامه وأنواعه (1) . 
وإنه المي ذفنق الهف "أن" الصووة الزكيدة العلوزة أكثر من غيرها 


(0) انظر : مجاز القرآن » 73/1 + 131 » 256 ٠»‏ 68/2. 


52 


هي الصورة المركبة . فقد ذكرها بمصطلحها ١‏ التمثيل» » وحاول أن يشرح: 
شرحا متواضعا لا محالة ؛ مها . إلا" أن" الواصام ار راك لكات 
في شرحه لالآية : دأ م من أسين تاد هل شنا جرف هار فائهار 
يهم في 0 ) (1) يقول : « ومجاز الآية على التمثيل لأن ا 

لى التتقوى أثبت أساسا من البناء الذي بنوه على الكفر والتّفاق فهو على 
شفا جرف هار ) (2) . 


بينما نجده في مواضع أخرى حيث الصورة أوضح وأبسط » لا يشير 
إليها البئّة (3) . ولعل ضعف هذا الجانب في الكتاب هو الذي دفع 
اق تيمية (ت . 728 ه) ع مع اعت رافه بأن” أبا عبيسدة أل من تكلم 
بلفظ المجاز » إلى إنكار !0 يكون المعنى به ( قسيم الحقيقة ) وذهب إلى أن” 
المعني بمجاز الآبة ما 0 به عن الآبة» 4) . 

أمنا بالنسبة إلى مسالك القول وطرق أدائه » مما جمع في المقدمة , 
فالإجابة أشد” عسرا لأنها رهينة الزاوية التي ننظر من خخلالها إلى السام 
فاستخراجها من مظاتها 4 وجمعها بشيء دن الاستقصاء 4 وإدراجها في 
محل واحد من الكتاب » وربط كل" وجه منها بمثال » 00 
ينم عن وعي مؤلفه بقضايا جوهرية في الداراسة البلاغيّة تتصل بمستويات 
اللغة » وخطوة هامّة في التأليف والتصنيف لم نلحظها عند من جاء قبله أو 

ه كسيبويه و الفراء . ولهذا الأخير تأليف (5) يشبه ِي موضوعه 


(1) السوبة / 109 , 
(2) مجاز القرآن » ص 269 . 


)3( انظر مثلا تفسيره للآية « وأرسلنا ا (الأنعام / 6) حيث يقول : 
د مجاز السماء ها هنا مجاز المطر يقال : جا 3 لاني سام يدق مط رم رحا اننا 
السماء أي أثر المطر . » 186/9 . 

(4) انظر : كتاب الإيمان » ط. الخانجي » القاهرة » 1325 » ص 35 . 

(5) هو معاني القرآن » وهو يقم في ثلاثة أجزاء م ثقف إلا على جزئين فقط ا 
أحمد يوسف لجان ومحمد علي النجار » القاهرة » 1955 . 11/تحقيق عبد الفتاح شلبى 
الهيئة المصرية العامة للكتاب » القاهرة » 1973 . 


593 


وفي جوانب من منهجه «مجاز القرآن) . ثم إن هذا المجموع » وهو 
يشبه أن يكون قواعد عامّة استخلصها من القرآن ثم أخضعه لها » ولذلك 
عبر نا عنه بِشَحُو التعبير أو الأساليب » كان بمثابة المادة الجاهزة التي استغلها 
بعض ملقد كوا عليها » وجوه واستشهادات » مباحثهم في المعاني . 
ولا نبالغ إن قلنا إن ابن قتيبة كان من أكبر المستفيدين من هذا المجهود 
خاصة في كتابه « تأويل مشكل القرآن ») حيث جاء تعريف المجاز مطابقا 
لاستعمال اك عبيدة موضحا له (1) . 


في لغة العرب » على ما يشهد لأصالة سمت القرآن في التعبير وبقاء « مجازاته ) 
في فلك ما جوزت العرب لنفسها . وانعكس ذلك على المصطلح فجاء معناه 
في أغلب سياقات الكتاب قريبا جدا من معنى ١‏ التفسير ) » فكانت الدراسة 
لغوية « سطحية ) ليس لها من المنهج المقارن إلا” استخراج نقاط التقاطع 
بين النصين مهملة » أو نكاد (2) » وظائف تلك الأساليب وأبعادها الفنية , 


فهل من سبب لذلك ؟ 


لاشك” أن" أول ما يتبادر إلى الذهن أن البحث البلاغى لا يزال في 
خظواته الأولى + وعلم البيان لم تُمْرف حدوده وأضولة » مما جعل المؤلف » 
رغم أهمية المنهج والموضوع » عاجزا عن أن يوفيه حقه من الدرس والبحث 
حتى أنه ( لو سئل عن تفصيل هذا المجاز طلعها كأنّه رؤوس الشياطين 


(1) انظر : تاويل مشكل القرآن » ص 20 . 


(2) يذكر في بعض المواضع الوظائف إلا أنه يكتفي بالإشارة » ويبقى ذلك في إطار ما استقر 
عند اللفويين السابقين . فقد ذكر بعض معاني الاستفهام كالإيجاب (35/1). و النهي (21/1) 
وذكر من وظائف الأساليب التفهيم والتوكيد (70/1) والتوسع (21/1) . 
ولعل أهم مبحث كان يمكن أن يسمح للمؤلف بالوصول إلى نظرية في علم المعاني هو مبحث 
حروف الجر ؛ إلا أن ملاحظاته في هذا الشأن » رغم طرافتها أحيانا » قصيرة النفس . 
نذكر من ذلك مثلا تفطنه الى قيمة الحر ف في اللغة وتعدد دلالاته ودور السياق في استدعاء بعضها 
دون بعض (14/1) وهذا يشبه الى حد كبير ما يسميه علماء اللغة اليوم 2011811584108/كنا17216. 


94 


وببان نوعه وقرينته لما وجد إلى الإجابة من سبيل لأن” هذا العلم لم يكن ني 
أيامه معروفا (1) . 

وقد يعزى هذا السكوت إلى مقاصد المؤلف التى تحداد على ضوئها 
تنب الاو لفن ابالعييدة تيم كال الراك دسا وللى السائل .ه 
5 مدأختولاً فأراد أن" يتصدى لذلك ويحقق بالحجة والدليل صريح 
الاية 1 دم قُرآ نا عربيا لعللكم تعقلون ») 2) . فكان 
لهم له إلا" ربط حبل الأسباب بين ل 
بصرف النظر عما قد يعلق يتلك الأساليس اهن "مقاصك افنية :.. وبهذة 
الكيفية يمكننا إدراج ١‏ مجاز القرآن ) ضمن زمرة المؤلفات التي تتحرك 
من منطلق عقائدي تدافع عن القرآن وتذب عنه وتقف في وجه من تسول 
لهم أنفسهم الطعن فيه . وإن جاءت اللهجة ‏ هنا خافتة خفية . 

ثم إنّه لا مانع » في تصورنا » أن يعد من كتب «الإعجاز» إن 
سلمنا بأن" على كل بحث في هذا الموضوع أن يوفق - مبدثيا ‏ بين أمرين 
متناقضين ني الظاهر : إثبات أصالة لغة القرآن وتفردها وتفوقها على ذلك 
الأصل فيكون «مجاز القرآن») » وهو يتنزل ني ا لقسم الأول من البحث » 
قد سمح لعلماء الإعجاز بعده أن ينطلقوا رأسا إلى دراسة الجانب الثاني 
من الموضوع . 

ولكن ألا يوجد وراء هذا السكوت موقف لغوي يسد النغرات التى 
لم يستطع السببان السالفان سداها ؟ إذ لتن قلنا إن التفكير البلاغي لا يزال في 
خطواته الأولى فإننا نرى أن ما تبلور منه على عهد مؤلفنا وقبله - كما نبين 
بعد حين - كفيل بأن ينبه المؤلف إلى قيمة هذه الأساليب » وإن لم يكن 
ذلك بصورة متعمقة مبنية على أصول نظرية وتفكير مجرد 
(1) انظر : طه حسين » الكتاب المذكور » ص 110 . 
(2) يوسف / 2 . 


599 


كما أن المنهج لا يمكن أن يكون مسؤولا ء إلزاما » عن ذلك »؛ 
وإلا فما كان يمنع أبا عبيدة من أن يشير إلى قيمة هذا الأسلوب أو ذلك 
مع احترام الوجهة المنهجية التي اختارها ؟ 

قد يعين التوقف عند « اللغة ) و (الاستعمال) على استجلاء بعضص 
جوانب المشكل . وغرضنا أن نجيب عن هذا السؤال : هل تختلف اللغة 
عن الاستعمال في رأي أبي عبيدة ؟ 


إن" الإجابة عن هذا السؤال تجرنا إلى مباحث يضيق عنها موضوعنا 
لذلك نقتصر على الإشارة السريعة مستعينين بما تبلور في الدراسة اللغوية اليوم . 

إن" من أبرز ما استقر ني التفكير اللغوي المعاصر زوج «اللغة» «والكلام) ؛ 
فعرفوا اللغة بأنها نظام من العلامات وجملة من الضوابظ والقوانين تتحكم 
في استعمال المتكلم بها . وعرّفوا الكلام بأنّه استعمال تلك العلامات 
باحترام جملة الأنماط النظرية والكيفيات التي نؤلف ‏ حسبها ‏ بين 
عناصر ذلك النظام وتبرزه في سلسلة مصوتة . 

وقد تبنت مختلف المدارس اللغوية إجمالا » الزوج والتعريف وإن 
عبرت عنه بصيع مختلفة فقالوا : اللغة ) و ١‏ النظام » و ١‏ البنية » و « القدرة ) 
وعبروا ع ن الكلام ( بالخص » و «القول » و «الملفوظ » ء و «الخطاب ) 
و «الفعل» (1) . 


ونزلوا تبعا لذلك » دراسة الأساليب والبلاغة في مجال الكلام 
باعتبارهما لا يقومان إلا على الفعل اللغوي المنجز . 

لكنّهم سرعان ما انتبهوا عند د راستهم لخصائص القول والأسلوب 
وهو في تعريفهم طريقة خاصة في تأليف عناصر اللغة » إلى ضرؤرة توضيح 


(1) نظا م (عصسغ و1 » دنية (عكنتا110ا5) » سنة (©000) » قدرة (ععطع]6م0010)) » نص (©2266ء'1) 
قو 1 (5كتامه1015) ٠»‏ علو ظ (6ع2مص8) ٠‏ خطا ب (ع81655386) ء فعل (عع مه صمم ]يه 2) . 


56 


هذا الزوج فدخل البحث في شعاب نظرية تتعلق بماهية اللغة نفسها والقواعد 
التي تؤسس استعمالنا لها » وفطنوا إلى أنها ‏ أي اللغة ‏ فكرة نظرية 
مجردة وقدرة بالقوة لا شاهد لوجودها إلا المنجز منها ولا سبيل إلى بناء 
ل ل ل 97 
وه المولود رتبة الوالد » ولكن المفارقة بين وجودها النظري ووجودها 
الفعلي تبقى قائمة حتى لكان" قواعد اللغة مقطوعة عن اللغة فانضاف إلى 
« الزوج »؛ مصطاح ثالث موضحا له ومتمما هو ما يمكن أن نسميه ١‏ الاستعمال 


القويم »؛ (1) وعلقوه باللغة فأصبح الزوج على هذه الصورة : 


ا علامي - قواعد (بعد نظري) 
م 


90 قويم 


إن اعسسيسية 


2 ل ال> لام 
فتصبح كل عملية بلاغية نصرفا قُ اللغة والاستعمال معا ,2( : 


وا لا" أن "ابا تعيياة "او ناشافرة انيد العائيف م اا با 
فهو كغيره من النحاة حريص كل الحرص على الوقوف على الجملة المقدرة 
التي تعتبر الجملة الاثلة في السياق مظهرا من مظاهر تحولها » معتمدا في 
ذلك منهج التقدير والإضمار (3) جريا وراء ما سماه ( تمام القول ) (4) 
وهو من المصطلحات الهامة التي تساعد على استكشاف الأسس المعرفية 
التي تنبني عليها نظرة النحاة إلى اللغة واعتبارهم المنجز منها ناقصا ملحونا 
لا بد من رده إلى صورته المثى وإن كانت نمطا نظريا مجرّدا . 


(1) عق8دكن مهط5 ع[ 


(2) انظر في كل هذا : 
64 ,7161710065 أت كمد18ط0جم ‏ : 6و اتاد 06 كتهدكر : انوعلد وعروزم 
530-52 .زم ,1969 ,قلعو رعاعء زوعاء صتلك1 


(3) الأمثلة عديدة أنظر مثلا : مجاز القرآن » 23/1 » 226 ٠»‏ 229 , . 15/3 » 68 . 
(4) المصدر السابق ٠»‏ 111/1 . 


9 


وبجانب هذا المصطلح لفت انتباهنا مفهوم آخر مرتبط بالسايق إلا 

أنه أكثر وضوحا في التعبير عن موقف الرجل من قضيتنا : ذلك هو مصطلح 
التمثيل » » وقد ذكره أكثر من مرة في غير المعنى البلاغي الذي سبق » 
دالا" به على الصيغة اللغوية المثلى الني لا وجود لها في الواقع © أو التي 
لا ينفك” وجودها عن الاستعمال : إذ أننا نتتصور وجودها ونعرف حدودها 
انطلاقا منه. يقول في تفسير «وبالوالد ين إحسانا » (1) «١‏ م تفعل 
العرب ذلك فكأن في التمثيل وآستوصوا بالوالدين إحسانا ») (2) 2 تفسير 
اموس أعنافهم لها خحاضعين ) (3) وزعم يونس عن أسي عمرو 
0 خاضعين ليس من صفة الأعناق وإنما هي من صفة الكناية عر 00 


ف آخر الأعناق فكأنه في التمثيل فظلت أعناق القوم قُ و وضع ١‏ م )40 


فكأن اللّغة » في الواقع » تطابق الاستعمال ؛ مما قد يكون حمل 
أنا عبيدة على اعتبار تلك الأصاليتت الني عد "دها جزعا أ ن المواضعة 
اللغوية الى 2 وإن ارنيطت قُ اليدء بوظيفة معينة 4 فإن كثرة استعمالها 


طمّس يُعمْدآها الفني ويصبح النسج على منوالها احتذاء لا إنشاء . 
تستنتج مما تقد م أن" «ومجاز القرآن » على أهمية موضوعه ومنهجه لم يحو من 
المعطيات البلاغية أكثر مما حوت كتب اللغة الأخرى » وهي مسائل تتعلق 
بالتركيب لا بما يطرأ على معنى الكلمات من تغيير وتبديل . فكان مصطلح 
المجاز مستعملا في غير معناه الاصطلاحي الذي سيتبلور مع الجاحظ . 
وتكاد دراسة الأساليب لا تتجاوز مجرد الوصف » ويعزى ذلك إلى 
ضعف الباحث البلاغية في ذلك الطور » والمنهج الذي اختاره المؤلف 
وما عَدّق به من مقاصد كما قد يعزى إلى نظرية المؤلف في اللغة والاستعمال . 
د عد عد 


() البقرة / 83 . 

)2( مجاز القرآن 126/1 . 
(3) الشعراء / 4 . 

6 مجاز القرآن » 83/3 . 


58 


3 


يتضح إذن » أن مصادرنا غير مباشرة » وهي قسمان كبيران : قسم 

بف ادا 0 5 - أن" اهتمامه بالبلاغة هامشي مندرج في نطاق مشاغل 
التغويين والتكاة ريات قن ران هذا القسم الكتاب » لسيبويه و ١‏ معاني 
القرآن ) للفراء و 0 القرآ ن ) لأبي عبيدة . 

وقسم في البلاغة والنقد إلا أنّه من عصور متأخرة حاولنا الاطلاع 
على أكبر عدد منه لاستخراج ما عساه يبرز خمصائص هذا الطور اقتناعا 
بصعوية الاستقصاء 


أ ل القوانين والمبادىء العامة : 


أهم" هذه المبادىء وأكثرها تبلورا » على مستوى المنهج والمصطلح » 
ما ورد عند اللغويين (1) ولا غرابة في الأمرء فقد بلغ التفكير المنهجي المنظم 
في ضوابط اللغة وقوانينها في هذه الفترة أشده » واتضحت اتجاهاته وقضاياه 
الكبرى : واستقر منهجه ؛ وقد تجسم ذلك في مؤلف »ء هو (الكتاب ) 
لسيبويه (ت. 0ه » يعتبر قمة من قمم التفكير العربي في اللغة لما اشتمل 


(1) يجد الباحث نفسه في حيرة إزاء بعض االلمحات والإشارات التي يجب أن تندرج مدنا 

في هذا القسم إلا أنها م ترد ضمن ببحث منظم وتفكير متواصل في اللغة فتجنبنا التأليف 
مخافة التعسف والإيهام بنضجها » وإن كان بعضها عميق الدلالة في ذاته . 

1 ذلك إشارة الخطيئة 4 في "بيت" من الشعر سيق أن ذكرناه - إلى ضرورة ربط 

المقال بالمقا م (الكامل اللمبرد »ء ص 357) وقد وقفنا على سياقين آخرين يتصلان بهذا الموضوع 

أحدهما مئسواب إلى بر خالد بن صفوان » (الكامل ص 046) والآخر 0 الععاد لي ( البرهسات 

فى وجوه البينان لايل تزهيه .عن 195 8 وكلها: لاون كا شيعن قرت فيها بعد مت يترون 

راض 

ويدخل في هذا القسم ما روي عن الرسول (صلعم) من أحاديث ثنيه إلى: قيمة اللسان 

وفعله في افوس حتى أنه ربط 0 بالبيان » ع ثعلب ص 454) وهو أصل 

كل دراسة تتقصى الجمال في المقال وقد ارتبط بهذا مقياس نقدي صريح تقوم فيه القدرة 


على تصريف اللغة أساسا للمفاضلة بين الشه راد ننه حاف ادرو يرث يدع أن الفجاج 
أشعر أهل الرجز والقصيد وقال : إن هو كلام فأجودهم كلاما أشعر هم (العمدة لابن 
0 1و . 


وقد روات المصادر عن « علي بن أبي طالب ( ما ينم عن إدراكه حدود الرضيد |الغري 
ولناقضه مع القدرة اللامتناهية عل إحداث الكلد فاستخلص بأن صورته عود على بدء إن 
0 لولا أن الكلام يعاد لنفذ لنفذ » (الصناعتين العسكري © ص 2 . 


09 


أجيال دمن اللغويين على درسها وترويضها ٠.‏ 


وسيطرح المنهج الذي اعتمده هؤلاء التّحاة جملة من المسائل » 
جعلتهم بالتفكير فيها يتجاوزون حدود النحو إلى أبحاث رسمت إطارا نظريا 
صالخا لجملة المشاغل اللغوية المتأخرة بما في ذلك البحث البلاغي . 


نذا نامر انئية افق ون اللراقيي" ل التظاءر والقؤضي معارسة 
عفوية وحرية في التصرف لا راد ع لها إلا استحكام العادة والإقرار بالعرف . 
والنظام انضباط وتشريع ملذرم وسلطة حاكمة من مشمولاتها تقيم السلوك 
ولعييرة . 

لكن الشترْع في الذّغة من اللغة نفسها » أو هو » على أصح تعبير ) 
مسن" تقاطع اللغة كسلوك والعقل كمقولات . فتضع الموسّسة من ذاتها 
سلطانها ؛ ومن ثم تصبح موجودا ثنائي البعد : هي جملة من القوانين 
والضوابط حدها الأقصى « الجملة » ولا تعتبر ني الدلالة إلا ما يؤديه صريح 
العبارة » وهى مقال وفعل يرتبط بجملة من الملاسات » من خارج اللغة لكن 
لا بد منها ليتم” الإبلاغ فتصبح العلامة اللغوية طرفا من الأطراف لا يتوقف 

إن" هذا التباين بين حاجز النحو. وحركية اللغة » والصراع بين القاعدة 
والاستعمال » وهي نتيجة حتمية لكل تجريد يتعالى عن موضوعه ثم يرد 
إليه » يبرزان المشاكل التي كان على النحاة مواجهتها حتى لا يبدو عملهم 
ميجرد اصطلاح على مقولاات 2 وجهازا مستعارا سلطوه على اللغة إرضاء 
لنزعة التنظيم والتبويب التى بحاول بها العقل السيسطرة على ظواهر الكون . 


فعملوا على استيعاب ذلك التباين والخروج ٠‏ بالتأويل والتعليل وراحوا 
يبحثون عن المؤشرات اللغوية وغير اللغوية التي تربط حبل الأسباب بين البنية 


100 


النظرية المثلى وما هو موجود بالفعل » مؤكدين على أن الخروج ظرنيٍ » يعود 
إلى الأصل متى انعدمت أسبابه . فدخلوا من حيث أرادوا الإقناع بسلامة 
قوانينهم اللغوية في تأويل المقال والبحث عما بجعل نهجه في الدلالة مغايرا 
لنهج الجملة المجردة . 

6 6د 


وقد تمخض هذا المجهود عن مفهوم نظري غاية في الأهمية والاكتناز 
و ساب العمل البلاغي وركيزته » هو مفهوم ‏ التوسع » وقد احتل مسن 
مؤلفاتهم » المركز الذي تدور في فلكه بقية المبادىء الأخرى . 

جاء هذا المفهوم على أربع صيغْ صرفية غالبة : ثلاث منها مشتقة هى 
لاد ع 2 ا 3 هَ فعاية م١‏ تفع 
0 ) (1) و(السعة) (2) و( أوسع ) 3( وواحدة فعلية من « تفعل ») 
أو ( افتعل ) منسوبة إلى الجمع المذكر الغائب (4) . 

ورغم هذا التنوع الذي يدل على كثرة تصرفهم في المصطلح وتواتره 
في مؤلفاتهم لا نجد تعريفا يضبط حدوده ويكشف الأبعاد المعنوية المعلقة به . 

فلا متمعد في استكناه مضمونه ومعرفة مقاصدهم منه إلا النص وما 
يحصل من التقريب بين وجوه استعماله . 

ا د 


ورد » في قسم أول من هذه الاستعمالات » مقترنا بمصطلحات أخرى 
كزان ريطن خسنااص العمل ي لتر تمده ونا كر قن سخا ايان 
وقد استغرق « آالإيجاز » والاختصار هذا الجانب (5) أو إلى ضرب من 


(1) الكتاب » 21/1 212 » 214 - 235 » مجاز القرآن » 21/1 . 

(2) الكتاب » 53/1 » 176 » 212 . 

(3) طبقات فحول الشعراء الجمحي » شرح مود محمد شاكر » سلسلة ذخائر العرب » دار 
المعارف » القاهرة » 1952 © ص 46 . 

(4) الععاب . 211/1 . 

(5) المصدر السابق » 211/1 , 


101 


ع 


الانطباع اللغوي تتأثر بمفعوله البنية : كالاستخفاف » (1) . وقد عبر عن 
الاقتران بواو العطف بحيث لا نتبين إن كان عطف تسق واتقاية بسر عي م 
التوسع ومختلف هذه المظاهر ولا يشير إلا إلى تواجدها على نفس الدرجة » 
ره التوسع قبع لذلك مدر د امنلورنت مق مجملة ا 0 3 يتحدا من 
أهميته كمصطاح ف كدر + أو عطقن بيان يحل 9 ف الممفسر 
ويربط النتيجة بسببها » فتندرج طبقا لذلك تلك 5 ضمسن 
( الاتساع » » وتكون بمثابة الأشعة المنطلقة من ذلك المركز 


إن مجمزعة اله مق الساقات: تغيتنا عل فك" هذه العناية م ي :ضرت 
من المنطق الداخلى يعود فيه النص على ز: نفسنة فينو وفوا فين قلق ك مجعم 
هذا المفهوم دليلة على مظاهر أسلوبية مختلفة : 

أشسير به إلى نوع من تعليق الكلام سَيْسَمَى » فيما بعد » بالمجاز العقلي 
المقام على العلاقة الظرفية يقول سيبويه : : (....) ومثل ما أجري مجرى هذا 
في سعة الكلام والاستخفاف قوله عر وجل" « بّل” مكدر الئل والشهار » (2) 
فالليل والنهار لا يمكران ولكن المكر فيهما ) (3) . 


سام الخو 


وبه صف ضرب من خروج الكلام على غير مقتضى الظاهر » كأن” 
ل ل ل ل ل ام قوله 


ساسم اه اسم 


عر وجل «ومدل” الّذين كفروا كمثل الذي يسشْعق بمنا لاا يسْمّع إلا 
دعاء وبداء ) (4) فلم لتتتووا هنا نحن توزنها شير بالمشر قا يفي .وما 
المعنى : مثلكم ومثل الذين كفروا كمثل الناعق والمنعوق به الذي لا 
يسمع ) (5) . 


(1) المصدر السابق » 176/1 . 
(3) سار قتي 

(3) الكعاب » 176/1 . 

(4) البقرة » 212/1 . 

. 212/1 ٠» الكعاب‎ )5( 


102 


كما استعتمل أكثر من مترة للدالالة على الصورة التي يحذف فيها 
المضاف وبكتفى في اللفظ بالمضاف إليه وهو ما سيعرف في الاصطلاح اللاحق 
( بالتضمين ) 


( ومما جاء على اتساع الخدم والاختصار قوله تعالى جداه : « واسْأل 

القرية المي كنا فيها والعير التي أُقْبلْنًا فيه » (1) . إِنَّمَا يريد 
أهل القرية 0 ( 2( : 

فالمصطلح معد د الدلالة ( ستقطب جملة من الطرق 2 القول ث يوحد 
بينها خروجها 3-3 ن الأأصول النظردة اللني ذُؤْ سس عملية تأليف الكلام مطلقا ويدل 
يه على م أرسات اك رادة المتكلم وقصده أكثر من البنية العقدة المجردة 

وتأني المجموعة الثالثة لتؤكد بصريح اللفظ هذا الاستنتاج ٠‏ إذْ يقابل 

فيها التوسع بالأصل . يقول سيبويه » وهو يتحدث عن علاقة أدوات الاستفهام 
الخ عنه : « وحروف الاستفهام كذلك لا يليها إلا الفعل إلا أنهم 
قد توسعوا فيها فابتدءاوا بعدها الأسماء والأصل غير ذلك ) (3) . 

وما الأصل » في تصورنا » اعتمادا على ما سبق » إلا" ذلك الذي أشرنا 
إلبه من أمر النظام النظري الذي استنبطه النحاة بإعمال العقل ني اللغة وإخضاعها 
لمنهج القياس والاستدلال ٠»‏ بينما يتمحخض التوسع للدلالة على كل مظاهر 
الخروج والعدول » 2 نطاق الجملة » عن ذلك الأصل ويصبح 3 2 النظرية 
اللغوية » مؤشر الصراع بين إرادة القانون وحاجات الفرد إلى حرية التعبير 

لكر هذا المفهوم يي أعناك التحاة :6 “إلى هذه الدوحة »مييق 
في الدلالة على شعورهم بضرورة تجاوز التناقض الضارب في كل عمل نحوي : 
(1) يوسف / 82 . 


(2) الكتاب » 212/1 وانظر أيضا 53/1 . 
(3) المصدر السابق » 98/1 - 99, 


108 


بناء المتواضعات النحوية على إنجازات ١‏ قولية » | نشائية . فأتى هذا المصطلح 
00 من أزر بقية مفاهيمهم العدوية بطر ا الفضاء الناجم عن عدم 
تطابق القوانين العامة والاستعمالات الفردية . 

وإن آخر ما به بين عن نرعتهم الشمولية في توظيف هذا المصطلح » 
تقديرهم الكمي لانتشاره في اللغة إلى حد” يستحيل معه الإحصاء 

يقول سيبويه ني « باب استعمال اللفظ ني الفعل لا ني المعنى لاتساعهم 
في الكلام والإيجاز والاختصار ) (1) : « وهذا الكلام كثير منه ما مضى » 
وهو أكثر من أن أحصيه ومنه ما ستراه أيضا فيما يستقبل إن شاء الله » (2) . 


2 6 


واستقراء اللغويين لجملة المظاهر التي حملوها على التوسع» وأكثرها ني 
باب الحذف» أدى بهم إلى استنتاج أنه ليس حرية” مطلقة يتصرف بمقتضاها 
المتكلم في اللغة » إذ لابد من البقاء في والعدرد ها لمع ره بالا انض غله 
وجودها ويعطل وظيفتها الأصلية : البيان والتبين 


فضبطوا مجوزات التوسع وموانعه في ما يمكن أن نسميه « نحو الخروج 
عن النحو ) : ومقياسهم ني ذلك المعنى بالدرجة الأولى وإن أشاروا » في سياق 
ذلك : إلى بعض المؤثرات الأخرى في البنية كالاستعمال وهو قانون كمي 
زمني ينبى في اللغة على علاقة تناسب عكسي : 
كثفرة الاستعمال > قلة الكم اللغوي (حذف) 
أو الاستخاف » وهو ارتسام لغوي يؤكد على نزعة المجهود الأدنى في 
علاقة المتكلم باللغة » وشأنه مع اللغة شأن القانون السابق . 


(1) الكتاب » 211/1 - 216 . 
(2) الكعاب » 214/1 - 215 . 


104 


ويتصدر قائمة التكر دات 1 علم المخاطب ) ٠‏ و(«دلالة السياق ) » 
ولغة النص وهيأتها . 

فعلم المخاطب هو سبب «السعة » و«الإيجاز») و«الإضمار) 
و« الاستغناء» : وهي مسالك في القول يخرج فيها الكلام على غير مقتضى 
الظاهر » وتصرف ف ف البناء اللغري مع بلوع المعنى المراد اعتمادا على الملابسات 
الحافة : 

« وإنما أضمروا ما كان يقع مظهرا استخفافا ولآن المخاطب يعلم ما 
ا ا ل ا ل 
أنه لا بأس عليك ولكنه حذف لكثرة هذا و في كلامهم ) (1). 


0 


: ومثله في الانساع قوله عر وجل ؛ ومشّل الذرين كفروا كمثل 
الذي عق بما لاا يسم إل 00 وبداء 0 500 ) ولكنه جاء على 
سعة الكلام والإيجاز لعلم المخاطب بالمعنى ) (2) . 


ولهذا العنصر أهميّة في تجاوز قصور الحركات الإعرابية على أداء 
المعنى ونقيضه » إذا صادف أن اجتمعا على الكلمة الواحدة » ومثال ذلك 
ظاهرة التنازع (3) . 

وأشمّل من علم المخاطتب دلالة السياق عامة إذ" تُعوض هذه 
الوحدات الدغوية » مالم نخف الالتباس . وإذا صادف أن جمع المتكلم بينهما 
وأثى رغم وضوح المعنى بما كان يمكن الاستغناء عنه ني اللفظ فذلك إرادة 
منه أن يصعد بالمعنى إلى درجة أخرى ني التعبير يلتحم فيها المعنى اللغوي بالمعنى 
البلآغي . 


0 


(1) المصدر السابق » 224/1 . 
(2) المصدر السابق » 224/1 , 
(3) المصدر السابق » 212/1 , 


10 


« واعلم أن رويدا تلحقها الكاف وهي ني موضع أفعل وذلك قولك : 
روك زيدا وهذه الكاف التي لحقت رويدا إنما لحقت لتبين المخاطب 
المخصوص لأن رويد تقع اراد والجميع والذ كر والأنثى » فإئما امعل 
الكاف. حيق حاف الثبامن من معني بمن لا يعتى وإثما حذفها ف 
الأو العماء طلم الغاطي اه لا 00 


فلحاق الكاف كقولك : يا فلان للرجل حتى يقبل عليك : وتركها 
كقولك للرجل : أنت تفعل إذا كان مقبلا عليك بوجهه منصتا لك فتركت 
ادن عن عرق اتن قدا مضنا انا لدعا اكتروفة قر ني ار وله 
لا يخاف أن بلتبس بسواه توكيدا » (1) . 

وقد يأتر في جواز التوسع من النص ذاته . فاللغة المائلة فيه تصبح » بحكم 
النسق العلاقي المقام بين عناصر ها ومجيئها على هيئة من التركيب معينة » ا 
يحيلنا على العناصر الغائبة ويدلنا عليها . وبذلك يحمل النص دافع تأويله 
لازدواج وظيفة مكونانه إذ يدل" صريح لفظها على معنى وتدل” كلها على معنى 
آخر : « وقد تستجيز العرب إضمار أحد الشيئين إذا كان بي الكلام دلبل 
عليه (2) قال الشاعر : (طويل) 
عنصت إليهنا القلب إتي لأمرها ١‏ سميع فما أدري اوقل طلابها 

ولم يقل : أم عي » ولا : أم لا ء لآأن الكلام معروف المعنى ) (3). 

وما دام المعنى عرولا لوك أن يخرج الكلام » في تراكن وحداته » 
وإسناد بعضها إلى بعض حتى عن مقولات المنطق الوضعي فللسامع أن يتجاوز 
ذلك التضارب الظاهري ويرفع » بعملية ذهنية بسيطة الإشكال . 


(1) المصدر السابق » 224/1 . 
(2) نحن نسطر . 
(3) معاني القرآن » 230/1 . 


106 


«وقوله : وم في ساسكةٍ درعيا سه ون ذراعمًا 
فاك 110 ةوالع ا ا كرف ترك 
أدخلت رأسي في القلنسوة وأدخلتها في في رأسي والخاتم يقال : الخاد م لا يدحل 
في بدي واليد هي التي ل كال ار والخف 
مثل ذلك فاستجازوا ذلك لأن معناه لا يشكل على أحد فاستخفوا من ذلك ما 
جرى على السنتهم ) (2). 

أما إذا خيف اللبس وهنداد القصد وأمكن لسامع أن يحمل الخطاب 
على غير المسرّاد فينتقض العهد وينحل” العقد وتتبدال القضية والحكم فلا مناص 
من إيفاء اللغة أقدارها وإحلال الكلمات محالّها : 

١وقوله‏ : «فَمَا رَبحّت تجارتهسم » (3) ربما قال القائل : كيف 
تربح التجارة وإنّما يربح الرجل التّاجر ؟ وذلك من كلام العرب : ربح 
بعك وخسر بيعك . فحسن القول بذلك لأن الربح والخسران إنما يكونان 
التجازة +قعلم بمعناه + وطثلة من كلام العرب: + هذا دلبل قائم . ومثله من 
كتاب الله : مو فإذا عزم الأمر)» 40( 20 العزيمة للرحال ولا يجوز 
الضمير إلا في مثل هذا . فلو قال قائل : قد خسر عبداك » لم سجر ذلك ؛ 
إن' كنت تريد أن تجعل العبد تجارة يربح فيه ويوضع » لأنه قد يكون العبد 
تاجرا فيربح أو يوضع فلا يندم مَعنّناه إذا ربح هو من“ معناه إذا كان 
متجورا فيه . فلو قال قائل : قد ربحت دراهيمك ودنانيرك » وخسر يرك 
ورقيقك » كان جائزا لدلالة بعضه على بعض » (5) . 


2 3 


9) الحاقة / 32 . 

(2) معانى القرآن » 182/1 . 
)3( البقرة / 16. 

(4) محمد / 21 . 

(5) معاني القرآن » 14/1 -15 . 


101 


هذه بعض المبادىء التي لفتت انتباهنا. في مؤلفات هذه الفترة » كدر 
مو افتريهاء برعي »لان لامعل |سعفهادات صغينة الصا يقفايا اي1211 + 
بعيدة عن حقيقة البعد الإنشائي في اللّغة » فلا جدال في في أنها ستستقر في التفكير 
اللغوي عامّة ويقوم عليها التفكير البلاغي بوجه عام 

فالتوسع هو الإطار الكبير الذي تدور في فلكه كل عمليات الدوليد 
في اللغة ومنها المجاز . 

والتأكيد على أولويّة الفهم والإفهام » وضرورة ارتفاع لين عن كل 
عمل لغوي ٠‏ سيصيح ء هو أيضا » أساسا مم العاوا ا 
الكتسّاب والشعراء 2 وكل” كلام فيه قنَصد إلى الفن” . وسنيين أن” ذلك قد 
ولّد ني التّقد العربي مفهوما من أهم' مفاهيمه وأكثرها تواترا وقد تجسم 
في زوج متقابل : ١‏ قرب الأخذ » و« الإبعاد» . 

وإن” تفطنهم » في هذا التطاق » إلى شبكة العلاقات التي يتنزل فيها 
الخطاب » ودورها في أداء المعنى » كالسياق » والمخاطب » ودلالة بعض 
الكلام: على بعض ٠‏ يعد عملا هاما استفاد منه البلاغيون المتأخرون فائدة 
عر 
ب - المفهوم والمصطلح والحد: 

' بعتبر هذأ الثالرث ء» خاصة الملصطلح والحد 2 من أهما المؤشرات التي 
نتبين بها ما وصل إليه العلم و انشع تدكا ؛ إذ' لا يتسنى أن يتسثم هذه 
الدرجة من التجريد العقلي إل مل اي طويل 2 ومباشرة متواصاة 
لمادة ذلك العلم . فلا يتصور أن تنشأ عن طفتّرة وإلهام . 

ومن الأدلّة لما نقول » أنّك تصادف في الحقبة الزمنية الواحدة » في 
نطاق العلم الواحد » ما يشبه النتوؤات والأغوار > وما هر نين كن فمخ 
القضايا ما قد فاز بالمصطاح المئاسب والحد الفاصل ٠‏ ومنها ما لا دليل على 


108 


جوده من الناحيتين جميعا » ومنها ما لا يزال متقلقلا إن" حدا وإن 
مصطلحا . 
العام . 

وقد حاولنا ترتيبها باحترام مقياسين : 

الانتقال من المركب إلى البسيط فذكرنا ما تعلق منها بالجملة ثم 


المفرد . 
كما راعينا في الباب الواحد درجة التبلور فقدمنا ما رأيناه أكثر من 
غيره تبلورا . 


وقد بدا لنا طبيعيا أن يتصدر مفهوم ١‏ البلاغة » هذه المسائل باعتباره 
موضوع بحثنا الأصلٍ والقطب الذي تحوم في مسداره جملة القضايا الأخرى . 

واهتمام الأوائل بهذا المفهوم واضح فلقد قلبوا الصيغة على مختلف 
صورها وضبطوا جملة معانيها اللغوية (1) . كما استعمل المصطلح ني معان 
أخرى بعيدة عما نحن نصادده فلقد وردت 5 شعر أبى نواس (ت. 199ه) 
بمعنى النهج أو الطريقة في قوله : (كامل) 

صفة الطلول بلاغة القدم فاجعل صفاتك لابنة الكرم (2) 
وإلى جانب هذا وجدنا جملة من التعريفات الاصطلاحية أثبتناها بصيغتها 
المختلفة في الجدول الاتى : 


(1) انظر : ما قاله أبو عبيدة وابن الأعرابي في « العمدة » 249/1 . 
(2) المصدر السابق » 92/1 . 


109 








7 البلاغة ما بلغ بلك الجنة وعدل 





8 البلاغة تفسير عسير الحكمة 





9 - البلاغة قول مفقه بي لطف 


110 


أ) تعريف البلاغغة (البليغ » أبلغ الكلام ...) 


البلاغة إفصاح قول عن حكمة 


مستغلقة أدانة 03 1 
و ل 


البلاغة : الإيجاز 


بليغ : ما رأيت بليغا قط إلا" وله 
٠‏ في القول إيجازوني المعاني إطالة 


البلاغة إيضاح الملتبسات 
وكشف عوار الجهالات 


بأسهل ما يكون من العبارات 
البلاغة ثقريب بعيد الحكمة 


بأسهل العبارة 


بك عن النار وما بصرك 


مواقع رشدك وعواقب غيّك 


بأقرب الألفاظ 


عمرو بن عبيد 
وت . 123 ه) 


محمد بن على 


(ت . 125 ه) 


02 0 «< (0 


مص درهة 


العمدة 245/1 





المسعدن 





0 البلاغة : الجر الة والإطالة 





1 - البلاغة اسم لمعان تجري ني 
وجوه كثيرة » منها ما يكون 
شعرا : ومنها ما يكون سجعا 
ومنها ما يكون خخطبا وريما 
كانت رسائل فعامة مأ 
يكون من هذه الأبواب 
فالوحي فيها والإشارة إلى 
المعق أبلغ . والإيجاز هو 
البلاغة . ش 





2 البلاغة كشف ما غمض من 
احن وتصورر الفن مره 





الباطل 

3 د البلاغة إصابة المعنى والقصد 
إلى الحجة . 

4 أبلسغ الكلام ما لا يحتاج إلى 
كلام 





15ت كل ما أدى إل قفا الحاجة 
فهو بلاغة فإن 
استطعت أن يكون لفظك 
لعناك طبقا ولتلك الخال وفتا 
وآخر كلامك لأواه مشابها 
وموارده مصادره موازنا 
فافعل واحرص أن تكون 


إبراهيم الإمام 
13 
ابن المقفع 

(ت . 134 ه) 


خالد بن صفوان 


(ت . 115 هم 


الخليل بن أحيك 


اوت . 175 مه 


245/1 


الرسالة العذراء 


ص 35 


ص 48 


111 


التعضمف: 


3 





كاذك توما بر إن ملررف 
وانظامك مستريبا وإن لططف 
بمواثاه آاتك لك وتصرف 
إرادتك معك . 





' 16 البلاغة ما قرب طرفاه وبعد 


منتهاه : 





17 - البلاغة كلمة تكشف عن البقية 





8 البلاغة لحة دالة 





9 - البلاغة أن يكون الإسم يحيط 
بمعناك » ويجلى عن مغزاك 
وتخرجه مسن الشركة ولا 
تستعين عليه بطو ل الفكرة 
ويكون سليما من التكلف 
بعيدا من سوء الصنعة بريا من 
التعقيد » غنيا عن التأمل : 





60 - إذا كان الإكثار أبلغ كان 
الإيجاز تقصيرا وإذا كان 
الإيجاز كافيا كان الإكثار عيًا 

1ت البلاغة أ يؤني السامع من 
سوء إفهام القائل ولا يؤتى 

2 - كل من أفهمك حاجته من غير 
إعادة ولا حيسة ولا استعانة 


112 





مصدكره 


العمدة 
245/1 


العمدة 242/1 


العمدة 
242/1 


الكامل 


202/2 


البيان والتبيين 


]1 5/1 





الممشين نسبتته مصذدره 

03 البليغ من طبق المفصل وأغناك | الأصمعيى البيان والتبيين 
عن المفسر . (ت . 213 ه) |106/1 

4 - البلاغة الإيجاز في غير عجز | رواية ابن 9 « ( 
والإطناب في غير خطل .2 |الأعرابى (231 ه)| 97/1 


عن المفضل الضبي 


عن أعرابي 
05 البلاغة التقرب من البغية ابن الاعرابي العمدة 
ودلالة قليل على كثير 246/1 
6 البلاغة : ركنها اللفظ وهو |لكندي 19 ( (م 


على ثلاثة أنواع فنوع لا (ت.252ه) 2471/1 
تعر فه العامة ولا تتكلم به » 

ونوع تعرفه وتتكلم به ونوع 

تعرفه ولا تتكلم به » وهو 

احدهماً. 





وواضح أن” عددا كبيرا من التصوص المشبتة ني هذا الجدول لا 
يحقّق شروط الحد” إن أخذناه ني المعنى المنطقي الاصطلاحي . لأنها إمنا 
أتت في عبارات غامضة لا تخلو من المجاز فلا تتضح حقيقة الشيء » وإما 
اسْتتطردت إلى جملة الخصائص الأسلوبية التي يجب أن تتوفر في النص 
فأصبحت بحثا في الوجوه البلاغية لا تعريفا . 

وعدم التقيد بضوابط التعريف وانحصار مفهومه عندهم في استعر اض 
الخصائص التي تحقق البتلاغة» سيكون السمة الغالبة على تعريف البلاغة في كل 
مراحلها ولن نجد صدى لأي محاولة تروم الوقوف على الحد الجامع المانع . 


113 


وجل التعر يفات تفع في في القرن ١١‏ ثاني والتصف الأول من الفرن الثالث 

وينتمى أصحابها إلى بيئات ثقافية م«ختلفة » فمنهم اللغوي كالخليل والأصمعي 
وابسن الأعبر ابي والمتكك م كعمرو بن عبيد و خالد بن صفوات » 
والكاتب كجعفر بن يحبى ؛ ومنهم الشاعر كالعتابي » والفيلسوف 
كالكندي . وهو ما 0 قولن إن" البلاغة نشأت عن روافد فكرية 
وأدبية متعددة » ويفسر الت ن الملاحظ بين مختلف هذه التعريفات وتعلق 
كل" طائفة » منها ء 0 دون آخرر» حتى وجدنا اللشخص الواحد 
تعريفين مختلفين ومثال ذلك علي ا طالب 2 » 3) (1) فهو في الأول 
أل لح على الوظيفة التعليمية ويتمسك بالناحية النفعية » فلم تخرج البلاغة عن 
معناها اللغوري (الإفصاح والإبانة) أ قُ العا اني فيشير إلى قضية من صميم 
خصائص اللغة ويعتمك قُ تعر يفه على إبراز طاقة من طاقاتها | الكامنة وهي 
الطاقة الإيحائية 


ومن أبرز ما يلذّفت الانتباه » فى هذا الجدول » أن الثرتيب التتاريني 
الذي اخترناه لا يعكس حتما تطورا في المفهوم ؛ فمن تعريفات الفترات 
المأخرة ما يعتمد لتقريب المفهوم على الصورة والتمثيل (قارن : 1 و 23) 
أو بعيد التعريف بصفة تكاد تكون حرفية (قارن : 2 و 8) (2) كما أننا 
نجد ني الفترات الأولى تعريفات أشمل من اللاحقة » وأدق" » وأحسن 
مثال لذلك تعريف ابن المقفع (11) . وهو نص ثري تبدو من خعلاله البلاغة 
بلاغات وأساليب وأشكال ويدور محور التعريف حول الخصائص التي 
تربط هذه العناصر الثلاثة مركزا على خاصيتين للقول هما الإيحاء والإيجاز . 


ولعل أكبر شهادة لهذا التعريف بالشمول والإحاطة جاءت في كتاب 
( الصناعتين ) للعسكري حيث انطاق منه » رغبة في التأليف بين مختلف 


(1) سستعمل هذه الطريقة للإشارة إلى رتبة التعريف » المشار إليه في الجدول . 
)2( طبعا » قد يكون مرد ذلك إلى اخشتلاف الر وايات و خلطها فى النسبدٌ » إلا أن هذا ا مو ضوع 
ع أهميته » ليس من مشمولات بحثنا من ناحية » كما أن عملية التجريح والتعديل هئ 


م 
لنت اهيية: 


114 


3 


الحدود » وقام بعمليتين متكامليين : تفسير مكونات الحد نفسه » أي حد 
ابن المقفع » ثم إدخال الحدود الأخرى في شق منه (1) . 

وسكن أن نوزع جملة التعريفات على ثلاثة أقسام بصرف النظر عن 
الفروق الجزئية بين تعريف وآخر 

قسم تنحصر فيه وظيفتها في مُودى الكلمة اللّغوي من إبانة 
وإقصاح وبيان ذاء وبرتبط موضوعها بالحكمة طريقا إلى زكاة النفس 
وتربيتها وتأديبها » مما يبارز الطابع النفعي المنتظر من كل" خطاب بليغ 
بعيدا عن كل" تصور فني وتاثير شعري : فلم يشر إلى خصائص النص وهيأته 
إلا" بعبارات عامة لا تفي بالحاجة ٠‏ ولا تنم" عن معرفة بهذه الأساليب » 
وقدرة على تبين خصائ صها الأسلوبية كقولهم « بأسهل عبارة » و ١‏ في لطف , 
(2 © 5 )626 8ع 0). 

قسم يركز على مقاصد البلاغة العقائدية ويوظفها لغايات جدلية 
إقناعية » فتسخّر للشيء ونقيضه ٠‏ تبعا الحاجات المتكلّم من خطابه » 
وهذا المفهوم يذكرنا بمقاصد الخطابة عند أقوام أخرى خاصة عند اليونان . 
ومن ألصق التعريفات بهذا النحو قول ابن المقفع «كشف ما غمض من الحق 
وتصوير الحق في صورة الباطل ) (12) وقد جمع في هذا التعريف بين 
وظيفتين » ترتبط الأولى « الكشف ) المي اللغوي الذي أشرنا إليه في الم 
الأول ٠‏ أما الثانية « التصوير ) فتشير إلى هيأة النص وشكله وإلى أن” 
عفرل في كل عملية بلاغية على الصياغة اللغوية » وقدرتها على الإيهام 
والتخييل إلى درجة الإقناع 0 الأحكام والجواهر وهي ثابتة . وقضية 
اتتصوير ستمثل محورا أساسيا في التفكير للدي وتفطن ابن المقفع إليها 
قِ هذا الوقت المبكر قد يحملنا على القول بأنه تأثر بما وجد في الثقافات 
الأخرى خاصة الفارسية واليونانية (7 » 12 © 13) . 


(1) انظر ص 60-20 , 


115 


أما القسم الثالث » وهو أوفرها » فمكرس لإبراز المقاييس الأساوبية في 
النص الأدبي في مستوى بنيته الكلية ٠‏ وما يجب أن يقوم بين أجزائه من 
تلاحم » وني مستوى مكوناته الأساسية أي الكلمة . 

وقد ضبطت خصائص اللفظ » في ذاته » بأن يكون سليما عن اتشكلف » 
بعيدا عن سوء الصنعة » بريا من التعقيد » وهي مقاييس انطباعية يتحقق بها 
الطنبع » وقرب المأخذ » بحيث ينطبع معناه في الذهن بمجرد ثلقيه » فلا يكون 
السامع ٠‏ ليفهم المراد » في حاجة إلى أن يطيل التأمل والتفكر (19) . 

أمّا ما يجب أن يقوم بينه وبين المعنى » فلقد أكدوا على ضرورة 
تطابقهما وتزامنهما بحيث يستدعي حضور المستصور في الذاهن اللفظ اللائق 
به » المؤدي له بضرب من الشفافية لا مجال لأن يشاركه غيره فيه (15 » 19) 

ويزداد الكلام رسوخا في البلاغة بتحويل هذا التعادل بين طرفي الدلالة 
إلى ضر ب من التناسب العكسى بينهما » قوامه قلّة اللفظ وكثرة المعنى » اعتماد"ا 
على قدرات اللغة الكامنة كطاقة الإشارة والإيحاء ؛ بحيث تخرج الد لالة 
من الإدراك اللمباشر إلى التتداعي فتتفجر المعاني تفجرا ويأخذ بعضها برقاب 
بعض . وهو مفهوم الإيجاز الذي أبرزته جملة من هذه الحدود بل إن 
منها من عراف البلاغة به دون غيره (3 » 11 » 16 » 17 2 18 »2 25) . 

وقد قالوا » في خصائص النص” عامئّة » بضرورة توازن أقسامه 
وتعادل أجئّزائه وقد عبروا عن ذلك بصيغ عامة لا تحيل على شيء مضبوط 
محسوس (15) هي من" نتائج معابشتهم للأدب والفن” فانطبع ذلك في 
نفوسهم فجاءت عبار نهم دالّة” على تلك الخبرة وإن عدمت الدقة والضبط . 

وقد أشاروا إلى ما يجب تجتبه وانحصر ذلك في اللفظ لا يضيف شيئا إلى 
المعنى » فيكون وروده إطنابا ولغوا » ومن مظاهر ذلك الإعادة والاضتمانة (1) (22) . 


اك يعرف «المبرد » الاستعانة تاثلا : « فهو أن يدخل فى الكلام ما لا حاجة بالمستمع إليه 
به نظما أو وزنا إن كان في كع او ا اهنا بماد كاد في كم 
منثور » الكامل » 19/1 . 


116 


كما أشاروا إلى ضرورة مراعاة الموضع والحال قينا بأن” خصائص 
الكلام ليست مطلقة وإنما تتغيير قيمتها تبعا للسياق الذي تتنزل فيه » لذلك 
رأينا الشيء ء عيبا في محل" وحسنا وفضيلة في سواه » بل إن" انعد ل معد 
خصائصه إلا من موضعه ومقامه (15 » 19) . 


ولعل” قمئة بلاغة النص” أن" يكتفي بذاته لا حاجة به إلى موجودات 
من خارجه تعين على فهمه واستكناه بواطنه بحيث لا تختلف عملية إدرا كه 
عن قراءته أو سماعه فتستغنى عن التأويل والتفسير وبذلك تنعدم الوظيفة التي 
تُطلق عليها » اليوم » الوظيفة « ما وراء لغوية » وهي التي يعود فيها الكلام 
على نفسه مبينا وموضحا (14 ؛ 19) . 


د 2 26 
ج - المسائل البلاغية المتعلقة بالتراكيب وامعاني : 


إن" القائمة هنا قد تطول طولا مفرطا » وتختلط فيها الوجوه ذات 
القينة الللقفلة الواليعة يداعو أقن” ننه حكنا :من قدي والتب أن كن 
عدول عن البنية النظرية المجردة من حقه أن مسقل في هذا الجانب » وإن 
لم نجد له وظيفة فنية محققة ؛ لذلك سنقتصر على القضايا التي تبلورت 
أكثر من غيرها واتفق الدارسون على دورها البلاغي . 

كما يجدر أن نشير إلى أن" المصدر الرئيسي الذي استقينا منه معلومائنا 
عن هذا الباب هو كتب اللغويين والتّحاة . ولا شك" أن" طبيعة العمل اللغوي 
ومنهجه ساعدا على بروز هذه المشاغل عندهم دون سواهم . 

وقد سبق أن أشرنا » في حديثنا عن المبادىء العامّة » إلى أنّهم درسوا 
باب « الحذف » بكثير من التفصيل » فاهتدوا من خلاله إلى جل" تلك المبادىء 
ووقفوا على وجوه بلاغية سمّوها تسميات عامئة ستشتخصص في زمن لاحق » 


117 


من ذلك أنهم أشاروا إلى ما سيعرف ب «التضمين» بالحذف (1) ء 


فللخليل » في الموضوع الأول » رأي مشهور يربط فيه خصائص الكلام 
المتناقضة بغايات متباينة » ويخرج التناقض على هذا الأساس ؛ ثم يربط 
النهج في القول بالغرض يقول : « وقال الخليل بن أحمد: يطول الكلام ويكثر 
ليفهم ولوحر ويختصر ليحفظط وتششحب الإطاللة عنك الإعذار 42 والإنذار 
والترهيب والترغيب » والإصلاح بين القبائل (......) وإلا فالقطع 
لم في بعض المواضع والطوال للمواقف المشهورات » (3) . 

كما نظروا في صور التكرار المختلفة : بإعادة اللّفظ والمعنى ٠»‏ وإعادة 
المعزق قد 2 وإعادة افر دون المعنى ؛ ودغم أنهم جوزوا بعضه وقبحوا 
بعضه الآخر » فيمكن أن نقول إنهم انتهوا « إلى أنه » في صورته العامة » غاية 
في القبح ويأحذ بهذا الرأي ابن رشيق حين يعتبر التكرار في اللفظ 
والمعنى جميعا هو الخذلان بعينه كسا اعتبره الحاتمى حشوا لا فائدة 
فيه) (4) . 


ويعتبر درسهم ( الاستفهام )» أدوات ومعاني ف و ارول المساتل 
الأسلوبية التى وصالتنا عن هذه الفترة » ويمكن أن نجزم أن القرون الطويلة 
اللأحقة لن تضيف شيئا ذا بال إلى ما وجدناه عنذ اللغويين خاصة فيما يتعلق 
بالمعاني : فذكروا إلى جانب المعنى الأصلي (5) جملة من المعاني يخرج فيها 
الاستفهام عن وظيفة الاستخبار ويتلون بغرض الكاتب والسياق فيكون 
00 انظر : معاني القرآن » 62-61 . 
(2) مجاز القرآن » 8/1 » 47 ء والكتاب 211/1 . 
(3) العمدة 186/1 , 
(4) انظر : عبد القادر حسين أثر النحاة في البحث البلاغي مطبعة نهضة مصر القاهرة . 1975 » 
ص 140 , 
(5) الكماب » 99/1 » 343 » 419/2 » 93/3 , 


118 


للتهي والتحذير (1) » والتعجب (2) » والإيجاب والتقرير (3) » والإنكار (4) 
والتمني (5) ٠‏ والتوبيخ (6) . 

كما اهتموا بدراسة طريقة العرب في استعمال لغتها كجمعها بين 
المختلف لفظًا والمتتفقٍ معنى (7) » وأمرها الواحد بما تأمر الإثنين (8) » 


وتحويلها الشيء ؛ وهي تريده إلى شيء من سببه (9) » وتأكيدها الي ء 3 
ولد فون اقم ع افيف رافق ره مويو وار د٠1‏ 


وإقامة المفعول به مقام الفاعل (11) وبالجملة كل تلك المسالك والطرق 
ف الأداء التى أطلق عليها 4 عبيدة لفظ ( ميج مجاز ) 34 و اججمع الكثير منها 


ف “مقلامة كتايد كها منيق أن أشونا:, 


وقد اهتدوا ع شخاصة سيبو له © قُ التقديم والتأخير )212 إلى معنى 
بلاغي هام أساسه عناية المتكلم بالمقدم والفنت الأكلر ‏ إلنه تعره المخاظبية ونا كيد 
الكلام . ولقد كان رأيهم هذا قاعدة نقاش طويل شَغل جل اللغويين 
(1) مجاز القرآن » 183/1 . 
(2) مجاز القرآن » 23/1 . 
(3) مجاز القرآن » 35/1 - 36 . 
(4) الكعاب » 419/2 . 
(5) المصدر السابق 307/2 . 
(6) المصدر السابق » 343/1 » ومعاني القرآن ٠‏ 23/1 » 54/3 . 
7) كقول عدي بن زيد [وافر] : 
وقدمت الأديم لز الهشس يه وألفى قولها كذباوهيئا 
فجمع بين الكذب والمين والمعنى وأحد » انظر تعليق 0 الفر أى 0 على هذا الِبنت معانى 
١ 3/1 3‏ 
(8) المصدر السابق » 78/3 . 
)9( كقوله تعالى ٠‏ « ومثل الذين كفروا كفل الذي يلعق بما لا يسمع ») وإنما الذي للحق 
الرأعي د المعنى إلى المنعوق به وهي الخنم مجاز القرآن 63/1 . 
(010) مثال ذلك 0 فصيام ثلائنة أيام في الحج و سيعة ة اذا ر جعكم تللك عشرة ة: كاملة 0 البق رة/196 
3 ورد د في مجاز 00 0/1 . 
0 5 5 
(12) الكعاب » 34/1 » كهء 7ي4ء 48 . 55 ء 56 »2 78 »ع معاني القرآن 147/3 . 








119 


شاه اس 


والبلاغيتين . فمنهم من أخذ برأيه جملة كالسكاكي » ومنهم من لم ترضه 
مام الرّضى ععبد القاهر الجرجاني » ومنهم من رفض أن يكون لهذا الباب 
أآصّل” في البلاغة واعتبره مواضعة ثانية تركبت على مواضعة أولى ثم أصبحت 
من كثرة الاستعمال قاعدة في اللغة وسمتا في الكلام ؛ وقد ذهب إلى ذلك 
كل من ص علي الفارسي وابن جني (1) . 

وبالإضافة إلى هذه القضايا المتبلورة » مفاهيم” ومصطلحات » نجد 
مجموعة أخرى أقلها تبلورا من جانب المصطلح أحيانا ومن جانب المفهوم 
أحيانا أخرى . فمن اللمفاهيم المتبلورة » رغم غياب المصطلح الممناسب » 
التوع الذي أطلق عليه الْمتأخمّرون المجاز العقلي أو المجاز الحكمي » 
فلقد اكتفوا بإدراجه ضمن مبد! التوسع والاختصار وضربوا له الأمثلة من 
القرآن والشعر ولغة العرب 2) . كذلك يمكن أن ندرج في هذا الباب 
مبحث ١‏ الفصل والوصل » . فلثن لم يذكر سيبويه هذا المصطلح فاختلف 
العلماء في تقييم ما جاء عنده هل هو من ذلك أم من القطع . فإن الفراء 
نعت رؤوس الآيات ١‏ بالفواصل » (3) و ١‏ تناول الّفصل والوصل » ونص 
على ذلك أكقر من مرّة » وقد أصبحت بعض الآيات القرآنية التي لاحظ 
آنا ناو هوة غلك ا الاتصال وأخرى على سبيل الانفصال تدور على 
الجن البلاغيين ) 4 . 


وي مؤلفات هذه الفترة ما يمكن أن يعتبر البذور السّحيقة لنظريّة 
« النظم ) فلقل اهتم اللغويون ٠:‏ في عداة مواطن ٠»‏ بقضية تأليث العبارة 
وعلقوا خصائصها المنطقية من ( استقامة ) و « استحالة ) بجملة العلاقات بين 


)1( انظر هذه المواقف بالتفصيل فى كتاب عبد القادر حسين ) المذ كور ص 50 وما بعدها 3 
(2) الكتاب ٠ 160/1 ٠‏ 161 ء. 174 » 176 ء 212 » معانى القرآن 14/1 » 15 ؛ 108 ٠‏ . 
١ . 363 2 73 » 72‏ 


(3) معاني القرآن 44/1 . 
(4) عبد القادر حسين » المرجع المذكور » ص 143 - 144 . 


1120 


وحدات السياق » ولمعنى الحاصل من تنزلها في محالها » ومجاورة بعضها 
للبعض الآخر ؛ ومن أبرز الأبواب في ذلك ما ورد في ( كتاب ) سيبويه 
تحت عنوان « باب الاستقامة من الكلام والإحالة » يقول : « فمنه مستقيم 
حسن ومحال » ومستقيم كذب »© ومستقيم قبيح » وما هو محال كذب . فأما 
المستقيم الحسن فقولك : أتيتك أمس وسآتيك غدا . وأمًا المحال فأن 
تقض أوّل كلامك بآخره فتقول ٠»‏ أتيتك غدا وسآتيك أمس ٠»‏ وأمنًا 
المُسْتقيم الكذب فقولك : حملت الجبل وشربت ماء البحر ونحوه . وأما 
المستقيم القبيح فأن تضع اللفظ في غير موضعه . نحو قولك : قد زيدا 
رأيت » وكي زيدا يأقيك ٠‏ وأشباه هذا وأما المحال الكذب نأن تقول : 
سوف أشرب ماء البحر أمس ») (1) . 

ورغم أن المقاييس في هذا الباب ليست متجانسة » ففيها النحوي 
المنطقي ٠‏ والجمالي الانطباعي » ولمنطقي ‏ الأخلاقي المتعلق بإمكانية 
تحقق الحكو أو عدم تحققه اعتبارا لعلاقة الموضوع والمحمول » فإنها تؤكد » 
تحقيقا لسلامة الكلام » على ألا" يتنافر مضمون عناصره في السياق الواحد » 
وأن' توضع في مواضعها اللائقة بها . وهي أسس ستفقوم عليها نظرية النظم 
وت تستقيم منهجا ومفهوما ومصطلحا . 

ومن مظاهر اهتمامهم بتأليف العبارة حديثهم المستفيض عن « حروف 
الجر ؛ مواضعتهأ وتعاواضها لحلول معنى بعضها في بعض «2) وخخروج الكلام 
من معنى إلى معنى إذا استعملنا مع نفس الفعل نفس الأداة بصيغتيين 
مختلفتين (3) 
00 الكتاب 0/1 -26 . 
(2) المصدر السابق » 398/1 » 399 » مجاز القرآن » 14/1 »2 229 . 
(3) مثال ذلك الفرق الذي أقامه سيبويه بين : قال إن وقال أن » الكتاب » 119/3 وما بعدها . 


121 


يضاف إلى ذلك جملة من القضايا التركيبية الأخرى التي نبرز أن” 
اهتمام النحاة الأوائل ال لا يقل عن اهتمامهم بمسائل الاعراب 
والإضمار (1) . 


2 26 
د الوجوه المتعلقة بدلالة الالفاظ : 


لم يقتصر جهد اللغويين والنحاة على رصد القضايا المتعلقة بالتراكيب » 
فك أشارى ا اتنا ذلك ٠‏ إلى مسائل تهم التوليد اللغوي وسبل الدلالة سواء 
ما قام منها على مبد| ١‏ المشابهة » كالتشبيه والاستعارة أو (الإرداف» 
كالكناية . 


وقد كانت مشاركتهم بمثابة اللبنة الأولى التى تركزت عليها مباحث 
القرون اللاحقة ني الموضوع فتبلورت واشتدت وتخلصت من الاشتراك 
والتداخحل . 


وأقدم ما وصلنا » 5 التشبيه » ما جاء قُ «كتاب ) سيبويه منسوبا إلى 
الخليل قارة وإ المؤلف تارة أخرى » وهو لا يعدو الإشارة العجلى إلى 
الأسلوب وبعض أدواته مجردا عن كل تعمق في وظيفته وأثره الفني ملتبسا 
بقضايا الإعراب 34 مع ما للاحظطل من تداخل قُ بعض المصطلحاثت 5 


فزيادة على ورود المصطلح بكثرة في ١‏ الكتاب » وني صيغ صرفية 
متنوعة (2) » واستعماله مرادفا للتمثيل (3) » ذكر المؤلف طريقتين من 
طرقه الرئيسية هما التشبيه بالأداة خاصة الكاف وكأن (4) » والتشبيه المعتمد 


(1) انظر على سبيل المثال حديث « سيبويه » عن الإخبار بالتكرة عن النكرة .» 54/1 وحديثه 
عن الفرق 0 أم وأ 2 3/ظظ1 0 

(2) انظر : الكقاب » 163 » 417 » 421 » 171/2 . 

)3( أتى 2 نفس المصدر » 69/1 قوله : ودوأنت إذا ذكرت الكاف تمثل »1 . 

(4) انظر إضافة إلى الصفحات السابقة » 151/3 . 


102 


على البدل )1( أو المصدر المنخصوب 2( 4 وأطلق على ذلك مصطلح )0 المشبه به( 
وهو يقصد طريقة التشبيه ووسيلته . 


وإن ارتباط حديثه عن التشبيه بقضايا إعثرابية بحت أوقع بعض 
الدارسين في الوهم فظنوا أنه تفطن إلى طرفيه الرئيسيين بل إلى ضرورة 
تفاوتهما » وقد استنتج بعضهم (3) ذلك من قول سيبويه : ١‏ وقد قال قوم من 
العرب ترضى عر إيتهم : هذا الرجل شبهوه بالحسن الوجه ؛ وإن كان ليس 
مثله في المعنى ولا في أحواله إلا" أنه اسم وقد يجر كما يجر وينصب أيضا 
كما ينصب (.....) وقد يشبهون الشيء بالشيء وليس مثله في جميع أحواله 


وسترى ذلك في كلامهم كثيرا ) 4 . 

وواضح أن مدار التشبيه ني هذا النص على العمل الإعرابي ولا علاقة 
له بقضية المجاز وإلا فتعقيب سيبويه لا معنى له لأن من أسس التشبيه ألا" 
ينطبق المشبه على المشبه به . 

وورود التشبيه في نطاق قضايا أعرابية شيء مألوف في الكتاب » ولعل” 
من أبرز السياقات تفنيداه رأي أستاذه الخليل ورميه بالإحالة والتناقض 
في تجويره رفع المشبه به : 

«وزعم الخليل رحجمةه الله ب أن يجوز أن يقول الرجل : هذا 
رجل أخو زيد » إذا أردت أن تشبهه بأخي زيد » وهذا قبيح ضعيف لا يجوز 
إل في مواضع الاضطرار » (5) . 








(1) يضرب لذلك مثلا قول الأخطل [متقارب] : 
وأنت مكانك من واكت سل مكان القراد من است الجمل 
المصدر السابق » 417/1 , 
(2) عقد لهذا بابا كاملا سماه : «هذا باب ما ينتصب فيه المصدر المشبه به على إضمار الفعل 
المتروك إظهاره » 355/1 . 
(3) أنظر : عبد القادر حسين » أثر النحاة فى البحث البلاغى » ص 115 وما بعدها » 
(4) الكعاب » 182/1 . 
(5) المصدر السابق » 361/1 . 


123 


وتتعتير امساهشة ابي عبيدة في مسألة التآشبيه » أهم ما وصلنا عن 
هذه الفترة رغم ما نلاحظ ٠»‏ في الدراسات اليوم ؛ من غين لحقه وتنويه بما 
قام به الفراء (1) على حسابه . والسّبب أنهم وقفوا نظرهم على مؤلفه 
«مجاز القرآن ) في حين أن" أهم" ما له » في الموضوع ورد في مؤلفه الأدبي 
الخطير ١‏ النقائض بين جرير والفرزدق») (2) . ورغم خلو هذا الكتاب من 
دراسة نظرية لقضية التشبيه إذ منهجه الأدبي اللغوي التطبيقي لا يسمح بذلك 
فإنه احتوى على مجموعة من الإشارات الهامة تكون » منى جمعت »ع 
التواةة الأولى لهذا المبحث . 


فحديثه عن طرني التشبيه ووجه الشبه واضح جلي في عدة مواطن (3) 
وكثيرا ما يتجاوز هذه الأطراف ويعلق على المعنى الذي أراده الشاعر من هذا 
الوجه أي الوقوف على المعنى الكامن وراء التشبيه » ففي تعليقه على بيت 
البعيث (طويل) 
فألقى عنصا طلّح وتعئلاً كأنّها ‏ جِنَاحَ سُمانى صَدارها قد تخذاما 
يقرل : «يريد أنه راع وأن” سلاحتّه عصا + وشبه نعله بجناح سمانى في 
دقتها وصغرها . يقول إنّه غير تام الخلق » (4) 


)1( انظر مثلا + أحمد زي الأنصاري أبو زكرياء الفراء ومذهيه في النحو واللغة » ط المجلس 
الأعلى لرعاية الكداب والفنون » القاهرة » (د. ت) فقّد أكد أكثر من مرة (ص 277 » 
2) أن الفراء « أول من تفهم التشبيه بمعناه البلاغي و أنه كان أسبق من الجاحظ » . 
فبعد استعراضه لنماذج من تفسير « الفراء » فيها إشارة إلى المشبه والمشبه به ووجه الشبه 
ر اعتبر أن هذه المحاولة في ف النشبيه جديدة وخطوة متقدمة عن فهم أبي عبيدة له وهو 
الذي عم يشر إلى التشبيه غير إشارات عابرة باعتباره مجاز! ولم يفصل فيه تفصيل الفراء عن 
فهم ودراية ». 


(2). طبع بمطابع بريل بمديئة ليدن سنة 1905 في ثلاثة أجزاء وهى الطبعة التي ذحيل عليها. وطبعه 
الصاوي سنة 1935 في جزئين . . ١‏ 


(3) انظر مثلا 45/1 » 55 » 60. 
(4) انظر : 45/1 . نحن نسطر . 


124 


وقد تعرض أيضا إلى ما سيعرف » فيما بعد » بالتشبيه المقيد بالصفة 
أو تشبيه التمثيل الذي يقوم على التقريب بين صورتين » فبالإضافة إلى السياق 
الذي استخر جناه من «مجاز القرآن) (1) وهو لا يدع مجالا للشك قُ تبلور 
التمثيل عند أبى عبيدة مفهوما ومصطلحا نجد سياقات أخرى تؤكد ذلك » 
فقد علق على بيت الفرزدق (كامل) : 
يمْشون في حدق الحتديد كما مشت جترْب الجمال بها الكتحيئل المشعل 
بقوله : « الكحيل القطران » وحلق الحديد الدروع » شبه الرجال لعظمهم 
ولون الحديد عليهم بالجمال المهنوة بالقطران » (2) . 

والحاصل أن" دراسة التشبيه في هذه الفترة تعد متطورة نسبيا فلقد 
وقعت الإشارة إلى عناصر التشبيه الأساسية : المشبه والمشبه به ووجه الشبه 
وإن لم يعلقوا كل مفهوم بالمصطلح المناسب: له » كما أشاروا إلى أهم طرقه 
كالتشبيه بالأداة » والمصدر المنصوب » وفرقوا بين نوعيه : التشبيه البسيط 
وتشبيه التمثيل » واهتموا » في درجة أقل" » بالمعنى الحاصل منه إلا" أن ذلك 
لم يرد في نطاق بحث منظم ودرس مستقل يتعمق القضايا ويحللها باحثا عن 
الأبعاد الفنية التى تتضمنها هذه الطريقة في الأداء . 

ولا غرابة أن يكون التشبيه من أكثر الصور الفنية حنّظوة لدى المتقدمين 
بالشعر من مقاييس الجودة الرئيسية » ولم يكن الشعراء أنفسهم يشذون عن 
هذا فقد «قيل لبشار : بم فقت أهل عمرك وسبقت أبناء عصرك في حسن 
معاني الشعر وتهذيب ألفاظه ؛ قال : لأني لم أقبل كل" ما تورده على قريحتي 
ويناجيني به طبعي ويبعثه فكري ونظرت إلى مغارس الفطن ومعادن الحقائق 
ولظائش” اللقيني ات فس نك إلبهاء فكو الب ون 

ا د 

1( انظر كن 53 1 
(2) المصدر السابق » 183/1 » وانظر أيضا » 55/1 . 
(3) انظر : العمدة » 239/2 . 


125 


ومن المباحث التي تقوم على علاقة الشبه ونجد له صدى في مؤلفات 
هذه الفترة (١‏ الاستعارة ) إلا أنها أقل” تبلورا من التشبيه . 

فلم نعثر فيما اطلعنا عليه على المصطلح بهذه الصيغة المصدرية المسحولة » 
بينما اطرد استعمال الصيغة الفعلية المزيدة « استعار ) وصيغة اسم المفعول المشتقة 
منها « مستعار ) 


فقد ذكر ابن رشيق أن أبا عمرو بن العلاء كان معجبا ببيت ذي 
الرمة (طويل) 
أقامت به حتتى ذوى العود والتوى ١‏ وساق الثرينًا في ملائته الجر 
حتى إنّه كان «لا يرى أن لأحد مثل هذه العبارة ويقول : ألا ترى كيف 
صير له ملاءة ولا ملاءة له » وإنما استعار له هذه اللفظة ؟ ) (1) . 

00 عبيدة المصطلحين جميعا »© ففي تعليقه على بيت 
الفرزدق (كامل) 
لا قوم أكرم من' تميم إذ غدات 

قوذ لتقي لير اميسال 

ذهب إلى أن" « عوذ النساء هن اللاني معهن أولادهن » والأصل في عوذ في 
الإبل التى معها أولادها فنقلته العرب إلى النساء وهذا من المستعار » وقد 
تفعل 9 ذلك كثيرا) . 

وقد عقب على قول جرير (كامل) : 
والّؤم قدا خطم البعيث وأرزمت أم الفرزدق عند شر وار 
بقوله : «أرزمت يعني حدّت وهو حنين الثاقة واستعاره من الناقة فصيره 
لأم” الفرزدق وقد يفعل العرب ذلك كثيرا» (2) . 


(1) العمدة » 269/1 . 
(2) انظر : النقائص بين جرير والفرزدق » 275/1 » 334 » وانظر أيضا 579/2 . 





126 


وعلى أهمية ما أشير إليه » في هذه النصوص من ذكر للأصل » وهو 
أصل الوضع في اللغة أو مألوف الاستعمال » وإشارة إلى العملية المعنوية 
الحاصلة وهي ( النقل ) كما ستوجب منقولا عله ومنقولا إليه ؛ يبقى معنى 
الاستعارة قريبا من المعنى اللغوي بعيدا عن كل تصور نظري للكيفيات التي 
تتركب حسبها هذه الصورة ومختلف المراحل والتحولات التي تفصل المعنى 
الأصلي عن المجاز . كما لم يتفطن إلى صلتها بالتشبيه ولم توضح وظيفتها الفنية 
والأدبية ؛ وكل ما ني الأمر أنهم أقروها مجازا من مجازات العرب وطريقة 
من طرائقهم في الاستعمال . 

إلا أننا نجد في مؤلفات هذه الفترة كثيرا من السياقات القرآ نية والآديية ؛ 
يدل" تحليلهم لها وتخريجهم اسائلها على أن" الاستعارة » كمتصور لم تكن 
غريبة عن أصحابها وقد أدرجوها ضمن اصطلاحات عامة هى المجاز تارة 
والاقساع ثارة أخرى (1) . ولكثرة تلك المواطن » عند الراه على وجه 
الخصوص رأى بعض الدارسين أن حديثه عن الاستعارة يعتبر طفرة كبيرة 
وقفزة رائعة للوصول بها إلى غايتها التي تعرفها اليوم وأنه تفطن إلى قيامها على 
التدشبيه وفهم معنى القرينة وانتبه إلى نوع منها دقيق هو الاستعارة التتهكميّة) (2) . 

لذت أن” المتقبست في السياقات المذكورة ينتهى إلى أن" الفراء زيادة 
على أنه ١‏ ينص على المصطلح ٠‏ لا يتجاوز » في 1 »؛ الانتباه إلى « النقل ) 
و «المجاز» (3) وهو كغيره يحمل الوجه ٠‏ عندما يعجز عن التخريج على 
أمناليت العرب 

لهذه الأسباب نميل إلى القول بأن الاستعارة » رغم أهمية ما ورد 
عنهم في هذا الباب » لم تتبلور كصورة فنية صياغة ووظيفةً إلا" في وقت متأخر. 

36 6 
(1) انظر الكتاب » 1/ . مجاز القرآ ن » 186/1 6 229 ٠‏ 231 6 163/2 . 
(2) عبد القادر _حسين » الكتاب المذكور » ص 155 . 
(3) معاني القسر أن 156/2 
127 


أممّا الكناية فقد توائر استعمالها في معان شتى يمكن حصرها في 
المحاور الانية : 

فهم ستعملونها في المعنى اللغوي الصرف ومؤداه ١‏ الصيانة ) 
و «الإخفاء» ويبرز ذلك بجلاء في نص للفراء فيه إشارة إلى صيغتها 
الفعلية المستعملة ومدلولها » يقول :(......) للعرب ني أكننت الشيء إذا 
سترته لغتان : كننته و أكننته » قال وأنشدوني قول الشاعر : (وافر) : 
ثلاث في شلاآث قنداميات 0 اللا تي ' كان “مين الصقييع 
وبعضهم يرويه تكن من أكننت وأمًا قوله « لؤلؤ مكنون » (1) و « بيض 
مكنون ) (2) فكأنه مذهب للشي ء يصان » وإحداهما قريبة من الأخرى ») (3) 


كما ورد استعمالها بكثرة بمعنى « الضمير ) في المفهوم النحوي أي 
كل ما نستعيض به عن الاسم الظاهر وهذا المعنى الاصطلاحي الضيق قريب 
من المعنى اللغوي يشترك معه في مفهوم ١‏ الإخفاء) (4) . 

واستعملت بمعنى الدليل أو العلامة وما نشير به إلى الشيء وني هذا 
المحور تندرج « الكنية » كما أننا نقترب كثيرا من المعنى ال د 
حدرلة لشاف داله بونةر لله علحة عل يعاق أس عزر فاته انه في النص 
إلا أته رديفه وله به علقة (5) . 

أخيرا نجدها مستعملة في المعنى البلاغي الاصطلاحي بالإشارة إلى 

الأسلوب ع ورد دون اوررق طن راق عد اعطق و و انه 
شيء استقر بعد وتوائر بحيث لم ير المؤلفون أنفسهم مضطرين إلى ضبطه 








(01) الصافات / 49 . 
© الطور / 24 . 
(3) معاني القرآن » 152/1 - 153 . 


2( المصدر السابق » 19/1 » 50 » 127/3 » 142 » ومجاز القترآن » 15/1 »2 72 » 174 » 
6 © 2368 


(5) مجاز القرآن » 24/1 . 


1238 


وتحديده . والآيات القرآ نية التي أشاروا إلى وجه الكناية فيها ستصبح 
شواهد هذا الأسلوب القارة في المؤافات المتأخرة . 

كما ستحدد انطلاقا من هذه الفترة إحدى وظائفها الأساسية وإن لم 
عسوا عق ذللةه دغر الحة' 0 وض" الراغية. غن" الللل" الشفيين: و الفحدن 
فير تبط استعمالها أساسا يعد أعلاق كن الامتسياء عن المتري ينا لا ته 
المواضعات الاجتماعية (1) 


6 23 3 


بالإضافة إلى هذه الوجوه البلاغية الأساسية نقلت الكتب المتأخرة عن 
علماء هذه الفترة بعض الحدود مما صنفوه في باب البديع . فقد انطلق 
عبد الله ابن المعتز (296 ه) في تعريف المطابقة من موقف الخليل وبالاعتماد 
عليه وعلى الأصمعي عرف ما أطلق عليه التجنيس 2) . 

كما قام نقاش حاد بين بلاغي القرون المتأخرة شمل قضية المتلاءم والمتنافر 
في نطاق بنية الكلمة » انطلاقا من رأي الخليل القائل بأن" التتلاؤم وسط بين 
طرفين هما البعد الشديد أو القرب الشديد في مخارج الحروف (3) . 


(1) معاني القرآن » 143/1 . مجاز القرآن » 73/1 ». 155 


(2) انظر كتاب البديع » نشر كراتشكوفسكي » لندن » 1935 » ص 25 » 26 . 
يذهب ابن رشيق » العمدة 331/1 ٠‏ إلى غير هذا الرأي : « ول تكن القدماء تعرف هذا 
اللقب - أعني التجنيس - يدلك على ذلك ما حكي عن رؤبة ابن العجاج وأبيه وذلك أنه قال له 
يوما : أنا أشعر منك » قال كيف تكون أشعر منى أنا علمتك عطف الرجز ؟ قال : 
وما عطف الرجز ؟ قال : عاصم يا عاصم لو اعتصم . قال يا أبت أنا شاعر ابن شاعر 
وأنت شاعر بن معجم » فغلبه » فأنت ترى كيف سماه عطفا ولم يسمه تجانسا اللهم إلا 
أن يذهب بالعطف إلى معنى الالتفات فتعم » . 


)3( انظر في ذلك 3 ملاحق محمد خلف الله اعد زغلول سلام بتحقيقها ال موسوم بر ثلاث 
رسائل في إعجاز القرآن » دار المعارف » ط 3 » 1976 ص 181- 186 . 


129 


حاولنا » طيلة هذا القسم الأول » أن نتبيئن أهم" العوامل التي هيأت 
المناخ الملائم لنشأة التفكر البلاغي وحرصنا على الإحاطة » قدر الإمكان » 
بمختلف مظاهر ذلك التفكير مما احتفظت به كتب التراث عن هذا الطور 
الأول الغامض . 

وقد هدانا البحث إلى النتائج التالية : 

1) أن العوامل التي ساهمت بصورة مباشرة وفعتالة في بروز هذا المشغل 
عوامل داخلية » شديدة الاتصال ببنية المجتمع العربي وما طرأ عليها من 
تحولات ثقافية وعقائدية وسياسية نتيجة حوادث كبرى جدات في تاريخ هذا 
المجتمع ؛ بأني في طليعتها نزول القرآن . 

ولئن حملتنا أسباب منهجية » وأخرى تاريخية » على إدراج الحديث 
عن التأثير الأجنبي في هذا النطاق فإن الباحث يكاد يجزم بأنه لا أثر ثابت 
لذلك في هذه الفترة » على الأقل' ؛ ولا يكفى ما قد أثير حول صلة عبد الله 
بن المتفع :بالقرات الأجيني وسعرفة :روس العترلة/بطززق التعدل. عند اليوفات» 
حجة لإثبات التأثير . 

2 أن" ( الحدث » القرآ ني وحركة جمع اللغة وتقعيدها أكثر العوامل 
التصاقا بهذه النشأة ونتيجة لذلك امتاز نشاط بيثتين ثقافيتين في تاريخ البلاغة : 
بيثة اللغويين والنحاة » وبيئة المتكلمين خاصة المعتزلة . 0 


131 


3) كان من نتائج انصباب البحث البلاغي على القرآن والشعر أن اتجهت 
البلاغة والخطابة عند العرب وجهة تختلف تماما عما هي عليه عند أقوام آخرين 
كاليونان أو الرومان ٠‏ فلم توظف أساسا للإقناع » بل“ لدراسة خصائص 
الكلام الأدبي ومن هنا جاء التحامها بالنقد . لذلك أ ال ل اي 

ثنائية « اللخطابة ») و١‏ الشعر ) كما هو الشأن عند أرسطو مثلا . ولن ستغل 
البلاغيون والنقاد من مجهودات الفلاسفة العرب في التعريف بخطابة اليونان 
إلا القسم المتعلق بخصائص العبارة الخطابية وبعض الاعتبارات العامة عن هيأة 
الخطيب أو المتكلم 

4) رغم انعدام الوثائق المباشرة المخصصة للبلاغة اجتمعت لنا مادة 
غزيرة نسبيا » موزعة على عدة جوانب بلاغية » منها ما هو من قبيل المبادىء 
العامة » ومنها ما أدرجناه ضمن مباحث الشركيب » وقسم ثالث يتصل 
بالتغيبرات المعنوية التي تطرأ على الكلمة . وأبرر البحث في هذه الأقسام المختلفة 
أن" مباحث التركيب أكثرها تطورا بل إن منها ما اكتمل » وحد دت معالمه 
بصفة نكاد تكون نهائية ؛ كقضية معاني الاستفهام مثلا . 

وعلى عكس ذلك جاءت بقية الجوانب « جنينية) » قل أن نقف منها 
على أمور متبلورة في دراسة نظرية مضبوطة في حدودها ومصطلحاتها . 

فما عدا تعريفات البلاغة التي أثبتناها » وهي أقرب إلى الوصف منها إلى 
الحد” , لم نعثر ولو مرّة واحدة على تفكير مجرد ني ظاهرة من الظواهر » أو 
محاولة لتحديدها رغم أن” در استهم لبعض الصور متطورة كالتشبيه مثلا . 

وقد يعزى ذلك إلى نوع المصادر التي اعتمدناها ومنهجها : فهي إما 
لغوية نظرية ليست غايتها البلاغة أو لغوية تطبيقية همّها توضيح الى :و تقسير 
المقال فتكتفي بالإشارة إلى اجون لق ار قر 

ولا تنحصر الإشارات البلاغية بي المصادر التى تتخذ من النص اللغوي 
متاو سنها انا كبري تعدة مار 1 الا سيد بال« لكام عل 


1032 


الكلام ) . فرأينا الشعراء يشاركون في تحديد معالم الجودة الأدبية في أبيات 
عن شجرهم متفرقة » أشرنا إلى بعضها ونضيف هذا النموذج نلفت به النظر 
إلى أهمية هذا المصدر في وؤاسة الباؤغة + قلقنك أننثت ت النويري في « باب 
البلاغة » لحسان بن ثابت الانصاري هذين البيتين في قدرة عبد الله بن 
عباس الأدبية : (طويل) 

إذا قال ل ضوك متجالة قائل 


ا 


بملتقطلات لاا ترى بينها فضلا 


كقتى وشقتى ما في التفُوس ا 
لذي إربة, في القول جدا ولا هسَزلا (1) 
5 ثم إنّه لا يسعنا هنا إلا أن نعبر عن أمر غريب الشأن لم نهمد إلى 
تفسيره (2) : 
إن" هناك عدم تناسب بين التطور الزمني وتبلور المادة . فالناظر في جملة 
تعريفات البلاغة التي أثبتناها » يلاحظ أن" اكتمالها » وتعقدها » وتمكنها 
في البحث البلاغي ليس رهين موقع ساعيها عل عور لعن عضن لكأن" 
البيئات الثقافية التى أفرزتها منغلقة على نفسها تعيش في بؤرات منفصلة ؛ إذ 
لم نجد ة ف انان القوون عن الإشارة اللغوية إلى الجذر بلغ - عند 
أبي عبيدة ‏ ما ينم" عم ال د لصحن مقابيس قي 
جودة الكلام . 
وتزداد الغرابة عندما يتعلق الأمر بنفس البيئة » فلقد وقفنا على عدة 
تعريفات للخليل بن أحمد وتعريف للأصمعي ولكن لا أثر لذلك ني 





2 انظر : نهاية الارب في فنون الآدب » نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب ٠»‏ الموسسة 
الع العامة للتألف والترجمة والطباعة والنشر » القاهرة (د. ت) 10/7 . 


)2( فكر كا فى قضية التدوير ن والكتابة وصعوية انتقال الفكر بسهولة » وهو تفسير يبدو 
صقر ل وا ل هله لق ما شق اناه فق أيز الصحبة والتلمذة وهي تقوم على الأخذ 
المباثر 7 : شأن 0 الخليل ) ور سييو له ) مثلا . 


133 


« الكتاب » أو «مجاز القرآن») أو ( معانى القرآن ») ولا نعتقد أن اهتمامات 
هذه الكتب تمنع أصحابها من إيجاد السياق المناسب لإبرازها أو الإشارة إليها . 

وبالجملة فالنشاط البلاغي في هذه الفترة » على أهميته يبدو مشتتا : 
جزئيا لا ينثق » 2 الأغلب 2 عن تفكير مطرد في جمالية النص الأدبى 2 
إلا أنه مادة نخام أساسية تنتظر من دجمعها » ويؤلف بين أشتاتها » وستغلها 
في إقامة معالم نظرية أدبية وجمالية عامة . ذلك هو »ء في نظرنا » دور الطور 
الموالي الذي يتربع الجاحظ » بمفرده على عرشه . 


134 


2 لأسب بمحاطى 


انق فنا 


1 خصائص المادة البلافية فى مؤلفاته 


إن” موقف المهتمين ارات البلاغي والنقدي مسن الجاحظ عجيب 


الشأن» فهم يجمعون» إذ يقَرون بشهادة القدماء له بالسبق والتفوق» على أنّه 
منشىء البلاغة العربية (1) وأول من أرساها عل قواهدها الأساسية و0 


معتبرين أن ما : م له منها لم يتوفر لأحد قبله (3) » ومع ذلك لا نكاد نظفر 
بمولف ستقل 0 د هذا الجانب من نشاط الرجل (4) على كثرة 


)0 019 انظر : الأب فيكتور شلحت اليسوعي : النزعة الكلامية في أسلوب الجاحظ » سلسلة 
مكتبة الدن اسان الأدبية عدد 36 » دار المعارف بمصر» القأهرة 4 »2 ص 41 . 
شوقي ضيف : البلاغة تطور وتاريخ »ء ص 58-57 ., 

(2) أنظر : ميشال عاصي : مفاهيم الجمالة والنقد ذ 56 الجاحظ » ص 9, 

(3) انظر : مازن المبارك لوجر في ناريت ابل دار انكر اناك لفو كا 
(د. ت.) ص 53 . 

(4) وقفنا ونحن نعد هذا البحث » على فصلين المستشرقة 135:88 وعاومعطاءه8- عامط رداك 
هما : 


ك8 رقطة011 علتطقعه10 جنا رمتممطة”| جدى عتطمن-له '0 كعممقدامه كعه8.2 (1 
أه'ك :1م [1وعع تنم 4[ تماعى ءأناى نال كتترع 0711١‏ 1.65 (2 
0 » 1973 »© ص 5- 46 , 
قد أشاررت المؤلفة إلى أنهما فصلان من أطروحة دكتورا بعدوان : 
1ت ]نرا3 ]ا أء علاب 11161071 14[ الاى 2 1:[ه 81-0 0 015 021:11 1.65 
وم نتمكن من الحصول على هذه الأطروحة » بل إننا لسئا ندري إن كانت نوقشت وطبعت . 
ويبدو من خلال الفصلين » أنها شديدة الاهتمام بجمع الع ومن ذات الغرض الواحد » 
وبالتقريب بين مضامينها بغية الوقوف على رأي الجاحظ في قضية أدبية ما 6 أو مدى تبلور 
صورة بلاغية لديه ©» وهو عمل طيب في حد ذاته يمد الباحث بأداة عمل ناجعة » إلا أننا 
م نلاحظ في حدود ما قرأنا » أي محا ولة التأليف بين مختلف تلك النصوص وصوغها في 
نظرية أدبية متكاملة 
كا وقفنا على دراسة ميشال عاصي المذكورة » وهي محاولة » كا يدل العد وان »> 
لإقامة ر معجم مفهومي » لأهم ما ورذ في مؤلفات الجاحظ متعلقا بالبلاغة والنقد 0 الجمالية 
والنقد كا سماها المولف . 
ولعل ميزة العمل الكبري الإشارة إلى أهم النصوص المتعلقة بالموضوع المبعثرة 
عن ن الؤلقات . إل أله كالسل المايق. ل يرق إل بناء موحد مممامك يحضي كل 
المادة الضخمة ويسيطر عليها وإن حاول ذلك أحيانا : انظر القسم المتعلق ,ر بالنطق وآفاته » 
ص 53 - 81 والقسم المتعلق « بالشعر » ص 150-116 . 


153 


ما صف في قضايا البلاغة والتعريف برجالها » وهي كتب قل أن تخلو من 
00 والإشارة إلى آرائه ومؤاماته : 


26 3 


ويمكن أن ترد هذه الر غبة عن مواجهة تفكيره في ٠‏ ا مو ضوع مواجهة 
شاملة إلى جملة من الاعتبارات منها ما يتصل بطبيعة آثار الجاحظ حملة » وما 
خلعته عليها المرحلة التاريخية التي تتنزل فيها من خصائص » ومنها ما يتعلق 
بمتزلة التفكير البلاغي نفسه بي تلك الاثار والصورة التي برزت فيها «ساهمته 
في بلورة مسائله . 
د عد كد 


عاش الجاحظ (150ه/159 ؟ ‏ 255ه) فترة عرفت عددا من التحولات 
والمنعر جات الحاسمة في ا الحضارة العربية الإسلامية . وفي ما كتب الرجل 
شياذة عن يكن أن مت أعيق :ترف التعولات بواهعها : إنه الوعي الحاد” 
بضرورة أن تقوم الكتابة والكتاب بديلا حضاريا عن اللفظ (1) والذاكرة . 


فقد احتل” التنويه بالكتاب وإبراز فضله على المشافهة قسما هاما من 
مؤلفه الموسوم د الحبوان » (2) تنضاف إليه بعض الإشارات الواردة في 
مؤلفاته الأخرى (3) . 

ولا مجال : هنا » لاستعراض ما جاء في تلك المواطن من آراء » على 
أعتفيا ف ذانهنا ؛ ونكتفي منها بما يخدم غرضنا ويسمح بتفسير بعسيض 
خصائص مؤلفاته تفسيرا ستند إلى دليل . 

فمن آرائه البارزة » في هذا الصدد ء اعتياره « اللفظ ) » ونموذجه 
الأسمى الشعر (4) » وكل الوسائل التي تطلّبتها ممارسته كسلوك ثقافي . 


00 نستعمله هنا فى المعنى اللغوي الأصلي حيث يعتمد الفعل اللغوي على جهاز التصويت . 
(2) انظر : 38/1 -82 , 

(3) انظر مثلا : البيان والتبيين »79/5 - 80 . 

(4) الحيوان 82-79/1. 





138 


طريقة” غير ناجعة لصيانة الثقافة وتخليد الماثر لما يصيب الذاكرة من 1 فات 
النسيان فيبطل أكثر العلم » ولما بعرض للنصوص من تحريف وتبديل . 

« وقد قال ذو الرمة لعيسى بن عمر : اكتب شعري » فالكتاب أحب 
إلي من الحفظ . لأن الأعرابي ينسى الكلمة وقد سهر ني طلبها ليلته » فيضع 
قُُ موضعها كلمة في وزلها » ثم ينشدها الناس » والكتاب لا ينسى ولا يبدل 
كلاما بكلام ) (1). 

«ولولا الكتب المدونة والأخبار المخلّدة (.....) لبطل أكثر العلم . 
ولقلب سلطا النسيان سلطان الذاكر ٠‏ ولما كان للناس مسمزع إلى موضع 
استذ كار » (2) . 

والكتاب » بالإضافة إلى ذلك » يمتاز على النقل والرواية والشعر بسهولة 
رواجه وانتشاره « لرخص ثمنه ومكان وجوده) (3) مما يجعله أداة ثقافية 
صالحة لا تتطّب الاستفادة” منها ضرورة تواجد المتكلم والسامع في المكان 
والزمان إبان عملية التتواصل اللغوي والثقافي كما هو الشأن ني ١‏ اللفظ » . 
مما يكسبه قدرة على الامتداد الزمني ليست لسواه : « والكتاب يقرأ بكل” 
مكان ويدرس ني كل زمان واللسان لا يعدو سامعه ولا يتجاوزه إلى 
غيره) 49). 

ولم يتخلف الجاحظ عن التنبيه إلى أن" المقابلة بين ١‏ اللفظ » و« الكتابة ؛ 
ليست مسألة شكلية تتعلّق بتفضيل وسيلة على أخرى » بل إن" الأمر أعمق 
من ذلك إذ ينبىء بتحول في مفهوم الثقافة ذاتها : من ثقافة عشائرية لا يعدو 
تفعيا أهلها » لا حاميّ لها إلا" ثقة رواتها ونقلتها » وهذا الحاجز رقي لا 








(1) الحيوان 41/1 . 

(2) نفس المصدر 471/1 . 
(3) نفس المصدر 42/1 . 
(4) البيان والتبيين » 80/1 . 


1039 


يصمد دائما أمام الترعات والنزوات لذلك فهي معر ضِه للإغارة والسطو 
والوضع والتهافت » إلى ثقافة ملائمة المجتمع ١‏ المدني ) اليجديد رم على 
مركزية السلطة والثفوذ؛ الساعي إل نشر نمط ثقالي موحد يبن شتات 


« قالوا عن أنفع لأهلها من لشعر المقفتى 4 قال 
الآخر : إذا كان الآمر ل ا 0 
شيئا هذه بقينته وفتضلته وستوره وصبابته » وهذا مظهر ل 
وثبات قوته على ذلك الفساد وتداول النتقص » حري الحطيمع- وحقيق 
بالتفضيل على البيان » والقديم على شعز إن هو حول تهافت » ونفعه 


مقصور على أهله » وهو يعد ' من الأدب الملقصور . وليس بالمبسوط ومن 
المنافع الاصطلاحية وليست بحقيقة بينة)» (1) . 





(69 (1) الحيوان » 9 - 80 ., وقد سطرثا ما رأيئاه يدعم تحليلنا » ونشير فى هذا 0 9 
صعوبة ثبين ما يعنى تعن حاط وو « المبسوط والمقصور » الذي ا 
(انفار مثلا اي إن 1 . والثابت لدينا أن من معاني المبسوط عنده الشيء اريت 
الطائر فين القاس 4 بحيث لا يجدون صعوبة في فهمه وثمثله » وقد جاء ذلك صريحا في 
الحيوان » 9/1 -90: . . ويحتاج من اللفظ إلى مقدار يرد تفع به عن ألفاظ السفلة 
والحشو » ويحطه من غريب ا وو حشي الكلام » وليس له أن يهذبه جدأا)» 
وينقحه ورصفيه ويروقه » حتى لا ينطق إلا يلب اللب و باللفظ الذي قد حذف فضوله 
وأسقط زوائده حتى عاد خااصا لا شوب فيه © فإله إن فعل ذلك » لم يفهم عنه إلا بأن 
يجدد لهم إفهاما عر ازا و تكر اذا 4 لأت الافن كلهم قلا عردو المبسوط من الكلام » 
وصارت أفهامهم لا تزيد على عاداتهم » . والجديارز بالذ كر أن إحننان عبئاسن أشار فى 
كتابه : تاريخ النقد الآدبي عند العرب ص 102 --104 إلى مواطن الغموض في هذا 
النص مؤيدا مآ ذهب إليه داود سلوم في مؤلفه النقد المنهجي عند الجاحظ » بغداد » 1950 
ص 34 -- 35 إذ يفسر الأدب ا يأنه الأدب الذي يبغى منه المتعة والجمال « اعتيارا 
بما قاله أرسطا طاليس في وظيقة الماساة م. وريرى إحسان ا أن ذلك مرتبط بتر ثيب 
العاو عند أرسطا طاليس جملة إذ بذلك نفهم الفرق بين ا الاصطلاحية « والحقيقة 
البينة » . فالعلوم النظرية وألعلوم العلمية وقسم الصناعات من العلوم الانتاجية وأضح 
المنفعة . أما الخطابة وخاصة الشعر فقّد صرف المعلم الأول حهدا كبيرا في تبيين منفعتهما 
عن طريق الاقناع ولتطهير ء إلا أنه التهى إل أنهدا لا يتحملاث التجرية اران ,ود 
0 الرأي من وجاهة فإندنا نميسل إلى اعتبسار القصر والبسط عند الحاحظط 
مر تبطين بمفهوم المساحة والامتداد . 
كا يذهب المؤلف في نفس الموضع إلى أن هذا النص لا يعبر عن موقف الماحظ وإنما هو 
استعر أض لحدل قا بين القائمين على ترجمة التراث الأجنبي وال تعصبين للشعر 6 و لححلة 
لذاك أعسماد صاحب ب« الحيوان 0 على الشعر في تخريج مسائل علمية . 
نعم إن النص كا درف 'الكتابا عرض ور ارات اكرال مدال ني 1( "اقاقية الولف 
وخييا انا ل جل اانه السابقة الى ل تتعلب في ختر نا عن ناي المذافين عن الكتاب 


في هذا النضن :. 
فآ الحجة قليست - مقنعة بل إنها تصدر 8 ى نظر نا عن فهم مثالي اديع فموقف الحاحظ 
النظري ليس إجراء يمك أن تتهالك ‏ جراءه تلك ا الثقاقية بل إنه رغم وعية لا يستطيع لها دفعا. 


1140 


فإحلال الحديث عن فضل الكتاب مقدامة” مؤلف هو زيدة تجربة 
طويلة » ومكابدة علمية فلاق, أ عظيم” الشأن يجب أن يفهم قي تصورنا ب 
على أنه مقدمة معرفيّة مؤذنة بتغير عميق في بنية الثقافة الإسلامية قوامه 
الانتقال من الطور ١‏ اللفظى » » طور الفوضى والتناقض حيث يمثّل ١‏ الشاعرٌ ) 
النموذج الثقافي الأسمى ٠‏ و« الرواية' » حلقة الوصل الأساسية بين المج 
والمستهلك ؛ إلى طور جديد تحل فيه الوثيقة المكتوبة محل" الحافظة ويتبوأ 
النثر » كصياغغة » مرتبة الشعر أو يفضلها » ويتبدال تبعا لذلك النموذج 
الثقاي نفسه أو يتعداد على الأقل” ء فيصبح للأديب العالم » في هذه البنية » 

ولا مناص » هنا » من إثارة مسألة التأثّر بالفكر الأاجنبى التى أجملنا 
الحديث عنها قُ القسم الأول » ذلك أن” ( أبا عثمان » أطنب » وهو نين 
أهمية الكتاب كجزء من تصور ثقاني شامل ووسيلة لثثر المعرفة وخخلود ها 
الدهور تلو الدهور » من ذكر التراث الأجنبى » خاصة اليوناني (1) » 
ويغلب على الظن أن" اطلاع العرب عليه كان بمثابة القادح الذي مكّن 
الجاحظ من صياغة تصوره ذلك صياغة نظرية توج بها مجهوده العلمي . 

وهذا الجانب » في رأينا » أهم” » ني بيان تمازّج الحضارات وتلاحقها : 
من البحث الجزئي وتعقب الفكرة الشاردة وبذل الجهد في ردها إلى 
أصلها » وإذ ذاك تنقض الحجة بالحجة ويستوى الشك واليقين . 

فالاطلاع على هذه الحضارات 2 وقد أن نتقلت من امة إلى آأمة حتى كان 
العرب ‏ كما جاء في الحيوان ‏ «آخر من ورثها ونظر فيها » (2) دفع المؤلف 
إلى المقارنة » تضمينا وتصريحا ٠»‏ بين ديوان علومنا وديوان علومهم مفضيا » 
على مضض » إلى أن الثقافة العربية » وقوامها الشعرء تفتقد البعد الإنسانى الذي 


7 


(1) أنظر مثلا : الحيو ن 54/1 » 73 » 80 . 
(2) 75/1 . 


41 


سعى جهده إلى أن يكون السسّمة الغالبة على مؤافاته. وبهذه الصورة يتبين الخيط 
الرابط بين فصول تلك المقدمة التى تبدو » لأوّل وهلة » متقطعة متنافرة (1) » 
فتفهم السبب الذي حدا بالمو 55 إلى التاريخ ليلاد الشعر العربي وققتصرهٍ 
فضيلته عليهم (2) وقد حمله بعضهم » توهما أن فيه من ( الادعاء والعصبية 
هما يضع صاحبه في مصاف الشوفينيين الغلاة فضلا عن تجريده (كذا) من أبسط 
قواعد العلم والمعرفة » (3) . وما ذلك بالمدح بله التعصب » بل إن فيه ضربا 
من الإقرار بالنتقص يهتدي إليه الباحث بقراءة هذه النصوص قراءة متأنية 
شاملة ا ال اسح و ل ل 
في السياق العام ؛ أنه شكل أدبي ومسلك في التعبير تعطل بنيته نقله إلى لغات 
5 » ولذلك استطرد فتحداث عن صعوبة ترجمة الشعر » ولا يتجاوز 
مضمونه أهله فتجرد من البعد الإنسانى الذي يضمن للأدب السّيرورة والبقاء . 
وفي كتاب « الحيوان » أدلَّة لذلك ع أوضحها قوله : ١‏ وقد نقلت 50 
الهند وترجمت حكم اليونانية » وحوّلت آداب الفرس » فبعضها ازداد حسنا » 
وبعضها ما انتقص شيئا » ولو حولت حكمة العرب » لبطل ذلك المعجز الذي 
هو الوزن : مع أنهم لو حولوها لم يجدوا من معانيها شيثا لم تذكره العجم في 
كتبهم ) (4) . 
ش 36 36 
فعن هذا التصوّر » أساسا » ونحن لم نأت عليه وإن' أطلنا » وعن أمور 
أخرى لا يسع لها بحثنا » نتجت أهم” خصائص التأليف عند الجاحظ وني 
صدارتها ذلك السعي الجاد" المضني إلى تجميع أشتات النصوص وتقييد شوارد 
المعرفة العربية الإسلامية مع الحرص الدائب » استجابة لمترعه الإنساني 


0( لعل العناوين التي أقترحها الأستاذ عبد السلام محمد هارون » مع إجلالنا لجهده في إخراج 
عاب وغيره من تراث" الجاحظ » تقوي العنافر و توسع الفر جة . 
)2( ا 11-10/1. 
(3) انظر : ميشال عاصي » الكتاب المذكور » ص 125. 
4( الحيوان 1 . وانظر أيضا ص 73 . وقد يكون هذا الذي ذكره الحاحظ سببا من جملة 
امات كناك المر ب ل" لقلرة عر نتجية أغزار اليم أن ي نقلوا تراثها إلى لغتهم . 


142 


في المعرفة » على تلقيمها بموروث الحضارات الأخرى » فتجاوزت مؤلفاته 
ضربت في كل ميدان بسهم ؛ وأخذت من كل" شيء بطرف ففازت بقيمة 
وثائقية نادرة أهلتها لأن تكون نقطة تقاطع العديد من الاختصاصات والمشارب (1). 
والجاحظ على أتم' الوعي بهذه الخصائص في كتبه » كثيرا ما أبرزها 
في معرض الرد على « مطاعن البغاة » و( اعتراض النافسين ) فتتكرر إذ ذاله 
ولا غرابة أن كان الجاحظ صانع مفهوم «الأدب » عند العرب كما 
حددته الدراسات الحديثة (3) انطلاقا من مؤلفاته بالدرجة جة الأولى 3 وأن كان 
« الاستطراد ) السام منه جه قُ التأليف حتى عرف به دون سواه . 
لهذه الأسباب يمكن أن يعتبر الحلقة الأولى لحركة ما سمّى بالترعة 
الموسوعية في الفكر العربي مع ما هنالك من فروق في الأصول والأسباب 
جعلتها عند الجاحظ مؤشر خلق حضاري » بينما كانت عند غيره نذير 
تقهقر وانحطاط . 
3 6 


إلا أن" هذه التزعة إلى الجمسع والتقصي ٠‏ وتأليف المتنافر » وهي ع 
في رأينا » تجسيم لتصور ثقافي ونظرية في المعرفة » لم تخضع » في الغالب ع 
منهجية واضحة وبناء محكم ؛: في حدود مفهومنا نحن اليوم للمنهج والنظام 


(1) انظر : عبد السلام المسدي : المقاييس الأسلوبية في النقد الأدبي من خلال البيان و التبيين 
الجاحظ . حوليات الجامعة التونسية » عدد 13 ؛ 1976 صن 137- 138 + الإحالات 
فق 11 لم5 

(2) الحيوان » 1 -11, 

(3) انظر نالينو (مصذناللولا) : 
رع متاتتعسرلة علاكمدجل »| ع4 عننوممة 'آ 6 عدأوأجه كعل عطونه عسنهوجة | 6[آ 

.50 بكعة8 بأقااء2 بط ماع دالوا 


143 


وستبين إن بان الحديث عن مظان" البلاغة في 1 ثاره » المفارقة بين الإرادة المنهجية 
0 النظري العام اللذين عبر عنهما الجاحظ » بطرق ممختلفة وف أكثر 


ن مناسبة » وبين الإنجاز الفعلي حيث لا تانّبى الرغبة ويطغى الحال على 
ا ا 


والسّبب » فيما نرى » إصرار الجاحظ على أن بأني ني ما يؤلف على 
مفهومين للكتاب والكتابة متباعدين : التدوين والتقييد » من جهة » وكونها 
نمطا في تنظيم المعرفة وتبويبها احتكاما إلى أسس منهجية وعلمية واضحة» من 
جهة أخرى . 

د د 6د 

ثم إن الجاحظ » زيادة على غزارة الماد"ة المتجمّعة لديه وعدم توفقه 
دائما إلى سياستها وترويضها » لم يخص"» في المتبقتي من آثاره > البحث البلاغي 
بكتاب مستقل يجمع مسائله ويبوبها » واكتفى بإدراجه قي نايا مو فاته » 
بنسب متفاوتة فيها ضرورات البحث وعركاته » فجاء ي صورة 
ملاحظات وتعليقات 00 لا يوحّد بينها » أحيانا » إلا السّياق الأدبي 
ل واهتمام المؤاف بأفانين القول وصوره وطرقه . ومرد” ذلك » أساسا » 
أن" التفكير البلاغى » كما حاولنا أن نبيّن » كان » إلى عهده » في فى طور نشأته 
الأولى لم يشتد منه إلا التزر القليل . 


زد على ذلك أن" مكانة الرّجل الأدبية انينت أسانناا” على طريقته في 
الكتابة وابتداعه الأساليب وقدرته على التتصرف فيها بكيفية لعلها لم تتوفر 
لسواه » فكانت مؤافاته مصدرا للإنشاء الأدبي المي » ومدرسة في النثر قائمة 
برأسها نسج على صورتها أشهر أعلام النثر العربي بعده . فاهتم الدارسون 
بخصائصها الفتّية » وأسرار البلاغة فيها أكثر من اهتمامهم بنظريته في الأدب 
وأحكامه في النقد. 
د د د 
144 


هذه ني رأينا » العوامل التي جعلت الحديث عن خصائص البحث البلاغي 
عند الجاحظ جزئيا » مقتصرا على المشهور من 0 
وبين السياقات التي تحتويها » ولم تمك ن محاولات التأليف الشاملة » وهي 
قليلة » من إدراك التتصور الجملي الذي 2 تاك المعطيات في نسيج إليه 
تتقاد المادة وبه تنتظم «الفوضى» فتنكشف أسس نظريته في البعد الإنشائي للّغة. 


د د د 
المادة البلاغية في مؤلفاته 


لثن أجمع النقاد والدارسون » قديما وحديثا (1) على أن ١‏ البيان 
والتبيين »؛ هو قطب التأليف الأدبي عند الجاحظ ومعدن تفكيره البلاغيّ 
وملاحظاته البيانية » فإن الناظر ع 0 أيدينا (2) من مصثفاته الأخرى » 
مما لم يتمسختض بصريح العنوان لهذا المشغل » نع إل أنها لآ تكو من 
إشارات أدبية ولمحات بلاغيئة تعين » إذ تتفرد كرا » على الإحاطة 
بأصول ذلك التفكير وخصائصه بل إن منها ما تبوئه غزارة المادة وعمق” 
النظر مرتبة « البيان والتبيين ) من عدة وجوه » نقصد بذلك كتاب « الحيوان » . 


فتتنزرل جملة آثار الجاحظ ٠‏ باعتبار صلتها بموضوعنا » في ثلاث 


010( يكاد يقتصر علماء البلاغة وأهل الأدب من القدماء 3 أعداء الحاحظط أو أنصارا على 0 الييان 
و التبيين » يذكرونه أو ينقلون عنه انظر : ابن وهب الكاتب : البرهان فى وجوه البيان. 2 
ص 51 . العسكري : الصناعتين » ص 11-10 » ابن الأثير : المثل السائر » 82/1 » 
13/2 » 347 » ابن سنان الخفاجي سر الفصاحة » تحقيق : على فودة ط 1 » مصر » 1932 © 
٠ 0‏ 59 -60. وأبن خلدون » المقدمة » ص 1700 . وعليه اعتمد الدارسون 
المحدثون في استقصاء آراء الرجل الثيانية : :وقد" أشار و١‏ مقد- واقك حر عربا كانرا أو 
ا 0 من مصادر البلاغة العربية . انظر مثلا 
ركلتة8 عأله 0 06 00 16 © 8657167 باع 111 76 : م2 إكا لود وله 
.م ,1953 
2( أشرناص ». 19 . إلى مؤلفه الضاتع ونظم القرآن» وأثيتنا رأي الباقلاني فيه وقد حاول محمد 
زغالول سلام إعطاء صورة ثقريبية عن مضمونه بمتابعة تفسيره لاكيات القرانية التي ترد 
في كتبه التي بين أيدينا » انظر : أثر القرآن في تطور النقد العربي ص 9 وما بعدها . 


145 


2 


أ مجموعة (الرسائل) و «البخلاء) (1) 
تبدو المادة البلاغية قُ هذه المؤافات » إذا قارناها بما ورد قُ ( البيان 
والتبيين » قليلة » صعبة المنال » لا سبيل اليها إلا القراءة المتوصلة المتأنية إذ 
يبقى بروزها 4 2 الغالب » رهين منهج المؤلف واستطراده وتداعي الفكدر 
لديه » فيظفر الباحث بالبغية » وقد دب فيه اليأس » ويقع على الملاحظة 
الطريفة حيث لم يتوقعها . إلا أتهاء على تواضع حجمها » مفيدة من عدة 
جوانب : فهى مادة لا يمكن أن يتجاهلها من يروم دراسة تفكير الرجل 
البلاغى والأدبىئً دراسة شاملة » ناهيك أنّه لم يثبت الكثير منها في ١‏ البيان 
والتبيين » . زد على ذلك أنها إذ توزّعت على جل مظاهر تفكيره في ا موضوع 
ثعين” على تفصيل ما جاء ني غيرها مسجملا وتوضيح ما كان مقتضبا » 
بل إنها تَعك نك بعض الآراء التى حصلت للدارسين من اقتصار هم على 
المشهور من النصوص والمؤلفات 2( 5 
فعلى صعيد بلاغي صرف ونظ تضروص: تضيط > الأيس ” الفيه” 
الواجبة” مراعاثها في تعليق اللفظ بالمعنى » وهما عماد الفعل اللغوي » 
حتى يكون الكلام بينا بليغا » متميّرا عما يجري على ألسنة الناس . وقوام 
ذلك خخصائص ني ذات اللفظ مُفرّدا يكتسبها من تلاؤم مكوناته الصوتية (3) 
)1( باخام 4 مجمو ع عبد السلام محمد هاروث وهي فى جزنين صدرا بالقاهرة تباعا 
1964 : 1965 » كا استيّدنا من مجموعة رسائل الجاحظ » ط ساي القاهرة » 1324 ه. 
و مجمو ع رسائل الجاحظ تحقيق بول كراوس وطه لحاجري القاهرة »ء 1943 »© ورسائل 
الحاحظ ط حسين السندوبي » القاهرة 3 وتحقيق المستشرق شارل بلا لرسالة 


التر بيع والتدوير » دمشق » 1955 . 
ورجعنئا إلى كتاب البخلاء بتحقيق طه الحاجري ط 4 » القاهرة » 1971 . 

(2) مثل ذلك إجماع الباحثين - تقريها - على أن الجاحظ ينصر اللفظ على المعنى أو الشكل على 
المضموتث استنادا إل نظر بته في المعانى المطرو حة 5 ومن ثم حماوا قوله دوجود معاث لو 
تسرق على التناقض (انظر : إحسان عباس الكتاب المذكور » ص 100) . وهذا الاستنتاج 
لا يخلو من المبالغة والتسرع لأن الذي قال بالمعاني المطروحة قال و ثر البلغاء من هيأ رسم 
المعنى قبل أن يهيء المعنى » عشقا لذلك اللفظ وشغفا بذلك الاسم حتى صار يجر إليه 
المعنى جرأ » انظر: رسالة في مدح التجار وذم السلطان ضمن مجموعة رسائل الجاحظ » 
ل ساس 6 'ضن 10159 

(3) رسالة الترجيع والتدوير » ط بلا » ص 59 . 





146 


وجملة من القوانين تتحداد بها علاقته بالمعنى بحيث يصرئف المتكلم 5 
الرصيد المشترك بينه وبين السامع ما لا يستر عنه المعنى ويخل بمطابقة تمثل 
المدلول لارتسام الدال في السمع والذهن (1) . ومن ثم يصوغ الجاحظ 
جملة من المواقف سيكون لها شأن في المؤلّفات المتأخحرة (2) . 


كما تطرقت نصوص أخرى إلى طرق التعبير وأساليبه والإمكانيات 
في تصريف المدكلم لقدرات اللغة مبرزة أهمية الإيماء والإشارة والكناية 
كوسائل توظض طاقة الإيحاء نهجا قي الدلالة ؛ وتستعيض بالسياق والمقام 
عن صريح العبارة وهو ما يجعلها أكثر تمكنا في البلاغة من غيرها في 
ذلك الموضع 3( 


ولعله من الطريف أن نشير إلى أن" اللجاحظ عرف الكنابة تعريفا 
مضبوطا واضحا مرة واحدة وردت في غير ١‏ البيان والتبيين» (4) . وقد 
لا يبدو الأمر ذا قيمة ٠‏ اليوم ونحن نعود إلى البلاغة مكتملةة الأطوار : 
تامة القضايا ء إلا" أنها هامة بالنسبة إلى من يؤرخ لراحل العلم من بدايته 
إذ يصبح تقييم دور الجاحظ تقييما دقيقا رهين الانتباه إلى هذا السياق 
وأمثاله »ء ومصداق ما نقول معنى «المجاز » عنده فلقد اطّرد استعمال هذا 
المصطلح في معان عديدة إلا أنه اكتسب ببعدده الاصطلاحيّ الذي لن ينفك” 
عنه طيلة فترات البلاغة » وهو التغير الذي يطرأ على السّدّة اللغوية التى 
أنشأت بالوضع والاصطلاح والمتجسم في زوج الحقيقة والمجاز » في سياق 
من سياقات «البخلاء) (5) . و 


من الفتات المهمة » في هذا النطاق » 


1( رسالة في فصل ما بين العداوة والحسد » مجموع كراوس الحاجري » ص 109 وصدح 
التجار وذم السلطان » ص 159 . 

)2( كقوله : « والاسم بلا محزى لغو كالظطرف الخالي 3 والإسم في معنى الأبدان 2 والمعاني 
في معنى الأرواح . اللفظ المعنى بدن واللمعنى للفظ روح / رسال في الجد والطزل مجموع 
كراوس والحاجري » ص 85 . وسيؤلف ابن رشيق بين عناصر هذا السياق وسيصوخ 
قولته السائرة « اللفظ جسم » وروحه العنى » العمدة » 124/1 . 

(3) انظر : رسالة في نفي التشبيه » مجموعة عبد السلام محمد هارون » 307/1 , 

)4( ورد في رسالة في )0 العشق والساء » مجموعة عيد السلام حمد هارون 34 162/2 0 

(5) ص 174 , 








14 


نص" روآاه عن الأصمعى يمكن استغلاله من عدة جوانب منها » ارتباط 
التشكدل اللغوي والصّورة الفنيّة بأقدار معايش الناس وظروفهم » وضرورة 
أن يدرك المتكلمون ذلك فَيُدركون الانقطاع الحادث بين طرفي الدلالة 
بموجب انعدام المرجع . وهذا وجه من وجوه ما يسمى ( القوالب الجاهزة ) . 
ولعل” انفصالها عن سياق المتكلم الاجتماعي وغرابتها عما تعود سبب 
الحكم عليها بأنها جافة مَوّات © ثم إلى ذلك ٠»‏ نلمس موقف اللغويين 
الشتجاع الداع إلى طرحها فتفهم أن" الأصمعي لم يكن متشددا محافظا 
إلى الحد” الذي تُصوره المصادر . يقول : ١‏ قد كان للعرب كلام على معان ٠‏ 
فاذا ابتدلت تلك المعاني لم يتكلم بذلك الكلام فمن ذلك قول الناس اليوم : 
ساق إليها صداقها . وإنما كان هذا يقال حين كان الصداق إبلا وغنما (...) 
ومن ذلك قول الئاس اليوم: قد بنى فلان البارحة على أهله. وإتّما كان هذا 
القول أن كان يضرب على أهله في تلك الليلة قبته وحيمته وذلك هو بناقه » (1) . 


كنا أبرزت هذه النصوص الوظيفة الفنية والمعنوية لبعض الوجوه 
البلاغية خاصة التشبيه . وقد اعتبر فى ذلك » تأثيره في القاريء أو الملتقى » 


ا 


تارة » ودلالته على فطنة المتكلم وبلاغته وتفوقه تارة اخرى (2) . 
د عد د 
وقد احتوى هذا القسم من المؤلفات » زيادة على النماذج البلاغية 
المذكورة على قضايا نظرية ومواقف أدبية عامة اتتصل معظمها بالشعر وما 
تار حه لديته وممار سته دمن مشاكل : 
يأنى في طلبعة هذه المشاغل النظرية إثبانُه ضرورة الكلام وفضله » 
ومن ثم رجاحة كل" المستنتجات البلاغية واللغوية ٠»‏ بالمقارنة بينه وبين 


(1) انظر : البخلاء ء ص 214 . 
(2) انظر : وسالة في العشق والنساء » 168/2 . 


148 


نقيضه الصمت وهو نوع م ن البرهان باللحلماد كتسب فيه شرعية الوجود 
من صعوبة 0 0 0 5 
متنا هافك 6 00 المعتمدة » منتهيا 0 أنه لا 0 لذلك ي 
كتاب ولا سنّة » وطريقته في الاحتجاج تسترعى الانتباه لآنها تكشف ء 
ثقافة واسعة » وعارضة في الجدل لا تجارى ٠»‏ فهو يقيم توازيا منطقيا متعاضد 
المقدامات والنتائج بين الكلام والغناء يؤدي في خاتمة المطاف إلى تطابق 
العروض والموسيقى فيكون تحريم الشعر في مقام تحريم الكلام أولا » 
وتحريم الغناء والموسيقى ثانيا (2) . كما أثيرت مسألة الصّدق والكذب 
00 وما ينجر عنها من إفراط الشعراء بي الصفة أو ما سيعرف بعده 
« الغلو ) وساق لذلك أمغلة شعرية عديدة (3) . 
وقد يقف القارىء » من حين لآخحر » على فلتات نظرية ثاقبة يستشف 
منها رأيه في الفن' والكتابة » وإيمان صاحبها بقصور الفتان المبدع ء 
تصوير الواقع تصويرا ضافيا » وفي ذلك إقرار بالمفارقة بين ما يحس به 
الإنسان أو يعيشه » وبين تعبيره عن ذلك . فبمجرّد أن تقوم بين الشيء 
وصورته واسطة تسقط المطابقة ويولد الفن محاكاة للواقع وتمثيلا » يقول : 
دوهذا وشبيه :إلا يطب عدا إذا رأيت الحكاية ‏ يعييك: . لآن” الكتان 
لا يصور لك كل شىء ولا يأتى لك على كنهه » وعلى حدوده وحقائقه » (4) . 
ومن النصوص ما يتجاوز محتواها البلاغة” والأدب والنقد إلى قضايا 
جمالية عامة هي قمة الاستخلاص التّظري وما ل مختلف أشكال التعبير 
عن الحسن . (5) 
)01 سحو إلى هذا الآمر في محل آخر . 
(2) انظر : كتاب القيان » مجموعة عبد السلام محمد هارون » 160/2 -161. 
(3) انظر البخلاء > ص 206 ©» 234-233 . 


[[6 المصدر السايق » ص 58 
(5) انظر : كتاب القيان ٠‏ 162/2 . 


149 


ف عد كنات الديوان 


بعد" هذا الكتاب + مع البيان والتبيين » » أشهر مؤلفات الجاحظ 
إطلاقا وأنطقها حجّة” لثقافة صاحبها الواسعة وتعداد اهتماماته لكثرة 
مواهبه » فإليه يدين بشهرته العلمية ومنهجيته العقلية إذ استطاع طيلة' سبعة 
أجزاء أن يتحدث عن حيأة الحيوان وطبائعه وطرق عيشه وعجائب خلقه 
مستلهما معارف عصره؛ فيجاء الكتاب جامعا لأشتات المعارف والعلوم في الموضوع . 

والتزام المؤلف بموضوع محداد لم يمنعه » جريا على نهجه في التأليف 
واستجابة لمقتضيات بعض مصادره كالق رن والشعر » من التطرق إلى قضايا 
فكرية وأدبية عامة كانث تزخر بها بيثة الفرن الثالث الخضبة” ؛ فجاء الكتاب 

وكان حظ البحث اللغوي والبلاغى منه غير قليل » وإن جاء موزعا على 
أصول معارفه وفروعها » غير مقصود لذاته . ولأهمية هذه الماداة وغزارتها 
يصبح «١‏ الحيوان» مصدرا ضروريا لإبراز دور الجاحظ بي البلاغة ومعرفة 
أصول تفكيره الأدبىّ والجمالي" » ناهيك أن" جل تصوراته اللغوية العامة » 
وهى قاعدة تفكيره البلاغسى 7 دزف قُ هذا الكتاب 1 

د عد كد 

وهذه المادة تدور » إجمالا » حول ثلاثة محاور رئيسية نكتفي في هذا 
المقام بالإشارة إلى نماذج منها ممرجئين تحليلها واستغلالها إلى موضع آخر من 
هذا القسم : 

يشتمل المحور الأول على قضايا لغوية عامة عميقة الصلة بمقاييسه 
الأسلوبية وآ رائه البلاغيّة والتقدية . منها رأيه في نشأة اللغة وسيل توسّعها (2) 
(1) انظر : مقدمة التحقيق » 29/1 . 
(2) الحيوان » 21/4 . 
130 


وأهمية العامل الاجتماعى والزمنى في توطيد العلاقة بين الأشياء والكلمات (1) 
وتأثير المران والعادة قُ الو اللغوية (2) وانحسار الأسماء عن المسمّيات 
و جز تأدية كل" مراتب المعانى (3) . ومنها حديثه عن اكتساب اللغة 
وارتباط القدرة اللغوية بوضع لمتكلم قُ السلم الاجتماعي (4) وجملة 
الضوابط التي تراعى في تصريفها واستعمالها (5) . 

وعن رأيه في نشآة اللغة واكتسابها برزت نظرية «المعجم الخاص » 
بطبقة اجتماعية أو فن” من أفنان المعرفة (6) . 


أما المحور الثاني فمخصّص لنظريته في الكلام أو اللغة منجزة” . فانتبه 
إلى تعقّد شبكة التتواصل وتعداد أطرافها » وأبرز دور كل" طرف في تحديد 
خصائص الخطاب اللغوي وماهية أسلوبه مبوثا الوظيفة” الرابطة بين المتكلم 
والسامع منزلة هامة (7) ضابطا العلاقة بين تحقق الوظيفة وخصائص 
الخطاب (8) . 


كما تعض > ف 'نطافقة ذلك ». إى :دوق البشك: الاججماع: في القن" 
والكتابة (9) . 


وتمثّل نظريّة المقامات والمواضع حلقة” الوصل بين طري زوج 
اللغة/الكلام (10) . 


(1) المصدر السابق » 70/1 . 

(2) المصدر السابق ٠»‏ 367/3 . 

(3) المصدر السابق » 201/4 » 9-7/6, 
(4) الحيوان » 89/1 -90. 

,154-153 سم و« 117/1ء‎  )5( 

6/4 « م«‎  )6( 

(67) 0م م« 89/1 -90. 

.282/1 « « )8( 

.78-77/1 «١ «  )9( 

,.369-368 ٠ 39/3 » 93/1 م‎ « )10( 


151 


ويضم المعحور الثالث خصائص الخطاب وجملة المقابيس ةر الأسلوبية 
والنقدية التي تجعل الكلام بيّنا بليغا . وهذا المحور استغلته المراجع وكثيرا 
ما اقتصرت عليه لأنه أوضحها وأشداها اتصالا بالمعطيات التطبيقية العملية 
إذ كثيرا ما يكون الحكم النقدي والانطباع الفني فيه صريحا واضحا . 
ففيه أكنّد الجاحظ على أهمية البنية في الأدب باعتبارها الخاصية التوعية 
الأساسيّة في ممارسة اللغة ممارسة” فنّية » (1) كما اهتم بالمظاهر العملية 
التى تجعل الخطاب الأدبى ا ع مسخرج العادة » فتحدا'ث عن 
الفصاحة (22) والبيان (3) وأؤلى الصورة الفنية وصنوف المجازات عناية 
خاصة فأفاض قُُ 0 التشبيه والاستعارة والبديع ومسختلف البللاغات وقد 
أفردها بأنواتة ذات صبغة عملية » مجردة في الغالب من الك النظري 3 
تعين على دراسة الصورة دراسة تاريخية انطلاقا من الأمثلة التى يجمعها 


تحت نفس العنوان » وكثيرا ما تكون من عصور مختلفة (4) . 


واقنة كد الخضاسن وود ريمحو الى لا تصات 2 إعيجار القرا نم 
فكشف السر فيه وقدام الأدلة عليه (5) . 

قاف الداع د 0 قدرات اللغة وخصائص البيان ألا يخرج 
استعمالها عن القيم الاخلاقية العربية الإسلامية (6) . 


386 9 





)1( الحيوان » 74/1 -75 » 78-77 »ه 131/3--132. 

2) سم 32/1. 

)3( الحيوان » 33/1 35, 

[© الأمثلة فى هذا ألياب كثيرة جد! لذلك تكتفى ) بذكر بعض المواطن : «شعر في التشبيه » 
0 3 « شعر في تشبيه الفرس بالظليم » 2334/4 ( تشبيه الغيوية بالتعام » 350/4» 
نر استعارات من أسم الكلب 3 2306/2 © (١‏ قطع من البديع « 57/3 © (2, نوادر وبلاغات ( 
3 . 


(5) المصدر السابق » 89/4 . 
(6) المصدر الشابق » 5/7 . 


1052 


ج ل البيان والتبيين (1) 


أشرنا إلى أن « البيان والتبيين » » بشهادة القدماء والمحدثين » أهم" 
مؤلفات الجاحظ الأدبية 2 و كثرها 3 بين النقاد والعلماء بالشعر 2 
وأبعدها صيتا . 


كما أشرنا الى أنهم » وإن عدوه من أمهات الأدب وعيونه » لم يغفلوا 
عن المنزع الفني الطاغي على الكتاب » وحرص المؤلف على استقصاء سبل 
القول وتصاريف اللغة لاكتشاف سر صناعة الكلام . مما جعله معرضا 
للنصوص الأدبية المبتكرة وممارسة واعية لأبعادها الفنية أفرزت جملة من 
المقاييس الأسلوبية والبلاغيّة خلعت على الكتاب صبغة مزدوجة : الأدب 
ونقده . ش 

ولكن كان للبلاغيين فضل التنبيه إلى هذا الجانب والتأكيد عليه فإن” 
التقاد لم يكونوا أقل” حظا منهم في إبرازه . فالحسن بن رشيق تحدث 
عن قيمة الكتاب وذكر فضل صاحبه ثي « باب البيان ». من كتاب ( العمدة ) 
يقول : « وقد استفرغ أبو عثمان الجاحظ - وهو علامة وقته - الجهد وصنع 
كتابا لا يبغ جودة وفضلا ثم ما ادعى إحاطته بهذا الفن لكثرته) (2) . 


(1) أثارت كيفية التلفظ بالعنوان ففول بعض المهتمين بأدب الجاحظ » ا فى القراءة 
السائرة « البيان والتبيين » واقترحوا تعويضها دم البيان والتبين » ومن ضُ ا الى 
ذلك المستشرق « هيار » 850250) (انظر : ابراههم سلامة : 0 بين العرب 
واليونان » ص 69 2 إحالة رقم 0. 

وقد طرح فيشال عاصي » 0 المذكور » ص 40 »6 هذه المسألة وفي ظنه أنه أول من 
طرحها ©» وقد دعم موقفه بحجتين : ١‏ 

1( حجة نقلية مستخلصة من ذكر الا عطاتر 0« الساوكي الك و رودق ف سا 
زر البيان و التبيين » » 5/2 و271/1). 
2) حجة مستخلصة فين شيو اللاحظ لملية الو وك على وظيفة الفهم والإفهام 
فيكون .بذلك في العنوان بين وظيفة الطرفين الأساسيين » المتكلم (وظيفة البيان) 
و السامع (وظيفة 006 
وتبدو لنا الحجة الثانية أكثر إقناعا من الأولى ناهيك سد الجاحظ ' اللفوي 
والبلاغي في الكتاب . 


(2) انظر : 257/1 . 


158 


والناظر في الكتاب يتبين الدوافع التي تضافرت فأضفت عليه هذه 
الخفوصتة ٠‏ ويدرك" أن الؤلق > بالإضافة إى امنيح الادني . :والفني. + 
يتحرك من منطلق عرقي ومذهبي . فالتصدي لمطاعن الشعوبية على العرب 
بإبراز عارضتهم في البيان والخطابة أمر واضح صريح لهج به الجاحظ 
في نخوة واعتزاز (1) . 
ش وانتماؤه إلى نحلة تعتبر اللغة سلاحها الأساسي للظهور على الخصوم 
والإقناع بالمذهب إبّان المناظرات والمجادلات دفعه إلى الاهتمام بهذه 
الآلة الضرورية وإحلال دراسة الأساليب وطرق استعمالها طبق الغرض 
محلا مرموقا من مؤلفه . 

ويسترعى الانتباه” في مضمون « البيان والتبيين » أمران أساسيان : تنوع 
المادة وتعدد مواردها » وعدم تقيد صاحبها في التأليف بينها بمنهج محكم 
يجنبه « الفوضى » والتداخل اللذين يلاحظهما قارىء الكتاب (2) . 

فبجانب النماذج الأدبية من خطب وأشعار وأسجاع ورسائل ووصايا 
آراء*” في اللغة والبيان والبلاغة » وقوانين بها تدرك فضل نهج في القول 
على نهج ؛ بعضها مروي وبعضها شخصي » وإلى هذا وذلك عينات من 
كلام بعض الطوائف الاجتماعية كالقرويين والبلديين والأقحاح والمولدين » 
والجماعات العلمية كالقصاص والتنساك والمؤدبين » والنماذج البشرية 
كالنوكى والحمقى والمغفلين » ولا رابط بين هذه المادة إلا" مكانتها في البلاغة 
واستغلال المؤلف لها لتبيان وجوه البيان » حتى لكأن الكتاب من بعض 
الوجوه ء مختارات أدبية تتخللها أحكام نقدية . 


)1( انظر مثلا : ألبيان والتبيين » 383/1 » 5/2 » 5/3 وما بعدها. 


(2) وقع الانتباه إلى هذه الظاهرة منذ القديم » فالعسكري » بعد أن أثنى على الجاحظ 
يقول .. (. .) إلا أن الإبانة عن حدود البلاغة وأقسام البيان: والفصاحة مبثوثة 
فى تضاعيفه » ومنتشرة في أثثائه » فهي ضالة بين الأمثلة » لا توجد إلا بالتأمل الطويل » 
و التصفح الكثير » . (الصناعتين » ص 11) . 


154 


والمؤلف على بينة من غزارة المادة التى يعالجها وتشعبها ء» حاد” 
الوعي بضرورة ترسم منهج محكم يمكن من إخضاعها وسوقها إلى القارىء 
في أبواب واضحة الفواصل متيئة الروابط . 

إلا أن الإنجاز الفعلى بقى دون الوعى المنهجىّ النظري فجاء تخطيط 
الكتاب صورة لهذا الصراع الذي حملناه على التقاء مفهومين للكتابة 
لديه : التدوين والتنظيم (1) . 

فهل بالإمكان إعادة تنظيم هذه المادة وربط حبل الأسباب بينها وبين 
ما ورد في مؤلفاته الآخرى في نفس المشغل عسانا بذلك ندرك الهيكل العام” 
الذي تندرج فيه آراء الجاحظ البلاغية ونظريته الأدبية ؟ 

هذا ما نحاول القيام به طيلة هذا القسم منطلقين من مصطلح ١‏ البيان » 
الذي تواتر استعماله في مؤلفاته وتوّج به أشهرها صلة بالبلاغة والأدب . 








(1) مظاهر الوعي المنهجي النظري وحدوده العملية كثيرة . قد أتت على جلها بعض الأعمال 
السابقة لذلك لم نشعر بالحاجة الى اثياتها . 


انظر : عيد السلام كمد هارون © مقدمة تحفيق م البيان والتبيين » 7-01 
عبد السلام المسدي » المقال المذكور » ص 142- 145 . 


155 


2 - مفهوم الببيان عند الحاحظ ‏ 


لا يجري مصطلح « البيان» في جد لناك الحاتحظ عل معت .والجد. 
فهو يدل” ٠»‏ في بعض السياقات » على وسائل التعبير الممكنة بين البشر 
ومختلف الكيفيات التي يؤدون بها لخن بقطع النظر عن نوع العلامة 
المستخدمة . وهذا معنى عام يتسع للغة ولغيرها » ويدخل في مشغل علاميّ 
تمخض . البوم » عن علم قائم الذات يطلقون عليه « علم العلامات » . 

ويضيق » في سياقات أخرى » هذا الحقل الدلالي فير تبط البيان بعلامة 
متميزة هى العلامة اللغوية بوصفها أداة :مكتملة متطورة تمكّن مستعملها 
اد لقان والتعبير عن خوالج نفسه . 

ويرتبط به معنّى فرع عنه ُوظّف فيه العلامة اللغوية لقصد فني 
تكتسب بمقتضاه خصائص نوعية تعدل بها عن الاستعمال السائر إلى 0 
أدبي تتوفر فيه شروط البلاغة والفصاحة . 


فمفهوم البيان » عنده » يتدرج من « العلاميئة ) مطلقا إلى العلامة 
اللغوية بمستوبيها العادي والأدبي . وسنحاول في. هذا الفصل تبيئن هذه 
المعاني وما يؤسسها من نظريات وما قد يقوم بينها.من علاقات . 
د كاد عند 


157 


أ انواع الدلالات على المعاني 
ينبني المفهوم العام للبيان » عند الجاحظ » على جملة من المنطلقات 
الفلسفية والعقائدية حدادت ٠»‏ بدورها ٠»‏ نظريته اللغوية العامة وأثّرت تأثيرًا 
عميقا في ضبط وظيفتها . 
ومبتدأ تفكيره في القضية يتأسّس على نظرة دينية رمزية تنزل 
' بموجبها المخلوقات منزلة الدوال لمدلول أسمتى سرمدي يهتددى إليه 
باتتعقئل وتأويل الرمز وهو حكمة العالم والكون . 
وهذه الأآدلة وإن اشتركت في جهة الدلالة فهى تختلف من جهة الإدراك 
والتعقل والقدرة على الفهم والتأويل . لذلك انقسمت سيو قسم” عاقا ” 
يهتدي بتلك الملكة إلى سر وجوده وأبعاد وضعه وسر التكوين في ذاته فيستدل” 


ير 


158 


على ذلك ويعبر . وهذا القسم «دليل يتستدال) وقسم” لا ينُدرك كنه 
تلك الدلالة ولا قدرة له على الاستدلال لأن ملكاته قاصرة عن ذلك فشارك 
القسم الأول ف الدلالة ونقص عنه بالاستدلال . 

ونتيحة ذلك أن« جعل: المستدل” نين يدل" يقد غل :وجوه اسعدلالة ) 
ووجوه ما نتج له الاستدللال » وسموا ذلك بيانا » (1). 

ثم يتدرج الجاحظ من هذا التفكير العام المجرد إلى تفكير اجتماعيّ 
يتحسّس من خلاله مقتضيات المنزلة الإنسانيّة وأولاها حاجته ‏ أي الإنسان ‏ 
إلى غيره طبعا وخلقة” وجوهرا إذ « ل يخلق الله تعالى أحدا يستطيع بلوغ حاجته 
بنفسه ) (2) »2 فهو بقوة العقل » آلة التفكير والنظر » يدرك حاجته من قوام 
وقوت ولذة وإمتاع » وبقدرة الاستدلال والبيان تتكشف تلك الحاجات 
وينتهي إليها معامله ومعايشه فيتم' التعاون والتسآزر وتنعقد بينهما الأسباب (3) . 

ومن هنا ارتبط مفهوم البيان » في مرحلة أولى » بغاية التعبير عن خفايا 
الداجات والمعاني وهتك |الحجاب دونها ليتم للناس مرادهم من اجتماعهم 
ويدركوا حكمة الخلق وما أودع الكون من جليل الحكمة . 

١‏ والبيان اسم جامع ا شيء كشف لك قناع المعنى وهتك الحجات 
دون الضمير » (4) . 


فجاءت الدلالات أنواعا ومراتب . أمنا الأنواع فمن جهة أن الإنسان 


ع 


يبين عن مراده بوسائل شتى لا تنحصر بالضرورة في اللغة . وأما المراتب 
فمرتبطة برأي الجاحظ ني أقسام المخلوقات وافتراقها في مناهج الدلالة 
من جهة والأطراف التي يتم" بينها التواصل والبيان من جهة ثانية . 


(1) الحيوان » 33/1 . 

(2) الحيوان » 43/1 . 

(3) المصدر السابق » نفس الصفحة , 
(4) البيان والتبيين 76/1 . 


1059 


والأنواع ضبطت ني خمسة لا تزيد ولا تنقص - حسب عبارته - وهي 
الخامس » قِ رأي الحاحظ (2) » دون منزلة الاربعة الأخرى لسببين أولهما 
أن لا وجود لواسطة بين المستدل” ودلالته فتبقى معرفته رهينة الإدراك المباشر 
والاعتبار » وما توحي به الحال لذهن المتبصر » إذ هو ناطق من جهة الدلالة 
لا يقوم على معناه دليل باعتباره من القسم الذي لا يستدل” 3 في حين يتشكل 
الاستدلال في الأربعة الأولى في علامة تختزن الدلالة وتحيط بلمعنى وتكون 
مرجعا إليه . 

( وجعل البيان على أر بعة أقسام . سا وخط وعقد وإشارة » وجعل 
بيان” الدليل الذي لا يستد ل تمكيته المستد ل من نفسه واقتياده كل من فكدر 
فيه إلى معر فة ما استخزن من البرهان واحشل من الدلالة وأودع من عجيبا 
الحكمة ٠.‏ فالأجسام الخرس الصامتة ناطقة من جهة الدلالة 6 ومعرية من جهة 
صحّة الشهادة على أن الذي فيها من التدبير والحكمة مخبر من استخبره وناطق 
لن استنطقه كما خير الهزال وكسوف اللون عن سوء الخال وكما ينطق السمن 
وحسدن النضرة عن حسمن الحال ) ,32( : 

وثانيهما أن" البيان يجب أن يتم بين الأجناس المتشابهة بعلامات يفهمون 
بها بعضهم عن بعض ويرفعون بها عنهم مؤونة الجهد في استكناه المعاني الكامنة 
التى تبقى » مالم تحط بها العلامة » مستعصية لا تسر إلا بخالص الجهد والمشقة . 

و(.....) لأن” أكثر الناس عن الناس أفهم منهم عن الأشباح المائلة 
والأجسام الجامدة والأجرام الساكنة » التي لا يتعرف ما فيها من دقائق الحكمة 
وكنوز الآداب ٠»‏ ويتابيع العلم إلا بالعقل الثاقب اللطيف ٠‏ وبالنظر السام 
69 البيان والتبيين » نفس الصفحة . 
(2) الحيوان » 45/1 . 
(3) الحيوان » 33/1 . 


160 


النافذ » وبالأداة الكاملة : وبالأسباب الوافرة » والصير على مكروه الفكر 
والاحتراس من وجوه الخدع 4 والتحفظ دمن دواعي الهوى 3 ولآن” 0 
أفهم عن شكله وأسكن وليه وأصب به) (1). 

ولترلب هذه - حسىي الحاحظطل ‏ تبعا لصلتها بالحواس فمئلها هما هو 
للسامع كاللفظط وملها ما هر للناظر كالإشارة ومنها ما يشترك في إدراكه حاستان 
كالعقد فهو للناظر واللامس ... (2) . 

كما ثترتب من | لاحية ثانية تبعا لما تملوّة ه ن حدر مكاني وزماني وأقصاه 
مدى الطرف وملتهى الصوت بالنسية إلى اللفظ والصوت والإشارة » وأما 
م نزح من الحاجات وغاب فالحاجة فيه إلى الكتاب تغدو ماسسة إذ لا سييل 
إلى التواصل والتفاهم سواه (3) . 

وتقيد الجاحظ في فهمه للأدلة بالشكل والحواس” جعله ينزل دلالة 
الحال دون منزلة الأنواع الأخرى . ولولا هذا القيد لأمكنه الوصول في علم 
العلامات إلى حدود لا نستطيع التكهن بمداها . ولنا في النص الذي أثبتناه ما 
دْ كد ما قلنا . فقك اعتبر الهزال وكسوف اللون وما يقايلهما م ن السمن وحسن 
النضرة » وكلها أحوال ( دلالات على معان » إلا أنها لما لم تضبط ف مدى 
ملموس ول تتلبس بشكل معلوم لم تلحقها بالأدلة الني تستدل واكتفى بالقول 
إنها ناطقة من جهة الدلالة . 

فالبيان بهذا المفهوم م العام » وقد أتى عليه المؤلف بقوله ٠‏ «الدلالة 
الظاهرة على المعنى الخفي هو البيان») (4) ليس رهين جنس الدليل ونوع 
العلامة » والمهم هو الانتقال بالمعق من حال الاختز ان والبرهان الصامت إلى 
5 المصدر 255 » 45/1 . 
(2) الحيوان » 45/1 - 46 , 


(3) الحيوان 47/1 - 48 , 
(4) البيان والتبيين » 75/1 . 


161 


حال تفضي بالمستدل" إلى حقيقتها ويتمثلها بفكره ١‏ بأي شيء بلغت الإفهام 
وأ رضحف عن ال معنق فذلك هو البيات ) (1) . 


ونستطيع أن توكد. وناءغل ما سبق. أن هذا المعنى يهتم بالغايات لا 
بالوسائل ويتحدد بالوظيفة لا بالبنية أو الشكل مما جعله تخلوا من كل" 
أبعاد فنّية وبلاغية » لا هم لصاحبه إلا الوقوف على الوسائل التي تضمن 
التتواصل بين أفراد المجموعة لقضاء الحاجات وبلوغ المآرب (2) . 

وار من البعد الفني لا يعني انفصاله عن نظريته اللغوية والبلاغية 
العامة » فال ركيزرة الأخيولة. ا عم هذا 2 الأول دشي وظيفة لمم 
والإفها #الستى واس شتركا أعظم بين كل مستويات التعبير وطدرقه 2 
على أساسها 00 0 خصائصه 5 عاديا كان أو فنيأ. 


لم إن" البيان باللغة » كما سيتّضح ؛ في حاجة » لتأدية أصناف المعاني » 
إلى التوسل بوجوه البيان الأخرى وهو ما يفسّر الأهمية الكبرى التي تحتلها 


« الإشارة » كنهج في التعبير البليغ في نطاق نظريته الأدبية والجمالية . 
ب ل من العلامة مطلقا الى العلامة اللغوية : 


نجد » بالإضافة إلى المفهوم العام الذي تنوعت فيه الدلالات على المعاني 
واختلفت صورها »؛ مفهوما خاصا يقترن فيه البيان باللسان ويقتصر معناه على 
نمط التعبير المستند إلى العلامة اللغوية أداة للتبليغ . ولسنا في حاجة إلى دليل 


(1) البيان والعبيين » 76/1 . 

)2( سن تر ما يدل على ذلك مفتصح وباب البيان » في ألبيات و التبيين 1 حيث يقسول : 
برقال بعص جهابةة الألفاظ ونقاد المعاني : المعاني القائمة في صدور ألنا من" المتصطووة 
فى أذهانهم » والمحتلجة في نفوسهم والتصلة بحو واطرهم »ء الحادثثة عن 6 
مستورة خفية وبعيدة وحشية ومحجوبة مكنونة ا 0 
يحرف الإنسان ضمير صاحبه ولا حاجة أخيه وخليطه و لا معنى شريكه والمعاون له على 
أمووة »> وغل ما اثبلقة من حاجات نفسه إلا بغيره . ولا يد ي تلك المعاني 'ذ كر لوا 
وأخبارهم عنها 6 ور إياها وهذه سال هي اي تقر بها من الفهم و تجليها 
للمقل » ء تجعل الكت ينها ول هر نه رالا نيه ا هذا و المسيد قر ياي . 


162 


إذ نؤكد أن جهد الجاحظ » في « البيان والتبين » وني مؤ لفاته الأخرى مما يربطه 
بالبحث البلاغي واللغوي سبب » منصب على تفحّص أسرار البيان اللغوي 
وتحليل قدرات اللغة القريبة والبعيدة ووجوه تصريفها طبق غايات المستعمل 
ومقاصد ه . وفي هذا إقرار بحقيقة تبوأت اليوم مرثبة لمات وهي 3 
اللغة أشد” الأنماط التعبيرية التي لدف إليها الانسان اكتمالا وأغناها دلالة 


وأكثرها ملاءمة” لحاجاته في التعبير . فهى تمده بما تعجز عنه الوسائل 
٠‏ الأخرى » وفيها من التعقد والتشعتب ما يلائم أقدار منزلته البشريّة , 

إلا أن” تمحض المصطلح لهذا المعنى الخاص متدرج متشعب © وقل 
حاولنا ضيط مراحله كما يأتي : ْ 

1) مرحلة أولى يقترن فيها البيان باللغة بواسطة التركيب الإضاني المبيّن 
النوع » مما يدل على أن" المفهوم العام" ماثل في ذهن الكاتب وهو ء أي 
الكاتب » واع إبّان عملية الصياغة بأن اللغة ليست إلا وسيلة من الوسائل » 
وليس في السياق ما يشير إلى تفردها وتميزها عنها . وصيغة الإضافة الجارية 
قُ نسيج نصوصه » في هذا المضمار » هي ١‏ بيان اللسان ) وكثيرا ما تظهر في 
جوارها وسائل التعبير الأخرى ويلح الكاتب على وجوب تضافر هذه الوسائل 
ف التعنيين :: 

« وحسن الإشارة باليد والرأس من تمام حسن البيان باللسان» (1) 

« والقلم مكتف بنفسه ؛ لا يحتاج إلى ما عند غيره . ولا بد لبيان اللسان 
من أمور ) (2) . 

62 مرحلة ثانية يدل فيها المصطلح على قدرة الإنسان على توظيف اللغة 
اجتماعيا لتحقيق التواصل بينه وبين جنسه والإباثة عن حاجته . وهو بهذا 
المعنى متصل .من حيث الوظيفة بلمعنى العام ومقتصر من جهة الوسائل على 
(1) انظر : البيان والتبيين + 79/1 . 

(2) الحيوان » 50/1 . 
1635 


اللغة حتى لكأنها » ني نظر المؤلف » الوسيلة الوحيدة التي تخدم الانسان تلك 
الخدمة . وف كتاب « الحيوان » نص بدا لنا طريفاء في هذا المضمار ؛ يناقش فيه 
الجاحظ مسألة نطق الحيوان وهل أن" ما يصدر عنه من أصوات مقطعة لغة أم لا؟ 


٠. 


وطرافة النص وجوه : منها وضوحه بي الدلالة على ما قصدنا » ومنها 
استطراد صاحبه » وهو يحتج » إلى مواقف لغوية هامة . فاللغات عنده متساوية 
في الإبانة عن حاجات متكلميها ولذلك فالأحكام المعيارية التي استقرت ني 
العقلية العربية كمقابلتهم بين « طمطمة الرومي )» و« بيان لسان العربي » مبنية 
على التعصب وجهل القاثاين بها لمواضعات تلك اللغات وسوء تقدير لوظيفة 
اللغة عامة . وعدم فهمنا لتصاريف لغة من اللغات لا يعني بالضرورة أنها دون 
ما نستعمل لنفهم ونفهم . وقيْد رأها إثات هذا العن عل طولة 6 لأهميكة 
وتماسك أجزائه « فإن قال قائل : ليس هذا بمنطق قيل له : أمنا القرآن فقد 
نطق بأنه منطق » والأشعار قد جعلته منطقًا » وكذلك كلام العرب » فإن 
كنت إِنّما أخرجته هن حد البيان وزعمت أنه ليس بمنطق لآنّك لم تفهم 
عنه فأنت أيضا لا تفهم كلام عامة الأمم » وأنت إن سميت كلامهم رطانة 
ولط فإنك لا تمتنع من أن تزعم أن ذلك كلامهم ومنطقهم وعامة الأمم 
أيضا لا بفهمون كلامك ومنطقك » فجائز لهم أن يخرجوا كلامك من البيان 
والمنطق . وهل صار ذلك الكلام منهم بيانا ومنطقا إلا لتفاهمهم حاجة بعضهم 
إلى بعض » ولأن ذلك كان صوتا مؤلفا خرّج من لسان وفم : فهلا كانت 
أصوات أجناس الطير والوحش والبهائم بيانا ومنطقا إذ قد علمت أنها مقطعة 
مصورة » ومؤلفة منظمة » وبها تفاهموا الحاجات » وخرجت من فم ولسان » 
فإن كنت لا تفهم من ذلك إلا البعض ٠‏ فكذلك تلك الأجناس لا تفهم من 
كلامك إلا البعض . وتلك الأقدار من الأصوات المؤلفة هى نهاية حاجاتها 
والبيان عنها » وكذلك أصواتك المؤلفة هي نهاية حاجاتك افك عنها» )1( 
(01) ألحيوان » 57/7 » كا نجد صدى لهذا التفكير في نفس المصدر 32/1 » 116. والبيان 


والتبيين » 11/1 . 


164 


وطبق هذا التصور يقتدرب مدلول الكلمة من أحد معانى ١‏ الفصاحة ) 
عند الجاحظ المستخرج من مقابلته «١‏ الفصيح ) ١‏ بالأعجم ) . وقد انتهى 
إلى أنها صفة لااصقة بالمتكلم لا بالكلام وخاصية من خصائص الإنسان لأنه 
يستطيع أن يفهم إرادته بأي لسان نطق (1) . 

وبهذا المعنى يتنزل ١‏ البيان ) من حد الإنسان منرلة البعد المميز له عن 
سائز المخلو قات أو المانع لغيره من مشاركته صفة الإنسانية كما يقول المناطقة » 
وقد نقل صاحب « البيان والتبيين ) عن رئيسهم أرسطو قوله في تعريفه 
«الحى الناطق المبين » (2) . 

ومن أوضح الأدلة على أن المقصود بالبيان القدرة على الإفصاح والإيانة 
اعتماد المؤلف ٠‏ للإحاطة بخصائصه » على نقيضه « العي ) + فبرز في مؤلفاته 
ثنائي تقابلي تتفاعل أطرافه تفاعلا جدليا خصبا مما مكن المؤلف من إمكانيتين 
في تحديد الظاهرة : الطريقة المباشرة الإيجابية والطريقة غير المباشرة السلبية » 
فجاء لجملة المعانى التى يجري عليها العى معنى مواز ومناقض متعلق بالبيان : 


0 


البيان العسى 


3 





- تمييز وسياسة وترتيب ورياضة (3)] - عجز (3) 
علم4) - جهل «4) 
صر (8) دعمى (5) 


أقدار الألفاظ على أقداراللمحانى (6) | إطناب وإكثار وتقصير عسن 
اللقدار (6') 


(1) الحيوان » 32/1 . 

(2) البيان والتبيين » 77/1 . 

(3) و(13) المصدر السابق » 14/1 - 15 الحيوات 5/1 . 

(4) و(4') البيان والتبيين » 77/1 . 

(5) و(715) نفس المصدر نفس الصفحة . 

(6) و(6*) نفس المصدر » 106/1 » 234/2 الحيوان » 207/4 . 


165 


7 البيان‎ ٠ 


5-5 رباطة حاقل ومسك النفس (1)1 سه حجل وانبهار (1') 


ب تحكم في مصادر الكلام 
وموارده (2) خلط واضطراب (2') 
فضيلة ومزية (3) - نقص في المروءة (3') 





3) مرحلة ثالثة تأتي فيها كلمة ( بيان » في جوار لغوي ذي طابع معياري 


لكي 
خصائص نوعية تخرجه عن جاري الاستعمال إلى البلاغة والفن” . إلا أن تلك 
الخصائص ليست صريحة » يستشفها القارىء من السياق اللغوي نفسه » ومن 
كون موضوع حديثها في الغالب نصا اعتبر المثل الأعلى في التعبير » نعني بذلك 
النص القرا ني وما يتصل به كالحديث عن خصائص مبلغه البيانية . 


تصبح بمقتضاه وظيفة البيان في حاجة إلى مستوى لغوي تتوفر فيه 


وبجودة الإفهام وحكمة الإبلاغ » (4) . 

« فلو أننا لم نجعل لمحمد صل الله عليه وسلم ٠‏ فضيلة في نبوّة ولا مزية 
في البيان والفصاحة ؛ لكنا لا نجد بدا من أن نعلم أنه لواحد من 
الفصحاء ) (5) . 

4) مرحلة رابعة ينفصل فيها مفهوم البيان بصريح العبارة » عن المعنى 
العام وسائل التعبير مطلهًا ‏ وعن معنى التعبير باللغة مجر دة من كل" قصد 
فشي حيين تنحصر وظيفتها في مجرد الإبلاغ » ليصبح صنو ١‏ البلاغة ) 








(1) و(241) البيان والتبيين » 249/2 . 

(2) و(22) البيان والتبيين » 234/2 » 239 . 

(3) و(13) المصدر السابق » 75/1 » 77. 

(4) المصدر السابق ٠‏ 8/1 . 

(5) الحيوان » 275/4 » وانظرا أيضا البيان والتبيين 7/1 » 53 . 


166 


( الفصاحة ) متعلعًا ببعدها الإنشائى حيث توظف توظيفا أدبيا جماليا فيكتسب 
لخم بج للع ينا .رصنو عي درن ارام ل رت لو ا قا 
إلى مرتبة الوسائل والغايات معا فيجلب انتباه متلقية بذاته ولذاته وتنقاب 
١‏ الشفافية » » وهي أسٌ العلاقة بين الدال والمرجع في الاستعمال العادي 
ينفذ منها المتلقي إلى المدلول ولا يشعر بحاجز الدال » حاجرا سميكا ينعكس 
عليه النظر ولا ينفذ إلا بعد تيد ن مداخل ذلك الحاجز ومخارجه فتصيح اللغة 
مادة الدرس وموضوع الاختبار والتشريح حتى لكأننا نسعى إلى المعنى في مرايا 
من ١‏ الكريستال ») (1) . 


والمواطن التي تخدم هذا المعنى كثيرة في مؤلفات الجاحظ أبرزها 
إثنان ؤرذا ي الاك والتبيين » يقوم المؤلف فيهما بدور الناقل - الناقد إِذ 
يتدخل إثر كل رواية تدخلا صريحا يدل على مدى تبلور المتصور والمصطلح 
في ذهنه » وأهم” من ذلك فهو » في التعليق » يطابق في الاستعمال بين كلمتي 
( البيان » و١‏ البلاغة » بلا حرج أو تململ . 


فقد نقل تعريف جعفر بن يحيبى للبيان حيث يقول : وأن يكون 
الإسم يحيط بمعناك ويجلى عن مغزاك » وتخرجه عن الشركة » ولا تستعين 
عليه بالفكرة . والذي لا بد منه » أن يكون سليما من التكلف بعيدا عن الصنعة» 


(1) تذهب المدرسة م « الإنشائية » على لسان أحد أعلامها . تودوروف (100015097' طماء1:2) 
إلى أن وعي الإنسأن باللغة يدور على قطبين :. القال الشفاف (أضعتة م قمعا ذكنامء35) 
والمقال الحاجز أو الشخين (088016 125ام0156) . أما الأول فإنه يسلمنا إلى المعنى 
و يختفي هو ذاته عن الإدراك . و ألثاني ا ا و كي من ضور وأشكال. لا 
تلمح شيئا وراءه » وتماشيا مع : نظر يتهم في الآدب قالوا إنه لا يحيل إلا على نفسه ولا 
در جع إلى حقيقة خارجية . وأطرف ما نتج عن هذا التصور فى رأينا وقوفهم عل 
وظيفة من وظائف البلاغة لم ينتبه من جاء قبلهم إليها وغي برخلق اليعي يو جود الكلدم؟ 

يقول 00 : 
ع أوعتء ,ع11011مأقط 12 ع0 ممأعطمة 20017116 عطنا ع1 كتعتناو غله17 م0 >» 
001 1228386 ع[ .15نامه015 تدك ععمعاكاعة'1 ع0 ععمعك قممك ععلمعم عتلة1 كلامم 
وممل ععقغتاطه*5 1 عمق كهم عأوتدعام وومطه عماتتة عكاأعصتقصدم ؤثنان أنهنة عم 
. .< هع 1ط تامصمممه 12 


انظر : 102-103 .مم ,1967 كلقةآ رع5كتام له[ ,نه 1لمء111/1عو1ى أء 1ه 111167 


167 


بريئا من التعقيد » غنيا عن ن التأويل ) (1) ويضيف مباشرة بعده أن" : ( هذا 
هو تأويل قول الأصمعي : ( البليغ من طبق المفصل وأغناك عن المفسر ) 
ونستنتج من هذا التدخل أمرين : أولهما ما ذكرنا من تكافؤ مصطلحي « البيان ) 
و« البلاغة » في الدلالة » وحمل المؤلف الصفة المشبهة « بليخ ) وما تعاق بها 
عل عد" والبيان 0 


وثانيهما استغلاله بعض السياقات لتفسير بعضها الآخر فينضاف إلى معناها 
في ذاتها معنى ني غيرها فيحتوي النص النص ويصبح التأليف بينها طريقة 
دمن طرق المعرفة الحية » ومؤشرا نستعين به عا لحرا رو اا ام 


فتعريف الأصمعي بصرف النظر ء عن موقع صاح حبه زمنيا اتمقالة في تحسّس 
حدود البلاغة © مر 00-8 سق حيث ١‏ تتخلص العبارة من الشحنة المادية التى 


يكشف عنها التعريف بالتشبيه » تشبيه الكلام بالذريحة والمتكلم بالجر 0 
والبراعة بإصابة المفصل ٠‏ وهو لذلك محمسل لا يمكن أن ن تستخرج منه 
معطيات عملية إلا بضرب من التأويل أ وو بحمله » كما فعل الجاحظ هنا » 
على حد" آخر أكثر تمكنا منه في العلم لأنه يعتمد على الخطاب المباشر الصريح. 


أها"الموطح لقان ليعكاي افيه" اسان 6 فنينها كور الرروارة بخوا لبعد 
البلاغة نجد الجاحظ يستعمل بي التعليق كلمة البيان . 


فقد نمل عن العتابي قوله ني تعريف البلاغة والبليغ : كل" 
أفهيمك حاجتك من غير إعادة ولا حبسة ولا استعانة فهو بليغ (1) وبعد 
خمسين صفحة يشعر بالحاجة إلى تدقيق هذا التعريف وضبطه فيقول : « فمن 
زعم أن البلاغة أن يكون السامع يفهم معنى القائل » جعل الفصاحة واللكنة 
والخطأ والصواب ٠»‏ والإغلاق والإبانة » والملحون والمعرب »+ كله سواءء » 
وكله بيافا (...) وإنما عنى العتابي إفهامك العرب حاجتك على مجاري كلام 
العرب الفصحاء ) (2) . 


(1) البيان والتبيين » 113/1 . 
(2) البيان والعبيين » 162/1 وقد أبرزنا في النص الكلمة موضوع البحث . 


168 


ومن أهم ما يلفت الانتباه في دلالة هذا المصطلح » بالصورة التي رتينا 
مراحلها » الانتقال التدريجي في موقف الجاحظ من التعلق بالغايات 
والمقاصد من إقامة التواصل وتحقيق الفهم والإفهام إلى الوعي بأهمية الوسائل 
ومسالك الأداء . فلئن كان البيان في المرحلتين الأولى والثانية الكشف عن المعنى 
من أي طريق كان » فهو في الثالثة ولا سيما الرابعة كيفية في بلوغ تلك الغاية 
وهيأة مخصوصة يكون عليها الخطاب تجعله معطى حضوريا قائما بذاته بينم 
كان في الفعل اللغوي العادي غائبا مختفيا وراء ما يؤديه . 

وليذاا التمن ام كوه عي م فى ا الواجزا قبية انسل الملج: وك 
الكيفيات والهيئات وتفحّص أشكال الخطاب وصوره طبق ما بحيط به من 
ملابسات وما يتنزّل فيه من أوضاع . فسطر للبلاغة نهجا وضبط حقل اهتمامها 
باعتبارها علما بطرق القول وأفانين التعبير تقوم عليه شرعية وجودها في شجرة 
علوم اللسان . 

د عد مد 

إلا أن" البيان اللغوي في أنم” صوره وأرقى نماذجه ني حاجة إلى وسائل 
أخرى تعضده وتساعده على الإحاطة بعالم المعاني وتحقيق مقاصد المتكلم من 
اللغة وحاجاته في التعبير . وينبنى رأيه هذا على مذهبه في علاقة الأسماء 
بالمسميات ونظريته في المعاني ١‏ ْ 

أممّا العلاقة بين « السلّمات » والمدلولات فقوامها نظرة فلسفية مثالية 
تفصل بين « المعاني » و«الألفاظ » وتقر لتلك وجودا خارج هذه » سابقا 
عنها » بحيث لا يتوقف كونها على كوله . 

ولهذه النظرة آثار عميقة في تفكير الجاحظ البلاغي وجل البلاغيين 
العرب بعده إذ في تربتها الفكرية الخصبة سينمو الانفصال بين عالمي الدوال 
والمدلولات مما مكدّن ثنائية اللفظ والمعنى أو الشكل والمضمون أن تأخذ برقاب 
هذا العلم وتتصدار قضاياه الكبرى . 


1069 


إلا أن القطيعة ليست مطلقة لآن أسبقية المعاني وانعتاقها من رتبة اللفظ 
أمر نسب إذ هي قبل أن تتشكل وتتلبس للبوس العلامة ؛ موجودة في معنى 
1500 (1) - على حد” تعبيره سد . 

ومن هذه ١‏ المترلة بين المنزلتين ») : الكون الصريح » والعدم الصريح » 
وتجدت الألفاظ سبيلا إلى المعانى وتعلّقت « أنطلوجيا » بها على هيأة ما . 
وتحدا”دت وظيفتها ‏ أي اللغة ‏ باستكشاف عالم المعاني وإبرازه وإحيائه . 


لكن هل في قدرة اللغة أن تحيط بكل" المعاني وتأتي على جميع مراتبها ؟ 
إن" جواب الجاحظ عن هذا السؤال الضمني في مؤلفاته صريح وإن كانت 
المبالك المؤذية إلنه متقايعة. ‏ والنرهان مستغلقا أحبانة + “دز ) عن أن المعاني 
قن .عن الأشهاء واشاعاك تعرز منادمن الات ونفوت ذرع 
العلامات ») (2) . 


والسبب في رأيه » اختلاف المعاني وتنزلها في مراقب وطبقات لايعم 
إدراكها بنفس الصورة » فتتفاوت قدرتنا في التعبير عنها . وثي ١‏ البيان 
والتبيين » و« الحيوان » نصوص هامة مخصصة لبحث أصناف المعاني إلا 
أنها لا تخلو من التعقيد والتناقض مما بجعل الاستفادة منها ضيًّقة محدودة . 
ثم" إن" صاحبها لا يلتزم نفس المقاييس أو ما تشابه منها فتلقاه » في النص 
الواحد » يراوح بين الاعتبارات الكمية » والمعيارية الانطباعية » والمنطقية 
اللغوية (3) . 


واد تمقف راتت امنقاة الو لشو شل ما راسق ا يقنة 
المتكلمين : خاصة المعتزلة” الذين اعتنوا بصناعة الكلام ورتبوا لكل معنى 
طريقة قُ الجدل معخصوصة تراعى قوانين تلك الصناعة . وهذا التصنيف 4 


(1) البيان والتبيين » 75/1 . 
(2) الحيوان » 102/5 . 
(3) الحيوان » 8/5 . 


100 


على تواتره » غير واضح تمام الوضوح لعموض التركيب » والعاظله بن 
الكلمات يقول : « ولو لا الإشارة لما فهموا عغنك خاص” الخاص »؛ إذا كاد 
أخص”" الخاص" قد يدخل ني باب العام" ؛ إلا أنه أدنى طبقاته » وليس يكتفى 
خاص الخاص بالافظ عمًا أداه » كما اكتفى عام العام والطبقات التي بينه 
وبين أختص الخاص" » (1) ويمكن توضيح هذا النص بالرسم الآني : 


خاضٌ لناظ ١‏ ىن 37 مالعا 


لايتى باللفظي يكني بالفظ عمّا أدال 


فلعل” النقطة الوحيدة البينة هنا ما يتعلق بحاجة البيان إلى وسيلة أخرى 
تعينه بل إن منها ما يتبوأ منزلة الشرط الضّروري لوجوده شأن الإشارة ني هذا 
النص . ونفس المعنى موجود في أحد سياقات ١‏ البيان والتبيين ؛ حيث يبرز 
بالانضباط المنهجي في موطن يشعر فيه القارىء بأشد” الحاجة إلى أن تطلق 
النفس على سجيتها ف عرض المعرفة كعادته : 

«والإشارة واللفظ شريكان » ونعم العون هي له ونعم الترجمان هي 
عنه » وما أكثر ما تنوب عن اللفظ وما تغني عن الخط (...) ولولا الإشارة 
م يتفاهم الناس معنى خاص الخاص ولجهلوا هذا الباب البنة . ولولا أن" 
تفسير هذه الكلمة يدخل في باب صناعة الكلام لفسرتها لكم » (2) . 








(1) المصدر السابق » 50/1 . 
(2) البيان والعبيين » 78/1 . 


101 


ولئن ذهب في النص الأول إلى عدم كفاية اللغة لتأدية هذا الصنف من 
المعاني واعتبر الإشارة فيه وني النص الثاني شرطا ضروريا لبلوغه فإنه يجزم 
في محل" آخر بعجز اللغة تماما عن التعبير عنه والإحاطة به فأدرجه ضمن ما 
لا اسم له ء ويصبح العلم به » إذ ذاك » من طريق الوسائل الأخرى بالضرورة . 

(فمما لا اسم له خاص الخاص . والخاصيات كلها ليست لها أسماء 
قائمة . وكذلك تراكيب الألوان والأراييح والطعوم ونتائجها » (1) . 

على هذا التمط استدل اللجاحظ على حاجة اللغة إلى وسائل التعبيسر 
الأخرى ؛ خاصة الإشارة (3) » وعلى مذهب آلخر في تصنيف المْعاني أقرٌ ضرورة 
تلك العلاقة وتجاوزها إلى تفسير ظهور وظيفة من وظائف اللغة الرئيسية سنماها 
القدماء تفسيرا أو تأويلا ويسميها العلماء باللغة والشعر اليوم « وظيفة ما وراء 
اللغة » عندما تدور اللغة على نفسها وينكشف بعضها يا بصياغة النص 
صياغة أخرى تتحوّل بموجبها البنى والمعاني تبعا لملكات الذهن وقدرته على 
الإدراك . 


فعالم المعاني ؛» عند صاحب (الحيوان ) » « معان مفردة) و «معاث 
مشتركة وجهات ملتبسة » . وليست حاجتهما إلى اللغة عين الحاجة . فتقريب 
القسم الثاني من الأذهان وإيصاله إلى عامة الناس لا يتسنى بمنزلة المتكلم قي 
البلاغة والبيان لأن” المعنى يستدعى مستوى في التعبير معينا لا سلطان لهذه 
الفننواث :عليه إذ لسن ف مساك أن تسوى بين أقدار المعاني لتستوي 





(1) الحيوان » 201/5 . 
(2) في البيان والتبيين جملة من النوادر تخدم هذا المعنى لعل أوضحها دلالة على الفغرض ما كان 


بين (, أنى شمر 0 أحد أبمة القدرية ألمر جئة دو أبراهيم النظام 0 المعتز لي كد كان 0 أبو 
شمر إِذا نازع لم يحرك يديه ولا متكبيه » ولم يقلب عينيه » ولم يحرك رأسه » حتى 
كأن كلامه يخرج من صدع صخرة . وكان يقضي على صاحب الإشارة بالافتقار إلى 
ذلك » بالعجز عن بلوع إرادثه وكان يقول : ليس من حق المنطق أن تستعين عليه بغيره 
حي كليه اواهيم بن سيار الندام عند أيوب بن جعفر فاضطره بالحجة وبالزيادة في 
المسالة » حتى حراك يديه وحل حبوته وحبا اليه حتى أخذ بيديه . وفي ذلك أليوم انتقل 
أيوب من قول أبي شير إلى قول ابراهيم » 91/1 . 


102 


الألفاظ ؛ ومن هنا جاءت الحاجة إلى التفسير والتأويل لأن” طاقة اللغة على 
الإفصاح والإبانة محدودة بحيث لا يمكن أن يكون المعنى دائما في ظاهر اللفظ . 


« والمعاني المفردة » البائنة بصورها وجهاتها » تحتاج من الألفاظ إلى 
مما تحتاج إليه المعاني المشتركة ٠‏ والجهات الملتيسة . ولو جهد جميع 


أقل 
0-2 

ع 3 و مه وعم اس 5 

أهل البلاغة أن يسخبروا مسن د ونهم عن هذه المعاني » بكلام وجيز يغني عن 

التفسير التاق + والإشارة بالين:والرأشن مد خا قدروا عليه (...) وليس ينبغي 

للعاقل أن يسوم اللغات ما ليس في طاقتها ويسوم النفوس ما ليس في جبلتها . 

ولذلك صار يحتاج صاحب كتاب المنطق إلى أن يفسره من طلب من قبانه 


علم المنطق » وإن كان المتكلم رفيق اللسان » حسن البيان » (1) . 
“د كاد د 

وواضح » مما تقدام » أن المقصود بالإشارة » وهى أهم" أنواع 
الدلالات صلة باللغة حتى كاد حدرثه يقتصر عليها 7 ما بيدو على ملام المتكلم 
وقسماته أو ما يقوم به من حركات تلمحها عين الناظر : 

« فأما الإشارة فأقرب المفهوم منها : رفع الحواجب . وكسر الأجفان » 
ولَئى الشفاه » وتحريك الأعناق : وقبض جلدة الوجه » وأبعدها أن تلوي 
بثوب على مقطع جبل تجاه عين الناظر ٠‏ ثم ينقطع عملها ويدرس أثرها » 
ويموت ذكرها) (2). 

وهنا يطرح سؤال هام : هل يبقى الجاحظ » رغم استنتاجنا أنه 
فائحة نمط ثقافي جديد وطريقة في المعرفة لم يسبق إليها » رهين التقاليد العربية 
في التواصل حيث يكون الباث متكللما والمتقبل سامعا » وفي هذا من التناقض 
فالا يخم © 





7 الحيو ان ع : 
(2) الحيوان » 48/1 . 


113 


ويمكن أن نصوغ نفس السؤال صياغة أخرى ٠»‏ إذ كانت اللغة » في 
الخطاب المباشر » تتجاوز قصورها بمعطيات سياقية غير لغوية » فما السبيل 
إلى ذلك عندما تكون مكتوبة ولا دليل على ما تؤديه إلا" قيامها في النص ؟ 

إن" الإرباك الناتج عن الشعور بالتناقض سرعان ما يزول . فالمتتبع 
لنصوص ١‏ أبي عثمان » يلاحظ تطورا في مفهوم الإشارة من كونها نوعا 
. من أنواع الدلالات على المعاني إلى معنى آخر لتصيق بنظريته البلاغية والأدبية 
العامة . ومحرك ذلك تفطدنه إلى قدرة اللغة على تجاوز قصورها قدرة ذاتية 
بما يكمن فيها من طاقات يصبح الخطاب » بتوظيفها وتفجيرها » قادرا على 
رسم شبكة من العلاقات والمسارب إلى المعنى يستغنى بها عن حضور قائله » 
ويستعيض بالسياق اللغوي الداخلي عن السياق الخارجي ٠»‏ وأهم تلك القدرات 
طاقة الإيحاء التي تصبح » من بعض الجهات الرديف الأدبي لفهوم الإشارة 
في التخاطب العادي . وسيكون لنا إليها عودة في محل آآخر من هذا العمل . 

وسئرى أن ١‏ المجاز » جملة ليس » في نهاية المطاف » إلا" ضربا من 
توليد اللغة وتجاوز لقدراتها الوضعية المحدودة تسعى بواسطته تجاوز ذاتها . 


1014 


رأينا أن" الجاحظ يولي دلالة اللغة مكانة” خاصّة وأقمنا من هذ 
الموقف دليلا على أنه 556 ا أنواع الدلالات وأكشرها تعبيرا عن 
حاجات الإنسان فتنرّلت من وجوهه منزلة الضرورة والحد المميّر له عن 
سائر المخلوقات . ْ ش 

واكلفك التكر” 1 العقازاةالليعاة العو لريقة“" ف لاعلا جتنا 
من الطترافة لا يقل" عن حظها من الغرابة » وقد سبق أن قلنا إِنّها نوع من 
البرهان بالخللف ينُشرَّع الظتاهرة بتعذار التقيض . 

فمن المسائل التي شغلت ١‏ أبا عثمان » واستأثرت بنصيب هام من جهده 
66 الشنائي التقابلي : النطق / الصمت في مواضع متفرقة من 5ثاره (1) 
وتوسعه في الاحتجاج لفضل الأول على الثاني : 


69 خص الجاحظ هذا ا موضوع برسالة عئوانها « تفضيل النطق على الصمت » وقد نشرت 
أول مرة على هسامش الكامل للمبر د » مطبعة التقدم » مصر 1324-1323 هع 
٠ ,. 72‏ ثم تمك في مجم و عتين تاليتين : مجموعة محمد ساسى ©» مطبعة التقدم » مصر 
5 ه. ص 148 - 154 ومجموعة ريشر (2عطوة2) شتوتغارت ممع ط8) 21 
ص 182 - 186 , 

و تخل آثاره الأخرى من إشارات إلى الموضوع لعل أهمها ما ورد في البيان و التبيين 
حيث لجد ( يأبا ااصدف 2 1934/1 وما بعدهأ 20 انظر أيضا نفس المصدر 6-1 34 
8ع 2712-0 . 

وانظر في نفس ا رسااتيه في الجد والهزل و صناعات القواد ضمن م«جموعة 
عبد السلام محمد هارون » 258/1 - 259 2 381-01 


115 


وموطن الغرابة في القضية هو هذا الجهد في الاحتجاج لأمر يبدو من 
تحصيل الحاصل حتى لكأن" الجاحظ يجعل البديهيئات والمسلّمات قضايا 
برهانيسة” جدليكة” : 

د 36 34 

فلماذا » يا ترى » هذا الاهتمام الكبير بالمسألة وهل من أسباب كامنة 
وراء ظاهرة الاستدلال لفضل الكلام ؟ 
وعبّر أصحابها عن آراء متضاربة . ولم يقتصر على مجرد الجمع والمقابلة بين 
المواقف بل رجح بعضها على بعض لأن المسألة » في ما يبدو » على صلة 
متينة بمعتقداته الشخصية صادرة عن تصور لدور المثقف قُ المجتمع : 

فمن تلك الأشعار والمرونات ما يشيد بفضل الصمت ويدعو إليه 
معتبر أ إياه من صنوف البلاغة حتى إن" ادن المقفسع افتتح به تعريفه : 

( البلاغة اسم جامع معان تجري في وجوه كثيرة . فمنها ما يكون في 
السكوت » ومنها ما يكون في الإسماع و1 

كما عداوه من المناقب الي التيدعط على المينت يذكرونها في مرائيهم » 
نكن زازق الجقان فر دريف "اكد دروفلل هانن 
صمُونا في المتجالس غير عي ١‏ ديرا حين” ينطق بالصٌواب (2) 

ونستنتيج من ألبيت الثانق ومن أبيات وق أثبتها لنفس الغرض أن 
فضله مشروط بألا يكون تسترا عن عى وتساّما من عيب لأنه » والحالة تلك 
يصبح ١‏ أجلب للعيوب) 3) . 


(1) البيان والتبيين » 115/1- 116 , 
(2) المصدر السابق » 3/1 -6., 
(3) المصدر السابق » نفس الصفحة . 


116 


واستحبّوا الصمت وففرّلوه إن لم تكن «المقامات » مواتية فيسلم 
الإنسان من إحلال المنطق في غير مله : (مجزوء الكامل) 
والضيية حمل بالفتى مسن منطق قُ غير حيئه )1( 


ولربّما دعاهم الخوف من زلل القول وزلل الرأي وجسوح اللسان 
والوقوع في الفضول والإسهاب والسلاطة والهذر إلى تفضيل الصمت «2) 
عملا بقول النبي (ص) : (ما أعطي العبد شرًا من طلاقة اللسان) (3) . 


او" سحي د درا لكر تاك ال 5ق هذا الراقف» وعت 
رد" فعل الجاحظ إزاءها يتبيّن أن" المسألة ليست لغوية بحتا » بل إن 
مظهر ها اللغويّ لا يعدو أن يكون طلاء خارجيا تشحركه أسباب باطنية تمكس 
موقفين متقابلين من السلطان والسلطة بمختلف أشكالها » أو إن شنت فقل 
إنّها تعكس موقفا من فكرة ١‏ الإمامة » علمية كانت أو سياسيّة . والأدلة 
على ذلك كثيرة منها ما ينطق به لسان حال المدافعين عن الصمت ٠‏ ومنها ما 
استتسخلصناه من تصدي خصو مهم لهسم وعلى رأسهم الجحاحظ 5 

فكثير من حجج الفريق الأول ذو طابع سياسي واضح تعتبر الصمت 
مذهبا في التحفظ من الأذى واتقاء الشرّ » ولذلك تواترت ني أحاديثهم 
عبارات الندم » والشر » والجلد » والقتل » وكللها تنم عن الخوف من العقاب 
وما قد بجر الكلام لصاحبه من القمع والتعذيب وهذه نماذج من كلامهم : 

وقالوا : مقتل الرجل بين يبه وفكيه » (4) 

«وقالوا : ليس شيء أحق” بطول سجن من لسان ) (5) 
(1) البيان والعبيين » 197/1 . 
(2) المصدر السابق » .197/1 . 
(3) المصدر السابق » 194/1 . 


(4) المصدر السابق » 194/1 . 
(5) المصدر السابق » 194/1 . 


17 


«قال لقمان لابنه : أي بتى » إني قد ندمت على الكلام ولم أندم على 
السكوت ) (1) 

« وقال الآخر : في الاحتراس والتحذير : (خفيف) 
اخفض الصوت إن" نطقت بليل والتفنت بالنهكار قبل" الكثلاام (2) 

«ولا تسمع الناس يقولون : جلد فلان حين سكت » ولا قتل فلان حين 
صمت ونسمعهم يقولون : جلد فلان حين قال كذا » وقتل حين قال كذا 
وكذا) (3) . 

ويعمد هؤلاء لتأكيد رأيهم ونصرة مذهبهم إلى الحجة النقلية فاختاروا 
من الأحاديث الأثورة ما يندرج ضمن مشغلهم فرووا منها « رحم الله من 
سكت فسلم ؛ أو قال فغنم ) واعتبروا السلامة فوق الغنيمة » لآن السّلامة 
أصل والغنيمة فرع (4) . كما رووا عنه قوله : « إن الله يبغض البليغ يتخكل 
بلسانه » تحتل الباقرة بلسانها » (5) . 

وقد أطلق الجاحظ على هذا الفريق اسم ( المعترض على أصحاب 
البلاغة والخطابة » (6) وأطلق على الفريق المخا! ف لهم في الرأي » وهو رئيس 
نحلتهم ولسان حالهم والمدافع عن مذهبهم ؛ ( صاحب البلاغة والخطابة وأهل 
البيان وحب التبين ) (7) . 

وقد ذهب في الرد” عليهم مذاهب شتى » فتعدةدت الحجة » وتنوعت 
سبل الاستدلال . إلا أنها. جميعا تخدم ؛ في رأينا » موقفه المبدئي المشهور 
الداعي إلى ضرورة أن يُدلَى العلماء برأيهم » ويتخرجوا من صمتهم 








(1) البيان والتبيين » 269/1 . 

)2( المصدر السابق » 269/1 , 

)03 المصدر السابق » 270/1 . 

4( و(5) »ع الصلاق السابق : 270/1 --271 . 
(6) البيان و العبيين 6 269/1 . 

(7) نفس المصدر » 271/1 . 


18 


902 2 55 2 5 و 58 
وتقيتهم »؛ وهو موقف لا يمكن أن يبحمل على كونه مجرد” شغف باللغة 
والبلاغة . 


دوفع أن كو شيينا نكن" يعدن كسد من كان لافنا , 
على أنا 000 من العبرة أكثر سا توسدوا, "كيل أن تن قدنا فد دق 
العبرة أكثر مما وجدنا . فما يتنتظر العالم بإظهار ما عنده وما يمنع 
الناصر للحق من القيام بما يلزمه . وقد أمكن القول وصلح الداهر وخوى 
نجم التقية ؛ وهبست ريح العلماء » وكسد العي والجهل ؛ وقامت سوق 
البيان والعلم » (1) . 


وفاتئحة احتجاجه طعنه بحداة » قل" أن نصادف مثلها في مؤلفاته في ما 
اعتمدوا عليه من ١‏ روايات معدولئة وأخيار مدخولة ( 22( ورأي مبتد ع 
أمانهاررواو عه دادو المأثورة فقد رده عليهم بطريقتين : ببيان أن- 
مضمونها لا يصلح حجة لا ذهبوا إليه » لأن التبي (ص) ١‏ إنما عاب 
المتشادقين والثرثارين والذي يتخدل بلسانه تخذل الباقرة بلسانها » (3) وعلى 
موقفه أهل” الأدب من الخطباء والبلغاء وأصحاب البيان وحب التبيّن . 
6 5 م اال" ام .0 و - 5 6ه 
وبال كثار من النقل عن القرا ن والسنة مما سجرىء على التماس البيان والتوق 
من الخطابة إلى أرفعها درجة وأعلاها سورة (4) . 


أما الدرجة الثانية في الاحتجاج فتنبني على معطيات تاريخية وتستمد" 
قدرتها على الإقناع من إقرارها أمرا واقعا وحدثا تاريخيا ثابتا » وهى لا تتأتى 


(00 العيوان 8086/1 .وقد أبزز نا ف انما يدل عل أن المسالة تفحاور مدرو اللي 
على فضل اللغة . كما أنه لا يضير مذهبنا في التأويل أن يحمل مضمون هذا القول نفسه على 
أنه انسجام ايديواوجي ودعاية الحكم القائم » فليس غرضنا تقصي مواقن الجاحظ السياسية » 
وإنما مرادنا تبيان أن ثنائية النطق/الصمث مينية في مؤلفاته على موقف باطني غير لغوي 
وإنما يمكن أن تعتبر مفتاحا من مفاتيح تفكيره السياسي . 

(2) البيان والتبيين » 200/1 . 

(3) المصدر السابق ٠»‏ 171/1 . 

(4) المصدر السابق » 200/1 -201 , 


109 


إلا لعقل كعقل الجاحظ يجد الحجة حيث طلبها . فمن ذلك قوله 
« وبالكلام أرسل الله أنبياءه لا بالصمت » (1) وي هذا الصدد نلمح أنه 
بهتم” اهتماما كبيرا بأسلوب الحجّة وشكلها فتخرج ني بناء لغوي ناطق 
بالتناقض فيحصل الاقتناع من شدة الوضوح والجلاء وتعجب القارىء 
واستمتاعه : ١‏ والرواة لم ترو سكوت الصامتين » كما روت كلام 
الناطقين ) القن «واون 3 ذلك سروه ]يدث فك ديع فتن :ا االقتر ا وك نوات 
الرسالة السماوية جاءت كلاما ولم تأت صمتا ويخرج من ذلك إلى أن" الذي 
قف ا الصيق بحب أنه فول سان" 7 عم اران الفحل مسن 
القرآن) (3). 

وبقية الحجج عقلية محض تكشف عن قدرنه الفائقة في الجدل والمحاجة » 
وتبين عن جملة من القناعات الفكرية والفلسفية لديه » لعل" أطرفها ربطه بين 
العضو ووظيفته ربطا عالينًا وجوديا بحيث يكون تعطل الوظيفة إيذانا بموت 
القضو نيه أو قناذه عل الأقل” + والعواهد لذلك كثيرة منها ما جدعة ومنها 
ما ابتدعه في شكل مقرّرات نظرية . فمن النوع الأول أن يزيد بن جابر 
قاضيّ الأزارقة « يقال له الصموت لأنه لما طال صمته ثقل عليه الكلام » فكان 
لسانه يلتوي ولا يكاد يبين » (4) ومن النوع الثاني قوله في أهمية الدرية 
والمران : « واللسان إذا أكثرت تقليبه رق" ولان ]ةا اقالة تقلنية وأظلت 
إسكانه جسأ وغلظ (...) وأية جارحة منعتها الحركة » ولم تمرنها على 
الاعتمال ٠»‏ أصابها من التعقد على حسب ذلك المنع ) (5) . 

وني هذا الاتجاه يربط بين حياة اللغة وحياة الفكر في رؤية فلسفية 
لا تنفصل فيها الفكرة عمّا يؤديها تماشيا مع نظريته العامة التي تجعل اللغة 








(1) و(2) البيان والتبيين » 272/1 . 

(3) رسالة في الجد والهزل » مجموعة هارون ؛ 258/1 - 259 . 
(4) البيان و التبيين © 38/1 . 

(5) المصدر السابق 272/1 . 


1060 


إحياء للمعاني وخروجا بها من حالة « الوجود ‏ العدم ) والخفاء « وإذا ترك 
الإنسان القول مانت خواطره » وتبدات نفسه وفسد حسه) (1) . 

أمما من الوجهة العملية التطبيقية فإن” الصمت قطع للمرفق والمعونة 
وإبطال للمنفعة وهذه مظهر من مظاهر اجتماع الناس وسبب رئيسي من أجله 
تواضعوا على اللغات » فما من أجله لا يكون الصمت أنفع والإيثار له أفضل » 
أ نفعه لا يتجاوز صاحبه بينما نفع الكلام عام وفضيلته أبين والحاجة إليه 
أمس” (2) لما فيه من الشاهد والمثل وهما مدار العلم (03. 

ومما يؤكنّد الصبغة السياسية في هذه المسألة قول الجاحظ في خضم 
الاحتجاج « ومعنى الصامت في صمته أخفى من معنى القائل ني قوله » وإلا 
فإن' السكوت عن قول الحق” في معنى الندطق بالباطل » (4) . 

والنتيجة الطبيعية أن يدعو المؤلف وقد فرغ من استعراض الحجج إلى 
البيان والتبين والخروج عن طاعة الداعين إلى تهيب الخطابة والبلاغة . 

إلا أنه على عادته قُ البحث وتقيدا باللأوساط و«المقادير ) وحتى لا 
تتناقض مكونات جهازه الفكري العام فينسد باب القول في البلاغة وتفضيل 
طريقة في القول على أخحرى تراه يحذار من ١‏ الإسهاب المتكلاف والخطل 
المتزيد) (5) ويشتر ترط في المتكلم أن تكون له في البيان طبيعة وبعض المناسبة 
حتى لا يكلف نفسه ما سق آمل لف+ » فيكون ألوم والاعتذار له أعزّ . كما 
نجده في أكثر من موضع يعلدّق بالصّمت قيمة بلاغية تساوي » وقد تفوق في 
بعض المواضع والمقامات » قيمة: الكلام » فيصبح عندها التكلف فضلا 
والكلام خطلا) (6) . 


(1) المصدر السابق » 272/1 , 

(2) البيان والتبيين » 272/1 . 

(3) البيان والتبيين » 171/1 . 

(4) آلبيان والتبيين » كا 

)5 البيان والعبيين . نفس الصفحة 

(6) انظر : رسالته في نفي التشييه » مجموعة هارون » 307/1 . 


161 


ولذلك يمكن أن نرى للجاحظ موقفين من القضية : موقفا مبدثيا عاما 
يدخل في نطاق مقارعة الخائفين والمتهيبين الذين يقدامون السلامة على المنفعة 
ويدعون إلى الصمت تقية وتجنبا للمكاره » وموقفا بلاغيا فنيا يكتسب فيه 
الصمت دلالته من الموضع والمقام . وبذلك استطاع أن يوفّق بين موقفه الصارم 
ن الأولين واستغلال قيمته ني إطار نظريته البلاغية العامة . ولعل” أحسن ما 
يمثل هذه النرعة التوفيقية قولّه الذي بدا لنا زبدة. رأيه في الموضوع . 


ن الصّمت كله أفضل من الكلام كلّه ولا الكلام كلّه أفضل من 
0 03 ؛ بل قد علمناأ أن” عامة الكلاء أفضل من عامة السكوت ) (1). 


3 جد 


انتبه الجاحظ إلى أن الفعل اللغوريّ : مهما كان الحيّر الذي يتنرّل 
فيه » وبقطع النظر عن مقاصد مّنجزه وغاياته » يقوم على ثلاثة عناصر 
ركسة تمد اد الأدلىي للبيان اللغوي وهي المتكلّم والسامع والكلام (2) . 
ولئن لم نقف في مؤلفاته على صياغة نظرية مباشرة لهذا الاعتبار » كما 
هو الشأن عند أرسطو (3) مثلا » فإن” كل” تحليلاته اللغويّة ومقاييسه البلاغية 
ترتكز على ما بين هذه العناصر من تلاحم وتفاعل . 


00 البيان ويد 6 171/1 

(2) احتفظنا م في الإشارة ألى هذه الأطر أف © بأكثر المصطلحات تواترا في آثار الحاحظ . 
وإلا فإننا نضا 2 اجتنابا ( كراد كفة 0 الملفوظ 01 على )0 الخون 01 هذه الل من 
المصطلحات : المر سل (أو الباث) المرسل إلية (أو المتقبل) و لرسالة (أو الخطاب) , 

)3( جاء ف 0 الكتاب الأول « من 0 خطابة » أ رسطو أن عناصر الكلام أو الفول كلاثة : 
المتكلم 6 وموضوع الكلام 6 ومن ندواجه إليهم بذاك الكلد 
أنظر : ,ر1023هعلمتاتصططام مط ,< عناو 7/1610 02100 » : 5عطتموظ لصه[ه ك1 

.179 .م ,1970 ,16 
وقد 0 ذلك بدوي طبانة في كتابه : النقد الآدبي عند اليوفان » ط 2 » المطبعة الفنية 
الحديثة » القاهرة » 1969 0 1 إلا أنه 1 يشر جم فيما يبدو نص و-أرسطو » ثر جمة 
حرفية واكتفى بتلخيص ما جاء فيه على ا : 
إن العناصر التي تتدخل في "كل خطبة وتؤثر فيها لا 
القائل وهو اقلت 
2 الذي يعمل فيه القول « موضوع الخطبة ») , 
3 - والأين يوجه إليهم القول وهم السامعون . 


1052 


وتفطنه إلى هذا الجانب أمر ذو بال » لا ينقص من قيمته أن كان أتاه 
ابتداعا واختراعا وتأثرا 2 ونحن إلى اعتباره » عنللك الجاحظ 4 ابتداعا أميل 
للأسباب الواردة قي القسم الأول من هذا العمل 


ذلك أن" « فرقعة » ظاهرة التواصل إلى مكوناتها الأساسية لم تتم إلا ني 
حقبة متقدمة من هذا آلقرن ني نطاق ما أطلق عليه « نظرية التواصل ») (1) وهي 
نظربة تهسم” بكل” أشكال الخطاب مهما كانت « السنّة ) (2) المستعملة 
و« القناة » (3) المختارة . ويقوم « ( مخططها ) 00 القاعدي على العناصر الثلاثة 
التي ذكرناها مع العلم أن" الخطاب أو الكلام ينقسم بصفة 5 لية إلى قسمين : 
الكلام ذاته وموضوعه . فيصبح التقسيم الثلاثي رباعيا . 

وقد استفاد علماء اللغة ونقنّاد الأدب والفن » اليوم » من هذه النظرية 
استفادة كبرى واستطاعوا بتطبيقها على ميادين اختصاصهم أن يتقداموا 

وكان لرومان ياكبسن (78100500 .2) (5) فضل السبق في توظيفها 
للتقدم بالأبحاث الشّعرية والأسلوبية والخروج بها من اللمأزق الذي تردات فيه 
لتحديد ١‏ أدبيئّة » (6) الأدب. فقد كانت جل" الأبحاث قبله تعتمد » لتحديد 
تلك الأدبيّة » على خصائص الخطاب ذاته ومقاباته بالخطاب العاديّ الذي 
تتجراد فيه اللغة من كل بعد فد ي أو يكون البعد الفنتي » في الدرجة الصفر (7) 


(1) 6ه0هء تستتتصصمه 12 عل عأرمفطا 1 
(2) 0606© 
(3) لقصده 
(4) مسقطعة 
(5) انظر مؤلفيه الأساسيين : 
رقلكة5 رغخطته2 .لام كتتتستالا عل .60 ,عله «قدقع 26و اكتيع 1خ[ 06 كتهكدوظ (1 
.209-248 .2م ,0060116 أه 15110116تاعصذا : 136هم عوطغ4 ,1963 
.73 رولتة2 ,رلتنة5 لحل .60 ,عمي20611 ع0 ك15م11و091:6 (2 
6( 111166 
(7) 2650 مجوع0 


16563 


حسب تُعبير هم 3 ولثن استقام لهم هذا التصور من الوجهة النظرية البحت 
فإنهم لاقوا أثناء تطبيقه صعوبات جمة” شككتهم في فعاليته وقدرته 
الإجرائية » وهنا تأتي ١‏ نظرية التواصل » لتطرح المشكل طرحا جديدا يأخذ 
بعين الاعتبار الشبكة المعقدة التي وشا لعي التمقاطية موتو كفل أن 
ظروف المقال غير اللغوية كالمتكلم والسامع تقوم بدور هام في تحديد خصائص 
الخطاب » كما استطاعت أن تخرج البحث عن ١‏ ا ) من ثنائية الكلام 
الادبى والكلام العادي 2 إلى درس وظيفى متكامل بعووض قضية التعاقب 
بالسّمة البارزة » فالخطاب » كل” خطاب ٠»‏ لابد” أن يقوم على اجتماع كل 
الوظائف بما في ذلك الوظيفة الإبلاغية والشعريّة غير أن” الفرق بين أجناسه 
تكون بحسب الوظيفة الطاغية » فالخطاب الأدبى هو كذلك » لا لأن” الوظيفة 
الابلاغية فيه من الدرجة الصفر أو منعدمة وإنما لأن" الوظيفة الشعرية أو الآدبية 
هي الوظيفة البارزة . 


وقد امتد سلطان هذه النظرية إلى ميدان الدراسة الجمالية العامة ومكنت 
المختصين فيها من « تصنيف أشتات النظريات ني الفن وترتيب أنماط الدراسة 
التى تتخذ منه موضوع بحثها ) (1) . 


(:) انظر : 

2.27 ,1978 رقاعة2 رلتئدهء5 تل .60 ,كستمهء415 بق وعروعع ثع.8 : 1000203 طماء 21 1' 
وقد جمع الأمركي (قتصهءطة .01.131 هذه النظريات في أربعة أصناف يطابق كل منها 
طرفا من أطراف « مخطط التواصل » وهي : النظريات « التعبيرية م (76أووءةم<8) 
وتتعلق بصاحب الأثر وصانعه و« النفعية وناو فقصعة:م) وتتملق بمتقبل الآثر » 
ور الشكلية » (ع1اعصمحم) وغايتها شكل الأثر نفسه » و« المحاكتية » (6اهون26منتم) 
وتتعلق بموضوع الأحن : 

أما الأنماط فقد قسمها (دميوووة2 6مع2) الى ثلاثة » أفرد كل وأحد بمصطلح 
خاص » النمط الأول موضوعه دراسة عملية الخلق الفني ذاتها واحشفظ في المصطلح 
الفرنسي بما يشير إلى المعنى اليوناني القديم فسماها : ر6نانو2016 , أما النمط الثاني 
فيهتم بالأثر من «زاوية متقبله» وخصصه بمصطلح ” عنان 65561 ” وبين هذين 
القطبين تقوم « علوم الفن *”غ2ق'1 6 وععطون35 ”” وموضوعها دراسة « البنى النوعية 
اذثر » وصلة هذا التقسيم « بنظرية الدواصل » واضحة . 


1064 


ولا تقنصر أهمية ما تفطن إليه الجاحظ على ما فيه من مظاهر الحدائة 
والمعاصرة » فلقد اهتدى » في وقت مبكر من تاريخ العلوم اللغوية والبلاغية 
إلى ما يحف بظاهرة الكلام من الملابسات » وهو أول مفكبر عربي نقف في 
تراثه على نظرية متكاملة تقدر أن" الكلام » وهو المظهر العملي لوجود اللغة 
المجرد » ينجز بالضرورة ني سياق خاص” يجب أن تراعي فيه » بالإضافة إلى 
الاقف الع العف وبي فيل زايا لعي كالسات ,الام طروت 
المقال وكل" ما يقوم بين هذه العناصر « غير اللغوية » (1) من روابط » ولا نبالغ 
إن قلنا إن" مبادئه اللغوية العامة وجملة تصوراته البلاغية ومقاييسه الأسلوبية 
منشمدة من .هذا الأصل:الذئ يمفل + في ::نظر ينا العمبود الفقري لنظريته » 
والسيت في 'تذادل المعطينات اللسانية والبلاغية عنده تداغيلا متها أحياننا , 

والنتيجة الأولى المتولدة عن هذا التّصور هى أن" خصائص الخطاب 
ومواصفاته » وهي موضوع الدرس البلاغي » بيت مطلقة نظرية » كما 
أنه لا يتسنى ضبطها بمحض الافتراض وخالص الفكر وإنما هي حصيلة تفاعل 
جملة المعطيات الحافة بإنجاز الخطاب خاصة المتكلم والنتافة والغاية التي 
يجريان إليها أو ما يمكن أن نطلق عليه الوظيفة . 

ولذلك يتخذ البحث عن النظريات البلاغية وجهة خاصة يضطر بموجبها 
الدارس إلى الاهتمام بكل” هذه العناصر حتى يتسنى له إدراك الأسس التي 
تنبنى عليها ملامح النص ونوعيته . 

وتحتل” الوظيفة » وهى في مصطلحه « الغايية » (2) ودومدار الأمر» ,3( 
حجر الزاوية في هذا البناء لأنها مولد اللحمة ومحرك التفاعل بين هذه الأطراف 
بل إنها الهدف الذي تسعى هذه الأطراف إلى تحقيقه » والعلّة في وجود ظاهرة 
(1) هي ترجمة 5 المصطلح الغر نسي (عناهناةتتاههنا-هم:8) 


(2) البيان والتبيين » 76/1 . 
(3) المصدر السابق » 93/1 , 


105 


الكلام جملة : على أساسها تضبط مقوماتها ويرتسم للمتكلم الخط الذي يسير 
عل هدب يت 0 . ومن . هنا يتنرّل الحديث عنها منزلة المقدمة والمدخل 


وقبل الخوض في مسألة الوظائف وما ينجرٌ عنها من مقرّرات تنعكس 
على عناصر الفعل اللغوي بكاملها نطرح هاتين الملاحظتين : 


أ نجد لدى الجاحظ ضربا من عدم التوازن في الاهتمام يعناصر 
الخطاب يتمثّل ني ضآ لة ما خصّص في مؤلفاته للحديث عن السامع أو المتقبل » 
ولعل مرد " ذلك أن” دوره لا يعدو دور المستهلك للنص ولا يتطلب منه ذلك 
إلا حس” ن الاستتجاع:بوالقهنم والاستجاية النصد + ثم إنه لا يتمتع بوجود نمطي 
نموذجي » شأن الكاتب أو المتكلم » إذ القارىء أو السامع يمكن أن ينتسي 
إلى كل" الأوساط الثقافية م يجعل تحديد ملامحه أمرا صعبا 
لذلك » حمل الكاتب وحده مسؤولية مآل خطابه ونجاعته تحاوضة 6" 
المقررات والتوجيهات متعلقة به وبالكيفيات التي عليه أن يمارس على أساسها 
نصّه » وخلقه الفني : وكأننا بالجاحظ يعتذر عن اهتمامه البالغ بالمسفتهسم 
وتقصيره في حق 0 لدى الناس من فضل الآول على الثاني 
يقول : «والمسفهم لك والمتفهم عنك شريكان ني الفضل » إلا أن” الممقهم 
أفضل من المتفهم وكذلك المعلم والمتعدم . هكذا ظاهر هذه القضية وجمهور 
هذه الحكومة ) (1) . 


ب إن" المقومات الخاصة بالمتكلم متداخلة تداخلا شديدا مع مقومات 
الكلام ولتجاوز هذه المعو نه رايتا أن تقتصر عند حديلها عن المتكلم على 
المظاهر الخارجية والمبادىء العامة مما لا صلة له بالنص في فى حد ذاته . 


0( البيان والتبيين » 11/1 --12 . 
1566 


ج - وظائف الكلام : 


لعل" من أشد القضايا تشعتبا وأكثرها استعصاء على الضبط في ثراث 
الجاحمظ وظائف الخطاب ومجاري استعمال الظاهرة اللغوية لتدامل 
مفاهيم البيان التي سبق أن حددناها » وعدم استقلال مسائل البلاغة عن المسائل 
اللغوية العامة » ثم" لأن” نصوصه تحمل الباحث » إن درست درسا جزئيا » 
على استنتاجات قابلة للنقاش (1) . 
ثلاث وظائف رئيسية تسخر لأدائها الظاهرة اللغوية : 

أ) وظيفة « خطابية » بالمفهوم اليونانى كما يتجلى في « خطابة ) أرسطو 
وما كتبه الفلاسفة المسلمون انطلاقا منها » وقد برزت هذه الوظيفة في المواطن 
التي تحداث فيها عن الخطابة كنوع من أنواع الكلام » والخطيب كنموذج 
للمتكلم . وعبر عنها بنثبت اصطلاحي من حقل دلالي واحد تجري وحدات” 
إلى نفس الغاية : (م الإقناع وم الاحتجاج »؛ و« المنازعة » و« المناظرة » وكل 
ما يدور في هذا الفلك . 

«وليس » حفظك الله » مضرة سلاطة اللسان عند المنازعة » وسقطات 
الخطل يوم إطالة الخطبة : بأعظم مما يحدث عن العي من اختلال الحجة 
وعن الحصر من فوت درك الحاجة (.....) وهم يذمون الحصر » ويؤتبون 
الى » فإن تكفا مع ذلك مقامات الخطباء وتعاطيا مناظرة البلغاء » تضاعف 
عليهما الذم' وترادف عليهما التأنيب » (2) . 

00 انظر على سبيل المثال : عبد السلام المسدي ٠»‏ المقال المذكور » حوليات الجامعة الدونسية 
3 6.00 ص 156 - 157 0 . 

فقد ذهب إلى أن « الجاحظ » يصئ استعمال الظاهرة اللغوية إلى مستويين اثنين » استعمال 

عادي مألوف وظيفته زر ممجرد إفهام الحاجة غن) 2 واستعمال مطبوع بسمة فنية يحول تصريف 

الظاهرة اللغوية عن مجرد الإبانة (..) ( إلى مجرى البيان الفصيح » مما يرتقي به إلى 


)0 النصوص المتميزة عن الرواة الخلص 2 


وهذا الرأي لا تدعمه نصوص الجاحظ . 
(2) البيان والعبيين » 12/1 وانظر أيضا نفس المصدر 14/1 » 52 . 


187 


)1( وليس غريبا أن يهتم” الجاحظ بالبلدعنة الخطابية ويؤرخ لأعلامها‎ ٠ 

يثبت ف ١‏ البيان والتبيين » نماذج من ١‏ ر الخطب إلى عهده (2) لما فيها 
0 وسلامة 0 ش 0 تقاليد معروفة تمتد 00 
إلى عهد ما قبل الإسلام ثم " إنها ازدهرت ؛ كنوع أدبي » ازدهارا كبيرا 
في العهود الإسلامية 0 لأنها كانت وسيلة من وسا ل : نشر الدعوة وتركيز 
السلطة والانتصار للمذهب . 


والناظر قي ف الخطب التي أثبتها 4 والمتصفح لحديثه عن الخطابة والخطياء 
يلاحظ أنها كانت تدور على #تاور ثلاثة غايتها جميعا الوظائف التي عددناها 
من احتجاج وإقناع ومناظرة ومنازعة 5 


أما المحور الأول فدينيَ سخّرت بمقتضاه للدعوة إلى التوحيد والإيمان 
بالبعث و( تقرير حجة الله في عقول المكلفين » . ومن الطريف في هذا الصدد 
أنه ربط نجاح بعض الخطباء في فنهم الخطابي بتوفيق رباني لأنهم كانوا 
يدعون إلى ما دعا إليه الإسلام » قبل مجيئه » ومثال ذلك قس بن ساعدة 
«ولإياد وتميم في الخطب خصلة ليسث لأحد من العرب » لأن” رسول الله 
صلى الله عليه وسلم هو الذي روى كلام قس” بن ساعدة وموقفه على جمله 
بعكاظ وموعظته » وهو الذي رواه لقريش والعرب » وهو الذي عجب من 
حينه و أظهن مق تصويبه (....) وإنما وفق الله ذلك الكلام لقس" بن ساعدة 
لاحتجاجه للتوحيد » ولإظهاره معنى الإخلاص وإيمانه بالبعث » ولذلك كان 
خطيب العرب قاطبة » (3) . 


1( 1 ء على مختلف مللهم ونحلهم واختصا فى العاخ تدك عن 
من الشعراء والعلماء الخطباء و الخطباء من النساك والزهاد »)كا تيحدث عن الخطياء 
0-6 وأصحاب الدعوات كالخوارج . . انظر : المصدر السابق 52/1 » 98 » 
8 »© 257 »© 302 » 306 »6 351 © 539 » 398 »© 225/2 » 264 . 
2( انظر فهرس الخطب الذي وضعه المحقق : 113/4 -117. 
لع المصدر السابق » 52/1 . 


158 


وف هذا المحور تدخل خطب الرسول » ومواعظ الصحابة » والصا حين 
من التابعين . ومنه رشحت بعض التعريفات للبلاغة حيث نرى أصحايها 
يوجهون عنايتهم إلى مقاصد النص وقدرتهم على زرع الإيمان وشحذ العقول 
وتعمير الصدور » من ذلك تعريف عمرو بن عبيد وهو شيخ من شيوخ 
المعتز لة » وأحد الزهاد المشهورين » قائلا : ما بلغ بك الجنّة » وعدل بك 
عن الثار » وما بصّرك مواقع رشدك وعواقب غيك » فلما ألح عليه السائل 
ليذكر صورة الألفاظ وهيأة الكلام قال له : ١‏ فكأنك إنما 
رقع تكن الالخاه » في حسسن الإفهام ء قال نعم » قال : 
إنّك إن أوتيت تقرير حجّة اله في عقول المكلفين » وتخفيف 
الأوتهة عمل المشيغيين وترييسية اتدل العاسي في :تنوب المرييديق » 
بالألفاظ المستحسنة في الآذان » المقبولة عند الأذهان » رغبة في سرعة استجابتهم 
ونفي الشواغل عن قلوبهم بالموعظة الحسنة » على الكتاب والسنة » كنت 
قد أوتيت فضل الخطاب واستوجبت على الله جزيل الثواب » (1) . 

والمحور الثاني سياسي ٠»‏ استعملت فيه الخطابة لبسط التفوذ وإقرار 
نظام الحكم لوعن والترهيب » وهذا المحور متداخل مع السابق لآن” 
الخطيب كثيرا ما يمزج بين البعد الديني والبعد السياسي » ويدعو إلى المذهب 
من طريق الموعظة والإرشاد . ولا تكاد تخلو خطبة أثبتها الجاحظ 
وكان لصاحبها دور سياسى في الدولة الإسلامية من هذا الجانب » نخص" 
الكت نطها ضد ممعوور 2 بن هنها لاف كنقطية ركاذ بن: أبيه رن 
و الحجاج بن يوسف الثقفي (3) و قتيبسة بن مسلم «4) و يزيد 
بن الوليد (5) ب 


(1) البيان والتبيين » 114/1 . انظر أيضا في نفس الاتجاه 23/4 - 24 . 
(2) المصدر السابق » 259/1 » 61/2 ©» 145 . 

(3) المصدر السابق » 393/1 » 137/2 » 138 » 173 ٠»‏ 308. 

(4) المصدر السابق » 132/2 » 134 . 

(5) المصدر السابق » 141/2 . 


169 


أممّا المحور الثالث فهو محور جدلي” مذهبي أفرزه التصدع الذي وقع 
في هيكل الأمّة الإسلامية وما نتج عنه بعد ذلك من تفرع المسلمين إلى ملل 
ونحل تدافع كل" واحدة منها عن عقيدتها » وتجمع الحجج التي تقنع 
بفهمها وتأويلها وتسفه مذهب الطرف المقابل وتكفر عقياته 9 وهو الصراع 
العقائدي والمذهبي الذي جمع تحت اسم «علم الكلام ) وعرف أصحابه 
بالمتكلمين . ويبدو من مؤلفات الجاحظ أنهم كانوا أحرص الناس على 
الإحاطة بأفانين التعبير وسيل القول » وكانوا مدركين أنه ليس بحوزتهم 
في الصراعات التي يدعون إلى خوضها إلا الكلمة ولم يكن لهم من ميدان 
إلا" حيز الكلام وصورته لذلك اعتبروه « استراتيجية » قائمة الذات لا بد 
أن توقّر لها الوسائل الكفيلة بإبلاغها أقصى درجات النجاعة . وقولهم في هذا 
الصدد أن البيان « يحتاج إلى تمبيز وسياسة » وإلى ترتيب ورياضة ») (1) 
ليبس بعيدا عن مفهوم ١‏ الاستراتيجية) (2) . 


وتروي عن ( أعلام ) المتكلمين قصص في اعد د غلن. النفس وإخضاع 
اللسان وتطويعه ما قد يبدو لنا اليوم من محض الو ضع والتقول 5 ومن أشهر 
ذلك ما كان من أمر واصل بن عطاء فإنّه «لما علم أنه ألشغ » وأن” 
مخرج ذلك منه شنيع » وأنه إذ كان داعية مقالة ورئيس نحلة ٠‏ وأنّه يريد 





(1) البيان والتبيين » 14/1 . 


(2) إن الحديث عن « الاستراتيجية » في ميدان البلاغة ليس من اختراعنا فهي كلمة متواترة 
فى الدراسات البلاغية الهيوم » وهم يقصدون بها جملة الوسائل التي يضمهنا ال كلامه 
أو فعله اللغوي حتى يضمن له بلوغ الهدف المقصود » وهم يرون أن البلاغة كعلم م تقم إلا 
من أجل ما يسمونه « استر اتجية الخطاب أو المقال » ” 176ؤومناءوتل 6أع 56216 ” ذ كر ذلك 
الأستاذ («رعنداوع.ا) في محاضرة له ألقاها على طلبة الحلقة الثالشة شعبة الفرنسية يوم 23 
أفريل 1977 بكلية الآداب التابعة الجامعة الدونسية وكان عنوان المحاضرة : 

د وأو تتءول دواع 6 م5 أء علتوتماغط: 120108 »> 
وفي نفس المعنى يحدد بول ريكار 2تاعء81 آبن2) الخطابة قائلا * 
حتن1 06 عصع كك وصمه وعناوء 5ت 16 أتلمةع تنان قصطعع) مامه غ21 1116م قط هبآ 
مم20 164 31م وعلسصنة نه ذ أعصأاوتل أناط تنا م5ناةناكاءم 12 06 86 اه عمسقمط 
6م وأع 5316 عصنخل 
انظر كعابه : .14 .م ,1975 روتقة8 ملتتء5 .60 ,عنام ع7مطمه716 هط 


1150 


الاحتجاج على أرباب النحل وزعماء الملل وأنّه لا بد من مقارعة الأبطال » 
ومن الخطب الطوال يحتاج إلى تمييز وسياسة » وإلى ترتقيب ورياضة (....) 
رام أبو حذيفة إسقاط الراء من كلامه » وإخراجها من حروف منطقه » 
فلم يزل يكابد ذلك ويغالبه » ويناضله ويساجله » ويتأتى لستره والراحة 
من هجنته » حتى انتظم له ما حاول » واتّسق له ما أمّل) (1) . 
وارتباط الخطابة بالتزعة المذهبية جعل أصحاب الفرق وزعماء الملل 
يهتمون بقوانين صناعتها ويعلّمون ذلك صبيانهم والناشئة من ذويهم وهو 
ما يفسر إيراد الجاحظ لصحيفة بشر بن المعتمر (2) التي يمكن أن 
تعد ( منهاجا ) لتعليم الخطابة © فيه أحكام تتعق بظروف الكتاية والهيأة 
الواجبة للخطاب » وي خاتمها مقاييس تساعد الريض على معرفة حظه من 
التوفيق فيها وما هو أهل له منها . 
وترتبط بهذا المحور جملة من حدود البلاغة » بعضها عربي وبعضها 
أجئبي : يتأكّد بها مفهوم «المقارعة ) و «١‏ المحاجة) كقولهم : 
« جماع البلاغة البصر بالحجة والمعرفة بمواضع الفرصة ) (3) . 
و« البلاغة وضوح الدلالة وانتهاز الفرصة وحسن الإشارة ») (4) 
و« اللسان الذي يروق الألسنة فإظهار ما مض من المق” وتصوير 
الباطل في صورة الحق ») (5) . 
والجزء الثاني من السياق الأخير يدعونا إلى التساؤل عما إذا كان 
موقف الجاحظ » ومن ثم الخطابة العربية » على هذه الدرجة من تبرير 
الوسائل بالغايات ؟ 





(1) البيان والعبيين » 14/1- 15 , 
(2) المصدر السابق » 135/1 - 136 . 
(3) و(4) البيان والتبيين ٠»‏ 88/1 . 
(5) المصدر السابق » 113/1 . 


151 


وأول ما تتأ كد ملاحظته أنّه سياق فريد » ليس في مؤلفات الجاحظ 
ما يدعم بصريح العبارة اتجاهه وموقف قائله . ولئن وجدنا إقرارا بحاجة 
الخطيب إلى المنطق (1) باعتباره من الآلات الضرورية التي يحتاجها في 
«المناظرة » ومنازلة الأكفاء » ووعبا بقتّدارة اللغة على الخداع والتشبيه 
حتى أنها « تحول الأشياء عن مقادير صورها وتربو بها على حقائق 
أقدارها » (2) فإننا نلاحظ حرصا على الالتزام بتصور أخلاقي عام نابع 
من تعاليم الإسلام وقد ثيتته من الوجهة العملية والتاريخية ممارسات لا يمكن 
أن يقال في أصحابها إنهم استعملوها لقلب الحقائق وإظهار الباطل في صورة 
الحق” والإقناع بغير حجة : ذلك شأن الرّسول وصحابته من الخلفاء وغيرهم 
وتابعيهم ... ولهذا السبب كان المؤلف حريصا على إبراز وجهة الرسول 
في الاحتجاج والمخاصمة قبل إدراج الخطب نفسها في البيان والتبيين ) 
يقول : «ولا يلتمس إسكات الخصم إلا" يما يعرفه الخصم » ولا يحتج 
إلا" بالصدق ولا يطلب الفلح إلا بالحق” ولا يستعين بالخلابة ولا يستعمل 
الموارية ولا يهمز ولا يلمز» (3) . 

ولقد ألحّ في مواطن متعددة على وجوب الاهتداء بالحق” » وتجتب 
المواربة والزور » وإيصال الصدق بالكذب ٠»‏ وتقوية الضعف باللفظ 
الحسن والتأليف المونق وقد جمع كل” هذا في عبارة هي ١‏ فتنة القول») 
استعاذ الله منها كلما وردت على لسانه (4) . 





0 البيان و العبيين 92/1 - 93 . 

. 7/1 0 0 (2 

)3( )0 ةف 17/2. 

4( لعل عن أبرز نصوصه وضوحا في الدلالة عل ما قلنا ما ورد فى كتاب الحيوان 53/7 
وانظر أيضا البيان والتبيين » 3/1 . 3 
ومن أطرف ما يدل عل رفض الجاحظ أن يستخدم البيان على غير وجهه ويكوت 
مطية التمحل » ومركبا للازدلاف » هذه الواقعة : «ومر غيلان بن خرشة الضبي 
مع عبد الله بن عامر » على نهر أم عبد الله » الذي يشق البصرة فقال عبد الله : ما أ هذأ 
التهر لأهل هذا المصر فقال غيلان : أجل والله أيها الأمير » يعلم القوم صبيانهم فيه 
السباحة » ويكون لسقياهم ومسيل مياههم » وثأنيهم فيه ميرتهم » قال : ثم مر غيلات 
يساير زيادا على ذلك النهر » وقد كان عادي ابن عامر » فقال زياد ٠:‏ ما أضر هذا النهر » 
بأهل هذا المصر ! قال غيلان : أجل والله أيها الأمير » تنر منه دورهم » وتغرق فيه 
صبيانهم » ومن أجله يكثر بعوة » وقد علق على هذه الواقعة بقوله : «فالذين كرهوا 


182 


وق هذا دليل » من الوجهة النظرية على ) الأقل” م ( الخطابة 
العربية ) وإن اتفقت مع خطابة اليونان من وجوه ٠»‏ في طليعتها الوظيفة » 
فإنها تختلف عنها في ارتباطها » موضوعا وغاية بالبعد الديني العقائدي الذي 
خلع عليها خصائص نوعية وطابعا خاصا (1) . 


د د 


تع جملة من الوظائف يصعب إدراجها تحت تسمية واحدة 2 
وغايتها إما خلق حال معينة في المستمع ء عدا ما رأينا في الوظيفة السابقة » 
كالإضحاك 2) و اللذة والإمتاع (3) أو منزع تعليمي نفعي كتعمير 
الصدور وإصلاحها من الفساد 4( 5 


وليس لهذه الوظائف حظا الوظيفة السابقة في مؤلفات الجاحظ . 
فقد استخلصناه من إشارات عابرة ولمحات معترضة ٠‏ لذلك ليس بالإمكان 
التوسع في تحليلها . 


)010( إن وجوه الاتفاق والاختلاف بين « الخطابة اليوثانية » ور الخطابة العربية » عديدة ويمكن 
أن تمثل موضوع بحث مستقل ولعل من أبرز مظاهر الاختلاف ثباين التنظيم ساني 
الاسلامي عن التنظيم السياسي الذي ازدهرت فيه الخطابة اليونانية . ويجمع مؤرخو التقاليد 
الخطابية في الحضارة اطيلينية والحضارات المتصلة بها على الربط لز تحولات نظام الحكم 
والمراحل ألتي مرت بها الخطابة فم تأسيت » (©1801) يذهب إلى أن تفعق الييان لأ 
يمكن الا في دولة 0 فيها سلطان ب والمتكلم الخرية المطلقة في التعرض لأي موضوع 
أراد بدون رهبة سْ الركل ومكانة الأشخاص وهو لذلك لا يتأتى الا في التنظيم السيامي 
الذي خف فيه ضغط 0 الموسسات غ«(غ ويقوى سلطان المجالس والحمائمات 00 الحكم ذلك 
هو الديموقر اطية » وهو الشكل الوحيد الذي يكون فيه الكلمة مفعول » أما الحكم الفردي 
فإنه يفرع الكلمة من مفعولها لأنه يعلق السلطة بالمؤسسات والتنظيمات فلا يكون المجالس 
وا لجماعات أي دور 
انظر تفصيل ذلك فى : 
,1977 رقعوط والتتاعك تل .60 ,عل21150؟ 4ك دعأرمم 7 : 1000107 طواء ج11 
59-57 .طم ,< عتنوءماقط18 12 عل عتقكتلم أء متاعقمعام5 >» ,2 حفط 


(2) الحيوان » 282/1 . 
(3) البيان والتبيين » 145/1 . 
(4) المصدر السابق » 23/4 - 24 , 


153 


وغوه هده الترلة الثانوية » في رأينا » إلى انطلاق الجاحظ من 
مفهوم ضيق للمنفعة والنجاعة . فرغم حلول هذه الوظائف من وجهة التصور 
الفاسفي العام في حينز الوظيفة الخطابية ووظيفة « الفهم والإفهام » التي سنراها » 
إذ تعتمد كلها على المنفعة الحاصلة عن الفعل اللغوي أو كما يقال اليوم على 
علاقة اللغة بمتقبلها » (1) فإنه لا يتصور أن” فعلا لغويا يكتفي بتلك الوظائف 
لذلك نزلها منزلة الوسائل المساعدة على بلوغ الوظيفتين الأساسيتين المذكورتين . 


وال رقوكنا “هنا أن تريط بين هذا الجانب ومنهجه الأدبي العام الذي 
مرح فيه عن وي » الجد” بالهزل طريقة” في إيصال المعرفة مما يموي 
الاعتقاد بأن” هذه الوظائف مساعدات ومرافق لا يمكن أن تستقل وحدها 


بظاهرة اللغة . 


3 36 


ج) وظيفة « الفهم والإفهام » أو ( البيان والتبيين» : ليس من الصعب 
إثبات أنها الوظيفة المسطرة على تفكيره البياني ففي آثاره مجموعة 
5 5 5 ع - مال واء 18 03 
من القرائن شهك بانها سدى كل فعل مهما حمل مدن مقاصد وانيط 
به من غايات » والكلام خلوا درا © قوراسة ممق «١‏ الخو ويا فق أبوات 
الع والحتصر (2) . وأبرز القرائن وأقربها مأخذا العنوان الذي اختاره 
لأشد” كتبه صلة بالمباحث اللغوية والبلاغية خاصة أنه يرادف » في كثير من 


المواطن بين ( البيان والتبيين » و (الإفهام والتفهم ) (3) . 





(1) انظر في تحليل الجانب النفعي (©أقعدصةم) في الظاهرة اللغوية والأدبية 
رق ممعومى وهل علتوأاةممأء 61 2000000000 : ج1002 .1 ,10620 .0 
3 ,109 .22 1972 رقاعة2 ,اتتاعة تل 60 مءجع50 1071 
(2) أشرنا (ص . 4) الى المعنى الخاص الذي يستعمل فيه الجاحظ المقابلة المشهورة 
طمطمة الرومي » بيان لسان العربي ورأيناً تجردها عنده من كل بعد تقييمي معياري 
وقصر دلالتها على انعدام الإبانة والفهم والإفهام . ١‏ 
)3( انظر على سبيل المثال » البيان والتبيين » 11/1 . 


1534 


ولعلنا لسنا في غنى عن إثبات أن" البيان ني مفهومه العام” يقتصر على أداء 
هذه الوظيفة » وفي ما أسلفنا دليل على ارتباطه بقضاء الحاجات وتحقيق 
التتواصل وذلك لا يتم إل من وجه الإفهام والتفهم » وكثيرا ما ربط الجاحظ 
هذا النوع من الدلالة بالوظيفة التي ذكرناها ربطا صريحا 0 في نص" 
د أن استغللناه من وجوه وندرجه هنا كاملا : : والبيان اسم جا مع لكل 
شىء كشف لك قناع المعلى » وهتك الحجاب دون الضمير » حتى يفضى 
المايع إلى حقيقته ويهجم ع يعفر كائنا ما كان ذلك البيان » ومن 
أي جنس كان الدليل ٠‏ لآن” مدار الآمر والغاية التي إليها يجري القائل 
والسامع ٠‏ إنما هو الفهم والإفهام » فبأي شيء بلغت الإفهام وأوضحت عن 
المعنى » فذلك هو البيان في ذلك الموضوع » (1) . 

كما أثنا في غنى » بناء على ترابط المقدمات والنتائج مما يحتوي عليه 
النص السابق » عن تدعيم الرأي بالحجّة إذ نقول إن" أولى الدلالات بتأدية 
تلك الوظيفة اللغة أو البيان باللغة » فهي في أصل الوضع ومطلع النشأة ليفهم 
الناس بها بعضهم عن بعض ويصرفوا حاجاتهم وأغراضهم 

«وقال الله تبارك وتعالى : وما أرسلنا من رسول إلا" بلسان قومه 
ليبين لهم 2) لأن” مدار الأمر على البيان والتبيئن » وعلى الإفهام 
والتفهم )(03). 

ولكن ما مآل هذه الوظيفة إن خخرجنا عن الاستعمال العادي المألورف 
إلى استعمال فني جمالي ؟ وهل ل ١‏ م مجرى من لو 
بقطع النظر عن المواصفات النوعية 2 الخاصة * 3 


(1) البيان والتبيين » 76/1 . وقد أبرزنا القسم الذي لم يسبق لنا أن وظفناه . 
(2) ابراهيم/4 . 
)3( البيان والتسيق 11/1. 


155 


من بتتبع م كته الجاحظ 5 مواضع عديدة من مؤ لفاته لا سيما 
( البيان والتبيين ) يقتنع بصحة ما ذهينا إليه ثبي مطلع حديثنا عن هذه الوظيفة » 
فهي الغاية التي يجري إلى بلوغها » والأساس الذي تبنى عليه عملية الكلام » 
سواء استعملناه على ما يجري عل لني النانن أن حقملناة مقاضد آدنية 
ووسمناه سمة فنية (1) حتى إننا وجدنا بعض تعريفات البلاغة تقتصر على 
إظهار هذا الجانب » وتكتفي به معيارا لجودة الكلام واتعنيه عل لمر اله 
ولهذا الصنف من الحدود في نظر المؤلف مكائة خاصة : فهو لا يخفي 
إعجابه بسّداد نظر أصحابها وإصابتهم الهدف » يدل على ذلك تدخحاه 
الباقين ]تر كل كغرزيت منها إممًا لتدقيق الفكرة أو للتعبير عن مجرد الإعجاب 


وهو في الحالتين يؤكد على منزلة هذه الوظيفة في نطاق تصوره اللغوي الكلي : 


3 


ووكان عبد الرحمن بن اسحاق القاضي يروي عن جله إبراهيم بن 
سلمة قال : سمعت ابا مسلم يقول : سمعت الإمام إبراهيم بن محمد يقول : 
يكفي من حظا البلاغة أن لا يؤتى السامع من سوء إفهام الناطق . 
ولا يؤتي الناطق من سوء فهم السامع . 

قال أبو عئمان : أمًا أنا فاستحسن هذا القول جدا) . (2) . 

ونجد عدا هذه التعريفات » عددا من السياقات التي تخدم نفس 
الفكرة وتزاوج بين خصائص الدّص الفنية والبلاغية وبين الوظيفة » بل إن 
الحرص على تلك الخصائص ليس إلا" وسيلة لبلوخ هذه الغاية من أحسن السبل 





1( لا أدل على ذلك من تأثير ها في تحديد الأساليب البلاغية ذاتها . فليس « الإيجاز » و( الإطالة » 
ظواهر كمية ولكنها تتحدد بالدلالة في حد ذاتها أي بوضوح الرسالة وانغلاقها . 

و والإيجاز ليس يعنى به قلة عدد الحروف واللفظ » وقد يكون الباب من الكلام من 
أتى عليه فيما يسع طن" طومار فقد أوجز » وكذلك الإطالة » وإنما ينبغي له أن يحذف 
بقدر ما لا يكون سبيا لإغلاقه » ولا يردد وهو يكتفي في الإفهام بشطره » فما فضل 
ع المتدار » فهو الخطل » الحيوان » 91/1 . 1 

2( البيان والتبيين » 87/1 » وقد سبق رص 2). أن ذكرنا تعريف العتابي . وتعليق 
الحاحظ عليه وأهمية التعليق في أنه يربط بصورة لاندعو مجالا للشك في تسلط وظيفة 
الفهم والافهام » على المستوى اللذوي الذي يحقق صفات الفصاحة والبلاغة أي الكلام 
الذي يبدو القصد إلى الفن فيه واضحا . 


156 


وأأواضحهها » شعورا منه يأن ' الاكتفاء نا بالوظيفة دون الوسيلة قد يؤدي إلى 
نسف كل جهوده في إقامة معابير يتفاضل على أساسها الكلام لذلك نراه 
ااي لم أو تناز ل البللاغة عند شر بن المعتسر فق جاء 
فيها ما يلي : فإن” أولى الثلاث أن يكون لفظك رشيقا عذبا » وفخما سهلا » 
ويكون معناك 0 مكشوفا » وقريبا معروفا » إما عند الخاصة إن كنت 
العامة وماك وا باعي النادقة إن كك العالنة أروقة ون تان امك 
أن تبلغ من بيان لسانك » وبلاغة قلمك » ولطف مداخلك ٠‏ واقتدارك 
على نفسك » إلى أن تفهم العامة معاني الخاصة ٠‏ وتكسوها الألفاظ الواسطة 
التي لا تلطف عن الدهاء » ولا تجفو عن الأكفاء » فأنت البايغ 0 )1). 
فإلى 5 شي » يعزئ طغيان هذه الوظيفة على تفكير احظ 
البياق ؟ ولماذا كانت جملة الوظائف عنده مركازة على فعل 0 قُ 
المتقبل ؟ وإذا أردنا أن نجمع السؤالين في صياغة أعلق بالمباحث اللغوية 
والبلاغية قلنا ما حمى العوامل التى جعلت نظرة المؤلف إل اللغة تتأسس على 
المنفعة والنجاعة فيصرح بأن « مدار الشرف على الصواب وإحراز المنفعة ) (2) . 


إن” الأسباب » من وجهة ل أرنا ع متعددة إل أنه يمكن إرجاعها 


إلى سببين رئيسيين : أولهما تاريخي عام » وثانيهما ظرق خاص . 
أما الأول فينحدر من مكانة النص ووظيفته ني بنية المجتمع الإسلامي الثقافية » 
فهي » على ما يبدو كانت تنحو إلى توظيفه لأغراض نفعية جماعية أو فردية . 
ولذلك كانت مكانة الشعر عندهم » ني الغالب » لصيقة بقدرته الإجرائية 
ومدى ما يبلغه من تغيير وتبديل » ومن هذا المنظور يتحد القول بالفعل 
كل إل القول عين الفعل . هذا ما لم يفهمه كثير من الساحثين فاعتبروا 


010( 3 والتبيين » 136/1 » وانظر أيضا 93/1 » 114 » وفي هذا المولف أخبار تدل عا 
كلف العسرب « بالغهم والإفهام 2 وتعلقهم الشديد دهما . 


أنظر : نفس المصدر » 155/1 . 


(2) البيان والتبيين » 136/1 . 


197 


الحضارة الإسلامية حضارة قول وكأتهم يشيرون من طرف خفي إلى انعدام 
الفعل فيها . 

وقد كان هم الشعراء أن يبلغوا الغاية التي ترسّموها » وهم مذركون أنه 
ذلك لا يتأتى لهم إلا" بحذق الصناعة والتفوق فيها » وهو شرط الظهور على 
الخصم وإفحامه وتليين عريكة السامع وكسبه . وهذه النزعة إلى النفع ٠:‏ في 
المعزق العام » وجهت كتب و صناعة الشعر ») ومن ورائها النقد العربي جملة » 
وجهة خاصة ارتبطت فيها وسائل الشعر بهذه الغائية القصوى وجمعت 
وضبطت لتضمن للنص” أكبر قدر من الفعالية . 

ولم بخرج القرآن عن هذه النزعة بل لعله عمل على تقويتها إذ هو 
مجموعة من التعاليم الروحية والعملية كلف الرسول بحمل الناس عليها والدعوة 
إلى الأخذ بها وكان لا بد" أن يتم ذلك من طريق الإبانة عن المقاصد وإفهام 
الناين اسمن - الدعوة » لذلك تكثر الآبات المحرضة على ١‏ البيان » و ١‏ الفقه ) 
و ١‏ التعقل ) (1) وحتى جانب الفن” فيه فلخدمة الاعتقاد » والفن في القرآن 
إعجاز والإعجاز إقناع وسد للذرائع والقول فنرى كيف سخر لغاية خطابيه نفعية . 


فالنص مهما كانت قيمته في ذاته » يرتبط بغرض » ويجري لغاية » 
لذلك لم تتبلور في هذه الحضارة فكرة الفن” للفن” إلا" في عصور متأخرة » 
وقف الناس منها موقف الريبة إذ حشروا الكثير منها تحت عنوان « الصناعة ) 
وبي الكلمة ما فيها من الغمز والانتقاص ٠‏ أو ربطوها بقولهم ١‏ عصور 
الانحطاط ) وهم يفسرون ذلك بأن الأدب غدا صناعة لفظية مما يؤكد على 
أن بنية النص وحدها لم تكن كافية ليعتبر من الأدب الحق . 

أممّا الأسباب الظرفية الخاصة فمنها ما قد يعود إلى الحقبة التاريخية التي 
عاش نه الماحظة :ربياه امسن" اراك اكول ونقترقهة ول الأقياء 
(1) انظر : محمد فؤاد عبد الباقي : المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم » سلسلة كتاب 

الشعب » القاهرة (د. ت.) ص 141 - 145 ٠‏ 468 - 469 » 525 . 


158 


فقد يكون الحرص على هذه الوظيفة ناتجا عن مضاعفات الوضع اللغوي في 
النصف الأول من القرن الثالث الهجري » وليس من المستبعد أن تكون الصلة 
بين اللغة الفصحى واللغة الجارية على ألسنة الناس قد ضعفت بمفعول التوسع 
الإسلامى وما آنجرٌ عنه من تداخل عرقي واختلاط ثقائي ولغوي جعل 
57 ( البيان والتبيين ») يجري ووه تلك الغاية لتحقيق عرضين أذ" 
يتناقض موقفه اللغوي مع موقفه الثقاني العام إذ رأيناه يدافع دفاعا مستميتا 
عن الكتاب مبرزا فضله » داعيا إلى بسطه حتى لا تبقى الثقافة مقصورة 
على أخص الخاصة » ثم” لينسق بين هذا الموقف اللغوي والنزعة الدفاعية 
الواضحة عن فصاحة اللغة العربية » ومكانة أهلها في البلاغة والفصاحة » 
فهو يدعو إلى التّمسك بأسسها في وقت شاع فيه اللحن واللكنة والعجمة » 
ولاسشون إلى تحقيق ذلك إلا إذا أمكن تطويعها واستخدامها ني كل الأغراض » 
والعمل على أن تواتى كل" الحالات والمقاسات »© فتبرز للعيان جدواها » 
وتصبح وسيلة الفهم والإفهام تستعملها مختلف الشترائح الاجتماعية . 
إلا أنه لا يمكن الجزم بصحّة هذا المذهب في التخريج مالم يكن بحوزتنا 
تاريخ مضبوط لأوضاع اللغة الفصحى في مختلف مراحلها التاريخية . 
وأوضح من السبب السابق انتماءء الرجل. المذهبيّ وأثره في تصوراته 
اللغوية والبلاغية » فقد كان بحكم اعتزاله طرفا في الجدال القائم 1 نذاك بين 
الفرق وعلماء الكلام » وقد سبق أن أشرنا إلى المكانة التي تحظى بها 
اللغة في هذه الأوساط وكيف أنها كانت من أهم العوامل التي ساعدت على 
تبلور التفكير البلاغى ٠‏ وهذا أدى بالمؤلف إلى الاعتناء بالخطابة عناية 
خاصة » ناهيك أنها النوع الأدبي الممثّل أكثر من غيره في نطاق ما اختار 
مور يق الكلام وبليغه . والخطابة « لفظ ) يقتضي تواجد المتكلم والسامع 
في نفس الحيز الزماني والمكانى ويستوجب تزامن عمليتي التلفظ والتمثل » 
وإلا انفصم الرباط بينهما وتعطلت المقاصد » وغايتها الإقناع وهو لا يتم 
إلا" من طريق الفهم والتبين » وهذا من أبرز ما يميزها عن الشعر إذ غايته 


159 


الانفعال » والانفعال نفسي لا سلطان للعقل عليه » ومن هنا فإنها لا تهتم" 
باللغة من حيث هي بنية ‏ أي بالملفوظ كملفوظ ‏ لكن باعتبارها فعلا 
تعر ل. الشبيكل اللغوي من مخطط التواصل الجملى منزلة الزينة أو الحلية ؛ 
وتكون” الوظيفة”ً قطب الرحى والهدف القار لمك هذه الوظيفة إلده ف 
يروم المتكلم من سامعه : الفهم والإفهام بالأساس والإقناع بعد ذلك وما يتصل 
بهذأ 0 من حالات . 

والوسائل اللغوية لا يعتد” بها إلا إذا كانت تساعد على الإفضاء إلى البغية » 
وتعين على بلوغ الغرض وهذه الطريقة ني التفكير تؤدي بصاحبها إلى اعتبار 
البلاغة علما بوسائل تتحقق بفضلها نجاعة الكلام ومنفعته . 

وسنرى أن النتيجة الحتمية لهذا التصور هي بروز نظرية المقامات 
والمواضع (1) ومراعاة الكلام لمقتضى الحال (2) . 


3 3 


ستنتج مما سبق أن وظيفة اللغة الأساسية والقارة عند الجاحظ هي 
55 والإفهام » إذ بدونها لا تقوم الوظائف الأخرى الي لا تعدو أن تكون 
تطويرا لها يؤدي إليه نوع المتكلم وجنس الكلام . «تصبح الخطابة مقاما من 
المقامات لا يختلف عن غيره إلا ببعض المقومات النوعية الخاصة التي تلائمه . 
والجاحظ » كما بِينَنَا » حريص على أن تؤدى هذه الوظيفة طبق شروط 
الفصاحة وقواعد الإبانة . 


وعن هذين العاملين الرئيسيين : الوظيفة والإبانة نتتجت المقومات الخاصة 
بكل” طرف من أطراف العملية اللغوية خاصة المتكلم والكلام . 





(1) 2ه10قناغات 
2( وعمقدة0057) رهذا المصطلح والمصطلح السابق رئيسيان م ي تاريخ الخطابة الغربية . 


200 


4 المتكلم 


انتهينا في الفصل السابق إلى أن" المقومات المتعلقة بالمتكدم تتأتى من ثلاثة 
أنواع من الضوابط : هي : الوظيفة ٠‏ وأصلها ‏ الفهم والإفهام ) ومنهج 
الكلام لنؤدايها على الم وجه وأكثره تمكتنا في البلاغة والفصاحة إذ إظهار 
المعنى ء عند «أبى عثمان» » يتناسب تناسبا طرديا وخصائص النص 
البيانبة (1) 07 على هذا الجانب بالإبانة » أمما الفتابط الثالث فهو مقام 
المتكلم ونعني به جملة الظروف الحافّة بتولّد النص' ء فالخطابة مقام يختلف 
عن مقام الشعر مثلا ولذلك تطلب كل" واحد منهما خصائص نوعية ملائمة 


لبنببت بالضرورة واحدة 0 


وأشرنا إلى التداخل الكبير » في آثاره بين ما هو خاص” بالمتكلم وما هو 
خاص بالكلام فأغلب المقررات الحاصلة من احترام الضوابط التي ذكرناها 
وجهتها المتكلدم إلا أن" موضوعها الكلام . 

ولم يصحح عزمنا على الفصل بينهما إلا جملة المعطيات التي صعب علينا 
إدراجها ضمن خصائص] الكلام ناهيك أن” الكثير منها أن تحتفظ به كتب 
البللاغة والتقد المتأخرة مما يضفي عليها » في مجال التاريخ للعلم » أهمية” خاصة . 
من ذلك المعلومات الغزيرة عن النطق وآفاته وما على المتكلم أن يتجدّبه ليستقيم 





(1) انظر : البيان والعبيين » 75/1 » 162 . 
201 


بيانه . ولا تنحخصر فائدة هذه المعلومات في قيمتها التاريخية الثابتة » وإنما في 
كونها جزءا من أجزاء نظرية كاملة ني الخطاب تفرد الجاحظ بإعطائها 
صبغة شاملة حملته على تعقّب الجزئيات بأطرافها الأساسية . 


أ مقتضيات غ2 الوظيفة 2 


إن" وجوه تصريف الكلام لأداء مختلف الوظائف » لا سيما الوظيفة 
المحورية حت الفهم والإفهام ده تقفتضي من المتكلم احترام جملة من النواميس 
اللغوية تحتل" » من تفكيره » محل" الأساس الضروري لكل عملية تواصل 
لغوي مهما كان مستواها 3 وهذا م بفسر استطراداته العديدة إلى قضايا لغوية 
عامة تبدو لأول وهلة غريبة عن البحث البلاغىئ والآدبي مما جعل الدراسات 
المكرّسة لإجلاء مجهوده البلاغي تهملها تماما أو لا ترى العلاقة بينها وبين ما 
هى بصدد درسه . 


وربطه بين المعطيات اللغوية الصّرف وآرائه البلاغيّة أمر خطير يجب 
يي للجاحظ لأنه قفزة فكرية هامّة ني ذلك الظرف التاريخي » ومظهر 
من المظاهر الحيّة في ترائه . فهو بهذا النهج في التقريب بين يور يثري ما 
أسميناه مخطط التّواصل بل يكاد يصل به إلى الاكتمال . فإلى العناصر الأربعة 
الي سبق أن أشرنا إليها (المتكلم » السامع » الخطاب » بنية وموضوعا) 
وما يقوم بين أطرافها من روابط يضيف » من وجهة عملية تطبيقية » عنصرا 
خامسا هاما نصطاح عليه اليوم » بالسّمّة (1) وني هذا دليل على أنه مدرك 
قمام الإدراك لسر التفاهم الحاصل بين المتخاطبين من انتمائهما إلى سنة لغوية 
مشتركة يكم بموجبها التكامل بين عمليّتي « تركيب الرموز » من المتكلم 
وتحليلها (2) من طرف السامع . 





0( 000 
(2) نترجم بالتركيب والتحليل المصطلحين الفر نسيين عع02مع2م ,ع10600038 


202 


ولا أدل على حدة وعيه بهذه القضية من موقفه العلمى الموضوعى من 
اللغات الأجنبية فقد رأيناه يؤول مفهوم « الطمطمة ») تأويلا حي راذا إذاه 
إلى عدم الفهم لتباين السنة بين المتكلم والسامع . 

«وأنت إن سميت كلامهم رطانة وطمطمة فإنك لا تمتنع من أن تزعم 
أن ذلك كلامهم ومنطقهم » وعامة الأمم أيضا لا يفهمون كلامك ومنطقك » 
فجائر لهم أن يُخرجوا كلامتك من البيان والمنطق » (1) . 

والمهم” أنه سيستغل” هذا المعطي اللغوي العام ويدمجه في صلب تفكيره 
البلاغي وذلك بتفجيره السّثّة المشتركة إلى مستويات متباينة حتى لكأنها سنن » 
وإذ ذاك يصبح سر التفوق وعنوان البراعة في تنزيل الكلام مختلف تلك 
المنازل » والبليغ الخطيب من جعل أقدار اللغة وتصاريف الكلام موائية لأقدار 
السامعين ومقتضيات الخال » وهذا سبب من أسباب اهتسام الجاحظ البالغ 
باللتكلم وتركيز الحديث عليه . 

6 6د كد 

ولئن جاءت هذه النواميس في صورة مواقف مبثوثة في تضاعيف مؤلفاته 
يصعب اعتبارها نظرية لغوية متكاملة الوجوه » شاملة . فهي كافية » في رأينا » 
لتدعيم ما ذهبنا إليه من أن" نظريته البلاغية مسقامة على ا من التتصوّرات 
اللغوية العامة وبذلك يصبح التداخل الواضح بين اللغة والبلاغة أمرا معقولا إن 
لى نقل مقصودا . 

وقد حملتنا مقتضيات البحث في الفصول السابقة على الحديث عن بعض 
تلك المواقف كقوله بحاجة الإنسان إلى اللغة وتعذار الاجتماع بدونها » 
وانحسار الأسماء عن المسميات ٠‏ وبالتاللي قصور اللغة عن أداء كل المعانى » 
وني آثاره من هذه الاعتبارات العامة الشيء الكثير مما قد يخرج عن فاق 


(1) الحيوان » 57/7 . 
208 


بحثنا » وبعضها لا يخلو من ٠‏ الط رافة والجدة نذكر » على سبيل المثال والتنبيه 
اعتباره اللغة والكلام 1 لجملة من العلامات ») و١‏ الصور ) هي أداة 
لإنسان في العرفة وطريقه إلى العنى بما يدوم بينها وبين ما ندل عه ان 
روابط » وهضي روابط تنيت 2 فق أذهان المستعملين وتتحكم بمفعول الزمن 
والعادة » وكأنه بذلك يذهب إلى أن لا علاقة في أصل الوضصع بين الدال 
ومدلوله » ثم ” إن" ما يقوم بينهما ؛ بعد ذلك ء من تلاحم يعود إلى أسباب 
خارجية اجتماعية نفسية . 


( واللساكت يصنع في جوية الفم / / وهوائه الذي قي ق جوف اله فم / وفي 
مخار جه وي لهاته » وباطن أسنانه » مثل م | يصنع ع القم في الداد ولي والهواء 
والقرطاس وكلها صور وعلامات وخلق مواثل ودلالاات فيعرف منها ما كان 
في تلك الصور لكثرة تردادها على الأسماع ويعرف منها ما كان مصورا من 
تيك الألوان لطول تكرارها على الأبصار كما استدلوا بالضحك على السرور 
وبالبكاء على الم )(1). 

ووتتظكبية اللتهيب في ارات استطراد دقيق تبن منه أن" العلوم 
ل للست الي 
أي عل 4 لا يكزن إن نلف "رموه الخامة وزيا قار الجتاره 01م :0 


«وكما سمى النحويون » فذكروا الخال والظروف وما أشنه ذلكا ب 
لأنهم لو لم يضعوا هذه العلامات م يستطيعوا تعريف القرويين وأبناء البلديين 
علم العروض والنحو . وكذلك أصحاب الحساب فقد اجتلبوا أسماء جعاوها 
علامات للتفاهم ») (2). 

ويتصل بموضوعنا من هذه الاعتبارات العامة رأيه في بواعث نشأة اللغة 
وطرق اكتسابها والعلاقة بين المستوى اللغوي وانتماء المتكل م الاجتماعي أو الطبقي. 





(1) الحيوان » 70/1 . 
(2) ألبيان و التبيين » 1 . 


204 


ومنطلق تفكيره في هذه القضايا مادي تتولّد بمقتضاه ١‏ البنى الفوقية ) 
من أفكار ومعارف وأجهزة معبرة عنها كاللغة » من الشعور بالحاجة والاستجابة 
لضرورات الحياة الاجتماعية » وتَولّد هذه البنى يتم" » عند الجاحظ » حسب 
سلم تصاعدي تتسنم اللغة مرتبته العليا لأن البيان هو تاج مراتب قوى النفس (1) 
فالحاجة تخلق الخواطر وتولد المعاروف وعنها تنشأ اللغة وتتسع على قدر اتساعها . 

(وترعم الهند أن” سبب ما له كثر كلام الناس (....) كثرة حاجاتهم » 
ولكثرة حاجاتهم كثرت خواطرهم وتصاريف ألفاظهم واتسعت على قدر 
اتساع معرفتهم ) (2) وني بعض الأحيان يختصر الجاحظ هذه المرحلة فينتقل 
من الحاجة إلى اللغة مباشرة لأن" مشغله في هذه المواطن لغوي فيتغاضى عن 
الترقيب ويربط بين طرفي السام : 

« ولولا حاجة الناس إل المعاني وإلى التعاون والترافد ٠‏ لا احتاجوا إلى 
الاضكنا: (0( ,3( 1 

والبدا المؤسين لشأة اللغة يتحكتّم في اكتسابها » فالإنسان لا يحمل في 
رأنه » إلا على ما تقتضي الحاجة » وتعلّم اللغات لا يخرج عن هذا القانون » ' 
فمراتب الناس في العلم بها والإحاطة بأما كنها وتصاريفها تناسب قوة الدوافع 

« إن من أعون الأسباب على تعلم اللغة فرط الحاجة إلى ذلك وعلى قدر 
الضرورة إليها في المعاملة يكون البلوغ فيها والتقصير عنها ) (4) . 

ومتى بلغنا هذا الحد” لاحت في الافاق النهاية الحتمية التي يؤدي إليها هذا 
النهج في التفكير » فبحكم قانون الدور والتسلسل بين الأسباب والنتائج يختل” 
(1) جاء في امعان السابق » 77/1 قوله : « العقل رائد الروح » والعلم رائد العقل والبيان 

ترجمان العلم » . 
(2) الحيوان » 21/4 . 
(3) الحيوان » 201/5 . 
(4) المصدر السابق » 289/5 . 


205 


القوازن بين الأفراد والجماعات داخل المجتمع : فالحاجة تخلق الخواطر 
والمعارف » وهذه تخاق بدورها لدى حاملها حاجاث لولاها ُ دشعر بها وبهذا 
الترابط الجدلي تنش الفوارق وتتعمّق الهرّة بين شرائح المجتمع وطبقاته » 
ولا شك أننا تجن عند اذلاةى سعوى مهاست اليوم »في يعض الذاهيا» 
بالبنى الفوقية ومنها اللغة : فتتتقارب مستوياتها وتتعداد مسالك استعمالها . 

والمهم أن فكرة المستويات اللغوية تجد ما يبررها في بنية المجتمع 
وبمقتضى ذلك تفسر تفسيرا ماديا الجتبافا ,ذلك كاذ مسرم الجاحظ ي 
التفسير وقد وضع » إذ ثبناه » حدًا صربحا للتفكير اللغوي الممثالي الذي يريد 
أن يقنع بوحدة اللغة أو بالأحرى وحلة اللغة والاستعمال . 

ولا يقف الأمر عند الإقرار بجدلية ترابط التركيبة الاجتماعية والمستوى 
(أو المستويات) اللغوية » فالرجل حريص على ضرورة اعتبار كل المستويات 
المستعملة عربية وحجدّسّه لذلك استعمالها وقيامها بما تطالب به اللغة : الوظيفة : 

« وكلام الناس في طبقات كما أن" الناس أنفسهم ني طبقات . فمن الكلام 
الجزل والسخيف والمليح والحسن والقبيح والخفيف والثقيل وكله عربي وبكل 
قد تكلموا وبكل" قد تمادحوا وتعاييوا ) (1) . 

وني هذا السياق » نقف»ء في آ ثاره » على بذور نظرية لو تعمّقها لكان 
لها بالغ الأثر في تراثنا الفكري واللغري ٠‏ ومؤداها أن" قدرة الفرد على تمثّل 
اللغة ليست مطلقة وإنما تكون على قدر ما اضطرته الحاجة إليه وا كتسبه بحكم 
وضعه الاجتماعي والثقافي » كما أن منزلة المتعلم أ المعلم ني الفصاحة والبلاغة 
لا تعينهما على فهم بعض مستويات الللة ونا زد مض غارف لأن” ذلك لا يتم 
إلا" من طريق ١‏ العادة ) إيمانا بأن” صورة الفكر واستعداد الأفهام لاايخرجان 
عن التجربة ومفعول الزمن وإذ ذاك لا يتسنى لأيّ كان أن يفهم .أصول صناعة 
من الصناعات م م لكن 4 فيها منزلة وبعض الد رية 0 





)0 البيان والتبيين » 144/1 . 


206 


(....) لأن" الناس كلهم قد تعودوا المبسوط من الكلام » وصارت 
أفهامهم لا تزيد على عاداتهم (...) ألا ترى أن” كتاب المنطق الذي وسم بهذا 
الإسم 6 لو قراته على عم خطباء الأمصار وبلغاء الأعراب » لما فهموأ 
أكثره ؛ وني كتاب اقليدس كلام يدور » وهو عربي وقد صفي » ولو سمعه 
بعض الخطباء لما فهمه ولا يمكن أن يفهمه من يريد تعايمه » نه يحتاج إلى أن 
يكون عرف جهة الأمر » وتعود اللفظط المنطقى الذي استخرج من جميع الكلام) (1). 

وسبب ذلك راجع » في تفكيره » إلى نظرية أخرى لا تقل" أهمية عن 
السابقة يؤسس بمقتضاها فكرة ١‏ المعجم الخاص » ٠‏ والتعابير النموذجية التي 
قد ينفرد باستعمالها قوم من الأقوام 5 أو صناعة من الصناعات 4 كذلك الشعراء 
والكتاب . فتجدهم يقبلون على عبارات دون عبارات وألفاظ دون ألفاظ . 
ولذلك أصل في طبيعتهم ومادة اختصاصهم إذ المشاكلة بين الصناعة والأجهزة 
المفهومية التى تحتويها لا تقع عن صدفة » وإنما عن ممارسة وامتحان لوحدات 
اللغة المختلفة حتى دقام العلم وتطوره رهين وقوف القائمين عليه على ما 
يناسبه من مصطلحات والفاظ ْ 

«ولكل قوم ألفاظ حظيت عندهم . وكذلك كل بليغ ني الأرض 
وصاحب كلام منثور » وكل شاعر » في الأرض ؛ وصاحب كلام موزون 
فلابد” من أن يكون قد لهج وألف ألفاظا بأعيانها ليديرها في كلامه وإن كان 
واسع العلم غزير المعاني » كثير اللفظ (...) ولكل صناعة ألفاظ قد حصلت 
لأهلها بعد امتحان سواها » فلم تلزق بصناعتهم إلا بعد أن كانت مشاكلا بينها 
وبين تلك الصناعة ») (2) . 

وقد تركت هذه المبادىء آثارا واضحة في تفكيره البلاغي » فإقراره 
بتعداد المستويات اللغوية لاختلاف منزلة المتكلمين الثقافية والاجتماعية » 








(1) الحيوان » 90/1 . 


(2) المصدر السابق » 366/3 - 368 . 


207 


تكد عن انتمائها إلى « العربية » لأنها تسلاد حاجاتهم ني التعبيير تمخض 
عنهما قانون عام يربط النتائج بالتطلقات + فتولة اللغة عن الحاحة وقيام 
الكلام على المتفعة معناهما أن" ظاهرة الاغة » متى نظرنا إليها نظرة شاملة تتجاوز 
الوعى اللغوي الفردي أو الطبقي + لا يمكن أن تكون اعتباطية » وبالتالي فإنا 
لكل عنصر من عناصر جهازها موضعا يستعمل فيه وحيرا يؤدي فيه وظيفة . 

ووليس في الأرض لفظ سقط البتة ولا معنى يبور حتى لا يصلح لمكان 
من الأماكن ») (1) . 

وبذلك تقوم الوظيفة بدور الرباط الموحد بين الطبقات اللغوية رغم ما 
بينها من تفاوت . 

والنتيجة الطبيعية بل الحتمية لهذا التأصور الشامل للتواصل اللغوي 
والتشبّث ١‏ بوظائفيّة » (2) الكلام بروز فكرة ضرورة ربط المقال بالمقام 
وملاءمته لمقتضى الحال . وهي فكرة رئيسية « أقام عليها أبو عثمان كل مادته 
البلاغية » (3) . 


نظرية «المقامات) أو (المواضع ) : 


لعل" أبرز ما يدل على مكانة هذا المتصور » في مؤلفاته » كثرة 
المصطلحات المستعملة لبيان معناه » وإفرازه جملة من المستخلصات العملية 
توجه المتكلم إلى الطريق التي يجب اتباعها في صناعة الكلام . 
10( البيان و العبيين » 93/1 . 
(2). قكتلهمهمتاعمه]1 
(3) انظر عبد الجبار بن غربية :. المادة البلاغية الواردة في كتاب « البيان والتبيين » تبويب 


وتحليل رسالة مرقونة نال بها صاحبها ,1 تبادة الكفاءة فى البحث « بكلية أداب دونلس 0 
سبتمبر 1975 ص 23 . 2 


وانظر أيضا في علاقة الوظيفة بالملائمة والمناسبة . 
.م ,801 7نزى ومتموةق7 : 1000207 .1 


208 


فمن المصطلحات المتواترة ١‏ المقام وم الموضع ) و(الحال) كذلك 
7 الأقدار أو «المقدار ) ودالمشا كلة » و« المطابقة ) (1) وجميعها فروع عن أصل 
ابت قُ تكو وان ' يتبلور على الصعيد الاصطلاحي هو فكرة ( المناسبة ») 
و1 الملاعمة 0 


ولكثها » رغم ذلك » تفترق هن وجهة ما تعود عليه من أطراف تسعى 
إل الناسة ينها .وبمك #انتقزاء التسوض الوارذة"فنها > أن 'تفسهها إل 
قسمين كبيرين حفلي كلاهما بنفس النصيب هن المصطلحات . 

القسم الأول : ويدل” عليه ١‏ المقام ) و( الموضع ) و«الخحال) ذو صيغة 
عامّة ويهتم بعلاقة المقال بالظرف العام الذي يتنزل فيه وكثيرا ما تأني العبارة 


عن ذلك مطلقة بحيث يصعب على القارىء أن يتبين #توى ذلك الظرف . 


إلا أننا نستطيع ؛ من حمل النص' على النّص » ومن بعض السياقات 
الصريحة » أن نحصر ما تدل عليه في ثلاثة عناصر : 

أ المخاطب : وجملة ما على المتكلم اعتباره في مخاطبته لخصه 
الجاحظ بي عبارتين ه 4 #اعقيوار الطافئة يبور أفدان الدولة تويكو أنه 
يشير بالأولى إلى زاده اللغري ومنزلته في العلم » وقد رأينا أنّها رهينة حاجاته 
وانتمائه الطبقي » بينما تشير الثانية إلى رقبته في الساسم الاجتماعي وحظه من 
الجاه والسلطان . وقد يجمع المؤلف بينهما كقوله : 


«وومدار الأمر على إفهام كل قوم بمقدار طاقتهم والحمل عليهم على 
أقدار مناز لهم ( ,2( 5 

وقد لا يسمح السياق بذلك فتراه أحيانا بربط (١‏ التوجيه ) بالطاقة والمازلة 
في العلسم » ويشترط في المتكلم أن « يكون ني قراه فضل التصرف في كل 


(1) البيان والعبيين » 12/1 » 76 . 92»؛ 116 : 138 - 139 » 144- 145 . 
الحيوان » 90/1 » 292 93 » 39/3 ؛ 369 : 7/6 © 9. 


(2) البيان والتبيين » 92/1 . 
2089 


طيقته ) (1) ويتجه » أحيانا أخخرى » وجهة اجتماعية بحتا فيلح عليه أن لا 
يكلم سيد الأمة بكلام الآمة ولا الملوك بكلام السُوقة » (2) . 


وتتصل بهذين الاعتبارين الرئيسيين متطلبات أخرى ذات طابع نفسي 
تساعد الظاهرة اللغوية على تأدية وظيفتها وتسمح لمتكلم أن يبلغ من السامع 
مقصذه © وأولاها نشاط السامعين ووجودهم على هيأة جسدية وعقاية سمح 
لهم بتمثل ما يقال لهم » وقد نقل ني هذا الصدد قول عبد الله بن مسعود : 

وحلاث الناس ما حدجوك بأبصارهم » وأذنوا ذلك بأسماعهم 
/ ولحظوك بأبصارهم / » وإذا رأيت منهم فترة فأمسك » (3) . 

كما نبّه إلى وجه ثان طريف يقوم بدور هام في شد السامع إلى 
لمتكلّم وفتح ذهنه ونفسه إلى الفهم » وهو أن نكون هناك مناسبة في الاهتمام 
بموضوع الحديث وهذه المناسبة تخلق توازنا بين إرادة الكلام عند المتكدم 
وإرادة الفهم والتقبل عند السامع : 

« إذا ل يكن المستمع أحرص على الاستماع من القائل على القول لم يبلغ 
القائل في منطقه » وكان النتقصان الداحل على قوله بقدر الخلة بالاستماع 
منه ) (4) . 


والجاحظ شديد الحرص على هذا الجائب التّفسي » أشار إليه في 
مواطن متعددة (5) ناهيك أنه أقام منهجه ني الكتابة على المراوحة بين الجد 
والهزل » لجلب السامع إليه » وضمان إقباله على ما يكتب إلى درجة أنّه يقدام 
ما تميل إليه النفوس على ما بقتضيه ا موضوع (6) . ولا غرابة أن يولي 


69 ألبيان والتبيين نفس الصفحة . 

2( المصدر السابق نفس الصفحة . 

)3( المصدر السابق » 104/1 . 

(4) المصدر السابق » 315/2 . 

(5) المصدر السابق » 27/1 20 » الحيوان » 93/1 . 
(6) الحيوان » 7/6 -9, 


210 


استمرار التواصل بين المتكلم والسامع إدان عملية البث هذه العناية” » فهو 
نتيجة من نتائج التعلق بالوظيفة التي ترتبط بدورها » بالبعد العقائدي في نظرية 
الجاحظ البلاغية . 


ب) جنس الكلام : وقد أطلقنا عليه ٠‏ في مطلع هذا الباب » ١‏ المقام ) 
ولا جدال في أن أهمئها في مؤلفاته مقام الخطابة وهو يتطلب من المتصدار له 
أن يكون عارفا بمواضعها ومناسباتها ليصوغ كلامه وفق ما تقتضيه » فمنها 
ما يكون بالشعر ومنها ما يكون بالكلام المنثور » مقفى وغير مقفى » في حين 
لا بأتي بعضها إلا مسجوعا . كما أن بعضها يتطلّب الصنعة وتعهد الصياغة » 
بينما يفترض بعضها الآخر البعد عن التصنع والخلوَ من التكلف (1) . وجميعها 
تستدعى من الخطيب هبأة مخصوصة وطريقة في النطق معلومة . وسنعود إلى 
اقول ذلك نك لد را عن راتت المقام . 


ج). القصد من الحديث : إن المتكلم مدعو » لتحقيق المناسبة المرجوة 
وحتى لا يخرج عن حد البلاغة » إلى مراعاة الغرض الذي يسعى الحديث إلى 
تحقيقه » فلا يخلط بين أقدار الألفاظ وأقدار المعاني » ولا يتصتع الجد" حيث 
يجب الهزل » ولقد أتى الجاحظ على القسم الكبير من هذا الجانب عند 
حديثه عن منزلة المخاطب » فاقد رأيناه يطالب المتكلم بأن ييُوفي المنازل” 
حقها فلا يستعمل اللفظ المنطقي » مثلا ء إلا إذا كان السامع من أهل الصناعة » 
وكان الموضوع صناعة الكلام وعليه أن يرغب في هذا المقام » عن ألفاظ 
الأعراب وألفاظ العوام » أما إذا كان في خطبة أو رسالة أو في ممخاطبة العوام 
والتجار فقبيح به أن يستعمل ألفاظ المتكلمين (2) . 

وقد اعتنى » في هذا النطاق » عناية خاصة بالنوادر باعتبارها نوعا أدبيا 
قائم الذات قصدأه الإضحاك والإعجاب يحكيها المتكلمون ويتناقلها الناس » 








(1) البيان والتبيين » 6/3 . 
(2) الحيوان » 368/3 - 369 . 


211 


2 ارتياط وظيفتها ببنيتها وهيأة الكلام فيها وجب على حاكيها وثاقلها 
ادن رام خصائص اللعة لدي الطيقة ال 75 تى ينمل عنها 3 وشمل ذلك صورة الكلام 
ومخارجه وعاداتهم في فى أدائه . كلف أن اماد قد لقم بالخصائص السلبية 


كالسخف والعجمة 09 يعني أن” 0 ليست » دائما » زقية» ا النص 


ووأنا أقول ٠‏ إن" الإعراب يفسد نوادر المولدين » كما أن" اللحن يفسد 
كلام الأعراب » لآن” سامع ذلك الكلام إنما أعجبته تلك الصورة وذلك 
المخرج وتلك اللغة وتلك العادة » فإذا دخلت على هذا الأمر الذي إنما أضحك 
سخفه وبعض كلام العجمية التي فيه » حروف الإعراب والتحقيق والتنقيل 
وحولته إلى صورة ألفاظ الأعراب الفصحاء » وأهل المروءة والنجابة انقلب 
المعنى مع اتقللاب نظمه وتبدلت صورقه ) (1) . 

ولا يقف الأمر عند هذا الحد” » ذلك أن عدم احترام القصد والغفلة عن 
علاقة صورة الكلام بوظيفته قد يتجاوز الإخلال بها إلى لق حالة في السامع 
ها كنة لا كذا نروم مله . 

«وإذا كان موضع الحديث على ان فدات وال وداشيا فيضات 
المزاح والطّيب » فاستعملت فيه الإعراب » انقاب عن جهته . وإن كان ٍِ 
لفظله سخف وأبدلت السخافة بالجزالة » صار الحديث الذي وضع عل أن بسر 
النفوس يكربها » ويأخذ بأكظامها » (2) . 

ما لديم الثاني » وتدل عليه مصطلحات ١‏ المشاكلة » و( المطابقة ) 
و«الأقدار أو «المقدار » وما جرى مجراهاء فإنه أخص' في الدلالة من القسم 
السابق وإن اتحد به في الرؤية » ووجهته الكلام في حد ذاته وما على - 





(1) الحيوان » 282/1 . 
2( المصدر السايق 39/36 . 


212 


مراعاته في تعليق عناصره بعضها ببعض من « الصوتم » (1) إلى النص . فهناك 
قوافين للملاءمة بين مكونات الكلمة (2) ثم بين الكلمة وما تدل” عليه أو العلاقة 
بين الألفاظ والمعانو ى (3) فترابط المعاني (4) خاصة معاني الشعر والأجزاء 
المكونة للبيت (5) ؛ وسنعود إلى كل هذه المظاهر في الفصل الذي نشخصصه 
للكلام . 

وفكرة الملاءمة بين المقام والمقال قديمة لم يبتدعها الجاحظ وبيات 
ذلك مسلمات البحث وشهادة الوثائق التاريعخية » فهى من جهة المسلمات 
ملاتحمة وجوديا بكل فعل لغوي يتجاوز قائله ويقصد منه الإبلاغ » فإذذاك 
بتخضع المتكدم » تلقائيا » كلامه لجملة من الضوابط يفر ضها السعي إلى 
الإفهام ومنزلة المخاطب إذ لا تتُخاطب الطفل مخاطبة الكهل » وليس حديثنا 
إلى المثتقف حديثنا إلى الجاهل (....) ثم إن" للمكانة الاجتماعية / ني الكلام / 

تأثيرا (.....) فلسنا نكلم مه 00 (6). 


أما من جهة الشهادة التاريخية » فهي جلية ني التراث اليوناني خاصة 
قُ كتاب ( الخطابة ) لأرسطو حيث فصل القول قُُ أنواعها ومقاماتها وحدا 2 
لكل" نوع معالم لتعذر الإطار النظري الشامل لها » فحاءت متطليات الخطاية 


00 مغ ده 111 
(2) البيان والعبيين 69/1 . 


)3( انظر : المصدر السايق » 75/1 - 83 » 92 6 107-106 ٠‏ 115 6 136 6 144 س 
145 148-147 , 245 » 250 ع 255 ع 256 » 261 » 339 ع٠‏ الصيوان » 
0/1 » 131/3 132 ع 7/6 - و وانظر رسالة في الجد والهزل؛: مجموعة عبد السلام 
محيد هارون 262/1 . ١‏ 

(4) البيان والتبيين » 20/1 -21 » 116 . 

.67--66/1 » المصدر السابق‎ 05١ 

)6( انظر : ,.66 عصمة7 ,.1.لا.ط ركه 01 ع1 كمع له وأنؤى 26 : أمووعع0 [ععتة ا 

.1-2 .مم ,1977 رامو 


وتربط كثير من الدراسات بين الملائمة والوظيفة ربطا آليا وكأن ذلك م ن المسلمات فتجدهم 

يقولوت : 

بأعدترمأاعدم/ 16م ,نه ,مختلهصصملاعهه1] 8 كصضقل عتمتتاكطهته هو 016قم 12 (...) > 
« مأطمندء ميرم مراغ اوم 


2113 


الاستشارية » أو ١‏ الحملية » (4611588614 5.6) مختلفة عن متطلبات النوع 
« القضائى ) (26ز71:01018 1:6) وهذه بدورها » مختلفة عن متطلبات 


الخطابة ( الاستدلالية ) (1) (كأناةةأقصمط26) . 


ولثن صادفنا لدى صاحب ١‏ البيان والتبيين 4 منرعا في دراسة الخطابة 
شيها بمتوع أرسطو كتحديد أنواعها وضبط ما يلائمها من أساليب (2) 
فإن” وجه الطرافة ني تفكيره أنها لم تتولّد ‏ أي اللملاءمة ‏ عن هذا السبب 
الضيق ولا تبالخ إن قلنا إن" دور مقام الخطابة في بروز هذه الفكرة عنده ثانوي 
إذا قيس بما خصصه لمنزلة المخاطب اللغوية والاجتماعية . 

والطرافة بل والأصالة » في هذا المجال » ربطّه ربط النتائج بالأسباب » 
هذه الفكرة” بوضع لغوي نوعي كانت عليه العربية في ذلك العصر » وهو وضع 
يعكس « التركيبة » الاجتماعية والطبقية السائدة » وبذلك وفق إلى إدراجها 
ضمن إطار تاريخي مؤهّل » موضوعيا » لإفرازها إفرازا ذائيا فينسى القارىء 
أصولها ويغلب ضَ ظنه أنه اخترعها اختراعا . 


26 6د 


سام اي 


وتأئير هذه المقولة في نظريته البلاغية والجمالية عميق + لعل" أهمسه 
بسروز مفهوم النسبية في تحديد بلاغة النص'” » فبحكم ترابط «المقال» 
و« المقام » ترابطا جدليا تصبح خصائص الكلام غير منفصلة عن السياق الذي 


(1) انظر بدوي طباثة الكتاب المذكور ص 171 174 ويبدو أن الترجمة التي اختارها 
لتسمية هذه الأنواع من و ضعه أو من و ضع حديث لأنه أشان في الطوامش إلى الدرجمات 
العر بية القديمة وهي مختلفة عن التي أثبتها . 

2( سنذكر ذلك عند دراسة مقتضيات المقام إلا أننا نلاحظ من الآن أن أصول التقسيم عند 
الررجلين مختلفة : فأرسطو يؤسسه على المضمون « فالاستشارية أو الحملية » مضموتها 
النصيحة و التحذير « والقضائية » التقاضى كا يدل عليه اسمها أما « الاستدلالية » فهي خطب 
الع والذم لذلك نجد إلى جانب الكليات الخطابية خاصيات مرتبطة بكل نوع . 2 

ما الجاحظ فيعتسد في تقسيمه على « المناسبة » التي تلقى فيها الخطبة ول يهتم بقضية 
المضامين فذكر ما يقال في : « المساجلات م وما يقال « في ل 0 
الع عب ترات وااو احا وصلي والتصاورة 6 ا اسان راسي 
7/1 »* 5 


214 


يحتويه » معنى ذلك أن الحكم للكلام أو عليه لا يتعلّق بشيء ني ذاته 
ومواصفات تتولنّد داخله تولدا ذاتيا إذ وجدوه وجود علاقى ظرفى » 
ومؤدي النسبية انعدام الفصاحة المطلقة » والبلاغة المطلقة » ولذلك تختلف 
المقاييس باختلاف المواضع » وأكبر دليل على ذلك » في آثاره ؛ اعتماده في 
تحديد الأساليب البلاغية على ملاءمتها للسياق مما يؤكد على أن قيمتها البلاغية 
ليست قيمة مجردة يمكن ضبطها في قوائم تصلح لكل موضع وحال . 

«ووجدنا الناس إذا خطبوا في صلح بين العشائر أطالوا » وإذا أنشدوم 
الشعر بين السماطين بي مديح الملوك أطالوا . وللإطالة موضع وليس ذلك 
بخطل » وللإقلال موضع وليس ذلك عن عجز » (1) . 

ومما يثبت به قانون النسبية في النص السابق قطعه السببية المباشرة بين 
الظاهرة وطرفها : الخطل بالنسبة إلى الإطالة والعجز بالنسبة إلى الإقلال . 
وبهذه الكيفية خختص الجاحظ نظريته قُ بعض الأساليت كالإيجاز 
والإطناب من الاعتبارات ١‏ الكمية » وأقامها على مجرد ١‏ الكيفية ؛ فجعل 
منها أدوات طيعة مرنة ذات قيمة أدبية وجمالية متحولة . 

« والإيجاز ليس يعنى به قلّة عدد الحروف واللفظ » وقد يكون الكلام 
من أتى عليه فيما يسع بطن طومار فقد أوجز 4 وكذلك الإطالة 3 وإنما ينبعي 
له أن يحذف بقدر مالا يكون سببا لإغلاقه » ولا يرداد وهو يكتفى ني 
الإفهام بشطره » فما فضل عن المقدار فهو الخطل » (2) . 

وما ينطبق على هذين الأسلوبين ينطبق على بقية الأساليب © وكثيرا ما 
يجمع المؤلف بينها ني صيغة لغوية إقرارية تتخذ شكل القانون العام الذي يجب 


00 


أن نخضع له تصرفنا اللغوي . 


(1) الحيوان » 93/1 . 
(2) المصدر السابق » 91/1 . 


215 


«ولكل” ضرب من الحديث ضرب من اللفظ ولكل نوع من المعاني 
نوع من الأسماء 60 والإفصاح قَْ قي مو ضع الإفصاح 3 والكناية 2 مو ضع 
الكناية والاسترسال * ِي مو ضع الاست رسال ) ) ([) . 

وعلى هذا النحو نفهم لعسيو نامك تفيدي #الوعن الل 
لم يداخحر جهدا لاستقصاء التجج لفضل الكلام على الصمت يوكد ي بعضص 
سياقاته على عكس ذلك : 

) وريما أن دن السكوت دما بعجز القول عنه وقدل بلغ أقصى حاحته 
وقابة أمنقه بالاتضاء والاشارة حنن بكرن كلتك القول فضاد والكلام 
خطلا ) (2) . 

وهذا المظهر يكاد يكون مطّردا في مواقفه » فلئن اشتهر عنه تمسكه 
بالإفصاح والإبانة عن القصد حتى غدت بعضص أقواله المحسمة لهذه الفكرة 
شائعة بين الناس سائرة سير الأمثال (3) فإنه لا يتردد في تقديم ١‏ الكناية ) 
عليهما واعتبارها عنوان شرف القول وفضله . 

«وربما كانت الكناية أبلغ م ن التعظيم وأدعى إلى التقديم من الإفصاح 
والشرح ) (4) : 

ورأيه » هذا ء في الكناية ليس مقابلا لرأيه في الإفصاح فقط » بل إنه 
يخالف قولا آخر بي نفس الموضوع . 

وأو مّا علمت أن الكناية والتعريض لا يعملان في العقول عمل 
الإفصاح والكشف )» (5) . 








(1) اليوان » 39/3 . 

2( الك ر الرسائل » مجموعة هارون ٠‏ 307/1 . 

(3) نعني هنا خاصة قوله : « وأحسن الكلام ما كان قليله يغنياك عن كثيره ومعئاه 3 في ظاهر 
لففأه ») ألبيان و التببيين 6 83/1 . 

(4) الرسائل » محجموعة هارون » 307/1 : 

(5) البيان راشي 6 117/1. 


216 


وهكذا فإن” ما يبدو » في الظاهر » تناقضا هو على غاية الانسجام مع 
أصول نظربته ا مؤسسة ‏ على موقف جمالي عام 3 لغيجام كل البعد عن 
ل 3 5 0000 5 3 5 5 5 
التتصوّرات الماورائية » والمنازع المثالية في التفكير » مغر ق في العملية بحيث 
له بينفصل )0 الحسن 2 عن النفع والنحاعة ولا تتحقفق بلاغة القول ويعم تحير ها 
إلا إذا انصهر الكلام في وظيفته وتحققت فيه شروط الملاءمة وهي الغاية التي 


ليس بعدها غاية : 


ولا خير قي كلام لا يدل على معناك ولا يشير إلى مغزاك وإلى العمود 
الذي إليه قصدت والغرض الذي إليه نزعت » (1) . 


ر نتج عن هذا التّصور الذي يربط الجمالية بالإنجاز بل بنجاعة الإنجاز 
عزوف الجاحظ عن د راسة الكلام في ذاته باعتباره شكلا متناسًا يمكن 


تذوقه وتحسّس الجمال فيه بصرف النظر عن وظيفته والغاية منه . 


ولعلّنا وقفنا هنا على سبب هام يعين على توضيح قضية خيرة في تاريخ 
البلاغة العربية ومؤلفات الجاحظ على وحة الخصوص فأنت إذا قارنت 
دين مو لفاته ومؤلفات ابنر قتيبسة ا 1 تأويل” مشكل القرآن» لاحظت 
فرقا واضحا من جهة التبويب لسائل البلاغة وترتيبها لا يكفي الفاصل الزمني 
القصير بينهما لتفسيره . ففى حين لا يعير الجاحظ أيّة أهمية لهذا النوع 
من البحث ناهيك أنّه لم يذكر كثيرا من الأساليب التي سبق أن وجدناها عند 
سلفه من اللغوبين والنحاة (2) تكاد مشاركة ابن قتيبة تنحصر في جمع ما 


وجاك قُ مؤلفات أسلافه وتنظيمه وإيفاءه حقه من التعر يمف وضرب الأمثلة . 
ولا نظن" أن" الجاحظ كان عاجرا عن مشل هذا الصنيع لو لم تكن 

منطلقاته الفكرية واي نظربته البلاغية تصداه عن ذلك . فلا جدوى من جمع 

(1) البيان والتبيين » 115/1 - 116 . 

(2) انظر : في ذلك عبد القادر حسين : أثر النحاة في البحث البلاغي » ص 176 . 


2117 


الأساليب وتحديدها وإيراد الشاهد لها ني إطار تصور لايعترف لها بقيمة 
ثابتة » وحسئن عالق بذاتها » مستقل” عن ملابساتها . 


د تن فنا 


أن الآ الكبير الثاني الذي خلقته نظرية « المواضع » في تفكيره البلاغي 
عمقل ى احتلال مبد! ( الاختيار ») صدارة المقاييس في التمييز بين الأساليب 
وتفضيل بعضها على بعض . وأسس الاختيار » في هذا المضمار تحقيق الملاءمة 
بمعنييها : العام والخاص” ؛ أي بين الأطراف الداخلة في تركيب الكلام وبين 
الساق الحاف بها . والاختيارٌ » وسنفصل القول فيه في إبانه » يؤدي بصفة 
طبيعية إلى إبراز دور المتكلّم الممؤول عن تحقيق تلك المناسبات و صوغ الكلام 
على مقتضى ال حالات » وواضح أن" الأنسفابة ليده المطلبات أمر هس ل 
يعم للمتكلم العادي : 
وتات النلبات ال م نر حاجة إلى بسط القول في شأنها أن" صاحب 
البيان والتبيين الذي يعنيه الجاحظ هو الأديب البليغ والخطيب « المصقع » (1) 
ومن يصرف القول عن وعي ودراية وترتيب وسياسة . 
فكيف يبلغ المتكاتم هذه المتزلة ؟ 


تَّْ مقتضيسات » الايانة 2 


رأينا أن" أشد" مفاهيم « البيان » اتصالا بمشاغل الجاحظ مأ - به 
المتكل م إفهام حاجته ( على مجاري كلام العرب الفصحاء » (2) وبذلك يُخلق 
ب اكد و قت امون رن حضوا ارو بد سرك عل ليا 
الوسائل لا يقل" شأنا عن الحرص على تحقيق الوظيفة لا سيما أن هذه الأخيرة 


(1) البيان والتبيين » 113/1 . 
)2( انظر : الفصل الثاني ص 8 ., 


218 


يمكن أن نتم" من سبيل العادة وطول المخالطة والأخد على ١‏ الفاسد » من 
الكلام فيتِيسّر الفهم باللكنة والخطٍ والإغلاق واللحن (1) . 

وفي هذا دليل على أن" مقصد المؤلف ليس مقصدا لغويا عاديا يترصد 
مستلزمات الإبلاغ البسيط . وَإنّما هو بحث عن سبل إخراج الكلام على هيأة 
تمكن له ني الفصاحة والبلاغة وتقوي مفعوله عند السامع » وهذا لا يتما إلا 
لمن كان ني نفسه فضل التصرف ني كل طبقة من « بلغاء الأعراب » (2) 
ود خطباء الأمصار ) (3) . 

وتنزيل الكلام هذه المنزلة” يحتاج إلى « تمام الآلة وإحكام الصنعة ) (4) 
واقتناع المتكلم بأن « سياسة البلاغة أشد” من البلاغة » (5) فللبيان » على هذا 
الوجه » مقتضيات يجب أن تتوفّر ني من يتصدار لهذا الموقف ويتوق إلى هذه المنزلة. 

ومن هذه المقتضيات ما هو عام” ويجب أن تحمل عليه كل" أصناف 
النصوص ذات المسحة الفنيئة بقطع التظر عن القناة التي تَعابسرْهًا » ومنها ما 
هو خاص” لا يبرز دوره » بالسلب أو الإيجاب » إلا ني المشافهة . لذلك 
نكتفي هنا باستعراض القسم الأول مسرجثين الحديث عن القسم الثاني إلى 
مقتضيات المقام » مع 5" كيدنا على الصعوبات التي يصادفها الباحث للفصل بين 
معطيات جاءت ملتحمة” متداخلة تداخل المفاهيم الأساسية المتحيطة . 


26 2 


ضبط هذه المقتضيات » ومع ذلك فهي لا تخلو من إشارات على غاية مسن 


(1) انظر : الفصل الثاني » ص 168 . 
(2) الحيوان » 89/1 -90 . 

(3) نفس المصدر نفس الصفحة . 

(4) البيان والتبيين » 162/1 . 

(5) المصدر السابق » 197/1 . 


219 


الأهمية بالنسبة إلى هذا الموضوع ٠‏ جاء بعضها عرضا عندما يستطرد وتتداعى 
معانيه » ويكثر ذلك ني حديثه عن الشعر ؛ وجاء بعضها الآخر مربوطا بأغراض 
تعليمية واضحة بعلن عنها المؤلف بصريح الافظ » وتعتير رسالة بشر بن 
المعتمر المعتزلي من أبرز تلك المواطن وأكثرها إحاطة بالموضوع إذ فيها بيان 
المؤهلاات لكر والحسية اللازم توفرها في في الأديب البليغ . وحديث عن 
الظروف الماداية والنفسية الملائمة لعملية الخلق الفني وإلى هذه وتاك تركيز 
ش على خصائص النص" ومنازل الكتاب بحسب ما يتم لهم منها (1) . 

ونجد » زيادة على هذه الرسالة المطوّلة » عددا من النصوص » ي نفس 
الغرض ٠‏ على غاية من الإيجاز والتأليف . أتى فيها على أهم تلك المقتضيات 
مردّية بحسب أهميتها ؛ فيما يبدو » يأر ني صدارتها نص” رواه عن ينب 


العلماء بالبلاغة والخطابة و قل اعتمد فيه مجار زْ الاستعارة حيث استعار للخطابة 


ضور الطائن وأحل 0 شرط من: الشروط مكان عضو من الأعضاء يقول : 


«رأس الخطابة الطببع وعمودها الدربة؛ وجناحاها رواية الكلام وحليها 
الإعراب وبهاؤها تخيئّر الألفاظ » (2) . 


وتتعلّق الشروط الثلاثة الأولى بالمتكلم أما الشرطان الرابع والخامس 


- الطببع : : إنّه من العناصر القارّة في كل" عمل أدبي مهما كان 
150000 يغفل الجاحظ عن ذكره في أشد مواقفه تحمسا للبيان 
والتبيين . ودعوته العلماء لإظهار ما عندهم (3) ومع ذلك يلاقي اليباحث 
مع يهان دراك افر اجقام عباتتو" أذ الممودن لشن مسن 
تقصير المؤلف في إيفاء المصطدح حقّه من الشرح ٠»‏ وإنما من احتجاب 


0 البيان والتبيين » 135/1 - 139 . 
(2) المصدر السابق » 44/1 . 
(3) المصدر السابق ٠‏ 200/1 . 


230 


المفهوم نفسه » إِذْ هو من متعلدّقات بواطن الإنسان وأسرار تركيبه » ولا نعتقد 
أن المدارس الأدبية والنقدية اليوم ٠‏ أوفر حا ني الإحاطة بهذا المفهوم من 
القدماء على بعد العهد وتطور العلسم 

فلقد يذل صاحب ١‏ البيان والتبيين » جهدا كبيرا قي محاصرة هذا المفهوم 
وقد اتبع لبلوع ذلك مسالك متنوعة لعل أهييا تصر نحة 2 2 مواطن قليلة 
كد اج انه - أي الطنبع ‏ غريزة في الإنسان واستعداد جبلي يودعه الله من 
عباده من يشاء . وقد برز ذلك بصورة جلية في معرض حديثه عن العناصر 
التي يقوم عليها الشعر والأسباب المتحكمة في كثرته عند بعضهم دون بعض . 
فبعد أن دحض الرأي القائل بأن” كثرة الشعر مرتبطة بكثرة الوقائع والحروب . 
وخصب الدار ؛ ونوع الغذاء . انتهى إلى ما يعتبره عوامل كثرة الشعر 
وجودته : 

« وثقيف أهل” دار ناهيك بها خصبا وطيبا » وهم وإن كان شعرهم 
أقل” فإن" ذلك القليل يدل" على طبع في الشعر عجيب . وليس ذلك من قبل 
رداءة الغذاء » ولا من قلّة الخصب الشاغل والغنى عن الناس ٠‏ وإنما ذلك 
عن قدر ما قسم الله لهم من الحظوظ والغرائز والبلاد والأعراق مكانها » (1) . 

وي موطن آخر من مؤ لفاته 0 عن فكرة لع ( بمصطلح طريف » 
فيه من التناقض » من وجهة فلسفية محض » الشيء الكثير إذ سمّاه «عقل” 
الغريزة ) (2) . 

أما الطريقة الثانية في المحاصرة فقد تمّت بامقابلة بين الأحكام الناجمة 
عن نقد النصوص الأدبية والشعرية ودراسة خصائصها الفنية بغية الوصول إلى 


(1) الحيوان » 380/4 --381. لاحظ إحسان عبابن. تاريخ النقد الأدبي عند العرب ء 
ص 97-96 في خصوص هذا النص ملا حظتين ققد فقد رأى فيه ردأ صريحا على ) الظارسة 
اب سا" م الجمحي التي در بط قول الشف ز بالطسرياب 4 كا أشار 7 سحيسراة المساحظا 
وريما تناقضه ع في” أهمية عنصر « البيئة » فهو يرفض تأثيرها ف في الرد إلا ا نه يثبتها بعد ذللك, 

(2) البيان و التبيين » 14/2 . 


221 


معرفة الكيفية التي يتوخاها كل" فريق ني الكتابة . ومن أبرز الأزواج المتقابلة 
في نصوص الجاحظ » ومن ثم في النقد العربي جملة » زوج «المطبوع ,) 
ودالمتكلف » والمقارنة بين موقفه من الطرفين تعين على بلورة فكرة ١‏ الطبع ) 
المجرّدة الغامضة » بل إثنا قد نكتفي » لبلوغ ذلك » باستقراء السياقات التي 
تحدث فيها عن ( التكلئ ) وما تضمنته من أحكام . 


فالمطبوعون يأتيهم المعنى : « سهوا ورهوا وتثثال عليهم الألفاظ انثالا » 
بينما يلتمس ١‏ المتكلّف » « قهر الكلام واغتصاب الألفاظ » (1) وبصفة أشد 
تأليفا واكتنازا ذكر الجاحظ أن الأوّلين يصدرون عن « عفو الكلام» ني 
حين لا يأنى الآخر شيئا إلا عن ( مجهود ) (2) . 

ولأجل ذلك كان موقفه من التكّف واضحا (3) فهو مقترن 
ب «السماجة 2 وعلّة تصيب الكلام « فتستهلك المعاق ونشين الألفاظ ) [(© 2 
والعرب لا تكاد تستعمل هذا المصطلح إلا موضصع الذم (6) لذلك اعتبره «مدار 
اللائمة ومستقر المذمة ) (7) . 

والسبب ني ذلك أن المتكلف يحاول ما لا يحسن (8) ويحمل نفسه على 
ما لا طاقة لها به (9) وهو بذلك يخرج عن أهم مبد! يؤسس العلاقة بين 
صاحب الصناعة وصناعته وهو مبدأ « المناسبة » و( المشاكلة » وهي في مصطلحه 
تدل” على ما يدل" عليه « الطبع ) . 


(1) البيان والتبيين » 13/2 -14. 

2( نفس المصدر » نفس الصفحة . 

)3( سكتنا في هذا النطاق عن مفهوم الصنعة قصدا لأن موقف الجاحظ منها كا سنبين لا يجري 
على وثيرة واحدة . 

69 المصدر السابق » 13/1 , 

(5) م و 136/2. 

6( وه« « 18/2. 

(7) المصدر السابق » 12/1 - 13 . 

3/1 7 2 0) 

1 153/2 57 0 ,0( 


222 


( ... فالمتزلة الثالثة أن تتحوّل من هذه الصناعة إلى أشهى الصناعات 
إليك وأحقتها عليك » فإنّك لم تشتهه ول تنازع إليه إلا وبينكما نسب ؛ والشيء 
لا يحن إلا إلى ما يشاكله ) (1) . 

« وأنا أوصيك ألا" تدع التماس البيان والتبيين إن* ظننت أن" لك فيها 
طبيعة وأنهما ينسبانك بعض المناسبة ») (2) . 

أما الطريقة الثالثة فهى الرواية . فمن الناس من لم يواتهم قول الشعر ‏ 
مثلا » رغم رسوخ قدمهم في البلاغة والمخطابة فلما سثلوا عن ذلك فسّروه 
تفاسير تعين على توضيح مفهوم الطبع » فقد نسب إلى ابن المقفع أنه أجاب 
لما سئل : ألا تقول الشعر؟ قال : ١‏ الذي يجيئني لا أرضاه والذي أرضاه لا 
يجيئني » (3) فعلم أن لا « طبع » له في صناعة الشعر وإن بز معاصريه في بعض 
فنون الأدب الأأخرى . 

على أن « الطبع » لا يصون » بمتهرده ) عن ١‏ التكلف » ما لم نباشر 

الكتابة في ظروف تكون فيها النفس على أتنم الاستعداد والفكر خاليا من 
الشواغل فتتجدّب « التوعر » وتأتى المعانى متساوقة سلسة متقادة . ولأهمية 
هذا العمل وشددة تأثيره في عمليّة الخلق الفنى صدار به بشر بن المعتمسر 
رسالته » يقول : 

« خذ من نفسك ساعة نشاطك وفراغ بالك وإجابتها إيّاك » فإن” قليل 
تلك الساعة أكرم جوهرا » وأشرف حسبا » وأحسن في الأسماع ١‏ وأحلى في 
الصدور وأسلم من فاحش الخطاء 2 وأجلب لكل عين وغرة 4 مسن لفط 
' شريف ومعنى بديع » واعلم أن" ذلك أجدى عليك مما يعطيك يومك إلا طول 
(كذا) (4) بالكد والمطاولة والمجاهدة » وبالتكليف والمعاودة » (5) . 
(1) البيان والعبيين » 138/1 . 
(2) المصدر السابق » 200/1 . وانظر : توسعه في فكرة المناسبة الحيوان » 201/1 , 
(3) المصدر السابق » 210/1 . 
(4) لعلها الأطول نتتم المقابلة بين « قليل تلك الساعة » وبينها . 
(5) المصدر السابق » 135/1 - 136 . 


223 


الدارية : ولثن اكد الساسطظ عل مترلة الطنبيع في العمل الفدٍ 
0 مرو لو بدونه فهو زوأسي ١‏ اك 

اشن ) أهمية كبرى في تفوق |/ خطباء والبلغاء وبروز أدبهم على هأة 
5 بتصنيفهم في طبقات ومنازل . 

وقد رشحت عن تعلقه بهذا الجانب مجموعة من المصطلحات تدل” على 

أهمية الممارسة وتعهند الطبع في حذق الصناعة واشتداد العارضة « كالتمييز ) 
و( السياسة ٠‏ و( الترتيب » و( الرياضة » (1) و« المعاودة» (2) وهو ينطلق » 
في ذلك من قناعة يكاد لا يتحول عنها وهي أن الإنسان في أول عهده بالكتابة 
لا تواتيه منازلها تمام المواتاة . والذين وقعوا من «البيان» في أعلى مرتبة لأول 
عهدهم به شواذ تتأكد بوجودهم القاعدة . فأمام كل كاتب وبليغ طريق 
طويلة 00 «أيام الرّياضة » وطرفها يوم يتوقّح وتستجيب له المعاني 
ويتمكن م لألفاظ . فيستحق إذ ذاك نعت ( البايغ اتام 1 

00 إتهم لم يروا خطيبا قط بلديًا إلا" وهو ني أوّل تكلفه لتلك 
المقامات كان مستثقلا لم أيام رياضته كاتها » إلى أن يتوقح وتستجيب 
له المعاني ويتمكن من | لفاظ » إلا" شبيب بن شيبة » فإنه كان قد ابتدأ بحلاوة 
ورشاقة » وسهولة وعذوبة » فلم يزل يزداد حتى صار في كل موقف يبلغ 
بقليل الكلام ما لا يبلغه الخطباء المصاقع بكثيره ) (3) . 

ويدل على كاقلن رية ال تصنوواق وان فدات ؟ الادية 
والجمالية إقراره بضرورة «أن يكون عقل الغريزة سلما إلى عقل 
النجربة » (4) وهو بذلك يكاد يحالها مرتبة أرفع من مرتبة الطبع . ولا سبيل 
إلى تحقيق هذا الانتقال إلا « بالتحلم والتعلم ) (5) والتحمل والصبر . 


00 ألبيان والتبيين » 14/1 » 197. 


, 204 » 137/1 9 م‎  )2( 
.133 2112/1 «م د‎ )3( 
. 14/2 » البيان والتبيين‎ )4( 
.197/1 ةف‎ «  )5( 


2274 


ولذلك وجدناه كثير العناية بالمبتدثين من الكتتاب » يشجع كل من 
آنس في نفسه قدرة على البيان وبعض الطبع والمناسبة أن يشحذ تلك الطبيعة حتى 
لا يستولي عليها « الإهمال ) (1) لا سيما أن" الطتباع قد لا تسمح في أوّل وهلة 
إلا أنها لابد” أن تستجيب بالمعاودة والمواضعة إيمانا بأن” ‏ الابتلاء » (2) بتكلف 
القول وتعاطي الصنعة يتم" عن وجود طبيعة وأعراق في الصنعة . 

ومن مظاهر التشجيع للريضين ضربه الأمثلة عن حال أقطاب البلاغة 
والخطابة » أوّل” عهدهم بالكتابة » وإبرازه لأهمية المثابرة وإرادة التفوق» وما 
حديفه عن واصل بن عطاء وأمثاله ممن تسنموا قمة الخطابة مع نقص الآلة 
« واللسان المتمكن والقوة المتصرفة » إلا" إعلاء لشأن الدربة وحمل الكتاب على 
مغالبة اليأس . 


لكن ما هى السبيل لمعرفة قيمة ما نكتب ؟ 


إن" من أوكد ما يجب تجنبه » في هذا الشأن » فرط الثقة بالنفس والعجب 
بئمرة العقل . فلقد نبه في مواطن عديدة إلى مخاطر الثقة بالرأي في تقييم الكلام 
لما في طبيعة الإنسان من ميل مع الهوى ني حكمه لما يأني أو لذوي قرباه » حتى 
أنّك ١‏ ربّما رأيت الرجل متماسكا وفوق المتماسك حتى إذا صار إلى رأيه في 
شعره » وفي كلامه وفي ابنه » رأيته متهافتا وفوق المتهافت » (3. 


والكتاب الذين يحملهم 0 الي على إحلال م زات 
ستحقها فإذا عرض على الناس تبين أن رايهم فيه دوك رأي صاحبه » كتاب 
لا يرجى منهم خير في نظر « أبي عثمان » (4) . 


(1) البيان والتبيين » 200/1 , 


(2) م 2137/1000 
(3) م ةف 204/1 . 
(4) البيان و التبيين » 115/1 . 


225 


وهو ينصح الناشتة والمبتدئين » اثقاء لذلك الرأي وغلية الهوى 8 بالاهتداء 
برأي العلماء و( جهابذة الألفاظ ونقاد المعاني ) (1) لتمرسهم بالصناعة 
ومعر فتهسم بوجوه الكلام فهم لا يصدروت ل عن زأئ ثنافت وحكم 
عادل . 

ولا يخلو رأي هؤلاء العلماء في ما يعرض عليهم من حالتين : فإما أن 
ستحسنوه وستز يدوا منه » وق هذا دليل على تفوق الكاتب وبراعقه وباب 
إل أذ يفخل عا قرفن أو حبر أو ألمها: 

أو أن بعر ضوا عنةه ويعاملوه معاملة ( المشدروك ) فا 58 من معاو دشه 
والمثابرة على تنقيحه وتهذيبه » فإن بلغ ( الكاتب » بعد ذلك إلى استمالتهم 
وشد انتباههم ألحقه بالأول وانتحله وإلا أخذ في صناعة أخرى تناسب طباعه 

«واجعل رائدك الذي لا يكذابك حر صهم عليه أو زهدهم فيه ) (2) . 

رواية الكلام : إن" محتوى النصوص الراجعة إلى هذا الشرط أوسع 
كما د ئة كلبدة ]روا عه عمطي اليه اومن افيا لسك اكش 
المصطلحات جريانا على لسانه فهو يفضل استعمال ١‏ العلم » و< المعرفة ) لما لهما 
من شمول يستغرق الرواية ويتجاوزها . 

واشتراطه العلم في الببان » مرثئبط يفكرة كانت منتشرة في أوساط 
( الكتتاب » والبلغاء يحتجئون بها لفضل صناعتهم وتفوقها على سائر الصناعات 
هيأة تحله المحل” الأرفع وتربطه بالعلم ربطا لا يتفصم . 


(1) البيان والتبيين » 75/1 . 
2( 2 دف 203/1. 
(3) الحيوان » 333/1 . 
226 


وقال سهل بن هارون 8 العقل رائد الروح ( والعلم رائد العفل 34 
والبيان ترجمان العلم (....) وقالوا : حياة المروءة الصدق » وحياة الروح 
العفاف » وحياة الحلم العلم 4 وححياة العلم البيان (( 1( 5 

ومن ثم اقترن في مصطلحه البيان بالعلم والعي بالجهل . 

ولكن ما مضمون هذا العلم ونوعه ؟ 

يمكن أن نقسم النصوص »؛ طبق هذا السؤال » إلى قسمين رئيسيين : 

قسم أوّل جاءت فيه دلالة المصطلح مطلقة وليس في السياق ما يسمح 
بمعرفة موضوعه ومحتواه . وقد استعاض عن ذلك بإبراز جملة من العالاقات 
المجردة تعين على بلورة تصوراته من وجهة نظرية بحت : فهو يقيم 
علاقة تناسب طردي بين تمكن المتكلم قُ ) البيان (( وتمكنه فى 0 العلم 5 
بحيث يكون حظه من الأول على أقدار حظه من الثاني » ذلك أن" ١‏ العلم , 
يكسب صاحبه قدرة على التصرف طبق قانون ١‏ الملاءمة ) وم المواضع ) مما 
يمككنه من إيفاء كل" معنى حقنه . 

« واللسان لا يكون أبرأ » ذاهبا في طريق البيان » متصرفا ني الألفاظ 
إلا بعد أن تكون المعرفة متخللة به » منقلة له » واضعة له في مواضع حقوقه 
وعلى أماكن حظوظه » وهو علّة في الأماكن العميقة » ومصرفة له في المواضع 
المختلفة ) (2) . 

كما أده حريص على أن تقوم العلاقة بين «المنطى ) و« العقل » على 
التكافؤ وقد أشار إلى ذلك ني مواضع عديدة بصيغ متنوعة » فهي ثارة ثنائية 
الأطراف كقوله : ١‏ وكانوا يكرهون أن يزيد منطق الرجل على عقله ) (3) 


(1) البيان والتبيين » 77/1 . 
(2) الحيوان » 117/1 . 
(3) البيان والتبيين » 114/1 . 


237 : 


وطورا تفرع ونتراكب العلاقات كقوله : « وذكر محمد بن علي بن عبد الله 
بن عباس » بلاغة بعض أهله فقال : إني لأكره أن يكون مقدار لسانه فاضلا 
على مقدار علمه؛ كما أكره أن يكون مقدار علمه فاضلا على مقدار عمله » (1). 


ل 5 : م ٠.‏ م 
ويمكن إن لجر د مصضمسولك النص نهدهة الكيفية 1 





1( مقدار اللسان <> مقدار العلم اللسان 
له <2> العل 
2( مقدار العلسسم <-> مقذدار العمقل العمل 


أما التكافق الأول فواضح إذ بدونه تنخرم « المناسبة ) بين الفكرة واللفظ 
هما لقع حتما إلى « الخطل ») وهو «كل” شيء جاوز المقدار» (2) أو « فضل 
عن المقدار » (3) ويكون سبيل المتكلدم « المسهب الثرثار والخطل المكثار ) (4) . 

بيئما لا تعيننا نصوص الجاحظ النظرية على إدراك قصده من التكافؤ 
الثاني ء ولا مناص هنا من التأويل والاجتهاد . ولذلك ننطلق من نموذج تطبيقي 
أورده في مجرى حديثه عمنًا يستقبح في الخطابة ثم أردفه بتعقيب دقيق . ولعلنا 
بدرأسة المثال والتعقيب نهتدي إلى القصد : 


« وخطب آخحر في وسط دار الخلافة » فقال في خطيته : « وأخرجه الله 
من باب الليسية ؛ فأدخله في باب الأيسية (...) وقال مرة أخرى : فدل سائره 
على غامره » ودل غامره على منحله . فكاد إبراهيم بن السندي يطير شمَقا 
وينقد غيظا قناز بجر اميم من المتكلّمين» والخطيب لم يكن من المتكلمين . 
وإنما جازت هذه الألفاظ في صناعة الكلام حين عجزت الأسماء عن اتساع 
المعاني ) (5) . 


(1) البيان والتبيين »85/1 . 
(2) البيان والتبيين » 01 . 
(3) الحيوان » 91/1 . 

(4) البيان والتبيين » 13/1 : 


(5) م ىب 141-140/1. 


228 


فهدا الخطيب » كما ترى » عالم بألفاظ المتكلّمين لكن ليس في قدرته 
العقاية ربط الظاهرة بأسبابها وفهم الد وافع التي اضطرت المتكلمين إلى 
استعمالها . فأصحاب الصناعة » كما يدل على ذلك تعليق الجاحظ 
يتداولونها وهم راغبون عنها ولو وجدوا ني الأصل ما يؤدي معناها لاستبدلوها 
به . ولذلك بدأ كلامه نابيا لأن" ما علمه كان من باب الحفظ لا من باب 
الفهم . وإذا استقام لنا التخريج نكون ربطنا رؤيته للأدب والأديب بمنزعه 
العقلي العام الد اعي إلى النقد والتمحيص والسيطرة على المعاوف والتحكدم فيها . 

قسم ثان جاءت فيه دلالة المصطلح مقيدة بحذق المتكلم أعِول 
اللغة العربية ومعرفة سبل استعمالها معرفة دقيقة » وبذلك تتكامل لديه المعرفة 
النظرية بالنواميس المقثنة لصلة الانسان بالظاهرة اللغوية مطلعا والمعرفة العملية 

وهكذا يرتبط حبل الأسباب » في مؤلفات الجاحجظ بين المقررات 
اللغوية المجرّدة التي أفرزت فكرة « المناسبة » والمعلومات الغزيرة المتعلقة 
بخصائص ١‏ العربية ؛ وطرق أصحابها في تصريفها باعتبارها وسيلة المتكلم 
لتحقيق تلك المقررات . 

وهذا باب آخر من أبواب امتياز المتكلّم البليغ عن غيره لأنّه مدعو 
إلى التوفيق بين نوعين من القيود : 

- القيد الناجم عن ضرورة مراعاة صلة الإنسان بظاهرة اللغة أي 

( المناسية » . 

م القيد الثاني فتحقيق ذلك مع احترام قوانين اللغة المخصوصة . 

ولا سيما سمت أهلها في استعمالها وما جوزته لنفسها من أساليب . 
ولئن أكد صاحب ١‏ البيان والتبيين » على أن تشمل المعرفة مختلف جوانب اللغة 


209 


كالإلمام بالأصول الثايتة « كالبناء » و« الاشتقاق » و< النحو » (1) والإحاطة 
بأطورها التاريخية لمعرفة «المتروك) من الكلام و«المحدث ) 2) وتلاؤم 
الكلمات في السياق وتثنافرها لنعرف ما يكره من ذلك وما يستحب (3) » 
فإن” كل” اهتمامه كان منصبًا على مسألة الأساليب والمجازات وتوسع 
العرب في كلامها حتى كادت مباحثه » في هذا المضمار » تقتصر على هذا 
المظهر . وبذلك تجاوز القواعد النظرية إلى كيفية الاستعمال كما تبدو في اللغة 
الحية لغة النصوص الأدبية من شعر ونثر وأخبار وخطب ورسائل . وهذا لا 
يتم" للمتكلّم - المتعلم إلا بمدارسة عيون الأدب ومعاشرة « الفصحاء من 
الأعراب » (4) لآن” أساليب العرب لا يحتويها كتاب ولا يأتي عليها العلم 
النظري المجرد . 


وبالرغم من أنه : يجمع هذه المجازات قُ أبواب محدادة )» ولم 
يضعها في قالب تعليمي مباشر فإن” كثرة ما أورده منها وتحذيره من مغبة 
جهلها يعتبر مشاركة في بيان وجوه العرب في القول وإسهاما غير مباشر » في 
إعانة الناشئة على تعلمها وحذقها . 

والجاحظ شديد الانتباه إلى هذه المسألة فكلّما وجد موضعا للقول 
فعل » إلى درجة قد تبدو » للبعض » نوعا من التشقيق والمبالغة في التدقيق . 

«وكل” بيضة في الأرض فإن” اسم الذي فيها والذي يخرج منها فرخ » 
إلا بيض الدجاج فإنّه يسمى فرّوجا ولا يسمى فرخا » إلا أن الشعراء يجعلون 
الفرّوج فرخا على النوسّع في الكلام ويجوزون في الشعر أشياء لا يجوزونها 
في غيره) (5) . 1 


(1) الحيوان ٠‏ 153/1 » 154 . 
(2) الحيوان » 330/1 . 

(3) نفس المصدر » 335/1 . 
(4) البيان والتبيين » 145/1 . 
(5) الحيوان » 199/1 . 


200 


ولا يتفحخصر مفهسوم ) التوسع ) كما قد يفهم من النص السابق 2 على 
« ما يجوز قُ الشعر ) » بل إنه يطلقه » بالدرجة الأولى على كل قول خالف 
الحقيقة (1) واتءخذ الصورة نهجا في التعبير كالتشبيه والاستعارة والكناية 
وما إليها (2) . 

وأبرز دليل على ذلك أن الكثير من هذه الوجوه اقترن في مؤلفاته بحديثه 
عن أصول التشريع الإسلامي خاصة « القرآن» وقد أشار مرارا إلى المخاطر 
التي يؤدي إليها التأو يل إن لم يكن صاحبه متضاعا بهذا العلم : 

« فللعرب أمثال واشتقاقات وأبنية ؛ وموضع كلام يدل" عندهم على 
معانيهم وإرادتهم » ولتلك الألفاظ مواضع أخر » ولها حينئذ دلالات آخير » 
فمن ل يعرفها جهل تأويل الكتاب والسنة » والشاهد والمفل » فإذا نظر في 
الكلام وي ضروب من العلم » وليس هو من أهل هذا الشأن » هلك 
وأهلك » (3) . 


ولا غرابة أن يرتيط حديثقه عن المجاز بالقرآن حتى لكأنه غير مقصود 
في ذاته وإنما استطرد إليه المؤلف في مجرى احتجاجه على من (لا يدع ظاهر 
اللفظ والعادة الدالة في ظاهر الكلام ) (4) فقد سبق لنا أن بينًا أهمية القول 
بالملجاز عند المعترلة ليتسنى لهم التوفيق بين منطوق ١‏ الرسالة » وأسس 
عقيدتهم (5) . 


وظاهرة الاستطراد بارزة في كثير من المواطن لعل" أوضحها إشارته إلى 
الاستعارة وقد أورده لدعم تأويله للآية )0 بخرج من بطونها شراب 0 602( : يقول : 


(1) البخلاء » ص 174 . 

(2) سنعود إلى هذه الوجوه عند حديثنا عن خصائص الكلام : 

(3) الحيوان » 153/1 -154 . 

(4) الحيوان » 50/7 . 

(5) انظر حديثنا عن دور القرآن في نشأة البلاغة في القسم الأول من هذا العمل . 
(6) التحل/69 . 


231 


« فالعسل ليس بشراب وإنما هو شىء يحول بالماء شرابا أو بالماء نبيذا 
لاد كن ري زان كار جه النراب ب 

وقد جاء في كلام العرب أن يقولوا : جاءت السماء اليوم بأمر عظيم . 
وقد قال الشاعر : «الوافر) 

إذا سقط السماء بأرض قوم رعَينّاه وإن' كاتوا غضابا 

فزعموا أنهم يرعون السماء وأن السماء تسقط. . ومتى خرج العسل من 
جهة بطونها وأجوافها فقد خرج في اللغة من بطونها وأجوافها ومن حمل اللغة 
على هذا المركب لم يفهم عن العرب قليلا ولا كثيرا » (1) . 

وبالجملة فالعلم بهذه الأساليب يمكدن المتكلّم من استعمالها على وجهها 
ورصز ته عن الزلن في الرأي والخطا في الحكم (2) بل لا مناص من حذقها 
لارتباطها لدى « أبى عثمان» بموقف مبدثي مؤداه أن" قياس المجاز غير 
مطرد لذلك وجب التقيد في ركوبه بالسلف والإقدام «على ما أقدموا» 
والإحجام وعما أحجموا » (3) ومن الطبيعي أن تحتل" « الرواية » في مثل هذا 
التصور » مكانة رئيسية في تحصيل هذا النوع من المعرفة » مما أدى بالمؤلف 
إلى إبراز دورها في فصاحة الاسان » وتنمية قدرة المتكلّم على البيان حتى رأينا 
أئمة - المعتزلة ‏ أكثر الناس حرصا على حفظ الأشعان ورؤاية الأخبان يل 
إن" منهم من بلغ في ذلك شأوا بعيدا فكان حظّهم من المنقول لا يقل عن 
حظهم من المعقول (4) ولا أدل” على ما نقول من مؤلفات الجاحظ نفسه 
فهى شهادة صريحة لأهمية الرواية في صقل اللسان وتهذيب الذوق لذلك 
عد”ها من شروط الأدب الجيئّد » ومبررا من مبررات الاختيار (5) . 


2 6د 


(1) الحيوان » 425/5 426 ٠»‏ والأمثلة عن ذلك كثيرة انظر مغلا حديفه عن « التشبيه » 
انطلاقا من القرآن . نفس المصدر 49/7 - 50 . : 

)2( المصدر السابق » 212/1 . 

(3) المصدر السابق نفس الصفحة . 

4( المصدر السايق 405/6 , 

(5) انظر على سبيل المثال مسا برر يه إثباته لبعض « أرجاز » أبي نواس في موضع الصيد 
(الطرديات) الحيوان » 27/2 . 


2032 


ج ه مفتهيات « المقام » : 


يعتبر « مقام) الخطابة أبرز المقامات التي اعتنى بها صاحب ١‏ البيان 
والتبيين » فهو محور تأليفه في البيان ومنطلق تصوراته لبلاغة النص" ولهذا 
عدات مؤلفاته أهم" مصدر لدراسة الخطابة العربية إلى القرن الثالث (1) . 

و« مقام » الخطابة هذا تتضافر على نحت معالمه عدة معطيات في طليعتها 
اعتماد التواصل بين طرني الخطاب على ١‏ المشافهة » أو « اللفظ ») وبلوغ القصد 
من القول بضرب من التلقي المباشر يجبر المتكلّم على تحقيق كل المظاهر 
الداخلة في تركيب النص” ممّا كان يحتجب بالكتابة أو يؤديه القارىء 
بالقراءة » ولذلك وجب أن يكون النص وقت إلقائه مادة جاهزة قابلة 
للاستهلاك على عين المكان وبهذه الصورة يصبح الثانوي في الكتابة أساسيا في 
اللفظ » كقوة الصوت وتصريفه حسب المعنى وقدرة المتكلم على النطق 
الصحيح » وإخراج الحروف وفق قواعد الأداء الفصيح » وإحلال الكلمات 
محالها في الإعدراب والبناء » كل ذلك ينضاف إلى ما تفرضه ١‏ المشافهة » من 
خصائص في تركيب الكلام نفسه لتتم' الاستجابة بصفة سريعة ومباشرة إذ ليس 
في مقدور السامع التتفكتر في نص" ينعدم بمجرد إلقائه . 

ثم" إن" الخطابة تتأسس على ما يمكن أن نسميه «المواجهة » ذلك أن 
الخطيب يلقي كلامه في حفل . والتوجه إلى الجماعة في مناسبة معلومة ومو ضوع 
مضبوط أمر عسير يتطلب من المتصدر له خصالا نفسية وشخصية تنشد أزره 
وتقوي عزمه ليمضي في كلامه على ما يقتضيه المقام فلا تبرز عليه علامات 
الارتباك والرهبة ولا يتفطّع السلك الناظم لأفكاره » كما أن" لخلقته وهيأته 


(1) انظر للتأكد من ذلك مؤلفي إحسان النص . 
1 - الخطابة العربية في عضرها الذهبي » همنشورات دار المعارف القاهرة » 1964 . 
2 - الخطابة السياسية فى عضر بني أمية » منشورات دار الفكر » دمشق (د.ت.) حيث 
يكثر المولف من الإحالة على كتب الجاحظ خاصة « البيسان والتبيين » وذالك مهما 
كان الجائب المدروس . ْ 


2033 


دخلا في تحقيق مقصده باعتبار المعاينين له يتأثرون إلى حد” بعيد بكل الظروف 
الحافّة بالنص وكيفية أدائه وإخراجه بما يشمل ذلك من استغلال لسلم الصوت 
والمطابقة بينه وبين المعنى وإشارة باليد أو بالرأس وما يظهر على القسمات من انفعال. 

وبالجملة فإن المتكلم في هذه الحالة ممتحن لا سلاح له إلا الاقتدار 
وقوّة العارضة والثقة بالنفس ٠»‏ ومن أجل ذلك تهيب الناس هذا المقام وألح 
الجاحظ ني كثير من المواطن على صعوبة التصدر له ولعل” روايته عن 
عبد الملك بن مروان تلخص تلك المصاعب تلخيصا بليغا : «وقيل 
لعبد الملك بن مروان : عجل عليك الشيب يا أمير المؤمنين قال « وكيف لا 
يعجل علي وأنا أعرض عقلِي على الناس في كل" جمعة مرة أو مرئين » يعني 
خطية الجمعة وما يعرض من الأمور ») (1) . 

المشافهة : تندرج تحت هذا المحور كل المعلومات المتعلقة بالجانب 
المادي ( الفيزيائي » لعملية التلفظ سواء تعلقت بصفة الصوت من ( جهارة ) 
وورقة » أو كيفيات النطق وما قد يعتريها من آفات وانحرافات متأتية إمّا عن 
نقص خلقيّ في الآلة » أو وضع لغويّ متداحل الأنظمة . 


ولئن لم يخصّص المؤلف » ؛ على عادته » أبوابا معينة لدراسة هذا الجانب 
فإنه أتى على قسم هام منه في الجزء ء الأول من ١‏ البيان والتبيين ؛ مما يسهل 
عمل الباحث . أمّا من حيث المنهج فهو يزاوج بين الطريقة المباشرة والطريقة 
غير المباشرة فتراه يعمد أحيانا إلى ضبط الصفات المستحسنة في قالب تقريري 
بالالحاح على آفات النطنى . 

وقد تطرق » أثناء ذلك » إلى مسائل صوتية ذات بال اسّتقى بعضها من 
جهود أسلافه من اللغويين واستقى بعضها الآخر » وهو أهمها » من تجربته 


69 ألبيان والتبيين » 135/1 » وانظر كذلك 117/1 » 134 » 204 . 


234 


الشخصية وملاحظته )0 الميدانية شن( فاستطاع أن برسم صورة واضحة المعالم عن 
الوضع اللغوي ني عصره وما طرأ على العربية من تغييرات بمفعول مؤثرات 
عديدة أهمها تداخل اللغات والأجناس » فغدت تآ ليفه مصدرا ثريا لدراسة 
مرحلة من حياة اللغة العربية ما بين مايه من القرن الثاني والنصف الأول 
من القرن الثالث (1) . 

فمن النوع الأول اهتمامه بتعريف ١‏ الصوت » وهو يعتبره جوهر اللفظ 
وآلته « الذي يقوم به التقطيع وبه يوجد التأليث ) (2) وأشار إلى المفارقة بين 
المنطوق والمكتوب » وقصور الكتابة عن تصوير جميع الأصوات ومن ثم 
جاء رأيه المشهور ني أن المخارج «لا تحصى ولا يوقف عليها ) » وقد 
كان منطلقه لصياغة هذا الموقف النظري حديده عن ١‏ اللثغة ) التي تقعم في 
الشين المعجمة وهى تشع لا يصوره الخط ) (3 وقد سعى إلى تدعيم 
رأبه بمقارنة أصوات اللغات فانتهى إلى أن بعضها يوجد في لغة ولا يوجد 
في أخرى » مما يدل" على قدرة الجهاز الصّوتي » بالقوّة على الأقل" » على 
إخراج عدد لا يحصى من الأصوات (4) وجره تداعي الأفكار في الموضوع 
إلى الحديث عن اعتماد اللغة على عدد من الأصوات يتكرر أكثر من غيره 
وحاول تعليل ذلك بما تتضمنه من 0 (5) . ثم إنه تطرق 
إلى موضوع طريف مؤداه أنه بإمكان السامع تبن الانتماء العرقي لمتكلم 


69 هي الفترة ألتتي سماها المستفرق دوهان فوك 102 صقطهل) (( عصر المأمو نْ ذ(غ ف كتابه : 
,070865 عأناى 11 أء عناع 121 0 06 عتماعتر[" اد عوطم وعم : 00 
.23115860 

انظر خاصة الفصل الخامس ص 97--112 حيث يقول في مطلعه : 

-كتتاعمنا ممتتمبطذة 12 ناد دممعتعءكمعم تتاتعتمر تسمعص[طتكصةد 5ع مصتوده5 كتامط 51 
عتال رعاعةزة 36/98 ال 6تممة عتغتلطعوم 12[ غأه غسدددتمة علوءقنه 28/88 ندل معناو 
21155 511560116 قط0670 16 2015 5عامء0 1606م 001165م6 065 ع1اعه تتتاة 


متطول 06 
(2) البيان والتبيين » 97/1 . 
(3) م 0 1 . 
 )4(‏ م 0 1 , 
(5) «م 0 22/1 


2035 


العربية انطلاقا من كيفية أدائه لها » و لا شك" أنه مدين بهذاالرأي لطبيعة 
المجتمع العراقيً في ذلك احين : فلقد كان خليطا من الأجناس واللغات وكان 
لكل” جماعة عادات صوتية تبرز على أد يم اللغة الدخيلة على لسانه وهي 
العربية في هذه الحالة (1) . 

والمتتبع لكتاب ١‏ البيان والتبيين » يلاحظ أن" هذه المعطيات الصوتية 
النظرية جاءت بمثابة الإطار العام لموضوعه الرئيسي الذي سعى من وراثه 
إلى ضبط الصفات الصوتية التى يجب أن تتوفر في الخطيب والآفات التي قد 
تصيب نطقه فتشينه وتحط من منزلته الخطابية . 

أ) الصفات الصوتية التي تستحسن في الخطيب : إن عدد هذه الصفات 
محدود نسبيا يكاد لا يتجاوز الثلاث أو الأربع أتى عليها الجاحظ في رواية 
من الروايات التي أثبتها في « البيان والتبيين » . 

«وكان سهل بن هارون شديد الإطناب في وصف الأمون بالبلاغة 
والجهارة » وبالحلاوة والفخامة » وجودة اللهجة والطلاوة » (1) . 

وأغلبة الصفات المذكورة صعبة التمثل لأنها لا تحيل على. معطيات 
للمتلقي من السماع . وطريقة المؤلف في عرض هذه الصفات لا تعين بدورها 
على تجاوز هذا العسر » فلقد جاء حديفه عنها سلسلة من الأخبار والأشعار 
تبرز فضلها بدون أن يتخللها تفسير أو تعليل » نستثني من ذلك صفة « الجهارة ) 
التى حجبت لأهميتها بقية الصفات حتى كاد الحديث في هذه المسألة يقتصر عليها . 

وواضح من النصوص العديدة الواردة في ١‏ البيان والتبيين » خاصة » 
انهم يقصدون بها قوّة الصوت وقدرته على بلوغ السامع على مدى بعيد . يدل 
على ذلك حملهم إياها على مقابلها « الضا لة » . 

1( ألبيان والتبيين » 69/1 . 
(2) م 0 1/1 . 
236 


« وكانوا يمدحون الجهير الصوت ويذمُون الفثيل الصوت ولذلك 
تشادقوا في الكلام ومدحوا سعة الفم وذمُوا صغر الفم ) (1) . 

وتفسيرها بما يرادفها وهو ١‏ بعد الصوت » (2) أو بالروايات الصريحة 
في الدلالة على ذلك وهى روايات لا تخلو من البالغة والسذاجة أحيانا إلا أنها 
بليغة الإشارة إلى لبن الذي يقصدون . فمن العرب من إذا صاح « ألقت 
الحبالى أولادها من شداة صوته ) (3) ومنهم من « يصيح بالشبع وقد احتمل 
الشاة » فيخليها ويذهب هاربا على وجهه » (4) . 

ومن الطبيعي أن تتبوأ « الجهارة ؛ صدارة الصفات المستحسنة في الخطيب 
إذ لا سبيل إلى إسماع الجمع الحاضر في مسجد أو في ساحة حرب ما يلقى من 
الكلام إلا ما جبل عليه الصوت خلقة من قوّة في الحبال الصوتية . ويصبح الآمر 
أكيدا إذا رام الخطيب تحقيق الوظيفة المتعلقة بالكلام . أضف إلى ما لشداة 
الصوت من تأثير نفسي على الجمهور ومن طاقة على التحميس وإثارة الهمم 
لا سيما في الحرب . 

« وقد كان العباس بن عبد المطلب جهير الصوت . وقد مسدح 
بذلك وقد نفع الله المسلمين بجهارة صوته يوم حنين » حين ذهب الناس عن 
رسول الله صلى الله عليه وسلم » فنادى العباس : يا أصحاب سورة البقرة » 
هذا رسول الله » فتراجع القوم . وأنزل الله عر وجل النصر وأتى بالفتح » (5) . 

ويبدو » من هذه الروايات » أن" جهارة الصوت مرتبطة بسعة الفم 
ورحب الشدق ومنه اشتقوا « التشادق » ني الكلام واستحسنوه (6) فإذا أرادوا 
أن يدلوا على براعة الخطيب وتفوقه قالوا : « الخطيب الأشدق » وقد أشادت 


(1) البيان والعبيين » 121/1 . 
(2) نفس المصدر » 121/1 , 


. 1 2 م‎  )3( 

4) «م د 128/1 © وانظر أيضا الروايات الواردة في 123/1 - 128 . 
(5) «م 9و 123/1. 

,. 011 0 م‎  )"6( 


23 


الأشعار والأخبار بهذه الظاهرة ١‏ الفيزيولوجية » أينّما إشادة (1) إلا أنهم عدوا 
ن التكلّف في النطق والتزيد ني جهارة الصوت والإغراق في التفاصح 
وتضخيم الصوت . وقد كان ذلك مسلك بعض الخطباء ممن شعروا بأهمية ذلك 
فبالغوا فيه إلى حد الإفراط . وقد روي عن النبي أننّه قال : « إياي والتشادق ») 
وقال ( أبعضكم !| إلى ل الثرئارون المتفيهقون ) (2) وقد سمي الجاحظ هذا الصنف 
ممن يقلدون فصحاء الأعراب « بأصحاب التشديق والتقعير والتقعيب ) 
وسماهم «الفدادين والمتزيدين في جهارة الصوت وانتحال سعة الأشداق» (3) . 
ولا تقتصر الصفات الصوتية التى تستحسن في الخطيب على هذا الجانب » 
فطريقة إخراج الحروف وخصائص نص _التلفظ بالنص تقوم » هي أيضا » بدور 
هام ؛ ولذلك أولاها الجاحظ عناية خاصة وإن كان درسها من وجهة 
سلبية تحت باب يمكن أن نسميه « آفات النطق ) . 


ب آفات النطق : يشغل حديثه عن المخارج الصوتية للكلام والشوائب 
التي تعلق بالأألسنة بمفعول العوارض الخلقية أو المؤثرات اللغوية الأجنبية أكبر 
قسم من اهتماماته الصوتية . وتعتبر الملاحظات اللغوية التي ساقها » بالإضافة 
إلى قيمتها التار يخية الثابتة » « جزءا أساسيا من اهتمامه بالجمالية الأدبية في 
شكلها الخطابي ) (4). 

ولعله من الطريف أن نشير إلى أنه لم يباشر هذه الظواهر اللغوية 
والمرضية » مباشرة علمية جافّة وإنما أخرجها في شكل أدبي مستساغ ناهيك 
أنه جعل من مسألة إبدال الأصوات وتداخلها رافدا من روافد فن” أدبي على 
غاية من الأهمية هو ١‏ الطرفة ) أو « النادرة » وبذلك أخضع هذه المعطيات 
العلمية المادية لنزعته الأدبية حتى يستفيد منها العالم ويستمتع بها الأديب . 


)1( البيان والتبيين » 122/1 . 

)2( 9 0 3 ا 

(3, 

0( يقال 5 34 الكتاب المذكور »© صن 59 5 


2038 


والانتحرافات التجي درسها الجاحظ قسمان كبيران : قسم تسيب 
فيه التقص الخلقي في آلة النطق وقسم مرده ( التتداحل ) (1) اللغوي أو تأثير 
اللغات الأجنبية . 

وقد اعتنى » في القسم الأول » عناية خاصة بظاهرة ٠‏ اللثغة » فذكر 
عدد الحروف التي تدخلها وما يمكن تصويره بالخط منها وما لا يمكن » كما 
تحداث عن مراتبها ني القبح والحسن وأشهر من عرفوا بها من الفصحاء 


أمنًا الحروف التى تدخلها فأربعة يحيط بها الخّط وهى القاف » والسين 
واللام 6 والراء وواحد لا سبيل إلى تصويره وهو : الشين . وهي تبدل حسب 
الجدول التالي 59 


سس > تساء سم اليثم الله) 

قَّ لله طاء (قلت له طلت أه) 
ياء (جمل_جمي) 

ل 

هم كاف ما العلة في هذا مكنع كدّة ني هذا) 

باء (عمبدز وسحعبي) 
عين (عمس رو سعممٌم | 

ر 
ذال (عمرواعمطً) 
ظاء و(مره مظة) 2) 


وفعدو أذ « الراء» تبدل عدا هذه الأربعة بصوت آخر لم يستطع 
الجاحظ إثباته بالكتابة 5 يدل" على ذلك قوله : «ووأمًا اللئغة الخامسة التي 


(1) هي الظاهرة المعمروفة في اللسانيات الحديفة ب عهمه6:465غه1 
(2) البيان والتبيين » 35/1 -35 . 


2039 


كانت تعرض لواصل بن عطاء ولسليمان بن يزيد العدوي الشاعر » فليس إلى 
تصويرها سبيل ) (1) . 

وق نصوص «١‏ البيان والتبيين » ما يشير إلى اختلاف الناس في ترئيب 
و اللئغة » وتباينهم في اختيارهم أقلها شناعة وأقربها إلى النطق 26 البعض 
إن أنها ما بقع في ( السين ) ) عندما تنقلب رو ثاء) » وذهب الجمهور الأعظم 
إلى أنها التى على ١‏ الراء ) ) عندما تصير ( غينا » (2) وقد ركزوا الحديث في هذا 
النطاق ين يحصل منها على والراء» » ربما لأنها أكثر تفشيا ولآن.مجال 
استبدالها أوسع » ورتبوا منازلها مبتدئين بد أحقرها وأوّضعها لذي المروءة» (3) 
وهي التي تبدل وياء ) تليها التي تبدل « ظاء ) ثم التي تبدل وذالا » وأما « أقلها 
قبحا وأوجدها قُ ذوي الشرف وكبار الناس 0 وعلمائهم ) (4) فهى 
التي تبدل « غينا ) » والسبب قي ذلك سهولة تقويمها لجيه لاير ار ساني 
إذا أرادوا أن يقولوا الحرف على الصحة قالوه (5) . 

وذكر اللجاحظ بالإضافة إلى هذا العيب البيئن ني القول عيوبا أخرى 
تمنع م ن جريان الكلام على اللسان وتقف 0-7 دون استرساله ما لانحباس 
اللسان في مخرج حرف بعينه » أو لثقل يعتريه في أدائه عامّة الحروف . ذكر 

من السوع الأول ١‏ التمتمة » و« الفأفأة) وهي «تتعتم » في حرثي ١‏ التاء) 
ور الفاء» (6) . دكن من التوع الثاني « الحكلة ») و« العقلة ) و( الحبسة » (7) 
وهي آفات يصعب ضبط حدودها والتمييز بينها (8) لتقارب معانيها واضطراب 





(1) البيان والتبيين » 36/1 . 


(2) نفس المصدر » 232/2 . 


. 1 0 م‎  )3( 

(4) «م 0 37/1 

37-1 0 «م‎  )5( 
37/1 0 2 0 

,40 «م 0 329/1 ا‎  )7( 


(8) مثال ذلك أنه يعرف اكلم بأنها التقصان فى آلة النطق وعجز أداة اللفظ حتى لا 
تعرفٍ معاليه إلا 0 بالاستبدال » بيان 34 1 , د في نفس الصفحة ادخال بعض 
حروف العجم 3 حروف العمرب ,ر لكنة » 

في حين نجده في في الحيوان» ا لي ل و الحكلة ». 


210 


المصطلحات الدالة عليها إلا أنه يخبرنا أن” (الحبسة ) مثلا » ثقل في الكلام لا 
يبلغ حل الفأفأة والتمتمة وبذلك نفهم أنها أهون أثرا في البيان . 

كما ذكر عيبا آخر لا يتعلق باستبدال الحروف ولا التعسّر في النطق بها 
وإنما بعدم إعطاء الكلمات حظوظها من اللفظ فيدخل بعض الكلام في بعض 
وقد سمى ذلك « اللفف ») (1) . 


أما الانحرافات الناجمة عن تأثير اللغات الأجنبية فقد أفضت معانيها 
بالجاحظ إلى موقف من ازدواجية اللغة مشهور قرر بمقتضاه أن" التقاء 
لغتين يؤثر ‏ لا محالة ‏ على نظام كل واحدة منهما . 

« واللغتان إذا لتقا في اللسان الواحد أدخلت كل واحدة منهما الضيم 
عل صاحبتها ) (2) . 

وعلى هذا المبدإ تأسست» في اللسانيات الحديثة » الدراسات المهئمة بتفاعل 
اللغات وما ينجر عنها من ١‏ تداخل » سواء على صعيد النظام الصوتي أو السام 
الوظيفي (3):. 

غل أن" املق اققصر غل إتزان لظام الضوتة بالدرجة الأول نوقلما 
اعتنى بتأثير ذلك في النظام النحوي إلا ما اتصل منها بحركة الإعراب نفسها 
وهو تأثير ثانوي إذا ما قورن بما قد يطرأ على هيكل الجملة نفسه . 

وهذه الانحرافات تجمعها في المصطاح الجاحظي كلمتا ١‏ اللكنة » 
و« الرطانة » وقد تفشتا بين المستعربين لا سيما « الروم » و١‏ الصقالبة ) » ومن 
بنشأ من العرب مع العجم ٠‏ ويبدو أن الكلمة الثانية أشمل دلالة من الكلمة 
الأولى فهو يطلقها على كل" مظاهر الفساد في الكلام (4) في حين يقتصر مفهوم 


(1) البيان والتبيين » 38/1 . 

(2) «م 0 1 . وانظر الحيوان » 76/1 . 

(3) انظر : 06 «ممتاعءهعتل 12 قداهة 6ُناطنام عموةةطقطماج علتناع ,عنموأاكنيومة ]1 1.6 
305-00 .مم ,1969 روعة2 ,1765081 .60 باأعمتسوكة نمف 


(4) البيان والعبيين » 162/1 . 


241 


( اللكنة » على إدخال المتكلام « بعض حروف العجم في حروف العرب وجذبت 
يانم العنادة” الأولى إلى المخرج الأول » (1) وقد يتسع معناها فتدل على 
اضطراب في بعض 0 النحوية كتذكير المؤنث وتأنيث المذكر (2) . 
ولغير سبب واضح قس م صاحب ( البيان والتبيين » دراسته لمظاهر اللكنة 
حسب منزلة المتكلمين 5 والعلمية إلى قسمين : 0 لكنة البلغاء والخطباء 
والشعراء والرؤساء » و« لكنة العامة ) (3) . ويمكن أن نجمع مظاهر التغيبر 
س له ش-01 (لسلطان الشلطان) 
عل» تمده نت (السلطانتب السلتان) 
وقد اجتمعتا على لسان زياد الأعجم فكان ينطق السلطان ‏ الشلتان . 


لله سن (هما شعرت لما سعرت) 








شُُ 
اح لهام (إنك سلتائن 

فى له كك (قلت لمعمل_كلت له) 

ع الستهماء (أهدوا إلينا عيرا أهدوا إلينا أيرا) 
ذ- "سبو 3 (الجر ذان الجردان) 


د (الجمل بالذمل) «4) . 

ولئن اعتبرت هذه الآفات بأنواعها عيبا يتخوّن محاسن الكلام وشينا 
بحط من منزلة الخطيب . وعناية الجاحظ الفائقة بها دليل على ذلك » فهى 
غير مانعة لصاحبها من أن يعد في طبقات البلغاء والخطباء . وبيان لك 


/ 
إٍ 
© 


(1) البيان والتبيين » 40/1 . 

(2) المصدر السابق » 73/1 . 

. 1 0 « )3( 

(4) انظر في كل ما تقد : المصدر السابق » 71/1 -- 74 وقد تخللت ذلك جملة من الطرف 
1 تدل على أن هذه التغيير أت كات في العضس الأحيان وظيفية خرج بمقتضاما المتكلم 
من معنى إلى معنى آخر . 


2242 


أن مؤلف ١‏ البيان والتبيين » كثيرا ما استشهد في معرض حديثه عن هذه الآفات 
في مؤلفه المذكور عبارات وعناوين أبواب تدل” على ما ذكرنا من ذلك مثلا : 


( فمن اللكن من كان خطيبا أو شاعرا او كاتبا داهيا ( )1غ( 
و لكنة البلغاء والخطباء والشعراء والرؤساء » (2) 
«وهمن اللحانين البلغاء » ,3( 


وعلى كل" فليست أخطر ما يتعرض له الخطيب © وهى أقل” عيبا 
مما قد يعتريه من مواجهته الناس (4) . 


المسواجهسة 


رشحت عن إنجاز القنّص” الخطابي أمام جماعة من الناس بعض 
المقتضيات الخاصة التي تبرز أهمية السياق الحاف بالنص في عملية الكلام 
وبعض هذه المقتضيات يتعلق بهيأة الخطيب وصفاته النفسية والخارجية 
وبعضها يتعلّق بالشارات التي يتوسل بها لأداء نصه على أتم" صورة . 

وأوّل الصفات التي يسوقها الجاحظ ويلح عليها بشكل واضح 
« رباطة الجأش » (5) وقدرة المتكلّم على مسك زمام النفس حتى لا يتسرب 
إليه الخوف والارتباك » فيضطرب ذهنه ويقلقل بيانه ويذهب عنه الهدوء 
والتمهّل وهما من أبرز ما يمدحون به الخطيب 6) . 


(1) البيان والتبيين » 71/1 . 

(2) م 0 10/1 

(3) « م 2 - 224 . 

. 1 01 «م‎  )4( 

(5) «م ,0 1 ., 

0/1 3 م‎  )6( 


213 


وفقدان رباطة الجأش ينتج عنه عيبان يعتبران من أخطر ما يتعرض 
لهما المتكدم وقد خصهما صاحب «البيان والتبيين » بمصطلحي «البهر) 
و (الحصر » والمصطلحان يدلان على فقدان التماسك النفسي نتيجة الخجل 
والعرق (1١‏ والنظر قِ عيوك الناس فسن اللحية ,2( وقد تؤدي هذه إلى 
حالة قصوى يرنج فيها عليه جملة فنضطر إلى التتخلص دن حرج ال موقتف 
فيصيب بعضهم )3١‏ ويصدر عن يعضهسم الألدر كلام مض حك يجعلهسم 
في عداد « النوكى ») و «المحمقين ) (4) . 

وواضح أن التأكيد على أهميه هذا الجانب النفسي مسر تبط عند الجاحظ 
بفكرة رئيسية تبلورت في رده على « الشعوبيين ») الذين استضعفوا قدرة 
العرب على البيان والبلاغة حتى قالوا : «ومن أحب أن يبلغ في صناعة 
البلاغة » ويعرف الغريب . ويتبحر في اللغة » فليقرا كتاب كاروند » (5) . 
ومؤدى هذه الفكرة أن" الخطابة لا تكون إلا" ارتجالا وابتداها . وأن العرب 
لم يفضلوا غيرهم من الأمم إلا" لأن كل" شيء لهم « إنما هو بديهة وارتجال 
وكأنه إلهام » وليست هناك معاناة ولا مكابدة » ولا إجالة فكر ولا 
استعانة ) (6). 

ومن هنا نفهم حرص العرب وحرص الجاحظ في المقام الأول » 
على أن يتذكر المتكلم أول كلامه وأن يحفظ ما سلف من منطقه وألا" يخرج 
عما بنى عليه أُوّل الكلام 7) . 





(1) البيان والتبيين » 133/1 . 

. 1 م‎ «  )2( 

)3( انظر ما قال عثمان بن عفان لما أرتج عليه » البيان والتبيين » 250/2 .. 
4 المصدر السابق » 249/2 وما بعدها. 

)5( المصدر السابق » 14/3 » وكاروند كلمة فارسية معناها « صناعة المايح » . 
(6) المصدر السابق » 28/3 . 

)20( المصدر السابق » 44/1 » 339. 


244 


ويبدو أن" السعى إلى التماسك النفسى ورباطة الجأش لقا ٠‏ منذ الخطابة 
الجاهلية نوعا من راط بين الكلام و عفرا الشارات الخاصة التي تصاحب 
الخطة ومن أعدها اعفان الخصرة أو العصا ووضع العسمة . ولثن لم يتجاوز 
الحديث عن العمة بعض الإشارات المتفرقة (1) فإن موضوع العصا قد احتل” 
مواطن عديدة وأبوابا مطولة من ١‏ البيان والتبيين » (2) والسبب في ذلك 
أنها كانت من مطاعن ١‏ الشعوبية » على خطباء العرب ٠»‏ فه م لا يرون بينها 
« وبين الكلام سببا ولا بينه وبين القوس ذسبا) (3) وقد ا الجاحظ 
للرد على هذا المطعن ولم يدخخر جهدا لبيان تهافت رأيهم لذلك أطنب بي هذ 
الموضوع إطنايا وجمع في مؤلفه أصناف الحجج التي تبرز فضل العصا وقد 
تخللت ذلك أخبار وأشعار كثيرة شغله جمعها واستقصاؤها أحيانا عن 
موضوعه ؛ إلا" أنه سرعان ما يعود إلى أصل الخلاف ويحاول 
الربط بين العصا والنجاح في الخطبة » فاعتبرها دليلا على التأهب للخطبة 
والتهيؤ للإطناب و والاطالة (4) ومعينا على الاست رسال في الكلام وإتمام الخطبة » 
فلقد روي عن عبد الملك بن مروان أنه قال : «لو ألقيت الخيزرانة من 
يدي لذهب شطر كلامي ») (5) بل إن" من الخطياء المشاهير من كان لا ينطق 
إلا اذا أتوه بمخصرة مخصوصة تعود بها : 

وأراد معاوية' سحبان” وائل” على الكلام » وكان قد اقتضبه اقتضابا 
فلم ينطق حتى أتوه بمخصرة ؛ فرطلها بيده فلم تعجبه حتى أتوه بمخصرة 
من بيته ) (6) . 

كما أنها تستعمل » مع الرأس واليد + للإشارة ويذلك تقوم أكبر عون 
الخطيب على تحقيق مراده من المستعين له (7) . 
(1) انظر خاصة 92/3 من المصدر السابق . 


(2) 370/1 - 388 )» 45/3 - 48 ؛» 113-49 » 124-113 2 243 - 263 , 


(3) البيان والتبيين » 12/3 . 
04 


. . 3 0 0 


. 3 دام‎ «  )5( 


. 3 0 


0 البيان والتبيين » 106/1 . 


245 


ولكن رغم هذا الجهد ني الاحتجاج » وتقصي الفا مو اسان 
لم يستطع الجاحظ إقناعنا بوجود رابط متين بين صياغة القول والمسك 
بالعصا . والغالب على الظن أنها ممارسة ثقافية احتجب » لطول العهد » 
سيب بروزها . وغرض الدفاع عند المؤلف حاد به عن محاولة الوقوف 
على ذلك الدافع فيبقى بحثه في إطار ما حداده المطعن ذاته : البحث عن السبب 
لين الكلام والعصا . 


د عد 


أما الصفة الثالثة التى تقتضيها المواجهة فتخص"” طلعة الخطيب وشكله . 
وقد أخرناها في الترتيب لأنها محل" مناقشة وموضوع خلاف » فمتى استثنينا 
العيوب البارزة في جهاز النطق كهيأة الأسنان والشفاه (1) لا نكاد نظفر » 
قُ المتبقى من الأوصاف الجسمية » بإجماع 5 

وسبب الخلاف » كما يتبين من نصوص الجاحظ مزدوج : أولهما 
الاقتناع ٠»‏ بالتجربة » بأن البراعة في الكلام والإبانة عن الغرض ليست 
مرتبطة بجمال الشكل وبهاء الطلعة » فكم من خطيب زري الهيأة قبيح 
الشكل فإذا تكلم نسي الناس عيوبه وشدا هم كلامه وغضوا الطرف الحسن 
القول عن حسن القائل . واهتمام « أبي عثمان » بمثال الأحنف بن قيس 

«وروي الهيثم بن عدي عن أبي يعقوب الثقفي » عن عبد الملك بن 
ل ل ل ل ل 

قبا رايت ت خصلة تذم في رجل إلا وقد رأيتها فيه : كان صعل الرّأس أحجن 

الأنف أغضف الأذن » متراكب الأسنان » أشدق » مائل الذ قن © ناتىء 

(1) اهتم الجاحظ اهتساما كبير! بتركيب الأسئان وصفة الشفاه . وهذا يءود إلى تأثيرها المباشر 
في النطق وطريقة إخراج الكلام 

ا البيان و التبيين » 5/1 - 61 , 

246 


الوجنة » باحق العين » خحفيف العار ضين ؛ أحنف الرجلين » ولكنه كان 
إذا تكلم حلى عن ننفسه ...) (1) . 

وثانيهما » وهو أعمق من الأول وأبعد غورا » وجود موقفين متقابلين 
في تعبين سر تأثير الكلام في المتكلّم ووجه الطرافة في النص الأدبي لفظا 
كان أو كتابة . 

فأصحاب الموقئف الأول يطابقون بين اكتمال الصفات لدى الخطيب 
واكتمال النص وكأنهم بذلك يقرون بأن” النص الفخم الحسن لا يصدر 
إلا عن متكدم بهي الطلعة جميل الوجه جليل القدر ذي حسب وشرف 22) . 

اما أصحاب الموقف الثانى » فقد تفردوا برأي طريف يربطون بموجبه 
تأثير النص في المستمع بالمقابلة التي تحصل بين ضفاته وصفات قائله » فكلما 
كانت المقابلة أتم كان التأثير أعمق . وموقفهم هذا يتأسس على نظرية جمالية 
ذات حلقات متعاقبة يرتبط لاحقها بسابقها ارتباط النتيجة بالسبب © وهي 
على غاية من الأأهمية بالنسبة إل حتحتنا لذن" خاتمة المطاف في هذه السلسلة 
انع والبديع سواء فهمناه بمعنى ١‏ الجديد ) أو بمعنى « الصورة ) 
هو أخخص خصائص الأدب . كما أن هذا المذهب في 7 تقييم تفاعل المستمع 
مع النص يذكرنا بنزعة قُ البحث معاصرة تفسر 00 » وهو قرام 
الأدب » تفسيرا يشبه من وجوه هذا التفسير . فقّالوا إن أساس الأسلوب 
( خيبة التوقع ) (3) ويقصدون بذلك بروز مالم يكن متوقعا في السياق بحيث 
يكون ذلك البروز بمثابة المنبه الذي يجلب اهتمام السامع دفعة واحدة 
ويشد انتباهه إلى المقال شدا (4) . 


(1) المصدر السابق » 51/1 . 
(2) البيان والتبيين » 89/1 . 
(3) لإعهقاءءمه 06562160 وقد ترجمت إلى الفرنسية < 06و06 عأمع2 > 
(4) انظر في هذا المجال : 
11 86 5171701 016و 11ىأ[دد 06 0ك : ع مله كنظ اعمط 1قة 
7 .بط ,1971 ,قاعةط 


24 


ولا شك أن أوجه التشابه لا تتجاوز الإقرار بالتأثير نتيجة المفارقة 
الحاصلة في ذهن السامع بين ما كان وما كان يجب أن يكون . 

وقد كان سهل بن هارون زعيم هذا المذهب ومقيم أسمة الغملنة 
والاظرية : 

«قال سهل بن هارون : لو أن رجلين خطبا أو تحدثا » أو احتجنًا 

أو وصفا وكان أحدهما جميلا جليلا بهيا ولباسا نبيلا » وذا حسب » شريفا»» 
وكان الآخخر قميئا » وباذ الهيثة » دميما » وخامل الذكر مجهولا » ثم كان 
كلامهما في مقدار واحد من البلاغة » وي وزن واحد من الصواب ٠»‏ لتصدع 
عنهما الجمع وعامتهم تقضي للقليل الدميم على النبيل الجسيم ٠‏ وللباذ الهيثة 
على ذي الهيئة » ولشغلهم التعجب منه عن مساواة صاحبه به » ولصار التعجب 
منه سببا للعجب به (....) لأن النفوس كانت له أحقر ومن بيانه أيأس (....) 
فإذا هجموا منه على مالم يكونوا يحتسبونه » وظهر منه خلاف ما قدروه 
تضاعف حسن كلامه في صدورهم وكبر في عيونهم »؛ لأن” الشيء من غير 
معدنه أغرب وكلما كان أبعد ني الوهم » كان أطرف وكلّما كان أطرف 
كان أعجب وكلما كان أعجب كان أبدع ) (1) . 


6 <6 


على هذا الحو يحتل” ) المتكلم ) » من نظرية الجاحظ البلاغية » 
منزلة مرموقة» فهو طرف أساسي في عملية الكلام وعنصر فعتال في تحديد 
خصائص النص إذ على عاتقه تقع كلفة إخخراجه على سمت ستجيب لمقتضيات 
الوظيفة والإبانة والمقام 5 

وقد حاولنا » ونحن نحداد تلك المنزلة 2 التأليف بين معلومات تبدو 
متنائرة متنافرة فربطنا بين المعطيات اللسانية العامة ومقتضيات الوظيفة » 
(1) آلبيان والتبيين » 89/1 -90 ,. 


248 


كما عقدنا بين حديثه عن خصائص العربيّة وطرق استعمالها وضرورات 
الإبانة 00 


وقد أددى بنا البحث عن أهمية المتكلّم ني تفكيره إلى جملة من النتائج 
لعل" أهمّها احتلال نظرية المواضع والمقامات قطب الرّحي من بلاغته . 
وأهمّية المواضع والمقامات تبدو نتيجة حتميّة لكل" موقف لغوي يتأسّس 
على النجاعة والمتفعة . 


ولعل” أهم م تولد عن هذه النظرية ميدأ نسبية الأحكام الأسلوبية 
فتكون البلاغة بلاغات والفصاحة فصاحات . وعلى ضوء هذا الاعتبار فهمنا 


رغبة الحاحظ عن تصنيف الواجوه البلاغية وضيطها إذ هى مقاييس 
متحولة يتحول المقام 5 

كما ولد التمسّك بالمواضع والمقامات مفهوم « الاختيار» لتمكن 
الملاءمة بين المقام والمقال . ويقتضي الاختيار من المتكم أن يكون عارفا 
بوجوه تصاريف الكلام وهوما لا يتم إلا" للبلغاء والأبيناء ممّن جبلوا على 


طبع أدبي قوموه بالدارية والمران وزكوه بالرواية لعيون الأدب . 


209 


5 الكلام 


يحتل الحديث عن خصائص الكلام أكبر جانب من تأليف 
الجاحظ البلاغي » فهو منطلق سعيه إلى ضبط نواميس البيان وغايته » 
ونقطة تقاطع المقتضيات التي رأيناها في الفصل السابق . 

ومن الطبيعي أن يحظى بهذه المكانة لأن” البلاغة » أي بلاغة » لا تعدو 
أن تكون دكلاما على الكلام ) (1) عنه تصدر وإليه ترجع » وهو الذي 
يشرع وجودها ويحتويها تصورا كانت أو ممارسة . 

والناظر في المادة المتجمعة عن سعيه إلى تحسس مواضعات النص 
البليغ يلاحظ ظاهرتين بارزتين : 
(1) < قتنامء35ل ع1 عتاة تكنامء5ل2 »> أنظر : 


1977 رقلعة2 ,راتتاعد5 بك .60 1661176 12 06 عم سا1 1 : ممعم أاعطءع 31 

119 
وقد اعتمدنا في الترجمة عبارة وردت عند أبسي حيان التوحيدي ذكرها في معرض 
حديثه عن مشقة العلوم مد يويد “أن الكل م على الكلام فإنه يدور على 
نفسه ويلتبس بعضه ببعضه »© وطذا شق النحو وما كه لصوي انم كله ار لكر َ 
انظر الإمتاع والمؤانسة تحقيق أحمد أمين » أحمد الزين » منشورات دار مكتبة الحياة » 
بيروتث (د.ا ت.) 131/2 . 


251 


أولا هما حرص المؤلف على دراسة كل" المظاهر المساهمة قي تركيب 
النص » المؤثرة في خصائصه الفنية انطلاقا من 15 لف اروف في اللفظ إلى أن 
يستقيم بنية متماسكة منصهرة في شكل فني مخصوص نظما كان أو نثرا . 
ولذلك نراه يزاوج في مقاييسه بين الخصائص النوعية للوحدات والمميزات 
. العامة لبنية الكلام . 

وإن أردنا تقريب هذا النهج ني الدراسة من المشاغل البلاغية والأساوبية 
الحديثة قلنا إن عنايته ببلاغة الكلام تحيط بالجدولين اللذين ينظمان الظاهرة 
اللغرية : «جدول الاختيار» (1) الذي تقع في صلبه الإجراءات المتعلقة بالوحدات 
اللغوية المفردة كاختيار اللفظ الملائم للمعنى المراد والمستجيب للغاية المرسومة 
من الكلام أو استغلال العلاقات الاستبدالية القائمة بين أجزاء ذلك الجدول 
إذا رمنا رات الكلام مخرج المجاز واعتمدنا الصورة طريقة ني التعبير . 

و « جدول التوزيع ) (2) وعلى أساسه تضبط أسس انتظام الكلام طبق 
وعلاقة التجاور » (3) ليكون النص متميزا بصبغة فنية .مستخلصة من 
عمليّة التعليق ذاتها » لا من خصائص الأجزاء فقط . وعلى هذا النحو 
يكون صاحب «١‏ البيان والتبيين » قد جمع في مقاييسه البلاغية بين « الوعي 
الجدولي بالمقال » و ١‏ الوعي السياقي » (4) . 

وثانيهما أن محاصرته لتلك الخصائص تمت بطريقتين على الأقل" : 
طريقة الاستخلاص النظري المجرد لمجمل المقاييس التي تبوىء الكلام مرتبة 
البلاغة والفصاحة ويتمثل ذلك في التعريفات والحدود المرتبطة بالمفاهيم 
الأساسية » في قضيتنا » لا سيما مفهوم البلاغة . 





(1) عناو قم 201هدم ععة 
(2) 006 ةممطعماصرزة ععمة 
)3( تناع نخطمك عل نم لهاع 1 


4( (5زتامء015 تتل) عناو همع هتمرة عممعاءكممء غه علو فصع 2201م ععمعك كوه 


252 


أما الطريقة الثانية فقوامها ملاحظات كثيرة متفرقة لم تبرز بصفة جلية 
في تلك الحدود إما لأنها مشاغل فرعية » أولأ نها لم تبلغ من النضج والتبلور 
درجة تؤهلها للتفرد بتعريف مضبوط . 

واحتراما لهذه الظاهرة في مؤلفاته رأينا أن نحيط برأيه في الكلام 
من الطرفين معا محاولين قدر الإمكان ‏ الربط بينهما عسانا نبرز 
العلاقة بين الإجراء العمل والحد النظري فنساهم في إجلاء ترابط المادة 
البلاغية عنده وتناسقها . 

3 


أ س حدالبلافة: 


إن المواطن التي ورد فيها مصطلح ١‏ البلاغة » مقترنا بما يوضحه ويكشف 
عن بعض جوانب دلالته كثيرة (1) إلا أن" نسبة ما يمكن اعتباره حد"ا 
لإيجاز صبغته أو لشمول محتواه » لا تتجاوز ثمانية عشر موطنا تتوزع كالآني : 

قسم أول » وهو أهمها وأكثرها عددا ورد فيه الحد” جوابا عن 
استفهام صريح ٠»‏ هو » ني الغالب » (ما البلاغة ؟ ) (2) (اثنتا عشرة مرة) . 

قسم ثان صدار بعبارة يفهّم منها إرادة الإحاطة والتعريف وهي 
وجماع البلاغة» (3) (ثلاث مرات) . 

قسم ثالث أقرب إلى الحكم النقدي الفردي منه إلى الحد” كقولهم 
ولا يكون الكلام يستحق” اسم البلاغة حتى (4) أو يكفي من حظ البلاغة 
كن" :5ن .... زثلات هرات 

١ 


1( أهم هذه المواطن ورت في البيان والتبيين خاصة الجمزء الأرل 5 وقك أبرز ناشر الكتاب 
هذه المواطن فى فهرس خاص سماه « فهرس البيان والبلاغة » أنظر الكتاب 00ت ع 
4 - 112 . 

(2) المصدر السابق » 88/1 » 96 » 97 » 113 » 114 ء؛ 115 »؛ 116 » 220 ء؛ 94/4 . 

(3) المصدر السابق » 88/1 » 103/2 . 

. 11 0 0 4 

. 0/1 0 0 (5) 


253 


وليسني هذه الحدود » ما نسبه الجاحظ إلى نفسه صراحة © وطريقته 
في إيرادها تسترعي الانتباه فلقد عرض ٠»‏ أكثرها » تباعا بدون أن يبدي 
رأبه فيها باستئناء موطنين سبق أن أشرنا إليهما ء كما أنه لم يريط ببتها 
وبين مقابيسه في الأسلوب ورأيه في البيان . كل هذا يحمل القارىء على الظن » 
لأول وهلة » بأنها لم تندمج في صلب تفكيره البلاغي رغم صلتها الواضحة 
بمشغله العام" وأن إثبات المؤلف لها فرضه ضغط التيارات الثقافية الدخيلة 
التي لا يعقل أن يبقى مفكر » بحجمه » بمعزل عن تأثيرها . 

وفعلا فأصول هذه التعريفات ممختلفة : فبعضها للعرب وبعضها الآخر 
لأجناس مغايرة كانت على صلة بالحضارة العربية الإسلامية كالفرس والروم 
والهنود واليونان » وبقدر ما يدل" هذا الجمع على على تمازج الثقافات » في 
ذلك العصر » واطلاع العرب على حكمة غيرهم من الآمم وآدابها » ٠‏ يكشف 
عن حدود استفادة صاحب «البيان والتبيين ) من التراث الأجنبي » في 
تق كال قغائله ليك تراك معافلة الث اهن رون ها انا كيه وجخاعنات 
البحث والتحليل لا لاستشراف آفاق جديدة في المعرفة » لذلك جاءت 
تلك الحدود مفصولة” عن السياق المؤسس لها غير مرفوقة بما يدل" على 
رغبته في استكناه كل أبعادها . ْ 

فلسنا واثقين تمام الوئوق مثلا من أن « أبا عثمان » أدرك » أوكان من همه 
أن يدرك » كل" أوجه الدلالة ف التعريف اليوناني الذي أورده وهو ١‏ البلاغة 
تصحيح الأقسام واختيار الكلام ) (1) . فلثئن كان الجزء الثاني من : اختيا, 
الكلام وهو متعلق بقسم من أقسام الخطابة اليونانية القديمة يطلقون عليه 
عبسارة « 60ناه8100 » (2) ومعناها خصائص التعبير اللغوي في النص » 


(1) البيان والتبيين » 88/1 . 
(2) انظر في أقسام البلاغة اليونانية : 
رك 6لا أذكداء ووعررولن رسزى عل عوويواة بعتونوجة ]ا أ معناو 181:61 : وععة17 136601 
2 .ص ,1970 رقاعة2 ,010162 


254 


داحلا في صلب مشاغل الجاحظ منسجما مع تصوراته الأساسية التى حددناها 
عند حديثنا عن مقتضيات البلاغة في الفصل السابق » فإننا لا نجد في نصوصه 
ما ينم" على أنه أدرك أن الجزء الأول من التعريف مرتبط عندهم بقسم آخر 
من أقسام الخطابة سمو نه « 2180051810 » وهو يعني بتسرتيب أجزاء 
المقال : مطالعه (1) وقواطعه (2) وما يتوسطهما من السرد (3) والنقاش (4) . 
نعم » إنه تحداث » في بعض سياقات ١‏ البيان والتبيين ) عن صحة القسمة 
معتبرا إياها من عناوين الجودة إلا أنه » وهذا من غرائب الأمور » طبقها على 
الشعر لا على الخطابة وفهمها بالمعنى الذي سير تكز في وقت لاحق في نقد الشعر 
الخاص يباب المعاني على يدي قدامة بن جعفر (5) فلقد روى أن عمر بن 
الخطاب لما أنشدوه قول زهير : (الوافر) 
وك الحق سه ثلات ٠”‏ كنينق أو اتفان ار جبلاه" 
أعاد البيت كلمتعجب ومأتى التعجب كما فسره الجاحظ من علمه بالحقوق 
وتفصيله بينها » وإقامته أقسامها . وكذلك فعل عمر لما أنشدوه قول 
عبسدة بن الطبيب : (البسيط) 
3 3 5 . و 2 - 2 0 1 
والمرء ساع لنشيء ليبس بُدركه والعيش شسح واشفاق وتأميل - 
وفسر المؤلف صنيعه بأنه ١‏ يعجتبهم من حسن ما قسم وما فصل ) (6) . 
(1) ع06ممجرط 
(2) ظمقكتههوممةط 
)3( ك1 0 
(4) ممأوقتاء1015 
(5) عرف قدامة صحة التقسيم قائلا : وهى أن يبتدىء الشاعر فيضع أقساما فيستوفيها » ولا 
فقال فريق القوم » لا » وفريقهم نعم وفريق قال : ويحك ما ندري 
وعلق على هذا البيت قائلا : « فليس في أقسام الإجابة عن مطلوب إذا سثل عنه » غير 
هذه الأقسام » . نقد الشعر ص 70. د 
(6) البيان و العبيين » 240/1 وما بعدها . 


2050 


كما ذكر جودة المطالع والمقاطع وحسن التخلص ععيار للشعر (1) 
ودليل على فضله وتقدم قائله إلا أننا نعتقد أن المقصود منه بعيد عما كان يقصد 
من صحة التقسيم في الخطابة اليونافية . 

بقي علينا أن نشير » قبل الخوض في محتوى الحدود » إلى أن الكثير منها 
برز في فترة متقدمة عن تأليف ١‏ البيان والتبيين ) وقد كنا أثبتنا بعضها في القسم 
الأول من هذا العمل (2) . ورجوعنا إليها هنا ليس » في تصورنا » من قبيل 
التكرار فهو يساعدنا على ضبط خصائص هذه المرحلة ويبين مدى انصهار 
المادة التى كانت منثورة لا يربطها تأليف موحد ني تصور بلاغى متكامل تتبوأ 
ا منزلة الشواهد والدعائم . : 


2 2 
وى الحدود : 


إن" أول إشكال تطرحه هذه الحدود هو خيروجها » أحيانا »؛ عن حيز 
النص وتعلقها في التعريف بمسائل تبدو بعيدة عن المشاغل البلاغية البحت إن" 
تصورنا البلاغة بحثا في الوسائل اللغوية والفنية التي يعتمدها الباث » متكلما 
كان أو كاتبا » لصوغ نصه صياغة تجلب الانتباه بذاتها ولذاتها وتعدل به 
عن مألوف الاستعمال بغية إحداث أثر ني المتقبل لا يتسنى تحقيقه بتوظيف 
الظاهرة اللغوية توظيفا عاديا . 

فبعضها يقتصر بي التعريف على تحقق وظيفة « الفهم والإفهام ) ولا يشير 
البتة » إلى خصائص النص وإنما يلح على أن يتوفر بين طرفي الخطاب تناسب 
يسمح بتحقيق التواصل بينهما وذلك كأن يكون المتكلم قادرا على الإبلاغ 
والسامع مهيدئًا إلى تمثل ما يقال له (3) . 
(1) المصدر السابق » 112/1 . 
(2) انظر : ص 110-113 , 
(3) البيان والتبيين » 87/1 . 
256 


ولو اننا فصلنا هذا التعريف عن سياق « البيان والتبيين ») وعن التصور 
الخلحي الذي يحتويه لجزمنا بأن لفظ ( البلاغة ) مستعمل في معنى لغوي بعيد 
كل البعد عن المعنق الاصطلاحي الفني ١‏ 


وبعضها الآخر يربط بلاغة النص أو الكلام بسلامة منطق المتكلم من 
العيوب ١غ(‏ 8 وواضح أن التلفظ غارقن لا تأثيو له في جوهر النتص بل لا صلة 
له به أصلا إذ لا يعقل أن تتبدل خصائصه باختلاف طريقة إلقائه » فنفس النص 
قد بيقع على لسان ألثع ألكن دقيق الصوت رقيقه » وقد يصادف لسانا سليما 
وصوتنا جهيرا . 


ثم إن منها ‏ الحدود ‏ ما يَحسَارٌ القارىء في تأويله إذ لا يتبيسن 
العلاقة بين محتوى التعريف والشيء المعروف ؛ من ذلك مثلا قولهم «جماع البلاغة 
البصر بالحجة والمعرفة بمواضع الفرصة » (2) فغاية هذا الحد” تعليم « فنيات ) 
المجادلة والمناظرة وسبل الظهور على الخصم وإقناعه بالرأي لا تعليم صناعة 
الكتابة ونهج البلاغة . ويدخل في هذا الباب « تصحيح الأقسام » الذي سبق 
الحديث عنه وكذلك ربط المقام بالمقال فهو أقرب إلى أساليب المناظرة منه إلى 


الفن” والآأدب . 
فإلى أي شيء يعزى هذا الاهتمام ؟ 


إن إدراج هذه القضايا في صلب تعريف البلاغة يرجع » في رأينا » إلى 
سمة بارزة من سمات تفكيره في الموضوع كنا ألمحنا إليفا في الفصول السابقة 
وهي انطلاقله في تأصيل بلاغته من شكل لغوي مخصوص كان » إلى جانب 
الشعر » من أبرز الأشكال الفنية في التراث العربي الإسلامي إلى عهده نعني 
بذلك الخطابة . 


(1) البيان والتبيين ؛ 113/1 , 


. 5/1 0 م‎  )2( 


257 


83 
20 


جذورها ني العصر الجاهل عاملين شجعا « أبا عثمان ) على اعتماده في تحسس 


ع كان نضج هذا الفن وتبلور أصوله بمفعول ممارسة قديمة تضرب 
خصائص القول الفنى فإن ارتباطه نشأة وتطورا بأغراض عقائدية سياسية كان » 
في رأيناء العامل” الاسم في لفت نظره إليه لأنه هو نفسه » يتحرك من منطلق 
عقائدى . 


فالجاحظ معتزلي » والاعتزال عقيدة ( متتحد لة ) اين على مبادىء 
يسعى أصحابها » في خضم الصراعات المذهبية القائمة آنذاك » إلى نشرها 
والإقناع بصحتها أو الذود عنها » فوجدوا ني الخطابة بغيتهم ووسيلتهم التي لا 
تضاهى بحكم كونيا طفع بك تايا لعادرة أغراضن شببهة راغا ضهم :: 

وهو من جهة أحرى 3 متازم بمخط سياسبى وثقافى أيناسة الدفساع عن 
تفوق العرق العربي وهوروثه الحضاري من طعنات الفئات المستعر بة المتوثية 
التى كانت لا تتورع من التشكيك في أعز مميزات العرب على العرب : 
قدرتهم البيانية التي بني عليها إعجاز قرا نهم (1) . 

هذا الالترام )0 العقائدي السياسى ( حدا يصاحب ) البياك والتبيين 0 إلى 
الاهتمام بالنص لعجي بل إلى المطابقة بون مدلوله ومدلول البلاغة واساس 
هذه المطابقة كما سبق أن ذكرناه ربطه الحسن بالنجاعة والمنفعة . فغرض 
الخطابة النجاعة وسعي البلاغة الحسن ومن ثم انطبق المفهومان . 

ومتى نظرنا إلى المسألة من هذه الزاوية فهمنا لماذا تضمنت اللحدود مسائل 
تبدو أجنبية عن النص واستطعنا الربئّط بين هذا الأصل وجانب من مقاييسه 
الأسلوبية » بل لعدّنا وقفنا على السّبب العميق الذي نبهه إلى تشعب العملية 
اللغوية وجعله يبوىء المتكلم المنتزلة التى رأينا . 


)1( النزعة الدفاعية واضحة في البيان والتبييين انظر مثلا 3/2 وخاصة 5/3 وما بعدها وانظر 
فى علاقة العرب « بالشئوبية » أحمد كال زكي : الحياة الأدبية في البصرة إلى نهاية القرد 
الثانى الهجري » متشورات دار المعارف > القاهرة » 1971 ص 76 وما بعدها . 


258 


فالخطابة فن قولي تقوم فيه خصائص النص » لا محالة بدور هام » لكن 
نجاعته لا تتوقف عليها وحد ها . ولهذا كان لا بد من الجمع في التعريف بين 
مقومات النص وقضايا أخرى تساهم في إنجاح الخطات مساهمة فعالة . 

وبتنزيل هذه التعريفات في سياق مجهوهه البلاغي العام يتضح لنا أن 
الجاحظ تحدث عن خمسة أقسام رئيسية هي عيين الأقسام التي عرفت في 
الخطابة اليونانية » وإن كنا لا نصادف لديه وعيا نظريا بها افك , يشر 
البتة إلى فكر 5 التقسيم بله أن يخص كل قسم بمصطاح . 


يس التقريب دين وجهة اليونان في لشي دوج ارلت دلجاك ياطنا 

عل 0 والثائر مقلسى غرها | ننبزة دفو الاكنا دسل أشكال أدنة قار 
إلى نفس النتائيج ا 

وهذه الأقسام ني المصطلح الغربي الشائع هي : 
)1١( 10 0‏ 
ب) 121550051510 (2) 
ج0( منمهه81 )03( 
د) 0طنثةأكصتتصمعط (4) 


ذ) #13مصطؤكة (5) 


(1) قسم يتعلق بالأغراض والحجج وكل المسالك التي تؤدي الى الإقناع! كالمبالغات وظهور التأثر 


لى قسمات 
2( عر فئا به في الصفحات السابقة . وتجدر الإشارة إلى أن المقصود بأقسا الكلام الأقسا الكبر 
3 8 8 
لا ها قد زم ف تركمة اسلة من نقد وتاحير هناد 
(3) يهتم هذا القسم بخصائص التعبير والمقاييس الأسلوبية الواجب مراعاتها لتأدية الفرض 
(4) التلفظ أو تحقيق النص في حيز زماني - مكاني من قبل متكلم . 
)5( 0 وقوة الحافظة . 
فى ضبط هذه الأقسام وتعريفها بالإضافة إلى كتاب 78288 المذكور المراجع 
0 1972 ,23215 ,راتتاع5 تحل .60 ,111 17 : مأأعص © .0 
وغاف: الباب المعدون ب 21-40 .مم < عاأسصتعجاوة؟ عتاوتماقط: هب[ > 
99-7 .27 ,10161107171017 : 7100010797 .1 أع أمتعباط .1 


2059 


ويتعلق القسمان الرابع والخامس بالمتكلم » اما بقية الأقسام فتحدد 
مستلزمات الخطبة فإذا تركنا جانيا « التعبير ) (11000610) وسنفصل القول 
في شأنه لأنه أهم هذه الأقسام (1) » استطعنا أن نوفر من مؤلفات الجاحظ 
مادة تستجيب لمقتضيات كل" قسم . فلقد ألححنا ني الأصل الذي عقدناه 
لالحديث عن المتكلم بما فيه الكفاية على العناية الفائقة التي يوليها المؤلف 
للصفات الصوئية عند الخطيب مما جره إلى أن يطنب في ذكر ما يصيب النطق 
من آفات حتى إنّه ليخيل للقارىء أن المبحث تحول عن غرضه الأصللي 
وأصبح دراسة آنية (2) في صوتيات اللغة العربية . 

كما وأبنا دق "قايس براعة القطيت حت تعن الحاحظا تنو أن يكون 
ذكورا لأول خطبته وللذي بنى عليه أمره») (3) حتى لا يتلجلج ويصيبه 
الخرق » وواضح أن اشتراطهم القدرة على التركيز وقوة الحافظة دعت إليه 
ضرورات الارتجال 5 


ويدخل ني باب ١‏ الأغراض والحجج » (1596860) تعريف البلاغة 
بأنها « البصر بالحجة والمعرفة بمواضع الفرصة » (4) وبأنها « إظهار ما غمض 
من الحق' وتصوير الحق” في صورة الباطل » (5) . ولعلنا لا نخطىء إن اعتبر نا 


(1) إن التوكيد على أفانين التعبير وخصائص النص تقّليد خطابي قديم نجد صداه عند اليونان . 
بل إن أهم ظاهرة فى تطور الخطابة فى الغرب هو تقلص هيكلها حتى كادت تنحصر في 
هذا القسم . وقد بدأت بوادر هذا التقلص في وقت مبكر ترجعه بعض الدراسات إلى القرن 
الأول لميلاد المسيح . انظر ‏ (2016«ترى يتك 1760716 : 100010597 .1) 
وفى حركة الإحياء البلاغى الذي تشهده الدراسات الأروبية اليوم 4 يحاول بعضص اللغويين 
والتقاد بحث تلك الأقسام المضحلة من وجهة نظر لسائية معاصرة » ويمكن أن نذكر في 
هذا الصدد » أعمال الفرنسي أ. ديكرو 72232682 .©) المذكورة على إبراز جانب 
م الاستدلال » (صملغمامعسدوعة) في الظاهرة اللغوية انظر على سبيل المثال مؤلفه . 

72 رولعة2 ,16و متتاعطة!ا عناواأصقمدةه عل وعم أعصوط 
العالمي للسانيات » (1 .1 1) الذي انتظم بعونس» سنوات 276-75 78-776772-76., 

(2) عناوتممعطعميره 

(3) ألبيان والتبيين »215/1 . 

0 م« 0 55/1 . 


. 0/1 0 «م‎  )5( 


2060 


تمسّكتّه بمطابقة المقال للمقام طريقة” في الإقناع أكثر منها مقياسا أسلوبيا 
ومظهرا فنيا ع 

أما رتيب أججزاء الكلام والتنسيق بينها (05180م15©) فهى أقل بروزا 
من الأقسام الأخرى» فإذا استثنينا التعريف اليوناني الذي أشير فيه بصريح العبارة 
إلى هذا الجانب صعب علينا أن نجد مادة يمككن إدراجها ضمنه بكل” وثوق 
إلا إذا اعتبرنا من هذا الباب حديقه عن أقسام الشعر وبعض الدّفتات العابرة 
كقوله إن ١‏ البيان يحتاج إلى تمييز وسياسة » وإلى ترتيب ورياضة » (1) . 

لعلنا بهذه الطريرقة قُِ تأويل الإشكال الأول قل ينا وجها من وجوه 
انصهار هذه ١‏ المرويّات » - عن العرب وغيرهم - في إطار تصوره البلاغي 
العام » فإيرادها لم يكن مجر د جمع أعلومات تزخر بها بيئته فاضطر إلى إثباتها 
وإنما هي شواهد انتقاها خدمة لغرضه وتدعيما لوجهة نظره ف «البيان والتبيين) . 
وتزداد هذه الصلة وضوحا والعلاقة وثوقا بالمقارنة بين ما حوته هذه الحدود 
من مقاييس أسلوبية متعلقة بالنص والمقاييس التى يلتزمها المؤلف على امتداد 
المادة البلاغية في آثاره فهي تنضمن أهم” الأسس التي بنى عليها رأيه في النص 
البلييغ كخصائص اللفظ في ذاته (2) وأوجه علاقته بالمعنى (3) ومجاري 
تصر بف المتكلم طاقات اللغة في التعبير من « إيجاز ) و«وحي) و« إشارة » (4). 
كما لم تخل هذه التعريفات من إشارات إلى خصائص بنية الكلام العامة وإن 
اقتصروت على مظاهر عدودة مشل ) الفصل والوصل!») أو )0 زافق الكلام 
وفتفه ) (5) . 

على أن صاحب ١‏ البيان والتبيين » لم يقتصر في التحليل على هذه الوجوه » 
فلقد تطرق إلى مسائل ل تنشر إليها التعريفات أو لم توفها حقها من العناية . 
(1) البيان والعبيين » 14/1 . 
)2 


7 1 8/1 »؛ 114 ؛ 137 )2 24/4 . 


(3) م 0 111/1 »؛ 115 »2 136 » 191. 
(4) («م 0 8/1 2 286 115 غ6 116. 
(5) م 1 0/1 »2 94., 


261 


فهى لد تذكر )0 المجاز ) نيد دلفظه أو بوجوهه ‏ ضصمن مسالك التعيير بينما 
أولاه المؤلف عناية كبيرة ني حدود ما يسمح به تطور العلم إلى ذلك الوقت . 


كما أنها لم تلح ؛ بما فيه الكفاية » على أهمية البنية العامة » فذكر الفصل 
والوصل في سياق غامض - منقول عن الفرس - لا يكفي دليلا على ذلك . 
وس هذا المظهر مكانة بارزة في سلم مقاييسه الأسلوبية . 


ويمكن أن نرجع هذا التوسع إلى تنوع الروافد التي استقى منها معايير 
بلاغة النص وفصاحته . فبجانب الخطابة » وقد كان لها في مقاييسه تأثير 
عق © انجده: تسد عل الشعن والقرا ف" إبهانا عن رآنبراحقة البوت أصنافك 
من القصيد والأرجاز ؛ ومن المنثور والأسجاع . ومن المزدوج وما لا 
يزدوج » (1) . 


وستنجر عن اهتمامه بالشعر أحكام نقدية يسعى من خلالها إلى إبراز 
الحسن والجودة من طريق الذوق الخالص بعيدًا عن صرامة التقنين » فتراه 
يعجب بالمعنى لأأنه «غريب عجيب » أو « بديع مخترع ) (2) ويعجب باللفظ 
ل سهولة مخرجه ) (3) وبعده من ( الصنعة ) 4 إلا أن حور الجودة قُ رايه 
ما يقوم بين أجزائه من تلاحم يجعله حلوا ومستساغا « عذبا ) رقيق الحواشي 
( كثير الماء» (5). وفي معرض حديثه عن الشعر سيتناول قضية من قضاياه 
الكبرى وهي موقفه من « المولدين » وفي هذا السياق سيطرد استعمال كلمة 
) البديع ) )م26 بمعنى سيقتفيه ابن المعتز فيما بعد . 


(1) البيان والتبيين » 29/3 . 

(2) الحيوان » 311/3 . 

(3) المصدر السابق » 131/3 -132 , 

(4) البيان والعبيين » 106/1 . 

(5) الحيوان » 131/3 -132. 

(6) المصدر السابق » 77/1 » 57/3 » 311 ء 90/4 » البيان والتبيين » 55/4 . 


262 


أن لقان قاد كانه دل لاون تشالة: لجان امتاويل تعن الآرات 
التى يناي ظاهرها أصرك الاعتزال كما مكنه من أن يكون صاحب أول حاولة 
ربطت إعجازه بنظمه . 


وبالجملة فمقاييس الجاحظ رغم بعض التقول عن اليونان والفرس 
وغيرهم تبدو لنا مستمدة من نصوص يمكن اعتبارها حصيلة الأنواع الأدبية 
في الثقافة العربية الإسلامية ومعتمد كل نشاط نقدي وبلاغي بعده . فلا غرابة 
إذن إن صادفنا » لديه ؛ تنوعا في الحكم يوهم قاض هنا » واعتمالاة 
« جنينيا » لكل منازع النقد والبلاغة المتأخرة . 


ب - خصائص الكلام البليغ : 

لما كانت مقاييس” الرجل البلاغية” مستخلصة” » كما أشرنا في ملطلع 
الفصل » من تعقبه ظاهرة الكلام على مستوى اللفظ المفرد أو « الجدول ) » 
والبنية العامة أو ( التوزيع )2 زأها أن ندر س 00 مستوى على حدة محاولين 
الإلام قدر المستطاع » بهم" الجوانب التى نعرض إليها عسانا » بذلك » نبلور 
جهد الرجل . 

اللفظ : 


إن المبدا العام والإطار النظري الشامل” لشتات آرائه في اللفظ هو 
١‏ الاختيار » وقد ورد ذكره بصريح العبارة ني مواطن” كثيرة (1) والانطلاق 
في هذا المبد! يتفترض » بالضرورة » إقرار متبتيه ؛ عن وعي أو عن غير 
وعي » بإمكانية أداء نفس المعنى بطرق شتى أو بطريقتين على الأقل : طريقة 
يتخرج فيها الكلام عفوًا ويطلق التكلم اللغة- على سجيتها (أو سجيته) » إذ 
لا غرض له في تحميلها أكثرَ مما تؤديه في أصل الوضع + وطريقة يخرج 


(1) انظر مثلا : الحيوان » 131/3 - 132 » البيان والتبيين » 8/2 . 


203 


فيها الكلام على اغير ملخرج العادة  )‏ حسب عبارة ابن رشد (1) وتقتضي 
عدم بخ متعمها درسدا دن الرض يحصو اللحة دانها وكتفرات موغهاتريا 
قد ينجر عن قا وحداتها وتعليق بعضها ببعض من وظائف تتراكب على 
الوظيفة الأصلية . 

وعلى هذا النحو يكون الاختيار حدا فاصلا بين نوعين من الممارسة 
اللغوية : ممارسة اجتماعية وأخرى فنية . 

ولذلك نجد ني الدراسات البلاغية والأسلوبية اليوم اتجاها هاما يفسر 
الأسلو ب - ومن ثم الفن الأدبي ‏ بأنه عدول عن الكلام العادي مؤسس 
على ميد] الاختيار (2) . 


وليس من باب الصدفة أو الطّفرة أن يتصدار هذا المبدأ سلم المقاييس 
التي انبنى عليها رأي الجاحظ في اللفظ والأسلوب عامة » فالركائز النظرية 
التي تقوم عليها تصوّراته البلاغية مؤهّلة لإفرازه إفرازا ذاتيا . بل لعلنا لا بالغ 
إن قلنا إن في ماده البلاغية من الخصائص النوعية ما جعلها مهيأة أكثر من 
سواها لبروز مثل هذا المقياس » فا منطلق الخطابي المنبني على النجاعة يفضي 
إليه » وكذلك الموقف الفثي الخالص . 

فلقد أشرنا إلى أن فكرة ( المواضع » المبنية على مقتضيات الوظيفة هي 
التى ولدت مقولة « الملاءمة ) وهذه تجر حتما إلى « الاختيار ) لأن تحقيقها 
غيل واع يتطلب من المتكلم المعرفة بأقدار الكلام وأقدار المعاني . 

أي المنطلقات الفدية الخالصة المتعلقة بخصائص الكلام الأدبي 
وبمتطلبات صناعته فنذكر منها اثنين بارزين : أولهما يفصم العروة بين 








00 انظر : عبد الرحمن بدوي » فن الشعر لأرسطا طاليس » ط 2 » نشردار الثقافة » بيروت » 
3 © من 243 . 

(2) انظر : 60 .م ,4206 )وار ع0 عتمدوظ : لمعتس .2 وتقديم عبد القادر المهيري لكتاب 
6 1266051006 3[ تأليف جماعة من الأساتذة يطلقون عل أنفسهم مجموعة 
< 14 » حوليات الجامعة التدونسية العدد الثامن 1971 » ص 207 -221 . 


264 


الأدب والأسس الأخلاقية ‏ المنطقية في تقييمه » كالصدق والكذب 
ويستبدلها بمعايير مستمدة من ١‏ اللعبة » اللغوية ذاتها وقدرة الكاتب على 
التصرف فيها وصوغها بطرائق تحقق الوظائف الفتيّة وإن كان ذلك على 
حساب مطابقة النصر” للواقع . 


«قال : وقلت لحباب : إنك لتكذب في الحديث . قال وما عليك إذا 
كان الذي أزيك.قنه أحسق > مته . قو الها انا :يتتعلك حتبدقه ولا يضرك كذاية : وما 
يدور الأمر إلا على لفظ جيد ومعنى حسن ») . 


ومن هذا المنظور يتحول اهتمام لمتكم عن علاقة كلامه بما هو خارج 
عنه إلى الكلام ذاته وطريقة نسجه . ولا شك" أن عملا من هذا القبيل يتطلدّب 
وعيا بقدرات اللغة يفضى بصاحبه إلى اختيار أشداها ملاءمة لغرضه . 


وثانيهما اقتناع صاحب « البيان والتبيين » أن الأثر الفنتي الجيئد في حاجة 
إلى « التعهد ) ) و« المعاودة ) . وموقفه المحترز م١٠‏ ن أشعار زهير والحطيئة » 
لأن الشعر كما يقول الأصمعي « استعبدهم واستفرغ مجه.ودهم حتى 
أدخلهم في باب التكلّّف وأصحاب الصنعة ومن يلتمس قهر الكلام واغتصاب 
الألفاظ »(1) » لا يعني رفضه للصنعة رفضا مطلقا وإنما كان متشد”دا على المبالغة 
المفضية إلى التكللثف 0 الطلبع . والشأن عنده في التقيّد بالأوساط فلا 
يرسل المتكلم الكلام « قضيبا خشبيا » (2) وليس له « أن يهذابه جد! وينقحه 
وبصفيه ويروقه » حتى لا ينطق إلا بلبّ اللبّ » وبالفظ الذي قد حذف 
فضوله » وأسقط زوائده » حتى عاد خالصا لا شوب فيه » (3) . 


(1) البيان والتبيين » 13/2 . 
(2) المصدر السابق » 204/1 . 


(3) الحيوان » 89/1 - 90 . هذا الموقف العام من مسألة « الصنعة » الموافق لقول المعتزلة 
ب« المتزلة بين منزلتين » تولد عن تمسكه بوظيفة الفهم والإفهام ومراعاة الجمهور 
المستهلك لالنص » وقد ذكر المؤلف هذا الأمر صراحة فى هذا السياق . وبذلك نلمس مدى 
تأثر مشاييسه الأدبية العامة بمنطلقه الخطابي العقائدي . 


205 


وعلى أشاضن هذه المعادلة دافع عن (١‏ المولدين ( وأعجب بشعر هم وروى 
عنهم وعلى أساسها أيضا فضل بشسار بن برد على جمهورهم لأنه كان 
حسن البديع ) (1) « مطبوعا على الشعر ) (2) . 


هله ف انا أهم" الدعائم النظريّة التي يقوم عليا فيد الاخثيار 
عند الجاحظ فما هى الإجراءات العملية التي تجسمه ؟ 


أول تلك الإجراءات تحقيق ١‏ فصاحة» اللّفظ (3) وبذلك يكتمل 
الثالوث الذي يتفرع إليه « البيان » : البلاغة والخطابة والفصاحة . 


والفصاحة » ني تصوّر صاحب ١‏ البيان والتبيين » » تنطلق من بنية اللفظ 
الصوتية وانسجام الحروف المركبة له وتآلفها. وقد بلور هذا المقياس الهام 
في مصطلح يبدو ثابتا واضح المعالم في أصول نظريته الأدبيية هو ١‏ الاقتران) 
وهو في تفسيره  ١‏ التشابه والموافقة » (4) . ولثئن كان هذا التفسير غير 
دقيق في دلالته على أوجه الشّبه والموافقة بين الحروف لخلوه من كل" تحليل 
مو ضوعي لكيفيّة تعامل الأصوات فإن في الأمثلة التي أوردها ٠‏ للاستدلال 
على كبر هذا الباب » على ما يقول » دليلا على أن" المقصود تجتب الجمع 
بين الحروف المتنافرة من جهة المخرج أو الصّفات ٠‏ فقد ذكر أن : 
الظاء 
57 القاف 1 : 
الجيم لا تقارن ٠‏ الطتاء بتمديم ولا بتأخير 
الغي: 


رن 


(1) البيان والتبيين » 56/4 . 
)2( نفس المصدر » 50/1 . 
(3) لاحظنا في بعض الدراسات خلطا بين مفهومي : اللفظ (دمنله تع صمم8) ور الملفوظ » 
(6عدمه8) ولذلك نجدها تدخل سلامة النطق بالألفاظ وبصحة مخارجها في مفهوم 
الفصاحة دون أن تفصل بين فصاحة النص مطلقا وفصاحة إنجازه . انظر : ميشال عاصي » 
الكتاب المذ كور » ص 50 . 7 
(4) البيان والتبيين » 206/1 . 


2066 


5 الشي: 03 
واازاي الاتقارن عاد بتقديم ولا بتأخير 
الذال 


ومتى تحقق « القران » بين الوحدات الصّغرى اكتست الكتلة الصوتية 
النائجة عن تالفها من الخصائص ما يجعل الدّطق بها سهلا » ووقعها مستساغا 
عذبا . ونهج المؤلف في ضبط تلك الخصائص مزدوج :5 فهو 4 ثارة 4 يذكرها 
في صيغة تقريربة مباشرة وطورا يشير إليها من طريق غير مباشر بالتّهي عن 
ارتكاب عيوب انتشرت بين المشتغلين بشؤون البيان والتبيين . وبقطع النظر 
عن الطريقة المتوختاة » فإن هذه الأحكام تشترك ني أنها انطباعية ذوقيئّة » 
يصعب على الباحث أن د » بدقة ء» ع ما تتضمنه ولا سيما أن بعضها 
متيل من تصور المؤلف للقيم الأخلاقية ‏ الاجتماعية . مثال ذلك اشتراطه 
أن يكون الإسم ‏ أو اللفظ  «١‏ كريما ني نفسه» ر1) وأن يكون الكاتب 
حلا اللفظ » (2) . إن غاية ما يمكن استخلاصه من هذه الأحكام ضرورة 
تفرد النّفظة بخصائص ذاتية وألا يكون جمالها رهين ارتباطها بعناصر أخرى 
في السياق » وكأن المؤلف ينطلق من نظرة فردية على الصعيد الاجتماعى ؛ 
ذاتية على الصعيد الفلسفي ٠»‏ لا يسمح بمقتضاهما للفرد أن يلتحم بالنسيج العام 
إلا بشروط مسبّقة » وهذا يعنى من الناحية الجمالية البحت أن جمال الكل 
لا يحصل إلا بتجاور الأجزاء الجميلة أي أن السّياق وحده عاجز عن توليده 
ما لم يستند إلى خصائص الجدول . وهذه نظرة تجزيئية تراكمية (3) 5 
بأني 2 مقدامة تلك الأحكام الاهتمام يصفات )0 المخرج ) وقد أحصينا 


ربعة اعتبارات : 


(1) البيان والتبيين » 8/2 . 
(2) الحيوان » 79/1 . 


601 3 


26, 


سهل () 
ن 2) 
سري (03) 
رقيق «4) 

وليس في نصوصه ما يدل" على أن تنوّع الصفة يوافقه تنوع في المعنى » 
والأرجح أنها مترادفات تتواتر وتتكئّف ليؤكند بها على أهمية جرس 
الألفاظ وتناسق إيقاعها ورقّة موسيقاها ولتقريب صفة أدبيّة أخرى كثيرة 
الترداد في نصوصه » وإن كنا لا نلمس ٠‏ بالضبط » المقصود بها » وهي 
صفة الحلاوة » التى تن مرادفة ( للطلاوة ) و ١‏ العذوبة ) كما تقترك بصفتى 
الجزالة » و ١‏ الفخامة » فجمال اللفظ عنده لا ينحصر في رقته ولينه بل 
في فخامته وجزالته أيضا إذ الشأن » عنده » 15 لف الحروف ومناسبة الذفظ 
ل 

«وإن حاجة المنطق إلى الحلاوة والطلاوة كحاجته إلى الجزالة والفخامة» (5) 
ورغم صعوبة تبن معنى هذه الصّفات في ذاتها لأنها لا تتجاوز في الغالب 
الحس” الغامض والانطباع غير المعلّل ؛ فإننا نستطيع أن نكشف عن غائيتها 
القصوى وهى غائية مرتبطة بموقفه من قضيّة « الصنعة » تتمثل في أن يخرج 
النّفظ « سليما من التكلّف » بعيدا من الصنعة » بريثئا من التعقد) (6) . 

وفي « البيان والتبيين ») نص" يحوصل فيه صاحبه صفات اللفظ من جهة 
آلف حروفه وبنيته الصّوئية العامة وقد سلك في ذلك مسلك إبراز الصفة 
ونقيضها انطلاقا من موازاة عقدها بين خصائص أجزاء البيت من الشعر 


-_ 


(1) البيان والتبيين » 67/1 » 83 » 136 ٠»‏ 23/4 . 
(2) المصدر السابق » 58/1 » 83 . 
(3) م 7 1 . 


(5) البيان والتبيين » 14/1 . 
(6) المصدر السابق » 106/1 . 


2068 


وخخصائص ما سماه «وحروف الكلام) (1) فهذه الأخيرة » شأنها شأن 


الأولى » يمكن أن تكون : 


مستكرهة . (2) 
ولى يفت المؤلف أن ينبّه » في هذا السّياق » إلى ظاهرة شغلت بال 
اللغويين والتقاد في كل العصور وهي ما يلاحظ من «مفارقات») بين 
القوانين النظرية في الجودة وبين ما تؤدي إليه «نزوات» الاستعمال » 
فتجد النّاس « يستخفون ألفاظا غيرها أحق” بذلك منها » (3) أو تقبل على 
أقل" الألفاظ استعمالا ونترك ما هو أظهر وأكثر وكذلك شأنها مع الشعر : 
يسير البيت على ألسنتها ولا يسير ما هو أجود منه ولم يزد الجاحظ على 


(1) يدل السياق على أنه يستعمل كلمة « الحرف » في معنى طريف يخرج عن المعنى السائر في 
دراسة الأصوات . والمقصود به » فيما فهمنا » الوحدات اللفوية التي تستقل » في نطاق 
النسيج العام للكلام » ببنية ومعنى . وبذلك يكون معناها قريبا من معنى المصطلح الفر نسي 
(#صدعة) , 1 

(2) البيان والعبيين » 67/1 . 

(3) المصدر السابق » 20/1 . 


2069 


مجراد الملاحظة وسوق” الأمثال من ميدان اللغة وغيره من المبا دين 3 اه 
من ذلك موقف المتعجب الذي لم يجد منفذا يلج منه إلى التتفسير والتعليل . 


ومن مقتضيات ١‏ الفصاحة ) الالترام بالنموذج القرشي في مستوى 
المعجم وكيفية الأداء والتطق : 


أما المعجم فنموذجه الأسمى «القرآن» » وعلى قدر مجاراة الكلام 
لألفاظه يكون حظه من الفصاحة والبلاغة. والارتكاز على فكرة «المجاراة) 
يقل من أهمية ارتباط الفصاحة بالمكان وقربه المتكلم من مهبط الوحي » 
يدل" على ذلك هذه الرواية : 


دقال أهل مكتّة لمحمّد بن المناذر الشاعر : ليست لكم معاشر أهل 
البضبرة .لعة. فضبحة : إننا الفضاحة ناا أهل, مكة . فقال انخ المناذن + أما 
ألفاظنا فأحكى الألفاظ للقرآن وأكثرها كه موافقة » فضعوا القرآن بعد هذا حيث 
شم أنتم تسمون القدر برمة » وتجمعون البرمة على برام . ونحن نقول 
قدر ونجمعها على قدور » وقال الله عر وجل" : «وجفان كالجوابي وقدور 
راسيات ») (1) . وأنتم تسمون البيت إذا كان فوق البيت عليّة » وتجمعون 
هذا الإسم على علالي » ونحن نسميه غرفة ونجمعها على غرفات وغرف 
وقال الله تبارك وتعالى « غرف من فوقها غرف مبنية » (2) 00 

أما الأداء فلن «قريش») عرفت ببلاغة المنطق (4) حتى غدت 
متفثْرت الأمثال في مههارة الصوته وحلاؤة التغنة .#4 فكاتوا إذا أراذوا 
الإشارة إلى فصاحة خطيب قالوا : « أشبه قريش نغمة وجهارة (فلان) ) (5) 


(1) سبأً/ 13. 

(2) الزمر/20 . 

(3) البيان والتبيين » 18/1 - 19 . 
© المصدر السابق » 8/1 . 

(5) المصدر السابق » 344/1 . 


200 


زد على ذلك أن طريقتها ني الّفظ خالية من الشوائب التي علقت بنطق 
بعض القبائل الأخرى ولذلك عد أهلها أفصح الدناس 2 


« قال معاوية يوما : من أفصح التّاس ؟ فقال قائل : قوم ارتفعوا عن 
لخلخانية الفرات » وتيامنوا عن عنعنة تميم » وتياسروا عن كسكسة بكر : 
ليست لهم غمغمة قضاعة ولا طمطمانية حمير . قال : من هم ؟ قال 
قريش ») (1) . 
د د د 


أما المظهر الثاني المجسم بدأ الاختيار فيتمثّل في علاقة بنية اللفظ 
الصونية بال معزى الذي تدل عليه وهو ألياس الموسوم قُُ كتب البلاغة 0 مر علاقة 


اللفظ بالمعنى ) . 

ولهذا الموضوع أهمّية خاصة ني الدرس البلاغي سواء أخذنا اللفظ 
بمعناه الضّيق أو وسّعناه ليشمل البنية الخارجية للكلام » لأن البلاغة تقوم 
في أصل معناها » على إرادة المتكلم إيصال معنى من المعاني أو فكرة من 
الأفكار إلى الشخص االمقصود بالكلام حسب كيفيات معينة تتحداد بنوع 
العلاقة القائمة بين الد"ال ومدلوله لذلك يعين الخوض في هذه المسألة على 
إدراك تصور المؤلف المعني بالدرس لنوع هذه العلاقة ومن لم لستش درك 
نظريّته في الخلق الفتي والأسس العميقة التي تنبني عليها تلك النظرية . 

كما بغيتنا: هذا المبنحت: عل" زيادة: تدقيق. خنفات: الطرفين ال مكولين 
للثنائية وسنرى + في حالة الجاحظ . كيف أن دراسته لعلاقة اللفظ 
بالمعنى سنستفيد منها لإكمال مقتضيات ١‏ الفصاحة » مثلا » وهي أمور لو 
أثبتناها في غير هذا النطاق لبدت منبتة عارية وكأنما ألقى بها إلقاء . 


(1) البيان والتبيين » 212/3 - 213 . 


221 


كما يكتسى هذا المبحث» بالإضافة إلى ما ذكر » لدى صاحب ١‏ البيان 


والتبيين ) صبغة خخاصة ٠»‏ فلقد كان من المعالم البارزة في نظريته البلاغية تشهد 
لذلك كثرة النصوص التعلّقة به وتشعبها تشعبا يوحى أحيانا بالتدّناقض . 
لذلك أولته الدراسات » اليوم » اهتماما بالغا قل" أن حظى بمثله جانب آخر 
من نظريته » ولا نستبعد أن تكون مكانة هذه الثنائية في تفكيره الأصل في 


1 لاك 8 البحث دل قْ تقسيم ممختلف المساهمات البلاغية وتصنيفها 
طبق موقف أصحابها من اللفظ والمعنى بل وجدنا من الدراسات ما يروم 
التاريخ لأطوار البلاغة انطلاقا من هذه القضية النوعية (1) . 


ولعله من المفيد أن نشير إلى الحرج الذي لاحظناه على بعض هذه 
الدراسات » فأصيحابها ل يكادون يقَرون رأيا حتى يطلع عليهم 3 قُ مو لفات 


- 


أنن عنناة © رأي اعبر أو اعاعد خض دفن --3 الرأي 2) 


7 


ونيها كس بعضهم الكغير بتناقضه (3) . 


ولثئن كنا نفهم هذا التردد لصعوبة التوفيق بين مختلف النصوص 
فإننا نستغرب بعض الحمجج التي اعتمدت لإبراز الميل إلى اللفظ والانتصار 
له وطريقة” طرح المشكل الني حجبت مسالك الإحاطة بشعاب هذه المسألة 
فبقيت المناقشات ني رأينا » تخارجيّة لم تستطع ربط المسألة بتصوره العام » 
رك و تامارك يا نين كسس شواة ن المدمة الس والستك 
من عصر الجاحظ إلى عصر ابن خلدون »» مجلة المجمع العربي بدمشق المجلد 24 » 1949 


ص 433 - 449 . 583 - 595 » والمجلد 25 » 1950 » ص 103 - 115 » 265 - 280 » 
9 -ه و44 , 


(2) مقال ذلك رأي شوقي في كتابه : البلاغة تطور وتاريخ ٠»‏ فنراه في الصفحة 52 يقول : 
« وأداه شغفه بجودة أاللفظ وحسنه وبهائه إلى أن قدمه على المعتى » وفي نفس الصفحة 
الألفاظط محل اأروح من البدن 50 1 ١‏ 

(3) انتبه إحسان عباس في كتابه : قاريخ النقد الأدبي عند العرب » إلى أن. معنى اللفظ مساو 
فى مصطلح الجاحظ لعنى « الشكل » (ص 8 واقزق أنه من المتحيزين الشكل » وقد 
حاول أن يضبط الأسباب آلتى أفضت به إلى هذا الموقف » كا لاحظ أن تحيزه أوقعه في التناقض اذ 
يعترف بآن وصف عنتترة للذباب معنى ن تحاماه جميع الشعراء فام يعرض له أحد منهم » 
ولقد عرض له بعض المحدثين من كان يحسن القول فبلغ من استكراهه لذلك المعنى ومن 
اضطرابه فيه أنه صار دليلا على سوه طبعه في الشعر » . 


يي 


22 


بل إننا نستغرب إثارة المشكلة أصلا في مبحث بلاغي » ولمما يزيد من 
استغرابنا أن جل" الدراسات في الموضوع أدركت اانا مؤداه أن اللفظ 
في مصطلح الجاحظ هو « الشكل » أو ١‏ الأساوب بمعنى أوسع من رصف 
الألفاظ » (1) . 

أو ليست البلاغة علما بكيفيات التعبير التي تحق فق للقول أكبر حظوظ 
الفعالية والنجاعة والتأثير ولذلك تهتم بطرائق أداء المعنى أكثر من اهتمامها بالمعنى؟ 

وهل يمكن أن تعتبر «حملته على تنافر الألفاظ في الشعر والدثر ) 
وقوله : « بضرورة تلاؤم الألفاظ بعضها مع بعض في الكلام ) و « مخالفته 
الأصمعي في الحمل على شعراء الصنعة » (2) ميلا الى اللّفظ ؟ 

له قلق" أن الساعط كدرد العلتى بالضاغة والمكل :قن الخلق الفنى. 
واي المشهور (3) الذي تنطلق منه الدراسات لتحديد موقفه ليس لقف 
الوحيد الدال صراحة على هذا التعدّق فاستعصاء الشعر عللى الترجمة يرجع 
في تصوره » إلى بنيته لآن" الشعر « متى حول تقطع نظمه وبطل وزنه وذهب 
حسنه ويسقط موضع التعجب) (4) . 

كما ساهم بقسط وافر في تثبيت ثنائية اللافظ والمعنى بي البلاغة العربية 
وإقرار الفصل بين الشكل والمضمون بطريقة سيقتفيها البلاغيون بعده » 
فقد شبه المعاني بالجواري والألفاظ بالمعارض وأضاف لهذه القدرة على 
تحلية تلك في عيون الداس وإخراجها مخرجا يبرز معه حسنها وبهذا الاعتبار 
يكون الأدب قائما على الزينة التي نضيفها إلى المعنى لا على المعنى : 





(1) شوقي ضيف » الكتاب المذكور » ص 52 . 
(2) هذه نساذج من الحجج التي بنى عليها نعيم الحمصي رأيه في انتصار الجاحظ للفظ . 
انظر : 1 مقالاته المذكورة » المجلد (24) » ص 448 - 449 . 


)3( هو النص الذي يقول فيه : « المعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والعربي والبدوي 
(القر م 7 الشراك 132 د 
(4) المصدر السابق » 75/1 . 


223 


« أنذركم حسن الألفاظ » وحلاوة مخارج الكلام » فإن المعنى 
إذا اكتسى لفظا حسنا وأعاره البليغ مخرجا سهلا ومنحه المتكلم دلا متعشقا 
صار في قلبك أحلى ولصدرك أملا . والمعانى إذا كسيت الألفاظ الكريمة . 
وألبست الأوصاف الرفيعة . تحوّلت في العيون عن مقادير صورها . وأربت 
على حقائق أقدارها » بقدر ما زيّنت وحسب ما زخرفت . فقد صارت 
الألفاظ ني معاني المعارض » وصارت المعاني في معنى الجواري . والقلب 
ضعيف وسلطان الهوى قوي » ومدخل تمدع الشيطان خفي » (1) . 

إلا أن وفع ين هده المبألة آبعة عورا وأكتر تدعا د يكن أن تايل 
هذه النصوص بنصوص أخرى تعلق" صاحبها بالمعنى لا يقل" عن تعلقه 
بالتّفظ ٠‏ فنجده يؤاخد الأدباء والمخطباء الذين يركبون استكراه المعاني 
ويجرونها إلى لفظ هيؤوا رسمه قبل أن يهيّؤوا المعنى (2) . ويقر بأن" 
« اللفظ للمعنى بدن والمعنى لفظ روح ) (3) ويمكن أن نفهم هق التمثيل 
الوارد في هذه الفقرة أن" المعنى عنده مقدام على الذفظ لأنه الرّوح والجوهر . 
"ولا يكاد يخلو سياق تحداث فيه عن خصائص اللفظ من إشارة إلى المعنى 
ممما يدل" على ترابطهما في نظريته البلاغيئة وتمسكه بهما جميعا رغم ما 
قد توهم به بعض النصوص التي ذكرناها . 

وليس قصدنا من هذه النتيجة « تبرئة » ساحة الجاحظ من (١‏ تهمة) 
التقبّد بالشتكل أو اللفظ وتقديمه على المعنى إذ الأمر » فيما يبدو لنا ء 
طبيعي في مبحث بلاغي يستند على الجنس الخطابي استنادا قويا » وهو 
م مع أصول نظريته ومواقفه من بعض المسائل الكبرى نذلكر منها 
رأيه في الإعجاز . فسنرى أنه فسّره بالتظم فخرج عن رأي أستاذه إبراهيم 


(1) البيان والتبيين » 254/1 . 
(2) انظر رسالته في تفضيل النطق على الصمت » مجموعة محمد ساسي » ص 159 . 
)3( انظر رسالته في الجد والهزل » مجموعة كراوس والحاجري » ص 85 . 


224 


بن سيار التظام القائل بالصرفة » ولا مناص ل جعل صورة الكلام وهيأته 
دليلا على صدق الشبوة من الوقوف إلى جانب البنية والصياغة . 


ثم إن قوله بالمعاني المطروحة متّفق مع اشتراطه الفصاحة في البلاغة 
وهو مولت ١‏ بسار مون نوم البلاغة على هذا التمط . ومنطوق الشرط 
ضرورة إخضاع المعنى الذي نريد تبليغه لقوانين اللغة العربية كما تكلمها 
العرب الفصحاء . 


وليس في الأمر ظاهريًا » ما يدعو إلى التساؤل : فمعقول أن يجري 
الخطيب البليغ » ومن ثم" المؤلف وراء فصاحه اللغة لآن القصد من البلاغة 
تقديم المعنى ني أحسن صورة حتى لا يكون الكلام « ملحونا معدولا عن 
جهته مصروفا عن حمفه ) (1) . 

ولكن ألا يكون وراء هذا الموقف اللغوي البلاغي دافع آخر فرضته 
الملابسات الاجتماعية والسياسيّة في النصف الأول من القرن الثالث وانتماءات 
المؤلف العقائدية وتصوراته الاجتماعية ؟ 

أليس من حقنا أن نرى في دفاعه عن الفصاحة موقفا سياسيا يدعو إلى 
تركيز السلطة - سلطة الكلمة ‏ في يد الجنس العربي والفئات التي انصهرت 
في بوتقته انصهارا تامًا بحذقها لغته وتمثلها موروثة الحضاري والفكري ؟ 

ليس في مؤلفات الجاحظ ما يحظر هذا التأويل وني تأكيده على أن 
المعاني يعرفها العربي والعجمي والقروي والبدوي إشارة ضمنية إلى أن 
الارتياط بالمعنى يقتضي الإقرار بتساوي حظوظ الأجناس المتعايشة في دار 
الإسلام على يكل طقانها الاجتماعية في البلاغة . بينما تتفاوت تلك 
الحظوظ بالتركيز على جانب الشكل والصياغة . 


(1) البيان والتبيين » 161/1 . 
225 


ولئن : تسو يح معلوماتنا عن الجحاحظ وعصره بررط موقفه البلاغي 
تدرف شرائى مشنيوظ " لآن عالدنا فى "دزائية الأدب تعض + فل «الغالىم 
عن ضيط المنطلقات السياسية التى يتحرك منها الأدباء ‏ وقد يكون سبب 
ذلك الاقتناع بقطيعة الأدب والسياسة ‏ فإن الأكيد أن مختاف آرائه في 
علاقة اللفظ بلمعنى متينة الصلة بأصول تفكيره العامة النابعة عن انتمائه 
العقائدي ورؤيته الاجتماعية . 
فقد نرّل المعاني في طبقات إذ الناس أنفسهم في طبقات . وقد أوحى 
له هذا الشتصنيف اي بمفهوم ) الملاءمة (0 الذي فرق بدوره 6 قُ تفكيره 
أزواجا متقابلة نحا في التعبير عنها منحى كمنيا تارة وثقييما أخلاقيا تارة أخرى » 
جمعها كلها قِ حياز مصطلح لحته نمدنا يعكس فكرة المكانة والمنزلة وهو 
مصطلح )0 الأقدار 0( الذي يقوم من تلك الأزواج مقام الأصل 7 
فانطلاقا من قوله : « وإنما الألفاظ على أقدار المعاني » (1) نسج هذه 
الأزواج - 
قليلها لقليلها 
كثيرها لكثيرها 2) 
شريفها لشريفها (3) 
الجزل للجزل 
|| قفي ا خفيم © 
والمتتبسع للسياقات التى برزت فيها هذه الثنائيات يلاحظ 
أن قصد المؤلف الأساسي من إبرادها إنما هو الإلخاح على مبدا المشاكلة 
والمطابقة لا ضبط ما يدل عليه كل" مصطلح منها في حد ذاته . 
(1) الحيوان » 8/6 . 
(2) المصدر السابق » نفس الصفحة . 
(3) المصدر السابق » 39/3 » 8/6 . البيان والتبيين » 135/1 . 
(4) الحيوان » 39/3 . 
26 


ولا يقتصر مفهوم المطابقة على احترام التتناسق بين نوع الحديث ونوع 
النفظ » بل يتفرع إلى مجار عديدة تناسب تعد"د الأصول التي تتأسس عليها 
وجهة نظره في قضية المعنى . فتمسكه بالوظيفة الإفهامية (1) كغاية قصوى 
لكل مستويات اللغة ننج عنه من وجهة ميكثية عامة الإلحاح على أن تكون 
دلالة اللفظط على المعن دلالة صريحة : 

ووأحسن الكلام ما كان قليله يغنيك عن كثيره » ومعناه في ظاهر 
لفظه » ,2( . لذلك وجب أن يكون الاسم 0 معر با عن الفحوى 0 ,3( ) غنيًا 
عن التأويل ؛(4). وهذه الطريقة في أداء المعنى لا تعني الابتذال والرغبة عن 
الفن" والتنقيح فليس ما يمنع المتكلم حسب الجاحظ ‏ أن تكون ألفاظه 
رشيقة عذبة وفخمة سهلة وأن تكون معانيه ظاهرة مكشوفة وقريبة معروفة 
نل إن متكلما هذا شأنه لحقيق بالمتزلة الأولى . 

و(...) فكن في ثلاث منازل » فإن أولى الثلاث أن يكون لفظك 
رشيفا عذيا وفخما سهلا 4 ويكون معناك ظاهرا مكشوفا 5 وقربا معروفا 3 
إما عند الخاصة إن كنت للخاصة قصدت ٠»‏ وإما عند العامة إن كنت للعامة 

وإنما قلنا من وجهة مبدئية عامة لأن الاعتماد على الطاقة التصربحية 
ليس أمرا مطردا متوترا يلتزمه المتكلّم في كل" الأحوال . فلئن اقتضى السعي 
إلى تحقيق وظيفة الفهم والإفهام التتصريح فإن مقتضيات المقام والمواضعات 
الاجتماعية من ناححية 4 وأصول الاعتقاد الاعتر الي من جهة أشي 2 استو جبت 
من أبي عثمان الإقرار بأهمية الطاقة الإيحائية ني الظاهرة اللغوية وهي في 





(1) عالأههمء «متأاعهمط 
(2) البياث والعبيين » 83/1 . 
(3) المصدر السابق » 7/2 . 
 )4(‏ م 1 6/1 . 


,. 16/1 0 «م‎  )5( 


2_2 


مصطلحه الإشارة (1) والوحى (2) والتعريض (3) والاقتصاد (4) والكناية (5) 
والإيجاز ©6) . 
أما المقامات فتميبزها وإدراك ما يلزمها رهين تقدير المتكلم وفطنته 
لذلك بقيت معطىً نظريا عاما قل أن ذكر الجاحظ عناصره المكونة كما 
فعل قُ هذا السياق : 
«وومما مدحوا به الإيجاز والكلام الذي هو كالوحي والإشارة » 
قول أبي داؤاد بن حريز الإيادي : (الكامل) ا 
حعوة لقي اندراوم ا “اوفط يف ال فسحاء 
فمدح كما ترى الإطالة في موضعهاء والحذف في موضعه) (7). فهو 
في هذا المثل كما ترى جعل « خوف الرقيب » سبب الإيحاء . أما في بقية 
السياقات فيورد المقررات النظرية مجرّدة عن كل" تدقيق للمضمون مثال ذلك : 
«(....) والإفصاح في موضع الإفصاح والكناية في موضع الكناية » (8) 
« ورب قليل يغني عن الكثير (....) بل رب كلمة تغني عن خطبة (....) 
بل رب كناية تربي على إفصاح © (9) . 
باللفظ ودلالة الإشارة » (10) . 


(1) البيان والتبيين » 44/1 » 116 » 155 - 156 . الحيوان » 423/5 . 
(2) المصدر السابق » 44/1 » 78-77 » 116 » 155 . الحيوان » 77/1 -78 . 


. 1 ام‎ «  )3( 

. 5/1 0 م‎  )4( 

(5) «م 0 1 » 155 - 156 . الحيوآن » 39/3 . الرسائل » مجموعة هارون » 
0/1 . 


(6) البيان والتبيين » 97/1 . الحيوان » 90/1 -91. 
(7) المصدر السابق » 155/1 . وقد أبرزنا مضمون المقام . 
(8) الحيوان » 39/3 . 

(9) البيان والعبيين » 7/2 . 

(10) المصدر السابق » 44/1 . 


28 


أما المواضعات الاجتماعية » وهي مظهر من مظاهر المقام » فقامت بدور 
كبير في تنبيه اللغويئين عامة والبلاغيئين بوجه خاص إلى ظاهرة الإيحاء بي 
اللغة انطلاقا من باب ١‏ الكناية » وهي من أسبق الجوانب تبلورا في تاريخ 
البلاغة العربيّة » فمنذ الفترة الأولى ‏ فترة ما قبل الجاحظ ‏ حداد مصطلحها 
وتعريفها والأسس الأخلاقية التي تؤصلها 

ولم يخرج الجاحظ عن هذا الشهج فارتبطت ثي تصوره العام بمواضعات 
أخلاقية اجتماعية إلا" أنه وسّع مدلولها إذ قرنها بالوحي والإشارة والإيجاز- 
كما تشهد التصوص التي أثبتناها - وبذلك يكون استغلها من وجهين » 
وجه واصل به جهد أسلافه في إرساء هذا الوجه البلاغي الذي سيصبح بعده 
مبحثا من مباحث البيان ضمن التقسيم الثلاثي المعروف 

« قال : ويقال لموضع الغائط : الخلاء والمذهب » والمخرج » والكنيف 
والحش” » والمرحاض والمرفق . 

وكل” ذلك كناية واشتقاق » وهذا أيضا يدك على شدة هربهم من 
الدناءة والفسولة » والفح.ش والقذع ») (1) . 

ووجه ثان » متولد عن الأول إلا أنه أعم" منه وأهم” من الوجهة 
الاسانية العامة » تصبح بمقتضاه الكناية تقابل الإفصاح (2) والشرح (3) 
وتشير إلى قدرة اللغة على أداء المتصور الذهني الواحد بطرق شتى ومن ثم 
بنفتح باب التأويل ويربط حبل الأسباب بين القناعات الأدبية واللغوية 
والقناعات العقائدية : فالطاقة الإبحائية ني الظاهرة اللغوية هي سبب 
ا ولعكف زد كنيف الفروف وال لذ مؤت فى تاريل الفاطيانة 
واقد بنى الجاحظ احتجاجه لغزارة الدالالات في اللغة وشرعية اختلاف 
المذاهب في التأويل مع بقائها على أصول الشرع على تصور فلسفي ‏ 





1( الجوان » 295/5 ., 
(2) المصدر السابق » 39/3 . 
)3( رسائل الجاحظ » مجموعة هارون » 307/1. 


209 


كسلامى 


اللدوان تر اريت 4 اوملظ ون حيدة "عتم را الاطيام بأن اللسه 


2 أور ده على لسان المأمون »: يطابق فيه بين يول اللغة و اسيل 


فا قدرنة أن يسما ل كلام انبيائه وورثة رسله في غنى عن التفسير براء وهذا نصو 

لحالة قصوى د ن فيها الدال عي المدلول إلى درجة تتجرد ف اللغة عن ؟ 
بو فيه ص ر ر 

بعك فكري وعاطفى من شأنه أن يولد الاختلاف . 


إلذ أن اللعة سانيا ي ذلك شان أمون الدين والدنيا » لم تدفع للناس على 
الكفاية . وهذا من حكمة الله في خلقه لأن الكفاية تعني سقوط البلوى والمحنة 
وذهاب المسابقة والمنافسة وهى أسس التأفاضل بين العباد في دينهم ودنياهم . 

ومن ثم" اعتبرت قدرة اللغة على الإيحاء وإعرابها عن المعاني الكثيرة 
بالألفاظ القليلة مظهرا من مظاهر انسجامها مع ما رتب الله عليه الكون 

(....) والاختلاف الآخر كنحو اختلاف الآية من كتابنا » وتأويل 
الحديث عن نبيئنا » مع إجماعنا ١‏ عل أصل التنزيل » واتفاقنا على عين الخبر , 
فإن كان الذي أوحشك هذا حتى أنكرت من أجله هذا الكتاب » فقد ينبغي 
أن يكون اللفظ بجميع التوراة رو عقن على تأويله » كما يكون متفقا 
على تنريله 8 ولا يكون بين عع النصارى واليهود اخدلادف قُُ شنى ء من 
التأويلات . وينبغي لك أن لا ترجع إلا إلى لغة لااختلاف في تأويل ألفاظها . 

وأو شاء الله أن يسول كتبه ويجعل كلام النياقة وورثة رسله لا يحتاج 
إلى تفسير لفعل » ولكنا لم نر شيئا من الدين والدنيا دفع إلينا على الكفاية » 
ولو كان الأمر كذلك لسقطت البلوى والمحنة وذهبت المسابقة والمنافسة . ولم 
يكن تفاضل » وليس على هذا بنى الله الدنيا ) (1) . 

كما أن مراعاته للمقامات ولا سيما المقام الخطابي أد'ت به إلى مقياس 
آخر دقق به وجه تأدية اللفظ المعنى » وقوامه تزامن بلوغ الدال إلى السمع 


)1( البيان والعبيين > 376/1 . 


200 


والمذلوالك" ال" القلئ أو الغماضمانا لقدردة اليا متابعة المتكلم وتجما 
َ ا الث ر 6 : م رم : 
لكل قطيعة دلاليئة ينخرم من أجلها حبل التتواصل فتتعطّل وظيفة الكلام . 
ولا يكون الكلام يستحق” اسم البلاغة حتى يسابق معناه لفظه ولفظه 
معناه . فلا يكون لفظه إلى سمعك أسبق من معناه إلى قلبك » (1) . 
ور وكان لفظه قُ وزن إشارثه ٠‏ ومعناه قُ طبقة لفظه » وم يكن لفظله 
إلى سمعك بأسرع من معناه إلى قلبيك ( ,2( 5 
والمتكدم مدعو 6 لتجسيم هذين المبدأين العامين المتكاملين إلى احترام 
جملة من المقاييس العملية جر الحديث عنها المؤلف إلى بلورة نصيب من 
الأساليب البلاغية كالإيجاز والإطناب وما يدور في فلكهما من مصطلحات » 
ومكنه أ 


ن ضبط موقفه من الفصاحة بأكثر دقّة وأعاننا على فهم موقفه من 
مسألة الصنعة . 

0 ل تلك المقاييس تحديد الجدول المعجمي الذي يتعين على المتكلم 
مراعاته في تصريفه الكلام » ومن نخصائصه أن يكون منزلة وسطى بين طرفين 
متقابلين #ظورين هما الغريب الوحشي ؛ من جهة » والساقط السوقي » من 
جهة أخرى . 

وقد در الجاحظ عن هذه الفكرة بصورة طريفة تغدو بموجبها هذه 
المنزلة الوسطى نقطة التقاء مسارين متعاكسين » وقد سمى نقطة الالتقاء تلك 
«القدار ) وهو مفهوم لوعي لا كي قرف معناه مما نطلق عليه الينوم 
( السجل اللغوي ) (61016هستداعصنا ع«امزعمه) 

« وبحتاج من اللفظ إلى مقدار يرتفع به عن ألفاظ السلفة والحشو 
ويحطه من غر يب الإعراب ووحشى الكلام ( 3( 6 

(1) البيان والعبيين » 115/1 . 

(2) المصدر السابق » 111/1 . 

(3) الحيوان » 90/1 » البيان والعبيين » 144/1 - 145 » 255 : 

201 


ويمكن إبراز المقابلات الموجودة في هذا الإستشهاد على الحو الأتي : 


عرم الاعرب ووحشي الكلام 


- 


الفاذر السفاي والعقشو 








وانطلاقا من هذا التصور للمعجم اللغوي يتستى للباحث أن يفهم حملته 
العنيفة على الغريب وعلى من يتشبّهون بالبدو الجفاة في استخدام ألفاظ يستغلق 
معناها على السامع فلا يصل إلى إدراك دلالتها لأنها أجنبيّة عن عاداته اللغوية 
وعن الرّصيد المشترك الذي يصرفه الناس بينهم » وقد استشهد بطائفة من 
التصوص حشيت بالغريب أردف كل واحد منها بشرح معجمي لكلماتها 
وختمها بإعلان موقفه من المسألة في صياغة لا تخلو من الاستهزاء والاستنقاص : 

«فإن كانوا إنما رووا هذا الكلام لآنه يدل" على فصاحة فقد باعده الله 
من صفة البلاغة والفصاحة . وإن كانوا إنما دونوه في الكتب . وتذاكروه ي 
المحالين لأنه غريب . فأبيات من شعر العَجنّاجٍ وشعر الطّرماح وأشعار 
هذيل » تأني لهم مع حسن الرصف على أكثر من ذلك ) (1) . 

وهكذا ينضاف إلى مقاييس الفصاحة السابقة تجتّب اللفظ الغريب لأنه 
لا يعدو أن يكون تقعّرا في الكلام (2) وعلما لا ينفع لأنه مقصور على صاحبه 
[69 البيان والتبيين » 378/1 . 
 )2(‏ م 0 0/1 . 


2052 


ولذلك نصح أبو الأسو د الدؤلي غلاما حادثه فلم يفهم بعض كلامه 


قائلا : 
تاايني. كل" كلية لأ يعرفهنا عناكه فامترها كما كيهر السدوق 
جعرها ) (1) . 


وكما جعل الجاحظ من آفات الدّطق موردا من موارد الثادرة جعل من 
استعمال الغريب مدخلا إلى الغمز والضّحك والطّعن على النحاة خاصة لشنفهم 
به » ومثال” ذلك هذه النادرة” التي يرويها عن علقمة التحوي 

لامر أبق “علقية "التحوق تعض طرقه «البصراة ع وهائفيت نامي : 
فوثب عليه قوم منهم فأقبلوا يتعضّون إبهامه ويؤذانون في أذنه » تأفلت منهم 

» مالكم تنكأ كئون علي كما تنكأ كثون على ذي جنّة  افرنقعوا عنّي‎ ١ 
. )2( » قال : دعوه فإن شيطانه يتكلم بالهندية‎ 

ورفض" المؤلف للغريب بسيب التعقيد والانغلاق والتعميه يساعد الباحث 
على تجاوز تناقض ظاهري في نظريته البلاغية . فقد رأيناه يشترط ني اللفظ 
أن يكون عي عن تاريل اوه ارقت يناقض موقف المعتزلة العام وموقفه 
الخاص من بعض آيات القرآن التي لم يجدوا بدا من تأويلها لتسجم مع 
أصولهم العامة» وباستقراء المواطن التي ذكر فيها التأويل مقترنا باللفظ نستنتج 
5 

اللقاروي ا عليه » بينما المقصود من التأويل القرآ ني كشف المجازات 
الحاصلة م من تعليق الكلمات بعضها ببعض فيكون التأويل بالمعنى الأول متعلّقا 
بالجدول أو ا معجم أما ني الثاني فمتعلق بالسياق . 

وعن تقيده بمذهب الوسط نشأ موقفه المتشداد على الصّنعة خاصة إذا 
أفضت بصاحبها إلى التكلّف » وجاءت دعوته إلى عدم المبالغة في تصفية الكلام 


(1) البيان والتبيين » نفس الصفحة . 
 )2(‏ م 0 1 -380 ., 





2033 


وتجويده حتى لا ينطق المتكدم « باب اللبْ و بالافظ الذي قد حذف فضوله 
وأسقط زوائده » (1) . 


ويرجع ذلك إلى خوفه من الوقوع ني الإغلاق والغموض فنضطر إلى 
أن تجداد للسامعين «١‏ إفهاما مرارا وتكرارا » (2) نتيجة الانكسار الحاصل في 
ار صيد المشترك بخروجنا عن المسوط من الكلام إلى المقصور . وعلى هذا 
النحو تترابط نصوص الجاحظ وتتكائف لإجلاء تصوّره البلاغي النار 
تصوّر ثقاني واجتماعي أوسع منه منه . فقد رأيناه في مقدمة كتاب «الحيوان) 
دا ن الكتاب لأنه وسيلة تساعد على نشر الثقافة بين الناس ومن الطبيعي 
أن يفضي ذلك بالمؤلف 1 إلى اقتر راح مقايس لغوية وبلاغية تعكس وضع الطبقة 
الاجتماعية 3 الطبقة القن يروم التوجه إليها 4 ولا لستبعد أن 0 المستوى 
اللغري الوسط بين غريب الإعراب ووحشي الكلام وألفاظ السفلة والسوقة 
ملاثما لبروز طبقة اجتماعية وسطى بدأت تتجسم فيها ملامح المجتمع العياسي 
في ذلك الظروف أو تعبيرا عن رؤية المؤلف للنموذج الطبقي الذي نعتمد عليه 
لبناء مجتمع جديد . 

ومهما كان حظ هذا التأويل من الصحّة فالثابت أن موقفه من الصنعة 
وكثرة التنقبح مر قبط رأسا ا اي لذلك لم يتورع عن 
الحا ) موار بات العلما ع الذي ن كانوا يعمدو إلى الإغماض لغاياتث مادية 

نفة لا ضلة لوز جالعل والاعائا»» ومن أعمق الّتصوص دلالة على ذلك ما دار 
بينه وبين أ ا مسن الأخفش : 

«وقلت لأبى الس ن الأخفش : : أنت أعلم , الناس بالدحو دم 
كبك مفهومة كلها وما بااتقهم بعضها ولا هم أكثرها » دما باك تقد 
(1) الحيوان » 90/1 . 
2( المصدر السابق » 90/1 . 


284 


وليست هى من كتب الدين » ولو وضعتها هذا الوضع الذي تدعونى إليه 
قلت حاجاتهم إلي فيها » وإنما كانت غايتي المنالة ٠‏ فأنا أضع بعضها هذا 
الوضع المفهوم ؛ لتدعوهم حلاوة ما فهموا إلى التماس فهم مالم يفهموا وإنما 
قد كسبت في هذا التدبير .... ») (1) . 


وف مقابل التشد د على الصنعة والتحذير من البالغة في التنقيح والتهذيب 
نراه يدعو إلى تحري الدقة في استعمال الألفاظ وإحلالها الموقع اللائق 
و تكون مشا كلتها للمعنى مشا كلة تامة . وقد ظهر حر صه على هذه الناحية 
في مواطن عدة من ١‏ البيان والتبيين » بوجه خاص” » فتراه يخصّص علاة 
صفحات يجمع فيها ما ان ع ل في امتداحها هذه المخصلة كقولهم 
« أصاب القرطاس » و« رمى فأصاب الغرة ؛ و« أصاب فص الشيء وعينّه ) (2) 
ويستشهد بفصحاء 0 المخلفاء 0 فق كاتا قر طون عي ع السنة 
مخاطبيهم ويرشدونهم إلى سواء القول (3) . 
أما الغاية التي ليس بعدها غاية في دقة استعمال الألفاظ فهو القرآن . وقد 
أشار الجاحظ إلى ذلك قُُ معرض حديثه عن التطورات الدلالية التى تطرأ على 
الكلمة بحكم ترد دها على ألسنة الناس فينحو المتكدّم ييا ١‏ كان هن 
طبقة العامة إلى استعمالها في غير معناها الدقيق كما تشهد به نماذج الفصاحة 
والبلاغة . وكأننا بالمؤلف يتفطن إلى باب هام من أبواب الترادف الناشىء 
عن اجتثاث الكلمة عن سياقها الأصلي واستعمالها في سياق اخر أجنبي عنها 
فيضمحل" تبعا لذلك الفارق المعنوي بينهما وبين الكلمات القريبة من معناها : 


«ألا ترى أن الله تبارك وتعالى لم يذكر في القرآن الجوع إلا في مو ضع 
العقاب أو في موضع الفقر المدقع والعجز الظتاهر . والناس لا يذ كرون السغب 


(1) الحيوان » 92/1 . 
(2) البيان والتبيين » 147/1- 148 . 
(3) المصدر السابق » 261/1 , 


205 


ويذكرون الجوع في حالة له القدرة والسلامة . وكذلك ذكر المطر » » لأنك لا 
تجد القرآن يافظ به إلا" في موضع الانتقام . والعامة وأكثر الخاصة لا يفصلون 
بين ذكر المطر وبين ذكر الغيث » (1) . 

وكان لا بد لرجل بهذا الاقتدار على استلال فروق المعاني أن ينتهي إلى 
رفض الثرادف أصلا وإن" أقرّ بوجوده أمرا واقعا يؤكده الاستعمال ل 
تطور اللغة (2) . 

والمبدأ النظريّ العام” الذي يستقطب آراء الجاحظ في مطابقة الألفاظ 
للمعاني والترام المتكلم الداقة في الجمع نيما حل أن يأنتي الإسم دلا فاضلا 
ولا مفضولا ) م وما بين المقصر والغالي ) م . وي هذا سعي 
إلى منزلة بين منزلتين يكون الدال في أولاهما عاجزا عن استيعاب الحقل 
المعنوي المقصود فيقع المتكلم في العي إذ من معانيه أنه « كل شيء قصر عن 
المقدار » (5) ويكون ني ثانيهما فائضا عليه متجاوزا لحدوده فينفتح باب الخطل 
وينتقض قانون الجدوى في استعمال اللغة ويغدو الزائد على الحاجة خرقا إِذ 
الخطل وما فضل على المقدار ) (6) . 

والسحق عن اللزلة الوسطى سبحد”د تصوّرات الجاحظ لبعض الأساليب 
كالإيجاز والإطناب بل اعله السبب الرئيسي في اهتمامه بهما أكثر من أي 
جانت آخر من جوانب البلاغة لصلتهما المتينة بمسالك الدلالة أصل المبحث في 
علاقة اللفظ بالمعنى . ولا أدل” على الاعتناء من تعريفه البلاغة على أساسهما » 
فقد أورد عن أعرابي قوله : ١‏ البلاغة : الإيجاز في غير عجز والإطناب بي 


1( البيان والتبيين » 20/1 . 

)2( المصدر السابق » 250/1 وما بعدها . 
(3) المصدر السابق » 93/1 . 

(4) نفس المصدر » 255/1 . 

)5( نفس المصدر » 202/1 . 

(6) الحيوان » 91/1 . 


206 


غير خطل » (1) ولتوضيح هذا التعريف والربط بينه وبين جملة آرائه في 
الأسلوبين (الإيجاز » الإطناب) نرسم الشكل الأتي : 


الايحاز الاطناب 


اسرد | 





يلاغة البلافة 

وهذا الرسم يستدعي جملة من الللاحيظلات : 

1) إن البلاغة تقع في الظاهر بين طرفين متقابلين هما الإيجاز من جهة ٠‏ 
والإطناب أو الإطالة » من جهة أخرى » وهذا التقابل ظاهري يتجاوزه صاحب 
١‏ البيان والتبيين » أو إن شئت يعدال من حداته بإدخاله نظرية المقامات والمواضع 
التي تصبح الإطالة بموجبها إيجازا (2) والإيجاز « حذف الفضول» (3) . 

فالظرف الكلامي هو عيار هذه الأساليب وقاعدة الحكم لها أو عليها 
بمعنى أنه لا يمكن تحديدها تحديدا نظريًا مجردا يمكن أن يعتمد قاعدة في 
الحكم بدون مراعاة الظرف الذي أنجز فيه الكلام . 

© إن من أوكد ما يجب تجتبه أن نبلغ في استعمالنا هذه الأساليب الحد” 
الذي تنقلب معه إلى الضد فيكون الإيجاز سببا في الإغلاق ومؤشرا للعجز 
وتكون الإطالة مسلكا إلى الإكثار والهذر وهما يفضيان إلى ( الإملال» (4) . 


ولذلك يبقي مفهوم المقدار المقياس الأساسي والأوحد في التّمييز بين ما 
هو بلاغة وبين العي والعجز والهذر والخطل : 


(1) البيان والعبيين » 97/1 . 
(2) الحيوان » 91/1 . 

(3) البيان والتبيين » 97/1 . 
(4) نفس المصدر » 116/1 . 


28 





«وإنما وقع النهسي عل “كل شيء جاوز المقدار . ووقع اسم العي على 
كل شيء قصر عن المقدار . فالعي مذموم » والخطل 0 انزل4» 

3 إن هذا التصور البلاغي المبني بي على مقولة المطابقة من شأنه أن 8 
الباحثين إلى مر اجعة مواقفهم من ثنائية اللفظ والمعد 00 الجاحظ وألا 
يعوّلوا كل" التعويل على سياق أو سياقين ينتصر فيهما للفظ فيضعوه في صف 
الماثلين مع الشكل على حساب المعنى بل أن يعتبروا أنه يسوى بين المعاني ولا 
يدرك تفاوتها (2) . 


د ع عد 
البنية العامسة : 


لد اسعا* رت مسألة اللفطل والمعق يجانب كس من مجهودات || حاحظط 
ابلاغية فمن الأكيد أنه م يتطق إليها | إلا من جهة أنها لبنة في في بناء أكير منها 
هو الكلام أو التأليف أو النظم (3) . 


وما اهتمامه بيخصائص اللفظط المفرد إلا صورة من 4 هتمامه بالبنية العامة 
وما ينتظ م من قوانين ادن على ن نمط ٠‏ في متميز يلحقه 
18 وافيع الحدود هو 1 0 


ولعلّنا لسنا في حاجة إل الإقناع بأن كل" نظريّة في البلاغة لايد أن 
تكون » يطريقة 0 بأخرى 3 نظرية قُ الخطاب الأدبى بغض” النظر عن 


4( البيان و التبيين » 202/1 . 

2( انظطر ع جابسر ل عصفور : مفهوم الشعر : دراسة فى التراث النقدي » دار الثقافة 
0 6 1 

30( هذه المصطلحات كثيرة الجريان على قلمه فلم نر فائدة في الإحالة على مواطن مضبوطة من 
مؤلفاته . 


(4) الحيوان » 79/1 . 
2508 


الاهتمامات الجزئية أو الفرعية التي قد تطغى على هذا المقصد الأسمي فتخفيه 
إلى حين . وإذا ما صح هذا الك 0 أغلب المحاولات في الموضوع فمن 
باب أولى وأحرى أن يصح في 5 صاحبنا لأسباب منها أن بلاغته منصهرة 
في تصوّر أدبي وجمالي شامل حاول أن 1-0 اعتسادا على نماذج من 
رفيع الموروث الأدبي العربي الإسلامي نظمه ونثره . 

وكان لابد” أن تتحمله هذه الرؤية الشاملة » من جهة ٠‏ والنماذج النصية 
المختارة من جهة أخرى إلى الاهتمام بالبنية العامة وتعقّب مظاهر الجمال الفني 

زاوية تلتحم فيها وحدات النص التحاما كاملا يغدو بموجبه الفصل بين 
ا 75 عيّة لللفظ والمميّرات العامة لبنية الكلام اصطلاحا 00 
وضرورة قاهرة » إذ 9 يكن من سبيل إلى إدراك خصائص الكل إلا بت 
الأجزاء المكونة له » وقد يفسّر هذا اختلاط المقاييس والمقررات وتداخلها » 
فجادة بحن 3 امن الجزء مستازمات اللفظ ومستلزمات البنية بحيث يصعب 
على الدارس أن يرتبها ويربط بينها بل إن اللفظ عنده بإجماع الدارسات » هو 
الشكل والأسلوب عامة زيادة على كونه الكلمة مفردة” : وني هذا الاشتراك 
الدلالي دليل على ترابط الجزء والكل” في تصوره وتكامل مقاييس الاختيار 
مع خطاتصن اردع 

ومن وجوه الترابط » أيضا » حديقه عن مميّزات البنية العامة انطلاقا 
من مقاييبس كان وظفها بي دراسة اللفظ المفرد » ومثال ذلك مصطلح 
الاقتران» . فهو يدل عنده » 0 تالف أصوات الحروف في بنية اللفظ 
الضوئية كما يذل عل نآ لف الألفاظ ني السياق لذلك قسمه إلى قسمين : 
اقتران الحروف واقتران الألفاظ (1) و يتسسع القسم الثاني عا المعليل * 
فيشمل اقتران أبيات الشعر وانسجامها . وبهذه الصورة يكتسي المصطلح قدرة 
إجرائية متعاظمة تحيط بمكونات النص" في سدم انتشاري يكون فيه المجموع 


(1) البيان والتبيين » 69/1 . 


209 


في ذاته مفردا في غيره : فاللفظ مجموع مفرده الحرف أو الصوت والبيت من 
الشعر مجموع مفرده اللفظ » والقصيد أو الرجز مجموع مفرده البيت ... الخ . 


وقد عبر الجاحظ عن فكرة الترابط في التآلف بصورة فذة يصبح 
الاقتران بموجبها ضربا من المجانسة المفضية إلى الصوت الواحد : 


«(....) والأخرى تراها سهلة ليّئة » ورطبة مواتية » ساسة النظام » 
خفيفة على الاسان » حتتى كأن” البيت بأسره كلمة واحدة » وحتى كأن 
الكامة بأسرها حرف واحد» (1) . 


وبهذا التأكيد على المجانسة الصوئية والتناغم الإيقاعي بلور المؤلف ء 
وإن بصورة غامضة » جائبا من جوانب البنية الشعرية الهامة وعبر عن 
مشغل هو قطب الرحَى ني بعض النظريات الأدبية المعاصرة (2) . 


1( المصدر السابق » 67/1 . 


(2) تحتل قضية التآليف الصوتي والوجوه العملية التي تحققها جانبا كبيرا من مجهودات 
القائمين على الدراسات الشعرية اليوم . والصلة بين هذه الدراسات وبين نص الجاحظ تتمثل 
خاصة فى الاحتفاء بأهمية البنية الصوئية فى الشعر لا في طرق تحلياها. وهي طرق لا 
يمكن يطبيعة الحال التقريب بينها للفارق اأزمني الطويل . ١‏ 

فالفر نسي (صعطه© صوء1) » وهو من القائلين بأن الشعر قول عاطفي كا يدل عليه 
المصطاح اليوناني (ومط)82©) «الآلام والمشاعر» أي أنه مولد الشعور 65ه56 16 اتدل50م 3أنانو 
يرى أن استر اتيجية القول الشعري تقوم على عمليتين مزدوجتين تقع إحداهما على حور 
الاخبار حيت يساعد المدول على تنشيط الشحنة العاطفية للكلام » وهي شحنة تعطلها 
الجملة النحوية وتحد من تأججها » وتقع ثانيهما على يحور التوزيع حيث يصبح اطراد 
لمجانسة الصوتية التي قد تفضي إلى الدوحد بابا لتقوية ذلك المعنى . ومن هذا المنظور 
يكون الشعر و الخطاب المستعاد , « 6طز2/16 ندل وعتامءولط »> وتشبيه الجاحظ إجزاء 
لبيت بالحرف قريب من مضمون هذه العبارة . وقد عرف ياكبسن البيت الشعري بأنه 
« خطاب تتكرر فيه نفس الصورة الصوتية إن جزءا أو كلا » وقد تبنى هنا نظرية عام 
آخر هو - جيرار هبكنز - (هدعامه11 662254) الذي أقر هذه النظرية اعتمادا على 

لمعنى الأصللي لكلمة بيت (7628؟) وهو « 5نا5ئة > أي العودة أو رجوع الشيء على نفسه . 

وقد قصدنا هنا الاستطراد رغم أن نص الجاحظ لا يشسمل على كل هذه الأفكار لنيين 

أن نقاد الشعر بعده سيتفطنون إلى نحسن من نات الشعر عبروا عنية بمصطلح ينطبق 
بشكل غر يب على معنى الأصل اللاتيني « 15ا15ء7؟ » وهو مصطلح رد الاعجاز على 

لصدور » الذي أطلقوا عليه الترصيع . انظر في كل ذلك ٠‏ 

.13 .م ,1976 ,28 ع16انو6ه20 بهذ رععضه0 م7600 غأه عتعقمط : صعطه0 أععمداا 

54-5 .زم ,1966 ,2825 ,مماتقصتطة11 6 ,706110116 14718096 14 5171101176 سس 








200 


وطريقة صاحب البيان والين في دراسة تلاؤم الألفاظ لا تختلف عن 
دراسة نا لق الروك فيعتية ام © اتها+ الفاهد والمدل بوره عدرة 
الحكم عاية وثازة! أخرئي الحكم له » وقل ان نجد ني الحالتين تعليلا فنينا 
متكاملا تتكشف به للقارىء مواطن الحسّن أو القبح . فيبقى الأمر رهيين 
الانطباع والتذوق » ولما يزيد هذا المقياس غموضا استعانته بدوع من الشعر 
لعله لم يقله شاعر وإنما وضعه النقاد وضعا لمجرّد الاستدلال وحتى إن ثبتت 
لدينا نسبته التاريخية فلن يمنعنا ذلك من اعتباره شاذا لأن التنافر فيه على درجة 
كبيرة من الوضوح يحتجب معها المقصود من هذا المقياس لشدة ظهوره » 
فماذا يفيد دارس الشعر من وجهة نقدية عملية أن يقال له إن هذا البيت : 

وقبر حرب بمكان قفر وليس قرب قبر حرب قبر 
متنافر الألفاظ لا يستطيع المنشد إنشاده إلا ببعض الاستكراه (1) ؟ 


لا شك” أن استعانة صاحب ١‏ البيان والتبيين » بهذا الشاهد الفض” الغليظ 
إنما كان لإبراز حالة التنافر القصوي والإبانة عن المقياس من الوجهة النظرية 
المبدئية » ولا شك“ أيضا أن مسوغات التحليل العلمي الدقيق كانت قليلة في 
تك الفترة لذلك استعاض المؤلف عن ضمور الجانب العمل لطي بإسر 
الشواهد الني يمكن أن يحصل للمتكلام بممارستها ومعاودتها حس” 00 من 
قبيل « الانعكاس المشروط ») يتوسل به لإخراج نصه طبق مقياس التآا لف 
كما استعاض عنه بجملة من الأحكام النقدية يعين استقراؤها على تقريب 
مفهوم القران أو الاقتران » ولا سيما أنها أحكام : تتخاص من الشحنة المادية 
المتمثلة في التشبيهات المستخاصة من صلات النسب والعلاقات د يه » وتبدو 
لنا هذه التشبيهات مصيبة لأن غاية هذا القياس بيان وجه القرابة بين لفظ ولفظ 
ونين ابت وت فين ذلف 0 شاعرا على شاعر لأن أحدهم يقول البيت 
وأخخاه اه بينما يقول الآخر الببت وابن 
00 البيان البياة و ليبق » 65/1 . 


201 


ع 


«ووقال بعض الشعراء لصاحبه : أنا أشعر منك . قال : ولم ؟ قال دلي 
أقوال الرف و اعاه وات 1 البينك: وابق مه )09 

وقد شبسهوا ما يحصل بين لفاظ البيت من الثنافر يتنافر أولاد العلاات (2) 
كما شبهوا هذا النوع ل . قال حامر : (طويل) 


وق حتةر العف تزف يقد الساكةادعي في ارهن دعيل 


1 


وقل حلّل المؤلّف التشبيه قائلا : « وأما قوله ‏ كبعر الكبش - فإنما ذهب 
إلى أن بعر الكبش يقع مؤتلف ولا متجاورٌ » (3) . 

ووصفوه بقولهم ١‏ بعض ألفاظه يتبرأ من بعض ) (4) . 

كل" هذه الأحكام والمصطلحات تترادف لتكشف عن أهمية الإيقاع 
في جماليّة النص” الأدبي إذ يصبح الخطاب » بالتزامها » كلا متمساسكا 
متعادلا (5) موزوت الشتمائل (6) خاليا من كل تنافر أو نشاز (7) تنآ لف فيه 
الخصائص المفردة مع خصائص البنية العامة تآ لفا فذا مترابط الحلقات » 
متراصّها بحيث إذا اختل” جزء ووقع في غير موقعه المقسوم له ظهر القلق 
والاضطراب (8) على التأليف جملة ودب الاختلال إلى توازنه العام : 

و(....) فإن كانت المنزلة الأولى لا تواتيك ولا تعتريك ولا تسمح 

لك عند أول نظرك وفي أول ووتماف يرجا لقنا م لق اظيا ول تغبرة الك 
قرارها وإلى حقّها من أماكنها المقسومة لها ٠‏ والقافية لم تحل في مركزها وف 


(1) البيان والتبيين » 228/1 . 

)2( نفس المصدر » 66/1 . 

)3( نفس المصدر » 67/1 . 

(4) نفس المصدر » 66/1 . 

)5( نفس المصدر » 89/1 . 

(6) المصدر السابق » نفس الصفحة . 
6 هه 66/1. 

(8) الحيوان » 6/7 . 


252 


نصابها ولم تتصل بشكلها وكانت قلقة في مكانها نافرة من موضعها فلا تكرهها 
على اغتصاب الأماكن والتزول في غير أوطانها » (1) . 

وشعف صاحب «البيان والتبيين » بظاهرة الإيقاع كمظهر من مظاهر 
جمال التّص الأدبي واضح ني عدة مواطن من مؤلفاته » منها دفاعه عن 
السجع والازدواج باعتبارهما أسلوبا في الكتابة يوظّف الطاقة الصونية 
في اللغة ف ضفى على النص تنغيما يجعل (الحفظ إليه أسرع » و «الاذان 
لأسماعه انظ , ؛ (2) ولذلك لم يأل جهدا في تجميع الحجج الإقناع يأن 
المضايقات التي ضربت حول السجع لا علاقة لها أصلا يوظيفته الأدبية الفنية 
وإنما هي أسباب دينية مؤقتة أرادت أن تضع حد! لممارسات وثنية لا يقرها 
الشرع الجديد » ومتى ١‏ زالت العلّة زال التتحريم )(03). 

ومتى تجاوزنا هذه المقاييس المندرجة قُ حير ( الاقتران » الغالب على 
معناه النآ لف الصوتي بين الأجزاء وجدنا مصطلحات وأحكاما أخرى متعلقة 
بخصائص البنية » ونحن نستبعد أن يكون المقصود منها منحصرا في التلاؤم 
الصوني والتناسق الإيقاعي وإن كنا لا نتبيئن مدلولها الدقيق » ولا جدال 
في أن أهمها مصطلح النظم الذي بنى عليه موقفه من لاوا ديهم 
به كتابه الذي لم يصلنا : « نظم القرآن ) . 


وقد ذكر هذا الفبطع نار بالقرآن ي عدة مواضع إلا 
على ذكر مرادفاته ونعته بأنه غريب بديع (4) معتبرا إياه 
التحدتي (5) ٠»‏ والسياق الوحيد الذي تحداث فيه بشيء من التفصيل عن 
مقوماته كان بمناسبة تعريفه بمؤلفه الضائع » .إلا" أن الأوجه الأسلوبية والبلاغية 








(1) البيان والتبيين » 137/1 - 138 . 
(2) المصدر السابق » 287/1 . 

)3( 2 0 0/1 --290 , 
(4) الحيوان » 9/1 . 

(5) المصدر السابق » 89/4 -90 , 


258 


المذكورة في هذا النص” لا تتجاوز مسألة الاستعارة باعتبارها وجها بلاغيا 
يتولد من تعليق الكلام وتوزيعه وتركيز الخطاب القرآ ني على الطاقة الإيحائية 
للغة كطريقة من طرق أداء المعنى ذلك الذي سماه الجاحظ إيجازا مرة 
واختصارا مرّة أخرى والفرق في استعمال هذا الأسلوب بين القرآن وغيره 
من الخطابات الأدبية فرق في الدرجة لا في النوع : 


«ولي كتاب جمعت فيه آيامن القرآن » لتعرف بها فصل ما بين 
الإيجاز والحذف »؛ وبين الزوائد والفصول والاستعارات فإذا قرأتها 
رأنت فضلها ني الإيجاز والجمع للمعاني الكثيرة بالألفاظ القليلة على الذي 
كتبه لك في باب الإيجاز وترك الفضول . فمنها قوله حين وصف خمر 
أهل الجنّة : «لا يُصداعنون عنها ولا يتزفون» (1) . وهاتان الكلمات 
قد جمعتا جميع عيوب خمر أهل الدنيا . وقوله عز وجل حين ذكر فاكهة 
أهل الجنة فقال : ١‏ لامقطوعة ولا ممنوعة ) (2) جمع هائين. التكلمتين 
جميع تلك المعانفي (3). 


وهذه الإشارات الطفيفة لا تمكن الباحث من صورة واضحة متكاملة 
لمقوّمات النظم عنده ناهيك أنه لم يشر إلى صلة خصائص القرآن المبثوثة في 
تضاعيف مؤلفاته بنظمه : فلقد ذكر بيانه » وحكمة إبلاغه » وجودة إفهامه » 
وحسن تفصيله » وإفصاحه (4) ولم يربطها ببديع تركيبه وعجيب تأليفه 
على حد قوله . 

وقد سبق أن أشرنا إلى أن محاولة بعض الدراسات تفادي هذا النقص 
بتتبع تعليقاته على الآيات القرآنية لم تود إلى نتائج ذات بال . 
(1) الواقعة/19 . 
(2) الواقعة/33 . 


(3) الحيوان » 86/3 . 
(4) البيان والتبيين » 8/1 . 


204 


لذلك نميل إلى أن" قضية النظم لم تتجاوز عنده الإعلان المبدئي » 
المشفوع ببعض الأمثلة القليلة إلى بحث لغوي بلاغي منظم في أساليب القرآن 
كما سيكون الشأن في مؤلفات إعجاز القرآن بعده . 

ومن تلك المصطلحات أيضا مصطلحات في نقد الشعر ومقاييس جودته 
جمع أغلبها في حكمه المشهور : وأجود الشعر ما رأيته متلاحم الأجزاء 
سهل المخارج فتعلم بذلك أنه أفرغ إفراغا واحدا وسبك سبككا واحدا » فهو 
يجري على اللسان كما يجري الدهان » (1) . 

ورغم ورود هذا الحكم في حير شَغّله الاهتمام بتِآلف الأصوات 
وتنافرها فإننا نعتقد أن مضمونه يتجاوز هذه المسألة لأن الوحدة العضوية 
بين الأجزاء لا تقوم فقط على المظهر الصوتي وإن كان هذا الأخير جانبا هاما 
من جوانبها فلا يمكن أن يتحقّق التشبيه الأخير من النص الدال 0 
المعاطف وسلامة النظام » إلا من اجتماع كل المقاييس الأسلوبية التي رأ 
قُ هذه المحاولة من بلاغة اللفظ (2) وإصابة معاني الكلام (3) 06 
شريفها وكريمها (4) وأن تكون التشابيه مصيبة تامة (5) والتأليف بديعا 
مخترعا بعيدا عن الاستكراه والاضطراب (6) بحيث تتضام المعاني ولا يتقطع 
نظامها إلى درجة أنك إذا سمعت صدر الببت عرفت قافيته (7) وشأن الشاعر 
قُ ذلك شأن الصائغ يذيب الذهب والفضّة ويفرغهما في قالب واحد يخرج 
المصوغ على هأة متناسقة بحسب ما تحداده قواعد الصنعة » أو هو كالحائك 


أو المصوّر يختار الأصباغ المتناسقة المتآلفة حتى إذا اكتمل الصنع بدا على 


(1) البيان والتبيين » 67/1 . 

(2) المصدر السابق » 83/1 . 

. 1 0 «م‎  )3( 

. 311/3 » 79/1 » «م 83/1 . الحيوان‎ «  6( 
. 311/3 » الحيوان‎ )5( 

(6) المصدر السابق » 6/7 . 

(7) البيان والتبيين » 115/1 - 116. 


2055 


أكمل صورة وأحسنها إذ الشعر حسها الجاحظ » « صناعة وضرب دن 


النسج وجلس من التتصوير 0 )1( : 


4 36 


(1) الحيوان » 131/3 --132. 


256 


خاتمة القسم الثاني : 


كانت مادة عملنا في هذا القسم » غزيرة متنوعة مبثوثة في عرض مجلّدات 
ضخمة ليس في طريقة صاحبها في تناولها ما ينم على أنه يباشرها من تصور 
مسبق وعلى أساس تنظيم محكم . وقد أجمعت الدراسات التي استغلت 
آثاره في ميادين بحثها على أن السمة الغالبة عليها هى سمة الفوضى 
وقلة الإحكام وإن كانت أقرّت بأن” السبب سعة” ثقافته وإحاطته بأفنان المعرفة 
في عصره إحاطة لعلها بقيت فذة في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية إلى 
يومنا . 

وم يخفف من حدة هذه الظاهرة 4 قُ ميجال اختصاصنا » إفراده 
أفانين القول ومسالك التعبير بمؤلف من أشهر مؤلفاته . فالمادة هنا أيضا 
غزيرة متداخلة إلى حد التناقض أحيانا » لا تخضع لترتيب واضح » بشهادة 
المؤلف نفسه » وهي خليط من النماذج الأدبية من أشعار وأخبار وخطب 
ورسائل » والأحكام الأدبية النقدية والملاحظات الأسلوبية البلاغية بالإضافة 
إلى المباحث اللغوية والاستطرادات المعرفية العامة . وقد أشارت الأبحاث 
التى اهتمت بإجلاء نظريته البلاغية إلى فوضى «البيان والتبيين » وكأنها 
تعتذر » مسبقا » لنهجها ني التعريف بمجهود الرجل وهو تعريف أبرز 
الكثير من جوانبه وأشار إلى أهم" نصوضه ومفاهيمه إلا" أنه لم ستطع » 
في الغالب » أن يربط تلك الجوانب بتصور متكامل أو قريب من المتكامل . 


20 


ن هنا ابتدأنا . إذ لم تقتنع ألا" ينطلق مؤلف في منزلة الجاحظ دقة” 
0 وح كن وحصافة فكر في تقليب المسائل وتشقيقها من تصور 
متناسق أن كالمتناسق يختفي وراء هذه الفوضى الظاهرية انتداق لا ان جين 
الخيط الرابط بين معالم تفكيره في موضوع البلاغة والجماليّة الأدبية وكان 
منطلقنا بلورة مفهوم «الببان» الذي توج به مؤلفه المشهور في الموضوع 
وقد أدى بنا البحث في هذه النقطة إلى جملة من النتائج الأولية 

1) إن المؤلف لا يستعمل هذا المفهوم ني المعنى الاصطلاحي الضيق كما 
ضبطه البلاغيون المتأخرون في نطاق التقسيم الثلاثي المعروف . وإنما يستعمله 
في معنى أوسع يضم طرق الدلالة والوسائل التي تمكن المتكلم 
من أداء المعنى وهو المبحث الذي يطلق عليه في علم الدلالات اليوم 
(مملغةء لتمونذه ع0 6:06065) وهو ما بفسر عدم اقتصاره على اللغة » فل كر 
العقد والإشارة والخط خط والنصبة » وإن اعترف تصريحا وتلميحا بأن اللغة 
أهم تلك الوسائل وأوفاها . وتي منعطفات هذا الفهم الشامل الذي يقد م المعنى 
على كيفية إخحراجه » والغايات على الوسائل » ستت رعرع فكرة الجدوى 
وتؤثر في بقية مراحل تفكيره تأثيرا عميقا . 

وذكره لطرائق أداء المعنى المشار إليها لم يتعد مواطن قليلة من تراثه 
واقتصر ني التحليل على البيان باللغة فكان 06 كتابه ١‏ البيان والتبيين ») 
وبعض فصول مؤلفاته الأخرى ولا سيما « الحيوان» . وقد صاحب الانتقال 

من المعنى العام إلى المعنى. الخاص” أي من الدليل مطلقا إلى الدليل اللغوي عداة 

تغييرات ٠‏ أولها السعي إلى التوفيق بين الغاية واارشية بحيث يصبح البيان أداء 
المعاني المقصودة طبق هيآت مخصوصة ومن ثم اكتسى مجهوده شر 
الاندراج ضمن المشغل البلاغي والإنشائي العام . 

إلا أن” المثبّت في هذه المساهمة يلاحظ أنها تكتسي صبغة خاصة 
ولّدتها طريقته في فهم ظاهرة الكلام وتحليله لمقوماتها . 


208 


ومن أبرز مقومات طريقته تناوله الخطاب اللغوي من زاوية كونه 
عملية تواصل (1) يستوجب قيامها حدا أدنى من الأطراف لا يقل" عن ثلاثة 
المتكلم والسامع والكلام » أما قناتها فهي المشافهة » على الأكثر » وهنا نتبيّن 
عمق التناقض الذي تعكسه مؤلفاته بين دفاعه عن الكتابة والكتاب 2 
والبنية الثقافية المهيمنة التي اضطرته أن يعتمد على المشافهة في تأصيل نظريته 
البلاغية رغم موقفه المبدئي الرافض لها . 

والرابط بين الأطراف هي الوظائف وقد استخرجنا منها ثلاثا هى : 
الوظيفة الإفهامية والوظيفة الخطابية والوظيفة الشعرية ورأينا أن الأولى تقوم 
من البقية مقام الأصل إذ لا يتصور الجاحظ خطابا لغويا » مهما كان مستواه » 
لا يكون الفهم والإفهام قاعدته . وغاية هذه الوظائف جميعا السامع . وهذا 
مظهر من مظاهر الجدوى . 

وعن هذا النمط في التحليل نتجث أمور أساسية لعلها تساعدنا على فهم 
مظاهر من مساهمته . 


تقاسمت جهده البلاغي ظاهرتا الملفوظ (2) والتلفظ (3) ونعني بالملفوظ” 
بنية النص وخصائصها النحوية والبلاغية العامة من جهة أن" النص تشكّل 
لغوي (4) قائم بذاته لا دخل للابسات إنجازه في تحديد صفاته » وهي 
0 من النصوص » أما التلفظ ففعل يقوم به 

متكلم معلوم في حيز زماني ومكاني مضبوط » يخرج به النص من الوجود 
بالقوة إلى الوجود بالفعل وبموجب هذا الإخراج تتدخل في العملية اللغوية 
امسر احدنة عنها كالمتكلم والسامع والسياق وهو ني مصطلح الجاحظ 
المقام أو الموضع . 


2 


(1) مدع ام تاحصمده 6 

(2) معمممط 

)3( ك ا | 

(4) علقطمة؟ ممتكه عسوقمه6 


209 


وقد أولى المؤلف ظاهرة التلفظ عناية فائقة جعلته يحدد الملفوظ في 
كثير من الأحيان » من زاوية تلفّظه ويضبط هويته بمتلقيه وسياقه. 
من هذه الزاوية نفهم مكانة المتكلم في نظريته لأنه مبدع القول ومنجزه » 
فمن جهة ما هو مبدع كان لا بد أن يكون ثابت القدم ني البيان عارفا بنواميس 
اللغة وطرائق أهلها في تصريفها » على حظ. وافر من الطبع ذا أريحية تسهّل 
عليه مؤونة التعهد والمعاودة والدربة وبالجملة أن يكون مصابا بمحنة الأدب 
بينه وبين الصناعة نسب - على حل" تعبير الجاحظ ‏ » ومن جهة ما هو 
منجز الخطاب لا بد أن تكون آلة نطقه قويّة فخمة منزهة عن العيوب 
والآفات . 

وإنجاز الكلام يقع لغايات ويتنزل في مقامات لذلك وجبت مراعاة 
منرلة السامع ومستازمات المقام 5 وقلك حدد صاحب ) البيان والتبيين ( ملامح 
الملتقى من وجهة لغوية لعلها تكشف عن منزلته الاجتماعية وانتمائه الطبقي 
اهتداء برأيه القائل وكلام الناس قُ طبقات كما أن الناس أنفسهم قُ طبقات ا 
التي تقوم من عملية التواصل مقام السّدّة (1) المحددة لعلاقة المتكلم به . 
وغاية هذه القوانين ضبط قدرة السامع اللغوية وهى قدرة وسط قوامها 
التعود على المبسوط من الكلام حتى أضحت العقول لا تزيد على العادات . 

ولما كانت غاية المتكلم من السامع الفهم والإفهام » بالدرجة الأولى » 
تركز جهد الجاحظ على شفافية الخطاب (2) وهي قدرة العلامة والنص على 
الإشارة إلى ما سواهما ويطلق الإنشائيون على هذه القدرة ( طاقة الإرجاع 
والإشارة ؛ (3) » ومن ثم انطبعت محاولته بطابع نفعي واضح يمكن أن 


(2) ع0ه60 
(2) «عنامءةتل ندل ععمععمةوقصة :1 
(3) ععمعءعة 66 عل عتمستاوط 


300 


يعد » بدون مبالغة » أكمل محاولة في التراث اللغوي العربي لتأسيس 
« نفعية الخطاب ») (1) 


ومن هذا المورد استقى تصوره الجمالي” فكان الجميل ينبع من النافع 
واستقى جانبا من دستوره الأخلاقى ٠»‏ فالخير ليس في الكلمة الجميلة بقدر 
ما هو في الكلمة الناجعة التى تعمل في النفس عمل الغيث في التربة كما يقول . 

ولكن هل تنفع الكلمة بمضمونها أم بشكلها ومضمونها معا ؟ 

جواب الجاحظ عن السؤال واضح من أي موقع تحرّك : من موقع 
الأدب 3 أ من موقع العربسى المدافع عن الفصاحة لأسباب لغودة لعلها 
مشوية دموقف سياسي يدافع عن سيادة العرق العر بي 4 أو من موقم المتكلم 
المناظر المؤمن بأن القول ترتيب ورياضة . 

لكن إن كان الجواب واضحا سهلا فما السبيل إلى تحقيق التعادل الصعب 
بين الوسائل والغايات وكيف نراعي ذمة الفن” مسع الإصرار عل المافعة 
وتحقيق الفهم والإفهام لدى جمهور تعود مبسوط الكلام ؟ 

يبدو أن" الرجل وجد ني أصول اعتزاله ما ساعده على تجاوز هذه العقبة 
بجعله مقولة المنزلة بين منزلتين الكلامية مقولة أدبية سماها » اختصارا » 
الأوساط والمقادير فكانت بلاغة النص وسطا بين طرفين : 

بين الغريب الوحشى والساقط السوفى 

لأن الأول إغلاق والثاني رطانة 
أن الأول فضاضة وغلطة وسوء طبع 5 والثانق استخلاق وحذلقة واستعياد 4 
وقد أتى على جملة هذه المقاييس العملية في صياغة نظرية شاملة يكون بمقتضاها 
الكلام بين ا مقصر والغالي : 


(1) 5م015 ال عناوم عوط هآ 


301 


ومن هذا المنظور نفهم أمرين يبدوان متناقضين : موقفه المتشداد على 
شعراء الصنعة لأنهم بالغوا في التحكيك والتنقيح حتى استعبدهم الفن » 
واحتضانه لمدرسة البديع من المولدين كالعتابى وبشار وابن هرمة ومنصور 
النمري ومسام بن الوليد » وبشار ني رأيه حسن البديع مطبوع على قول الشعر 
لا يركب التعسف والاستكراه . 


أممًا المقامات فهي جملة الظروف الحافة بالنص بما قي 
ولئن لم يضبطها صاحب ١‏ البيان والتبيين ) ؛ ضبطا نظريا يأتى على أنواعها فإن 
اسان كل ادحل ال ة ضافية عن المرا ادكو رهن قال 
التلاؤم بين نوع الحديث وملابساته ونوع اللفظ : فللجد" موضع وشكل » 
0 وشكل » كما أن لفلسفي الكلام نهجا في الآداء يختلف عن 
بج النوادر والحكايات وللإ يجاز موضع وللإطالة موضع كما أن للتصريح 
١‏ وللكناية والوحي والإشارة موضعا آخر . 


ع ق ذلك السامع لسك 


وقد ترتب عن هذا الإعتبار إقراره بأن” البلاغة بلاغات والفصاحة 
فصاحات معنى ذلك » من الوجهة النظرية » أن الحكم البلاغي نسبي لا 
ينفصل عن مدى ترابط النص والسياق الذي يتنزل فيه » وقد أفضى به هذا 
التصور إلى حداه الأقصى المتمثل في القول بأن بلاغة بعض الأجناس الأدبية 
تكمن ني خروجها عن قوانين البلاغة والفصاحة . 

كما نتج عن اهتمامه بالسياق انصهار الظاهرة ونقيضها في بوتقة تصوره 
البلاغي العام : فالإيجاز بلاغة والإطالة بلاغة كما أن التصريح بلاغة والكناية 
والوحي والإشارة بلاغة . 


وله لكك أن ركو اط كاتف تنا | ني اهتمام المؤلف بهذه الظواهر 
البلاغية التي ذكرناها دون غيرها رغم أن المتشبت في مؤلفاته يلاحظ أنه 
تفطن إلى كثير م من الوجوه إلا أنها بقيت على هامش نظريته أو لم تستغل على 


302 


الوجه الذي استغل به الإيجاز والإطناب والكناية والإشارة والتعريض )1١(‏ . 


(1) ف 


فى مؤلفاته ين من المصطلحات والمفاهيم والوجوه سيستفيد منها البلاغيون المتأخرون 
ا كبرى ا على تطويرها. 


نهو يذاكر البديع في الي اللغوي الأصلٍ رفي المعنى الاصطلاحي الذي سيقتفي أثره ابن 
المعتر 6 مشير! بيه إن جملة 8 من الصور والأمايت كالاستعارة و التشبيه والتطبيق والمثل 
(الحيوان © 57/3 »6 البيان د 2 4/) 5 تعر ض إلى أصئافه 3 المستحسن منه 
(الحيوان » 8 - 58) والمخترع (الحيوان » 31/3) مما يدل على أن المحسنات في 
نظره مراتب لذاك لا تقيم بنفس الطريقة . 

وذكر « المجاز » في مقابل الحقيقة أو ظاهر اللفظ و العادة الدالة في ظاهر الكلا م (الحيوان » 
017) وهو عنده وسيلة للاتساع في اللغة » ينباي عسل النقل القائم على عل: التشاكل 
والتشابه ويلتقى هذا المفهوم بالمفهوم الأول - البديع - من جهة أن كليهما مبحث عام 
تندرج في 7 فى إطاره كتير من الوجوه كالاستعارة و التشبيه وقد ينجر عسن ذلك تطابق في التسمية 
فيكون المجاز مستعملا ثارة في معنى عام وينطبق مدلوله ثارة أخرى على مدلول وجه بعينه 
(الحيوان » 23/5 - 25). ولعل من أطرف ما انتبه إليه في باب المجاز ما أطلق عليه 
بر المجاز القائم 2« (الحيو أن 342/1) ويبدو من السياق" المشتمل على 0 المصطلح أنه يستعمله 
لما جرى عليه النا ننن:. في كلامهم وأصبح من اللغة المألوفة الجماعية. (هو ما يقابل 
المصطلح الفر د نسي ا 11م طمص ما 11) . 
أما الوجوه المجازية التى اعتنى بها عناية خاصة فهي الاستعارة والتشبيه . فالاستعارة 
ذكرها في كثير من المواطن (الحيوأآن » 280/2 » 283 » 289 » 308 . 86/3 » 329 » 
2 »ء البيان والتبيين » 139/1 » 152 » 153 »© 366) »© وعرفها تعريفا (انظر خاصة : 
البيان و التبيين » 139/1) تبناه البلاغيون بعده إن كليا أو جزثيا بل إن تعريفه أكثر دقة 
م “لشن رمن التعر يفات المتأخرة (انظر المقارنة التي أقامتها. مكلقمعطءه8-تعامم زج مهلك 


فى مقالها 0 له 06 تامتادوععدمء 12 داماعة موه ال كأخطع ميع م01 
بين تعر يفه وتعريف كل من ثعلب وابن المعتز ص 13 - 14) كا تواتر في مؤلفاته ذكر 
التشبيه في صيغ متعددة (البيان و التبييسن » 20/2 » 62 » الحيوان » 2/3) ولذن كان 
الباحث لا يقف فى المتبقي مسن ا ا المعطيات 
النظرية والتطبيقية تكفى لتبين أهمية مساهمة الجحاحظ في هذا الصدد وإدراك عمق 
تأثيرها في نحت معام هذا لمث اقفن العراث البلاغي العربى . فكان أول من حدد بصورة 
صر يحة علاقة المشبه بالمشبه به وهي كن اميه فلن قرم عل ما'نين الطرفين من حخصائطن 
مشتركة (قتطه أ معةم صم مستاتارعة) مع ضرورة الابقاء على تباينهما أو انفصالهما إذ 
يجب ألا يؤدي التشبيه إلى المطابقة وتحويل الأطر اف عن جنسها وإنما تقرب المشبه 

من المشبه به لأنه و المثل » في المعنى الذي قصدت (البيان والتبيين » 430/5) واعتمادا 
57 هذه الفكرة وعلى نصوص أخرى (البيآن وألتبيين » 139/1 » الحيوان » 211/1) يمكن 
الول انوت ول جهده إذراك القارة وعري بن طورتي كيين ٠١‏ 'اليضية بناباح "» 
والاستعارة من ناحية أخرى إذ تقوم هذه الأخيرة على انصهار الطرفين واتحادهما وبذإاك 
م ا ل أو هي » كما نقول اليوم » تحول من 
تحولاته . 
وذكر من أنواعه تشبيه شيكين بشيثين وشاهده لذلك بيت إمرىء القيس [طويل] : 

كأن قاوب الطير رطبا ويابسا لدى وكرها العناب والخشف البالي 
وسيقتفى جل البلاغيين أثر الجاحظ من غير أن يذكروه » في الاستشهاد لهذا اله 
بهذا البيت ويتبئون رأيه في الإعجاب به وإن اختلفت عبا راتهم فسيجعله ابن الك ب 
و حسن التشبيه » (البديع اام وو حر السسكري ين ريني اليم والصاصتيو + 
ص 245 - 250) )2 3 رشيق من « البديع المخترع » (العمدة » 232/1 » 260) » 





303 


304 


الجر جانى فيستغله لبيان ما سماه تشبيه الشيء في حالتين مختلفتين (أسرار البلاغة » ط . 
استانبول » 1954 » ص 176- 177) » ولا بقتصر تأثير الجاحظ في من بعده على هذا 
الحانب » فلقد أخذوا برأيه في وصف عنترة للذباب : ١‏ 
جاءت عليها كل عين ثلرة قتركن كل حديقة كالدر 
فترى الذباب بها يفني وحده هزجا كفمل الشارب المترئم 
غردا يحك ذراعه بذراع له فمل المكب على الزناد الأجذم 
حيث اعتبره تشبيها مصيبا ثاما تحامى معناه جميع الشعراء فلم يعرض له أحد فيهم ولقد 
رضن اله :سن |المحاتين مدق ا القول فبلغ 1 أيسكر آهل لذلك ا وام 
اضطرابه فيه » أنه صار دليلا على سوء طبعه في الشعر (الحيوان » 311/3 -612 . 
وقد وجد ابن رشيق في القرن الخامس - المصطلح الملائم لهذا النوع من التشبيهات 
فسماها , العقم » وهي ما « لم يسبق أصحابيا إليها »ولا تعدى أحد بعدهم عليها » (العمدة» 296/1). 
نشير أخيرا إلى أنه كثيرا ما ختم حديثه عن أنواع الحيوان بباب ذي منحى تطبيقي » 
يذكر فيه التشبيهات المقامة على جنس ذلك الحيوان » وإذذاك تتكثف الاستشهادات الشعرية 
خاصة مما يوفر للدارس مادة على غاية من الأهمية تسمح له بدراسة هذا الوجه دراسة تاريخية 
تكشف عن مختلن الأغراض التى استعدل فيها التشبيه و الكيفيات التي صيغت حسيها 
الصورة بحسب العنى البارز الذي تؤكد عليه (الحيوان » 334/4 » 350 ٠»‏ 558/5 » 
8 © 576 - 577 ) 179/6 »© 185) . 
ومن الأساليب التي ذكرها « التطبيق » لكن دلالته في مؤلفاته ليست واضحة تمام 
الوضوح » فبالإضافة إلى أنه لم يخصه بتعريف »© نراه يستعمله مرادفا للقران والاقتران 
بمعنى تأليف الكروف في الكلمة وتأليف الألفاظ في الكلام » لكن يبدو اعتمادا على بعض 
الأمثلة الشعرية التي حللها » أنه يخرجهء» أحياناء بالمعنى الذي ضبطه المتأخرون » 
ومصداق ذلك تعليقه على بيتين من الشعر ورد فيهبا الأصل اللفوي للتطبيق الذي ستعتمده 
المعاجم فيما بعد » وقد صدر المؤلف حديثه عنها بقوله :« وقال في التطبيق » والبيتان هما : 


فلما أن بدا القمقاع للجت-2 على شرك تناقله تق الا 
تعاورن الحديث وطبقعهح- كماطبقت بالنعلالثسالا 


ويضيف المرلف قائلا « وهذا التطبيق غير التطبيق الأول »(البيان والتبيين » 226/1) . 
ورغم غموض هذه الاشارة ففي الشاهد ما يدل على أن الكلمة لا تخاو من نزعة أصطلاحية 
وان كانت غير متبلورة 9 

كما تفطن إلى ما سيطلق عليه المتأخرون الاحتراس » أو ( التتميم والتكميل » وسماة 
هو (, أصابة المقدار 12 وشاهده في هذا الصدد 3 بيت طرفة + 

فسقى ديارك غير مفسدها صوب الربيع وديمة تهمي 

وإصابة المقدار في أنه « طلب الغيث على قدر الحاجة لأن الفاضل ضار » (البيان والتبيين » 
1) وسيتبتى جل البلاغيين هذا الشاهد ويعلقون عليه تعليقات لا تخرج تقريبا عمأ 
رسمه أبو عثمان (انظر مثلا المسكري » الصناعتين » ص 405) . 

وأشار بالاضافة إلى ذلك » إلى جملة من المسائل الأخرى سيكون لها شأن لدى صنئف 
من النقاد وعلماء البلاغة المهتمين بمبحث الوجوه البلاغية وتصنيفها وضبط عددها . 

تذكر من ذلك تعرضة للافراط والاقتصاد وهما جانبان هامان من جوانب نظرية الشعر 
عند العرب سيؤدي النقاش فيهما إلى بروز تيارين كبيرين : أصحاب الغلو وأصحاب 
التوسط والاعتدال 4 ومئله أيضا حديثه عن جودة التقسيم والهزل اذ به الجد وأسلوب 
الحكيم . 5 (ليس غرضنا دراسة الوجوه البلاغية في مؤلفات الماحظط دراسة مفصلة وذلك 
لسببين أوماً أننا قصدنا إلى قراءة تراثه البلاغي قراءة عامة تهتم بالأسس النظرية أكثر 
من المظاهر التطبيقية وثانيهما أن بعض الدراسات وفرت علينا جهد القيام بهذا العمل لذلك 
نكتفي بالإشارة إليها لاستكمال هذا الآمر : 

انظر مثلا مقال المستشرقة 2عاقصعطءه12-8فمبإدموءاة الماكور آنفا وقد اقتصر 
عملها فيه عل استخراج هذه الوجوه من مظائها وضبطها بمدلولها وشواهدها وانظر 
شوقي ضيف البلاغة تطور وتاريخ ص 52 وما بعدها . 


ورغم أهمية هذه الوجوه كمرحلة في البحث مهدت السبيل لاستغلالها 
فيما بعد استغلالا واسعا عميقا » فهي لا تحتل'» في رأينا » مكانة هامة في 
تفكيره البلاغي بل إنها تبدو » إذا ما قورنت ببعض الأساليب الأخرى 
كالإيجاز والإطناب والتصريح والكناية على هامش مشاغله غير داخلة في 
نصوره اللي للبيان والتبيين بالكيفية التي بيناها » وإنّما هدته إليها شواهده 
المتنوعة والشيظ اذانة الكثيرة . وقد فق أن أشرنا إلى أن قلة اعتنائه بالوجوه 
وتحديدها وتصنيفها قد لا يفسر بالمرحلة التاربخية التي تتنزل فيها مشاركته 
وهي مرحلة كانت الدراسة البلاغية فيها في أوائلها » وإنما بتعارضه مع أصول 
نظريته التى يرتبط حسبها جمال النص بسياقه وتقاس نجاعته بنسبة موافقته 
للمقام والحال ومن ثم لا يكتسب الوجه قيمة قارة من شأنها أن تدفع المؤلف 
إلى الاهتمام به اهتماما خاصا . 


د د 


تلك هى من وجهة نظرنا أبرز سمات مشاركة الجاحظ في تأسيس البلاغة 
العريية . قما هي الأسباب التي طبعتها بهذا الطابع الخاص تصورا 
ونتائج ؟ 

إن الأسباب عديدة متفاوتة الوضوح لعل أهمها اعتماده في ضبط 
مستلزمات البيان والتبيين » على الجنس الخطابى وهو جنس ارتبط منذ 
مطلع نشأته بمقاصد نفعية راسك در ب يت ا الفنية وبنيته اللغوية 
وتعد الملائمة بين صياغة الخطبة والوظيفة والموضوع والسامع من أبرز 
تلك الخصائص . 

واعتماد الجاحظ على هذا الجنس ليس من باب الصدفة ففى قناعات 
الرجل وخصائص بيئته الفكرية والسياسية والاجتماعية ما مق شألة أن 
يجلب النتباه المؤلف إليه . 


305 


فقد عرف عنه أنه من رؤوس المعتزلة سميت باسمه فرقة من فرقها وقد 
كان هؤلاء طرفا رئيسيا في الصراع المذهبي الدائر بين الفرق وقد وجد رؤساء 
نحلهم في الخطابة شكلا لغويا ملائما لمناظراتهم ومجادلاتهم لذلك اعتنوا 
بحذق أصولها وتعلمها وتعليمها ناشئتهم ومن ثم شاركوا بنصيب وافر في 
تأصيل نظرية الخطاب في التراث العربي الإسلامي تشهد لذلك كثرة نقول 
صاحب ١‏ البيان والتبيين » عن أعلامهم وإدراجه بعض رسائلهم التي تعد 
نظرية متكاملة في الخطاب انطلاقا من الظروف الحافة بإنجازه إلى أن يستوي 
لفاس نانسا اي 

ولم يكن الجدل الكلامي الداعي الوحيد إلى اعتماد هذا الجنس فلقد 
حركت الجاحظ إلى تأليف ١‏ البيان والتبيين » نوازع النصدي لتيار ذي صبغة 
سياسية واضحة اتخذ من الطعن في الجنس العربي وموروثه الحضاري 
للتعبير عن نقمته على وضعه وعدم رضاه بسلطانه » ومن مرامي أصحابه 
التي تهمنا الاستنقاص من قدرة العرب على الخطابة والبلاغة » فرد عليهم 
المؤلف حججهم وكان رده السبب المباشر في حديثه المطول عن خصائص 
الخطبب وإثباته لأشهر الخطب المعروفة إلى عهده . 

وبالإضافة إلى هذه الأسباب التاريخية المعروفة التي جعلته يضبط 
خصائص النص من زاوية خطابية نذكر عاملا آخر هاما أثر هو بدوره » 
فى صياغة تلك المقاييس وهو متصل برؤيته الثقافية العامة التي عبر عنها 
في أكثر من موضع أهمها بلا منازع » مقدمته على كتاب الحيوان حيث 
رأيناه يدافع عن تصور ثقافي مؤذن بعهد جديد يصبح فيه الكتاب وسيلة 
العلم وأداة نشره فيا الام وونطف ار ع يني امتصور ا على لكات 
الاجتماعية المحظوظة وقثفًا على أهله من الشعراء والرواة والعلماء . 

ومن مقتضيات هذا التصور الثقاني » ونحن لا نستبعد أن يكون 
انعكاسا لتصور اجتماعي طبقي » التزامه الموقف الوسط بين الابتذال 


306 


والصنعة وبين الوحشي والسوقي » وهو موفف توفيفي فرضته عليه معادلة 
الفن والنجاعة . ْ ْ : 

والمتثبت في شواهد الجاحظ يلاحظ أن اعتماده على الشعر والخبر 
والقرآن لا يقل عن اعتماده على الخطابة بل إنه يؤلف بينها بكيفية تكاد 
تندثر معها الحواجز وتعفو مقولة الجنس الأدبي ذاتها فاكتسبت مؤلفاته 
لاسيما ١‏ البيان والتبيين ) طرافة خاصة عدت بمقتضاها مجمعا للأحكام 
النقدية والمقاييس البلاغية المتنوعة ومنطلقا لأهم اتجاهات النقد والبلاغة 
بعده . 


30, 


> - الايذبراباحظ اوراس 
[ السحاء ] 


توطفسة : 


إن « الظرف » الوارد في عنوان هذا القسم يحتمل تأويلين : أن 
يحمل حرف الجر « إل » على معى المطلع والابتداء » فيقف البحث عنك 
موفى القرن الخامس هجريا ومشارف السادس » ويكون عبد القاهر 
الجر جانى خاتمته إذ لم تجد بين تاريخ وفاته (471 ه) ونهاية القرن حوادث 
تذكر فى التأليف البلاغى . 

وأن يحمل الجر على معنى الغاية والانتهاء » فيستغرق الحديث كامل 
القرن السادس ٠»‏ ويدور على مساهمات ألفت بعد وفاة الجرجانى بما 
يزيد على القرن » وإذ ذاك تكون مشاركة السكاكى المتوفى سنة 626 ه. 
خائمة المطاف (1) . 

وقد اخترنا التأويل الثانى لتكتمل مراحل البلاغة » ونعرف مآل ما 
آمل الجواجاق تن لطرزات0 وأجرى امن لطيقات + واتقى ون الرائ 
رن سر مع إن موه مهل قري انالك باقيه إن تاذو ارات إن د مر ني 


أدلة قاطعة . وكثيرا ما لا تؤدي الطرائق التي يستعملها المؤرخون عند اتعدام الدليل القاطع » 
إلى نتائج حاسمة فيبقى الاختيار موكولا إلى اجتهاد الباحث وغرضه من موضوعه . فنحن 
لا نعلم بدقة متى ألف السكاكي مؤلفه المشهور مفتاح العلوم والغالب على الظن أنه وقع 
بين 596 ه و 617 ه (انظر أحمد مطلوب البلاغة عند السكائي » منشورات مكتبة النهضة 
بغداد » ط 1964 ص 65) . 


311 


السائد على الدراسات البلاغية والقائل بأن التفكير البلاغي قد ختم به ولم 
يستفد خلفه من البعث الذي حاول » فديت في العلم روح الجمود » 
واكتنف التعقيد مسائله  )1(‏ ثم إن الوقوف بالبحث عند نهاية القرن الخامس 
يغبن حق محاولات جديرة بالاهتمام » كمحاولة الزمخشري المتوقي سنة 538ه 
في تفسيره الموسوم « بالكشاف » . وهي من أبرز الإجراءات التطبيقية في 
الثراث العربى التى استفادت استفادة مباشرة من دراسات عبد القاهر في 
ياب المعاني 0 غناك « خير تطبيق على كل ما اهتدى إليه عبد القاهر من 
قواعد المعاني والبيان » (2) . 


ولئن كان الحدّر التاريخى الذي تشغله هذه الفترة قريبا من حيز الفترتين 
السابقتين إذ انتهيناء مع الجاحل » إلى النصف الثاني من القرن الثالث » فإن” 
المادة البلاغية المنجزة فيها أكثر أضعاف المرات مما وفرته الفترات السابقة . 
وليس ني الأمر غرابة ؛ فالحقب الأولى هي حقب التأسيس للعلم » وتحسس 
مسالكه ومسائله » فينحبس الفكر ولا ينطلق شأنه في هذه الفترة التي زالت 
فيها المعوقات » ومهدت العقبات » وساعد التطور الفكري 2 العام 
على بلورة العلم واكتمال مباحثه من وجهتي النظر والتطبيق . 

فإذا استثنينا مؤلفات الجاحظ وبعض مؤلفات اللغويين الأوائل » من 
أمثال سيبويه وأبي عبيدة والفراء » أمكن القول بأن كل مصادر بحثنا تتنزل 
في هذه المرحلة 5 مصادر كثيرة ينتمي أصحابها إلى بيئات فكرية مختلفة 
ممق اك عاك هذا العلم ورسم اتجاهاته الكبرى بنسب متفاوتة . 

نذكر من هذه البيئات بيئة النقاد والعلماء بالشعر » فقد حملهم البحث 
عن عيار يميزون به جيد الشعر من رديئه وقواعد تعتمد في صناعته إلى ترصيع 


0 ا لم وم ان امه » ص 271 وما بعدها . 
عبد العزيز عتيق في تاريخ البلاغة العربية » بيروت » 1970 » ص 265 . 


0000 المرجع السايق . 


3122 


مؤلفاتهم بإشارات بلاغية على جافب كبير من الأهمية » وبالنظر في ما كتبوا 
ندرك العلاقة المتينة بين البلاغة والنقد » باعتبار الأولى جزءا من نظريتهم في 
الشعر والجهاز المفهومي الوحيد الذي أفرزته ممارستهم للبعد الفني في النص 
الأدبي » كما سيتزايد نشاط المتكلمين ومن غلب عليهم الاهتمام بالدراسات 
القرآنية في هذه الحقبة » فتكثر التفاسير وكتب الإعجاز . وهى تشترك في تناول 
النص القرآني من جانب العبارة وكيفية أداء المعنى وفضل القرآن على غيره في 
ذلك . ولا مناص من أن يؤول كل ذلك إلى مباحث بلاغية صميمة » تتناول 
المفاضلة بين الأساليب لأسباب ترجع إلى مظاهر بنيوية صرف . وستساهم 
كتب الإعجاز في طرح جملة من القضايا النظرية » تتناول بالتفكير مختلف 
الاستعمالات اللغوية » ولا سيما ما يميز المستوى الإنشائي عن المستوى العادي 
في الكلام . وسيتمكن بعضهم انطلاقا من رؤية خاصة من بناء جهاز فكري 
متكامل يرد أشتات المسائل إلى أصول قارة . 

كما سيساهم الفلاسفة بقسط وافر في ربط الصلة بين التفكير اليوناني 
والتفكير العربي في فن القول وخصائص الشعر » سواء بالترجمة المباشرة 
للأصول البوناية قِ ا مو ضوع ككتابي « الخطابة ) و١‏ الشعر ) لأرسطو أو 
باجتهادهم في فهم هذه الأصول ومحاولة تطبيقها على الأدب العربي . 

ونظرا إلى كثرة المساهمات وتنوع مشارب أصحابها » رغبئا عن 
الاستعراض التاريخي المفصل خوف التكرار والإيهام بأن لها نفس الفضل 
في تطوير البحث البلاغي والسعي به إلى الاكتمال ؛ واخترنا أن نتعامل مع هذه 
المادة من خلال أهو" القضايا التي أثارتها ممارسة العرب للبعد الإنشائي 
في اللغة » وهي القضايا التي يمكن عدها أصول تفكيرهم البلاغي وأساس 
نظريتهم الأدبية والجمالية . 

ورأينا » تمهيدا لهذا العمل » أن نبدأ بضبط ١‏ البداية الحاسمة ) لهذه 
الفترة » وهي النقطة التي نشعر ببلوغها أن" البلاغة دخلت في طور يختلف عن 
طور الجاحظ » وسيجرنا ذلك بطبيعة الخال » إلى العناية ببعض المساهمات التى 
كانت مدا ناما وكزة.وافمة لدخون هذا المغطت التديد . ١‏ 


313 


ل البداية الخاسمة لفترة ما بعد الماحظ 


استقلال التأليف البلاغي : 


لئن أجمع التقاد والدارسون » قديما وحديثا » على أن” كتاب « البديع ) 
لعبد الله بن المعتز (ت . 296ه) أول تأليف « صنف في البديع ورسم حدودة) (1) 
فأصبح صاحبه «١‏ إماما لكل من صنفوا » فيه (2) وغدا مؤلفه بالإضافة إلى 
١‏ البيان والتبيين » ١‏ النواة لعلم البلاغة العربية » (3) وبدايته الحاسمة » فإنه لا 
يسع الباحث إلا أن يشير إلى أنه جدت بين هذا الكتاب ومؤلفات الجاحظ 
محاولات قام بها اللغويون والنقاد وكتاب الرسائل كثيرا ما أعرض الدارسون 
عن ذكرها أو اكتفوا بالإشارة إليها إشارة عابرة لوقوعها بين هذين المنعطفين 
الحاسمين . ولهذه المحاولات أهمية كبرى من وجهة التاريخ لأطوار العلم » 
ولأاميها أنه سكميد لبووة كتاب ( البديع ) وسيكون لها صدى في الكتب 
التي ألّفت بعده . 


3 


وأبرز هذه المحاولات اثنتان : واحدة لإبن قتيبة والأخرى للمبرد . أما 
مخاولة ابن المدبر (ت . 279ه) الموسومة ب(الرسالة العذراء) (4) فهى أقل” قيمة 
من السابقة وتكاد لا تقف على فكرة طريفة أو رأي لم يسبق أن رأيناه . 
(1) و(2) شوقي ضيف »ء البلاغة تطور وتاريخ » ص 75 . 
)3( إحسان عباس ٠‏ تاريخ النقد الأدبي عند العرب » ص 121 . 
(4) نشرت هذه الرسالة مع مقدمة بالفرنسية بتحقيق زي مبارك » ط 2 » القاهرة 1350/1931 . 


35 


فهي لا تخرج عن فلك ما رسم الجاحظ في ١‏ البيان والتبيين » فإذا استثنينا 
المعلومات الخاصة بصناعة الكتابة لم نقف على شيء طريف يذكر إذ اكتفى 
صاحبها بنقل بعض الأحكام الأسلوبية الواردة عند الجاحظ ولخصها بطريقة” 
لا تخلو من الاقتصاب والجفاف . وقد قلدّص من أهمية الرسالة » في نظرنا » 
لبون عاهها لفك والافاج عن الكتابة والكتاب على حساب الشعر والشعراء . 
اوهو يتخرك من .موقت معاد للشغر ينم عن شق أفق في :[هراك علاقة الشكل 
الأدبى بالبنية اللغوية » فليس الشعر في رأيه » إلا جملة من ١‏ الإساءات ) 
سئي اممنيد الى الشطر بح الحوظق اضطرار » (1) . 

وقد وجد في تنويه الجاحظ بطبقة الكتاب (2) سندا لتعصبه لهم فنقل 
رأيه في تفوقهم في البلاغة والترامهم ني التماس اللفظ المنزلة الوسطى (3) » 
ويبدو تأثره به في الحاحه على نظرية المواضم وتحريض الكتاب على مراعاة 
منزلة مخاطبيهم . 


١‏ .......) ولا تخاطين نخاصا بكلام عام" ولا عاما بكلام خاص فمتى 
خاطبت أحدا بغير ما يشاكله قفد أجريت الكلام غير مجراه وكشفته (.....) 
فلا تخرجن كلمة حتى تزنها بميزاتها فتعوف تمامها ونظامها ومواردها 
ومضادرها وصب ما قدرت الألفاظ الوحشية » وارتفع عن الألفاظ 
السخيفة ) (4) . 


ومن ثم” باعد بين أسلوب القرآن وأسلوب الرسائل موصيا بعدم استعمال 
الأول ني الثانى » لأن المخاطب بالقرآن فصيح وبالرسائل دخيل على اللغة (5) . 


(1) الرسالة العذراء » ص 19 . 
(2) انظر القسم الثاني من هذا العمل . 
(3) الرسالة العذراء » ص 35 . 
69 المصدر السابق » نفس الصفحة . 
)5( 0 0 ص 10. 


316 


كما نقل عن الجاحظ رأيه في علاقة اللفظ بالمعنى » وهو رأي سيكون 
له شأن كبير في نحت معالم الموقف العربي جملة من هذه القضية . فقد شبه 
أبو عثمان المعاني بالغواني والألفاظ بالمعارض . وهذا التشبيه يبت بصورة 
قاطعة انفصال الشكل عن المضمون وبروز فكرة المحسنات كزينة تنضاف إلى 
المعنى ولا تنصهر فيه . 

كما يرى رأيه ني بلاغة القول ولأثيره في متقبله » ويعلقه بثلاثة عناصر 
هي المعزى البليغ واللفظ الرائق والسلك الناظم (1). 

وفي قسم من أقسام الرسالة يكثر من النقل عن الجاحظ » أو من المصادر 
التي استقسى منها هذا الأخير بدون أن يصرح بذلك رغم مطابقة النص 
النص 22) . يبدو ذلك جليا في حد البلاغة وحديثه عن العلامات الدالة» وهو 
يقسمها » كالجاحظ » إلى قسمين : اللفظ والإشارة والعقد والمخط في ناحية 
والنصبة في ناحية ثانية ويفاضل بينهما تبعا للصورة والحلية وإن كانت جميعها 
« كاشفة عن أعيان المعاني » (3) . 

ولكل هذه الاعتبارات المتقدمة يبدو لنا أنه بولغ في تقييم هذه الرسالة 
وإبراز أهميتها لتوضيح ١‏ طبيعة الحركة الأدبية في القرن الثالث ») ومعرفة 
المقاييس الضابطة لصناعة الكتابة (4) . نعم إنها رسالة في مقاييس صناعة الكتابة 
إلا أن” كل تلك المقاييس تقريبا أخذها لا من مؤلفات صديقه (5) 
بدون أن يضيف إليها شيئا يذكر . 


(1) الرسالة العذراء » ص 32 . 

(2) «م 0 ص 39., 

(3) «م 2 ص 40 

[(69 زي ميارك » المقدمة الفرنسية ل ص 8. 

(5) يشير زي مبارك في المقدمة المذكورة إلى الصداقة المتينة التي كانت قائمة بين ألر جلين » 
ص 10 . 


317 


1[ ابن قتيبة ؛ 

ابن قتيبة من العلماء الذين عرفوا بكثرة التأليف وتنوع المشاغل والنظر 
امسوم والاشتداد ني الذب عن العقيدة والدفاع عن مذهب أهل السنة فهو 
إمام من أثمتهم البارزين شبهت مكانته بينهم بمكانة الجاحظ بين المعتزلة (1) . 

وبالرغم عن أنه لم يترك مؤلفا صريح الانتساب إلى المبحث البلاغي » شأنه 
قي ذلق كأن الحاحظ. 4 قلاعتة الو سوعية ومشاركبه التاليف فق كثير عق 
العلوم العربية الإسلامية جعلت آثاره لا تخلو من الإشارات البلاغية والأحكام 
الفنية التى تمس صنوف القول وأفانين التعبير . ش 

والناظر في أشتات هذه الملاحظات ينتهى إلى نتيجة هامة تمثل أول وجه 
من وجوه الطرافة قِ هذه المساهمة وهي أن المادة البلاغية موزعة على مؤلفات 
تعكس بشكل جلي أهم العوامل التي لابست التفكير البلاغي نشأة وتطورا 
واكتمالا 5 

ففى ( الشعر والشعراء » لمحات بلاغية انبنت عليها جسملة من الأحكام 
التقدية مما يؤكد على أهمية العامل الأدبي في تغذية البلاغة العربية على مختلف 
أطوارها التاريخية » ويعكس «١‏ أدب الكاتب » أهمية العامل الحضاري العام 
المتمثل في تطور التنظيم الإداري والسياسى وبروز المؤسسات السلطانية المحتاجة 
إلى طبقة يتلاءم علمها مع وظيفتها في صلب الدولة لذلك برز هذا النوع من 
الكتب المؤسس على تلقينهم القواعد الناجعة ليقوموا بواجبهم بما يرضي مخدوميهم , 

أما « تأويل مشكل القرآن » و( الاختلاف ني اللفظ والرد على الجهمية 
والمعطلة » فيدلاةن على أهمية العامل الديني عامة والكلامي بوجه خاص في 
إذكاء المناقشات حول فضل النص القرآني على غيره وتفرده في طرائق الآداء . 
(1) يقول ابن تيمية في هذا المعنى : « وهو لأهل الله مل الباحظ الستولة تن علب آهل 


السنة كا أن الجاحظ خطيب المعتزلة » انظر : تفسير سورة الإخلاص » المطبعة الحسينية» 
3 هء ا ص 86. 


318 


ولئن كانت المادة البلاغية في « أدب الكاتب » لا تعدو بعض الاعتباراث 
العملية في اختيار الافظ والمعنى والجري على أساليب في التعبير تلائم طبيعة 
الترسّل ٠»‏ وكان رده على الجهمية والمعطلة يتناول التشبيه من وجهة عقائدية 
لا فنية فإن مؤلفيه الآخرين « الشعر والشعراء » و« تأويل مشكل القرآن » 
يعتبران مساهمة ذات بال في ميداني البلاغة والنقد الأدبي . 

فالأول من أبرز مؤلفات النقد الأدبي في نهاية القرن الثالث طرح فيه 
صاحبه جملة من المشكلات النقدية الهامة سيساهم بها في رسم معالم هذا الفن 
في الأدب العربي وتكون محور حديث النقادبعده . والكتاب » بدليل عنوانه » 
ليس 'مقتضرا 1 دواسة عفائض العم كت التعن كت القتيدية مدنا سين 
جودته ورداءته » فهو يتناول الشاعر أيضا بحكم أن هذا الأخير طرف أساسي 
في عملية الخلق الفني . 

وهذا القسم الثاني لا يعنينا بصفة مباشرة كما تعنينا الأحكام المتعلقة 
بتقييم النص الأدبي اعتمادا على خصائصه الذاتية وهي أحكام من صميم 
البلاغة نظرا للعلاقة العضوية اللاحمة بين النشاطين : فالتمرس بالنص ومحاولة 
تبين عناصر الجودة والرداءة فيه يمدنا بمقاييس تقننها البلاغة عونا للأدباء 
على كتابة النص الجيد ومددا للنقاد يعينهم في مشغلهم » فالبلاغة هي القسم 
من النقد الذي يهتم بأحد أطراف عملية الخلق الفني : النص . 


أ) المادة البلاغية في « الشعر والشعراء» : 

إن تنويهنا بقيمة الكتاب كمعلم من معالم النقد الأدبي لا يعني البتة أن 
المادة البلاغية فيه غزيرة وأن الأحكام المتعلقة بالنص متمكنة متبلورة . فالمادة 
محدودة لا تتجاوز الإشارة المقتضبة واللمحة السريعة بعيد) عن كل تعمّق في 
استعراض الظواهر الأسلوبية وتحليلها » والأحكام تطغى عليها الانطباعية 
مما يدل على أن التفكير في جوهر النص أمر لم يشتد أمره فبقي الكتاب يدور 


39 


حول مشكلات سبق أن طرحت ووم يكن ) ابن قتيبة أحسن من سلفه حظا في 
بلررتها وتطويرها بل لعله انحط عن مرتية خصيمه الجاحظ في تخريج الكثير 
منها لأنه لم يتشجع على حسمها مثلما فعل هذا الأخير . 

ومن أهما تلك المشكلات ثنائية اللفظ والمعنى » فهي تحتل من ١‏ الشعر 
والشعراء» قلب الرحى المولد لجل" أحكامه في الشعر فحلى بها صدر كتابه 
واتخذها مقياسا لضبط أقسام الشعر الأربعة المعروفة (1) . 

ورغم وضوح هذا التقسيم المغري المغلف بصرامة المنطق يبقى موقف 
3 ن قتيبة من القضية غير بين ورأيه في ماهية النص الأدبي مشكلا . فلن كان 
موقفه من النوع الأول الذي « حسن لفظه وجاد معناه ) (2) موقف جمهور 
النقاد والمتأديين وسعي كل أديب بل موقف من لا موقف له لاحتماء متبنيه 
بالكمال وتعلقه بغاية الجودة وإصابة القول » وهذا شأن النوع الرابع أيضا 
وهو الذي تآخر معناه وتأخر لفظه » (3) فلا اختلاف ف اطراحه لسهولة 
معادلته » فإن موقفه من النوعين الثاني وما حسن لفظه وحلا فإذا أنت فتشته لم 
تجد هناك فائدة في المعسى ) (4) والثالث الذي «( جاد معناه وقصرت 
ألفاظه » (5) غير واضح وليس في بقية الكتاب ما يعين على تبنيه ناهيك أن 
أهمية المقاييس ل تلتزم في جوهر الكتاب ول يبرز الجودة على أساس منها وإنما 
استعاض عنها بانطباعات من قبيل « ومن جيد شعره قوله ) (6) ( ويستجاد 
من شعره ...) (7) « وأجود شعره ملعل ) (08. 


[69 الشعر والشعراء» ص 10-7 5 
)2( المصدر السابق » ص 7. 


(3) «م 0 ص 90 . 
)4 م 0 ص 8 

(5) «م 0 ص 9. 
 )6(‏ «م 0 ص 85 . 
67 م 0 ص 152 . 
 )8(‏ «م ةو ص 147. 


1320 


ومباشرة النص من هذه الزاوية وعلى أساس هذا التقسيم تطرح مجموعة 
من. التساؤلات لم يكن هم ابن قتيبة طرحها بله الإجابة عنها في طليعتها 
قضية المعنى ذاتها . فماذا » يا ترى » كان قصد ابن قتيبة وقصد التقاد العرب » 
قبله وبعده » بالمعنى ؟ 


الجواب عن هذا السؤال عسير ويزيده عسرا مباشر تهم هذه القضية من 
منظور يشكو ء في رأينا » نقصين كبيرين . أولهما اعتمادهم في إبراز المعنى 
"الت ا البيتين من الشعر معزولين عن سياق القصيدة العام وهذا أهم سبب 
منعهم من أن يطوروا هذه الثنائية ويكسبوها أبعادها نطلق عليها نحن اليوم ؛ 
الشكل والمضمون + وسنق” أمامهم الطريق الموصلة إلى إدراك البنية الكلية للأثر 
الفني ٠»‏ وأن تكفي الإشارات القليلة إلى وحدة القصيدة لتلاني هذا النقص ؛ 
وثانيهما تقيدهم في ضبط وظيفة الفن ومعناه بالوظيفة العامة للغة واعتبارهم 
الشعر سجل مفاخرهم ومخلد ماثرهم فاختلط اللمعنى بالقيمة سواء كانت 
أخلاقية أو اجتماعية أو فكرية » ولن يتسنى للدارس الإحاطة بنظريتهم في 
المعنى إلا بعد استقراء دقيق لكل النماذج المتوفرة في مؤلفاتهم وليس هذا 
عراضناة؛ 

كما طرح ١‏ الشعر والشعراء ) مسألة ثانية سبق الجاحظ إلى طرحها في 
« البيان والتبيين » بشكل حاد وهي ثنائية الطبع والتكلف التي يمثل الخوض 
فيها دعامة من دعائم نظرية الخاق الفني » قديما وحديثا » لأنها تهتم بتحديد 
نوع العلاقة القائمة بين النص ومنجزه والقوى التى يتولد عنها النص . 

ولم يخرج ابن قتيبة في تناول هذه المسألة عن الحدود التى رسمها الجاحظ 
وإن زاد عليه ببعض الشروح والشواهد والتوسع في التعريف . 

فتعريفه للشاعر المتكلف هو تعريف صاحب «١‏ البيان والتبيين » في معناه 
وبعض عباراته : 


321 


) 0 ) فالمتكلف هو الذي قوم شعره بالثقاف ونقحه بطول التفتيش 
وأعاد فيه النظر بعد النظر كزهير والحطيثة وكان الأصمعي يقسول زهير 
والحطيثة وأشباههما من الشعراء عبيد الشعر لأنهم نقحوه ولم يذهبوا فيه مذهب ٠‏ 
المطبوعين وكان الحطيئة يقول خير الشعر الحولي المنقح المحكك ) (1) . 

والمطبوع من الشعراء ( من سمح بالشعر واقتدر على القواني وأراك في 
. صدر بيته عجزه وني فاتحته قافيته وتبينت على شعره رونق الطبع ووشي الغريزة 
وإذا امتحن لم يتلعثم ولم يتزحر ) (2) . 

والناظر في النصين يلاحظ الأزق الذي وقع فيه النقاد لاعتبارهم طرفي 
الثنائية متدافعين متعاقبين لا يجتمعان . فهل يمنع تعهد الشاعر شعره و تنقيحه 
من إدراك قدرته على القواني وأن تكون القصيدة متلاحمة متراصة بحيث نرى 
في صدر البيت عجزه وفي فاتحته قافيته ؟ يبدو ابن قتيبة في حرج وأكبر دليل 
على ذلك اضطراره إلى إعادة مصطلح الطبع في المتن الذي جعل لتعريف المطبوع 
فعطف قائلا « وتبينت على شعره رونق الطبع ووشي الغريزة » فانصرم التعريف 
وبقي المعرف غير معروف لا يدرك إلا بالحس والانطباع . 

واذا انتقلنا إلى تعريفه الشعر المتكلف وهو المبين عما « نزل بصاحبه من 
طول التفكير وشدة العناء ورشح الجبين وكثرة الضرورات وحذف ما بلمعاني 
حاجة إليه وزيادة ما بالمعاني غنى عنه ) (3) بين لنا أنه ضعيف الصلة بتعريف 
الشاعر المتكلف بحيث لا ينتج عن تكلف هذا الأخير شعر متكلف بالضرورة 
فليس شعر زهير والحطيئة » وهما نموذج الشاعر المتكلف ؛ من قبيل بيت 
الفرزدق الذي أورده مثالا للشعر المتكلف إذ يقول / طويل / 
وعض" زمان يا ابن مروان لم يدع من المال إلا منحا أو مجدف 


1( الشعر والشعراء 4 ص 17 5 
)2( المصدر السابق © صض 236 
)3( 0 )0 ص 24 . 


322 


« فرفع / الشاعر / آخر الببت ضرورة وأتعب أهل الإعراب في طلب 
العلة فقالوا وأكثروا» (1) . 

والخلاصة أن فهمه للمتكلف لا يختلف عن فهم الجاحظ » فإذا ألصق 
النعت بالشاعر دل على تعهد الشعر ومعاودته بالتنقبح والتهذيب بشرط ألا 
نظليف أن ذلك على أديم النص وإذا ألصق بالشعر دل" على التصنع ورداءة 
الطبع والتعمل . ومصداقا لما نقول مزاوجته في النعت أحيانا » بين التكلف من 
جهة » والجودة والإحكام من جهة أخرى (2) . ولعل السيب الذي جعل 
ابن قتيبة متحرجا » كالجاحظ ٠‏ من ثنائية الطبع والتكلف » لا نقف له 

5 ع 9 2 1 5 7 
2 المرضوع على راي قاطع صر بح إرادته التوفيق بين مستلز مات الفن 
كنهج في الآداء يتطلب من منجزه حداا أدنى من الوعي والوظيفة القصوى التي 
رسموها لكل نص وهي الإبانة والفهم والإفهام - الوظيفة الاجتماعية 
للغة ‏ وقد أنتج هذا التوفيق أحكاما نقدية مشهورة من قبيل « أسير الشعر 
والكلام المطمع ) : «قال أبو محمد وهذا يكثر وفيما ذكرت منه ما دلك 
على ما أردت من اختيارك أحسن الروي وأسهل الألفاظ وأبعدها من التعقد 
والاستكراه وأقربها م٠‏ ن أفهام العوام وكذلك أختار للخطيب إذا خطب 
والكاتب إذا كتب فإنه يقال أسير الشعر والكلام المطمع ) (3) . 


والغاية التي ليس بعدها غاية في هذا النطاق أن يخرج الشعر عن الكلام 
العادي ويعود إليه بقدرة الشاعر وتحكمه في فنه فيصبح الشعر كلاما : 


« ويقال كان النابغة أحسنهم ديباجة شعر وأكثر هم رونق كلام وأجزلهم 
بيتا كان شعره كلاما ليس فيه تكللف ») ) م4 


(1) الشعر والشعراء » ص 24 . 


)2( 0 0 نفس الصفحة 0 
 )3(‏ م )0 ص 35 .,. 
«١ 6)‏ 0 ص 70 ., 


325 


)2 وكان أبو العتاهية أحد المطبوعين وممن يكاد يكون كلامه كله شعراة 1( 


أما القضية الثالثة المتعلقة بنظرية النص فهى إدراكه تفرد الفن بطرق 
خاصة في الأداء وهو مظهر لا يخلو من الطرافة لأنه يفصل بين مدلول العبارة 
في اللغة ومدلولها في الشعر ويحمل المعنى على غير ما تقتضيه الدلالة الوضعية 
المنطقية وهو بهذا الصنيع يساهم في تأسيس منطق للشعر يغاير المنطق الصوري 
المحدد لعلاقة الكلمات والأشياء . فلقد عاب بعض التنقاد على امرىء القيس 
مضمون بيته / طويل / 
أغرك منى أن حبك قاتلىي 2 وأنك مهما تأمري القلب يفعل 

وقالوا : ( إذا كان هذا لا يغر فما الذي يغر إنما هذا كأسير قال لآسره 
أغرك منى أنى في يديك وني إسارك وأنك ملكت سفك دمي » (2) ويرفض 
أبو محمد رأيهم مبرزا فساد قياسهم مشيرا من طرف خفي إلى مجاز المعنى 
أو ما يسئ يوقت لاحق «١‏ معنى المعنى ) : «قال أبو محمد ولا أرى هذا 
عيبا ولا المثل المضروب له شكلا لأ نه لم يرد بقوله حبك قاتلي القتل بعينه 
وإنما أراد به أنه قد برح به فكأنه قد قتلني وهذا كما يقول القائل قتلتني 
المرأة بدلها وبعينها وقتلنى فلان بكلامه» (3) . 

فالشكل الفني لا يقتصر على تصوير العالم الخارجي تصويرا د يحقق علاقة 
اللغة بالأشياء من منطق المواضعة فهناك علاقة الشاعر باللغة وطريقته الخاصة 
في تحسس العالم والتتعبير عنه بما يوافق ذلك فتخرج اللغة عن مجال الآشياء 
والكلمات وتصبح أداة تخدم الانفعالات النفسية وحالات الشاعر ورغباته 
الدفينة . فإذا قال الشاعر / طويل / 
فما زال بردي طيبا من ثيابها إلى الحول حتى أنهج البرد باليا 


)1( الشعر والشعراء © ص 07 
 )2(‏ «م 0 ص 56 . 
(3) «م 0 ص 56 , 





324 


يجب ألا" يحكم عليه باستحالة دعواه ومخالفتها للمنطق فقوله 
يحمل «١‏ على التوهم لفرط العشى » (1) . 

وهذه الإشارات » على قلتها وبساطة محتواها » تعد مكسبا هاما من 
مكاسب النظرية الأدبية عند العرب وخطوة إيجابية نحو فهم وظيفة الفن 
الأصلية بعيدا عن كل تمحل فقهي ومنطقي . 

أما المباحث البلاغية المتعلقة بالمصطلح والصورة فضثئيلة في هذا المؤلّف 
ويكاد يقتصر المؤلف على ملاحظة الوجه ملاحظة عارية عن كل تعمق 
لايستند فيها إلى قاعدة نظرية أو رؤية واضحة لفعولها الفني . 

“د ميد عد 

والصورة التي تواترت هي التشبيه (2) وليس في الأمر غرابة فهو 
أكثر الأساليب انتشارا ني الشعر العربي وأكثر الأنواع البلاغية أهمية بالنسبة 
إلى الناقد القديم لذلك كان من أول المباحث التي تبلورت ني الفترات الأولى 
من تاريخ البلاغة العربية ولأهميته عندهم اعتبروه مقياسا من مقاييس اختبار 
الشعر وحفظه : 

«وليس كل الشعر يختار ويحفظ على جودة اللفظ والمعنى ولكنه 
قد يختار ويحفظ على أسباب منها الإصابة في التشبيه كقول القائل في وصف 
القمر / طويل / 
بدأن بنا وابن الليالي كأنه حسام جلت عنه العيون صقيل » (3) 

وبنوا عليه فضل الشاعر وسبقه غيره فذو الرمة عد من المتقدمين 
لأنه , أحمق الناس تشبيها وأجودهم تشبيبا ) (4) . ١‏ 








(1) الشعر والشعراء » ص 241 . 

(2) انظر مثلا صفحات 21 » 29 » 40 . 52 »2 55 » 58 )» 169 © 231 © 232 » 233 )» 
5 ع 509 0 , 

(3) المصدر السابق » ص 21 , 

(4) المصدر السابق » ص 29 , 


325 


والناظر في ١‏ الشعر والشعراء» يلاحظ أن التشبيه لم يكن مقصودا 
بالدراسة لذاته وإنما استعمل كوسيلة من الوسائل التى تمكن من المفاضلة 
بين الشعراء وتحديد طبقاتهم لذلك لم يحلل ابن قتيبة التشبيهات التي تضمنها 
الشعر الوارد في كتابه ولم يبرز فضلها في التعبير فجاءت ملاحظاته مقتضية 
سريعة دون ما بلغه أسلافه في هذا المضمار » فهو » مثلا » يستشهد ببيت 
امرىء القيس المشهور / طويل / 


كأن” قلوب الطير رطبا ويابسا 2 لدى وكرها العنّاب والحشف البالي 


فوسك عن نوع التشبيه ولا بيلاحظ ما لاحظه سابقوه من أنه من اجود 
التشبيهات لتضمنه تشبيه شيئين بشيئين (1) . 


وكما وظف ابن قتيبة التشبيه لتسجيل جودة الشعر فقد استعخدمه لإبراز 
مفهومه للابتداع أو البديع وجملة النصوص الواردة في هذا الشأن تؤكد على 
أنه يجري في فهم البديع على المعنى السائر في ذلك الوقت وهو السبق إلى الوجه 
فيكون المصطلح جامعا لمعنيين السيق 2 من جهة 4 والوجه البلاغي مطلقا »> 
من جهة أخرى 2 وقد وردت أغلب هذه النتصوص في أخبار امرىء القيس 
وهذا من شأنه تأكيد معنى السبق : 


«وقد سبق امرؤ القيس إلى أشياء ابتدعها واستحسنها العرب واتبعته 
عليها الشعراء ) ,2( 8 


«ووهو أول من شبه الخيل بالعصا واللقوة والسباع والظباء والطير 
فتبعه الشعراء على تشبيهها بهذه الأوصاف ) (3) . 


1( الشعر والشعراء 3 ص 40 1 
(2) «م و ص 40., 
(3) المصدر السابق » ص 52 . 


326 


«وهو أول من شبه الثغر في لونه بشكوك السيال 6 وَأوال من شيه 


الحمار بمقلاء الوليد (...) وشبه الطلل بوحي الزنبور في العسيب » (1) . 
وما عدا هذه الإشارات لا نجد شيئا يستحق الذكر » وكثيرا ما يشعرنا 
المؤلف أنه قليل العناية بمسائل البلاغة في هذا المؤلف فإذا عرض للاستعارة »؛ 
مثلا » عرفها تعريفا عرضيا بدون ذكر المصطلح يقول : « وقد تسمى العرب 
الشيء باسم الشيء إذا كان له مشبها ) (2) وليس هذا من ضعف زاده في 
الملوضوع وضيق عطنه بشهد لذلك كتابه « تأويل مشكل القرآن ) . 


ب) - البلاغة في «تأويل مشكل القرآن» 


لا جدال في أنه أكثر مؤلفات الرجل اتصالا بالبحث البلاغي وأغزرها 
مادة » تناول فيه بالدرس والتحليل ألوانا بلاغية شتى ني نطاق لي واضحة 
وغايات مضبوطة منذ مطلع التأليف . 

والمقارنة » بين المادة البلاغية هنا وما ورد منها في آثاره الأخرى » 
تحمل على التعجب والاستغراب . ولا سيما أن بعض تلك الآثار لا يقل 
غرضها اتصالا بالبحث البلاغى عن غرض «تأويل مشكل القرآن» . 
وأحسن مثال لذلك كتاب ١‏ الشهر والشعززاء ) المتقدم الذكر . فحظه من البلاغة 
ضئيل بالقياس إلى مادة هذا الكتاب » رغم أهمية العامل الأدبي ني الحث على 
استنباط القواعد والأسس التي تخول تعيير الشعر ونقده . 


وليس لنا من تفسير » والحالة ما ذكرنا » إلا أن نقر بأن العامل العقائدي 
والدفاع عن القرآن كانا العامل الحاسم الذي اضطر العلماء إلى ضبط القواعد 
وإقامة الحدود لغايات عملية عاجلة تسد الباب أمام الرأي المدخول ومحاولات 
التشكيك :ولد *, 





4( الشعر والشعراء ؛) ص 35 
 )2(‏ م اص 233, 


321 


وموضوع الكتاب وغايته ومنهجه واضحة من العنوان والمطلع . 
فا مو ضوع « مشكل القرآن» ولئن لم ير ابن قتيبة حاجة إلى تفسير العبارة 
فإن الأمثلة العديدة تدل” على أن المقصود صئف من التعابير يثير فهمها مشكلة 
لأنها حرجت عن مألوف الاستعمال وهي لذلك قد تؤدي إلى اللبس والغموض 
وتكون حجة ١‏ للطاعنين ) و «المخادعين ) (1) . 

ولغاية الدفاع عن القرآن وبيان فضله وسد الذرائع أمام المناوثين 
و ١‏ قطع أطماع الكائدين ) (2) كان لا بد من منهج يرد الأمور إلى نصابها 
ويتجاوز الإشكال الظاهر على سطح النص إلى حقيقة سرمدية يجتمع عليها 
أهل الاعتقاد وقد ضبط ذلك المنهج ني مصطلح «التأويل » وابن قتيبة 
لا يكف » رغم أصالته السنية من التوسل بمفهوم أحاطت به جملة من 
الريب لتواتره على لسان نحل أخرى لا يثق السنيون في سلامة عقيدتهم 
وصفاء نواياهم . وليس ١‏ تأويل مشكل القرآن » المؤلف الوحيد الذي اختار له 
هذا العنوان فله في (الحديث » كتاب مشهور بهذا العنوان . (3) ولكن 
المؤلف لا يترك معنى المصطلح مطلقا فيحدد أبعاده رادا إياه إلى حظيرة 
الإتباع والاهتداء برأي الأثمة من العلماء : 

«فألفت هذا الكتاب جامعا لتأويل مشكل القرآن مستنبطا ذلك من 
التفسير بزيادة في الشرح والإيضاح » وحاملا ما لم أعلم فيه مقالا لإمام مطلع 
على لغات العرب لأآري به المعاند موضع المجاز وطريق الإمكان » من غير 
أن أحكم فيه برأي أو أقضي عليه بتأويل » (4) . 

والتأويل » في قضية الحال » يتصل بأشكال التعبير الظاهرة وردها إلى 
مستوى أصلي ليتكشف المعنى بالدلالة الوضعية وبيان أن الخروج عن مألوف 
(1) تأويل مشكل القرآن » ص 132 . 

(2) المصدر السابق » ص 3 . 

(3) هو « تأويل مختلف الحديث » . 
(4) تأويل مشكل القرآن » ص 23 . 
328 


العبارة لا يبدل من ذات المعنى وإدما هو معنى إضاني يتركب على اللمعنى 
الأصلى ومن هنا برزت ضرورة تزامن وصف الأشكال الأصلية والأشكال 
المعدولة والبحث » في كل مرة » عن المصطلح الملائم لتوع العدول أو الخروج 
وتعليقة بمعتى من العانى قطعا لدابر العبث اللغوي خاصة والأمر يتعلق 
لض فرق ا هذا المنظور » استخراج مجهول من معلوم 
يستوجب الانطلاق من مقدمات تصون التأويل عن الزلل وتقنع بسلامة 
النتيجة واستقامة الاستنتاج . 

والمقدمة المنهجية التى تفرض نفسها » في هذا الصدد » مقدمة ذات 
فرعين اكع ارا امار تفاسنا مشتركا أعظم بين اللغات وضرورة في التعبير 
لا مناص من ركوبها إذ يتين «لمن قد عرف اللغة أن القول يقع فيه 
المجاز » (1) وتفوق العربية على سائر اللغات لافتنان أهلها في الأساليب 
وشدة عار ضتهم قي البيان واتساعهم في المجاز . 

« وإنما يعرف فضل القرآن من كثر نظره واتسع علمه وفهم مذاهب 
العرب وافتنانها في الأساليب وما خحص به لغتها دون جميع اللغات ٠‏ فإنه 
ليس في جميع الأمم أمة أونيت من العارضة والبيان واتساع المجاز ما أوتيته 
العرب ) (2) . 

وقد اقتضى ذلك البحث في تراث السلف عن مفهوم للمجاز يتلاءم 
والغرض المرسوم واستعراض تلك المجازات حتى تقوم مقام الإطار العام 
الموضوعي الذي يتحرك منه ابن قتيبة لبلوغ ما يروم من تأويل والإقناع بأن 
لتأويل مدعم بالحجج النقلية التاريخية . وقد وجد بغيته لدى اللغويين المنتمين 
إلى فترة ما قبل الجاحظ والذين اتخذوا من المدونة القرآنية منطلق أبحاثهم 
من أمثال الفراء وأبي عبيدة . فجاء مفهوم المجاز في كتابه مطابقا لمفهوم 


(1) تأويل مشكل القرآن » ص 109 » وانظر في نفس المعنى ص 132 . 


(2) م 0 ص 20 , 


329 


أفن عبيدة كما أن الأساليب التى ضبطها لا تخرج عما كان ضبطه هذا الأخير 
ومعاصره الفراء ١‏ 


وللعرب المجازات في الكلام ومعناها : طرق القول وما ذه ففيها 
الاستعارة والتمثيل ‏ والقاب » والتقديم ؛ والتأخير » والحذف » والتكرار ؛ 
والإخفاء » والإظهار » والتعريض والإفصاح » والكناية » والإيضاح » 
ومخاطبة الواحد مخاطبة الجميع » والجميع خطاب الواحد » والواحد 
و الجميع خطاب الإثنين » والقصد بافظ الخصوص لعنى العموم » وبلفظ 
العموم لمعنى الخصوص مع أشياء كثيرة ستراها في أبواب المجاز إن شاء 
الله تعالى (1) . 


ومتى وصلنا الى هذه المرحلة استشرفنا النتيجة النهائية والحاسمة التي 
يروم ابن قتيبة بلوغها وهي قوله : « وبكل هذه المذاهب نزل القرآن ») 5 
ومنطوق هذا الاستخلاص أن القرآن وإن خرج عن مألوف الكلام فهو ليس 
خارجا عن أساليب العرب . وهذه قناعة تحتل حجر الزاوية من كل المحاواات 
البلاغية التي كان القرآ ن منشأها وتكمن قوتها في أنها تخدم تصورهم لقضية 
الإعجاز من جهة وتسمح بتخريج الايات القرآنية المصرة على انتماء اغة 
القرآن إلى حضيرة العربية (3) على أقوء لكين و القن رترت 
على أساليب العرب وحصرها وتبويبها يوفر المرجع التاريخى الثابت الدال 


ال ا ع العرب » ويجري 


أنه 0 عن الراضعة 0 تنختص  )‏ - حسب عبارة القاضى : و 


(1) تأويل مشكل القرآن » ص 20 . 

)2( المصدر السابق » ص 21 . 

)3( مثال ذلك الآيات )0 وهذا لساث عر دي مبين ) (النحل/103) (1) فائما يسرناه بلسانك تمش 
به المتقين وتنذر به قوما لدا , (صريم/97) . 5 


330 


الجبار - (1) وتشمل هذه كل طرائق الأداء الفنية المعدولة عن مألوف الاستعمال 
والتي تصبح بتراكمها على محور الزمن سنة « كلامية » تنضاف إلى السنة 
اللغوبة أي أنها سنة خاصة داخل سنة عامة . 

فالقرآن نص فني لا تخرج أساليبه عن إطار المواضعة الخاصة المتمثلة 
العادي المألوف » وهنا نصل إلى فكرة نعتبرها قطب الرحى ني نظرية الإعجاز 
عند العرب » من حيث الشكل اللغوي بدون شك » وهي أننا لا نجد في 
تاريخ إعجاز القرآن ومؤلفاته الكثيرة من ربط الإعجاز بهذه الوجوه 
والأساليب . والسبب في ذلك بسيط : فلا بد للنص القرآني ليمتاز عن 
غيره من الكلام البشري - بما فيه الكلام الأدبي - أن يكون خروجا عن 
الخروج نفسه وإل” بطل الإعجاز » ثم إن هذه الوجوه والأساليب تتعلم 
والعلم والإعجاز مقولتان متضادتان لذلك سيبحثون عن مسالك وظواهر 
أخرى يفسروله بها . 

ويمكن تلخيص ما تقدم على النحو الآني 

1 اللغة مولد الاستعمال العادي بغية التواصل بين أفراد المجموعة 

2 أساليب العرب -_- خروج عن الاستعمال العادي 

3 الفرآن مخرج على أساليب العرب 

من مجازات ] . 

وبما أن غاية ابن قتيبة الرئيسية ليست البحث عن جوانب الإعجاز القرآتى 
والتعمق بي خصائصه اللغوية النوعية التي جعلت منه نصا فريدا متميزا رغم 
استعماله لنفس المادة اللغوية وجريه على أساليب معروفة » فإنه قصر اهتمامه 


(1) انظر : المغني في أبواب التوحيد والعدل : المجلد السادس عشر » تقديم أمين الخولي » 
ط 1 مطبعة دار الكتب » القأهرة » 1960 / 1380 ص 220 : 


3031 


على الطرف الأول من المعادلة » أي دراسة أساليب العرب التي تأثرها القرآن 
دراسة موسعة على جائب كبير من الترتيب والتبويب » ليتمك: ن دن رفع 
الإشكال الحاصل ني ظاهر النص وإن لم يمنعه ذلك من الاستطراد » أحيانا » 
إلى ذكر خصائص القرآن « كعجيب نظمه » (1) وجمعه ١‏ الكثير من معانيه 
في القليل من لفظه ) (2) . 


ويتير المؤلف » قبل الانتقال إلى القسم الثاني من تأليفه » مشكلة وثيقة 
الصلة بالجانب لقال لكن انائجها متتعكين عل الدّراسات الأدبية جملة . 
وستساهم بقسط وافر في لفت نظر البلاغيين المتأخرين إلى الكيفية المخاصة التي 
توظف بها اللغة في الم الم ا ا 
الأحكام المستخلصة من هذه الطرائق ق في التعبير » الخارجة عن أصل الوضع 
والمباينة للمألوف قي تعليق المعنى باللفظ أر هي بصورة أوضح علاقة المجاز 
بمقولتي الصدق والكذب . وقد حركه إلى إثارة هذه المشكلة موقف الطاعنين 
على القرآن باستعماله المجاز وهو في رأيهم كذب ينتقض به جوهر الرسالة. 
ذاتها . وقد كان ردآه عليهم شديد اللهجة معتبرا ما لهجوا به :من أشنع 
جهالاتهم وأدلها على سوء نظرهم وقلة أفهامهم ) 30( وحنقه عليهم لم يمنعه 

ن القماس الحجة اللغوية الدقيقة النابعة من نظرة تاريخية إل أضول العين. : 
ع لور ساح ل ار فاقين لاه اعد 
الكلام مجاز إن نظر إلى الأمور بمنظار عقلي صارم يحترم حدود أقسام الكلام 
والعلاقات المنطقية التي يمككن أن تقوم بينها . 

«وأما الطاعنون على القرآن بالمجاز فإنهم زعموا أنه كذب لأن الجدار 
لا يُريد والقربة لا تسأل وهذا من أشنع جهالاتهم وأدلها على سوء نظرهم 
وقلة أفهامهم . ولو كان المجاز كذبا وكل فعل ينسب إلى غير الحبوان باطلا 


(1) و(2) تأويل مشكل القرآن » ص 3 . 


(3) المصدر السابق » نفس الصفحة . 


3032 


كان أكقر: كاحنسا فاسد] “لأنا نشوك نبت القنان بوطالكا القصيرة رارك 
الثمرة (.....) ولو قلنا للمنكر لقوله : « جدار يريد أن ينقض” » كيف كنت 
أنت قائلا في جدار رأيته على شفا انهيار : رأيت جدار ماذا ؟ لم يجد بدا من 
أن يقول : جدار يهم أن ينقض أو يكاد ينقض (....) وأيا ما قال فقد جعله 
فاعلا ولا أحسبه يصل إلى هذا المعنى في شيء من لغات العجم إلا بمثل هذه 
الألفاظ ' (1) . ولح تسمح اللهجة الدفاعية الطاغية على الكتاب باستنز اف أبعاد 
هذا الموقف الهام » والغوص على مخزونه اللغوي الحقيقي » حتى لا يبقى 
الحديث محصورا في هذا الأفق الضيق من نفي المجاز أو إثباته . فقد كان في 
مقدور المؤلف أن يحوله إلى بحث في تطور اللغات وعلاقة المجاز بالحقيقة » 
وتولد أحدهما عن الآخر تولدا ذائيا بمفعول عوامل خارجية حافة وأخرى 
داخلية صميمة . بل كان بإمكانه أن يتفطن في هذه الحقبة المبكرة من تاريخ 
العلوم اللغوية والبلاغية إلى التركيبة المعقدة التي تنتظم مؤسسة اللغة وإلى أن 
تقسيم مسالك أدائها هذه القسمة الثنائية الفظة  :‏ الحقيقة والمجاز - تقسيم 
قد يكون صاللحما من وجهة عملية إلا أنه يصرف نظر الباحث عن كثير من 
القضايا اللغرية الجوهرية . 

فمن المسائل التي كان بالإمكان إثارتها التساؤل عما إذا كان كل” مجاز 
فركت عل حقيقة :دنا زهي حقيقة جملة مو الوع «طالت الشجرة) و١‏ أينعت 
الثمرة ؛ وحتى إذا ما قدرنا الفعل للخالق في الجملتين فإن الحقيقة الناتجة ترضي 
العقيدة لا اللغة . وكان بالإمكان التعمق في بحث أطوار اللغة وتولد مستواياتها . فإذا 
سلمنا بأن المجاز يتطورعن الحقيقة فإن المجاز بدوره يولدء بفعل الزمن » الحقيقة بأن 
ينسى المستعملون الأصل المجازي ويتحول ما كان بالأصل ابتداعا إلى اشتراك . 

لم يكن هم ابن قتيبة دراسة هذا الجانب من وجهة لغوية خالصة » وإنما 
أدى به إليه دفاعه عن القرآن وبحثه عن الحجج التي يدعم بها مقدمته « ليرى 








(1) تأويل مشكل القرآن » ص 132 . 
3035 


المعاند موضع المجاز » (1) . وسيتلقف اللغويون التأخحّرون هذه الإشارة 
ويدرجونها ضمن خصائص العربية وأصولها . إلا أنهم سيستفيدون بما رسم 
ابن قتيبة وأن يطوروا هذا المبحث تطويرأ كبيرا (2). 

والنتيجة الأدبية لدفاعه عن المجاز وإبطال رأي القائل بأنه كذب فهسى 
موقفه المناصر للشعراء على حسابت المتشددين من اللغوبين والنقاد الذين كانوا 
. يؤاخذونهم بشعر هم المنسوب إلى الإفراط وتجاوز المقدار . فقد كان يرى (3) 
أن ذلك جائز حسن لأن القصد منه البالغة ني التعبير عن الفكرة وتأكيدها 
و يعتبر موقفه من هذا النهج في التعبير أوضح موقف إلى عهده 2 سرف أن 
الخوض في هذا الموضوع سيصبح في وقت لاحق قضية من قضايا النقد الكبرى . 

أما القسم المخصص لدراسة أوجه المجاز دراسة مفصلة بضبط الحدود 
وإيراد الشواهد وفق ترتيب وتبويب لم نعهدهما في جهود البلاغيين السابقين 
فيستر عى الانتباه من عدة جوانب . 

أولهما غياب ١‏ التشبيه ) عن المجازات الثمانية عشر التي ذكرها . 
فبالإضافة إلى أنه لم يخصه يباب »كانت نسبة تواتر المصطلح في الكتاب ضثيلة (4). 

فما سبب هذا السكوت وقد رأيناه في « الشعر والشعراء » كثير الاهتمام . 
به حتى غدا مقياسا من مقاييس جودة الشعر القارة ؟ 

إن تطور قضايا البلاغة وتاريخ تأليف الكتاب لا يفسران ذلك . فمن جهة 
تطور العلم ذكرنا أن التشبيه كان في صدر المسائل البلاغية التي اهتدى إليها 





(1) تأويل مشكل القرآن » ص 23 . 

2( من أبرز اللغويين القائلين بهذا أبو الفتح عثمان بن جني في كتاب الخصائص انظر على 
سبيل المثال باب « فيما يؤمته علم العربية من الاعتقادات الدينية » 245/34 فهو يفتتحه 
بقوله: « (..) وطريق ذلك أن هذه اللغة أكثرها جار على المجاز وقلما يخرج الشيء 
منها على الحقيقة » . 1 

(3) تأويل مشكل القرآن » ص 172 . 


(4) انظر مغلا » المصدر السابق » ص 245 » 247 . 


5334 


العرب . وقد ساهم علماء القرن الثاني وبداية الثالث في إرساء معالمه وتوضيح 
أسسه ومعانيه . فلا يعقل أن يكون ابن قتيبة جاهلا بكل هذه المعلومات 
ولا سيما أنه دل » في عديد المواطن من مؤلفاته » على معرفة دقيقة بمقالات 
أئمة اللغة في مختلف العلوم العربية الإسلامية . 

وافتراض أن « تأويل مشكل القرآن » ألف قبل ١‏ الشعر والشعراء» لا 
يرفع الاستغراب ولا يجيب عن السؤال والحجة من مادة الكتاب نفسه : فمن 
غير المعقول أن يتفطن مؤلف يجهل التشبيه لمبحث الاستعارة ويخصها يباب 
بذلك الطول (1) خاصة أنها أقل الأبواب تبلورا ني الفترات السابقة ويحتاج 
تصورها إلى الإحاطة بالتشبيه لآن قسمها الأكبر يقوم على علاقة المشا كلة والمشابهة. 


الغالب على الظن أن سكوته عن باب التشبيه في مؤلف يتناول النص 
القرآني يعود إلى أسباب عقائدية لابست نشاطه اللغوي ومشاركته في البلاغة . 

فبعض المصادر القديمة تتهمه بالانتماء إلى المشبهة (2) وأصل هذه التهمة 
وقوف ابن قتيبة من بعض الآيات المحتوية على تشبيه الذات الإلاهية عند ظاهر 
النص دون تأويل (3) . 

وليس غرضنا إثبات هذه التهمة أو نفيها فذلك خارج عن حدود بحثنا 
وإنما غرضنا أن نبين مدى تأثير العوامل غير البلاغية في البحث البلاغى » فسواء 
سكت المؤلف عن التشبيه تضليلا وتقية أو خوفا على العقيدة من نفس الاعتقاد 
الأسس العميقة التى تتحرك عليها كل الإفرازات الفكرية لأديب أو لعصر 
بينها بدون مراعاة هذه الأصول . 
(1) يبدأ باب الاستعارة من صفحة 135 . 


2( انظر : الحافظ الذهبي 3 ميزان الاعتدال © طبعة مصر (د. تت 12 3 
(3) انظر على سبيل المثال : تأويل مشكل الحديث » ص 67 والاختلاف في اللفظ ص 28 - 29 . 


305 





أما الجانب الثاني اللافت للانتباه في هذه القائمة فهو غياب الترتيب 
الداخلي بين مختلف الوجوه وحتى بالنسبة إلى الوجه الواحد . فلئن افتتح هذا 
القسم بباب الاستعارة « لأن أكثر المجاز 3 فيه » (1) ويكون بهذا الصنيع 
أول من أشار إلى أهميتها وخلق سنة ني التأليف سيقتفيها جل البلاغيين بعده 
ولا سيما عبد الله بن المعتز في كتابه ( البديم ) الذي افتتحه بباب الاستعارة 
لين الس زف ؛ فإنه فصّل بينها وبين الكناية والتعريض بعدة أبواب تتعلق 
بالتركيب كباب والحذف والاختصار » (3) وباب «تكرار الكلام والزيادة 
فيه ) (4) ثم يعود إلى ذكر بعض أنواع الاستعارة (5) وتأتي في النهاية أبواب 
متعلقة بدلالاات الألفاظ كباب ( الافظ الواحد للمعانى المختلفة » (6) وهوا 
مبحث لغوي هام متين الصلة بعلم المعاني » يليه باب عاض ب( تفسير حروف 
المعاني وماشاكاتها من الأفعال التي لا تتصرف » (7) . 


وواضح من كل ما تقدم أن الرابط بين كل الأبواب والمنظم لها انتماؤها 
إلى المجاز ولهذا السبب لم يفكر ني تقسيم خاص جزئي داخخل التقسيم العام 
الشامل الذي يتسع لكل الآلوان البلاغية . 


وسنرى أن الدراسات اللاحقة لم تكن أكثر إحكاما ني الترتيب والتبويب 
إلا بعد أن حددت المجال الدلالي لمصطلح المجاز وخرجت به عن دلالة القرن 
الثاني فقصرته على الصورة وكيفيات التعبير التي تعتمد « معنى المعنى » للوصول 
إلى الغرض (8) . 


(1) تأويل مشكل القرآن » ص 134 . 

(2) ستفصل القول في ذلك فيما بعد . 

(3) يبدأ هذا الباب من الصفحة 210 . 

(4) ص 232 وما بعدها . 

(5) ص 302 . 

(6) ص 439 وما بعدها . 

(7) ص 517 وما بعدها . 

(8) انظر في ذلك العمدة » 266/1 ومفتاح العلرم ص 172-171 . 


336 


وليس مصطلح المجاز المصطلح الوحيد الذي استعمله أبن قتيبة استعمالا 
فضفاضا يضيع معه القصد وتنطمس حدود الوجه فتتداخل خصائصه مع 
خصائص وجوه شبيهة به . ويظهر ذلك » بوجه خاص » في باب الاستعارة . 
فمن التعريف المقترح نفهم أن المؤلف سيوسع من دائرتها بحيث تضم 
الاستعارة ‏ كما حددت في الدراسات الموالية ‏ مسائل أمرى لها بها صلة 
إلا أنها تختلف عنها كالمجاز المرسل بمختلف علاقاته والكناية . 

فيقول في التعريف : « فالعرب تستعير الكلمة فتضعها مكان الكلمة إذا 
كان المسمى بها بسبب من الأخرى أو مجاورا لها أو مشاكلا فيقولون للئبات 
نوء لأنه يكون عن النوء عندهم ) 09 . 

فالفرع الأول من هذا التعريف ينطبق على المجاز المرسل والفرع الثاني 
على الكناية أما الثالث فينطبق على الاستعارة . 

وإذا انتقلنا إلى الشواهد العديدة تأكد ما ذهبنا إليه . فمن تلك الشواهد 
قوله : « يقولون للمطر سماء لأنه من السماء ينزل فيقال ما زلنا نطأ السماء حتى 
أتيناكم . قال الشاعر : (الوافر) 

إذا سقط السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابا» (2) 

وسيدرج علماء البلاغة المتأخرون هذا البيت في المجاز المرسل المقام على 
علاقة السببية وإنما حمل ابن قتيبة على هذا الفهم اعتماده على أسلافه نخاصة 
الجاحظ ٠»‏ ويبدو أنه تأثره في إيراد هذا الشاهد دون أن يعيد النظر فيه . 

ومن الشواهد التي يتداخل فيها مفهوما الكناية والاستعارة تعليقه الواضح 
على الابة «ولكين توَاعد وهسن سسرا ) (3) يقول : السسر » التكاح لأن 
(1) تأويل مشكل القرآن » ص 135 . 
(2) المصدر السابق » نفس الصفحة , 
(3) البقرة/235 , 
(4) تأويل مشكل القرآن » ص 124 . 


033 


بل إن من الشواهد ما قد دل على أنه يدخل التشبيه في الاستعارة كتخريجه 
للآبة ١‏ نسا نساؤكم حرث ١‏ لكم ) (1) يقول م أي مدر كما تزدرع 
الأرض » )(2). 

وبالإضافة إلى كل" ما تقدم نلاحظ أنه لا فرق بين نوعي الاستعارة 
الرئيسيين الاستعارة القائمة على التشبيه ذات الغرض البلاغي الواضح والاستعارة 
غير المقيدة التى أطلق عليها قدامة بن جعفر ١‏ فاسد الاستعارة) (3) وهي 
المرتكزة على 5 من التوسع لا يحترم اختصاص الكلمة في الدلالة كأن نطلق 
أعضاء الحيوان » مثلا » على الإنسان كقول الشاعر : (طويل) 

سأمتعها أو سرف أجعل أمرها إلى ملك أظلافه لم تشقق 
وقول الآخر : (طويل) 

قروا جارك العميان لما جفوته 2 وقلص عن برد الشرا ب مشافره 


وم يشر ابن قتيبة إلى ما في الأبيات من مبالغة في التحقير والهجاء وكأنها 
بالنسية إليه رلا تحمل معنى من المعازق ولا تهدف إلى غرض بلاغى وإثما كان 
هذا الإطلاق من باب التوسع اللغري ) (4) . 


وعلى هذا النمط يتبين لنا أن الاستعارة » عنده » تضم أشتاتا من 
الأساليب فهو يطلقها على جميع أضتاك" البجاز العروقة إل فته معنا عنذا 
التغبيرات الطارئة على بنية الجملة وبمقارنتها بمفهوم المجاز نتبيّن” أنه يطلق 
لجان عر تل التغييرات الطارئة على مسالك الأداء سواء تعلقت بالجملة أو 
باللفظ حتى لكأنته يستعمله فيما يدل عليه مصطلح البلاغة . 


(1) البقرة/223 . 

(2) تأويل مشكل القرآن » ص 125 . 

)3( نقد الشعر » ص 103 . 

(4) عبد القادر حسين » أثر النحاة في البحث البلاغي » ص 183 . 


338 


أما الاستعارة فمعناها أضيق من المجاز بالمعنى الذي تبناه وقريب من معناه 
الذي ستحدده المصادر ي وقت لاحق أي أنها تشتمل على مسائل من قسمى 
الببان والبديع . 

والجانب الثالث الذي يسترعي الانتباه يتعلق بطريقته في تناول الأبواب 
وهي نتسم بالحرص على استقصاء مختلف جوانب الوجه وإيرادما يوضحها 
من الشواهد المستقاة من القراآن والشعر . ولتوضيح ذلك نستشهد بما ورد في 
باب الحذف والاختصار فهو ستعرض أهم أشكالة المعروفة:. 

حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه وجعلٍ 3 له كقوله تعالى 


ل 6 سب مل 


«واسأل القرية ال يجيي (1) أي سل أهلها 


أ توقع افعل عل شينين وهو لأحدهما وتشير للاضر فعله كقوله 
ل 0 0 9 واس اكه عي ناس و 25 
سيحاته : « يطوف عليهم ولدان ممخلدون ن 'يأكواب واباريق 
< 3 مه 282 


اتن 06 مسعين ( ثم قال : «وفاكهة مما بتخيرون” ولحم 
يا ل رد ري ا واللحم والحور العين لا 


3-2 


يطاف بها وإنما أراد : ويؤتون بلحم طير » . ولتأكيد ذلك يستشهد بقول 
الشاعر : (الطويل) 

تراه كأن الله يجدع أنفه وعينيه إن مولاه تاب له وفر 
أي يجدع أنفه ويفقأ عينيه . 

أن يأتي بالكلام مبنيا على أن له جوابا فيحذف الجواب اختصارا لعلم 

) ولولة فَضل” الله عليك”" ور خينة وإن الله ف رحيم ) (3) 
ويعلق قائلا : ( أراد لعذبكم فحذف)». 
(2) الواقعة/18 - 22 . 
(3) النور/20 . 

3039 


حذف الكلمة والكلمتين 
( فأمنًا الددين درت وجوههم أكفر 0 ) (1) والمعنى فيقال 
لهم أكفرتم ؟ 
وومن الاختصار القسم بلا جواب إذا كان ني الكلام بعده ما يدل على 
الجواب ( 
«والتاغات: غرها ال . “دوم رعق الراجفة” ) 2 لم 
يأت بالجواب لعلم السامع به إذ كان فيما تأخر من قوله دليل عليه . 
«ومنه أن تحذف دلا) مز و الكلام رواحي إثباتها وهي تحذف مع اليمين 
كقير اا : تاللهر تفز دل كر وه ) (3) أي لا تزال تذكر يوسف ) 
ومن الاختصار أن تضمر لغير مذكور ) 
و حتى توارت بالحجاب ) (4) ( ب يعني الشمس ولم يذكرها قبل ذلك ) (5) 
وقد يزاوج بين هذا الحرص على التفصيل والتفريع وذكر الوظيفة فتراه 0 
ثارة » ينطلق من الوظيفة ويبنى عليها الباب وإن كان يتركها لاستعراض 
الأشكال والهيئات ©©6) وتراه تارة أخرى يعرض عن ذكر الوظائف تماما 
شأن باب الحذف والاختصار السابة 
ولعل أبرز سمة في كيفية تناول الأبواب ذكره أحيانا محاسن الباب 
ومساويه وهو يذلك أول من ذبه إلى هذه السنة 5 في التأليف الني ستغدو خاصية 
قارة في كتاب ( البديع ) لابن ال 


36 26 


(1) آل عمران/106 . 

2( النازعات/1 -6 , 

(3) يوسف/85 . 

© ص/32 . 

(5) انظر في كل ما تقدم باب الحذف والاختصار 210 - 226 , 
)6( انظر باب المقلرب ص 185 . 


340 


والخلاصة أن ابن قتيبة كان من أكبر المستفيدين » في الصف الثاني 
من القرن الثالث هجريًا » من مجهودات اللغويين والأدياء قبله » فجمع ما 
حوته مؤلفاتهم من معطيات نتصل بمجازات العربية وحاول تنظيمها مع إيفاء 
كل مسألة ما يوضحها من الشواهد ويعين على بلورة حدودها . 


ولئن لم تتطوّر البلاغة على يديه على صعيد الابتداع والخلق » إذ لم يزد 
على ما وقف عليه أسلافه كأبى عبيدة والفراء والجاحظ فإن" ذلك لا ينقص 
من قيمة مساهمته التى احتوت على كثير من الجوانب المهمة . 


فرغم أنه لم يخص البلاغة بتأليف مستقل فإن تبويب مسائلها بالصورة 
التى رأيناها في « تأويل مشكل القرآن » يعتبر خطُوة” حاسمة مهدت لظهور 
المؤلفات المستقلة التى لا نشك أنها استفادت من عمله . 


وعدم آعخصيص البلاغة بكتاب أمر هام ني ذاته فكثرة مؤلفات الرجل 
وتنوعها وانتشار المادة البلاغية على طول تلك المؤلفات جعل منها أحسن دليل 
وأنصع بيان عن العوامل الفعالة في نشأة البلاغة العربية . وليس في العربية فيما 
تعلم عوات ترحنتك آثارة تضصدق عن أشيبة تلك العوامل قبل 


ابن قتيبة . 


ثم إن الرجل أثار عددا من القضايا الهامة ووقف من بعضها مواقف 
جريئة لا يضيرها تنزلها في سياق ديني عقائدي . نلكر منها دفاعه عن ضرورة 
المجاز واعتباره مسلكا في التعبير بدونه لا يتسنى للانسان التعبير عن كل مقاصده 
وبذلك أبان عن تهافت الرّأي الذي يقرنه بالكذب » وكان من نتائج هذا الموقف 
أن وقف بجانب الغلو والإفراط في الصفة » منتبها إلى أنها لا تؤثر في ذات 
المعنى وإنما تكسب قوة لا يمكن إدراكها بالعبارة الغفل العارية من الزينة » 
وي هذا إدراك : غامض لا مجالة لبعض وظائف اللغة في الأدب وعلاقة أشكال 
التعبير بالفن . 


341 


2 البلاغة عند المبسرد (210ه ‏ 285ه) 


المبرد من جيل ابن قتيبة (276-213) وتلميذ للجاحظ روى عله في عدة 
وكيس كيه شمن بر راق مر ل ل 1 


إلا أن هذه التدلمل”: ة وذلك الترامن م يتولد عنهما 7ج تجانس قُ الاهتمام 
والمشارب 4 فلئن كانت ثقافة كل من الجاحظ وابن قتيبة تتسم بالشمول والنظر 
الموسوعي » مع فارق في الدرجة والنوع » مسخرة لأغراض عقائدية أملاهم 
انتمائهما المذهبي فإن ثقافة المبرد غلب عليها الطابع اللغوي بالدرجة الأولى 
والطابع الأدبي بالدرجة الثافية فالرجل شيخ من شيوخ النحو والعربية (2) ورأس 
الطبقة السادسة من النحاة إليه « انتهى علم النحو بعد طبقة الجرمي والماز في ) (3). 


والناظر في قائمة المصادر المنسوبة إليه (4) يرى بوضوح غلبة هذين 
المنزعين » رغم أنه لم يتخلف عن المساهمة بالتأليف في مشاغل عصره . 
إلا أنه إما باشر ذلك من زاوية لغوية شأن أبحاثه المتصلة بالقرآن « كإعراب 
القرآن » «والحروف تي معانى القرآن إلى صورة طه ) « وما اتفق لفظه 
واختلف معناه من القرآن م 459 أو أن مساهفحه لأ تسدو 
الرسالة المفردة في الموضوع . والغالب عن الظن أنها دون ما ألف الآخرون 
فيه تذكرها المصادر القديمة بلا تقريض كبير . من ذلك رسالته في ١‏ الأنواء 
والأزمنة ) و«الحث على الأدب والصدق ») « وغريب الحديث ) «ونسب 
عدثان وقحطان » ©6) . 


(1) انظر الكامل » تحقيق رايت (قطع078) لايبزج (9ن2ماء.آ) » 1864 »2 ص 237 » 338 » 
2 » 372 . 


(2) ابن خلكان » وفيات الأعيان » ط . القاهرة » 1948 » 441/3 » 445 . 

)3( السير افي » أخبار النحويين البصريين » ط . القاهرة » 1955 . 

(4) انظر القائمة الواردة في تحقيق رمضان عبد التواب لرسالته في البلاغة. ص 49-38 ع 
وقد أشار فيها إلى أماكن ذكر المزلف في المصادر وإلى المخطوط منها والمطبوع والمندثر . 

(5) طبع هذا الكتاب بالقاهرة سنة 1350 بتحقيق عبد العزيز الميمني . 

(6) نشرت في مصر سنة 1936 بتحقيق عبد المزيز الميمني . 


342 


والمنشور من آثاره قليل من كثير أشهرها ١‏ الكامل » (1) في اللغة والأدب 
و« المقتضب » 2) في النحو ورسالة في المفاضلة بين بلاغة الشعر وبلاغة 
النثر (3) . 

وتتجلى مساهمته البلاغيئة في «الكامل ) ورسالته ني البلاغة » أما ما جاء 
في ( المقتضب » فهو لا يزيد عن مجرد الشرح والتفسير لما تضمنه التراث النحوي 
البصري ولا سيما « كتاب » سيبويه » من مسائل تخص التركيب جرهم إل 
الحديث عنها مشغلهم النحوي. فقد ذكر فيه الحذف وغاياته وحدوده : تحدث 
عن حذف حرف الجر (4) والمضاف (5) لغاية الإيجاز (6) وقيده بعاسم 
المخاطب حتى لا يقسع اللبس ويعمى المعنى (7) » كما تحدث عن الظاهرة 
المقابلة » وهي الزيادة . وركز مبحثه على زيادة الحروف ودورها في تأكيد 
المعنى (8) . وجمع إليها ظواهر تركيبية أخرى يؤتى بها لنفس الغرض . فذ كر 
أهمة صتمي التضص لي التأكيدة ,رق .. كما اول يعن الأسالب وعرويهيا 
عن أصل معناها كالاستفهام (10) والتقديم والتأخير وربط غاياته بعناية المتكلم 
بطرف من أطراف الجملة (11) . إلى غير ذلك من المسائل التي سبق أن أشرنا 





(1) طبع الكامل عدة طبعات أقدمها نشرة ليبزج (218م81آ) 1864 بتسقيق المنتشرق 
رايت 771850) وسنحيل عل هذه النشرة ونشرة مكتبة المعارف » بيروت » (د. ت.) 
دهي لقع في جزئين . 

(2) نشر برعاية المجلس الأعلى الشؤون الإسلامية » القاهرة » (د. ت.) . 

(3) نشرت أول مرة بمجلة (372-382 ,36 ,52165 21092 ,02168512118) بعناية المستشرق 
قرنباوم (0621026681183) ثم نشرها رمضان عبد التواب سنة 1965 » مكتبية دار 


العروبة » القاهرة . 
(4) المقعضب ٠»‏ 336/2 . 
)5( 9 230/2 26 231. 
6( 9 337/2 » 210/3 »ع 215 . 
0( ةف 2129/4» 130. 
)3( در 48/1 » و24 51 , 54/2 » 134 ؛ 356 2 558 » 362 ٠‏ 418/4 . 
9 ف 104/4 . 
)00 9ف 53/2 » 228/3 ء 264 ء» 268 » 289 ) 292 ») 307 . 
)011 9 69/2 »71 » 142 . 5/3 » 27 » 5و. 2118/3 293 . 


343 


إلى الكثير منها ني القسم الأول من هذا العمل » ول نلمس في تناول المبرد لها 
أي مجهود خاص يمكن أن يعد" تطويرا لها وتعميقا بحيث يستحق أن يذكر 
بشىء من التفصيل في هذا المجال . 


000 


ونبدأ حديثنا عن مظاهر الطرافة والجدة في مشاركة المبرد في 
تطوير مسائل هذا العلم برسالته في البلاغة . فرغم صغر حجمها وتواضع 
مضمونها بالقياس إلى عنوانها تبدو لنا جديرة بالاهتمام ناهيك أن صاحبها 
«أول من أطلق البلاغة على بعض رسائله » (1) والدافع إلى تأليفها رسالة 
وردت عليه من بعض أولي الأمر يسأله فيها رأيه في : «أي البلاغتين أبلغ 
أ بلاغة الشعر أم بلاغة الخطب والكلام المنشور والسجع ؟) (2) . فبين أن 
مصطاح البلاغة في هذه الرسالة مستعمل في معنى خاص يتصل بغرض المفاضلة 
بين شكلين من أشكال الكتابة : المنثور من جهة والمنظوم من جهة ثانية . وهو 
نوع من البحث بدأ في القرن الثاني مع بروز مشاهير الكتاب بي الدواوين » وتبلور 
في القرن الثالث على أيدي الجاحظ وابن المدبر وتركز ني القرن الرابع على يدي 
أبي بكر الصولي » ولا سيّما أبا حيئان اتتوحيدي (3) . 

فالرسالة لا تتناول » كما قد يظن من عنوائها » علم البلاغة بالدرس 
والتبويب والتحديد . وإنما هي آراء في جودة الشعر وجودة النثر ومحاولة 
للمقارنة بينهما لم تنته إلى نتائج حاسمة . 


ولعل أول ما ينترعي الانتباه فيها الجهد الواضح في تخطيط الإجابة 
وإرسائها على أصل ثابت ولو بصفة جزئية . ويبدو هذا المجهود ني الانطلاق 


(1) انظر : أحمد مطلوب » مصطلحات بلافية » ط 1 بغداد » 1072 6 ص 44 . 

(2) الرسالة » نشر عبد التواب » ص 59 . 

(3) انظر البشير المجدوب ء تحليل نقدي للمفهوم النشر الفني عند القدامى » ضمن » قضايا 
الأدب العربي » تونس » 1978 . 


344 


من تعريف البلاغة حتى يعتمد الحكم على مقياس واضح » وقد عرفها 
شوله : 

« حق البلاغة إحاطة القول بالمعنى ؛ واختيار الكلام » وحسن النظم حتى 
تكون الكلمة مقاربة أختها » ومعاضدة شكلها : وأن يقرب بها البعيد ويحذف 
منها الفضول ) (1) . 

والناظر في هذا الحد” يلاحظ أن اللمبرد لم يبتدع أي طرف من أطرافه » 
فجميعها موجود بلفظه أو بمعناه في المؤلفات السابقة وفي « البيان والتبيين » 
بوجه خاص . إلا أن الطريف في الأمر أن المبرد قام بعملية تأليف بين مجموعة 
من التعريفات » حتى يخرج حدا جامعا لأغلب المظاهر التي وقع التعرض إليها 
بصفة مفردة . ولذلك فإننا لم نقف قبله على تعريف يعادل تعريفه شمولا 
وإن كانت كل العناصر متوفرة في المادة السابقة . 

والتعريف الذي ألفه مستويات تقوم على التدرج : أولها لغوي عام يتصل 
بعلاقة الدال بالمدلول . وقد بلور هذه العلاقة في لفظة « إحاطة ») وفيها معنى 
المحاصرة والاحتواء . أما المستوى الثانى فيتصل بخصائص الدال ذاته . وقد 
أبوزها بطررقة عبر اناقتر ةا بافاعيد عل يوم الأسسا كارن من 
اختصاص المتكلم أو الكاتب تقوم على خصائص المختار . وبذلك يشدرج 
المستوى الأول ني المستوى الثاني لأن من مقايبس الاختيار أن تتحقق المعادلة 
الأولى . أما المستوى الثالث فيخرج عن المستوى ١‏ المفرد ) وهو مستوى 
« معجمي صوني » إلى مستوى آخر يتصل بالجملة أو هو ني المصطلح الحديث 
خروج من محور الاختيار أو الاستبدال إلى محور التوزيع وقد استقطب هذا 
الخروج مصطلح سيكون له شأن كبير فيما بعد » وهو مصطلح ١‏ النظم ) : 
ويجرى حسن النظم إلى غايات هي جزء من تعريفه بينها المبسرد باستعمال 
عبارات تؤكد على اللحمة بين الأجزاء » والتناسق بين الوحدات في نطاق البنية 


(1) الرسالة + عي 39ت 


2345 


العامة « حتى تكون الكلمة مقاربة أختها ومعاضدة شكلها » . وكل ما جاء في 
التعريف إلى هذا الحد يتصل بالبنية الخارجية للرسالة اللغوية . فكان لا بد من 
الإشارة إلى البنية الداخلية أو خصائص هذا الشكل في الدلالة . وقد اختار من 
التراث السابق عبارة ١‏ أن يقرب بها البعيد » . وهي عبارة غاية ف التجريد لا 
تحيل على شيء مضبوط خارجها . لذلك يمكن أن تحمل على معان شتى » 
وتؤول بطرق مختلفة » وتضبط وظيفة الفن اللغوي من خلالها بالمقابلة القائمة 
بين طرفيها ومحصل هذه المقابلة أن يصبح المجهول معلوما والمحسوس مدركدًا 
وما لا شكل له ذا شكل مضبوط يحيط به ويبين عن حدوده . وهذا الاعتبار 
المتين الصلة بقضية الفهم والإفهام سيؤول إلى مقياس خطير من مقاييس تقييم 
الأعمال الأدبية في الفترات المتأخرة وسيحكم للنص أو عليه بمدى مطابقته 
لهذه القاعدة . ١‏ 

مباشرة بعد هذا الحد يأتي القسم الأول من الإجابة وهو : ١‏ فإن استوى 
هذا في الكلام المنتور » والكلام المرصوف المسمى شعرا » فلم يفضل أحد 
القسمين صاحبه . فصاحب الكلام المرصوف أحمد » لأنه أتى بمثل ما أتى به 
صاحبه » وزاد وزنا وقافية والوزن يحمل على الضرورة » والقافية تضطر إلى 
الحيلة ) (1) . 


وبالرغم من أن عناصر الجواب » ولا سيما الإشارة إلى القيود التي 
تفرضها بنية الشعر على الشعراء موجودة في الكتب المتقدمة عند ابن سلام 
الجمحي (2) وغيره » فإن الربط بينها وبين حد البلاغة أمر لم يسبق بهذا 
الوضوح ٠‏ وله دلالته الهامة . فهو يعكس تَصَوَرَهم' العميق » لعلم البلاغة 
الذي يؤسسون . فهو علم يسعى إلى تسطير قوانين عامة للجودة منفصلة » في 
'غلب جوانبها » عن الشكل الأدبي ومستلزماته النوعية . فالبلاغة علم بقوانين 
(1) الرسالة » ص 66 . 
2( طبقات فحول الشعراء » ص 46 , 


346 


تسعى إلى محاصرة ضوابط جودة الكلام بصرف النظر عن القالب الذي نفرغ 
فيه ذلك الكلام .. ولهذا السبب ؛ تراهم يجمعون ني شواهدهم للقضية الواحدة 
بين الشعر والنثر والخطب والرسائل والقرآن ومن ثم يبقى الفارق بين شكل 
وآخخر فرقا خارجيا لا دخل له في أصل الجودة . وكل ما في الأمر أنه بعين على 
تبين فضل صانع على صانع »؛ لا فضل كلام على آخر وهو أمر واضح في 
النص المذلكور حيث استعمل « صاحب الكلام ) والنعت وأحمد) وهو ليس 
من النعوت السائرة في أحكامهم الأدبية المتعلقة بالنص . 

عند هذا الحد يقطع المبرد مؤقتا » الحديث عن النص ليعتني بالظروف 
الحافة بإنجازه وكيفية استغلالها في عملية المفاضلة . 

فأشار إلى مقاييس أفاض سلفه في شرحها وتحليلها بحيث يبدو ما أورده 
هزيلا لا يفي بالحاجة » ومن هذه الظروف ما لا يدرلك إلا بمعاودة النظر والتأمل 
ولا يكفي فيه استماع الكلام . ذلك شأن صعوبة المخاض الذي يتولّد عنه الآثر 
وسهولته وحظ الصانع من الطبع والتصنع . ولا يخرج صاحب الرسالة في هذا 
عن المقياس السائد فتراه يقدم من كان « أشد على الكلام اقتدارا وأكثر تسمحا 
وأقل معاناة وأبطأ معاسرة ) (1) ومنها ما يتعلق بالتلفظ وحظ صاحب النص 
التتلفظ في بلورة خصائص الملفوظ (2) . 

وي القسم الثاني من الرسالة يورد المؤلف نماذج من المنثور والموزون في 
نفس المعنى » لإبراز فضل أحدها على الأخرى اهتداء بحد البلاغة الذي رسمه 
في مفتتح الرسالة . وني أعطاف ذلك » برزت أحكام أدبية مختلفة تتفق في 
صيغتها الانطباعية وتكشف صراحة عن صعوبة التقريب بين شكلين مختلفين 
في الكتابة . 


(1) الرسالة » ص 60 . 
(2) انظر القسم الثاني من هذا العمل ص 248 . 





3242 


فمن الأحكام الخاصة بجودة الشعر الحاح المؤلف على الاختصار وجمع 
المعنى في أقل ما يكون من اللفظ بحيث إذا صادف أن عبر شاعر عن معنى 
ف بيتين وأتى عليه شاعر آخخر في بيت فالثانى هو المقدم وإن قبل كلام الأول 
واستحسن مثال ذلك قول الأعشى : (المتقارب) 


وتبرد برد رداء العرو س بالصيف رقرقت فيه العبيرا 
فهو كلام مقبول حسن وعيبه « أنه أتى في بيتين وطول به الخطاب » (1) ولذلك 
فإن قول طرفة بي نفس للمعنى : (رمل) 

يطره البرد بحر ساحن وعكيك القيظ إن جاء بقر 
أجود منه لأنه أجمع وأخصر » (2) . 

أما الأحكام المترتبة عن المقارنة فتدور على وضوح المعنى وحسنه . وهما 
مقياسان مختلفان » كما نلاحظ ؛ أولهما عمل يقوم على مدى استجابة النص 
لوظيفة الفهم والإفهام ٠‏ والثاني جمالي مبهم لا يستند إلى معطى موضوعي 
ثابت . ولذلك نرى أن الجمع بينهما هو تجنب للمقارنة أو هو نتيجة فهم 
خاص لها ولنضرب مثلا قوله : 

« قال قائل للربيع بن خثيم عندما رثى ١‏ جتهاده وإغراقه في العيادة 
أطلب فهذا كلام محيط بالمعنى » لا فضل فيه عنه . 


وقال أحد الشعراء لأهله في هذا المعنى : (طويل) 
سأطلب بعد الدار منكم لتقربوا 2 وتسكب عيناي الدموع لتجمدا 


(1) الرسالة » ص 61 . 
(2) نفس المصدر ع ص 61 . 


5348 


يقول 3 اغترب فأكسب ما بطول ده مقامي معكم و قر بي منكم 8 فهذا 
أحسن » والأول أوضح » (1). 

فالمبرد لم يستطع المقارنة إلا بحل المنظوم وحمل المنثور على المنثور 
وهذا يفسر إلى حد بعيد تركيزه على الوضوح بالنسبة إلى النثر والحسن والملاحة 
ل م 
وبالعناصر البنيوية التي يتفرد بها . إلا أن ذلك له بمضع الشعر من أن لجمع 
سئي :نا لديا .إل رمز ل نع إن ارو ردك حل قر : 8 : (الطويل) 

تقول سليمى لو أقمت لسّرنا ‏ ولم تدار أنتى للمقام أطوّف 

« فهذا القان ِي واضح حسن وهو أبين م ن البيت الأول ») (2) ولذلك لا 
غرابة إن وجدنا الشعر قي معني اا ال د - جميسع ما قيل فيه 
إطلاقا (3) . 

أما القسم الشالث من الرسالة فمخصص لبيان خختصائص منطق الرسول 
الذي به يعلو على كل منطق ويقهره وخخصائص القرآن وهو الكلام الأوحد 
« والقول الذي هو منبّت » 4) . 
متوسلا ببعض ما نتطلبه منهجية المقارنة من ضرورة المقاربة بين الأشكال 
والتظائر . فأفضى به ذلك إلى الحديث عن المنطق الفذ والكلام المنبت . 

إلا أنه سيقع رغم هذه الصرامة المنهجية المف: فتعلة في ما وقع فيه كل 
البلاغيين العرب . فلا سبيل عنده » لإبراز خصائص ما لا نظير له ولا يشبهه 
شكل » إلا مقارنته بالكلام النثري » شعره ونثره » باعتماد مقاييس بشرية . 


(10) الرسالة » 62- 63 , 


2( 9 63. 
)3( 9 63., 
68 ده 66, 


349 


وطريقة المقارنة هنا تقليدية تستجمع أحسن ما قبل من كلام النثر في معنى من 
المعاني » ثم تبرز بعد ما بينه وبين ما ورد في نفس المعنى عن الرسول أو في 
القرآن ولأنهم ينطلقون من أن هذا الكلام أعلى من كل ما قيل فإنهم اتباعا 
لنفس المنطق يشير ون إلى عجز االلمقاييس المستخرجة من الكلام العادي عن 
الإحاطة يكنهه (1) . 

فالرسالة اعتبارا لمنهجها ومحتواها ليست متجردة لدراسة مسائل بلاغية 
مضبوطة » وإنما هى مشاركة نقدية تثير جملة من القضايا البلاغية تتصل 
بمقاييس جودة لض اانا على بنائه اللغوي وبدون الاعتماد على عناصر 
أجنبية عنه » ورغم أهمية ما ورد فيها من الوجهة التاريخية » على الأقل » فإنه 
دون ما احتواه مؤلفه المشهور ١‏ الكامل» . 

د عد علد 

و«الكامل» من نوع المؤلفات الني يصعب اليوم إدراجها ضمن فرع 
من فروع الاختصاصات اللّغوية والأدبية » فهو جامع لأشتات من العلوم 
والمعارف لا يربط بينها إلا وقوعها ني حيز الأدب كما كان يفهمه العرب 
القدامى ولهذا عد من أمهات الأدب وأصوله (2) . 

وم يخل هذا الكتاب من خطرات نقدية وبلاغية ذات بال تكشف عن 
أهمية الجهد الذي بذله صاحبه ني تطوير مسائل هذا العلم . وهذه الخطرات 
متفاوتة القيمة فمنها قضايا نظرية عامة تتعلق بضبط خصائص النص الأدبي 
وإبراز أبعاده الفنية والجمالية . ومنها إشارات « تعليمية » تدور حول 5 
الأساليب البلاغية من جهة تحديدها وإبراز أقسامها ودورها في الخروج 
بالكلام عن صبغة الاشتراك والعموم إلى صبغة متميزة معدولة عن النمط 
العادي في استعمال الكلام . 


(1) الرسالة » ص 66 . 
(2) أبن خلدون » المقدمة » ط . دار الكتاب اللبناني » ص 1970 . 


300 


وهذا القسم الثاني من المادة هو نفسه مراتب » إذ من بينها ما لم بحظ 
إلا بإشارة سريعة عابرة دون تعمق أو تحليل » أو وقع الاعتماد في مخاصر ته 

عل الل والاعتدال بارا 'السلق + ومن :ليها ما حطلي :يدر ائدة مفيدله ل تصادف 
مثلها في الفترات السابقة . بل إن" اللاحقين لن يضيفوا إليها شيئا يذكر . 

وم يكن منهج المؤلف في تناول هذه المادة موحدا . فقد وقع النظر إلى 
بعض المسائل من «نظور نحوي خالص تغلب عليه الترعة الشكلية والخرص 
على تبرير حركات الإعراب وتعليلها » بينما تناول بعضها الآخر من زاوية 
أدبية اعتمدت استقراء النماذج الشعرية القديمة والمحدثة . فمن الأعتارات 
النظرية العامة التي ساهم المبرد في بلورتها » بصياغتها صياغة واعية ل يسبقه 
إليها أحد » مسألة طرائق الأداء اللغوي وأنماط التعابير الدالة ‏ حسب 
نارح ونه الو سي : ٠‏ 

« والكلام يجري على ضروب فمنه ما يكون في الأصل لنفسه ومنه ما 
يكنى عنه بغيره ومنه ما يقع مثلا فيكون أبلغ في الوصف » (1) . 

ورغم أن" ما ذكر لا يخرج عن نطاق القسمة الثنائية المعروفة قبله » 
الحقيقة والمجاز ٠‏ فإنه لا يسع المتتبع لأطوار التفكير البلاغي إلا أن يشير إلى 
مظاهر الطرافة في هذا الاعتبار . وأولها » في رأينا » تنزله منزلة المقدمة إلى 
مبحث تطبيقي هو مبحث الكناية . وفي هذا دلالة » متواضعة لا محالة » على 
أن الدرس البلاغي » ني بعض جوانبه على الأقل » بدأ يخرج من طور التحسس 
0 00 م إلى 0 أمك: 00 القضايا الفرعية 


ل باب من وار 0 


ومعقدة تجمع الكليات الضرورية للاحاطة بجوانب الباب (2) . 


(1) الكامل » 5/2 -6 , 
(2) ستفير هذه المسألة في محل آخر من هذا العمل . 


351 


ووجه الطرافة الثانى هو العبارات التى دل بها على مختلف هذه الطرق » 
ولكانيها العالزة الى اسعطلها لاسن اعت امدق رقا كرن قن لاملل 
لنفسه ) . فبالرغم 0 عدم تمكنها في « الاصطلاحية ) فهي أبلغ من مصطلح 
( الحقيقة » ني التعبير عن المعني الحقيقي وأقرب منه إلى الوصف اللغوي 
الموضوعى لتجردها من كل" الحائق الحافة المنطقية والأخلاقية التى تلابس 
مصطلح الحقيقة » وبالإضافة إلى كل ذلك تكشف عن الفرق الجوهري بين 
أصناف التعبير . فمن الكلام ما لا يتجاوز معناه ذاته ولا تشير به إلى شيء 
خارج عنه وعما يدل عليه أصل اللغة . فإدراك المعنى يتم بدون واسطة أو على 
الأصح يتم بواسطة العلامة الموضوعة له في اللغة . فالعلاقة بينه وبين قصد قائله 
تطابق علاقة لفظه بمعناه؛ أما النوع الآخر فهو كلام يُخفي كلاما آتمر 
موجودا خارجه قصد إليه المتكلم بطريقة غير مباشرة فجعل الكلام الماثل في 
النص لفظه ومعناه علامة على المعنى الغائب ومسلكا لإدراكه . بمعنى أثنا في 
هذا النوع الثاني من الكلام نعدد الوسائط ونولد ثنائية اللفظ والمعنى أو الشكل 
والمضمون بحيث يصبح هذا الأخير وسيلة التعبير لا غايته . 

والمسألة الكبرى الثانية تتعلق بموقفه من الإفراط في الصفة وتجاوز 
الحقيقة في العبارة مما سيعرف بداية من « قدامة » بالغلو . ولئن لم يفرد المبرد 
هذه المسألة بباب خاص من كتابه» ول يباشرها من وجهة نظرية» فإنه أشار إليها 
في مواطن عديدة ذكر فيها التشبيه إلى درجة أنها وقعت منه موقع الفرع من الأصل. 

وإذا كان رأي ابن قتيبة في قضية الحال واضحا » ونتيجة حتمية لموقفه 
الجملي من المجاز » فإن موقف المبرد أقل وضوحا وأكثر احترازا لأنه لم يتقيد 
فيه » شأن ابن قتيبة بنهج ني التفكير متماسك . لذلك كان أكثر منه حرية في 
تبنيه تارة ورفضه تارة أخرى . 

فمن التشبيهات المفرطة ما كان محل” إعجاب المبرد يدل" على ذلك ما 
ذكره من شعر الفحول وتشبيهات القرآن كقول الخنساء : (بسيط) 


352 


وإن صخرا لتأتم الهداة به كأنه علم ني رأسه نار 
ويعلق على هذا البيت بقوله : ١‏ فجعلته المهتدى يأتم به » وجعله كنار في امي 
علم » والعلم الجبل » ثم يستطرد . قال جرير : (المنسرح) 
إذا قطعن علما بدا علم 
قال الله حمل ثناره :ول الجواز المتفا بك في احبر كالأعنلام » (1) 


0 


ومن هذا الضرب من التشبيه قول العجاج : (الرجز) 
تقضى البازي إذا البازي اكستن 

0 والتفضي الانقضاض » وإنما أراد سرعتها ) (2) وقد يصرح بإعجابه كقوله 
« ومن تشبيههم المتجاوز الجيد قول الطمحان ) : (طويل) 
اضاءت لهم أحسابهم ووجوههم د جصى الليل حقو نظمع الجزرع ثاقبه 

ولم يكتف المبرد بمجرد التعبير عن الإعجاب . فتراه يحاول إيجاد سند 
نظري يدعم به موقفه » ويحلل مقاصد ركوب الإفراط والبالغة وذلك بالتعمق 
ف فهم العلاقة الرابطة بين ركني التشبيه الأساسيين : المشبه والمشبه به يقول : 

0 واعام أن للتشبيه حداا ع فالأشياء تشابه من وجوه ٠‏ وتباين من وجوى 
فإنما ينظر إلى التشبيه من حيث وقع ٠‏ فإذا شبه الوجه بالشمس ٠‏ فإنما يراد 

٠. ٠.‏ 5 5 5 5 - سا ب راس 

الضياء والرونق ٠»‏ ولا يراد العظم والإطراق » قال الله عز وجل (كانهن 
مطل لفكدرنم والعرب تشبه النساء ببيض النعام تريد نقاءه ونعمة لونه » 
والمرأة بالشمس والقمر » والغصن والغزال والبقر الوحشية » والسحابة البيضاء 
والوردة والبيضة وإنما نقصد من كل" شيء إلى شىء ) (3) . 

والجملة الأخيرة عميقة الدلالة على ما نقول » لأنها تحول علاقة الآثر 
الأدين بالعالم الخارجي تحويلا جذريا » وتستبدلها بعلاقة القارىء بالأثر 
(1) الرحمان/24 , 
(2) الكامل 50/2 . 


(3) نفس المصدر » 54 , 


303 


أو بصورة أدق مقاصد القارىء من التصوير عن طريق الصياغة اللغوية وبذلك 
تنكسر العلاقة المنطقية بين الأشياء والكلمات وتقوم مقامها علاقة وجودية 
وجدانية أساسها رؤية الكاتب للعالم الخارجي والصورة التي يريد إيصالها إلى 
قارئه أو سامعه عن ذلك العالم . فالإفراط والبالغة من هذا المنظور » طريقتان 
في التعبير يروم بهما الكاتب إدخال القارىء في معايشة وجدانية لعل" استعمال 
اللغة على وجهها العادي لا يسمح ببلوغها » وبذلك نبتعد عن مقولتي الصدق 
والكذب وهما مقولتان خارج الكاتب وخارج النص ونتقيد بالتصوير والتغيير 
ومدى تصوير النص للحالة التي يعيشها الكاتب ويريد إبرازها . 

إلا أننا لا نلبث أن نجد الميرد في سياقات أخحرى + سيء الظن بالمبالغة 
والتشبيه المنجاوز » متشيثا بضرورة مطايقة الفن القولي ع الوشوغية 
أو أن يقع قريبا منها على الأقل » فبعد ان أورد قول الشاعر / حون ' 


سل لعل هه عم 


فلو أن" دا مقي تن ا بعود ثمام ما تاود عوقا هه 

شرح كلمة الثمام « وهو نبت ضعيف واحدته ثمامة » والشرح اللغوي 
هنا من قبيل التعريض والإشارة إلى التجاوز وشدة البالغة ثم انتقل إلى قانون 
عام في جودة الشعر وفضله في الحسن يقول : 

وواكى لفغن ماقازرت فيه القائل إذاا شه والحيين هته ما أضات 
به الحقيقة ) (1) . 

وستتبوأ هذه القاعدة صدارة المقاييس في جودة النص الأدبي عند عدد لا 
يستهان به من البلاغيين والنقاد . ومن ثم تصبح القانون المتحكم في دراستهم 
الضوارةة الفنة” :وستزى أن كتير مرخ المعارك الأدبية » ولا سيما التي كان 
محورها المفاضلة بين البحتري وأبي تمام » تتركز عل قرب الصورة أو بعدها 
وسيؤاخذ أبو تمام » من لدن حصومه » وحتى من لدن من راموا الموازنة 
00 الكامل 172/1 - 173 . 


304 


ليله وبين البحتري 4 بإبعاده بين النموذج والمثال وإغراقه قُ المباعدة سن 
الأطراف إلى حد الإغراب . 


١‏ الحقيقة ) التي يرومونها من قول كقول المبرد السابق » وهو عمل أو قاموا 
به لكانوا دفعوا بالنظرية الأدبية في مسالك بقيت مغلقة دونها » ولاهتدوا 
2 العلاقات المعقدة التي تشد” عناصر الأثر الأدبي وتتحكم ني الخلق 
الفنى . 

وعدم شعور هم بتلك الحاجة راجع 4 قِ تصورنا 2 إلى مباشر تهم 
الظلاهرة الأدبية من وجهة نظر ضيقة تغلب علاقة الآثر بالعالم الخارجي على 
علاقته بوجداك قائله وتقيم الأدب تمدق سهو اته على الإدراك وقرنه من 
الإفهام . 

ويمكن أن نتكهن من الآن بالنتائج السلبية التي ستفررها هذه النظرة ف 
صلب نظريتهم الأدبية . فالإلحاح على إصابة الحقيقة أو الوقوع قربها سيوجههم 
إلى البحث عن مدى صدق الصورة ومحاكاتها للواقع الخارجي لا عن فاعليتها 
الفنية وقيمتها التعبيرية . فعوض أن تكون الصورة منطلقا للبحث عن المجاهل 
اق كن أن يلجها الفن » وبالتالي البحث عن قدرات التعبير اللغوي لتجاوز 
الآفاق الضيقة التي يتخبّط فيها الإنسان وتشده إليها العلاقات التواضعية بين 
الأشياء والكدلمات 4 لاقتحام الملجهول وإدراك ما لا يدرك 2 نجدهم يشدونها 
إلى مثال مهي يفيسونها عليه وبمنعونها من الأانطلاق والتحليق 5 

وهذه النظرية تحد بشكل واضح من أهمية الخيال كطاقة في مقدورها أن 

ومن النتائج الحاسمة لوجهة النظر هذه عدم فهمهم لبعض النظربيات 
سيحملون القولة المشهورة التى نسبوها إلى أرسطو (أعذب الشعر أكذبه» 


3030 


على المعنى الأخلاقي : ثم إنهم سيتحر جون أيما تحرج لإدراك مفهوم التخييل 
الذي أدخله الفلاسفة الذين شرحوا كتابه . ناهيك أن رجلا » من حجم 
عبد القاهر » لن يستطيع تخريج هذه المسألة على وجهها الصحيح ولا تخلو 
السياقات التي تحدث فيها عن هذه المسألة (1) من التناقض وسوء الفهم . 

أما المسألة النظرية الثالثة فمحدودة القيمة في مؤلفه لم ببتدعها المبرد 
ونه أعلن عن توضيحها بالشواهد : ومحصل هذه المسألة التي أولاها 
الجاحظ عناية كبرى التأكيد على أن قيمة الظاهرة الأسلوبية باك تند ل 
بتبدال الموضع والمقام . وهذا يدل دلالة صريحة على أن" الحسن والقبح 
ليس من ذات الظاهرة فما يستحسن في سياق قد لا يستحسن في سياق آخر. 


وقد استطرد المبرد إلى بيان ذلك لما عرض لتفسير بيت الفرزدق 
المشهور الذي سيصبح في المؤلفات البلاغية المتأخرة نموذجا للتعقيد اللفظي أو 
المعاظلة وبعد المعنى وقبح الضرورة وهو قوله / طويل / 
ومامئلهني الناس إلا مملكا ‏ أبو أمه حي أبوه يقاربه (2) 


ونود هنا أن نشير » إنصافا لعلماء البلاغة » إلى شيء من القسوة في 
الحكم » لاحظناه في بعض الدراسات المتعلقة بالمو لفات التي يبدو على 
أصحابها الحرص على تجميع الوجوه البلاغية وتبويبها وتصنيفها . 

فلا جدال في أنهم فعلوا ذلك لغايات تعليمية واضحة » إيمانا منهم 
أن بلاغة القول علم يكتسب إلا أننا لم نشعر ني أكثر المؤلفات حرصا على 
ذلك من أمثال « الصناعتين » للعسكري أو ١‏ البديع ) لأسامة بن منقذ بأن 
أصحابها غافلون عن هذه القاعدة الأساسية لذلك تراهم يؤسسون الوجه 
على الشاهد دائما بل إن تمسكهم بهذه القاعدة خلق لديهم تقاليد في التأليف 


(1) أسرار البلاغة » 131/2 - 137 . 


(2) الكامل » 18/1 . 


356 





التزموا به منذ أواخر القرن الثالث وهي المراوجة في نطاق نفس الوجه بين 
محاسله وعيوبه . 
3 د 


إلى جانب هذه الاهتمامات النظرية نصادف في الكامل إشارات بلاغية 
كثيرة تتناول جل ما سبق أن رأيناه في الفترتين السابقتين وهذه الإشارات 
قسمان : قسم لم يذل المبرد أي مجهود لتطويره وتعميقه وقسم ثان يشمل 
مسائل طرحت في التآ ليف المتقدمة عليه إلا أنه طورها من وجه من الوجوه » 
ومسائل لم تطرح قبله فكان هو صاحب الفضل في ابتداعها . 


د 


من القسم الأول نشير إلى اقتفائه أثر الجاحظ في إبراز بلاغة 
( الاختصار المفهم ) و «الإطناب المفخم ) والإيماء والإشارة (1) ومقايس 
جودة اللفظ والكلام » بأن يكون الأول بينا قريبا مفهوما » وأن يكون الثاني 
خالصا من التكلف سالا من التزيد (2) . كما ترسم خطاه في مستلزمات 
الخطابة . واعتنى » مثله » عناية فائقة بعيوب الخطيب والنقائص التى تتخون 
خطابته (3) . ْ 


كما اهته" ببعض الأساليب التي درسها النحاة قبله كالتقديم والتأخير 
والوظائف المتعلقة به (4) » والاستفهام وخروجه عن أصل معناه (5) . كما 
اهتم" بمعاني النداء (6) . أما حذف المضاف وإنابة الضاف إليه عنه » وهو 


(1) الكامل » 17/1 . 


2( د 17/1 »© 19. 

)3( ىر 20/1 وما بعدها » 144/1 - 145 , 
4( د 78/1. 

69 ةد 125/1 ., 

6( ةو 258/2 . 


30 


ما سيسمى فيما بعد ( التضمين ) » فقد درسها من وجهة نحوية إعرابية 
بحث » فوصفها من حيث هي ى شكل 2 التعير تنقل فيه حركة المضاف إلى 
المضاف ل يه » دول أن بلاحظط دو 3 اسلو 5 بي ومفعولها قُ تفوية ة امن وتوكيده (1). 

ومن النوع الثاني نذكر ثلاثة مباحث رئيسية تبوىء المبرد مكانة 
بارزة في تاريخ البلاغة العربية . 


المبحث الأول يبدو لأول وهلة مبحثا نحويا لا علاقة له بالبلاغة 
لتعلقه بخبر الجملة الإسمية . إلا أن" البلاغيين المتأخرين » ولا سيما عبد القاهر 
الجرجاني + سيتبهنون إلى قيمة ما اهتدى إليه 0 وول كروق افقللة 
قُ فتح بصائرهم على مختلف المعاني التي يؤديها الخبر الواحد إن اختلف 
جؤاوة: 'اللدوي" , ويلك رجو - ضمن أدق مباحث المعاني وألطفها 


ولننطلق في بيان ذلك من أي عيك القاهر نفسه : 

ارو عن أن الأناري 'أساقانة . ركني الكحدي" المفلست» إن 
أ العباس وقال له ؛ إني لأجد ني كلام العرب حشوا » فقال له أبو العباس 
في أي موضع وجدت ذلك ؟ فقال : أجد العرب يقولون : عبد الله قائم : 
ثم يقولون إن عبد الله قائم » ثم يقولون : إن عبد الله لقائم : فالألفاظ متكررة 
والمعن واحد . 

فقال أبو العباس : بل المعاني ممختافة لاختلاف الألفاظ » فقولهم عبد الله 
قائم إخبار عن قيامه » وقولهم إن عبد الله قائم جواب عن سؤال سائل » 
وقولهم : إن عبد الله لقائم : جواب عن إنكار منكر قيامه » فقد تكررت 
الألفاظ لتكرر المعانى فما أحار الفيلسورف جوايا» (2) . 


(1) الكامل 88/1 . 
(2) انظر : دلائل الإعجاز شرح عبد المنعم خفاجي » ط 1 » القاهرة » 1969 »؛ ص 303 . 


358 


وواضح من هذا النص أن المسألة تتعلّق بموقفين متقابلين من دور 
بعض الوحدات اللغوية في تغيير المعنى أو عدم تغييره » أو بصورة أعم 
التساؤل عما اذا كانت التحؤلات التي تطرأ على بنية الجملة يوافقها تحول ني 
المعنى أم لا . وهذا يفضي إلى تساؤل أشمل يمس" ١‏ وظائفية » الجهاز اللغوي 
ككل : هل باستطاعتنا أن نصئف عناصر هذا الجهاز صنفين : صنف 
وظائفي وصنف لا وظيفة له » وإنما يؤتى به توسعا وتكرارا حتى يمكن 
للمتكلم أن يخرج المعنى الواحد حسب أنماط لغوية مختلفة . وفي هذا إقرار 
أن دوال اللغة فائضة على المدلولات » وتسليم بفكرة مجانية جانب منها . 


السائل في النص مقتنع بوجهة النظر الثانية . لذلك حمل أشكال الجملة 
الثلاثة على التكرار . أما المبرد فموقفه مناقض للموقف الأول وقد لخصه في 
قوله « المعاني مسختلفة لاختلاف الألفاظ » . ولتوضيح هذا الرأي علق كل” 
شكل من أشكال الجملة الاسمية بمعنى خاص زائد على المعانى الأخرى . 
وعن هذا التوضيح تترتب عدة نتائج : 1 

لكل معنى بنية لغوية مخصوصة ولا يمكن إحلاله في حيز بنية 
مغايرة مع الإبقاء عليه برمته . ولئن لم يتعمق المبرد في تحليل هذا « الحدس ) 
النافذ والحس” اللغوي المرهف ولم يستطع أنا نولت هجنه ‏ الكسر + فإن عبد 
القاهر الجرجاني تبنى فكرته » وغاص في أحشائها » واستنزف كل النتائج 
اق عشم بابحا موا كافون قر اسه لقلا نطول دار اليكل 
بالمضمون كما نقول نحن اليوم » بما في ذلك الصورة الفنية » إلى أن" الصياغة 
اللغرية صياغة فذأة » ليس في الإمكان إعادتها الا بحكايتها » وهو الأصل 
النظري الذي أسس عليه موقفه المحترز من باب السّرقة والأخذ في النقد 
العربي (1) . 


(1) انظر : تقديمنا لكاب أحمد مطلوب » عبد القاهر الجر جاني بلاغته ونقده » حوليات 
الجامعة التونسية العدد 13 سنة 1976 ©» ص 286 , 


309 


إن الإخبار » ككل فعل لغوي ٠»‏ لا تعود فائدة حكمه على منتجه » 
إذ اللغة من صنف البضاعة التى لا يد" أن يكون مستهلكها غير صانعها » 
إلا في بعض الحالات اشن لك يستوجب »؛ من جهة ما هو حكم 
طرفا آخر يتقبل الخبر ويؤثر فيه في نفس الوقت . ولوجود طرفين في 
القضية يتظافر الفعل ورد الفعل على توليد الخبر وإنشائه » بحسب المنبه أو 
عدم توفره . فالإخبار المجرد ؛ « عبد الله قائم ) » يوافق حالة انعدام المنبه . 
وهو فعل تلقائي يأتيه المتكلم لمجرد الإبلاغ بحكم في قضيته . أما 
(إن” عبد الله قائم ) و (إن” عبد الله لقائم » فهما حالتان متولدتان 
عن رد فعل بمفعول منبه إذ / افع الكت نعي ساف الور 
لا صائغه . 


7 


والطريف أن نلاحظ أن الكم" اللغوي المضاف إلى التركيب الأصلي 
وهو التتيجة الملموسة لرد الفعل ‏ يتناسب طردا ونوع المنبه وشدته 
ففي حالة الاستفهام اكتفى بإضافة أداة التأكيد « إن" ») وني حالة الجحد 
والإنكار وقعت معاضدتها في التركيب بلام التأكيد » لحاجة المتكلم لإغراق 
صياغته في التأكيد ‏ التأكيد بالخبر فالتأكيد بإن فالتأكيد باللام ‏ 
يوازن بين قوتي السلب والإيجاب . 


وعلى هذا النمط ني التحليل يصبح الخبر أضربا . وقد كان المبرد السبب. 
في إضافة باب جديد » في واعلم العاني رمي" أضوت الخو افد اعقد 
به المتأخحرون غناية فائقة 2 واو جدوا لكل" ضرب م٠‏ ن الأضرب الثلاثة 
المصطلح الموافق . فسموا الضرب الأول المجرد من التأكيد ١‏ ابتدائيا » : 
وسموا الضرب الثاني « طلبيا » » والضرب الثالث ١‏ إنكاريا ) . 


«وبذلك يكون المبرد قد أضاف إلى علم المعاني إضافة جديدة لم يسبق 
إليها » وقدرها له النحويون والبلاغيون من بعده » حين تحدثوا عن أحوال 


3060 


الإسناد الخيري ؛ لتعيك ان نقانه عيك القاهصر قُ باب اللفظط 


والنظم ) (1). 


د عد عد 
وأما التطف الناى للق "يذل قد اليد مصووةا شدي اما 


وعمل على تطوير مسائله بكيفية لم نعهدها في الدراسات السابقة » فهو الباب 
الذي عقده للتشبيه . 


وأول مظاهر الجدة والجهد الشخصى إفراده هذا الأسلوب يباب مستقل» 
أطاله بشكل لافت للانتباه (2) في 00 مسائله » عند غيره » موزعة 
يستطردون إليها من أبواب اخرى » أو يثيرونها عترضا بمناسبة التعليق على 
بيت شعر ء أو البحث عن مجاز آية من القرآن . وقد رأينا كيف صرفت 
أسباب عقائدية ابن قتيبة عن تخصيصه بباب . وهو المؤلف الوحيد الذي 
كان بمقدوره أن يفعل: ذلك » بشهادة ما تضمنه مؤلفه « تأويل مشكل الفرآن » . 

ومرد اهتمام المبرد بالتشبيه اقتناعه » بعد ممارسة لغة العرب وأشعارها » 
بأنه: أكثن أساليب التعبير انتغازا. واقك عبر عق هذه القتاعة في مواطة 
عديدة من هذا الباب . 

( والتشبيه جار كثير في كلام العرب حتى لو قال قائل هو أكثر 


كلامهم لم يبعد) (3) 


(1) عبد القادر حسين » أثر النحاة في البحث البلاغي » ص 208 كا نبه شوقي ضيف إلى أهمية 
هذا الباب إلا أنه صاغ ذلك في عبارة تناقض مآ ذهب إليه المبرد يقول : « وربما كان 
أهم ما خلفه للبلاغيين من بعسده ملاحظته تنوع أضر ب الخبر والمعثى واحد» بيئما دافع 
المبرد عن فكرة أن المعنى مختلف . 

انظر : البلاغة قطور وتاريخ » ص 61-60 , 
وانظر في أهمية ما تفطن إليه المبرد » عبد العزيز عتيق في تاريخ البلاغة العربية » دار 
النهضة العربية » وروت » 1970 » ص 42 . 
(2) استغرق هذا الباب ثمانين صفحة وهو يمتد من صفحة 42 إلى 115 من الجزء الثاني , 


(3) الكامل » 79/2 . 
301 


د والتشبيه كما ذكرنا من أكثر كلام الناس » (1) 
) والتشبيه كثير وهو باب كأنه لا آخر له (2) 


ويتصل المظهر الثانى بالطريقة المتونخاة في الدراسة . وقد بناها على 
الاستقراء والاستنتاج المحم ؛ لأ عل الرواية والقل .ققد عمد إلى الشعر 
العربي القديم والمحدث » والتقى ما تَضَمَنَتْه عيونه من تشبيهات مصيبة 
حيدة ‏ : ونذلك تحت الذنها ماداة غديرة اععمد عليها فى" تأسسن. البات 
شواهد واستنتاجات . 


ويعد" جمع المادة » في ذاته » عملا مهما ٠‏ لأنه الخطوة التي مهدت 
لظهور المؤلفات المختصّة بدراسة أسلوب أو أسلوبين نذكر منها كتاب 
« التشبيهات ) (3) لإبن في عون (322 ه) وهو من أقدم ما وصلنا عن هذا 
التوع 

أما المظهر الثالث » فهو المعلومات النظرية المستخلصة من استقراءه 
النماذج الشعرية الكثيرة والمدرجة ضمن تعليقاته على الشواهد . وهي تدور 
حول ثلاثة محاور رئيسية : حد التشبيه وأقسامه وطبيعته . 

وطريقة المبرد في التحديد طريفة ٠»‏ لأنها لا تتقيد بمقتضيات الحد من 
الوجهة المنطقية » وتخالف ما جرت به العادة في محاصرة الظواهر اللغوية 
وضبط مواصفاتها . وقد سلك في ذلك طريقة تتركز على تبيين علاقة طري 
التشبيه التى يشترط فيها أن تكون علاقة اتحاد » وعلاقة خلاف أو تباين » في 
تقس الرقت ‏ إة #جيتوة خلافة الأتحاد »لا يترم كل الشيه :وليل بو يفيك 
القياس ٠‏ وبدون علاقة الخلاف » يتطابق الطرفان » فينعدم الوجه البلاغي . 


(1) الكامل » 103/2 . 

(2) المصدر السابق » 115/2 . 

(3) نشر الكتاب بعناية محمد عبد المعيد خان » ونشرته جامعة كبرج (560210486ة0) سنة 
0 . 


302 


«واعلم أن" للتشبيه حد'! » فالأشياء تشابه من وجوه وتباين من وجوه) (1) 
وقد جره البحث » في هاتين العلاقتين » إلى اكتشاف غاية في الأهمية لو أدرك 
هو + أو اللاقيوان المتأخراون + أبعادة النظرية لكانوا فتحوا لعلم المعاني 1 فاقا 
لم يلجها إلا في النصف الثاني من القرن العشرين : فقد سبق للجاحظ أن عقّد 
فصلا في كتاب ١‏ الحيوان ) عبر فيه تعبيرا عاما غامضاعن أن” التشبيه لا يخرج 
المشبه.من جنسه إلى جنس المشبه به . واستدل على ذلك بمقاصد العرب من 
بعض التشبيهات . وكان الجاحظ يدافع إذذاك على فكرة لم تطف على سطح 
نصه ء ومفادها أن التشبيه ليس نقلا وبالتاللي ليس مجازا ول ينتبه إلى الوجه 
الآخحر من القضية 

« وقد يشبه الشعراء والعلماء والبلغاء الإنسان بالقمر والشمس والغيث 
والبحر ؛ وبالاسد والسيف » وبالحية والنجم » ولا يخرجونه بهذه المعاني 
إلى حد الإنسان » وإذا ذموا قالوا : هو الكلب والختزير : وهو القرد 
والحمار » وهو الثور » وهو التيس » وهو الذيب » وهو العقرب » وهو 
القن » وهو القرنبى ٠»‏ ثم لا يدخلون هذه الأشياء في حدود الناس ولا 
أسمائهم ولا يخرجون 1 الانسان إلى هذه الحدود وهذه الأسماء ) (2) 

ّ جاء المبر د.. فعمق ملاحظة سلفه . فأدرك أن التشبية ممكن ؛ لأن” 
ما يظن أنه وحدة معنوية لا تتجزأ » إنما هو في الحقيقة جسم مركب من 
وحدات تتكتل مع بعضها كرد المعني الكل لد لسر زر قن 
اللفظة ولذلك « فإذا شبه الوجه بالشمس فإنما يراد الضياء والرونق ولا يراد 
العظم والإحراق ) (3) . 

«الحعين ير سراق ازور » عبر عنه بلفظ مفرد' لذ ادر يك 
أن تعمقه »؛ من عدد من ( المعانم ) (4) وهي بمثابة الهباءات قِ الجسم 
(1) الكامل » 54/2 . 

(2) الحيوان » 211/1 . نحن نسطر . 


(3) الكامل » 54/2 . 
(4) 5885265 نتبنى مؤقتا هذه الدرجمة ألتي أخذناها عن أستاذنا صالم القرمادي مشافهة . 


3035 


الكيمياوي . فالشمس : ضياء » روئق » عظم » إحراق » 5 وبالإمكان 
إطالة هذه القائمة . 


وبهذه الطريقة في التحليل » يتسع أفق التصوير أمام الكاتب » وأفق 
التأويل أمام القارىء » والناقد » بحكم ضرورة تقاطع الأشياء في جهة من 
جهات هذا الحقل المعنوي الشاسع ٠‏ وهذا منطوق عبارة المبرد : ١‏ وإنما 
نقصد من كل شيء إلى شيء» (1) وهي عبارة تكشف عن اتساع الأبعاد 
أمام عملية التصوير الفني » وتفتح للأجيال المقبلة بابا من أبواب النقاش 
الأدبي الهام » لمعرفة ما إذا كانت قيمة الصورة في تفطن الشاعر إلى العلاقات 
الخفية وشعوره بما لا يشعر به غيره » أم أن قيمتها رهينة حجم المعاني المتقاطعة ؟ 


والمتتبع للحركة اللغوية المعاصرة يلاحظ أن" فكرة «المعنم » كانت من 
أهم" مكتسبات «علم المعانى البنيوي ) (2) لأنه مد" الباحثين بمفهوم إجرائي (3) 
يسمح بتدارك المسافة الفاصلة بين علم المعاني وعلم الأصوات ووظائف 
الأصوات التى اهتدت » منذ وقت مبكر » إلى الأجزاء المكونة للكلمة 
انطلاقا من «السمة المميزة») (4) وقد تبنت حركات الإحياء البلاغي » 


في أوروبا » هذه المفاهيم بغية أن تجد الأصل المولد لكل الصور والوجوه 
البلاغية وبذلك تتمكن من تجزئة النص تجزئة علمية بعيدة عن كل" تأثرية (5) : 


36 36 


(1) الكامل » 55/2 . 
(2) ع1هتتاأعناماة عنواأسقص56 
(3) عكامتةطةفمه أوععهه 0 
(4) تناعصناوفل )نهع1 أنظر معرفة أهمية تفكيك الرحدة المعنوية : 
,1966 ركفهة 2 ,ع155ا0 قط .60 ,أ ااعلا 517‏ 6/و567171/1 :1 كقتلتاء01 .للك 
* .27-29 .28 
قم عمصق4 ,1970 ,كتمة2 واعزمماءمتلء1 .60 ,ءنومامء ندع ه18 : تزع ملقاه 
211-22 .مم بكة1 .مقط 
53( انظر : ©1856 ,1970 ,29115 ,1556امكقل هه ,علهقدقع 016و 2761071 : 11 عمناه01 
.30-49 .مم رفعقعضمآ نال معندعة دعل عله 7قمقع 16مرمقط رعتامدم 


364 


أما أضرت التشببه فيمكن التظبر إلبهنا من زاويعين :“زاؤزية النعنوات 
والأحكام الموظفة لإبراز الول الجمالي » وحظه من الحسن وفضل تشبيه 


عل حرا 
وفي الكامل من هذه الشيء الكثير . 


فمدن التشبيهسات العجيب 2 والأصيب 34 والمسن 3 والمحسن حدا ؛ 
والجيد ( والحلو » والمليح » والمفرط 2« والقاصد . والطريف » والغريب » 


والمطرد » والسخيف 4 والجامع 3 وال مختصر 52 )1( . 


وواضح أن" جانبا كبيرا من هذه النعوت متداخل المعنى متتفقه أحيا 
لا يستطيع الباحث إدراك ما يمير أحدها عن الآخخر . ناهيك أن 0 
يبين حدودها ويضبط أوجه استعمالها . وإنما هي تعبير منهم عن حس" جمالي 
غامض » ومصطلحات » يغلب عليها الانطباع » جرت على ألسنة النقاد قبله 
وبعده » يشيرون بها إلى ما يستحسنون ويستهجنون ومراتب الاستحسان 
والاستهجان . 


وليس للمبرد فضل » من هذه الناحية إلا فضل جمعها وترسيخ المتزع 
الانطباعي في تقييم فاعلية التشبيه » وهو منرع أن يحيد عنه النقاد . 


والزاوية الثانية أدق” من الأولى » وأكثر صرامة ٠‏ لأنها تركز التقسيم 
على أساس ثابت » ونظرية مسبقة عن علاقة الفسن" بموضوعه » والصورة 
بمثالها . فالتشبيه بقع من القصد الذي عقد من أجله في أربعة محال . فأمنا 
أن يصيبه فيسمى التشبيه « مصيبا » وأما أن يقع قريبا منه ويسمى «مقاربا) 
وأما أن يبتعدل وسمى « بعيدا ) وأمنا يتجاوز الحد فيسمى «مفرطا) : 


(1) سبقنا إلى ابراز أهمية هذه المصطلحات عبد القادر حسين في كتابه أثر النحاة في البحث 
لبلاغي ؛ ص 212 وقد أحال على الصفحات المتضمئة لهذه أ حكام فلم نر فائدة الإشارة 
إليها هنا 3 


305 


«والعرب تشبئّه على أربعة 5 فتشبيه مفرط ونشبيه مصيب وتشبيه 
مقارب وتشبيه بعيد يحتاج إلى التفسير ولا يقوم بنفسه وهو أخش خشن الكلام ) (1) . 
ولئن لم يبتدع المبرد هذه الأقسام ابتداعا » فهو أوّل من جمعها في حير 
واحد وخخصض كل” قسم شواهد شعربة تعين على بلورة المعنى المراد من 
المصطلح المستعمل . فمن التشبيه المصيب (2) قول الشاعر : (بسيط) 
بِينْضَاء في دعتج صفراء في نعج 2١‏ كأنها فضّة قد مسها ذهب (3) 
وقول امرىء القيس في ثبات الليل وإقامته : (طويل) 
كأنة الأرينًا علقت في متصامها20 بأمراس كتتان إلىصم جتنْدل م 
( ومن حلو التشبيه وقريبه وصريح الكلام قول ذي الرمة » : (طويل) 
ورمل كأوراك العذاري قطعته وقد جللته الظلمات الحنادس » (5) 
والتشبيه البعيد قول الشاعر : (السريع) 
بل لو وأتني. آحت جيزانا ٠‏ إذ أنا في الدار: كاني حمنان .(6) 
ويعلق المبرد على البيت قائلا : فإنما أراد الصحة » فهذا بعيد » لآن السامع 


إنما يستدل عليه بغيره . وقال الله جل وعز » وهذا البين الواضح الكل 
الحمار يَحْمل 0 و اشن الكتات وقان +0« مكل" النايين” 
00 وس سأ لل 


حملوا التوراة دك سم ' يتَحْمدرها كمثل الحسمسار ... (8)) (9) . 
ويتضمن التعليق تفسيرا طريفا للإبعاد قُ قوله : ولأن” السامع إثما 


يستدل” عليه بغير ه ا دشير إلى وججه من وجوه إدراك المعق حيثث تفسر 


(1) الكامل » 1 : 

(2) سبق أن أشرنا إلى أمثلة التشبيه المفرط . انظر ص 356 . 
(3) الكامل » 46/2 . 

(4) نفس المصدر 1/2 

(5) نفس المصدر 89/2 . 

(6) نفس المصدر © 1032 , 

(7) و(8) الجمعة/62 . 

(9) الكامل » 103/2 . 


1366 


اللغة باللغة وبقوم الاستعمال الدارج مقام العلامة الراشدة في المعنى . فكأنه 
تتكون لدى الإنسان بمفعول الزمن » ردود فعل معينة نبادر بها » متى وقع 
المنبه » إلى معنى دون معنى آخر . فإذا خرج مستعمل تلك العبارة عد ن المعنى 
اللصيق بها يكون أبعد » ولا سيما إذا تعدّق الأمر بالأمثال المشتركة الشائعة 
مثل المكال السابق : 


ويمكن أن نجزم بأن” أقسام التشبيه ونعوته 3 عند المبرد 2 هي أوفى ما 
وصلنا عن البلاغة العر دية 5 ولذلك سيتبىن البلاغيون آراءه ولن يطوروها إلا 
من جهة الفروع بالمبالغة في التقسيم أو توليدها (1) وإضافة الشواهد من المنظوم 
والمنثور ولن يقفوا بها عند حدود التشبيه » بل سوف يستعملونها في معالجة كل" 
الصور المتولدة عنه ولا سيما الاستعارة » مع أتهم سيخرجون الإفراط عن 
حدود التشبيه الضيقة ويصيغون منه قضية عامة من قضايا التعبير الأدبى . 


م3 3 


بقى أن نشير » في نهاية هذا الباب » إلى فكرتين وردت أولاهما بصفة 
عرضية وسيكثر الحديث عنها في الفترات المتأخرة . وهي تطرح نسبة التشبيه 
إلى المجاز. يقول : ١‏ وإنما ذكرنا منه /التشبيه/ شيئا لكلا بخلو هذا الكتاب من 
شيء من المعاني ) (2) وهذه جملة فريدة يفهم منها أنّه لا يعتبر التشبيه مجازا . 


)010( نعني بالدوليد مثلا ما سمي ( التشبيه الممعكوس » أو ) المقلرب » وقد أدر جه أبن جني 

في )) باب من غلبة الفروع عل الأصول غ( (الخصائص 000/1 يقول )0 هذا فصل من 

فصول العر بية طريف » تجده في معاني المرب كا تجده في معاني الأعراب ولا تكاة 

تجد شيئا من ذلك إلا الفرض فيه المبالغة . فمآ جاء فيه ذلك للعرب قولٌ ذي ال رمة إطويل] : 
ورمل كأوراك العذارى قطعته إذا البسته المظلمات الحنادس 

أفلد ترى ذا الرمة كيف جعل الأصل فرعا والفرع أصلا . وذلك أن العادة والعمرف في 

نحو هذا أن تشبه أعجاز النساء بكثبان الأنقاء (. .) فقلب ذو الرمة العادة والعسرف في 

هذا فشبه كثبان الأنقاء باعجاز النساء » . 

والطريف أنه استخرج هذا النوع من التشبيه من نفس البيت الذي ذكره المبرد في « حلو 

التشبيه وقريبه وصريح الكلام 0 (الكامل 2 . 


(2) الكامل » 115/2 . 
36,7 


ولكن يجب أن نترقب المؤلفات اللاحقة لتتضح أبعاد هذا النقاش الذي انقسم 
لثاس جراءه فريقين ري يدر 1 إدخخال التشبيه اسان المجاز 0 
القيرواني بقول : 
وأما كوك التشبيه داخهلا تحت المجاز فلآن" المتشابهين فى أكثر الأشباء 

0 يتشابهان بالمقارنة على المسامحة والاصطلاح لا على الحقيقة ) (1) . 

وفريق كسنك بفهم ( النقل ) » عملة المجاز + فهما حرفيا فرفضص 
اعقان الفغبنةمتعان 1 © لآزنا لا لتقن 'فية الم عم أضلة »انها تقبس شينا 
على شيء . لذلك قال بأنه معنى من المعاني . وغرض من أغراض الشعر 
ومن القائلين بذلك قدامة بن جعفر الذي أدر سه ضمن (نعوت المعانى الدال 
عليها الشعر » (2) . 


يي 


أما ثافيهما » فتبرز تأثير النص القرآ ني في مواقف البلاغيين » وكيف 
أنّه قوة دافعة وكابحة في نفس الوقت . فترى البلاغيين مشدودين تارة إلى 
عقال ترهقهم (3) » ونراهم تارة أخرى مدفوعين إلى اتخاذ مواقف جريئة 
تعوذ بالنفع على النظرية الأدبية عامة . 

فمن منطلق الدفاع على الصورة القرآ نية » يقف موقفا إيجابيا من نوع 
من التشبيه يحمل فيه الشاهد على الغائب كقوله ‏ تعالى - « طلعها كأنه رؤوس 
الشياطين » (4) فيبين سلامة هذا الأسلوب ومكانته ني البلاغة . ولثن لم ينبن 


(1) انظر : العمدة » 268/1 . 
(2) انظر : نقد الشعر » ص 55 وما بعدها. 


(3) انظر في هذا المعنى محاولة رجاء عيد ؛ فلسفة ابلاغة بن التقنية والتطور نشر منشأة المعارف » 
الأسكندم رية (د. 2 


اده . ص _ 


(4) سبق أن أشرنا إلى أن المصادر تذكر أن هذه الآية كانت سببا دفع أبا عبيدة إلى كتابة 
0 القرآ ن » انظر القسم الآ ول مد هذا العمل ص 62 . 


368 


الدفاع على 00 فنية متكاملة فقد تضمن معطيات ذات بال من أهسها 
التأكيك. + في :شاء الور توشكل التسمير. + ين أي على علاقة المتقبل 
بالنص » والخحالة اله يي دروم الكاتب إحداثها فيه فيتحول » تبعا ل شركر 
الاهتمام من ١‏ انث عن إمكانية الصه ورة 3 استحالتها إلى ظر في وظيفتها 
وإيفاءها بالغردض ثم إن" الصورة لا تنفصل فاعليتها عن السياق الجملي الذي 
وردت فيه ء لأنه يرغمها ويمهّد لتوظيفها التوظيف اللائق بها . فالتشب 
برؤوس الشياطين في القرآن لا بد أن بقترن بصورة الشيطان فيه وما بلغه ذلك 
التصوير من ترسيخ فكرة القبح والبشاعة . 

١‏ وقال : طلعها كأنه رؤوس الشياطين وقد اعترض معترض هن اللجهلة 
الللحدين في هذه الابة » فقال : إِنّما يمثل الغائب بالحاضر ورؤوس الشياطين 
لم نرها فكيف يقّع التمثيل بها وهؤلاء في هذا القول ؟ كما قال الله جل” وعر 
بل كذبوا بما لم يحيطوا بعمله » ولا يأتهم تأويله وهذه الآبة قد جاء تفسيرها 
بين + أحدهما أن هناك شجرا يقال له الآأمتن مدكر الضورة تقال لثمرة 
روس الشياطين وهو الذي ذكره النابغة قُ قو[ 4 (لحيا م 7 ن' أستن سود 
أسافله) (.....) والقول الآخر » وهو الذي يسبق إلى القلب أن الله جل” ذكره 
شنع صورة الشياطين ف قلوب العباد وكان ذلك أبلغ من المعايئة ثم مشل هذه 
الشجرة بما تنفر منه كل نفس ») (1) . 


ضر 


3 2 


والوجه الثالث » من وجوه مساهمة اللمبرد في تطوير مسائل البالاغة » 
يتعلق بدراسة الكناية » وإن كان حظه من الطرافة دون الوجهين السابقين . 
إذلم نقف فيه على ال 0 المعلومات السابقة 
تحت باب واحد . واجتهد في تقسيمها والتمثيل لكل قسم من أقسامها وقد 





(1) الكامل » 79/2 . 


3069 


سبق أن قلنا (1) إن وجه الطرافة الوحيد ني هذا الباب لا يتعلق بالكناية في حد 
ذاتها » وإنما في المدخل النظطري المخصص لضروب التعبير اللغوي . 
وأقسام الكناية » بناء على ما تؤديه من وظائف » ثلاثة : 


أحدها التعمية والتغطية كقول النابغة الجعدي : (منسرح) 


أكتى بغير اسمها وقد علم الله خفيّات كل" مكتتم 2( 


وثانيهما « الرغبة عن اللفظ الخسيس المفحش إلى ما يدل على معناه من 
غيره ) كما في الآبة : «وَقَالُوا لجَلُود هم ' لم شهتداثم' عَلَيْنا » (3) 
والجلود كناية عن الفروج (4) . 

والضرب الثالث التفخيم والتعظيم «وومنه اشتقت الكنية ) (5) . 

وما عدا هذه الأقسام التي وردت في الكتاب تباعا » ذكر الكناية 
بافظها أو ما يفيد معناها في مواطن كثيرة ؛ مركزا على ما جرى على لسا 
العرب منها » كتكنيتهم عن المرأة بالبقرة والنعجة (6) . وكلما عرضت آية 

من القرآن موضوعها ما يجري بين الذكر والأنثى في السر » أشار إلى الكناية » 

وإن كان يخالف المتقدمين أحيانا ف تأويلها . فيقر المعنى الظاهر بينما حملها 
غيره على المعنى الخفي » كما هو الشأن في 7 تفسيره الآية «أو لامسدم 
اداه ) (7). فقد فسر غيره الملامسة بأنها كناية عن الجماع » بينما خرجها 
هو على المعنى الظاهر ورأى أن الملامسة « أن يلمسها الرجل بيد » (8) . وبهذا 
تبرز أهمية التأويل في إثبات وجه بلاغي أو رفضه . 


(1) انظر ص 352 من هذا البحث . 
(2) الكامل » 5/2 . 

(3) فصلت/20 . 

(4) الكامل » 6/2 . 

(5) المصدر السابق » نفس الصفحة . 
(5) المصدر السابق » 66/1 --381 , 
() الساء/قه . 

. 318 - 317/1 ٠ الكامل‎ )8( 


30 


ويمكن أن نقول » بي الجملة » إن الكناية في « الكامل » لم تخرج عن 
الحدود التي رسمها اللغويون وعلماء البلاغة قبله » سواء في شقها اللغوي أو 
الامسلايى ب إلا أنه جيم تانايك ل بان انطو بون كان تياد الى 
التنظيم والتبويب دون ما لاحظناه في باب التشبيه . 

ولعل أبرز مظاهر التأثر بأسلافه بقاؤها » عنده » مرتبطة أشد” الارتباط 
بالعامل الأخلاقي والمواضعات الاجتماعية التى كانت سببا في نشأتها » يدل 
على ذلك كيان (1) لضربها الثاني وفى :تس ان قروو للها ذكرنا . 

على هذا النمط ساهم المبرد مثل غيره من اللغويين والعلماء بالشعر في 
ترك أسين البلاغة وتطويرها . ويجب ألا ينسينا مجيئه بين مؤلفين حاسمين 
( البيان والتبيين ) من جهة و١‏ البديع ) من جهة أخرى أدمية ما تضمنت مؤلفاته 
من معلومات بلاغية » لا تخلو من الطرافة والجدة . ناهيك أنّه أول من ذ كر 
مصطلح البلاغة في عنوان رسالة من رسائله » وأول من عقد مقارنة صريحة 
بين الشعر والقرآن » مدت كتب الإعجاز التأخرة بمنهج لبيانه . 

ولعل طرافة المبرد تكمن في علمه الدقيق بالشعر » وبراعته في النحو 
واللغة » فكانت مؤلفاته حصيلة ما رشح عن هذين الاختصاصين من مسائل 
تخص” الأساليب . فرأيناه يتطرق إلى ما تطرق إليه النحاة قبله ويضيف إليها 
ما استفاده من النقاد والبلاغيين . 

فليس من الغريب » والحالة هذه » أن تكون مواطن الطرافة في مساهمته 
متصلة بالميدانين معا » أضرب الخبر من جهة والتشبيه من جهة أخرى . 

كنا أن كشاعيه لا تحلن من ظرالاسيسة ؛ فبالإضافة إلى نزعة التنظيم 
والتبويب الطاغية على مشاغله » وابن قتيبة بفضلها أولى » وجدناه يسلك في 
دراسة التشبيه سبيلا غير معهودة فتحت أمام التأليف البلاغي آفاقا جديدة . 


010( الكامل 3 6/2 2 


321 


كتاب م البديع ) لعبد الله بن المعتر : 

كتاب ١‏ البديع ) نقطة تحول هامة في مسار الداراسات البلاغية وعلامة 
بارزة في مجال النظرية الأدبية عند العرب . ومكانته في تاريخ البلاغة تشبه 
مكانة « كتاب » سيبويه في تاريخ البحوث اللغوية والنحوية . فهو بإجماع 
الباحثين عر با ومستشرقين أول كتاب جعل من البلاغة غاية تأليفه (1) و محاولة 
فربدة لإرساء أصول البلاغة على ا عر لية صر بحة 2( :0 وو كتاب 
يتناول الأدب تناولا فنا (3) . وبالإمكان إضافة تقاريض أخرى كثيرة إلى 
م ذكرنا مس عخر حجة من كنت القدماء والمحدثين 5 


فما الذي بو الكتاب هذه المنزلة ؟ 


باستطاعة المتتبسع لأطوار البلاغة من البداية إلى نهاية القرن الثالث أن يجزم 
بأن قيمة الكتاب لا تمكن في مضمونه ؛ لا من حيث عدد الوجوه التي اشتحل 
عليها » ولا من حيث الصياغة النظريّة لبعض تلك الوجوه » وما يتعلق بها 
من تفسيم وتحديك . فليمس من وجوه البديع الخمسة اللتى أثبتها وهى 
« الاستعارة (4) والتتجنيس (5) ) و( المطابقة » (6) وورد أعجاز الكلام على 
م تقد مها 0( 27( )0 والمذهب الكلامى ( ,5( وجه واحل : د إليه بمصطلحه 
أو بمعنأه 5 


(1) مازن المبارك » الموجز في تاريخ البلاغة » ص 68 . 

(2) عبر كراتشو فسكى (7819هلط16181) عن هذا الرأي في مواطن عديدة من المقدمة 
الانقليزية التي وضعها على تحقيقه الكتاب . كا عبر عنه فون غرنباوم (هتنةطعطتاحظ مه/ .©) 
في كتابه » دراسات في نقد الآدب العربي » الترجمة العزية » نقر مكتبة الحياة > 
بيروت » 1959 ., 

(3) بدوي طبانة » دراسات في نقد الآدب العربي من الجاهلية إلى نهاية القرن الثالث . ط » 
القاهرة » 1969 + ص 267 . ١‏ 

(4) البديع » ص  .24-3‏ 

(35) نفس المصدر » ص 35-25 ., 

(6) نفس المصدر » ص 47-36 ., 

)7( 0 0 ص 47- 53 ., 

. 57-53 («م 0 ص‎  )8( 


3/2 


فلقد اشار الفراء إلى الاستعارة (1) وتناولها كل من ابن قتيبة (2) 
وثعلب (3) بشيء من التفصيل يحيط بحداها وأقسامها . وللغويين الآوائل 
هنا هناك :اق "يلور ةا يات اجنين أنيدها ابرق اعت" نفس فهو يشير" إلى. كتانب 
للأصمعي إسمه « الأجناس ) + وقد 2 لى ما يقع بين الكلمات من 0-0 
وشبه في تأليف الحروف . كما | ا موضوع فيه تحديد 
للوجه وإشارة إلى بعض أقسامه (4) » ولم يتخلّف ثعلب عن الجماعة فذكر 
الوجه وإن كان خصه بمصطلح آخر (5) . أما المطابقة » فإنه يعتمد على 
الخليل في تقرير حداها (6) . كما أشار إليها ثعلب قبله وسياها ١‏ مجاورة 
الأضداد » (7) . وكذلك الشأن بالنسبة إلى النوع الخامس المسمى « المذهب 
الكلامي ) فقد أشار صراحة إلى أن الجاحظ صاحب المصطلح : 


0 الياب الخامس دن البديع وهو مذهب شيا عورو الجاحظ المذهب 
الكلامسى ) (5). 


والباب الرابع المسمى ورد أعجاز الكلام على ما تقدامها ) هو الباب 
الوحيد الذي قد يكون لإبن المعتر فيه فضل صياغة المصطلح ٠»‏ إذ لم نقف عليه 
في المساهمات السابقة » وإن كان بعضهم أشار إلى شيء شبيه به يمكن أن يعد 
تمهيدا لبروزه . فمن مقاييس جودة الشعر الواردة ثي ١‏ البيان والتبيين » نقلا 

ابن المقفع قوله «وليكن في صدر كلامك دليل على حاجتك » كما أن 
خير أبيات الشعر » البيت الذي إذا سمعت صدره عرفت قافيته ) (9) . 


(1) معاني القرآن » 239/1 » 91/2 ؛ 156 . 

(2) تأويل مشكل القرآن » ص 135 ها بعمدها. 

(3) قواعد الشعر » ص 57 . 

(4) البديع » ص 25 . 

(5) سماه المطابق يقول في في تعريفه روهو تكرير اللفظة بمعنيين محتلفين » وقدامة هو 
الناقد الوحيد - في حدود ما نعلم - الذي سيقتفي أثره في هذه التسمية » انظر ٠‏ قواعد 
الشعر » ص 64 . ١‏ . 

(6) البديع » ص 36 . 

(7) قواعد الشعر » ص 2 

(8) البديع » صن 53 . 

(9) البيان والتبيين » 116/1 . 


313 


وما قلناه في شأن القسم الأول من الكتاب ينطبق على القسم الثاني 
المخصص لما سماه ( محاسن الكلام والشعر ) (1) وهي الالتفات ) (2) 
و« اعتراض كلام في كلام » (3) و( الرجوع » (4) و( حسن الخروج من 
معنى إلى معنى ) (5) و( تأكيد مدح بما يشبه الذم » (6) وه تجاهل 
العارف ») (7) و«هزل يراد به الجد ) (8) ود حسن التضمين) (9) 
و« التعريض والكناية ») (10) و« حسن الابتدات ») (11) وم حسن التشبيه » (12) 
و« إعنات الشاعر نفسه ) (13) و١‏ الإفراط ف الصفة » (14) . 


وقد سيقنا بعض الباحثين إلى رد" كل هذه الألوان إلى أصولها الأولى 
في كتب اللغوبين وعلماء البلاغة قبله (15) » وواضح أن ابن اللمعترّ لم يكن 
حريصا على تجميع هذه الألوان وإحصائها بدقّة وإنما أتى ببعضها ليدل به 
على بعضها الآحر . ففي مقدمة القسم الثاني من الكتاب يقول : 


«ونحن الآن نذكر بعض محاسن الكلام والشعر » ومحاسنها كثيرة لا 
ينبغي للعالم أن يداعي الإحاطة بها » (16) . 
(01) البديع » ص 58 . 
(2) المصدر السابق » 58س 59 , 


,.60-59 و9‎ «  )3( 
, 0 0 م‎ 4 

(5) « و9 62-50, 
 )6(‏ («م 0 2 . 
 )7(‏ «م و63-6209, 
(8) 2 « 3 

(9) المصدر السابق » 64 . 
)010 0 01 4 65 . 
(11) م 68-65209, 
(12) م و9 74-68, 
)013 0 7 75-4 
(14) («» 77-5 


(15) عبد القادر حسين ؛ المرجع المذكور » ص 203 - 236 . 
(16) البديع » ص 588 . 


34 


وما تأكيده في نفس هذا النص” » على مصطلحات التأديب والجهل 
والمعرفة إلا دلييل على أنه لا يدعي ابتداع هذه الألوان وإنما هي علوم كانت 


جارية في عصره يمكن اكتسابها عن طريق الرواية والتعلدم . 


وأحببنا لذلك أن تكثر فوائد كتابنا للمتأدبين ويعلم الناظر أنا اقتصرنا 
بالبديع على الفنون الخمسة اختيارا من غير جهل بمحاسن الكلام ولا ضيق 
في المعرفة » (1) . ويصرّح في سياق آخير بأن المادة البلاغيّة ليست غاية في 
ذاتها وإنما هي وسيلة لغائية أخرى حركته لجمعها . 

١وقي‏ دون ما ذكرنا مبلغ الغاية التي قصدناها وبالله التوفيق ) (2) . 

وهذا النص' يعيننا على فهم ظاهرة تبدو » لأوّل وهلة » غريبة غامضة 
وتتمثل في ما قد يلاحظ من تناقض بين مكانة الكتاب وعدم تطور المادة البلاغية 
فيه » بل إن حظ كثير من الأساليب » من الاتساع والعمق » دون ما بلغته 
في كتابات السابقين والمعاصرين » ولمما يزيد في تعجتب الباحث أن تلك الوجوه 
مشهورة غالبة في الاستعمال من نوع التشبيه والكناية والتعريض والاستعارة . 


فبإمكاننا أن نؤكد أن معلوماته عن التشبيه دون معلومات المبرد جملة 
وتنضياذ بل دون ما عاغة أبو عيدة قله قبررن كامتنلن فى كقات 
التقائض ) » وقس على ذلك حدشه عسن الكناية والتعريض والاستعارة . 
فتعريفه الوجه الأخير بأنه « استعارة الكلمة لشيء لم يعرف بها من شيء قد 
عرف بها ) (3) . لا يضيف شيئا » من الوجهة النظرية » إلى التعريفات السابقة 
عند الجاحظ وابن قتيبة وهو أقل دقَّة وأضيق مجالا من تعريف ثعلب : 
« الاستعارة هو أن يستعار للشيء اسم غيره أو معنى سواه ) (4) . فهذا أوضح 
إشارة إلى نوعي الاستعارة الرئيسيين : التصريحية والمكنية . 
1( البديع » نفس الصفحة . 
(2) نفس المصدر ») ص 3. 
)3( البديع » ص 2 
(4) قواعد الشعر » ص 57 . 


315 


قل مير ري رأبنا : لتقريض الكتاب بأنه « أول كتاب استقرات فيه 
صباغة نلرية لبعض الفنون البلاغية » (1) ويتحكم اللحث عن اياتب أخرق 


2 52 


نفس أهميته . 
5-2 2 


إن قيمة الكتاب الرئيسية تكمن » من وجهة نظرنا » في صدوره عن 
درجة عالية من الوعي بمداه وحدوده وتحرك صاحبه من رؤية واضحة 
1 منطلقاتٍ وغايات جعلت مادته خاضعة لتلك اأرؤية لا تتجاوزها فجاء الكتاب 
00 مشذايا خاليا من كل مظاهر الاستطراد والحشو 


ومن أبرز مظاهر الوعي والو ضوح اكعيال )0 البديع ا( على نصوص 
نظرية (2) فيها » على قصرها . عون للدارس على إدراك 00 التأليف 
وغاياته والوسائل التي وظّفت لبلوغها » مما سمح سزيل الكتاب في 


سياقه التاريخي على أصح وجه ممكن . 

وستحاول الإلمام بوجوه اللجداة 5 هذا المؤلف بالاعتماد على هذه 
النتصوص أولا كم على 8 يمكن استيخلاصه من طريقة عر ضه للمسائل وتبوبيها ٠.‏ 

فماذا لجد ف هذه التصوص م 

يقول ابن المعتر مشيرا » إلى فضله على غيره : ( وما جمع فنون البديع 
ولا سرقني إليه أحد » ) (3) وهو فضل اعتر ف له 4ه النقاد والبلاغيون فهذا 
ابن رشيق » قُ القرن الخامس » يؤكد أن" , البديع ضروب كثيرة وأنواع 
مكتلفة 39 عل أن ابن المعترّ : هو أول من جمع البديع وألف فيه 
كتايا 0 


)1( انظر : مازن المبارك » الموجز في تاريخ البلاغة » ص 68 . 


(2) وردت هذه النصوص في موطنين في المقدمة من صفحة 1 إلى 3 وفي بداية القسم الثانى - 
المخصص لدراسة المحاسن »| ص 57 - 58 . 3 


(3) البديع » ص 58 . 
(4) العمدة » 2635/1 . 


316 


وهنا يطرح سؤال عن المقصود بالسبق إلى الجمع ؛ إذ من السهل أن نثبت 
أن المادة الواردة قُ الك ب ليست استقصاء 1ا اهتدى إليه سلفه من الأساليب 
البلاغية . فهو لم يأت إلا على جانب منها ٠.‏ وقد أشرنا إلى أن ذلك لم 2 
غايته » ثم إن ما قام به ابن قتيبة في ١‏ تأويل مشكل القرآن ) يبقى ؛ رغم 
اندراجه ضمن مشغل ديني بي عام ؛ محاولة لجمع المجازات وتبويبها » ونحن 
نستبعد أن يكون ابه 0 جاهلا بها فيد عي لنفسه ما ادعى ! 


ومن هنا 0 البحث عن معان أخ رى تثيت صحة ما نسيه إلى نفسه 
1 


وتصداق شهادة القدماء له , وللكلمة قي رأينا 0 متكاملان : ولهما 
م ذهب اليه انق رشيق قُ الااستشهاد السابق 34 من ن ١‏ الجمع 0 تخصيص 


كتاب مستقل ٠‏ بهذه الأساليب التي كانت ترد ضمن أغ, ا خرف اليل 
مقصودة قُ ذاتها 5 ولا جدال قِ شيجة هذا التخر أ من الناحية التاريخية 
وق كونه عماد جايلا ساهم في تطوير |( عدم والانتقال به من مرحالة التساؤل 

البلاغة » وتحسس المستويات الفثية في التعبيز في نطاق مشاغل أدبية 
ودسة عامة 3 إلى مرحالة الصياغة المنهجية اتلك المادة الجاهزة 3 والعمل 
على ان تصبح مو ضوع علم مستل من جهة المنهج والمصطلح 5 

وثانيهما يؤدي إليه عنوان الكتاب وبعض الإشارات المحلادة لغايته . 
فلقد عودتنا الفترات السابقة على وضع كثير من الأساليب المذكورة تحت 
مصطلح «المجاز ) . فلم فضّل ابن المعتر مصطلح ١‏ البديع » ؟ هل يدل 
ذلك على شعوره » وهو يذكر سبقه . بأن طبيعة عمله تختلف عن طبيعة 
عمل ابن قتيبة مثلا : أو أنه يأخذ في طريق تختلف عن طريقه وإن كانتا 
تؤديان إلى نفس النتيجة ؟ 

إن جملة من الاعتبارات تجعل هذا التأويل ممكنا » في مقدامتها تحديده 
للمصدر الذي أخيذ منه المصطلح ٠»‏ فبكثير من الداقة في العبارة والموضوعية 
قُُ التقدير يعتر ف أنه ليس من وضعه وإئما هو )0 اسم مو ضوح لفنون دن الشعر 


الالات 


يذكرها الشتعراء ونقتاد المتأدبين منهم » فأمًا العلماء باللغة والشعر القديم 
فلا يعرفون هذا الإسم ولا يدرون ما هو) (1) . 


فإذا أضفنا إلى هذا النص تحديده للغائية القصوى التي حركته لوضع 
هذا الكتاب أدركنا سبب تفضيله مصطلح « البديع » (2) وفهمنا كثيرا 
ن الجوانب التي تمر هذه المساهمة عن غيرها . يقول : 


وقد قدمنا في أبواب كتابنا هذا بعض ما وجدنا في القرآن » واللغة » 
وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم » وكلام الهيا قتعا الأعوايةء 
وغيرهم » وأشعار المتقدمين » من الكلام الذي سماه المحدثون البديع 
ليعام أن بشارا ومسلما وأبا نواس » ومن تقيّلهم » وسلك سبيلهم » ل يسبقوا 
إلى هذا الفن” » ولكتّه كثر ني أشعارهم فعرف في زمانهم حتى سمي 
بهذا الإسم فأعرب ودل” عليه ) (3) . 


واضح من هذا النص أن الكتاب مبني على موقف من قضية نقدية هامة 
أثيرت ف القرن الثالث عندما قام جماعة من الشعراء » أغلبهم م و أصل غير 
عر بي ) وجهوا عنايتهم إلى الصياغة الشعرية وأشكال التعبير والتصوير الفثي » ونم 
تخل نزعتهم هذه من روح عدائية تجاه «عمود الشعر ) أملتها خلفيات 0 
عرقفيّة حضارية عرفت في تاريخ المجتمع العربي الإسلامي بالشعوبية . 


ونجم عن ذلك خلاف طويل » لعل آثاره لم تمح إلى اليوم » كان 
في ظاهره أدبا أطلقوا عليه تخصوية القلماء والمحدقين 4 (4) + إلا أنه 


(1) البديع » ص 55 . 
)2( يعجب الباحث لتسرع بعض الدراسات كّ 0 أبعاد هذا المصطلح فتحمله على معنى 
يكفى لنقصه وبيان اتياقه مجر د تصفح الك 


ال يم 0 البلاغة العربية » ضص 45 --50. 


)3( م 

4( انظر : صبحي ناصر حسين » أبو بكر الصولي ناقدا » دار الجاحظ للطباعة واللشر » 
1 اد أ 1975 »© صصص 8 . علي العماري »© الصراع الأدبي بين القديم والجديد » 
القاهرة » 1965 . 


308 


كان يخفي صراعا حضاريا هائلا أفرزته تركيبة المجتمع المعقادة المتوثّرة 
بسبب إقبالها على فترة تحول هامة » واحتوائها خليطا من الأجناس والحضارات 
والآداكد ل كن براضية كن الى شادة العرزق] العربي تعلط عدها :: 


فالروح التي أملت الكتاب روح نقدية لا بلاغيّة » بل هي روح 
تعكس تمازج التشاطين بكيفيّة فريدة . لذلك تعقسّب ابن المعتر مسالك هذا 
الصراع ومجاهله » واختار المصطلح الذي استعمله أسلافه من الأدباء والنقاد » 
كالجاحظ ؛ للإشارة إليه لأن مصطاح « المجاز » تواتر استعماله في الدراسات 
المتعلقة بالقرآان . 


ولا غرابة أن .يولي الؤلف هذا القدر من. العناية + فهو شاعر عاصر 
جماعة من كبار الشعراء ممن رغبوا عن عمود الشعر وعرفوا بالمحدثين 
والمولدين وخلّف ديوانا (1) » وهو ناقد له مؤلف في «١‏ طبقات الشعراء ») 2( 
ورسائل (3) تناول فيها هذا المذهب الجديد وبعض أعلامه كأبى تمام . 


وموقف ابن المعتز من الصراع واضح فهو «دفاع عن القدماء » أو 
إرجاع الفضل إليهم فيما اداعاه المحدثون لأنفسهم ) (4 إلا أن الطريف 
في الأمر أن الدفاع انطلق من تبني تلك الأساليب وتأصيلها في التراث العربي 
القديم لا برفضها أو ضرب الحصار عليها . ولهذا الصّنيع » في نظرنا » 
دلالته الخطيرة في تاريخ النظريّة الأدبية عامة وني حالة ابن المعتز بوجه خاص » 
فبهذا الموقف يعادل بين ممارسته الشخصية كشاعر وموقفه المبدئي » من 





)00( طبع ديوان ابن المعبز » كليا أو جزئيا ٠‏ عدة طبعات » فقد نشر المستشرق د. ليون 
(9تسامة .8) بعض أجزائه ابتداء من 1891 » ونشره بنفس السنة أ . زنه بالقاهرة , 
أما الطبعات المتداولة فهي طبعة شفيق جبري وقد نشرت بدمشق سنة 1371 ه. وطبعة محى 
الدين الخياط » بيروت » (د. ت.) . 1 

(2) تحقيق الأستاذ عبد الستار أحمد فراجٍ » القاهرة » 1956 . 

(3) جمع عبد المنعم خفاجي » ط.-1 » مصر 1365/1946 . 

(4) بدوي طبانة » دراسات في نقد الأدب العربي من الجاهلية الى نهاية القرن الثالث» ط . 5» 
القاهرة » 1969 » ص 265 , 1 


519 


18 
ل 


( الشعراء ثلاثة : جاهلي وإسلامي ومولّد : فالجاهلى امرؤ القيس والإسلامي 


الصراع : فهو معدو د من المو كدق فقل 3 8 العمدة أن بعضهم إرىا 
ذو الرمّة » والمودّد ابن العتر) . ويعقب ابن رشيق على ذلك قائلا : 
«وهذا قول من يفضل البديع وخاصة التشبيه على جميع فنون الشعر ) (1) 


والأخبار الأدبية التى تضعه قِ زهرة شعراء التصنيع وكثرة البديع تكاد لا تحصى 


وهو يدل من جهة ثانية » على أن التجديد وصل باأشعر إلى ( نقطة 
اللارجعة ) فاقتنع الجميع » أنصارا للمجددين أو خصوما » بأن النهج الذي 
انتهجوه « أليق بالوقت وأشكل بأهله» ‏ على حد العبارة المشهورة -- فكان 
لا بد أن يواكب النقد حركة الإبداع والخلق » وأن يوجد الوسائل الكفياة 
بفهم هذا الشعر وحمله على وجهه ». ولا يتسنى ذلك إلا بإحلال الوسائل 


الشعرية المحل” الأرفع » وتركيز العملية التقدية على النص” » صوره وأساليبه » 
باعتباره قطب الرّحى في عملية الخلق الفنتي ولما كانت هذه الأدوات 
والأساليب عنوان بلاغة النص” وبراعة الكاتب » لا فرق بين القدماء والمحدثين 
في التوسّل بها إلا الكم » فقّد كان القدماء يقولون منها ١‏ البيت واأبيتين ) 
بينما أسرف المحدثون في استعمالها وأسرفوا (2) فتحدم تسجيلها وإحصاؤها 
لتحتذى . وعند هذه النقطة يلتحم النقد والبلاغة ني كتاب ١‏ البديع » وهو 
التحام يبين عن مدى التطور الحاصل ي مجال ادع ودلالته . فقد 
رأيناها ‏ البلاغة ‏ عند الجاحظ متداخلة مع مفهومي الخطابة والبيان مما 
جعل مقابيس ضبطها متنوعة تأخذ بعين الاعتبار الملفوظ والتلفظ » وتمزج 
بين مقتضيات المشافهة والكتابة » ولا تولي كبير أهمية لفرق ما بين الكاتب 
والشاعر والخطيب . لذلك اتسع مجالها وحظي كل قسم من أقسامها الخمسة 
المعروفة بنصيب من هذه لا . أما هنا فلا وجود إلا للنص. : ولا حديث 
ا : 0 ' 

(2) البديم » ص 1 

300 


إلا عن خصائصه في ذاته بقطع النظر عن جملة العناص اي عنه والتي 
يمكن أن تو ثر فيه فضاق مجال البلاغة وأ أصبح 0 0 قسم « العيارة ) (1). 
ولهذا الجانب خطورته فهو من ناحية بو سس النهج الأدفر ى الخالص الذي 
تتركز فيه البلاغة على خصائص الخطاب والخطاب الأدبى 17 غير 5 وبمهد 
من تاححية أخر في لظهور مؤلفات لا ترى قُ البلاغة إلا جيع ٠.‏ وجوه البديع 
والمحسنات وترثيبها وتصنيفها سج عمسا ما لشتخصيه اللفظط والمعزى والكلام 2( 7 


3 36 


والتبويب جانب يسترعي الانتباه » لأزه إحدى دعائم هذا العلم الهامة إذ 
« البلاغة » قبل كل شيء » تبويب وتيك لأساليت دختلفة ») (3) + والتبويس 
في كتاب البديع درجات . فهناك ما يمكن أن تسميه التبويب الخارجي ويشمل 
أقسام الكتاب وترابط الأبواب وهناك التبويب الداخلي وهو كيفية ترتيب 
المادة في نطاق الوجه الواحد . 


5-8 التبويب المخارجى : 


يحتوي الكتاب على قسمين كبيرين ٠‏ فصل المؤلف بينهما بوضوح » 
بنص” نظري ؛ فيه إشارة صريحة إلى انتهاء الحديث عن أوجه البديع والشروع 
قُ باب ) ممحاسن الكلام والشعر ) (4) »© و امسن هذا التقسيم وأسيانة 
غير واضحة ويصعب أن نجد مقياسا نعدّل به سبب اختياره مصطلح ١‏ البديع ) 


(1) ملأتعماظ 


(2) نذكر من نوع هذه الكتب الصناعتين العسكري و البديع في نقد الشعر لأسامة بن منقذ » 
تحقيق أحمد أحمد بدوي وحامد عيد المجيد » القاهرة » 1960 . 


(3) عبد القادر المهيري » من دروس ألقيت على طلبة « التبريز » بكلية الآداب » تونس 
2 - 1973 وقد قرب بين هذا المفهوم والشيوم الفر نسي 016دممن:12 وهو كثيرا 
ف ديرد فى تلعريف البلاغة في المصادر الأجنبية ١‏ 


(4) بدوي طبانة»دراسات في نقد الأدب العربي من الجاهلية الى نهاية القرن الفالث» ص 258 . 


301 


عنوانا لكل الكتاب » ني حين أعطى للقسم الثاني عنوانا آخير عبر عنه 
بمجموعة كلمات » وسبتب قتّصره البديع على الوجوه الخمسة المذكورة » 
بينما كان بالإمكان إلحاق أساليب أخرى من القسم الثاني بها لتقارب أنواعها . 

لفت هذا الجانب نظر الدارسين . وم يجدوا له تفسيرا مرضيا إلا أن 
يكون الكتاب في الأصل رسالتين منفصلتين جمع بينهما رواة الكتاب . 
فالاتكال على مقياس الشهرة وكثرة الاستعمال لا يستقيم لأن «المذهب 
الكلامي ) و ارده أعجاز الكلام على ما تقدمه) » وقد أدرجا في قسم 
البديع ؛ ليسا أكثر أهمية ورواجا من باب ١‏ التشبيه ) و « الكناية والتعريض ») 
اللذين ألحقا بالمحسنات . 

كما أن الاعتماد على متعلّق هذه الأساليب » لا يرفع الإشكال » إذ 
تراه يفصل بين الاستعارة والتشبيه وكلاهما معنوي . 

والناظر ني الكتاب بلاحظ أن المؤلف نفسه لم يكن متشبنا بهذا التقسيم 
لأنه لم يبنه على سبب معقول . 

9(....) فمن أحب أن يقتدي بنا » ويقتصر بالبديع على تلك الخمسة » 
فليفعل ومن أضاف من هذه المحاسن أو غيرها شيا إلى البديع ولم يأت 
غير رأينا فله اختياره» (1) . 

وقد رفع ابن المعتر بهذه الإضافة الحرج على المتأخترين فكانوا يلهجون 
بفضله في السبق إلى التأليف ٠‏ ولكنهم خالفوه في التقسيم (2) . حتى انتهى 
بهم الأمر في وقت متأخر إلى المرادفة بين ١‏ البديع » و «المحاسن ») . يقول 
زكي الدين بن أبي الأصبع (654 ه) ١‏ إني رأيت ألقاب محاسن الكلام 








(1) البديع » ص 58 . 1 

(2) يشير أبن رشيق إلى هذا المعنى بوضوح فبعد أن ذكر فضل ابن المعتز » وعدد وجوه البديع 
عنده قال : بر وعد ما سوى هذه الخمسة أذواع محاسن . وأباح أن يسميها من شاء ذلك 
بديعا » وخالفه من بعده في أشياء منها يقع التنبيه عليها والاختيار فيها حيثما وقعمت 
من هذا الكتاب )6 العمدة 3 265/1 5 


352 


التي نعتت بالبديع قد انتهت إلى عدد منه أصول وفروع ٠‏ فأصوله ما أشار 
إليه ابن المعتز في بديعه وقدامة في نقده . لأنهما أول من عنى بذلك » (1) . 


وقد انعكست هذه الاعتباطية في التقسيم على ترتيب الوجوه داخل كل 
قسم . فليس لهذا الترتيب تعليل صريح أو ضمني فوجوه البديع هي على 
التوالي الاستعارة» والتجنيس» والمطابقة» ورد أعجاز الكلام على ما تقدمهاء 
والمذهب الكلامى . وإذا كنا بشيء من الاجتهاد نستطيع تفسير المطلع 
والخاتمة » باعتبار الاستعارة أهم" أنواع المجازات ٠»‏ والمذهب الكلامى 
أقلها استعمالا ٠‏ فإننا لا نفهم سبب مجيء التجنيس بعد الاستعارة مباشرة » 
في حين تأخرت المطابقة إلى المرتبة الثالثة : ويبدو أنه لا مقياس لترتيبها 
إلذ فكرة الجمع بدون أي تمخطيط ع 2 يدل ع لى ذلك عبارة أبن" ن المعتر 
نفسها يقول : (هه: د الكل ابيع فون ل تاق و ..... وإنما هو استعارة 
لم ومن البديع أيضا التجنيس والمطابقة 6-0 وكذلك الباب الرابع 
والخامس ) (2) . فهذه العيارات الرابطة تدل عا فى معنى الزيادة والتشابه ُ 
الانتساب إلى الباب لا غير . ويمكن أن نلاحظ نفس الملاحظة في القسم الثاني . 
فهي خليط من الأساليب » متعلقة' بجملة من خصائص الخطاب » شكله 
ومعناه » إلا أنها جاءت على غير نظام » منها ما يرتيط بمظهره النحوي 2 
كتداخل الضمائر وأنماط الخطاب » كالالتفات » أو قطع السير الطبيعي للجملة 
النحوية » بإقحام سياقات أخرى أجنبية عن التركيب . لكنها غير أجنبية 
عن المعنى » كاعتراض كلام قُ كلام »؛ ومئها ما يتعلق بكيفيات أداء 
المعن, » وينائه المنطة ي كا لكناية ؛ التعر دض » وتأكيد المدح نما نشيه الذم ؛ 

و والتعريص : بج الما نشي الم 

وحسين الخروج 0 ن معنى إلى معنى 2 


(1) تحرير التحبير » تحقيق حفني محمد شرف ٠»‏ ط . المجلس الأعلى للشؤرن الاسلامية» 
القاهرة © 2.1963 


)2( البديع »اص 2. 
3503 


التسويب الداخل . 


ولئن بدا هذا المظهر الأول من التبويب مرتجلا . فإن” حدود الباب 
الواحد وتركبيه الداخلي أشد” إحكاما 3 ولا سنا 2 القسم الأول » حيث 
قوم على ثلا نه أركان رئيسية هى : التعر يف وهو الفاصل بين باب وباب » 
والشواهد المو ضيحة وهى بصفة ضمنية ما ستحسن منه ان قُُ مر عحلة 


ثالثة ما «عيب من الشعر والكلام» (1) على ذلك الوجه . 


وتعريفاته تحمل بصمات هذه المرحلة . ولا نعتقد أن ابن المعتز بذل 
بحياد! كناها التطزوراها . تاهيلف: أنه اميد في الكقير .مها “عل ما وجل عثن 
عيرم كنااسق ناكرا فى لديف رن ماده الكقا انا طاوة الى عمق أن 
اكتملت جاءت عنده مكتملة متطورة مثل التجنيس الع ط حاف 
التي لم تتضح معلمها » وكانت تنزع إلى التعميم © فإنها بقيت في مؤلفه 
على حالها » وربما جاءت عنده أقل” تطورا مما كانت عليه. مثال ذلك 
الاستعارة » ١‏ والتشبيه » فهو لم يعرف هذا الوجه الآخير وإن كانت عناصر 
التعر يف هموجودة عند غيره . 


م إن من التعريفات ما لم يتمكن في التعريف فعبّر عنه بجملة كاملة 
كتأكيد المدح بما يشبه الذم” » وهزل يراد به جد » هذا ما يؤكد أن" مساهمته 
الحقيقية لا تتمثل في المادة الواردة + وإنما في كيفية ممارستها أي أن الفضل 
من المنهج لا من المحتوى + بشرط أن نحيط كلمة المنهج بكل” الاحترازات 
الضّرورية ونفهمها في سياقها التاريخي العام . 

أمنَا تبويب الأمثلة في نطاق المسألة الواحدة » فهو خاضع لمقياس مزدوج 
عقائدي وزمني . فهو عادة يبدأ بذكر الوجه في القرآن ٠»‏ فالأحاديث » 


فكلام الصحابة : وإذا انتقل إلى الشعر راعى الترتيب التاريخي فيبداً بالقدماء » 


ثم" يصل إلى المحدثين . ويمكن أن نلاحظ » في هذا الجانب الأول المخصص 
لاستعر اض ما ستحسن » أن ابن المعتر قليل التدخل ؛ ضنين برأيه اكثينا 
ما يقتصر في حكمه النقدي على مجرد الانطباع والانفعال الذوقي غير المعاسل 
فتكثر العبارات من نوع : « وهذا من الأبيات الملاح » (1) و ١‏ من التشبيهات 
العجيبة ) (2) و «من أحسن التشبيه ) (3) ومن ( النشبيه الحسن ) (4) . ثم 
إنه » بالإضافة إلى تجاوزه تعصب النحاة واللغويون على المحدثين » إذ لم 
يضبط لاستشهاده حدودا زمانية ومكانية » نراه يكثر من إيراد شعر المحدثين » 
إلى ا المبالغة أحيانا 2 فيطول الشاهد طولا لا هبرر له إل إعجايه بهم 
وتقديمه للجيد من شعرهم » فهو في باب التجنيس » مثلا » يورد نخمسة 
أبيات لمحدث يقع فيها الجناس في البيت الثاني ولما انتبه إلى الطول حدد 
موطن الاستشهاد بقوله «أردنا قوله وغدا السحاب يكاد سحب ... ) (5 : 


ولا غرابة أن ترجح كنفة المحدثين في الاستشهاد فالبديع في أشعار هم 
اكثر وهم أشد تعلقا به من غيرهم (6) . 

أما الجانب الثاني من األنات + تسدودة' فى الشيلةتؤافيحة كيدا بغارة 
( ومن المعيب أو « ما عيب ) » تستثنى من ذلك باب الاستعارة الذي وردت 
فيه العبارة مسبوقة باسم إشارة يصعب التأكد مما يشير إليه . فبعد مجموعة 
من الأبيات آخخرها بيت العباس بن الأحنف / بسيط / 


ولي جفون جفاها النوم فاتصات أعجاز دمع بأعناق الدم السرب 


(1) البديع » ص 29 . 
(2) المصدر السابق » صن 69 . 
(3) المصدر السابق » ص 72 . 
(4) المصدر السابق » ص 73 . 
(5) البديع » 29 -30 . 


)6( نذاكر 0 نه أورد في القس الأول من الامتعارة ما يزيد عل الستين بيعا 


305 


يقول ) وهذا وأمثاله من الاستعارة مما عيب هن الشعر والكلام وإلما 
تخبر بالقليل ليعرف جتن ) () . 

ولسنا ندري هل كان المقصود هذا البيت وحده » أم الأبيات السابقة 
أيضا . وسكوت المؤلف عن التعليق على الشواهد يعقد المشكلة » على كل" هذه 
حالة شاذة له تنقص من قيمة التبويب ووضوحه إجمالا 5 


ويقتصر المؤلف هنا على الاستشهاد بكلام المحدثين وأشعار هم . وهذا 
سبب قي ضمور هذا القسم بالقياس إلى القسم السابق . والمؤلف قليل التثبت 
من مدى مطابقة الأمثلة المذكورة للباب » فيبدو أحيانا منساقا وراء الرواية 
وسخفها غير عابىء بمقتضيات الحد . فقد نقل بي باب الاستعارة روايات 
عن الجاحظ من باب اللحن (2) لا نرى لها علاقة بالاستعارة كقول عبيد الله 
بن زياد «يوما وكانت فيه لكنة افتحوا سيفي يريد سلوه » فقال يزيد بن 
مفزع / الوافر / 
ويوم فتحت سيفك من بعيد 2 أضعت وكل أمرك للضياع » (3) 

فواضح أنه خطأ في تقدير العلاقات الركنية (4) » نتجت عنه مفارقة 
في توزيع الجملة . ولا يمكن أن يعد بحال من الأحوال استعارة لغياب 
القرينة الدالة على المشبه به » أو ترجرجها ٠‏ لأن متعلقات الفعل ١‏ فتح » 
كثيرة لا تقوم معها صورة واضحة . 

كما أكثر في هذا الباب من الاستعارات غير المفيدة . والكل” مجمع 
على اطراحها . فلا نثرى فائدة من ذكرها . كقول عبيد الله المذكور 1 ذفا لرجل 
«اقعد على است الأرض ») فتقال له : (ما أعلم للأرض استا» (5) . 








[(69 البديع »داص 23 , 

(2) البيان والتبيين » 211/2 - 212 . 
)3( البديع »ا ص 23 , 

(4) غ6اتتاوتاممء عل ممقماعك 

(5) البديع » 23 -24 . 


306 


إلا أن شواهد ابن المعتز لا تقتصر على هذه النماذج الشاذة . فقد أورد 
عددا من الأبيات غير قايل ٠‏ لشعراء من القرن الثالث » بعضهم مشهور 
وبعضهم الآخر أقل" شهرة . وقد وجد في شعر أببي تمام مادة غزيرة متفاوتة 
القيمة استعمل بعضها ني باب المحاسن وبعضها الآخحر في إبراز العيوب (1) . 

ويدل التركيب الثنائي للباب على أن" صاحب الكتاب لا يعلق بهذه 
الأماليئ قن كقالية نفك » ولا يعتبر الالتجاء إليها عنوان تفوق وبراعة » 
في كل الأحوال » ناهيك أن" من الشعراء من « قرئت من شع أحدهم 
قصائد من غير أن يوجد فيها بيت بديع ) (2) . وهو موقف له أهميته 
لأنه بحدد فعالية الأسلوب بجملة من الاعتيارات الأخيرف 1 كالنا 
ومواتاة المحل” . وهو بالتالي كابح يصد الأدباء عن الإسراف في 0 
ويصون الأدب عن مغبة السقوط في التكلف » والصنعة العقيمة . إلا 3 
الغريب ني الأمر أنه سكت عن موطن العيب ولم يعلق على ما يورد من شواهد 
إلا نادرا » وهي تعليقات مغرقة في الارتسامية من قبيل ( وهذا م م 
وبارده) (3) و«هو من عجيب هذا الباب ني الرداءة) (4) في حين كنا كنا تع 
منه أن يلتزم » على الأقل » ني الجانب التطبيقي بالموقف النظري الذي أثبته 
في مقدمة الكتاب » والقاضي بأن قيمة هذه الأساليب رهينة عدم الإسراف ني 
استعمالها . 

0 د حي ان طايه وا ست عر حي 

عليه وتفرغ فيه وأكثر منه فأحسن في بعض ذلك وأساء في بعض وتلك عقبى 
الإفراط وثمرة الإسراف ) (5) . 


)10( البدايع ص » 24 » 35 2 47 . 
(2) المصدر السابق » ص 1. 


)3( )) برا »ا ص 46, 
 )4(‏ م« د »ع ص 47. 
(5) («م 0 عاض 1. 


38 


وسيكون لهذا المقياس الذي ألقى به الجاحظ (1) في حلبة الصراع بين 
القدماء والمحدثين » وروجه ابن المعترّ » فتبعه فيه أغلب النقاد المتأخرين » 
تأثير عميق في موقف العرب من الصورة » ودور حاسم في تدعيم سمة 
« السلفية » الغالبة على تاريخهم لمر احل الشعر العربي » وتطور وسائله . إذ 
صدتهم قناعة « الكتم" ) ني الغالب » عن النفاذ إلى داخل القصيدة ودراسة 
التتجديد من زاوية « نوعية » » تترصد ما قد يكون طرأ على بدْيّة الصورة 
ذانها مخ توق + لعدرةالفاروت: الحغدار :ل الحافة بالادني نوما بح عنها من 
تبدال رؤية الشاعر للعالم . 

وقد يكون السبب في عدم اعتماده على مقاييس الكم' في تجلية العيب 
صعوبة تطبيقية في نقد لا يزال يقوم على البيت لا القصيدة أو القصائد . نعم إن 
بعض الأبيات تبدو مثقلة إلى حد المبالغة كقول أبي تمام : (الكامل) 
ذهبت بمذهبه السّماحة فالتوت2 فيه الظنون أمذهب أم مذهب (2) 
إلا أننا وجدنا أبياتا أخرى لا يقل” توائر الوجه فيها عن تواتره هنا ومع ذلك 
عدات من المستحسن كقول الكميت : (طويل) 
ونحن طمحنا لامرىء القيس بعدما 2 رجا المّلّك بالطماح نكبا على تكب 

لذلك نعتقد أن" ذوق الشاعر المترسّب عن ثقافته العربية الواسعة وممارسته 
الشخصية للخلق الفني » هو المقياس الأسمى الذي جعله يقف هذه المواقف . 


3 3+ 


يمكن أن نقول في الخلاصة إن كتاب « البديع ) بعتبر »© على صغر 


حجمه وقلّة ما أضاف إلى مادة العلم ؛ منعرجا حاسما في التأليف البلاغى 
ومساهمة فعالة في بلورة حدود العلم وتخليصه من تبعية العلوم الأخرى . 


(1) البيان والتبيين » 55/4 - 56 . 
(2) البديع » ص 35 . 


3038 


فهو ف حدود مأ وصلنا أو تالبك ٠«عخصص‏ لجمع الأجاليت البلاغية 
بكيفية لم تسبق » إذ وردت مستقلة عن العلوم الأخرى مقصودة في ذاتها . 
وهذه خحطوة هامة في طريق نشأة هذا الاختصاص 4 وبروزه صضمن شجصسرة 
الاختصاصات اللغوية ‏ الأدبية . 


ولعل” غياب الغرض الديني واقتصار المؤلف على الغرض الأدبي المحض 
شارك بقسط وافر في مجيء الكتاب على هذه الهيأة وارتباط مفهوم البلاغة 
بخصائص النص ولليقة . 


كما بذل مؤْلفه مجهودا واضحا لتبويب المادة وترثيبها . ولا تخفى 
أهمية هذا العمل ني العلوم عامة » وي البلاغة بوجه خاص » إذ التبويب هنا 
غاية ووسيلة » بينما هو مجرد وسيلة ني العلوم الأخرى » لأن علم البلاغة 
محكوم عليه بألا يتجاوز الوصف إلى القواعد » كالنحو مثلا » لأنه لا يعلم 
الصحة والخطأ » وإنّما يسعى إلى رصد الحسن والقبح . وهما مقولتان معقدتان 
حظ الذوق فيهما غير قليل . 

والكتاب بالإضافة إلى كل ذلك شهادة ناصعة لتمازج اختصاصين ربما 
أصبحنا اليوم » لبعد العهد » لا نرى » بوضوح العلاقة بينهما . وهما النقد 
من جهة والبلاغة من جهة أخرى . فهذه آلة ضرورية لا تتسنى خاصرة 
مواصفات النص الأدبي وخصائصه النوعية إلا بالتوسل بها . ثم إن" تخصيص 
كتاب كامل لهذه الوسيلة أمر له دلالته التاريخية العميقة : إِنَّه انتباه النتقد 
العربي إلى أن" جوهر الأدب بنيته والأساليب التي توظّف لتخرج به عن 
الكلام الشترك العاري . وقد يكون نبههم إلى ذلك حركات التجديد في الشعر 
التي ملأت القرن الثالث وشغلت التقاد . 


ولم يكن لابن المعتر بد" من أن يدلي برأيه في أساليب الشعر التي قيل إنها 
مستحدثة . فتبناها في ذاتها . إلا أنه بحث لها عن جذور ني التراث القديم » 
فرشح مفهوم ( الكم ) كمعيار فاصل بين ممارسة القدماء والمحدثين للبديع . 


وسيكون لهذا المقياس شأن في فترات البلاغة والنقد اللاحقة . 


309 


2 أهم قضايا التفكير البلاغى الى القرن الساس 


جيه ع همه 


المسحنا في بداية هذا القسم إلى صعوبة مواصلة التهج الذي سلكناه في 
دراسة القسمين الأولين لضخامة الماد"ة البلاغية الحاصلة من مساهمات متنوعة 
مختلفة في منهج التناول والغاية . فرأينا » تجنبا المطبّات التي قد ترج بنا فيها 
التحليلية المفرطة » أن نشق المادءة شقنًا عموديا يؤلف بين أشتاتها من خلال 
قضايا مهمة . 

ويفرض موضوع بحثنا أن يتوفر في القضايا المختارة مقياسان رئيسيان : 
أن تكون من أسس التفكير البلاغي ومسائله الهامّة » وأن ترقسم من درسها 
ملامح التطور - أو الاستقرار -- الحاصل في ذلك التفكير . وهذا يعنى أننا 
نتجه » بدءا » إلى ما سبق أن طرحته فترة التأسيس بدون أن يصدنا ذلك عن 
القضايا الطارئة إن وجدت . 

وكل ما سنستعر ضه إنما هو ني الحقيقة فرع عن أصل واحد هو ١‏ النص » 
بحكم أن” البلاغة ماهية ومهمّة وأداة لا تنفك” منطلقاتها وغاياتها عن رصد 
النواميس المتحكمة في إنشائه » والضوابط التي تضفي عليه نوعيته أو أدبيته (1) 
فيمتاز عن سائر الكلام » ويتبيّن فضله على غيره . فهي » أي البلاغة » لا 


(1) المي 11 


321 


تعدو أن تكون ‏ حسب عبارة عبد القاهر الجرجاني ‏ علما بما (له 
اختصاص بعلم أحوال الشعراء والبلغاء ومراتبهم وبعلم الأدب جملة ( 2 1 

وبالإمكان حجر هله القضايا قُُ محاور ثلاثة فى المفهوم » والمنهج 
والإجراء » وثلاثتهما أركان لا يقوم علم بدونها . 

نعني بالمفهوم جملة المصطلحات التي تمثل قمة الاستخلاص النظري 
٠‏ المتسخض عن تحسس العلم ماهيته وسعى القائمين عليه إلى إيجاد أدوات عمل 
تخترن » على اختصارها » أدق” أبعاده الأصولية : 

وي مقدامة تلاك المفاهيم زوج 0 الحقيقة/المجاز 1 وهر حجر الزاوية قِ 
علم يفترض سلفا أن موضوعه يقوم على تجاوز الأنماط المعروفة في استعمال 
اللغة ويتبع طرائق غير مألوفة في توظيفها الدلالي . 

والمقابلة بين الحقيقة والمجاز لا تعدو أن تكون إجمالا مقابلة بين ما هو 
أدب وما هو غير أدب وإن كان ذلك لا يمنع التداخل والاشتراك . 

وسنهتم” » في هذا النطاق » بانتقاء المصطلحات التى استعملت لوصف 
المستويات اللغوية والإشارة إلى خخصائص بناء النص الأدبي ثم نتطرق إلى 
ضبط الفارق الجوهري بين الطرفين اعتمادا على اختلافها في طريقة أداء 
نحاول أن نستجلى موقف العرب من العلاقة بينهما وانعكاسات ذلك الموقف . 
ومن المفاهيم الهامة زوج « البلاغة/الفصاحة » وهما أكثر المصطلحات تواترا 
وأصلا الحكم في بلاغة النص . ولعل” دراستهما بشيء من التوسع بالتا كيد 
على فهم علماء البلاغة للعلاقة بينهما يمن من تحديد ميادين الدراسة 
الأسلوبية وإدراك التطور أو التحول الذي قد يكون جد في صلب النظرية 


(1) انظر : الرسالة الشافية ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن » طبعة دار المعارف » 
القاهرة » 1968/1387 ص 117 . 


302 


البلاغية . أمًا المنهج فنعني به الأسس والطرائق المعتمدة في تحليل الكلام من 
الوجهة البلاغية والوقوف على أسباب تلك البلاغة وأسرارها . والحديث عن 
هذا الجانب يقودنا حتما إلى شرح المُستتدات النظرية والمواقف المبدئية 
المؤسسة لفهمهم نظام النص ودلالات اللغة التي على أساسها اختاروا منهجهم . 
دسيشغل الحديث عن ١‏ نظرية النظم ) أكبر حيئّز لأنها كانت مظهرا قارا ني 
تفكير العرب البلاغي على مختلف أطواره والمنهج الوحيد الذي تخض عن 
رؤية نظرية متكاملة . 

والإجراء في استعمالنا هو مختلف المقاييس التطبيقية التي حددوا بها 
بلاغة النص وجودته على صعيدي الشكل والمضمون . وسنولي الصورة الفنية 
ادي حاف لتصدرها قائمة تلك الأحكام . والبحث في هذا الجانب يسمح 
بمعرفة ما إذا تطورت نظرتهم إلى وظيفة النص' وملابسات إنجازه أم أن" أسس 
لحكم التي طرحتها فترة التأسيس بقيت مستحكمة في ذوقهم الأدبي 


4 2 


بشي أن نشير» في خاتمة هذا التقديم » إلى صعوبة الالتزام بحدود 
المحاور التى اقتر حناها و صعوية درسها منفصلة عن بعضها بعضا . وهذا سيؤدي 
بنا إلى 0 من التكرار لا مناص منه » وبي هذا التكرار دليل على تطور علوم 
البلاغة وتماسك قضاياها واهتدائها » في مرحلة من مراحلها » إلى إقامة صرح 
فكري متكامل تترابط أجزاؤه جوهريا . فقوّة رجل كالجرجاني تكمن . 
من وجهة نظرنا » في ارقباط مفاهيمه ومقاييسه بمنهجه بحيث لا ذستطيع 
مثلا » توضيح مدلول البلاغة والفصاحة عنده إلا بالاعتماد على رأبه في أسباب 
بلاغة الكلام كما لا نستطيع دراسة الصورة في مؤلفاته إلا إذا بنيناها على مبدإ! 
التأليف والنظم وعلى هذا النمط يتشابك المفهوم والمنهج والإجراء تشابكا لابد” 
أن ينعكس على كل" محاولة تروم التعريف بتفكيره البلاغي . 


3035 


/ ام-0 ا مفاهيم : 

الحقفة والمجار : فطن اللغويون وعلماء البلاغة الأوائل عندما أرادوا 
تفنين اللغة وتفهسم معانو ى القرآن وسر إعجازه وتحديل مرائب الشعراء ومقايس فضل 
شعر على شعر إلى وجوه مستويين اما د مشترك بين الناس 

ومستوى ثان يتجاوز الأنماط المتعارفة في التعبير ويتصرف في استعمال 
اللغة فينتقى بعض معطياتها ويهمل البعض الآخر أو يصوغها بطريقة مخصوصة 
لا يتكشف معها المعنى إلا بعد الاهتداء إلى صورة التعبير الأولى »ء كل" ذلك 
لغاية تحميلها وظائف أخرى غير الإبلاغ والتواصل . 

وقد أطلقوا على هذ المستوى الثاني «الاتساع » في مرحلة أولى » ثم 
شتقوا له من الأصل اللغوي الدال على معناه صيغة ١‏ المجاز » بمعنى الطريق 
والمسلك حتى جاء الجاحظ فربط القضية بدلالات اللغة وعلم معانيها فكان 
أول من ظهرت عنده مقابلة الحقيقة بالمجاز . أو « ظاهر اللفظ والعادة الدالة في 
ظاهر الكلام » و( الاتساع ني اللغة ») وركوب البديع (1) . 

ولكنهم لم يزيدوا على تصنيف المجازات ووجوه البديع والإشارة إلى 
المصطلح بعيدا عن كل تصوّر نظري لأبعاده وأهميته في تأسيس علم البلاغة 
وظاهرة الأدب » فالعلم لما يتصل” إلى المرحلة التي تصبح فيها وسائل العمل 
وأدواته موضوع تفكير . 

أما في هذه المرحلة فسيتطور المبحث تطورا كبيرا وتصبح دراسة الحقيقة 
والمجاز بابا قارًا في أغلب مصادر بحثنا (2) ومدخلا ضروريا لمعرفة أقسام 


(1) انظر القسم الثاني ص » 302- 303 , 
2( تقار عل سيل امال : أبن قارس الصاحبي في فقه اللغة وسئن العرب في كلامها » 
تحقيق مصطفى الشوهي + مؤسسة بدران الطباعة والنشر » بيروت » 1383/1964 » 
2 
السكري » الصناعتين » ص 274 وما بعدها 
عتنا. الال الجر جاني : أسرار البلاغة » عفاي 233/2 وما بعدها , 


304 


الصنعة التي تدخل الكلام «فيحد البلاغة ومعها يستحق” وصف البراعة) (1) . 
ولعل من أبرز ما نتج عن الخوض في هذه المسألة والتعمّق ني دقائقها توصل 
العرب إلى بناء ( علم الدلالاات » (2) بناء متطورا يثير الإعجاب في نطاق 


ومن مظاهر التطور الكبرى » ِي هذا الصدد » ربطهم بين نشأة المجازات 
في اللغة ونشأة الشعر والأدب وكل صنوف الممارسات الفنية التي يجمعها 
مصطلح ١‏ الإنشاء » (3) وقد تجاوزوا في كل ذلك ميدان اللغة العربية الخاص 
إلى ميدان ألسني - إنشائي عام” » رتبوا حسبه بمحض النظر والتجريد : أطوار 
اللغة ونوع الاستعمال الذي يصاحب كل" طور من تلك الاطوار (4) . 

وغايتنا من دراسة المجاز استكشاف المواصفات المميزة للأدب من غيره 
من ضروب القول وتحسس فهم العرب لخصائص بنائه اللغوي وطريقته في 
تحريك عناصر الدلالة في اللغة وتوسله بوجوه الصنعة التي تجعل الآدب أدبا 
حسب عبارة الجرجاني السابقة ‏ لأن” هذا ١‏ النوع من الكلام إذا سلم من 
التكلن وبرىء من العيوب كان في غاية الصنعة ونهاية الجودة ) (5) . ومن 
هذا المنظور تصبح دراسته في ذاته كضبط حدوده واستعراض أقسامه أمرا 
أنويا لا يهمنا بقدر ما يهمنا كونه مدخلا ضروريا لفهم أكثر الأساليب 
والصور انتشارا كالتشبيه والاستعارة والتمثيل لأن” هذه و«غيرها من محاسن 
الكلام داخلة نحت المجاز » (6) . 


د د 
(1) أنظر: عبد القاهر الجرجاني المصدر السابق » 137/1 , 
(2) عنع ا أسفصنك ١‏ 
(3) عتوتاممم 
)انط ماانياتي لاسن ومدري ينها + 
(5) السكري » الصناعتين » 273 . 
(6) ابن رشيق » العمدة » 266/1 , 


305 


يقوم الحديث عن الففقة والمجان 4< الضورية عل رهن أولهما 
الاق 0 الجري أي ف استعمال والقع خيين وجه 9 ثانيهما 
الملحظة العينية 00 البحث 0 وتفسير 0 ل 32 34 
وهو موضوع علمهم » بحملها على وجه استعمالها العادي المبني 01 الدلالاات 
الوضعية و« إخراج الكلام على مقتضى الظاهر » (1) ومن ثم كان هذا البحث 
حكوما : منهجيا بحتمية المزاوجة بين الوصف والتاريخ فبالأول ترسم و 
الظواهر وهيأتها الراهنة وبالثاني نؤرخ لأصول الدلالة والتحولات الطارئة 
عليها بغية تفسير الحالة الراهنة . 


ونصوص هذه الفترة توفر مادة ثرية في الاتجاهين . 
الكلام الأدبى وصنوف الكلام الأآخر ىَ 


إن" الناظر في مصادر البلاغة العربية من زاوية المصطلح يلاحظ أن العرب 
م يقتصروا ء في تمييز الكلام الأدبي عن غيره » على زوج الحقيقة والمجاز » 
وإن كان أكثرها اظّرادا . 

ودراسة هذه المصطلحات هامّة لأنها إحدى الدعائم المنهجية التي 
تقوم عليها بلاغتهم ووجه من وجوه الجهد الذي بذلوه 0 الكلام 
وهى بقدر ما تكشف عن الصعوبات القائمة دون ضبط ١‏ الأدبيّة » ضبطا علميا 
0 على أن" في نظريّة العرب الأدبية من وجوه الطرافة والحداثة الشيء الكثير . 

وأهم” المصطلحات الواردة في وصف الكلام الأدبي هي : 

1) العدول : استعمل هذا الأصل اللّغري في أثرين . استعمله ابن 
جني (2) قي صيغة المبنى للنائب « يعدل » وورد عند عبد القاهر الجرجاني (3) 
(1) السكاكي » مفتاح العلوم » مطبعة الحلبي »؛ مصر © 1356/1937 6) ص 82- 83 . 
(2) الخصائص » 443-32 . 


(3) دلائل الاعجاز » ط 5. 0 المنار » 1372 » ص 126 . 


306 


في صيغة الماضي «عدل » . وهو في الخالتين يدل على ترك طريقة في القول 
إلى طريقة أخرى لأنها أحسن أو لمعنى زائد . 


والمعاني التي يعدل من أجلها عن الحقيقة في رأي ابن جني ثلاثة نكون 
مع بعضها بعضا مباحث المجاز وهي الاتتساع والتوكيد والتشبيه . ولتوضيح 
ذلك يضرب مثلا قوله صلى الله عليه وسللم في الفرس هو بحر . «فأما 
الاتساع فلأنه زاد في أسماء الفرس التي هي فرس وطرف وجواد ونحوها 
البحر ) . ولكنه يشترط في استعماله في الأشعار والأسجاع مجازا وجود 
القرينة التي تسقط الشبه وتمنع الإلباس والإلغاز على الناس . 


. وأما التشبيه فلأن جريه يجري في الكثرة مجرى مائه»‎ ١ 
. ) والتوكيد لأنه شبه العرض بالجوهر و« هو أثبت في النفوس منه‎ 


وعلاقة التوكيد بالمجاز مبنيئّة عنده على رأي سبقه إليه ابن قتيبة صورته 
«أن أكثر اللغة مع تأمئله مجاز لا حقيقة ) (1) فإذا قلت مثلا : ضربت زيدا 
فهو في نظسره مججاز من جهتين من جهة دعواك أنه كان منك الضّرب 
أي الجنس من الفعل « وكيف يكون ذلك وهو جنس والجنس يطبق جميع 
الماضي وجميع الحاضر وجميع الآي ؛ (2) ومن جهة أن الضرب لم يقع على 
أكل “ويه وإنما على جزء منه ولذلك نستعمل في التحقيق وسائل التأكيد والبدل 
فيصبح وقوعها « ني هذه اللغة أقرى دليل على شياع المجاز فيها واشتماله 
عليها ) (3) . وإنما استطردنا إلى كل" هذا لنبيسن طريقة من الطرق التي توخّاها 
اللغويون في معالجة قضية المجاز ولنعطي فكرة عن التشقيقات التي تنتهي إلى 
تعطيل المبحث وطمس الحدود بين المجاز والحقيقة . 
00 
(2) المصدر السابق » 448/2 , 


(3) المصدر السابق ٠‏ 451/2 , 


391 


أما الحسن فقد أبرزه الجرجاني في مجرى حديثه عن الإظهار والإضمار 
وكيف أن الإظهار في بعض الحالات يكون أبلغ من الحذف والإضمار » 

فقد اعتمد الشاعر ني قوله : (طويل) 

ولو شئت أن أبكي دما لبكيته عليه ولكن” ساحة الصبر أوسع 
إظهار مفعول المشيئة (أن أبكي) ولم يخرجه على قياس الآية « ولو شاء الله 
لجمعهم على الهدى ) (1) حيث وقع افجار ستول القينة زيولكنة كانه تزه 
تلك الطريقة وعدل إل هذه لأنها أحسن (...:) وسابب حسته أله كأنه بدع 
عجدين انايداك الانفان أنفكي دما فلممًا كان كذلك كان الأولى أن يصرح 
بذكره ليقرّره في نفس السامع ويؤنسه به » ثم يصو قاعدة يحداد بها دواعي 
الإظهار ووإذا استقريت وجدت الأمر كذلك أبدا متى كان مفعول المشيئة 
أمرا عظيما أو بديعا غريبا كان الأحسن أن يذكر ولا يضمر » (2) . 


2 القول الشعري / القول ال حقيقي 
القول الشعري / القول العادي 
الشعر - قول مخرج غير مخرج العادة 
كلام مغير عن القول الحقيقي 
كلام عن حيلة (3) . 


وأول ما بلاحظ على هذه المجموعة نزعتها إلى الوصف لذلك لم تأت 
متمككنة في الاصطلاحية إذ عبّر عن المتصوّر بمجموعة كلمات أو بجملة 


كاملة أحيانا كما أن طبيعة الموضوع جعلتهم يهتمون ني الطرف الأول بشكل 


10( الأنعام/35 . 

)2( الجر جاني » المصدر المذكور » ص 127 . 

)3( وردت هذه المجموعة من المصطلحات على لسان الفلاسفة المسلمين الذين اشتغلوا بشرح 
كتاب و الشعر » لأرسطا طاليس وتلخيصه وقد جمعها عبد الرحمان بدوي في كتاب عنوانه 
فن الشعر ©» ط 2 » نشر دار الثقافة » بيروت 3 » والأربعة الأولى أخذناها مسن 
ابن رشد » ص 242 - 243 والخامس من ابن سينا » ص 163 . 


5358 


من أشكال الأدب وهو الشعر . إلا" أن المهم” أن" المقابلة بيت تدور في الأغلب 
على (الحقيقة ) و١‏ العادة ) » ويستنتج من ذلك أمران : تقارب بل ترادف 
المعنيين في ذهن المستعمل فتكون الحقيقة هي ما جرت عليه عادة الناس في 
استعمال اللغة عندما يرومون منها مجرد التخاطب بعيدا عن كل" قصد فتّى 
أو تأثير في في المخاطب ؛ وتطابق المجاز والشعر بحيث يصبح زوج » الول 
الشعى / القول الحقيقي مساويا لزوج الحقيقة والمجاز . ويؤكد هذا الاستبدال 
الرياضي البسيط ابن رشد : 

« والتغييرات تكون بالموازنة والموافقة والإبدال والتشبيه » وبالجملة : 
بإخراج القوك خيوء مبخرج العادة » مثل : القلب والحذف والزيادة والنقصان 
والتقديم والتأخير وتغيبر القول من الإيجاب إلى السلب ومن السلب إلى 
الإيجاب . وبالجملة : من المقابل إلى المقابل وبالجملة : بجميع الأنواع التي 
تسمى عندنا مجازا ) (1) . 

فإذا كان الشعر - تغير القول الحقيقي 
والتغيير > المجاز 
فإن الشعر > المجاز 

3 الكلام في حد البلاغة / الكلام الغفل : استعمل هذين المصطلحين 
عبد القاه ل ا ا ل ل 
تفكيره في بلاغة النص والتفسيرات التي أحاطهما بها تسمح بالجمع بينهما 
بدون أي حرج . أما الطرف الأول فقد ورد ذكره عند حديثه عن غ دور وجوه 
الصنعة من استعارة وتمثيل في جودة النص" وبلاغته (2) وجاء الثاني ِي معرض 
تعليقه على رأي الجاحظ المشهور في أن أحس. نالكلام وما كان معناه إلى 
قلزلقة أسوق مق النظله إلى فلك يقوك # برزننا: أاقدا أن يجتهد لمتكم 


(1) أبن رشد » المرجع المذكور » ص 243 
)2( أسرار البلاغة » ص 137 , 


309 


في ترتيب اللفظ وتهذيبه وصيانته من كل" ما أخل” بالدلالة وعاق دون الإبانة 
و يريدوا أن خير الكلام ما كان غفلا مثل ما يتراجعه الصبيان ويتكلم به 
العامة في السوق » (1) . 

وواضح من هذا السياق أن الكلام الغفل وإن كان يقصد به الكلام 
الخالي من كل” مقومات الفن. 
موجودة ي قولهم « الكلام ا حقيقي » أو « الكلام العادي ) . وقد يكون 
طابع الجدل الغالب على كل" محاولاته المسؤول عن هذا الانتفعال البادي 
على المصطلح 2 

4 الآأحن 2) : 

ورد هذا المصطلح بالمعنى الأسلوبي في تفسير الزمخشري للاية « ولو 
نشاء -لأَرَْنَا كتهّم فلعرفتهم بسيمائهم ولتعرفتهم في لحن القول» والله يعلم 
أعمالكم ) ويتأكد المعنى الأسلوبي بالمشال المذكور وبذكر مصطلح 
الأسلوب نفسه يقول معذقا على «لحن القول») : 

وفي نحوه وأسلوبه (....) وقيل اللحن أن تلحن بكلامك أي تميله 
إلى نحو من الأنحاء ليفطن له صاحبك كالتعريض والتورية » قال / الكامل / 
ويضيف الز مخشري «وقيل للممخطلىء لاحن لأنه يعدل بالكلام عن 

وقد يفهم من هذه الإضافة أن اللحن بمعنى الخطأ معنى طارىء على 
المعنى الأصلى وهو اميل الذي يقدح الألباب للغوص على المعنى وكشفه . 


والأدب فهو يحمل شحنة تهجينية ليست 





)0 دلائل الإعجاز » ص 271-270 . 

2( خصص المستشرق يوهان فوك ع1 .[) فصلا سن كتابه عربية (1326193:8ه”) لدراسة 
معاي هذه الكلمة . انظر : ص 205-195 . 

)3( أنظر : الكشاف عن حقائق التتزريل وعيود الأقاويل في وجوه العأويل : ط مصطفى البابي 
الحلبي » مصر ع 1948/1367 © 133/3 . 1 


400 


ويبدو اعتمادا على إشارة وردت عند الجرجانى » أن العرب عرفوا 
نوعا من التأليف يسمى «الملاحن» وكانوا يجمعون فيه «الألفاظ التي بقع فيها 
اشتراك من غير سبب يكون بين المشتركين ») (1) من قبيل أن النور يكون 
اسما للقطعة الكبيرة من الجبن والتهار اسمًا لفرخ الحباري والليل لولد 
الكروان . وكان ذلك يستعمل لكتابة الألغاز والأحاجى » كقول الشاعر / متقارب/ 
كانت اللهار بنصف النهار وليلا أكلت بلبيل لهيم 

والمعنى الذي ذ كره الجرجاني قريب ٠‏ ن معنى الز مخشري ناهيك أن هذا 
الأخير ذكر من نماذج الأساليب ١‏ 50 و «التورية ) وهى طرائثق في 
حجب المعنى لا تختلف كثيرا عن الألغازء والسؤال الذي يطرح هو معرفة 
ما إذا كان توسيع صاحب ١‏ الكشاف» معنى اللحن يقوم على أساس أم هو 
اجتهاد في الفهم أدى به إلى تحميل المصطلح أكثر هما يحتمل ؟ 

طرحنا هذا السؤال » وليس في إمكاننا الإجابة عنه » لأآن هذه الأساليب 
المكورة وإن كانت تستعمل اللغة بطريقة خارجة عن المألوف إلا أن حظها م من 
الأدب والفن” قليل ناهيك أن موقف العر ب من تولد المجاز عنها واضح 
إذ لا يمكن أن يقوم المجاز إلا على سبب رابط بين المعنى المنقول إليه وبين 
الأصل لذلك ١‏ بجر استعماله 2 هذا الصف من الألفاظ :. 

ولئن كان هذا المصطلح يدعو إلى الاحتراز ؛ ويثير الريب فقد وفّق 
الزمخشري إلى مصطلح آخر يفرق بوضوح بين مستوبي الكلام : 

(5) - الكلام الذي فيه ضروب المجاز / الكلام العريان . 

جاء في تعليقه على وجه التمثيل الواقع في الآية : «يا أيها الذين آمنوا 
لا تقدموا بين يدي الله ورسوله : » (2) ما يلي : 





(1) أسرار البلاغة » 269/2 , 
(2) الحجرات/1 . 


401 


( وحقيقة قولهم جلست بين يدي فلان أن يجلس بين الجهتين المسامتتين 
ليمينه وشماله قريبا منه فسميت الجهتان يدين لكونهما على سمت اليدين 
مع القرب منهما توسعا كما يسمى الشيء باسم غيره إذا جاوره وداناه 
في غير موضع واف جرت فده الناوة تعينناا عن منع ويم الجار 
وهو الذي يسمدّيه أهل البيان تمثيلا ولجريها هكذا فائدة جليلة ليست في 
الكلام العريان» (1) . 

تدل” هذه المصطلحات بوضوح على أن" الأدب يستمد” جانبا كبيرا 
من خصائصه من خروجه في توظيف اللغة عن الأنماط الألوفة في الكلام 
السيار الدارج ولذلك تحدم البحث عن معيار أو قيمة ثابتة يمكن بالاعتماد 
عليها ضبط مظاهر هذا الخروج وكيفياته ليكون المصطلح مضمون فعلٍ 
يساعد على إخراج دراسة الأدب عن محض الانطباع والتذوق الشخصي . 


والبحث عن المعيار كان من المشاغل المنهجية القارة في التفكر البلاغي 
عنك العرب وقد صاع بعضهم تلك المشاغل صباغة تنم عن إدراك نظري 
ميق للضعويانة"القائمة فى وحه تقنيق: الطواهر الأسلوبية"وكراسة لدت 
من جهة بنيته اللغوية ٠‏ وتشهد بأنهم لوا أدق المشكلات_ التى. اغدر ضت 
الأبحات الأسلوية اللعاضرة : ويمكن أن تقول في .غير صلق :ولا ادعاء إن” 
مهو م « الدرجة الصفر ) 2( وهو أحد أركان الأسلوبية اليوم و «موضة من 
موضات » النصف الثانى من هذا القرن ني دراسة الأدب قد حدده البلاغيون 
العرب بدقة تثير الإعجاب . ٠‏ 

يقول السكاكي ني باب الإيجاز والإطناب 
و(.....) أما الإيجاز والإطناب فلكونها نسبيين لا يتيسر الكلام فيهما 
إلا بترك التحقيق والبناء على شيء عرثي مثل جعل كلام الأوساظ على مجرى 
00 الكشاف . . 142/3 . 
(2) ه265 76و16 


402 


متعار فهم في التأدية للمعاني فيما بينهم ولا بد من الاعتراف بذلك مقيسا 
عليه ولحنهة متعار ف الأوساط 3 وأنّة 2 باب البلاغة لا يحمدك منهم ولا يدم 
فالإيجاز هو أداء المقصود من الكلام بأقل” من عبارات متعار ف الأوساط 
والإطناب هو أداؤه بأكثر من عبار نهم ا 11 

ورغم تعلق الحديث 3 النصض” بمسألة فرعية إلا أنه لعبدر عن ححيرة 
منهجية عامة في دراسة مميزات لغة الأدب وبيان فضلها ني الأداء على بقية 
شكال التعبير في اللغة . فلا بد" أن ينطلق البحث من مقياس تكون درجة 
الفن” فيه صفرا وهذا أمر صعب التحديد قف دون الو صول إليه صعوبات 
عملية وأخرى مو ضوعية . فهو يتطلب أن تجمع كل مستوبات اللغة وَأن 
تدر س دراسة وصفية كاملة ٠»‏ وهو مستبعك »2 ثم إننا حتى 2 حالة قيامنا 
بهذا العمل فان لحك مستوى خاليا تماما من مظاهر التفئن 2 العبارة ولذلك 
نسضطن إلى المواضعة والاصطلاح والبناء على العرف . 
إلى دراسة قضية الدلالة والتاريخ لأطوار اللغة وميلاد الشعر والأدب . 

د 6د كد 

في كتاب «الحروف» (3) للفارابي نص" بالغ الأهمية يلخص » رغم 
طابعه الفلسفي الوا ضح وشبهه بالأنماط الأرسطة: قي" الشكير 0 مجمل 
القضايا التي دار حولها حديث علماء البلاغة واللغة في باب الحقيقة والمجاز . 

فهو يرى أن اللغة كجهاز علامي مؤسس لمقولة العبارة نشأت على مرحلتين 
كبيرتين متصاعدتين . المرحلة الأولى تمفل بداية النشأة عندما كان الإنسان 


(1) مفتاح العلوم » ص 133 . 
(2) قارن بين هذه المشاغل ومشاغل النظرية الاسلوبية القائلة بأن الاسلوب عدول 
6681 عتقطامه م1نزاذ ع1 ني : 
,177 ققوم رقتعطعة5 6 ,0/6 أأكالاه 111 16[ #لامم 0765 : تتنظناه140 .[ 
1171-5 .مم 
)3( تحقيق محسن مهدي » دار المشرق بيروت » 1970 . 


403 


يبحث عن وسيلة في التعبير يشترك في فهمها مع المتعايشين معه لقضاء الحاجات. 
وقد أطلق على هذا الطور « استقرار الألفاظ على المعاني » حيث يعلق المعنى 
بعلامة تدل” عليه دلالة ذاتية فتصبح الألفاظ ١‏ راتبة على التى جعلت دالة 
على ذواتها» ويكون وجه تعلق اللفظ بالمعنى في هذا الطور أضربا ثلاثا 


هى : وواحد واحد لواحد واحد ) و ( كثير لواحد ) و « واحد لكثير » (1) . 


أما الطور الثاني فيسميه «طور النسخ والتجوز في العبارة بالألفاظ ». 
وأهم مميزات هذا الطور توليد علاقات جديدة بين العلامات اللغوية وما 
باستعمال صنوف المجازات كالاستعارة » والتوسع في العبارة بتكثير الألفاظ 
وتبديل بعضها ببعض وترتيبها وتحسينها و «التحرد بافظ معنى ما عن 
التصريح بافظ المعنى الذي يتلوه متى كان الثاني يفهم من الآول» (2) وغيرها 
من طرق التعبير ومسالكه . 


وضروب التجوز في العبارة محكومة - حسب الفارابي -- بشروط منها 
لفاك وحن :وجوه كك ةا متها الغية فزن اللتقول خنتدجوامتقول له قوم القياس 
الذي تتضمنه الصورة » تشبيها كانت أو استعارة » على أصل يدرك بالعقل 
فلا تستعصى الصورة على الفهم » ومنها ألا تصبح العبارة المجازية راتبة المعنى 
الثانى دالة على ذاته إذ لا بد" ليبقى المجاز مجازا ألا تُغير من أصل ال مواضعة » 





(1) الغريب أن الفارابى لا يستعمل » في هذا الصدد المصطلحات الجارية فى كتب اللغويين 
ملل عهد سيبويه وهي ر دلالة الإفراد » و«الترادف ووو الأفعر الس 

(2) الجانب الامطلاحى فى نصوص الفارابي يلفت الانتباه فكل هذه الجملة الطويلة كان 
بالإمكان تعويضها بالمصطلح القائم آنذاك وهو «الكناية» أوو الإرداف » وهو عند قدامة 
أن يريد الشاعر دلالة عل معنى من المعاني فلا يأتي باللفظ الذال على ذلك المعنى » بل 
بلفظ يدل على معنى هو ردفه وتابع له » فإذا دل على التابع أبان عن المتبوع بمنزلة قول 
ابن أبي ربيعة . 

بعيدة مهوى القرط اما لدتوفل أبوها واما عبد شيس وهاشم 
وإنما آراد هذا الشاعر أن يصف طول الجيد فلم يذكره بلفظه الخاص به » بل أتى بمعنى 

هو تابع لطول اليد » نقد الشعر » ص 88 . 


404 


وأن نبقى في حدودها : وأن تكون العلاقة بين المستعار والمستعار له علاقة 
عرضية تنعدم بمجرد انتهائها من أداء وظيفتها . 

وينتهي - الفارابي ‏ إلى أن" ١‏ الخطيبة » أولا ١‏ والشعرية » ثانيا تنشآان 

هذا الظور الثاني الذي تتراكب فيه سنن اللغة ويصبح بالإمكان صياغة 
القول على هيأة تمنع أو تخيل : 

«فإذا استقرت الألفاظ على المعانى التى جعلت علامات لها فصار 
واحد واحد لواحد واحد وكثير لواحد الاراقة لك ومارت راتبة على التى 
جعلت دالة على ذواتها صار الناس بعد ذلك إلى النسخ والتجوز في الجارة 
بالألفاظ فعبر بالمعنى بغير اسمه الذي جعل له أولا وجعل الإسم الذي كان 
لمعنى ما راتبا له دالا على ذاته عبارة عن شىء آخر متى كان له به تعلق ولو 
كان سيا إا: لشيه :بعيد. انا لغيز .ذلك :من غير أن يتجعل ذلك اراتبا. للثاني 
دالا على ذاته فيحدث حيئئذ الاستعارات والمجازات والتحرد ل 
ما عن التصريح بلفظ المعنى الذي يتلوه متى كان الثاني يفهم من الأول وبألفاظ 
معان كثيرة يصرح بألفاظها عن التصريح بألفاظ معان أخر إذا كان سبيلها 
أن تقرن بالمعاني الأول متى كانت تفهم الأخيرة مع فهم الأولى والتوسع 
في العبارة بتكثير الألفاظ وتبديل بعضها ببعض وترتيبها وتحسينها فيبتدىء 
حين ذلك في أن تحدث الخطببة أولا ؛ ثم الشعرية قليلا قليلا ») (1) . 

يمكن أن تجمل القضايا المطروحة ني هذا النص في المحاور الآنية 

التي تستقطب بدورها أهم المساهمات في موضوع الحقيقة والمجاز : 

1) ميزة الأدب الرئيسية هى نخروجه عن الوجوه الألوفة في استعمال 
اللغة وكيفية أداء المعنى » 2-7 وظيفته » لا ينشأ إلا من تراكب 
السنن وإمكانية التعبير عن المعنى الواحد بطرق مختلفة . 


)01 الغار ابى ٠‏ تتاب الحرورف © ص 141 . وانظر في الصفحة الموالية حديثه عن « -حدوث 
الصنائع الحامنة ) حك حفن ضرورة أن تسبق الخطية وني الظيرر الك - 


405 


© تحتل" ال حقيقة مرتبة الأصل والمجاز مرتبة الفرع بحكم تعاقب 
الأطوار في النشأة » وينتج عن هذا من الوجهة المبدئية على الأقل أن" كل 
مجاز يرتبط بحقيقة . 

3 إن العدول عن العنى الحقيقي إلى معنى مجازي سببه حاجيات 
سين تقطن اقيق عع ا جيني + 


فكيف وقعت معالجة مختلف هذه المسائل بي التراث البلاغي ؟ 
1 أذاء المعنى 5 لادب 


البلاغيون العرب لمحاصرة أسباب بلاغة النص' الأدبي وفضله على ضروب 
القول الأخرى . 

وما هي : قُ ا حقيقة 2 إلا تتويج لعمل طويل النفس وتحليل دقيق 
لعدد لا يحصى من الشواهد كانت الغاية منه تحديد الكيفية التى يتما بها 
توظيف اللغة و تفسير «العدول » أو ( اللحن » أو ( التعبير ) تفسيرا تصبح 
بمقتضاه عبارة - علم الأدب - الواردة عند الجرجاني » تحيل على شيء 
ملموس يمكن أن يقاس بمقاييس العلم الحق 

ومساهمتهم هنا لا تختلف عن منطق العلم كله فهي محكومة بقانون 
التطور خاضعة لعامل الزمن لذلك ل نقطع نفس الشوط ولم توفق إلى نفس النتائج. 

ويمكن أن نقسم هذه المساهمات » إجمالا » إلى صنفين » الصنف الأول 
يشمل المؤلفات الواقعة بين القرن الثالث والقرن الخامس والصئف الثاني 
يستأثر به عبد القاهر الجرجاني وأبو يعقوب السكاكي . 

لم يوفق أصحاب المؤلفات الأول رغم ضخامة المجهود الذي قاموا به 
إلى ضبط ماهيه التحولات التي تطرأ على نظام الدلالة بحكم العلاقات 


406 


الجديدة التي تنش من تجاوز أصل الوضع في تعليق اللفظ بالمعنى» فبقي 
مجهو دهم النظري مقتصرا على حد” الحقيقة والمجار » وهو حد” لا يختلف 
من مؤلف إلى آخر إلا من جهة الصياغة أو من جهة الوجه الذي يريد 
المؤلف التأكيد عليه أكثر مق غير . 


فلا فرق بين قول ابن جنى : (الحقيقة ما أقر في الاستعمال على أصل 
وضعه في اللغة والمجاز ما كان ا ذلك » (1) وقول الخفاجي ( فاللفظط 
الموصوف بأنه حقيقة هو ما أريد به ما وضع لإفادته والمجاز هو اللفظ 
الذي أريد به ما لم يوضع لإفادته» 2) إلا عدم تثبت ابن جني ني 
الصياغة باستعماله كلمة «ضد » التي تدخحل بعض البلبلة في الحد . 
كما أنه لا فرق بين هذين التعريفين وتعريف ابن رشيق « (......) وما عدا 
الحقائق من جميع الألفاظ ثم لم يكن محالا محضا فهو مجاز) (3) إلا في 
حرص هذا الأخير » لغلبة نقد الشعر على مشاغله » على أن يؤكد على وجوب 
تجلت حتفن "عيوب اللعان. بواهن..( الإغالة ع والإجداتم بإقيافة” امد 
( محضا ) بموقفه من قضية الغلو والإفراط في الصفة (4) . 


ومتى استثنينا هذه التعريفات وجدنا أنهم بقوا يباشرون القضية مباشرة 
تحليلية تشرح الشواهد واحدا بواحد دون أن يهتدوا إلى الاستخلاص 
النظري الذي يؤلف الوجه المشترك بين جميع هذه النماذج 5 


ويمكن تلخيص طريقتهم في العمل على النحو الاي : إيراد الشاهد . 
وهو ي الغالب استعارة لأنها أرقى صنوف المجاز عند البلاغيين قاطبة » ثم 
يترجم صاحب التأليف عن معناه نثرا وبعدها يحاول إظهار الفارق بين 
الطريقتين في الأداء والإضافات المعنوية الحاصلة من التعبير بالاستعارة 


(1) الخصائصض 442/2 . 

(2) سر الفصاحة » ص 38 . 

(3) العمدة » 266/1 . 

(4) انفار تفاصيل موقفه من الغلو » المصدر السابق » 224/1 . 


40, 


وكثيرا ما يعول المتأخر على المتقدم فتتكرر الاستشهادات ولا تتغير 
طريقة التحليل وللتوضيح نسوق تعليق كل من الرماني والعسكري على 
الآبتين : «واشتعل الرأس شيبا» (1) و «بل نقذف بالحق على الباطل 


فيدمغه فإذا هو زاهق) (2) . 


الرمانسي (3) 

. ) « واشتعل الرأس شيبا » 
أصل الاشتعال لانار » وهو في هذا الموضع 
أبلغ . وحقيقته كفرة شيب الرأس إلا أن" 
الكثرة لما كانت تتزايد تزايدا سريعا 
صارت في الانتشار والإسراع كاشتعال 
النار ... وله موقع في البلاغة عجيب وذلك 
أنه انتشر ف الرأس انتشارا لا يتتلافى 
كاشتعال النسار . 

ب) « بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه 
فإذا هو زاهق ) 

فالقذف والدمغ هنا مستعار وهو أبلغ » 

وحقيقته : بل نورد الحق على الباطل فيذهبه 
وإنما كانت الاستعارة أبادغ لأن ني القذف 
دليلا على القهر » لأنك إذا قلت : قذف به 
إليه فإنما معناه ألقاه إليه غلى جهة الإكراه 


(01) مريم/4 . 
(2) الأنبياء/ة3 . 





العنكطرى 


حقيقته كثر الشيب في الرأس 
وظهر والاستعارة أبلسغ 
لفضل ضياءالنار على ضياء 
الشيب فهو إخراج الظاهر 
إلى ما هو أظهر منه ولأنه لا 
يتلانى انتشاره في الرأس 
كما لا يتلافى اشتعال النار . 


حقيقته بل نورد الحق على 
الباطل فيذهبه والقذف أبلغ 
من الإيراد » لأن فيه بيان 
شداة الوقع »وي شدة الوقع 
بيان القهر » وي القهر هاهنا 


(3) انظر : السكت فى إعجاز القرآن » ص 88 والصناعتين » 278 - 279 . لم نسع إلى تنويع 


الأمثئلة لأن غايتنا بيان الطريقة لا القول بأن الأحكام الأدبية لا تتطلور وسنرى في 
ذواكة سا يعوو الكلام هذا الجائب بالتفصيل .200 


408 


والقهسر فالحق يلقى عبلى الباطل فيزيله | بيان إزالة الباطل على جهة 

على جهة القهر والاضطرار لا على جهة | الحجة لا على جهسة الشك” 

الشك والارتياب » ويدمغه أبلغ مسن | والارتياب » والدمغ أشد من 

يذهبه لما ِي يدمغه من التأثبر فيه فهو | الإذهاب . لآن” في الدمغ من 

أظهر يي النكابة وأعلى في تأثير القوة . | شدة التأثير وقوة النكاية ما 
ليس في الإذهاب. 





على هذا النمط في التحليل سارت أغلب المؤلفات فشغلها الحرص على 
تأكيد المعنى المضاف والإقناع بوجوده عن تدبّر ماهية التحوّل الذي يطرأ على 
النظام الدالالي عندما نريد باللتفظ غير ما أريد له في أصل الوضع . 
ولم يسلم الفلاسفة المسلمون من تسلط الرؤية التحليلية وانسداد سبل 
التأليف فبالرغم من توفقهم » في دراسة الشعر » إلى إدراك أهمية بنيته اللغوية 
وتفردها حتى أنهم جعلوا وظيفته سبب منها كما أكد ذلك الشيخ الرّئيس في 
جملته المشهورة «١‏ فالتخبيل يفعله القول لما هو عليه والتصديق يفعله القول بما 
اللقول فيه عليه » (1) فإنهم لما أرادوا تفسير هذه الخصائص سقطوا ني الإغماض 
الفلسفي البعيد عن التحليل اللغوي (2) أو لم يكن بإمكانهم التعالي على شواهد 
بحثهم وصياغة القانون الكلي المحرك لكل تلك الشواهد فابن رشد تفطن 
إلى أن « فعل الشعر » يحصل من تغيير القول الحقيقي إلا أنه لم يجد سبيلا إلى 
تفسير ذلك التغيير والتأثير إلا بمقارنة المنظوم بالمنثور فقد أورد قول الشاعر : (طويل) 
ولما قضينا من منى كل حاجة ومسح بالأركان مدن هو ماسح 
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ١‏ وسالت بأعناق المطي الأباطح 
69 انظر : 1 الشعر ؛ وهو الفن التاسع د الجملة الي من كان الشفاء ؛ ضمن كتاب 
بدوي المذ كور ع ص 162 
(2) انظر على سبيلالمثال تفسير ابن سينا الحيلة التي تقع في اللفظ . المصدر السابق » ص 163 
5 . 


409 


وعلق غلية قائلا : «إنما صار شعرا من قبل أنه استعمل قوله : « أخخذنا 
بأطراف الأحاديث بيننا » وسالت بأعناق المطي الأباطح ) بدل قوله : 


)0 تحد ثنا ومشينا ) (1) . 


كانت كل هذه المحاولاات تحوم حول الهدف ولا تفع عليه وتروم 
فك" مغلقاته فلا تقوى حتى جاء رجل جمع إلى الذوق الأدبي قدرة المجادل 
وصرامة العالم فإذا ما أشكل على أجيال من البلاغيين يوجز في عبارة هي قمة 
من قمم التفكير العربي إطلاقا ومنتهى ما وصات إليه البلاغة في تفسير طرائق 
الأداء اللغوي في النص” الأدبي » وتلك العبارة هي ١‏ معنى المعنى ) . 


يقول الجرجاني في نص" متميز من ١‏ دلائل الإعجاز » نورده كاملا 
لأهميته : ١‏ الكلام على ضربين : ضرب أنت تصل منه إلى الغرض بدلالة 
الحقيقة » فقلت خرج زيد وبالانطلاق عن عمرو فقلت : عمرو منطلق . 
وعلى هذا القياس .. 


وضرب آخر أنت لا تصل منه إلى الغرض بدلالة اللفظ وحده ولكن 
يدلك اللفظ على معناه الذي يقتضيه موضوعه في اللغة » ثم تجد لذلك المعنى 
دلالة ثانية تصل بها إلى الغرض (...) أولا ترى أنك إذا قلت : هو كثير رماد 
القدر » أو قلت : طويل النجاد » أو قلت ني المرأة : نؤوم الضحى ٠»‏ فإنك 
في جميع ذلك لا تفيد غرضك الذي تعني من مجرد اللفظ » ولكن يدل اللفظ 
على معناه الذي يوجبه ظاهره : ثم يعقسل السامع من ذلك المعنى على سبيل 
الاستدلال معنى ثانيا هو غرضك » كمعرفتك من كثير الرماد القدر أنه 
مضياف » ومن طويل النجاد أنه طويل القامة » ومن تؤوم الضّحى في المرأة 
أنه عورفته ميطدوط اليانهق كقيها أمرها 0 





(1) انظر تلخيص كتاب أرسطو طاليس في الشعر » ضصمن كتاب بدوي » ص 242 . 


40 


وإذ قد عرفت هذه الجملة » فهاهنا عبارة مختصرة وهى أن تقول : 
المعى ومعنى المعنى » تعني بالمعنى المفهوم من ظاهر اللفظط والذي تصل إليه 
غير واسطة 7 وبمعنى المعنى أن تعقل من اللفظ معنى ثم يفضي بك ذلك المع 
إلى معنى آخر » كالذي فسرت لك ) (1) . 

فما الجديد في هذا النص"” ؟ 


للإجابة عن هذا السؤال لابد” من الرجوع إلى الوراء للتذكير بأن جمهور 
البلاغيين قبله فسروا طبيعة العلاقة المؤسسة للمجاز المعنوي بالنقل أي بالتغيير 
الطارىء على معنى الكلمة ولكنهم بدل أن يواصلوا في هذا النهج ويفسروا 
الأحكام اللسانية المترتبة عن هذا الموقف رأيناهم يحرصون على تأكيد الشبه 
المعنوي بين المنقول منه والمنقول إليه أكثر من حر صهم على تأكيد التغيير معنا 
ولد ذلك السعي إلى ذكر التغيير الحقيقى وترجمة المجازات فاختلطت العلاقة 
اللغوية الموضوعية القائمة في المجاز بالعلاقة ‏ الماوراء لغوية » (2) النابعة عن 
قراءتهم للوجه . 

3 7 7 ٠. . ه‎ 2 6. 5 ٠. 3 2. 

وتمسكهم بفكرة التقفل جعلهم ينظرون إلى الكلمة من زاوية 
( استبدالية ) (3) أي من زاوية إمكانيات التعاوض القائمة بين وحدات ا معجم 
ول يهتموا كثيرا بعلاقاتها « السياقية » (4) وأهمية تلك العلاقات في تحديد بنية 
الصورة . وبهذا يتأكد الانفصال بين الشكل والمضمون وتبقى المجازات تباشر 
على أنها « حل ) و« معارض ») يمكن أن غير من المظهر الخارجي ولكن ما 
بالدات ل شغير .. 


وأول مظهر من مظاهر انفصال الجر جانى عن هذه الطريقة 2 النظر 
ربطه المجاز بمعنى اللفظ لا باللفظ ورفضه فكرة النقل مقياسا للتفسير وفي 
(1) تحقيق محمد عبد المنعم خفاجي » ط 1 » القاهرة 1969/1389 » ص 262 - 263 , 
(2) عناندتداعمتلة)346 0 
(3) عناوناقصع 20م 
(4) عناو 6ه معماموك 


411 


رده على القائلين بها كثير من الحجج المقنعة لعل" أطرفها كشفه عن التناقض 
الحاصل بين الإقرار بوجود الحقيقة والمجاز والقمول بالنقل لأن المعنى الذي 
من أجله قالوا ببلاغة المجاز يسقط : 

«وليس العجب إلا" أَنّهم لا يذكرون شيئا من المجاز إلا قالوا : إنه 
أبلغ من الحقيقة : فليت شعري إن كان لفظ أسد في قولنا : هو أسد قد نقل 
عمًا وضع له في اللغة وأزيل عنه » وجعل يراد به الشجاع هكذا غفلا ساذجا » 
فمن أين يجب أن يكون قولنا أسد أبلغ من قولنا شجاع ) (1) . 

والقول بأن المجاز يحصل من معنى اللفظ » يجر ٠»‏ بالضرورة ٠‏ تفجير 
طرفي الدلالة - اللفظ والمعنى . وإعادة صياغتهما على نحو أ كثر صرامة وأشد 
ملاءمة لخصائص الأدب في التعبير عن المعنى فيكون الفارق بين الحقيقة والمجاز 
ع فشكن الى 

الحقيقة : وال شتفت مدلول 

المجاز : ذالك سس مدلول 1 ل ب مدلول 2 

والتأويل اللغوي لهذه العلاقات هو أن العناصر الدالة في اللغة لا تقف 
عند حد” الألفاظ فالمعنى أيضا يمكن أن يتحول إلى دال” فتصبح العلاقة بين 
البنية اللغوية الماثلة والمعنى المراد علاقة مر كتبة أو علاقة من درجة ثانية وقد علق 
الجرجاني كل" ذلك بمصطاح غاية في الدقّة والثباهة هو « الواسطة » وبموجبه 
تتحد”د العلاقة في الاستعمال الخالي من المجاز » بأنها مباشرة ينطبع المعنى في 
الذهن بمجرّد التلفظ ؛ أما في الأدب فتكون هذه العلاقة غير مباشرة ولا بد 
لإدراكها من تأويل معنى اللفظ والبحث عن مدلوله » وهذا لا يحصل إلا 
من طريق العقل والاستدلال لأن العلاقة بين المعنى الأول والمعنى الثاني علاقة 
لطيفة لا يتوصّل إليها إلا بالنظر الى .-وكذا مطير من مظائهر الترعة المقلية 
الغالبة على مؤلفات الجرجاني البلاغية . 





(1) دلائل الاعجاز ط ؛ دار المثار » ص 280 - 281 . 


412 


وعلى هذا النمط في التأويل يكون الجرجاني من أبرز من اعتبروا المجاز 
مندرجا في علم دلالات اللغة (1) ولهذا السبب اتجهت عنايته إلى دراسة التركيب 
اللغوي وطرق أداء المعنى في نطاق منهج متكامل تؤلف نظرية النظم بين 
أجزائه . وبهذا نفسر دفاعه عن النحو وتواتر عبارة « معانى النحو » في تعريفه 
النظم ودراسة الوجوه البلاغية التي تقوم على تجاوز ال حقيقة الوضعية في توظيف 
اللغة , 

ولئن كان من مزايا الجر جاني على البلاغة إرساؤه ( المعاني ) و١‏ البيان ) 
على أسس ثابتة فإن توفّقه إلى الربط بين المبحثين بل مزجهما بعد" ظاهرة فريدة 
في تاريخ البلاغة العربية » وسنرى : إبَان دراسة المنهج » كيف أن الصورة 
الفنية » عنده » لا تنفصل عن السياق الذي تتنزل فيه . وهذا التصور ينم عن 
فهم عميق لما يحدث بين عناصر اللغة من تفاعل عندما ينتظمها الكلام . 

وإدخمال مفهوم الواسطة كمميّز نوعي لادلالة الأدبية معناه إعطاء 
المجازات المرتبة الأولى في خلق الأدب وتمثله .. فالواسطة هي البؤرة التي 
تستوعب الصورة وتمكن من صياغة اللغة بكيفية تستجيب لحاجة الإنسان إلى 
التعبير عن حاجيات متطورة لديه . ومن خلال هذا النهج في الأداء تنكشف 
نظرة الكاتب » أولا » والأمة التي ينتمي إليها ثانيا » إلى العالم ودرجة وعيه 
الفتى لأن التعبير باللغة ككل أشكال التعبير الأخرى هو طريقة الإنسان في 
تحسس الكون وصياغته بطريقة تحقّق انسجامه معه إذ العلاقة بين الكلمات 
ليست إلا صورة مصغرة عن علاقة الإنسان بما يحيط به وسعيه الدائب إلى 


)1( يقول أصحاب المعيجم الموسوعي في عدوم اللغة ) 
ها ذال 5ع521622 065 6010116م10ء 2ه 116ة دم اء01] 
في خاتمة نقدهم لمختلف النظريات المعاصرة في المجاز ص 359 : 
ر55 0125م ع0 أههقا 62016 0116م مامه وععلاوة وعل عترمفط 15 51 > 
8 له نان عع) عننونأ تمستا عنو اسقداةة ع0 )121 نا أو ععداوة 15 عدن أوعت 
هذه ممعم أنه عممقصع 1اء معنو صممصةة 12 أء :(و1تمصمء كتتاوزتنه؟ كهم 
.< 182525ط0م 165 10135 (5056 2026208 ناه) تتأمدةع 12م جع” 


وهذا القول يساعد على إبراز طرافة تفكير الجرجاني . 


413 


ربطه إلى أطر تمكنه من السيطرة عليه وإخضاعه . ومن ثم" كان الأدب من 
أهم" المصادر التي نقيس بها درجة الوعي الحضاري لكأمة من الامم : 

كما أن إدخال مفهوم الواسطة يفقح الطريق أمام الإبداع الفردي ؛ 
فيتصرف كل" واحد في اللغة بحسب منزلته الأدبية ودقّة وعيه وحدة شعوره 
بن :ليقع ارداغيراه حون هنا مدو التفاقتل اين الناس .و امك التقدر اللي 
يعتمد في صياغة قوانينه الكلّية على أعمال جزئية فردية . 

يقول القاضي عبد الجبار محد”دا طبيعة الفعل اللغوي وأضريه : 

« واعلم أن ما وقعت عليه المواضعة من كلام وغيره ففاعاه » قد تأتى به 
على جهة الحكاية والاحتذاء » فلا يحتاج إلا إلى العلم بكيفية المواضعة فعند 
ذلك يمكنه الاحتذاء والحكاية » إذا أراد أن يعبر عن المراد ويحكى عبارة 
الغير عن المراد » وقد يفعله الفاعل على وجه يتصرف معه فيما تقدمت فيه 
المواضعة فيحتاج إلى أمر زائد على العلم بكيفية المواضعة © فالوجه الأول يقل" 
فيه التفاضل » والوجه الثاني هو الذي بظهر فيه فضل الفاضل ) (1) . 

ولا كانت المفاضلة تع بالتصرف في اللغة والجري في استعمالها على 
غير المألوف والعادة استعصى تمثل الأدب على الجمهور الأ عظم من الناس 
وأصبح لا يقف على دقيق معانيه ومكنون درره إلا « صحيح الذوق » 
صحيح المعرفة نسابة للمعانى ») (2) . 

ونظرية «معنى المعنى » + بالإضافة إلى كونها قانونا كايا يفسر دلالة 
المجاز » تساعد على فهم جانب مهم من المقاييس البلاغية السابقة وتخريجها 
على وجه صحيح معقول . ففي ضوء هذا القانون نفهم الإيجاز والإيحاء . 
فقولهم في البلاغة إنها كثرة المعنى مع قلة اللفظ لا معنى له إن لم نقر بتولد المعنى 


(1) المغني » 192/16 . 


(2) دلائل الإعجاز » ط » خفاجي » ص 292 . 


414 


عن المعنى لأنه لا سبيل أن ندمل تغييرا في المواضعة بتكثير معنى اللفظ 
أو تقليله غير أنه « يتوصل بدلالة المعنى على المعنى إلى فوائد لو أنه أراد الدلالة 
عليها باللفظ لاحتاج إلى لفظ كثير » (1) . 


3 3 


أما طرافة السكاكي » في هذا الموضوع » فتتمثل في الطريقة التي وصف 
بها مختلف المراحل التي يمر بها « أصل معنى الكلام ومرتبته الأول » ليتسدم 
أعلى مراتب البلاغة ومنازلها المعجزة . وقد وقفنا على هذا النموذج الفريد في 
مؤلفائه وي التراث البلاغي جملة في بيان وجه الإعجاز في الآبة «ربى إنى 
وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا » (2) . 

ومع أنه توسّع في تحليل الكناية أكثر من تحليل الاستعارة » والكناية 
عنده من البيان لا المجاز » فقد رأينا إدراج الحديث عنه هنا لأهمية هذا التحليل 
المنهجية . يقول : 

« والكلام في تلك اللطائف مفتقر إلى أخذ أصل معنى الكلام ومرتبته 
الأولى » ثم النظر في التفاوت بين ذلك وبين ما عليه نظم القرآن وني كم درجة 
يتّصل أحد الطرفين بالآخر » فنقول : لا شبهة أن أصل معنى الكلام ومرتبته 
الأولى يا ربى قد شخت فإن الشيخوخة مشتملة على ضعف البدن وشيب الرأس 
المتعردض لهما » ثم تركت هذه المرتبة لتوخي مزيد التقرير إلى تفصيلها في 
ضعف بدني وشاب رأسي ثم تركت هذه المرتبة الثانية لاشتمالها على التصريح 
إلى ثالثة أبلغ وهي الكناية في وهنت عظام بدني لما ستعرف أن الكناية أبلغ من 
التصريح ثم لقصد مرتبة رابعة أبلغ في التقرير بنيت الكناية على المبتدأ فحصل 
أنا وهنت عظام بدني ثم لقصد خامسة أبلغ أدخلت أن على المبتدأ فحصل إني 


(1) المصدر السابق » ط » المخار ص 357 . 
(2) مريم/4. 





415 


وهنت عظام بدني » ثم لطلب تقرير أن الواهن هي عظام بدنه قصدت مرتبة 
سادسة وحمي سلوك طريق الإجمال والتفصيل فحصل إني وهنت العظام من 
بدني (. سس سو ا 1 
توسيط اليدن فحصل إني وهنت العظام مني ثم لطلب شمول يه الخظام 
فردا فردا قصدت مرثبة ثامنة وهي رلك جع العظام إلى الأفراد اقحاة 
خصولك ودن ور سي لاد فود فرد . فحصل ما ثرى وهر 
0 الاستعارة أبلغ م الحقيقة. فحصل اشام اراك 
إلى ابلغ و هى اشتعل رأسي * شيبا وكونها | أبلغ م ن جهات إحداها إسناد الاشتعال 
إك الراك لاقاةة شتمول الاشتغال ١‏ لرأمن و 6 و ثالنييا الاحمال والتفصييل 
في طريق التمييز وثالثها تنكير شيبا لإفادة المبالغة » (1) . ا 


ولتوضيح هذا النص ناخّصه على هذا الشكل : 
6 « إني وهن العظم مني ) 


يا ربّي قد شخت - الفيخوخة : ضعف ادن » شيب الرأس 


تجنر 00 


ياربتى لص يكم 


5 الأثيقاه و الف إلى متخاورة 
وو اي أو الالفقا هه 00 لك الاروع إن 


د دع ي قد وهنت عظام بدني وشاب رأسي 


-|_بناء الكناية على العدا إم 


ايا وحصي أنا وهنت -- بدني وشاب رأسي 
ٍِ 





(1) مفتاح العلوم » ص 137- 138 . 


416 


م 


لدع 


له 


زعيتا 


حد 





| مرنيية الغ 8 إدخال إن على البعدأْ | 

- 1 ا 

- يا ربي إني وهنت العظام من بدني وشاب رأسي 
1 





0 


ْ تقر سر أن الواهسن عظام البدن ا+] موك الإجمال والتفصيل أ 


يا ربي إني وهنت العظام من بدني وشاب رأسي 


١ 
مزيد اختصاص العظام به || ترك 1 البدد_إح‎ ْ 


- يا ربّي إني وهن العظم منى وشاب رأسي 
1 


ا لك لان ب 
شمول الوهن العظام فردا فردا . ترك الجمع إلى الإفراد لصحة 


حصول وهن المجموع بالبعض 1 


تاشعل اراس شييا؟ 


هكهسسست٠شافح‎ 


5 


مسب 
شاب زاسسسحين 


مرتبة أبلغ من الحقيقة “| الاستعارة م 
0 جم ١‏ شِ ب وأس يي 





“| استناد الاشتغال إلى ارأس_إحم 
- اشتعصل وأسصى من الشيب 

ل 
| مريية ليه || الإجمال والتفصيل بالتمييز + التكير أن 


يا اشفيل واس يها د 
417 


يعتمد هذا التتحليل على مبدأ « التحولات» (1) » وقد سمّاه « الدرجات ) 
لوصف الأطوار التى يمر بها المعنى من وقت تولّده في ذهن صاحبه إلى أن 
يعطيه شكلا فنيا ملاثما ؛ والمسافة بين الطرفين خفية دقيقة ليس لنا عليها دليل 
ملموس لأنها عمليات تقع ني فكر الكاتب قبل توفقه إلى الشكل اللغوي 
النهائي : فلا مجال لدرسها إلا التأويل انطلاقا من استعراض أشكال التعبيير 
الممكنة الفاصلة بين المستوى اللغوي العادي الخالي من كل قصد إلى الفن” 
والمستوى الإنشائي الخالص أي بين الإحساس الغامض بالنص وإنجازه الفعلي . 

ويظهر من هذا التحليل أن الانتقال من مستوى إلى آخر عملية معقدة 
لا تتم إلا بتضافر عناصر النظام اللغوي وتكاتفها » فنحن نلاحظ » أولا ء 
تفاعلا بين المعنى والبنية النحوية : فلكل” درجة من درجاته شكل في التعبير 
بلائمها إما بإضافة عناصر جديدة كإدخال ( إن )» على المبتدا في المرتبة الخامسة 
أو باطراح عناصر كانت ماثئلة في السياق كالاستغناء عن الجار والمجرور 
والمضاف إليه في المرتبة السابعة » كما نلاحظ تفاعلا بين المعنى والنظام الدلالي 
في اللغة وقد برز ذلك ني موضوعين : وقع ني أولهما تعويض المعنى الكلي 
بمعانيه الجزئية مما سمح بتعويض ( شخت » ب( ضعف بدني وشاب رأسي ) 
أما في الثاني فقد عدل عن التصريح إلى الكناية كما هو واضح في الدرجة 
الثالثة . ويتأكد من هذا التحليل أن الصياغة النهائية ليست رهينة تغيير نهج 
الدلالة . فكان لابد” من تعهد الكناية وتحكيكها ليصل النص إلى أعلى درجات 
الفن” لذلك خصص السكاكي خمس درجات لإبراز مختلف الإمكانيات التي 
خرلة اانه ين جود طريقةى. التعيير. الاحعوكي فية ق النصر. 

ونلاحظ أخيرا أن الوجوه البلاغية ذاتها مراتب يخدم بعضها بعضا ويبدو 
ذلك جليًا في توظيف دلالة البعض على الكل » وهي وجه بلاغي »2 لإعطاء 
الكناية شكلها النهائي . 


1180510581085 )1( 


48 


ورغم أن السكاكي لم يصغ هذه الطريقة ني التحليل صياغة يمكن معها 
الحديث عن منهج متكامل فإنها تبقى على جانب كبير من الأهمية باعتبارها 
نموذجا يمكن أن يحتذى ومحاولة تطبيقية جريئة لتفسير الإعجاز تفسيرا يستند 
إلى معطيات لغورة مضبوطة 3 


علاقة المجاز بالحقيقة : 


إن الناظر بي تراث العرب البلاغي يلاحظ أن اعتمادهم المقارنة بين 
الحقيقة والمجاز لم يكن مجرد اصطلاح منهجي اضطروا إليه للتمييز بين 
المستوى الإنشائي وغيره من مستويات اللغة . فلاقضية صلة متينة بتصورهم 
العام المؤسسة اللغة نشأة وتطورا ووظيفة وهو تصور شاركت عدة عواملي 
بلورته وترسيخه . 

وتتخلص علاقة المجاز بالحقيقة قُ ثلاثة مبادىء مترابطة لى يشذ 
مصدر من مصادر بحثنا عن القول بها والتعبير عنها كلها أو بعضها. 
وهذه المبادىء هي : أ) لا بد لكل مجاز من حقيقة » ب) التعبير الحقيقى 
متقدم في النشأة على التعبير المجازي » ج) الحقيقة أولى من المجاز في الاستعمال 


أمّا المبدأ الأول فقد وقع التعبير عنه في ثلاثة مواطن : في حد المجاز 
بالدرجة الأولى عندما اعتبروا كل" معنى مجازي نقلا للفظ أو لمعنى اللفظ 
من أصل وضعه في اللغة إلى معنى آخر لم يوضع له » وتتفق كل الحدود 
في هذا الجانب » ولتوثيق الصلة بينهما التجأ بعض البلاغيين إل زوج 


اقاضي كنبري الاامتجبالخ قي جاريم لفقي بو اللجرية بي لاا بو الموج 
يقول الخفاجى”"متحدثا عن الاستعارة : 


419 


وولايد” من أن تكون أاوضح من الحقيقة لأجل التشبيه العارض فيها 
لأن” الحقيقة لو قامت مقامها كانت أولى لأنها الأصل والاستعارة الفرع » (1) 
والموطن الثاني ؛ وهو أوسع من الأول » يتمثل في حديثهم عن الوجوه 
البلاغية . ولعدد هذه الوجوه تعددت النصوص المشيرة إلى هذا ا معن تذكر 
منها على سبيل المثال تعريف الرماني للاستعارة وتحديد مستازماتها : 


«ووكل استعارة فلا بد" فيها من أشياء : مستعار ومستعار له ومستعار 
منه فاللفظ المستعار قد نقل عن أصل إلى فرع للبيان») (2) . 


وثالث المواطن هى الجمل الواردة في غضون تحليلاتهم الأدبية وكثير 
منها يخرج مسخرج الإثبات والقطع فتدل” على الغرض بصفة أوضح من 
الموطنين السابقين : 

(ولا بد لكل استعارة ومجاز من حقيقة وهى أصل الدلالة على 
المعنى في اللغة) (3) . 

أما المبدأ الثاني فقد عبروا عنه عند حديثهم عن نشأة اللغة يتساوى 
في ذلك القائل بالتوقيف والقائل بالاصلاح والمواضعة . فالفريقان متفقان 
على أن" السبب الذي من أجله كانت اللغة هو فهم الناس بعضهم عن بعض 
ولذلك اتجهوا إلى تعليق الألفاظ بلمعاني حتى إذا قصد المتكلم إل معنى 
استعمل ما قررته المواضعة ( على جهة الحكاية والاحتذاء » لا «١‏ التصرف 
والابتداء » (4) وهذا يعنى أن الغايات الفنية لم تكن من مقاصد المستعملين 
نظرا إلى أن حاجاتهم كانت مقتصرة على الضروري مما يقيم أودهم . 





(1) سر الفصاحة » ص 110 . 

(2) النكت في إعجاز القرآن » ص 86 . 

(3) العسكري » الصناعتين » ص 276 . 

(4) القاضي عبد الجبار » المغني في أبواب التوحيد والعدل » 192/16 . 


420 


كما عبروا عن هذا المعنى في مواطن متفرقة من 1١‏ ليفهم أثناء حديثهم 
عن التراكيب أو العانى . فالفارابى يبدأ باب «حروف السؤال) 
قاعدة نظرية تحداد مجالات استعمالها واستعمال الألفاظ بصفة عامة : 


«وهذه / حروف السؤال / وجل" الألفاظ قد تستعمل دالة على مء 
التي للدلالة عليها وضعت منذ أول ما وضعت وتستعمل على معان أخر على 
اتساع ومجاز واستعارة (....) واستعمالها مجازا واستعارة هو بعد أن 
تستعمل دالة على معانيها التى لها وضعت من أول ما وضعت ) (1) . 

أما أولوية الحقيقة في الاستعمال إن لم يتضمن المجاز معنى زائدا فيكاد 
وسنفصل الحديث عنه عند حديثنا عن بواعث المجاز في اللغة . 


3 3 


إن" هذا الفهم لطبيعة العلاقة بين الحقيقة والمجاز فهم « مثالي ) فر ضته 
اللغة وقد بلغت مرحلة متطورة جدا من تاريخها أصبح معها تميبز الحقيقة 

عن المجاز أمرا صعبا إن لم نقل مستحيلا ناهيك أن مدونته 0 
لتقنين اللغة كانت تمشلى » في قسطها الأكسر » أرقى عن تطورا . لذ 
يشعر قارىء التراث العربى بأن” ضبط حدود المجاز كان « أزمة» (2) 0 
أركتت: اللاغيية بوائضيت بهم إلى غير قليل من الاضطراب والإحالة 
فبالإضافة إلى المناقشات الحادة التي دارت بين الفرق الدينية حول مجاز 
القرآن (3) نجد في التراث العربي صدى اخلافات كبرى تناولت المشكل 
(1) كتاب الحروف » ص 164 . 


2( الخد ولو اسارج لقتل جنع ل و + لشن كاد ين الوق المويية و لكان يتفم 
نشر مكتبة النهضة المصرية » القاهرة » 1976 » ص 10 . 


)3( راجع كل هذه المواقف في نص المزهر للسيوطي وهو من أهم المصادر استقصاء لمختلف 
قضايا المجاز والآراء التي قيلت فيه . 


421 


من زاوية لغوية وأعادت طرح كل" الإشكالات التي تثيرها وني طليعتها 
إمكانية قبول القول بالترتيب الزمني في النشأة » واستغل” كل" طرف من اللغة 
القائمة الجانب الذي يدعم موقفه. وقد أبانت هذه المناقشات عن آراء متباينة 
وطرائق في الاستدلال غريبة أحيانا نعجب لذكاء أصحابها ولكننا نعتقد 
أنها تشقيقات وتمحلات لا تعين على حل المشكل : فقالوا بخلو بعض 
الألفاظ من الحقيقة والمجاز معا . وضربوا مثلا لذلك الأعلام المتجددة 
بالنسبة إلى مسمياتها فنحن لا نستعملها فيما وضعت له أولا وهى إما اختراع 
من غير سبق وضع كالأسماء المرتجلة (غطفان) أو نقلت عما وضعت 
له في الأصل ولكن النقل لم يقم على علاقة إذن لا تدرج في المجاز . والمثل 
المذشكور يبرز طابع الجدل والتشقيق لأن الاحتجاج بأسماء الأعلام غير مقنع 
فهى ليست المظهر الغالب على اللغة . وذهب 7 خرون إلى أن من اللغة ما هو 
واسطة بين الطرفين كالألفاظ المستعملة في المشاكلة من نوع ( وجزاء سيئة 
سيئة مثلها ( وبرهنوا على ذلك براهين ملتوية ومنهم من قال بمجاز المجاز 


ولعل” أدق" المواقف تعبيرا عن المضايقات التي خلفها القول بأسبقية 
الحقيقة هو الموقف المنسوب إلى أبي اسحاق الإسفرابيني (ت. 418 ه .) الذي 
أنكر وجود المجاز وقد أسس ا على موقف لغوي مؤداه أن العرب 
نطقت بالحقيقة والمجاز على وجه واحد وليس من دليل على أن في اللغة 


متقدما ومتأخرا . 


والقول بأن” لكل مجاز أصلاحقيقيا متقدما عليه كانت له آثار عميقة 
في النظرية الأدبية بحكم أنه يعمق الهوة بين الصياغة والمعنى . فالأصل 
الحقيقي يمثل» من هذه الزاوية » العلامة الثابتة والمعنى القارٌ الذي نرجع إليه 
كل الأشكال الفرعية في التعبير وإذذاك لا يزيد التعبير المجازي على كونه 
إمكانية من جملة إمكانيات يمكن إخراج المعنى على مقتضاها وينحصر 
دورها في تجميله أو إضافة بعض الخصوصيات له كالتأكيد والمبالغة وما إليهما 


402 


بدون أن تؤثر في جوهره وتتفاعل معه تفاعلا يغدو بمقتضاه في علاقة تأثر 
وتأثير بالصياغة. وهذا الافتراض يؤكد ١‏ الطبيعة الشكلية للصور المجازية ؛ 
وانفصالها الواضح عن معنى النص وعن التفاعلات الداخلية للسياق نفسه » 
وجعل المجاز ‏ بكل ما يندرج تحته من أنماط فرعية ‏ جانبا من جوانب 
الصياغة أو النظم لمادة خام أو أفكار بعينها » تظل قائمة بذاتها ومنفصلة 
ومستقلة عما يمكن أن تصاغ فيه ومن ثم" يصبح المجاز متصلا بجانب اللفظ 
وقرين الحلية والزخمرف والوعاء والكسوة والآنية » التي تقدم المعاني تقديما 
مؤثرا دون أن يكون بينها وبين ما تحويه أو توصله أدنى علاقة ماعلة ) (1) . 
ولم يستطع رجل كالجرجاني التخلص من هذا التصور الذي ترسب في 
قرار النظرية الأدبية نتيجة قرون طويلة من الممارسات التطبيقية والمقررات 
النظرية بل على يديه أخذ هذا التصور صياغته النهائية في طرحه مقولة « الإثيات» 
كمحدد لوظيفة الصورة ومؤدى هذه المقولة أن لا تأثير للصورة في المعنى 


ذاته وإنما في طريقة إثباته (2) . 


ولكن ألم يكن وراء تشبثهم بهذه المبادىء سبب معقول ؟ 

يمكن للإجابة عن هذا السؤال أن نصوغ القضية صياغة عكسية ونتساءل 
عن النتائج التي يؤدي إليها القول بنشأة اللغة دفعة واحدة متكاملة . 

وأول مقتضيات هذا الموقئف الإقرار بأن اللغة كائن لا تاريخي أو 
خارج عن التاريخ وبالتالي له يتسى در استه من وحجهة زمانية 1 وهذه النظرة 
تؤدي إلى انتفاء فكرة التطوّر » وهو صلب المشكل في رأين» فإذا سلمنا 
بآن” مؤسسة اللغة من أعدق. الموسسات اركباطا #الانسان وبعرء .من 1 قميقة 
بها يعبر عن حاجياته وعليها تنعكس نبضات وجوده وتقلباته وأطواره التاريخية 


69 جادر عصفور 2 الصورة الفنية ص 8 . 
0 في المجاز العقلي والمجاز اللغوي والفرق بينهما 4 . أسر ار البلاغة اط خفاجي 2 
2 وما بعدها . 


4203 


لزم ؛ بالضرورة » أن نقبل أنها بدورها متطورة باعتبار أن أوضاعها هي 
أوضاع المستعمل لها . ولذلك استقرت في التفكير العربى قناعة مفادها أن درجة 
الإنسان ني الآدمية تتناسب طردا وسيطرته على اللغة وقدرته على تصريفها 
بحيث إنه كلما تطورت وسيلة تعبيره اقترب أكثر من آدميته وهذا صريح 
قولهم : «فمن كان في المنطق أعلى رتبة كان بالإنسانية أولى » (1) فالانتقال 
من المعنى الوضعي إلى المعنى المجازي أي من اللغة وسيلة للتخاطب والتفاهم 
إلى اللغة ساعة توظف للتعبير عن أرقى متطابات الروح وأرق نخلجات الوجود 
تعبير عن تطور الجنس البشري والحضارة التي يصنعها . 

وبالإضافة إلى هذا الموقف الفكري العام نجد في مؤلفاتهم ما يدل 
على أن أسبقية الحقيقة على المجاز قائمة على تصور لغوي بحت ينم عن 
فهم طريف لحركية اللغة والعوامل المتحكمة ني توسعها . ويبدو أنهم كانوا 
يبحثون عن الموقف الذي يجنبهم الفهم الأفقي المسطح لتطور اللغة » فالقول 
باكتمال اللغة لحظة وجودها معناه أننا في كل" مرة نصوغ اللغة صياغة غير 
معهودة نستأنف مواضعة جديدة » فيبقى تطور اللغة رهين الاعتبار الكمي 
إذ أننا نضيف إل الرصيد الموجود وحدات جديدة . أما القول بأسبقية 
الحقيقة على المجاز فيشرع إمكانية التولد الذاتي انطلاقا من نظام علامي محد د. 
فلثن كان الرصيد ثابتا قارا فان التأليف لا نهائى إذ يمكن إنجاز الفعل اللغوي 
في أشكال لا حصر لها . وقد طرح القاضي عبد الجبار كل هذه القضايا بكثير 
من الوضوح . فالمجاز ني رأيه مواضعة خاصة لا تفارق المواضعة العامة : 

«فأمًا حسن النغم » وعذوبة القول فمما يزيد الكلام حسنا » على 
السمع » لا أنه يوجد فضلا ني الفصاحة » لأن الذي تتبين به المزية في ذلك 
يحصل فيه وي حكايته على سواء 3 ويحصل ي المكتوب منه على حسب 
حصوله قُ المسموع . ولا فضل فيما ذكرثاه بين الحقيقة والمجاز بل ربما 


(1) ابن رشيق » العمدة » 144/1 . 


424 


كان المجاز أدخل ني الفصاحة لأنه كالاستدلال ني اللغة » والغالب أنه يزيد على 
المواضعة السابقة » ولأنه مواضعة تختص » فلا تفارق المواضعة العامة ) (1) ٠‏ 

كما أن الكلام الذي ني غاية الفصاحة لا يخرج عن جملة اللغة ولا تستمد 
فصاحته خصائصها من تغيير ما تواضع الناس عليه ..وني هذا إقرار بأن 
اللغة تتطور تطورا نوعيا وتتولد تولدا ذائيا بحكم وجود مستويين ني الدلالة : 
دلالة اللفظ ودلالة التأليف . يقول 


« إن ما يبلغ من الكلام ني الفصاحة النهاية لا يخرج عن أن يكون 
من جملة اللغة » كما أن ما دونه لا يخرج عن أن يكون من جملتها » وإنما 
تتبين زيادة الفصاحة لا بتغير المواضعة لكن بالوجوه التي ذكرناها » وهذا 
كما نعلم من حال الثياب المنسوجة أنها تتفاضل بمواقع الغزل © وكيفية 
تأليفه وإن كان غزل الجميع لا يتغير كما نعلمه من حال الديباج المنقوش 
وغير ذلك ) 2( 5 ١‏ 

د عد عد 

بقى_ أن غير إك أن النشيت ترشن مراحل اللغة بالكيفية الى عرافنناها 
١‏ بمنع علماء اللغة والبلاغة من التعبير ع الصعوبات التي تنتمج عن هذا 
الموقف كما م بمنعهم من التفطن إلى أن العلاقة بين الحقيقة والمجاز علاقة 
معقدة لا تسير دائما في اتجاه واحد فكما أن المجاز يتولد عن الحقيقة تتولد 
الحقيقة عن المجاز أو « أن المجاز إذا كثر لحق بالحقيقة » حسب عبارة ابن 
جني في باب من أبواب ١‏ الخصائص ») (3) . 

فمن أنواع المجاز ما لا يمكن اعتباره تطورا عن الحقيقة لكثرة 
استعماله وجريانه على ألسنة الناس حتى لكأنه « شيء يوجد ني الطباع (...) 
(1) المغني » 200/16 . 


(2) المصدر السابق » 201/16 , 
(3) انظر : 447/2 وما بعدها . 


425 


مركبا في الخليقة أولا » (1) كتشبيه الجاهل بالثور والحمار والحسن بالشمس 
افير ؛ 0000 بالأسد د وما 0 » وهذه التشبيهات و( مه ن العاني العامية 
بجيل دون جيل ) 2 فهذه 10 قُ 9 1 تصبح » لانتشارها » 
ضربا من المواضعة تستعمل كما تستعمل بقية وحدات اللغة وليس فيها ما يدل” 
على أن منجزها قد بذل جهدا لتصريف اللغة على غير ما وضعت له واخترع 
نهجا في الأداء على غير مثال . 

وقريب من هذا صئف من المجاز مخترع في الأصل إلا أن تواطؤ 
الشعراء عليه وإغراقهم ني استعماله يأني على فاعليته الفنية ويسقطه في المشترك 
« المبتذل ) فيصبح ما يؤديه لا يزيد على ما تؤديه الحقيقة ( إلا أن يولد أحد 
منهم فيه زيادة أو يخصه بقرينة فيستوجب بها الانفراد من 0 2 (3). 
حدود الحقيقة بالمجاز 0 ما 6 الآخر . 


قو افع التعبير بالمجاز 


رأى علماء البلاغة لتولد المجاز سببين. متفاوتين في الأهمية 5 سيب 
لم يغفل ذكره أي مصدر ء سبب ورد في بعضنها دون بعضعي ١‏ الآخخر ولذلك 
يمكن اعتباره ثانويا بالقياس إلى الأول . 


ترتبط نشأة المجاز » حسب هذا السبب الثاني » بخصائص موضوعية في 
اللغة تؤدي حتما إلى تولده فكأن اللغة تحمل ني ذاتها عناصر اكتمالها وتطورها 
الذائي وتتسلط على مستعملها فتجبره على تصريفها على أكثر من وجه . 





(1) العمدة » 100/2 , 
(2) أسرار البلاغة » ط خفاجي ٠»‏ 128 . 
(3) ابن رشيق » المصدر المذكور » 100/2 . 


426 


إلا أن" النصوص التي ارنسمت فيها ملامح هذا التفسير لا تخلو من 
الاضطراب والتناقض . ولبيان ذلك نسوق النصين الهامين اللذين ذهبا هذا 
المذهب في التعليل أولهما لابن وهب الكاتب وثانيهما لابن رشيق . 

يقول ابن وهب : (وأما الاستعارة فإنما احتيج إليها في كلام العرب 
لأن” ألفاظهم أكثر من معانيهم » وليس هذا في لسان غير لسانهم » فهم 
يعبرون عن المعنى الواحد بعبارات كثيرة ربما كانت مفردة له » وربيما كانت 
مشتركة بينه وبين غيره » وربما استعملوا بعض ذلك في موضع بعض على 
التوسع والمجاز فيقولون إذا سأل الرجل الرجل شيئا فبخل به عليه : ١‏ لقد بخله 
فلان) » وهو لم يسأله ليبخل » وإنما سأله ليعطيه » لكن البخل لما ظهر 
منه عند مسألته إياه جاز في توسعهم ومجاز قولهم أن ينسب ذلك إليه » (1) . 

ويقول ابن رشيق 5 « والاستعارة إثما هى من اتساعهم قُ الكلام 
اقتدارا ودالة » ليس ضرورة لأن ألفاظ العرب أكثر من معانيهم » وليس 
ذلك في لغة أحد من الأمم غيرهم فإنما استعاروا مجازا واتساعا » ألا ترى 
أن للشيء عندهم أسماء كثيرة وهم يستعيرون له مع ذلك ؟ 

على أنا نجد أيضا اللفظة الواحدة يعبر بها عن معان كثيرة » نحو 
« العين ») 0629 وليس هذا من ضيق اللفظ عليهم 2 ولكنه من الرغبة قُُ 
الاختصار والثقة بفهم بعضهم عن بعض | ألا ثرى أن كل" واحد من هذه 
التي ذكرنا له اسم غير العين أو أسماء كثيرة ؟) (2) . 

إن فلحت مطابقة نص ابن وهب المنشور النص المخطوط تأكدت 
غرابة منحاه في التفسير أو على الأقل" صعوبة تمثلها . لأن أوّل ما يتبادر للذهن 
عند قراءة النضن أن" السيتن دون ينف إل عكين الكنرات: الملوع ينما 


(1) البرهان في وجوه البيان » ص 142 . 
(2) العمدة » 274/1 . 


42 


ولا نرى كيف أن كثرة الألفاظ بالنسبة إلى المعاني تحوج إلى استعمال المجاز 
عامة والاستعارة بوجه خاص . فما دامت اللغة توفر من جهة الوضع. والتحقيق 
إمكانية التعبير عن المعنى الواحد بألفاظ كثيرة سقطت عن المستعمل مؤونة 
التوسل بالمجاز . ولا يستقيم النص إلا بالإغراق في التأويل واعتبار المجاز 
طريقة لتكثير المعاني 0 في الموجود اللغوي بدون الالتجاء إلى وضع 
ألفاظ جديدة وإنما باستعمال بعض تلك الألفاظ «في موضع بعض على 

التوسع والمجاز » فيكون وجود المجاز رهين العلاقات التي تخلقها بين 
الكلمات وإحلالها في غير محالها على أصللى الوضء 


إلذ أن" تعن أبن ريق بحملا عل الأحتران من هذا التأويل + فهق:؛ 
وإن شابه نص ابن وهب في كثير من عباراته يختلف عنه اختلاف النقيض 
عن النقيض . فكثرة ألفاظ العرب بالنسبة إلى معانيهم لم ترد في نصه لتفسير 
ضرورة المجاز وإنما للتاكيد على عكس ذلك وللاقناع بأن الاستعارة أمارة 
من أمارات قدرة المستعمل . ويتضح هذا ني الجملة ا حالية الدالة على المقابلة 
التي تضمنها الاستفهام وألا ترى أن للشيء الواحد 000007 

وبهذه الكيفية يتبين لنا أن كثرة الألفاظ استعملت في النصين لإثبات 
الشيء ونقيضه . 

ومهما يكن رأي الباحث في استقامة النصين » ونحن إلى استصواب 
0 شين أمين + قاذ يد من التأكيد على الحرج الذي يؤدي إليه هذا النوع 

ن التفسير . ويتجلى الحرج في النصف الثاني من نص ابن رشيق فلما ذكر 
نسألة"الاشتر اله وشعز أنها تناقض فافيته الأول ساول: أن اسعدر له الأمو 
ولكن التفسير جاء غريبا لا ينم" عن تصور واضح للقضايا اللغوية مع أنه 
مناقض لما سلف فاقترن في نفس النص الاتساع والاقتدار بالرغبة في الاختصار 
يضاف إلى كل ذلك هذا التفسير الأخلاقي - الاجتماءني الذي لا نثق في 
قدرته على تفسير الظواهر اللغوية . ولابن رشيق العذر في ما ذهب إليه 


4208 


فهو واقع تحت سلطة تصور عملت أجيال من اللغويين على ترسيخه في العقلية 
العربية وهو تصور فيه غير قليل من التعصب للغة العربية والحرص على بيان 
حكمة بنائها وتناسق مواردها ومصادرها بكل الطرق إذ هي لغة القرآن . 

وإلى جانب الحرج نلاحظ أن هذا المتزع الكمي في التعليل كان عاملا 

من العوامل التي رسخت الطبيعة الشكلية للمجاز . إذ نفهم من كلام ابن رشيق 
أن استعماله نوع من البذخ لا تدعو حاجات التعبير إليه . هو مجرد إمكانية 

في التعبير عن المعنى وليس لقا لذلك المعنى مؤسسا على تفاعل الصياغة وها 
ل 0 تحملها الصورة . إنهم بهذا التفسير 
يجعلون المجاز شهادة للغة.لا عليها . فغاب عنهم المعنى العميق للمعاناة التي يتحدث 
عنها الشعراء والكتاب» كما غاب عنهم أن المجاز مظهر من مظاهر توق الإنسان 
إلى تكسير طوق اللغة لاستكشاف ما يعتمل في أغوار نفسه وني مجاهل العالم 
الذي بحتويه؛وهو نوع من الصراع بين ١‏ الإتباع والإبداع » ٠‏ بين ما يستطيع 
بحكمة تكوينه إدرا كه وبين ما تسمح به آلة اللغة في التعبير . فعلاقة الإنسان 
باللغة ليست علاقة انسجام وتناغم واستقرار » كما قد يبدو من تحليلات 
اللغوبين والنقاد » وإنما هي علاقة متوترة محكومة بمفارقة أساسية قوامها قدرة 
الإلماد تكن اسرد عن لمر والنصور وعجز الجهاز العلامي المتواضع 
عليه علا ن محاصرة تلك المشاعر . وعلى هذه المفارقة في رأينا يقوم الفن وبها 
كقت للدت الاستمران". 


6 6 


اها الي الثاني فمعنوي حدا دوه بصفة غير مباشرة عند علطي عن 
وظائف المجاز . وهم ينطلقون في في تحديد تلك الوظائف من مبدإ أجمعوا عليه 
وهو ضرورة أن يؤدي الجخان ممعت 3 لاية الحقيقة وإلا كانت هذه أولى منه 
بالاستعمال « ولولا أن الاستعارة المصيبة تتضمن ما لا تتضمنه الحقيقة » من 
زيادة فائدة لكانت الحقيقة أولى منها استعمالا » (1) . 





49 المسكري الصناعتين » ص 274 . 


409 


وقد بلغ هذا المبدأ أقصى درجات تحققه عندما رفضوا أن تكون الظاهرة 
الأسلوبية مفيدة قُ بعض المواطن دون بعض وهذا يعني أنهم لا يكتفون بتقر ير 
الفائدة وإنما باطرادها . يقول الجرجاني في باب «التقديم والتأخير » . 

«واعلم أن من الخطلٍ أن يقسم الأمر في تقديم الشيء وتأخيره قسمين 
فيجعل مفيدا في بعض الكلام وغير مفيد في بعض . وأن يعلل تارة بالعناية 
وأخمرى بأنه توسعة على الشاعر والكانب حتى تطرد لهذا قوافيه ولذاك 
سجعه . ذاك لأن” من البعيد أن يكون في جملة النظم ما يدل نارة ولا يدل" 
أخرى ) (1) . 

و يشذوا عن هذه القاعدة إلا في مواطن قليلة أشهرها ما أطلقوا عليه 
«الاستعارة غير المفيدة » التى تكون من جهة اللفظ لا المعنى كاستعارة المشفر 
للإنسان وهو للحيوان » 7 كان عبد القاهر الجرجانى قد وجد لهذا الصنف 
معنى ضبطه بقاعدة (2) . 1 

والطرف اللمعتمد في تحديد وظيفة المجاز هو المتقبل أو قارىء النص لأن 
غاية المجاز القصوى وبالاستتباع غاية الأدب هي التأثير في السامع تأثيرا تتحقق 
معه مقاصد صاحب النص والغايات التى رسمها لخطابه » وفضل المجاز ١‏ أنه 
يفعل في نفس السامع ال ادم (3). 

ولبلوغ هذا الهدف لابد” أن يكون المجاز في إحدى المراتب الوظائفية 
الانية : 

المرتبة الأولى شكلية يقتصر فيها دوره على تحسين المعرض الذي 
يبرز فيه المعنى » وهو هنا بمثابة الوعاء والكسوة يساعد على تقبل المعنى ولا 
يؤثر فيه . وحال مستهاك النص هنا حال من يشرب في آنية من ذهب فهي 
(1) دلائل الإعجاز » ص 86 . 


(2) انظر : أسرار البلاغة » ط » خفاجي » 123/1 --133. 
(3) السكري» الصناعتين » ص 275 . 


400 


تفتح شاهيته وتدل” على الترف إلا أن” المشرؤاب لاا بتغير :و لذلك: لايد مق 
تجويد الصياغة وإتقانها لأنها للمعاني ١‏ كالمعرض للجارية الحسناء التي تزداد 
حسنا في بعض المعارض دون بعض ») (1) . 

كدان المرتبة الثانية فهي أقل" شكلية من الأولى لأن” المجاز فيها يقوم بدور 
القادح الذي بحرك كوامن اللغة » وبه تتحقق معادلة الإيجاز باعتباره طريقة 
في الأداء قادرة على أن تحرك طاقة الإيحاء فيحصل التفاوت المحمود بين الدوال 
والمدلوللات فتخرج «من الصدفة الواحدة عدة من الدرر ونجني من الغضن 
الواحد أنواعا من الثمر » (2) ويصبح الكلام 1 نذاك في غاية البلاغة لأنه يفتح 
باب التفسير والتأويل وتداعى المعاني في الذهن . وقد عبر ابن رشيق عن كل” 
هذا بعبارة صارمة في لدم عدق قا القانون الذي يلخص رأي العرب في 
كل الظواهر التي تسر المعنى ولا تكشفه يقول : 

« وإنما كان هذا (حذف بعض الكلام لدلالة الباقي على الذاهب) معدودا 
من أنواع البلاغة لأن” نفس السامع تتسع في الظن والحساب ٠»‏ وكل” معلوم 
فهر هين لكونه محصورا » (3) . 

- ونتعدق المرتبة الثالثة بالمعنى نفسه والخصوصيات التي يضيفها التعبير 
بالمجاز إلى المعنى الأصلي . وقد ضبط ذلك في بابين هما شرح المعنى وفضل الإبانة 
عنه » وتأكيده والبالغة فيه . وعلى هذا دارت كل" تحاليلهم للشواهد التي 
أوردوها من القرآن والشعر. 

وقد لخص العسكري كل هذه المعاني في فقرة وردت في فصل 
« الاستعارة والمجاز ) يقول : « قال أبو هلال : الاستعارة نقل العبارة عن 
موضع استعمالها في أصل اللغة إلى غيره لغرض » وذلك الغرض إما أن يكون 
0 أبن الباطها املتوي ل خيارة اشع :6 سن :8 : 


(2) الجرجاني » أسرار البلاغة » ط » خفاجي » 137/1 . 
(3) العمدة » 251/1 . 


401 


شرح المعنى وفضل الإبانة عنه » أو تأكيده والمبالغة فيه » وهذه الأوصاف 
موجودة في الاستعارة اللفبينة ولولة أن" الامعارة المصيبة تتضمن ما لا تتضمنه 
الحقيقة من زيادة فائدة لكانت الحقيقة أولى منها استعمالا » (1) . 

ولئن كان شرط الفائدة بي المجاز موقفا لغويا عامًا لم يتفرد العرب بالدفاع 
عنه فإنّه اتخذ عندهم طابعا خاصا وشكلا بارزا حاد! نعتقد أن للقرآان ضلعا 
فيه فهو كتاب مقدس معجز منزه عن ١‏ لغو » القول » لذلك كان من الأكيد 
أن تعر كل" لفظة فيه وكل” وجه من وجوه المجاز عن معنى تصبح بمقتضاه 
ملتحمة مع النسيج العام مشاركة في بنائه فتنتفي فكرة العبث والمجانية المناقضة 
لحكمة الرسالة وإعجازها . 


د عد كيه 


يتضح مما سبق أن مسألة الحقيقة والمجاز ليست مجره مبحث فرعي 
ضمن قائمة المباحث الطويلة التي اعتنى بها البلاغيون وإنما هي نافذة من النوافد 
التى نستشرف من خلالها تطور التفكير البلاغي ومدخل من مداخل نظرية 
5 قِ الأدب 

فنحن ندين الطور الثالث بأصول هذا البحث وفروعه وتعميق قضاياه 
إذ م تعمد مشاركة الطورين السابقين الإشارات الخاطفة والملاحظات السريعة . 

ولقد أفضت العناية بتحديد الحقيقة والمجاز بالبلاغيين إلى ميدان أوسع 
هو علم الدلالات وترتيب مستويات اللغة اعتمادا على اختلافها في طريقة أداء 
المعنى كما درسوا أوجه ترابطها وتفاعلها . وكان الإطار العام الذي نزلوا فيه 
هذه المسألة إطارا إنشائيا عاما يروم الوقوف على خصائص الأدب وتمييزه عن 
غيره من أنماط التعبير باللغة . : 


(1) الصناعتين » ص 274 . 


202 


3 الفصاحة والبلاغة 5 


زوج ١‏ الفصاحة / البلاغة ) من أكثر المصطلحات توترا ني نقد الكلام 
وتحديد مراتبه » وهو يمثل » بالإضافة إلى زوج الحقيقة والمجاز » حصيلة” 
المفاهيم العامة التي تستقطب جل المقاييس المستعملة في وصف ظاهرة الأدب 
وتصنيف طرقها في التعبير . 

ولئن مكنت دراسة الحقيقة والمجاز من معرفة إحدى الدعائم المنهجية 
التي ميز بمقتضاها العرب الأدب عن الانجازات اللغوية الأخرى تمييزا عاها 
له بختص” فدرأسة هذين المصطلحين تسمح بتتحديد ميادين الدراسة الود 
وتكشف عن لبم ومسا بلاغة النص وجودته قُ رأيهم 5 ذلك أن” البتحث عن طبيعة 
العلاقة بين الفصاحة والبلاغة يفضي » بالضرورة ٠‏ إلى استعراض موقفهم 
من ثنائية اللفظ والمعنى إحدى مشكلات النقد الكبرى وجانب مهم من نظر يتهم 
في النص الأذبن : 


ولقد تجتبنا » عن قصد » الانطلاق رأسًا من مسألة اللفظ والمعنى لأن 
غايتنا ليست جمع المقاييس المتعلقة بجمال اللفظ واستقامة المعنى وإنما هى 
محاولة" لإبراز المضايقات المنهجية التي زج بهم فيها الفصّل التّظري بين 
الشكل والمضمون واضطرارهم عند التطبيق » إلى الخلط بين مستويات ظنوا 
أنه بالإمكان التمييز بينها بوضوح . وني اعتقادنا أن زوج الفصاحة / البلاغة 
أكثر ملاءمة لهذا القصد لصبغتة العامة » أولا» ولاطّراد استعماله ثانيا » 
ولأن" ني ذات المصطلح تحديدا لمدتى أسلوبي كامل ثالشا » لذلك فإن كل 
تغيير يطرأ على هذه اللفاهيم يمكن أن يبشر بتغير في ذات التفكير البلاغى 
وتغير في تقييم جمالية النص . ٠‏ 

ومباشرة المصطلحين على شكل زوج له مبررات موضوعية . فالعلاقة 
فصاحة / بلاغة تعني أننا نقتصر على منهج البلاغيين ولا نروم التاريخ لمقاييس 


403 


الفصاحة عامة (1) فكثير من مقاييس الدّغويين في تحديدها مثلا » لا تهمنا 
لتباين الأغراض ؛ فهؤلاء لم يكن يح ركهم أي دافع فني فأنت مقابيسهم » 
قُ الغالب 4 غير مركزه على ذات اللفظة وإلما على اعتبارات خارجية 0 بمعنى 
أن الفصاحة عندهم هي البحث عن شهادة للكلمة من خارجها بأنها من الشائع 
قُ لغة العرب 0 وكان المخبر 22( 2 فردأ أو جماعة يوم بدور هام قُ إثبات 
الشهادة أو نقضها » ولم يكن المقياس الزمني أقل أهمية من المخبر » فلقد 
اعتبروه ضمانا لصفاء اللغة وقيامها على الخلااص 5 

وتباين نهج البلاغيين عن اللغويين أشار إليه البلاغيون أنفسهم . فلما 
أراد الجرجاني تقصي الأسباب التي مكتنت للفظ في عقول الناس ذكر غلطهم 
في تقدير ما جاء في كتاب ١‏ الفصيسح ) لثعاب حتى ظنوا أن غرضه هو 
من علماء البلاغة بينما يرى الجرجاني أن ما أراده ثعلب من فصاحة 
الكلمة (1) : أنها في اللغة أثيعت - 2 - وني الاستعمال أكثر » - 3 - وأنها 
على قوانين اللغة التي وضعوها اجرى (3) . 

وفعلا فالناظر ني الكتاب يلاحظ أن صاحبه بناه على ثلاثة محاور هي 
خلاصة موقف اللغويين في مسألة الخلاف في اللغة» فأثبت المُجلمّع عليه الذي 
لا اختلاف فيه في بناء ولا حركة وهو الأكثر والأعم » ثم افيه لحنان وآ كدن 
إلا" أن" إحدى اللغات أفصح » فما فيه لغتان أو أكثر وهى متساوية وبأي لغة 
تكلم المتكلم ففصيح صحيح (49) . 


(1) انظر من المحاولات العامة : محمد رشاد الحمزاوي : الفصاحة فصاحات أو الدعوة إلى 
ضرورة مراجعة أصول الفصاحة » حوليات الجامعة الدونسية » 1978/16 ص 63-45 
وانظار كذلك مقال (طتتتةطعصت0 ده” .6.8) بدائرة المعارف الاسلامية » طبعة 
جديدة » 483/2 - 846 , 


2( قات ]8 0110 101 

(3) دلائل الإعجاز » طء المنار » ص 353-352 , 

4( استعنا على هذا الاستخلاص بما ورد عند أبن فارس في كتابه الصاحبى فى فقه األغة وسنن 
العرب في كلامها » ص 73 . ١‏ م 


4034 


وإمعانا في تعميق الهوة بين المنهجين يقرر عبد القاهر الجرجانى أن معرفة 
الإمالة والصراط والزراط « وما لا يعدو علمك فئة اللفظ وجرس الصوت لا 
يمنعك إن ١‏ تعلمه بلاغة ولا يدفعان عن بيان ) (1) . 


أما الدافع الثاني فيتمثشل في ترابط المصطلحين في القراث البلاغى 
وتفاعلهما إلى درجة صعب معهاأ تناول أحدهما بمعزل عن الإخدن لأن 
الكلام رغم كل الحواجز والتقسيمات والتفريعات هو حصيلة تفاعل مستويى 
المعنى والصياغة . ومن مظاهر الترابط أن كل" توسيع في مجال أحدهما لايد" 
انكو فل غواب" الحدن ..كبااسيى أن عقإن دراسة يتلق النعرلاك 
التي طرأت على هذه العلاقة منفذ لرصد ما جد في البلاغة من تطور . 

د د د 

لم نلمس قُ المساهمات السابقة سحرصا عل التيية بو ضوح 0 وذ 
المفهو ميسن ناهيك أن الحا احظط » وهو صاحب عر محاولة قُ اليلاغة 2 
دوين ضمن مفهوم أعم” هو ١‏ البيان ) فشغله السعي إلى الإحاطة بمستلزماته 
عن تحقيق القول في الفرق بينهما » ومع ذلك فقد تضمنت مؤلفاقه ولا سيما 
(البيان والتبيين) جل” العناصر التى ستعتمد في ضبط ذلك الفرق وتحديد المجال 
الذي سيخصص لكل مفهوم منهما . وقد رأينا أن للفصاحة في مؤلفاته معنيين 
يتعلّق أحدهما باللفظ والآخر بالتلفظ . فقد اشترط للإبانة أن يخلو النطق 
من الشوائب التي تعوق إخمراج الحروف من مخارجها وأن يكون اللفظ 
خالصا نقيا لا غربيا وحشيا ولا ساقطا سوقيا مخرجا على سمت قريش شبيها 
بألفاظ القرآن . 

كما اشترط فيه أن تتآ لف حروفه مفردا وأن يكون مع قرنه ني التأليف 
في غاية الملاءمة والانسجام . وبذلك يكون الجاحظ أول من سن" النظر إلى 
خصائص اللفظط مفر دا ومؤانا 5 


(1) الجر جاني » المصدر السابق » صن 86 , 


435 


أما البلاغة فإنها تتضمّن بالإضافة إلى الفصاحة جملة من الاعتبارات 
كمطايقة اللفظ المعني ومناسبة د للمقال والإباثة عن الغرض بأوجز عبارة 
وغيرها من القوانين التي استعر ضناها في فضل « الكلام ) (1). 

ولما تجاوزت البلاغة هذا الطور وظهرت الحاجة إلى تصنيف المؤلفات 
الخاصة وإحصاء ضروب المقاييس المتسببة في بلاغة القول وتبويبها والتعريف 
بها » تطرّقوا إلى موضوع الفصاخة والبلاغة وحاولوا بالاعتماد على المعطيات 
السابقة تحديد مجال كل" مصطلح وتخصيصه بميدان أسلوبي . 

ولثئن تضمنت كل" المؤلفات البلاغية معطيات متصلة بهذا المبحث فإن 
ابن سنان الخفاجي وعبد القاهر الجرجاني وبدرجة أقل العسكري كانوا من 
أبرز المهتمين به ناهيك أن الأول هو صاحب التأليف الوحيد المخصص » في 
التراث البلاغي » لدراسة مقاييس الفصاحة » وقد بناه على فكرة الفصل بين 
مجالها ومجال البلاغة . 

ولعل” العسكري أول مؤلف يترجم بجلاء عن هذا المشغل حيث بوأه 
مرتبة المدخخل إلى كتابه ( الصناعتين ) فكان الفصل الأول من بابه الأول « في 
الإبائة عن موضوع البلاغة في اللغة وما يجري معه من تصرف لفظها » والقول 
في الفصاحة وما يتشعب منه ) (2) . 

وينقسم هذا الفصل إلى قسمين واضحين : في القسم الأول يظهر الجهد 
الشخصي إذ ينطلق من دراسة لغويّة للأصلين المعنيين خاتمتها استنتاج المؤلف 
أن « الفصاحة والبلاغة ترجعان إلى معنى واحد وإِن اختلف أصلاهما » لأن 
كل" واحد منهما إنما هو الإبانة عن المعنى والإظهار له ) (3) . وي القسم 
الثاني يستعرض آراء بعض ١‏ العلماء » في المسألة وهي آراء يجمع بينها التمسك 


(1) انظر القسم المخصص للجاحظ » ص 251 - 296 . 
(2) ص 12- 15 ., 
)3( الصناعتين ء ص 13 . 


4056 


بفصل دلالة المصطلحين . وتنحصر الفصاحة قُُ 0 تمام آلة البيان ) ومن 0 
تعلقت باللفظ . أما البلاغة فهي إنهاء المعنى إلى القلب ومن ثم كانت 
« مقصورة على المعنى ) (1) . ومن شواهدهم أن الألنغ والتمتام لا سميان 
فصيحين لنقصان آلتهما وأن الببّغاء يسمّى فصيحا ولايسمى بليغا لأنه يقيم 
الحروف وليس له قصد إلى المعنى الذي يؤدايه . والإنجاز الأمشل للنص" » 
في رأيهم » هو الذي يجمع صفتي الفصاحة والبلاغة بأن يأتي « واضح المعنى : 
سهل اللفظ 3 جيند السبك 2 غير مستكره فج 3 ولا متكدف وخم ) (2). 
ومن العلماء من يشترط في الفصاحة » بالإضافة إلى تمام آلة النطق » الفخامة 
والجزالة . 

يجمع العسكري بين موقفين متقابلين » موقف تتطابق حسبه دلالة 
المصطلحين ويعتبر ميدان الدراسة الأسلوبية ميدانا واحدا تتفاعل فيه مكونات 
النص” وتتضافر لإبانة المعنى وإظهاره . وموقف يفصل أصحابه بين المصطلحين 
ويضيقون مجال الفصاحة إلى درجة أنهم اعتبروها صفة للمتكلم لا للكلام 
وتتحقّق في النص المنطوق لا المكتوب وني الأمثلة التى ساقها العسكري ما 
يدل" بوضوح على ما قلناه : ش 

« وقيل زياد الأعجم لنقصان آلة نطقه عن إقامة الحروف : وكان يعبر 
عن الحمار بالهمار » فهو أعجم 2 وشعره فصيح لتمام بيانه ) (3) . 

والغريب أن العسكري لم يشر إلى التناقص الماثل في هذه الرواية وتذبذب 
أصحابها بين أن تكون الفصاحة من خصائص التلفّظ أومن خصائص الملفوظ . 
ويبدو أن المؤلف لم يستطع فض" هذه الإشكالات وأنهى الحديث عن هذه 
(1) الصناعتين » ص 14 . 
(2) المصدر السابق » نفس الصفحة . 
(3) نفس المصدر » ص 14 . 


45 


المسألة سرعة متعللا يأنه لا يقصد من كتابه «( سلوك مذهب المتكلمين ) لذلك 
لم يطل الكلام في هذا الفصل (1) . 

وفعلا فصاحب الكتاب لم يستطع استغلال هذا المدخل استغلالا محكما 
وم يَببْن كتابه على أساسه فأجهضت المحاولة وانفصات بقية الفصول عن هذا 
المدخل . فلا هو درس البلاغة والفصاحة من زاوية متحدة متفاعلة ولا استطاع 
أن يلتزم بالفهم الضيّق . لذلك يشعر القارىء أنه يستأنف كل مرّة كلاما جديدا 
لاعلاقة له بهذه المسألة . ومن أحسن الأدلة على ذلك دراسته لثنائية اللفظ 
والمعنى فقد كنا نتتظر أن يربطها ببحثه في معنى الفصاحة والبلاغة لكنّه باشرها 
كمسألة مستقلّة ناقلا بشأنها أبرز حجج للمتقدمين لفضل اللفظ على المعنى 
وفي طليعتها رأي الجاحظ المشهور : 

قال أبو هلال وليس الشأن ني إيراد المعاني ٠‏ لأن المعاني يعرفها العربي 
والعجمي والقروي والبدوي وإنما هو في جودة اللفظ وصفائه وحسنه وبهائه 
وام وانقافة » وكثرة طلاوته ومائه مع صحة السبك والتركيب والخلوٌ من 
5 د النظم والتأليف » (2) . 

كما اعتمد على تقسيم ابن قتيبة للشعر ومنه استنتج أن الكلام يدخل في 
جملة الجيد إن كان لفظه « حلوا عذبا وسلسا سهلا ومعناه وسطا ) وهذه عنده 
من دلائل فضل اللفظ على المعنى (3) . 

ولتعويل العسكري على النقل والتقليد أهمل السياق التاريخى الحاف بمثل 
هذه الر انب ول يدوك أن شاع الوانيكد خرن الفط كان كوا ايعلة عو امل 


(1) المصدر السابق » ص 15 » ويشير العسكري بعبارة مذهب المتكلمين إلى طريقة في التأليفث 
البلاغي موسومة بالحرص على تعريف الوجوه وتقسيمها وضبطها في أبواب معلومة والاهتما 
بالدليل العقلى أكثر من الاهتمام بالنموذج الأدبى والحكم النقدي . وهي طريقة تقابل 
الطريفة الحريصة على إبراز التفاعل بين الثاقد والنص . وستشير إل الطريئّتين في الفصل 
الموالي الخاص بالمتهج . ُ 

)2( الصناعتين © ص 64 , 

(3) المصدر السابق » ص 65 , 


4038 


لعل" أهمها احنتد ام الصراع الحضاري » في عصره » بين العنصرين العربي 
والأعجمي وظهور نزعة في النقد لا يحفل أصحابها إلا بالمعاني ويرون أن المعلى 
متى كان رائعا حسنا ظل" كذلك في أي قالب صيغ . 


واعتراضه على أبي عمرو الشيباني مشهور في استحسانه قول الشاعر : 
(الرجز) 
لا تحسين لموتث موت البل فإنما الموت سؤال الرجال 
كلاهما موت ولكن” ذا أفظع من ذاك لذلك السؤال 
فقال الجاحظ « وأنا رأيت أبا عمرو الشيباني وقد بلغ من استجادته 
لهذين البيتين ونحن في المسجد يوم الجمعة أن كدف رجلا حتى أحضره دواة 
وقرطاسا حتى كتبهما له . وأنا أزعم أن صاحب هذين البيتين لا يقول شعرا 
أبدا ولولا أن أدخل ني الحكم بعض الفتك لزعمت أن ابنه لا يقول شعرا 
أبدا » (1) . 


كما أنه لم يستفد من مجهودات بعض النقاد الذين استطاعوا أن 
يَطْوّروا مبحث اللفظ والمعنى وأن برسوه على قواعد نظرية مستعينين في ذلك 
ببعض المقولات الفاسفية التي راجت في القرن الرابع كمقولة الصورة والمادة . 
وفي مقدمة هؤلاء النقاد قدامة بن جعفر » فقد دافع بشدأة عن أهمية الصياغة 
والبنية وذهب إلى أنها المميز النوعى لصناعة الشعر والأدب لأن الشعر صورة 
والمعاني مادة ولا تنقص طبيعة المادة شيثا من قدرة الصانع على صياغتها 
وإعطائها شكلا فنيا ملائما . ولذلك نراه لا يقيم بين المعاني مراتب منها ما 
يصلح للشعر ومنها ما لا يصلح واعتبرها جميعا معرّضة للشاعر والمهم” أن 
جر القاض ال اللي اللصر وب قاد له ومويكيا أشكيت نان 
الموضوعية لا تصلح معيارا للفن". فمتى تقيّدنا بحدود الصورة والشكل 





(1) الحيوان » 131/3 . 


439 


لم تعد مناقضة الشاعر دَفْسه عيبا » . ولا يمكن أن نحكم عليه إلا حكما ٠‏ 
آنيا بما قال الشاعر في لحظة الخلق لا" بما سبق أن قال ؛ فالشاعر أن ينس 
ما سبق أن قاله ولا يعد ذلك عيبا . 1 


وقد نضافرت كل هذه العوامل لتخلق لنا في الثلث الأول من القرن . 
الرابع مفهوما جديدا للنص" الأدبي لم يسبق أن رأيناه تصبح بلاغته » حسبه ٠»‏ 
رهيئة ما يتوفر فيه من مظاهر الفن الشكلي والنصوير . ففي مقدمة « جواهر 
الألفاظ » (1) يعبر عن رأبه في أحسن ن البلاغة قائلا : 

«وأحسن البلاغة الترصيع والسّجع وانساق البناء. واعتدال :الوزن 
واشتقاق لفظ من لفظ وعكس ما نظم من بناء » وتلخيص: العبارة بألفاظ 
مستعارة وإيراد الأقسام موفورة بالتمام وتصحيح المقاتلة بمعان. متعادلة 
وصحة التقسيم باتفاق النظوم وتلخيص الأوصاف بنفي الخلاف والبالغة 
في الرصف وتكافؤ المعاتي في المقابلة والتوازني و إرداف اللواحق وتمثيل المغاني ١‏ , 

فالبون شاسع بين هذا المفهوم وقائمة المفاهيم التي رأيناها عند الجاحظ " 
مثلا حيث كان الاهتمام موجها أساسا إلى علاقة القارىء بالسامع. وتحقيق . 
الفهم والإفهام . وهذا .متحى في التقدير مختلف » فيه الإلحاح على الرسالة . 

ذاتها وما يجب أن يتوفّر فيها في مستوى الإيقاع الشكلي وني علاقة هذا 
الشكل بمحتواه والمقتضيات المنطقية التي يجب أن يخضع لها هذا المحتوى 
وهنا كن رايا ل نذعن قدانة عدا وهاو ملعن خرن اتات 
تمام التماسك » فلا بد" أن نعترف له بفضل التقدم بقضية اللفظ والمعنى 
خطوة نظرية هامة مؤسسة على معطيات ثابتة أهم ما فيها أنه من القلائل الذين 
وضعوا الشكل وضعا ضحيحا يقابل تقريبا ما نسميه نحن اليوم الشكل 
والمضمون . 


(1) انظر : جواهر الألفاظ » مكتبة الخانجي ٠‏ القاهرة 01350/1932» ص 3 . 


440 


عكري اده هذا فبقيت مقارنته بين الفصاحة والبلاغة 
مقارنة ؛ فرعية هامشية هي باب من جملة أبواب احتواها كتابه لا إطارا منهجيا 
يمكن أن تدرج فيه جملة القضايا . وهذا ما سيحاول الخفاجي ف قٍِ 
النصف الأول من القرن الخامس ش 


د عد علد 


«وسرّ الفصاحة » هو أكمل محاولة في التراث البلاغي لضبط مقاييس' 
الفصاحة وأنصع شهادة عن المآزق التي وقع فيها علماء البلاغة نتيجة فصلهم. 
بين الألفاظ والمعاني وإرادة الانتصار لهذا الشق أو ذاك »كما يجمع الكتاب » 
بوضوح » كل السلبيات التي دبت إلى ياد كامل في التأليف بالغ أصحابه 
تقصد ا إما تعليم 5 ذاتها أو كيفيات الاستدلال :عل وجودها . 
يقول الخفاجي معرفا بغايات كتابه : 

«وكانت منزلة الكتاب من لا يعرف البلاغة وطلاوة الكلام منزلة . 
دالعروض لن لا ذوق له دميز به بين صحبح النظم وفاسده (....) فأما من 
أيفرق بين الكلام المختار وغيره (.....) فإذا عرف ما بينته وفصلته في هذا 
الكتاب علّل واستدل وذكر الوجوه والأسباب» (1) . 

وأول إشكال يطرحه التأليف هو التضارب الجلي بين حديئه عن 
فائدة الفصاحة في مطلع الكتاب وطريقته في تحديد الفرق بينها وبين البلاغة . 

يقول في المطلع : «أما العلوم الأدبية » فالأمر في تأثير هذا العلم فيها 
واضح. لأن الريدة منها والنكتة » نظم الكلام على اختلاف تأليفه » ونقده 
ومعرفة ما يختار منه مما يكره . وكلا الأمرين متعلق بالفصاحة » بل هو 








6 سر الفصاحة » ص 88- 89 . 


441 


مقصور على المعرفة بها . فلا غنى للمنتحل الأدب عما نوضحه ونشرحه في 
هذا الباب ) (1) . 

أما الفرق بين الفصاحة والبلاغة فتمد حدده بقوله : «والفرق بن 
الفصاحة والبلاغة أنه التمانظة اقضورة عل توفت الألفاظ هن والباحغة 
لا تكون إلا وصفا للألفاظ مع المعاني . لا يقال في كلمة واحدة لا تدل” 
على معنى يفضل عن مثلها بليغه » وإن قيل فيها إنها فصيحة » وكل كلام 
بليغ قصيح وليس كل فصبح بليغا » كالذي يقع فيه الإسهاب في غير 
موضعه ) (2) . 

ومضمون النصين لا ينسجم إلا بأحد الاعتبارات الآثية : 

فإما أنه لا يعترف بأيّة مزية لوصف الألفاظ مع المعاني - وهو 
هيدان البلاغة في رأيه ‏ فتبقى المزية مقتصرة على اللفظ وحده وإذذاك لا نرى 
فائدة من البحث عن العلاقة بين الفصاحة والبلاغة ولا معنى لقوله كلام 
بليغ وأن الفصاحة شطر البلاغة . 

أو أن يكون هناك بعض التجاوز في الاستعمال فأطلق الفصاحة 
في النص الأول على ما تدل عليه الضاعة والنالاقة مها :وهو له متيل فى 
كتاب يروم من ورائه صاحبه أن يقدم تأليفا متكاملا ونموذجا يحتذى ٠‏ 

والإمكانية الثالثة هي أن يكون مفهوم الفصاحة عنده واسعا بحيث 
يشمل خصائص اللفظ وخصائص الكلام . وإذذاك يصبح الفصل الذي 
أقامه بين الميدانين مصطنعا أو أنه لم يستطع الالتزام به لتداخل الميدانين وصعوية 
الفصل بينهما . 

ولا يتسنى معرفة أقرب الاعتبارات إلى الصواب إلا بعد استعراض 
شروط الفصاحة كما تبلورت في هذا المؤلف . 
(1) سر الفصاحة » ص 4-3. 
(2) المصدر السابق » ص 55 - 56 . 


402 


1- شروط اللفظ المفسرد . 


يفتئح قائمة الشروط بمقدمة (1) فيها صدى تفكير قدامة ومنهج الجاحظ . 
أما صدى قدامة فيبدو في قوله بوجود طرفين متقاباين الأول لا مزيد على 
فصاحته والثاني مطرح مذموم » وأن موقع الألفاظ من الطرفين بحسب ما 
يتوفر فيها من الشروط وهي الفكرة التي بنى عليها قدامة تقسيمه الثلاثي 
للشعر (2) . 


وتأثره بمنهج الجاحظ جلي في تقسيمه الشروط إلى مين « الأول 
منهما يوجد قُ اللفظة الواحدة على انفرادها من غير أن ينضم إليها شي ء 

ن الألفاظ وتؤلف معه والقسم الثاني يوجد قُ الأافاظ المنظومة بعضها مع 
بعض ) (3) . 

وشروط اللفظة الواحدة ثمانية هي : «أن يكون تأليف تلك اللفظة من 
ل ا ال ل ا 
على غيرها وإن تساوتا في التأليف من الحروف التباعدة »  )5(‏ ( أن تكون 
الكلمة كما قال أبو عثمان الجاحظ غير متوعرة وحشية ) (06) - «أن تكون 
الكلمة غير ساقطة عامية كما قال أبو عثمان أيضا » (7) - ١‏ أن تكون الكلمة 
جارية على العرف العربي الصحيح غير شاردة ) (8) - «أن لا تكون الكلمة 
قد عبر بها عن أمر آخر يكره ذكره » فإذا أوردت » وهى غير مقصود بها 
(1) سر الفصاحة » 60-55 , 
(2) انظر : نقد الشعر » ص 4-3 , 


(3) سر الفصاحة » ص 60 . 
(4) المصدر السابق » نفس الصفحة , 


(5) م 0 ص 61 , 
(6") م «9 د ص 63., 
(27) م ص 69., 
 )3(‏ («م 9 ص72 . 


445 


ذلك المعنى » قبحت وإن كملت فيها الصفات التي بيناها » ١  )1(‏ أن تكون 
الكلمة معتدلة غير كثيرة الحروف »  )2(‏ « أن تكون الكلمة مصغرة في 
موضع عبر بها فيه عن شيء لطيف أو خفي أو قليل أو ما يجري مجرى 
ذلك ) (3) . 

وأغلب هذه المقاييس التى تدور إجمالا على إيقاع اللفظة » وتعادل بنيتها ) 
وملاءمتها لمقابيس الاستعمال » معروفة أشار إليها اللغويون وعلماء البلاغة 
المتقدمون رغم ادعاء صاحبها أنه ول يرجع فيها إلى كتاب مؤلف ولا قول 
يروى ) (4) . 

وهى من مستوبيات معختلفة » فبعضها يحيل على معطيات مضبوطة 
حصل بشأنها شبه إجماع » كاشتراطه أن تكون الكلمة جارية على العرف 
العربى غير شاذة » وبعضها الآخر إما نسبي يمكن أن يختلف في تقديره 
الناس - الشرط الثانى ‏ أو في غير محله إذ لا دخل للفظ فيه -- الشرط 
الثامن ‏ 

وقد تعرض ضياء الدين ابن الأثير في «المثل السائر » لهذه المقاييس 
بالنقد والانتقاد » ولعله من المفيد أن نورد بعض مواقفه لأنها تدل” على 
حركية التفكير البلاغي وحيويّته بحكم أن هذه المقاييس لم تستقر استقرارأ 
نهائيا إلى بداية القرن السابع هجريا » وتكشف عن ارتباطها بمنطلقات 
مبدئية تؤثر في صياغتها تأثيرا عميقا . 

فقد ناقشه ني الشرط السادس والسابع لأن الأخذ بهما كما جاءا يؤدي 
إلى الطعن في القرآن . والفرق بين موقف الرجلين واضح . فاين سنان 


(1) سر الفصاحة » ص 78 . 

(2) المصدر السابق » ص 80 ., 
 )3(‏ «م ص 82. 
(4) «م 0 ص 85 . 


444 


الخفاجي قد فض" مشكلة الإعجاز بالصرفة (1) » ذلك فهو يتصرف ني 
المقاييس اللغوية بأكثر حرية من ابن الأثير الذي يضطره موقفه إلى الاحتراز 
من كل مامن شأنه أن يمس بلاغة القرآن وفصاحته » ولذلك فإن أدنى 
شبهة يمكن أن يؤدي إليها المقياس لا بد أن ترفع بالتأويل : 
ففي حين يترك الخفاجي المقياس السادس عاما غير مقيد وهو « ألا تكون 
الكلمة قد عبر بها عن أمر آخر يكره ذكره فإذا أوردت » وهى غير 
مقصود بها ذلك المعنى » قبحت وإن كملت فيها الصفات كقول الشاعر : / الوافر/ 
وكم من غائط من دون سلمى قليل الأنمن ليس له كتيع ,2( 
فقد أراد الشاعر بالغائط البطن من الأرض إلا أن يستعمل في الحدث 
عن ذلك الأصل »في حين يتركه الخفاجى عاما يضطر ابن الأثير إلى تدقيقه 
بإضافة قوله « وذلك إذا كانت مهملة بغير قرينة تميز معناها عن القبح ) (3). 
والسبب في ذلك أن القرآن استعمل هذا النوع من المشترك كما ني 
الآبة «فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه 
أو انك هم المفلحون ) «4) . 
وهما معنيان ضدان فحيث وردت في هذه الآية جاء معها قرائن من قبلها 
أما المقياس السابع وهو المتعلق بعدد حروف الكلمة فإن ابن الأثير 
يخطته أصلا ؛ وينطلق من شاهد من شواهد ابن سنان وهوقول المتنبي /الكامل/ 
(1) سر الفصاحة » ص 92 93 , 
(2) المصدر السابق » ص 79-78 . 
(3) المثل السائر » القسم الأول ».ص- 261 . 
(©) الأعراف / 157 .. 
(5) المثل السائر » ص 261 , 


445 


وهو لا يرى رأيه في أن قبحها من كثرة حروفها وإنما من قبح جمعها حتى 
أنك لوحذفت منها الألف و١‏ الهاء ) وهو العوض عن الإضافة لم تحسن الكلمة. 

وفي القرآن ألفاظ أطول منها وهي مع ذلك حسنة كقوله تعالى : 
(فسيكفيكهم الله ) (1) و ( ليستخلفنهم في الأرض») (2) . 

ولذلك رام ابن الأثير صياغة المقياس بطريقة أخرى تنزه القرآن عن 
كل" الشبهات ووجد ني قضية الأصول » على مذهب النحاة وأهل التصريف » 
مبتغاه فر بيط الحسن بالأصول الثلاثية وبعض الأصول الرباعية في حين استة 
ما ورد على أصل خماسي 5 ( جحمرش ) و« صهصلق ») ولهذا لا يوجد 
القرآن من الخماسي إلا ما كان اسم نبي عرب اسمه» (3) . 


مح 
ني 


وي هذه الأمثلة دليل على أهمية القرآن في تغذية البحوث البلاغية 
والمناقشات التى دارت بين العلماء كما يدل أيضا على أن مقاييس الفصاحة 
والبلاغة كانت دائما مشدودة إلى هذا الأصل خادمة له موظفة للشهادة له 
بالحسن والكمال 

كما تطرق بالتقد إلى بقية المقاييس من وجهة غير دينية فيها شيء من 
اللغة وشيء من الذوق الشخصي والفطنة إلى مواضع الزلل. فهو يرفض أن 
يكون الشرطان الخامس والثامن من أدلة فصاحة اللفظ . فجريان اللفظة على 
العرف العربي «فليس ذلك مما يوجب لها حسنا وقبحا ء وإنما يقدح في 
معرفة مستعملها بما ينقله من الألفاظ فكيف يعد ذلك من جملة الأوصاف 
ا حسنة ) (4) . ش 


(1) البقرة/137 . 

(2) النور/55 . 

(3) المثل السائر » ص 266 . 
(4) المصدر السابق » ص 227 . 


446 


وقد تنبه ابن الآثير في هذا النقد إلى أن تطبيق هذا المقياس يعطل التفاضل 
بين أفراد اللغة لأن أكثر ما يجري منها بين الناس ولا سيما الأدباء هي ألفاظ 
رتبها اللغويون في قسم ما يستجيب لمقاييس اللغة . فالحرص على العرف قد 
يصاح للغوي الذي يقنن اللغة أما ني البلاغة فلا نعتد” به لأن الكلمات لا تتفاضل 
من حيث كونها تستجيب لقوانين الفصاحة اللغوية وإنما لكونها تتضمن 
شروطا زائدة على ذلك . 

كما يفرق ابن الأثير بين الخصائص الذائية في اللفظة وبين ما يعرض 
ف السياق من جهة المتكلم ٠‏ ولذلك لا يعتبر جهل المتكلم بمواضعات اللغة 
مقياسا يطبق على اللغة لأن لهذه وجودا منفصلا عن وجوده . وهو الأمر 
الذي وقع فيه هن اعتبروا الفصاحة آلة البيان فالتلفظ حدث طارىء على 
اللفظ ولا يمكن اعتباره بتلك الصفة إلا إذا فهمنا اللفظ ني المعنى اللغوي 
الأصلي بمعنى النطق . وفعلا فإن تعدد معاني اللفظ في العربية كان سببا في 
كثير 7 اللبس الذي اكتنف مبحث اللفظ' والمعنى قديما وحديثا وسنرى 
بعض تلك الالتباسات عند حديثنا عن مفهوم الفصاحة عند الجرجاني ' 

أما تصغير اللفظ طبقا لما يقنضيه المعنى » وهو الشرط الثامن » فهو 
أمر يستدعيه المعنى أولا ثم" إنه أمر اختياري ثانيا لا حاجة إلى إدراجه ضمن 
القوانين العامة لآن معاني التصغير ليست «من الأشياء الغامضة التى يفتقر 
إلى التنبيه عليها» (00 . ْ 

كما انتية' ابن الآثيز إل تروط الحقاجي: في المقباين الأول وين إلى أن 
في اللغة من الأسرار ما لا تستطيع حمله اللاي الصارمة الجافة . 

فلئن كان 5 اللغة ( مستعملا على غير مكروه) (2) دائرا على تباعد 
المخارج فقد شذ عن هذه القاعدة شواذ كثيرة تجد لها حسنا رائقا كما أنه 


(1) المثل السائر » ص 227 . 
(2) المصدر السابق » ص 223 , 


44 


ورد من المتباعد الحروف شيء قبيح أيضا و ( ملع » بمعنى عدا هي أبعد ما 
تكون مخارج ففاؤها من الشفتين وعينها من وسط اللسان وعينها من الحلق 
وهي 2 ذلك ثقيلة مستكرهة 71 


ومن عجائب اللغة أنك متى بدلت قرتيب الحروف صارت ( علم » وعند 
ذلك « تكون حسنة لا مزيد على حسنها ») (1) . 

ويتعجب ابن الأثير من انقلاب القبح حسنا والمخارج لم تتغير فلا بد 
أن يكون هناك سرّ وراء مخارج الحروف لا يفسره كون إنخراج الحروف من 
الحلق إلى الشفتين أيسر من إدخالها من الشفة إلى الحاق لأن في الكلمات ما يكون 
حسنا مليحا في الاتجاه أو في الآخر (2) . 


وفعلا فالخفاجي جعل من مخارج الحروف مسألة خلافية ودخل في 
خصام مع الرَمّاني ليس خالصها للعلم » في رأينا » ورد رأيه » وبالاستتباع 
أي الخليل في تفسير التنافر بأنه يقع بقرب المخارج أو تباعدها » وانتهى إلى 
أن الثنأن في تباعدها لا اعتدالها واستشهد لذلك ببعض فواتح السورك « ألم ) 
وبعض أدوات الريط كرأ أم ) ) و(أو) وهي حجج غير مقنعة لأننا لا نرى 
لهذه الأدوات فصاحة وحسنا تفضل به سائر اللغة كما أننا لا نعرف مفسرا 
واحدا ركز تحليله للفوائح على فصاحتها . 


وتعتقد أن تورط الخفاجي يرجع إلى أنه لم يصع هذا المقياس صياغة 
عامة كما فعل أسلافه كالخليل والجاحظ فهؤلاء تحدثوا عن ظاهرة الآ لف 

بين الحروف وعدم التنافر اوساوازا ليزوا لقائون يقي الاتدا هيما القت 
الطاكير واصين أن افاي صاغ من التفسير قانونا ومن ثم أمكن الاعتراض 
علس : : 


(1) المثل السائر » ص 225 . 
(2) المصدر السابق » ص 225 . 


448 


2 شروط التأليف : 


قُ مطلع هذا القسم الثاني مقدمة نظرية فيها نزعة واضحة إلى التمنطق 
واستغلال بعض الأصول الفلسفية البسيطة التي أصبحت رائجة في الأوساط 
الفكرية العربية في ذلك الوقت . وهي تقوم على قياس صناعة الكلام على أصول 
بقية الصناعات اتحديد موضوعها . فالحكماء ذهبوا إلى أن كمال الصناعات 
مكسرة أقياء هي الموضوع » والصانع » والصورة » والآلة » والغرض . 
فالخشب مثلا هو موضوع صناعة النجارة والنجار هو الصانع والصورة هي 
التربيع المخصوص إن كان المصنوع كرسيا » والالة هي الميشار والقدوم ؛ 
والغرض هو ما من أجله رتب المصنوع كالجلوس . 

والاختلاف في صناعة الكلام واقع في الأصل الأول دون الأربعة الأخرى . 
فمن العلماء من ذهب إلى أن المعاني هي موضوع هذه الصناعة في حين ذهب 
خرون إلى أن موضوعها اللغة ذاتها . وهوالموقف الذي يتبتاه المؤلف ويدافع 
عنه ا للألفاظ في رأيه » من تأثير بين في الحسن والقبح . 

واضطر المؤلف ٠‏ بحثا عن التكامل والانسجام بين هذا الموقف النظري 
العام وشروط اللفظ المفرد » إلى دحض الرأي القائل بأن قدرة الصانع بالصورة 
لا بالموضوع فالذي يصنع كرسيًا على هيأة مليحة من خشب رديء لا تنقص” 
رداءة المادة من قيمة صناعته . 

ورأيه أن للمادأة تأثيرا في ذات الصورة وناظم الكلام يحاسب على جودة 
المادة لآنه قادر على اخختيار موضوعه لذلك لا عذر له في أن لا تكون في غاية 
الجودة . وبناء على كل ما تقدام يعرف الفصاحة تعريفا يجمع إلى شروط 


الإفراد شروط التأليف وهو : « الفصاحة عبارة عن حسن التأليف ف ا موضوع 
المختار ) (1) . 


(1) سر الفصاحة » ص 88 . 


449 


وبداية من هذه النقطة سيتشعب التقسيم وتتداخل المسائل إلى حد 
التناقض» ويفلت زمام الأمور من يد المؤلف » وتتضح صعوبة بناء تأليف كامل 
على أساس التمبيز بين الفصاحة والبلاغة أو اللفظ والمعنى . 
وشروط التأليف قسمان : قسم يتفق مع شروط اللفظة المفردة وقسم 
لا يظهر إلا" بضم الكلمات في السياق . 
نذكر من القسم الأول اجتناب تكرّر الحروف المتقاربة وهو أوضح في 
الأليف لاستمرار التكرار فيه أكثر من استمراره في اللفظة . وقد استطرد 
الخفاجي إلى ذكر أوجه التكرار المستقبحة مشفوعة بشواهد كثيرة أغلبها من 
الشعر . والناظر في هذه الشواهد يلاحظ أن نزعة التقنين المسيطرة على الكتاب 
أوقعت المؤلف فيما وقع فيه اللغويون ار لتقنين اللغة » فكانوا 
يضعون القاعدة أو القانون أحيانا من أجل صيغ شاذةة وشواهد غريبة لعلها 
لا وجود لها إلا" في مؤلفاتهم . كذلك الشأن هنا » فالشواهد غريبة لا نشك 
في أن الرجل بذل جهدا كبيرا للعثور عليها وربّما اختلاقها . فالكثير منها غير 
منسوب وححتّى ما وقعت نسبته إلى شعراء معروفين فهو بيت ملتقط من بين 
آلاف الأبيات من الشعر الجيئّد . وني كلتا الحالتين نشعر أن همّه ‏ وريما هم 
فريق كبير من البلاغيين - لا يختلف عن هم ” الئحاة : فهم لا يعلمون كيف 
يجب أن اك الوسر كي ايت تجتبه . وإلا فكم من 
بيت في الشعر العربي على نمط قول أحدهم (مجهول) : (بسيط) 
كنت كنت كتمت الحب كنت كما 
كنا نكون ولكن ذاك لم يك كن 01 
وكم لأبي الطيب من بيت منسوج على منوال قوله د 
ولا الضعف حتى يبلغ الضعف ضعفه 
ولا ضعف ضعف الضعف بل مثله ألف 


5 


)0 سر الفصاحة 2 ص 0 , 


400 


ثم الي طريقة الاستشهاد بالبيت الواحد مفصول عن سياقه سببا في تضخيم 
صورة القبح وهل كنا نقف من البيت نفس الموقف لو قرأناه في غضون 
القصيدة كاملة ؟ 

كما يلاحظ دارس هذه الشواهد » أمرا يكاد بناقض ما سبق أن ذكر » 
وهو وجود لفتات نقديّة طريفة تدل على بعض العمقى في ربط الأدب 
بملاسات إنجازه مما يكسب اللمقياس مرونة ويخفّف من صرامة الأحكام 
فيغدو المستقبح مقبولا . ولذلك سمح بالتكرار في حالتين  :‏ إذا كان المعنى 
لا يتم إلا به كقول اللمتنبي : (طويل) 
وأنت أبو الهيجا بن حمدان يابنه 2 تشابه مولود كريم ووالد 
حمدان حمدون وحمدون حارث وحارث لقمان ولقمان راشد 
١‏ فليس هذا التكرار عندي قبيحا لآن المعنى المقصود لا يتم إلا" به وقد اتفق 
له أن ذ كر أجداد الممدوح على نسق واحد من غير حشو ولا تكدّف لأن” أبا 
الهييجاء هو عبك الله ابن حمدان بن حمدون بن الحارث بن لقمان بن 
راشد » (1) . وسوق لنفس الشاعر مثالا آخمر - يتخخص منه إلى وضع قاعدة 
عامة في التكرار : ( فمتى وجدت المعنى عليه ولا يتم إلا به لم يحكم: بقبحه 2 
وما خلف ذلك قضيت عليه بالاطراح ونسبته إلى سوء الصناعة » (2) . 

أما الخالة الثانية فأطرف من الأولى لأنها تربط بين بنية النص” اللغوية 
وروح الكاتب ويصبح التكرار علامة تكشف عن «هوس ») 0 داحل 
الشاعر واتباعه في النص نوعا من التفريج عن النفس والتلذةذ الخيالي . فقد 
روى الخفاجي أن أستاذه المعري ذكر - يوما ‏ قول الشاعر : (طويل) 
ألا طرقنا هيما مجعو مدن وقد شرن تسا واتلات“ ينا تجد 
الاكدذا هننة وأزمن يهنا تين وهند أتى من دونها التأي والبعد 


(1) سر الفصاحة » ص 95 . 
(2) المصدر السايق © ص 


ل 


,. 96 ©» 5 


461 


وقال « من حبّه لهذه المرأة لم ير تكرير اسمها عيبا ولأنه يجد للتلفظ باسمها 
حلاوة ) )0غ( : 


ومن الشروط المشتركة الشرطان الخامس والسادس وهما أن تكون الكلمة 
جارية على العرف العربسي الصّحيح وألا” يقصد بها معنى غير ما تواتر عليه 
استعمالها . وهنا يبدو الاختلاط وتبرز الصعوبات الناجمة عن القسمة الثنائية . 
. فالشرط السادس لا يمكن أن يوجد إلا" بورود الكلمة في سياق معن نفهم 
منه أنها لم تستعمل على العادة ولذلك فاعتبار ذلك من شروط اللفظ المفرد هو 
000 التداخل وقد اعترف المؤلف نفسه بذلك إذ قال : ١‏ فالتأليف فيه 
فكلمة ( المقاعد » في بيت الشريف الرضي : «(الكامل) 

اعزز علي بأن أراك وقد حلت من جانبيك مقاعد العواد 
ليست قبيحة في ذاتها وإنما من إضافتها إلى من يحتمل إضافتها إليهم وهم 
العاد ثم إن الشاعر لو أخخرجها مخرج الاستعارة كأن يقول مقاعد الجبال 
لكان الأمر أسهل وأيسر ) (3) . 

وكذلك الشأن في الشرط الخامس ولاسيّما أن المعنى الغالب على «العوف) 
في رأي الخفاجي هو الإعراب بالدرجة الأولى (4) . وإعراب الكلمة تبع 
لتأليفها في الكلام لأننا لا نتصوّر لها حركة إلا" مناسبة لمحلها من الجملة . 

أما بقية الشروط فلا علقة للتأليف بها . 

بعد هذا القسم الأول ينتقل المؤلف إلى الشروط الخاصة بالتأليف . وقد 
حاول في البداية أن يباشرها مباشرة تأليفية بضم" عدد من المسائل إلى أصل عام” 
)00 سر الفصاحة » ص 95 96, 
(2) المصدر السابق » ص 102 . 
)3( نفس الاصدر ص 02 . 
(4) انظر في ذلك المصدر السابق » ص 100 و102 . 


4022 


إل أنه عدل عن ذلك لسبب غير واضح 2 وأصبح ستعرض الشروط بصفة 
منفردة » تجعل الإلمام بتخطيط الكتاب غير ميسور . 


والأصل الكبير الأول والوحيد هو : «وضع الألفاظ موضعها حقيقة 
أو مجازا لا ينكره الاستعمال ولا يبعد فيه » (1) وهو مقياس فضفاض دخلت 
فيه أهم قضايا التركيب والدلالة التى كانت مور المؤلفات البلاغية السابقة. 
كالتقديم والتأخير 6 والقلب » وحصسن الاستعمارة 4 والكشو 4 والمعاظلة 
وتجتّب ألفاظ المدح في الذم” وألفاظ المتكلمين والنحويين ومن إليهم (2) . 

أما الشروط المنفصلة فهي المناسبة بين الألفاظ وهي عنده نوعان نوع 
من طريق الصيغة كالسجع والازدواج والمجانئس ونوع 0 طريق المعنى 
كالمطابق والمخالف 32( والإيجاز والاختصار 4( 5 ووضوح معنى الكلام 
وجلائه حتى لا يحتاج إلى فكر في استخراجه (5) والإرداف والتتبيع 
والتمثيل (6) ويختم مقاييس الافظ بنص” نورده على طوله لأننا سننطاق منه 
في التعليق . 


( فهذا منتهى ما نقوله ني الألفاظ بانفرادها واشتراكها مع المعاني » ومن 
وقف عليه عرف حقيقة الفصاحة ومائيتها » وعلم أسرارها وعللها فأما الكلام 


على المعاني بانفرادها » فقد قدمنا القول بأن البلاغة عبارة عن حسن الألفاظ 


دالمعاني » وأن كل كلام بليغ لابد” أن يكون فصيحا ء وليس كل فصيح 
بليغا إذ كانت البلاغة تشتمل على الفصاحة وزيادة لتعلق البلاغة مع الألفاظ 
بالمعانى 1 


(1) سر الفصاحة » ص 103 . 

(2) انار تفاصيل هذه المسائل في المصدر السابق » ص 103 - 162 , 
١ق‏ "الول اسايق 6س 12اوما بعدها : 

(4) المصدر السابق » ص 194 . 

(5) المصدر السابق » 209 . 

(6) المصدر السابق » ص 218 --221 ,. 


4533 


فإذا كان قد مضى الكلام ني الألفاظ على الانفراد والاشتراك ؛ فلنذكر 
الآن الكلام على المعاني مفردة من الألفاظ » ليكون هذا الكتاب كافيا ني العلم 
بحقيقة البلاغة واللفصاحة . فإنهما وإن تميزا من الوجه الذي ذكرته فهما عند 
أكثر الناس شىء واحد . ولا يكاد يفرق بينهما إلا القليل والله يمن بالمعونة 


والتسددد برحمته ) (1) . 


يلخص هذا النص » بما فيه الكفاية » تذبذب الخفاجبي واشتباه الطرق 
أمامه وشعوره بالمضايق التي نتجت من تقيده بفاصل شككلي بين الفصاحة 
والبلاغة أو إن شئنا من مبالغته في توسيع يجان الوك على حساب الثانية . ففي 
الفنقرة الأولى يذكر أن ما حلله متعدى بالألفاظ بانفرادها واشتراكها مع 
المعاني » وبمقارنة هذا بالفقرة التي ذكر فيها الفرق بين الفصاحة والبلاغة 
حيث يقول : ١‏ والبلاغة لا تكون إلا وصفا للألفاظ مع المعاني ) (2) نستنتج 
أن ما ذكر في شروط التأليف هو من مجال البلاغة . لكن المؤلف يضيف بعد 
ذلك مباشرة ما يصد” عن الفهم : ١‏ ومن وقف على هذا عرف حقيقة الفصاحة 
ومائيتها ) ثم يضيف ما يفهم منه أن البلاغة لا تتم إلا بالقسم المتبقي من الكتاب 
وهو الكلام على المعاني مفردة من الألفاظ » بغية أن يكون الكتاب ( كافيا 
قُ العلم بحقيقة البلاغة والفصاحة » . ويختم الفقرة بشيء مسن التراجع 
والاحتراز فيقرر أنهما عند أكثر الناس شيء واحد . 

والناظر في القسم المخصص لشروط التأليف يلاحظ هذا التذبذب على 
مستوى العبارة . فكثير من الشروط بلأها بقوله : ١‏ ومن شروط الفصاحة 
والبلاغة » (3) بينما المفروض أن تكون لشروط الفصاحة بالتأليف » وإقراره 
في أول الكتاب أن الكلام على المقصود « وهو الفصاحة غير متميز إلا في الموضع 
الذي يجب بيانه من الفرق بينهما على ما قدمت ذكره » فأما ما سوى ذلك 
(1) سر الفصاحة » ص 292 . 


(2) المصدر السابق » ص 55- 56 . 
(3) المصدر السابق » 209 » 218 » 221 , 


454 


فعام لا يختص وخليط لا ينقسم » (1) . هذا الإقرار لا يكفي لرفع الالتباس 
من جهتين : أولا لأنه أصر على ضرورة بيان الفرق بينهما وشروط التأليف 
عنده وجه من وجوه ذلك الفرق ٠‏ وثانيا أننا إن قبلنا أن المواضع الني ذكرت 
هي فعلا مشتركة بين الفصاحة والبلاغة فلماذا لم تدرج وجوه أخرى تعلقها 
بالمعتى اق تف الدوعفة أو أكثر فى تظاق هذا اللتشوله إذ عيبن الف 
بما لا يدعو مجالا للشك ني أنها من شروط الفصاحة والفصاحة وحدها . 


فما الفرق بين الإرداف و التتبيع والتمثيل 6 وفي من شروط الفصاحة 
والبلاغة عنده » والاستعارة التي ذكر صراحة أنها من باب وضع اللفظ في 
موضعه » وحتى إن اعترض علينا بأن مذهبه في الاستعارة القول بالنقل والنقل 
يجري على اللفظ فإننا نسأل عن السبب الذي جعله يعد الطباق » وهو ألصق 
الوجوه البلاغية بالمعنى » من خصائص الماسبة بين الألفاظ ولا سيما أنه ذكر 
أنها مناسبة نتم" من طريق المعنى (2) . 

ولا تقف مظاهر التردد والالتباس عند حدود ما ذكرنا . فهناك نصوص 
أخرى أخطر في الدلالة على التناقض » فليس من السهل أن نوفق بين البالغة 
في تقدير اللفظ التي يتأسس عليها كل الكتاب وبين هذه الفقرة التي تنزل باللفظ 
إلى مرتبة الوسائل الخادمة للمعاني والطرق الموصلة إليها مما يجعل فضلها رهين 
الكيفية التي تخدم بها ذلك المعنى وتوصل إليه . 


« إن الألفاظ غير مقصودة ني أنفسها وإنما المقصود هو المعانى والأغراض 
التي احتيج إلى العبارة عنها بالكلام » فصار الكلام بمنزلة الطريق إلى المعاني 
التي هي مقصودة ) (3) . 
(1) سر الفصاحة ») ص 57 . 
(2) المصدر السابق » ص 162 . 


)6 المصدر السابق » ص 203 , 


405 


وهذا الموقط النظري ينطبق على كثير من المسائل الواردة في الكتاب . 
نذكر منها مثلا حديئه عن الحشو » فالمصطلح نفسه نابع من مقياس معنوي 
لا شك” فيه لأن الذي يتقرر به أن إثبات الكلمة وحذفها سواء أو «أن تؤثر 
في الكلام نقصا وني المعنى فسادا ) أو أن تفيد فائدة ممتازة يزداد بها الكلام 
حسنا وطلاوة ») (1) إنما هو المعنى ولا دنعل لذات اللفظة في ذلك يدل على ذلك 
يد الخفاجي في التعبير وذكره مصطلحي ( المعنى ) و« الغائدة ) . ورده 

على أبي هاشم الجبائي لخلطه بين جيد الحشو ورديئه مبني على أصول معنوية 


واضحة ,2( : 


واتمكن أن تشوق أمثلة: كبرة إذ أتى المؤلف :وهو ستعرض شروط 
الفصاحة بالتأليف على أهم المسائل الموجودة في كتب البلاغة ونقد الشعر 

فما دفم الخفاجي إلى توسيع مفهوم الفصاحة إلى هذا الحد ؟ 

تعتقد أن المعنى الذي بنى عليه تصوره لمسألة الفصاحة سبب من الأسباب 
المهمّة . فقد فهمها بمعنى الإبانة والإظهار » وقد رأينا أن" العسكري طابق » 
لما ذكر هذا المعنى » بينها وبين لبلاغة ؛ ولعله لهذا السبب أعرض عن بناء كتابه 
على هذه الثنائية آم 0 فبقي متشيثا بالفرق ٠‏ وفهم الجذر ( قصح ( 
بهذه الكيفية يفسر ظاهرتين بارزتين في الكتاب . فمن ناحية » انضواء الوجوه 
لكي مكلف اناما القت والذلالة واححاتيق ع تفق لواف الففاجة 
بحكم أن اللغة حقيقة كانت أو مجازا كناية أو تصريحا موضوعة للإبانة عن 
المقاصد ولا سيما أن الفن اللغوي ارتبط منذ عهد مبكر بقضية الفهم والإفهام 
إحدى دعائم التفكير البلاغي التي بناها الجاحظ ‏ ومن ثم كان كل ما له 
علقة ببيان المعنى وإظهاره فصاحة . ومن ناحية ثانية ؛ ونتيجة لهذا الموقف » 
تمسّك الخفاجي في كل المسائل التي عرضها بالوضوح وجعل المعنى في 





1( صر الفصاحة : ص 169 . 
 )2(‏ ١م‏ ةو ص 141. 


456 


صدارة المقاييس التي تقيم على أساسها الأساليب ويحكم في شأنها بالقبول أو 
الاطراح. وبلغفت هذه التزرعة أوجها » عنده ء في فصله بين فهم الأدب 
وتمثله وقوني العأامل والفكر )1( 5 و سنشير قُ الفصل الأخير من هذا العمل 
إلى دور الخفاجي في ترسيخ النظرة النفعية المعنوية للفن' وهي النظرة التي نحت 
الجاحظ معالمها الرئيسية . 

أما السبب الثاني الذي دفع به في هذه المضايق فهو . في رأينا شدة إعجابه 
بشدامة ل جعفر »© والرغية قُ تصنيف كتاب قُ الفصاحة على منوال كتايه 2 
( نقد الشعر ) » والالتزام بمقولاته التزاما شكليا أدى إلى فهم الأمور فهما ضيدا 
ظهرت آثاره في تشعب أقسام الكتاب وكثرتها وي صعوبة الالتزام بالفرق 
الذي قرره بين الفصاحة والبلاغة . ولا نبالغ إن قلنا إن الخفاجي ضحية من 
ضحايا مهي قلامة قُ التأليف : 

ووجوه الشبه بين المؤلّفين كثيرة : فهما متشابهان في دوافع التأليف : 
فكما : لحك قدامة ( أحدا وضع قٍُ نفك الشعر وتلخيص جيدهة من ردكه 
كتابا » (2) جاء تأليف الخفاجى ‏ حسب قوله ‏ « مفردا في بابه غريبا في 
غرضه » (3) ومتشابهان في الغاية فغاية « نقد الشعر » صياغة الأحكام الأدبية 
صياغة مضبوطة بوضع ما يوافقها من أسماء ومفاهيم توفر للناقد أداة عمل 
ناجعة . وقد لخص قدامة هذه الغايات في قصة الشاعر الذي كان بحس بالعيب 
في شعره فلا يثبته فعرض شعره على العلماء بالشعر فلم يوقفوه على غرضه حتى 
صادف صاحب نقد الشعر فذكر له العيب باسمه (4) وتلك كانت غاية 
الخفاجى من تأليف «سر الفصاحة » (5) . 





(1) سر الفصاحة » ص 196 . 
(2) نقد الشعر » ص 1. 
(3) سر الفصاحة » ص 5 . 
(4) نقد الشعر » ص 4- 5., 


(5) سر الفصاحة » ص 88 . 


45 


والخفاجى كثير الإشارة إلى قدامة 0 التقل عئه 2 فهو ستعمل 
مصطلحه ويورد شواهده ويئيت تعاليقه ينصها دون أن يذ كر أسمةه (1١‏ وقد 
يطول النقل فيشمل صفحات عديدة وقضية كاملة (2) . 


وهو مثل قدامة يعتبر التشبيه معنى لاا مجازا ويدرس صحة التشبيه ي 


قسم المعاني (3) كما يرى رأيه ني الغلوٌ والإفراط في الصفة (4) . 

ونتيجة هذا التاثر الواضح فهم المعاني فهما منطقيا لا لغويا واعتذر عن 
عدم تمكنه من حصرها بقوانين تستوعب أقسامها وفنونها لأنها « ثمرة علم 
المنطق ) (5) . ولذلك فالمعاني التي يكتمل بها الكتاب ويصبح ١‏ كافيا في العلم 
بحقيقة البلاغة والفصاحة » (6) على حد قوله هي المعاني التي ذكرها قدامة 
في بابين من كتابه هما : (ما يعم جميع المعانفي الشعرية ») (7) و١‏ العيوب 
العامة للمعانى » (8) بإضافة بعض المسائل الأخترى التي تعرض إليها في باب 
« نعوت معاي الدال عليها الشعر 4 (9) كصيحة اليد مشلا . 


وضيق فهم الخفاجي إل شوءافيمة عات في نظرنا من أمريق .+ 
إنه لم يدرك تمام الإدراك البناء الثلائي الذي سار عليه قدامة في تحقيق القول 
في المعاني » وهو المعاني العامة المشتركة » والمعاني الخاصة ء والمعاني الدال عليها الشعر 
وهي الأغراض كالمديح والهجاء والوصف 0 اناك شق قاع عن صوانة 


)1( قارن بين سر الفصاحة ص 224 ونقد الشعر ص 70 . حيث تناولت صحة الاستعارة . 
وفي الإحالات الموالية تشير الصفحات الأولى إلى الكتاب الأول والثانية إلى الثاني . 

2( انظر الحديث عن الاستحالة والتناقض ص 227 - 234 وقارنه بما ورد ص 134-124 . 

(3) قارن بين 235 252 و6155 . 

(4) قارن بين 256 و24 - 27 ., 

(5) سر الفصاحة » ص 223 , 

(6) المصدر السابق » ص 222 . 

(7) نقد الشعر » ص 70 وما بعدها . 

)0 المصدر السابق » ص 119 وما بعدها . 

(9) المصدر السابق » ص 23 . 


458 


النزعة العقلية المجحفة التي تسم كثيرا من أبواب تأليفه وسمحت له بتوزيع 
المسائل على أبواب كثيرة . فواضح أن النعوت العامة » وهي فق إفراز اتظبيق 
المقولات العقلية على قضية الدلالة » مستعملة كمداخل لدراسة 0 الدال 

غايها الحهو أو المعاني الخاصة بحيث لم تقتصر دراسته لها على القسم العام . 
بينما رد الخفاجي المعانفي الخاصة في باب الفصاحة فبقي سد 0 عنده 
مركزا على ما سماه قدامة بالنعوت العامة . 

والأمر الثاني أنّه أراد بناء كتاب على نسق « نقد الشعر » والإحاطة” بكل” 
القضايا التي تضمنها بإضسافة مسائل بلاغية أخرى من دون أن يستغل المفهوم 
المنهجي الأساسي الذي يقوم عليه نقد الشعر وبه تتماسك أقسامه وهو مفهوم 
الائتلاف ). وهو أهم مساهمة لقدامة على صعيدي التنظير والتخطيط . 

فتخطيط ١‏ نقد الشعر ) مكم في ذاته بقطع النظر عن فعاليته كتصور 
لدراسة الشعر » بناه قدامة كما هو معلوم على ثنائيتين متكاملتين : درس عناصر 
حد الشعر وهي اللفظ والمعنى والوزن والقافية منفردة ثم درسها مؤتاهة : 
ائنلاف اللفظ والمعنى » وائتلافه مع الوزن » وائتلاف المعنى والوزن» وأخيرا ائتلاف 
القافية مع ما يدل عليه سائر البيت . وقد درست كل هذه العذاصر » بسيطة 
ومركبة » في حالتي الإيجاب والسّنب أي عندما تكون « نعوتا أو تكون 
عيوبا) . وعلى هذا النمط وجد قدامة متسعا لإدراج القضايا البلاغية ني 
مجالها . 

وقد اضطرت القسمة الثنائية الخفاجي إلى حشد المسائل التي كانت 
موزّعة على أبواب عديدة في قسم الألفاظ المؤلفة » بلا تمبيز . فجعل المجانس 
والمطابق (1) » والمساواة والاشارة (2) » مثلا » صفات للفظ بينما هي عند 
قدامة إما من نعوت المعاني - المجانس والمطابق  )3(‏ وإمّا من نعوت 
(1) انظر : سر الفصاحة » ص 188 » 199 . 
)2( المصدر السابق » ص 196 
(3) انظر : نقد الشعر » ص 78 . 

2459 


اثتلاف اللفظ والمعنى ف المناواة والأشنارة 01 واغرت: ين ذلك كله 
استطراده في قسم الألفاظ المؤلفة إلى موضوعات لا علاقة لها بالفصاحة . من 
ذلك حديثه المطول عن وصف القواي وعيوبها (2) . ولا تفسير لإدرادها هنا 
إلا الرغبة في الاتيان على كل ما جاء عند قدامة . 

وبالجملة » فكتاب «سرّ الفصاحة) هو أكثر المحاولات إغراقا في 
1 الانتصار للفظط )3( و تخصيصه بالمزية والفضل قُ جودة الكلام وحوسنة »© إلا 
أنه » من جهة حتواه » حجة قاطعة لترابط الألفاظ والمعاني وتداخل ميداني 
العاف وا لوقن روف جاده مال قو اللخانينا من عفيثا آراف أن 
يقنع بانفصالهما إذ م يتسن” له الالتزام بالمنطلق المنهجي الذي رام بناء الكتاب 
عليه بل إن ذلك قد تسمّى ولكن بكثير من الإحالة والتناقض والخطإم في 
التقدير . وتطرف الخفاجى في تمسكه بقيمة اللفظ حمل معاصره عبد القاهر 
الجر جالى على معار ضة هذا التيار بكثير من المدة والعنتف 75 


م تن 


ينطلق الجرجاني من التسليم بتطابق المقهومين (4) لذلك تركرت جهوده 
على مناقشة ما ترتّب عن الفصل بينهما من مبالغات في تقدير دور اللفظ 
ونصرته على المعنى : ومن خط في تبيّن المداحل إلى أسرار البلاغة . فكانت مسألة 
اللفظ والمعنى من المسائل الطاغية على كتابيه » تكاد تلابس كل ما تطرق إليه 
بالدرس والتحليل . ولا عجب ني ذلك فاللفظ والمعنى عماد الظاهرة اللغوية 
وأسس العيارة . وكل كلام عن الكلام » من أي زاوية كان » هو في جوهره »؛ 


(1) نقد الشعر » ص 84- 85 ., 

(2) سر الفصاحة » ص 171 --182 . 1 

(3) بشرط أن نفهم اللفظ فى الأبعاد التى حاولنا استعراضها . فكثير | ما لاحظنا في الدراسات 
ميلا إلى اعتبار محاولة الخفاجي في فصاحة الألفاظ مفردة» . أنظر على سبيل المثال أحمد 
مطلوب » عبد القاهر الجرجاني : بلاغته ونقده . ط 1 » بيدروت . 1973 » ص 101 . 

. 350-349 انظر : دلائل الإعجاز . ط , المتار » ص 35 وما بعدها » وص‎ (4١ 


4060 


تحديد لماهية كل منهما وتحليل الكيفيات التي عم بها تلاحمهما سواء 
في مستوى اللفظ المفرد أو في مستوى التركيب . 

ولهذه المسألة في تفكير الجرجانى مكانة خاصة مستمدة من طبيعة 
المنهج الذي اعتمده لمحاصرة أسس ل الكلام وأسبابها والسر في فضل 
بعضه على بعض . والعلاقة بين أصول المنهج ‏ وهو النظم ‏ ومسألة اللفظ 
والمعنى علاقة جدلية تنطمس بموجبها الرابطة السببية المباشرة - العلة والمعلول . 
بمعنى أن مواقفه منها محكومة بتوجتهه المنهجي العام » وتبلور ملامح التوجه 
رهينة كل تلك المواقف التي عبر عنها . ومن ثم تجاوز حديثه عن اللفظ 
والمعنى تعديل بعض الاراء المبالغ فيها ومناقشة ما إذا كان الفصل بين الفصاحة 
والبلاغة جائز من جهة اللغة أم غير جائر إلى صراع منهجي ذي أبعاد 
( ابستيمولوجية » تؤذن بانكسار عميق في مستوى الأصول المؤسسة للعلم . وقد 
اتخذ هذا الصراع طابعا جدليا عنيفا يعد من عيون المناظرات اللغوية في دقة 
الاعتراض والرد واحتداد اللهجة . 

وسنقتصر في هذا الفصل على آرائه المتعلّقة رأسا باللفظ والمعنى مرجئين 
الحديث عن أسسها الفكرية ومستنداتها المبدثية إلى القسم الخاص بالمنهج . 
وسنحاول احترام طابع الرجل في التأليف فتزاوج بين الإبرام والنقض مبرزين 
ما بدا لنا شططا في الرأي أوقعه فيه تحمدّسه لمنهجه ودفاعه عن نظرية « يرى 
فيها الطريقة الوحيدة لإدراك أسباب البلاغة والاهتداء إلى دلائلها ») (1) . 


36 3 


بدا الجرجاني في مطلع ١‏ دلائل الإعجاز » بانتقاد ثلاث طرق في فهم 
الفصاحة والبلاغة والبيان والبراعة : طريقة من لا يرى لها معنى أكثر مما 
(1) عبد القادر المهيري : مساهمة في التعريف بآ راء عبد القاهر الجرجاني في اللغة والبلاغة » 
حوليات الجامعة العونسية 1974/11 » ص 108 . ١‏ 


461 


يرى لبقية أصناف الدلالات على المعانى كالإشارة والخط والعقد » وطريقة 
من يقيس الفصاحة بالتافظ كأن « 0 التكلم في ذلك جهير الصوت » 
جاري اللسان » لا تعترضه لكنة ولا تَقَفْْ به حبسة ) (1) وهو ما اصطلحت 
المؤلفات السابقة على تسميته يتمام آلة البيان » وطريقة من يقيسها بمقاييس 
اللغويين ولا يهمهم من أمرها إلا الصحة المطلقة وإلا إعرابا ظاهرا » (2) 
وأن لا يلحن المتكلم ١‏ فيرفع في موضع النصب » أو يخطيء فيجيء باللفظة 
على غير ما هي عليه في الوضع اللغوي وعلى خلاف ما ثبنت به الرواية عن 
العرب ) (3) . 


ويحسن » قبل البحث عن دوافع هذا الموقف » أن نبدي بعض 
الملاحظات : فتراجع المقاييس اللمتعلّقة بالتلفظ قد يكون ذا دلالة خطيرة 
على تطور الأجناس الأأدبية ليون اله 1 الثالث والخامس ومن ثم على تطور 
التفكير البلاغى وتغير مقايسه بتغير الجنس الأدبى المعتمد وطرائق إيصال 
الثقافة السائدة . 


فقد أشرنا إلى أهمية التلفظ » عند الجاحظ » في تحديد خصائص النص » 
وأرجعنا ذلك إلى طغيان ظاهرة المشافهة وسيادة الخطابة كجنس أدبي متميز 
وممارسة لغوية فنية لها مبرراتها في السياق التاريخي والحضاري للقرن 
الثالث(42) . ورفضها بهذا الشكل قد يفهم منه فقدان الخطاية المكانة التي كانت 
تحتلها وبروز الكتابة والقراءة كبديل للمشافهة والسماع . وي نصوص 


(1) دلائل الإعجاز » ط . خفاجي » ص 54 -55. 

(2) المصدر السابق » ص 284 . 

(3) المصدر السابق » ص 55 . 

(4) نقترح أن تكون العلاقة بين المقاييس البلاغية والسياق الحاف طريقة لتقييم المساهمات 
البلاغية ومعرفة حظها من «الإبداع » و «الإتباع » 58 01-6 » مثلا ) بناء على تاريخ 
الأدب وتطور أجناسه أن تعتبر تمسك المسكري بمقاييس التلفظ ضلربا من التقليد إن 
أثبت البحث تراجع الجنس الخطابي مغلا . وبنفس الطريقة يمكن أن نقيم نقوله عن الجاحظ 
ولا سيما رأيه المذّهور في المعاني . إذ من أبرز مظاهر التقليد » في تصورنا » فصلل 
الآراء عن السياق المولد لها . 


462 


الجرجاني إشارات كثيرة تدعكم هذا التأويل لعل” أهمنها الدّرعة العقلية 
الطاغية على تفكيره البلاغي واعتباره البلاغة علما يقوم على ١‏ دقائق وأسرار » 
طريق العلم بها الروية والفكر ولطائف مستقاها العقل » (1) . 

فالفرق كبير بين هذا التصور وتصور الجاحظ ومن لفن لفّه حيث كان 
تكد غل أن يكون المعنى ني ظاهر اللفظ وألا” يكون اللفظ إلى السمع أسرع 
من المعنى إلى القاب ؛ وهي مقايبس يفرضها السماع وضرورة تمدّل أجزاء النص” 
أولا بأول حتتى لا يغلت الخيط التاظم لها . 

أمنّا انتقاده من لا يرى للبيان » صنو الفصاحة والبلاغة والبراعة » معنى 
أكثر نا يز ابقية أصيناف الدلالات على المعاني فهو نوع من المغالطة في 
بناء المقدمات يتقنها من تمرس بالخلافيات بغية تدعيم الموقف والإقناع بالرأي . 
فحن لا تعرف من علماء البلاغة من اقتصر على هذا الفهم بما في ذلك الجاحظ 
وابن وهب الكاتب وهما صاحبا أشهر تأليفين في الموضوع . 

والمتثبت في كتابي الجرجاني يلاحظ أنه كثيرا ما عمد إلى هذه الطريقة 
قُُ عاض آزاء سارقيهسما يلال" كل أن" عمتد فين الأمالة ف العرض بقدر ما 
هو الدفاع عن المعتقد وبذلك تفقد مؤلفاته قيمتها الوثائقية ولا يمكن استعمالها 
لدراسة الأطوار السابقة إلا بكثير من الاحتراز وذلك رغم أهميتها العظيمة 
من وجوه أخرى . 

فكثيرا ما نشعر أنه يتعمد الانطلاق من معطيات منقوصة أو خاطفة 
ليوجه النتقاش الوجهة التي تخدم غرضه وتدعّم موقفه » ولعل أبرز نموذج 
لذلك الكيفية التي قدم بها علاقة الفصاحة والبلاغة عند المتقدمين ٠‏ فهم لم 
يقتصروا في معنى الفصاحة على ما ذكره الجرجاني بل كانوا يمزجون بين 
مستويات متعدادة » منها. ما يتعّق بذات اللفظ 0 بنيته الخارجية ومنها 
(1) دلائل الإعجاز » ط . خفاجي . ص 55 . 


463 


ما يتعلدّق بفصاحته اللغوية بأن يكون مما ثبتت به الرواية عن العرب . وكل 
هذه الخصائص جزء من مفهوم أوسع هو البلاغة (1) . 

والجرجانى لا يعتد” بهذا لتشبثه بمنطلقه المبدئي الذي لا يرى بموجبه 
فرقا البتّة بين المفهومين » يبدو ذلك جليًا في مناقشته رأي الجاحظ المشهور 
الذي لم يتورع عن نعته بالشبهة والزعم . وملخص هذا الرأي - على لسان 
صاحب الدلائل - ( أن لا معنى للفصاحة سوى التلاؤم اللفظي وتعديل مزاج 
الحروف حتى لا يتلاقى في النطق حروف تثقل على اللسان ») 2,2( 5 

ثم يأتي بشاهد الجاحظ : (رجز) 

وقبر حرب في مكان قفر 2١‏ وليس قرب قبر حرب قبر 

ويصوغ من جديد رأي الجاحظ ومؤداه أن الكلام إذا سلم من ذلك وصفا 
من شوبه كان الفصيح المشاد له والمشار إليه 0 320( ثم برداه لأن” هذا الأعتبار 
يلزم «أن نخرج الفصاحة من حير البلاغة ومن أن تكون نظيرة لها » (4) . 

ويظهر من هذا الرد” أن اتفاق المصطلحين عنده منطلق لا يقبل النقاش 
وأن الظاهرة الأدبية لا ينظر إلى خصائصها من زاويتين فمجال الدراسة 
الأسلوبية مجال وحيد عبر عنه بألفاظ مختلفة هي الفصاحة والبلاغة والبيان 
والبراعة . 

وعلى أساس هذا المبدأ يناقش الجاحظ ويعرض آراءه بطريقة فيها كثير 
من التجنّي والحيف . فأبو عثمان رأى اكتمال النص في جمعه بين الفصاحة 
والبلاغة » ولا تقتصر مقاييسه الفنية على جهة اللفظ مفردا » والفصاحة قِ نظريته 
1) ممأ يه ما ذهبنا إليه جيم الباحثين أن الجر جاني لم يطلع على سر الفصاحة» 
0 الحنا عن وه 261 الممسار لات لطر نا فى <متالتة المقاتة 7 ا 

انظر' : تتندوطوهتص0 جه/ .6 . مقال دائرة المعارف المذكور ©» صن 844 . 
(2) دلائل الإعجاز » ط . المثار ص 45 . 


)3( للصدر السايق » ط »ء المثار » ص 45 . 
6 المصدر السابق صن 07 , 


464 


تكمل البلاغة . ولما كان الجرجاني لا يفرق بين المستويين عمد إلى عرض ما 
تعلق عند سلفه بالفصاحة على أنه رأيبهم في الفصاحة والبلاغة معا . 

وستنطبع مناقشته لمسألة اللفظ والمعنى بهذا الطابع الذي يستمد » بدوره » 
شروعية من الميذا العام الذي التزمه في كل محاولاته والقاضي بأن الفصاحة لا 
تجب للفظة « مقطوعة مرفوعة من الكلام الذي هي فيه» (1) . بل هي تلك 
التي « تحدث من بعد التأليف دون الفصاحة التي توصف بها اللفظة مفردة من 
غير أن يعتبر حالها مع غيرها » (2) . وعن هذين المبدأين المترابطين تولّدت 
في نظرنا طرافة تفكير الجرجاني وتطرفه . 


9 3 


وبناء على ما تقدام نقض الجرجاني الآراء التي تعوّل في الحكم بالجودة 
الفنثية على اللفظ في ذاته لا في معناه لأن « من نصر اللفظ على المعنى كان كمن 
أزال الشىء عن جهته » وأحاله عن طبيعته وذلك مظئّة الاستكراه » وفيه 
فخ أرزاف ايدو اعفن اشيم رف 

ولإرجاع الأمور إلى نصابها وتنزيلها منازلها يسوق جملة من | 
جرى في إبرادها على غير نظام ويسم جلها بصبغة جدلية جعلتها تبرز ؛ 
شكل اعتراضات »؛ تبدو مفترضة » وردود. 


- 


00 6 


وبالإمكان إجمال حججه في ضربين : ضرب نصطلح على تسميته 
ب« المبتدع » ونعني به كل الاعتبارات المترتبة عن نظريته في اللغة وفهمه 
لطبيعة العلاقة بين الألفاظ كبنية لغوية خارجية ية وحامل (4) أجوف وبين ما 


(1) دلائل الإعجاز » ط . خفاجي » ص 367 . 

(2) المصدر السابق ٠‏ ط ء المثار » ص 324-323 , 
(3) أسراو البلاغة » ط » خفاجى » 100/1 . 

(4) +2005م3اه 1 


465 


جعلت تلك الألفاظ لتدل” عليه . والضرب الثاني نسميه « مولّدا ») ونعني به 
ما استخلصه هن مادة العلم ذاته وطريقة السابقين في تناوله , 


26 3 3 


يقوم تصوّر الجرجاني للغة على الفصل بين الألفاظ والمعاني والاعتراف 
لهذه الأخيرة بوجود مستقل سابق . وتصبح اللغة تبعا لذلك مجرّد « علامات ) 
ودوسمات ») اصطاح عليها لتشير إلى تلك المعاني : « وليت شعري هل كانت 
الألفاظ إلا من أجل المعاني ؟ وهل هي إلا خدم لها مصرّفة على حكمها ؛ أو 
ليست هي سمات لها وأوضاع قد وضعت لتدل” عليها ») (1) . ومن هذا 
المنظور لا تزيد وظيفة اللفظ على كونه وسيلة نستشف منها المعنى ووعاء 
يتشكل بشكله بحيث ١‏ إذا وجب لعنى أن يكون أولا في النفس وجب للفظ 
الدال عليه أن يكون مثله أولا في النطق » (2) . وبذلك يفقد فعاليته الجمالية 
أو أن تلك الفعالية لا تتعلّق به أصلا ولا تقتصر عليه ذ« ليس للدليل إلا أن 
بعلّمك الشيء على ما يكون عليه فأما أن يصير الشيء :اننال ل على صفة لم يكن 
عليها فمما لا يقوم في عقل ولا بتصور في وهم ) (3). 

فاللفظ وإن اعترف له ببعض المزيّة في حصول البلاغة لا يمكن بحال 
أن يكون معتمل الحكم وأساسه : 

« واعلم أنا لا تأبى أن تكون مذاقة الحروف وسلامتها مما يثتقل على 
الثمان داغخلذ فيما زوجب القضيلة + و أن تكون مما يؤكد أمر الأعجاز و إنما 
الذي ننكره ونفيّل رأي من يذهب إليه أن يجعله معجزا به وحده ويجعده 
الأصل والعمدة) (4) . 


(1) دلائل الإعجاز » ط . المنار » ص 320-319 . 
(2) المصدر السابق » ص 43 . 

(3) المصدر السابق » ص 369 . 

(4) المصدر السابق » ط, المنار » ص 401 , 


466 


والمواطن التى اعترف فيها الجرجانى للفظ ببعض اازية قليلة أشهرها 
النلص الذي أوردناه ونص آخر ورد في أسرار البلاغة (1) . وما عدا هذين 
السياقين فإن تعلقه بالدفاع عن المعنى وتقليل شأن اللفظ جلي حتى في أشد 
المحسنات تعلقا بالإيقاع والموسيقى اللفظية كالجناس فهو يربط حسنه بمقياس 
العقل (2) . 

ومن الأدلة التي ساقها أن القول بفصاحة اللفظ في ذاته يقنضى » من جهة 
العقل » « أن تكون تلك الفصاحة واجبة لها بكل” حال ») (3) وألا تتغيّر قيمة 
اللفظ الفنية بتغيّر السياق الذي ترد فيه في حين أن نفس الكلمة « تروقك 
وتؤنسك في موضع ؛ ثم تراها (...) تثقل عليك وتوحشك في موضع آخر ») (4) . 
وقد حاول تأكيد حكمه بالاعتماد على شواهد شعرية تكررت فيها نفس الكلمة 
مع فارق في التأثير . إلا أن أحكامه جاءت انطباعيّة لا تستند إلى معطيات ملموسة . 
والأرجح أنه اهتدى فيها بآراء النقاد السابقين مثال ذلك لفظ ١‏ الأخدع » فإن 
لها في قول البحتري : (طويل) 

وإني وإن بلغتني شرف الغنى وأعتقت من رق المطامع أخدعى 


( ما لا يخفى من الحسن » أما في بيت أبي تمام : (منسرح) 


4 


سس 


يا د هر قوم من أخدعيك فقد ١‏ أضججت هذا الأنام من خرقك 


فلها « من الثقل على النفس ومن التنغيص والتكدير أضعاف ما وجدت هناك 
من الروح والخفة والإيناس والبهجة ( ,32( 5 


من أسبابه ودواعيه » فلايكاد يعدو نمطا واحدا هو أن تكون اللفظة مما يتعارفه الناس في 
50 ويتداولونه في زمانهم ولا يكون وحشيا غريبا أو عاميا سخيفا » ط. خفاجي © 
8/1 . 3 

(2) دلائل الإعجاز » ط. المنار » ص 100-99 . 

(3) المصدر السابق » ص 307 . 

(4) المصدر السابق » ص 39-38 . 

(5) المصدر السايق » ص 39 » ط . المنار . 


46 


كنا" نظن 'القنو ا شضاحنة الفط" :زذات أنه كم اليه نيا 
وز178خاما رارداث له ودار واتفهر كلت قسي أن يساوى اننا أي 
العلم بفصاحتها لآن' ما سبيل إدراكه الإحساس لا يختلف من شخص إلى آخر 
لأن الناس يتفاوتون ني المدركات العقلية دون غيرها . 

ولا تخلو الفصاحة من أن نكون صنعة في الافظ محسوسة تدرك بالسمع » 
أو تكون صفة فيه معقولة تعرف بالقلب . محال أن تكون صفة في اللفظ 
محسوسة ؛ لأنها لو كانت كذلك لكان ينبغي أن يستوي السامعون للفظ الفصيح 
في العلم بكونه فصيحا . وإذا بطل أن تكون محسوسة وجب الحكم ضرورة 
بأنها صفة معقولة » وإذا وجب الحكم بكونها صفة معقولة » فإننا لا نعوف 
الفظ صفة يكون طريق معرفتها العقل دون الحس إلا دلالته على معناه ) (1) . 

ولو كانت الفصاحة في اللفظ من حيث هو مجموعة أصوات لوجب 
أن تنطبع في ذهن السامع لمجرد نطق اللفظة » ولما كنا ننتظر حتى يتم النطق 
بالسياق كله لنحكم له بالفصاحة . وحال من يقضي للفظ بفصاحة لا يدركها 
إلا بعد تمام الكلام حال من يقول بأن العلم بالشيء بقع بعد عدمه وذهابه وقد 
لخّص الجر جاني هذه الأفكار في تعليقه على الآية « واشتعل الرأس شيبا ) . 

« إن القارىء إذا قرأ قوله تعالى : ١‏ واشتعل الرأس شيبا » فإنه لا يجد 
الفصاحة التي يجدها » إلا بعد أن ينتهي الكلام إلى آلخحره : فلو كانت الفصاحة ٠‏ 
صفة للفظ « اشتعل » لكان ينبغي أن بحسها القارىء فيه حال نطقه به » فمحال 
أن تكون لاشيء صفة ثم لا يصح العلم بتإك الصفة إلا من بعد عدمه » ومن 
ذا رأى صفة يعرى موصوفها عنها في حال وجوده » حتى إذا عدم صارت 
موجودة فيه » وهل سمع السامعون في قديم الدهر وحديثه صفة » شرط 
حصولها لموضوعها أن يعدم الموصوف ) (2) . ٍ 


(1) دلائل الإعجاز » ص 291 . نقلا عن كني نجيب محمود » المعقول واللامعقول ف 
تراتنا. الذكري 6 نعلمة دار الشرووات + بررت وده ) عن 364 5 
2( المصدر السابق ©» ص 292 ., 








468 


شك" أن مرتبة هذه الآبة في الفصاحة والبلاغة » لا تتبن إلا بتضافر العناصر 
المكونة للصورة » ناهيك أن المادة اللغوية التي نحت منها رسمها لا تلفت الانتباه 
في ذاتها » فليست هناك هزايا ينفرد بها الفعل والإسمان المتعلقان به . لكن ماذا 
بقصد الجر جانى بالقسم الثانى من احتحاجه ؟ وما معنى الوجود والعدم فى 
اللغة ؟ وما المائع أن تكون للفظة خصائص لا تبرز إلا منصهرة فيما يحيط بها 
من العناصر ؟ 

رغم صعوبة ة الإجابة عن له الأسئلة وكثرة امز | فى التي ثتر صد من يروم 
تخريجها على وجه واحد فإننا نميل إلى اعتبارها نهاية ما بلغه تفكير الج 0 
في تجريد اللفظ من كل" مزية . فكأن” الألفاظ وبالتالي اللغة ليس لها وجود 
فعلٍ 2 فوحداتها تلتثم قي جمل لم تنعدم بمجراد انتهائنا من قراءة 00 وبذلك 
نكون قيمتها رهيئنة شبكة العلاقات التى تربطها بجوارها لا غير . 

وفعلا فالرجل قد أكد على أن نظم الحروف في الكلمة هو مض اصطلاح 
وتواضع لا يمكن أن. نجد اه تعليلا معنويا ولا أسبابا عقلية م اختيار 
ثرقيب على آخر أو تفضيل علامة على علامة أخرى لتأدية معزى معيدن ) (1). 

« إن نظم الحروف هو تواليها في النطق فقط ؛ وليس نظمها بمقتضى 
عن معنى ولا الناظم لها بمقتف في ذلك رسما من العقل اقتضى أن يتحرى في 
نظمه لها ما تحرام » فلو ان واضع اللغة كان قد قال « ريض » مكان « ضرب ) 
لما كان في ذلك ما يؤدي إلى فساد » (2) . 


وإمعانا في تأكيد هذا المعنى وتدعيمه وإبراز أن ترتيب الألفاظ لا يتم" 
ب« رسم من العقل » يقبل الجرجاني » بمحض التنصور » أن ننطق أجزاء الكلمة 
الواحدة دفعة واحدة لو سمحت بذلك مقتضيات الجهاز الصوتي (3) . 


(1) عبد القادر ال ي » المقال المذكور » ص 102 . 
)2( دلائل الإعجاز 3 طّ خفاجي صل 033 
)3( المصدر السابق » ص 372 . 





469 


ونتيجة لهذا الموقف « المتطرف » » في نظرنا » لم يحفل الجرجاني 
بالعمليات التي يمكن أن تقع على مور الاستبدال » ونقض المبدأ الأساسي الذي 
قامت عليه نظرية أسلافه في بلاغة النص وهو مبدأ الاختيار الذي يقوم بدوره 
على التسليم بأن اللغة توفّر لمستعملها أكثر من إمكانية في التعبير عن المتصوّر 
الواحد . 


وني اعتقادنا أن تحمس الجرجاني لفكرته وطابع الجدل المحرك لتأليفه 
هما اللذان دفعاه إلى أن يرى التناقض حيث التكامل . فلئن سدّمنا بأن الكلمة 
الواحدة لا تعتبر مصدر البلاغة وأساسها باعتبار الفصاحة مزية ١‏ بالمتكلّم دون 
واضع اللغة » (1) وأن ألفاظ اللغة لا تتفاضل في الدلالة على ما وضعت له وأن 
المتكلم لا يستطيع أن يزيد شيئا على المواضعة « لأنه لا يكون متكلما حتى 
ستعمل أوضاع لغة على ما وضعت هى عليه ) (2) . لئن سلمنا بكل” ذلك فإننا 
لا نرى ما يمنع أن يكون في اللفظ خصائص تستهوى المتكلم وتراوده فيختار 
لهذا ال موضم ذلك الاف_ظط دون مر أدف4. وشبيهسه 5 


إن تحكيم المعنى بي رقاب اللفظ على هذه الطريقة بحيث تكون دائما 
متأثرة لا مؤثرة» والقول بأن الكاتب لا بحتاج بعد ترتيب المعاني إلى فكر يستأنفه 
«لأن يجىء بالألفاظ على نسقها » (3) لا يصعب الاعتراض عليه مبدئيا وعمليا . 
أما الاعتراض المبدثي الرئيسي فهو أن هذا النوع من التفكير يؤدي إلى القول 
بأن النص" يأخذ شكله النهائى من كتابته الأولى وهو عمليا يكاد يكون مستحيلا 
وكتب الأدب القديمة 37 بالأخبار عن معاودة الشعراء أشعار هم وتنقيحها 


ونستبعد أنهم كانوا يبدالون المعنى مع كل" لفظة أو قافية يبدالونها . 


(1) دلائل الإعجاز » ط, المنار » ص 308 , 
(2) المصدر السابق » نفس الصفحة . 
(5) المصدر السابق » ص 43 , 


40 


أما الاضتزاضن املق الثاني + وقد تفظن إلية الجرجاق ولضارق نه 
فرد ردا منقوصا » فنتائجه يمكن أن تمس" جوهر إعجاز القرآن وتتقض 
وجود البعل الفنى قُ اللغة أصا" ,. 


ويمكن أن نلخّص هذا الاعتراض على النحو التالي : إما أن تقبل بأنه 
قد يعبر عن المعنى الواحد بلفظتين ثم يكون أحدهما فصيحا والآخر غير 
فصيح وإما أن نقصر الفضل على المعنى وإذ ذاك يستوي المفسّر والفسئّرَ (1) 
ويستحيل أن نقول إن بيت الشعر يفوق تفسير المفسّر له . 

ويرد الجرجاني على هذا الاعتراض في مرحلتين حسب مقصود المعترض 
من اللفظ . فإذا كان المقصود باللفظتين كلمتين معناهما واحد فلا جواب 
( لأن كلامنا نحن في فصاحة تحدث من بعد التأليف دون الفصاحة التي توصف 
بها اللفظة مفردة ومن غير أن يعتبر حالها مع غيرها » (2) . وعلى هذا النحو 
فإن الجرجاني لا يقبل الحوار إلا من منطلق وحدة التصور بينما المفروض أن 
يدور النقاش في صحة التصور ذالته . 

وأما إذا كان المقصود كلامين فإن المعاني سبيلها سبيل أشكال الحلي 
كالخاتم والشنف والسوار وهذه الأشكال تختلف في درجة صناعتها وما 
يحملها الصانع من الإغراب في النقش والزينة ود كذلك سبيل المعاني أن ترى 
الواحد منها غفلا ساذجا عاميا موجودا في كلام الناس كلهم ثم تراه نفسا 
وقد عمد إليه البصير بشأن البلاغة وإحداث الصور في المعاني فيصنع فيه ما 
يصنع الصنع الحاذق ») (3) . 

ولكن يبقى السّؤال قائما . ففيم تتمثل هذه الصناعة ؟ طبعا حاول 
الجرجاني أن يجيب عن ذلك في نظريته للصورة » وسنرى عندما نتعرض إلى 


)010( هما المستويان المحعبر عنهما في المصطلح الغربي الحديث 26121305286 نه ععقومهآ . 
(2) دلائل الإعجاز » ط. المثار » ص 223 -324 . 
(8 اللعيدن لايق تفن «المتفسية + 


401 


الموضوع في باب آآخر من الكتاب أن فهمه للصورة هو أيضا لا بخلو من بعض 
وجوه التناقاض ممعم بعضص مبادثه الأخرى 5 

ومن أطرف الآدلة التي دعدم بها الجرجاني نظريته في أن البلاغة تقع 
بالمعنى لا باللفظ وبالتأليف لا بالكلمة المفردة ربطه بين النص الأدبي وتأويله . 
فإمكانية تأويل الكلام تأويلين أو أكثر وتفسير البيت الواحد عدة تفاسير 
وصورة اللفظ ثابتة دليل على أن تعداد الدلالات والأشكال » وهما 
المشرعان لوجود التتفسير والتأويل » يتولّدان عن المعنى إذ لا إمكانية للتأويل 
في اللفظ المفرد بحكم أنه يرتبط بمعناه على وجه التواضع والاصطلاح . 
ولقد لمس الجرجاني هنا » وإن لم يصغ ذلك صياغة واضحة » أهي” خاصية 
من خصائص الوظيفة الأدبية حسب أحدث النظريات الغربية المعاصرة في 
النص' وهي نظريات تذهب إلى اعتبار التأويل من مميزات ظاهرة الأدب 
لأن تراكب يدا التشابه (1) » وهو من مميزات محور الاستبدال » على 
التلاصق (2) » يخلق في النص ضربا من الكثافة المعنوية والإشكال فتمكن 
قراءته بصورة ميختلفة » يقول الجر جاني : 

« واعلم أن الفائدة تعظم ني هذا الضرب من الكلام إذا أنت أحسنت 
النظر فيما ذكرت لك من أنك تستطيع أن تنقل الكلام في معناه عن صورة 
إلى صورة من غير أن تغيّر من لفظه شيئا أو تحوّل كلمة عن مكائها إلى مكان 
آخر » وهو الذي وسع مجال التأويل والتفسير حتى صاروا يتأولون في 
الكلام الواحد تأويلين أو أكثر ويفسرون البيت الواحد عدة تفاسير ) (3) . 

أما القسم الثاني من الحجج فمستمد” كما قلنا » من الأحكام الجارية 
في المؤلفات السابقة كقولهم في الاستحسان لفظة متمكنة ومقبولة وفي الاستقباح 
(1) 6اتعماتصسزة 
(2) 6خشسموناهم0 
)3( أنظر : دلائل الإعجاز » ط. المثار » ص 286 , 


42 


قلقة ونابية » فهذه المصطلحات تدل” ؛ حسبه » على أن المعتمد في الحكم 
هو معيار المعنى والتأليف لأن في جميعها إشارة إلى العلاقة والموقع ولا معنى 
لذلك إن سلمنا بفضل اللفظ من غير أن ينظر إلى المكان الذي يقع فيه » 
وكأنه لمس تناقضا بين الدفاع عن خصائص اللفظ ؛ من جهة وفكرة الملائمة 
«وهل تجد أحدا يقول هذه اللفظة فصيحة إلا وهو يعتبر مكانها من 
النظم وحسن ملاءمة معناها لمعاني جاراتها » وفضل مؤانستها لأخواتها ؟ 
وهل قالوا : لفظة متمكنة ومقبولة » وبي خلافه قلقة ونابية » ومستكرهة 
إلا وغرضهم أن يعبّروا بالتمكّن عن حسن الاتفاق بين هذه وتلك من جهة 
معناهما » وبالقلق والشّبو" عن سوء التلاؤم ؛ وأن الأولى لم تلق بالثانية في 
معناها » وأن السابقة لم تصلح أن تكون لفقا للتالية في مؤداها » (1) . 


ويستحضر الجرجاني ني هذا النص كثيرا من المصطلحات التي سبق لغيره 
من البلاغيين استعمالها كالاتفاق » والتلاوم » واللفق وكانوا يدللون بها على 
ضرورة التناسق الصوتي بين الآلفاظ وملاءمتها للغرض والمقام » إلا أن 
صاحب ١‏ دلائل الإعجاز » أرجعها إلى عنصر المعنى فقط تماشيا مع تصوره 
البلاغي العام » وهنا يبرز اعتراض استمده أصحابه من المصطلح الرائج 
في علوم البلاغة وصورته أننا نجد عبارات تعدّق الفصاحة صراحة 
: باللفظ كقولهم « لفظ فصيح » و «كلام فصيح ») فما كان يمنعهم أن يقولوا 
معنقى قصيحا وكلاما قصيح العنى ؟ 

يرى الجرجانى أن هذه العبارات مبنيئة » لكثرة الاستعمال » على 
افقو .و اتكارك راسهارة الصفة للفظ من معناه . والسبب الأصلى في هذا 
التجوّز أن الألفاظ تنوب في الدلالة عن المعاني إذ ليس في لكان هن أن 
(1) دلائل ل » ط. المنار » ص 36 , 


423 


دل" بذاتها فاحتاجت إلى واسطة الألفاظ التي يكشف ترتيبها ني الكلام 
عن ترتيب المعانى في النفس » فلما أرادوا التعبير كثوا عن الترتيب الذي 
بجري في الفكر بما يجري ني ظاهر اللغة : 

ولما كانت المعانى إنما تتبيئّن بالألفاظ وكان لا سبيل للمرتب لها 
والجامع تعذلها إك أن علبك ما صنع في ترتيبها بفكره إلا بترتيب الألفاظ 
في نطقه تجوّزا فكنّوا عن ترتيب المعاني بترتيب الألفاظ ثم بالألفاظ بحذف 
الترثيب ) (1) . 

ومن أبرز ما يدل على أن الشأن في المعنى لا ي اللفظ ‏ حسب الجرجاني 
المجازات كالاستعارة والتشبيه والتمثيل والإيجاز . فنحن بالاستعارة 5 
معنى ل" نستفيده بالكلام « الغفل ») الساذج ونعجد للكلام صورة تختلف 
عن صورته في أصل الوضع ومع ذلك فالألفاظ لم تتغيّر . فالذي يقول الأسد 
وهو يقصد رجلا شجاعا فإنّه لم يستعر في الحقيقة اسم الأسد وَإِدّما استعار له 
معناه لأن” لفظة الأسد تبقى. دالّة ني اللغة على ما وضعت له والتقريب بين 
الرجل والأسد إنما وقع من جهة المعاني (2) . ثم إن جرس الكلمة لا يتغبر 
في حالة استعارتها مما يدل" على أن المزية ليست في ذاتها . 

كذلك الشأن في التشبيه فإن أضربه لا تتفاوت إلا من جهة المعنى وطريقة 
المتكلم في تعليق الألفاظ . فالفرق بين قولنا « زيد كالأسد» و «كأن زيدا 
الأسد» و «١‏ لئن لقيته ليلقينّك منه الأسد ) إنما هو ني حسن الصورة وتفخيم 
المبالغة حتى أن القارىء ني الصورة الثالثة « يرى الأسد على القطع فيخرج الآمر 
عن حد التوهم إلى حد اليقين » (3) ولا دخل للفظ في ذلك وإنما في 
المعنى المترتب عن طريقة البناء والترتيب . 


(1) دلائل الإعجاز » ط. المنار » ص 51-50 ., 
(2) المصدر السابق » ص 336 . 
)3( 0 00 3 طظّ خفاجي © صن 6 ., 


404 


تلك خلاصة 5 راء الجرجاني ني اللفظ وامعنى المبنية على تطابق مصطلحى 
الفصاحة والبلاغة » ولعله لا يوجد من لخّص هذه الآراء أحسن منه إذ 
يقول : ١‏ فقد اتضح اتضاحا لا يدع للشك” مجالا أن الألفاظ لا تتفاضل من 
حيث هي ألفاظ مجرادة » ولا من حيث هي كلم مغر دة » وأن الألفاظ 
تثبت لها الفضيلة وخلافها في ملائمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها أو ما أشبه 
ذلك مما لا تعلق له بصريح اللفظ ») (1) . 


36 3 


يبدو مما تقدام أن زوج الفصاحة والبلاغة وبالاستتباع اللفظ والمعنى 
يكتسي في التفكير البلاغي أهمية كبيرة . فهو قضية من القضايا الخلافية 
التي لازمت هذا لفكي عن مختلف مراحله وساهمت في إذكاء البحث 
وتطويره . 

وقد ركزنا تحليلنا على محاولتين بارزتين متقابلتين : بالغت الأولى 
في الانتصار للفظ وبالغت الثانية ني الانتصار للمعنى فلم تسلما من بعض 
الشطط والتطرف . 

وبتحليل هذين الموقفين بدا لنا أن الاختلاف يعكس طريقتين في 
تقييم بلاغة النص” والسبل الموصلة إلى ضبطها ورؤيتين متباينتين للكلام 
الأدبي تستمد” وجودهما من تباين المنهج . 








(1) دلائل الإعجاز » ط. المثار »ء ص 38 . 


405 


ب - المنهسج : 

الحديث عن منهج أو مناهج ‏ علماء البلاغة في تحديد جودة 
الكلام تقف دونه كثير من الصعوبات ؛ منها أن" الدراسات » في حدود 
ما قرأنا منها » إمنا تهمل طرح المشكل »؛ وإما تطرحه بناء على تصورات 
غامضة : أو غير فعالة » أو بسيطة لا تسمح :في رأيناء بإدراك الأبعاد الحقيقية للمسألة. 

فمن نماذج النصورات الغامضة ما نجده في بعض الداراسات من 
انفصام بين العنوان والمحتوى فهي » وإن أشارت في العنوان إلى الاهتمامات 
المنهسجية تبقى ؛ من جهة المضمون » تحليلا لعوامل نشأة البلاغة وتطورها 
وحديثا عن ١‏ أعلامها ١‏ ومؤلفاتهم حديثا تاربخيا حتدائيا ينُوهم أن" عدد 
المناهج على قدر عدد العوامل (1) . 

ومن نماذج التصورات غير الفعالة في تحديد المنهج » مبالغة الدارسين 
السَحندئين في الحرص على إدراج كل" المؤلفات البلاغية ضمن اتجاهين أو 
«مدرستين ) سمُوا الأولى « المدرسة الكلامية) وسموا الثانية ١‏ المدرسة 
الأدبية ؛ (2) وراحوا يبحثون عن خصائص كل مدرسة في التأليف وعن 
أعلامها ) والمحيط الجغرائي والبشري الذي ترعرعت فيه . 

فمن خصائص المدرسة الكلامية « الاهتمام بالتحديد والتعريف 
والتقسيم المنطقي والاهتمام بجعل التعريف جامعا مانعا ثم استعمال أساليب 
الفاسفة والمنطق في تحديد الموضوعات وتقسيمها وحتّصرها واستعمال الألفاظ 
الفلسفية والمنطقية والإقلال من الشواهد والأمثلة الأديية» (3) . 





(1) انظر على سبيل المثال كتاب أحمد مطلوب » مناهج بلاغية » ط 1 » بيروت » 1973 . 

(2) من الأسباب التي تفسر تمسك المحدثين بهذا التقسيم اشتمال المصادر القديمة على إشارات 
يفهم منها أن التأليف البلاغي سلك » منذ وقت مبكر » سلكين مختلفين » أنظر . 
الآمدي الموازنة » تحقيق محمد حي الدين عبد الحميد » ط 1. القاهرة 1633/1944 ع 
ص 4-3 والعسكري الصناعتين » ص 5 . انظر مآل هذه الآراء عند السيوطي » حسن 
المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة » 1929 » 190/1 22 ١‏ 

(3) انظر أحمد مطاموب » البلاغة عند السكا كى 1 » بغداد » 1384/1964 » ص 103 - 
١ ,. 4‏ 


4 


ومن أعلامها : قدامة بن جعفر صاحب «نقد الشعر » » وابن وهب 
الكاتب صاحب (البرهان في وجوه البيان ») » وعبد القاهر الجرجاني 
صاحب ١‏ دلائل الإعجاز » » وفخر الدين الرازي (ت . 606 ه) صاحب 
نهاية الإيجاز قُ دراية الإعجاز ) (1) » والسكا كي صاحب ( مفتاح 
العلوم » (2) ومن المتأخرين بدر الدين بن مالك (ت. 686 ه) صاحب ١‏ المصباح 
. في اختصار المفتاح ) (3) »> والخطيب القرويني (ت. 9 م) صاحب ( تلخيص 
المفتاح ) (4) » وبهاء الدين السبكي دت. 773 ه) صاحب ١‏ عروس الأفراح 
في شرح تلخيص المفتاح ) (5) » وسعد الدين الدفتازاني (ت . 792 ه) صاحب 
المطول على التلخيص ) 6) . 

أمّا المدرسة الأدبية فإنها «لا تهتم بالتحديد والتقسيم اهتماما كبيرا 
وإن جنحت إلى ذلك ففي غير تعمق ونفاذ والتزام للتصحيح التام للأصول 
المنطقية فيسه » إلا أن يكون شىء ممن ذلك أثرا لعدوى المدرسة 
الكلامية » (7) . ْ 


ومن أعلامها : عبد الله بن المعكزر صاحب كتاب ( البديع ) © 
والمكام بعناسي ١‏ افدلا عقي ولحو ورا و وق افيا العيدام 00 
وعبد القاهر الجرجاني صاحب (١‏ أسرار البلاغة ) » وأسامة بن منقذ (ت . 584) 
صاحب ١‏ البديع في نقد الشعر » (8) وابن الأثير (ت . 637 ه) صاحب 
« الثل السائر » » وابن أبي الأصبع العدواني (ت . 654 ه) صاحب ١‏ بديع 
القرآن» (9) 


(1) طبع بمطبعة الآداب » القاهرة » 1317 ه. 

(2) مطبعة البابي الحلبي » ط1غ القاهرة » 1356/1937 . 

(3) ط1»ء القاهرة » 1341 ه. 

(4) تحقيق عيد الرحمان البرقوقي ع» ط . 2 » القاهرة » 1350/1932 . 
(5) ورد ضمن شروح التلخيص » ط 2 » القاهرة » 1342 ه. 

(6) مطبعة أحمد كامل.ء بتركيا » 1330 ه. 

0( أحمد مطلوب » الكتاب المذكور آنفا » ص 107 - 108 . 

(8) تحقيق أحمد أحمد بدوي وحامد عبد المجيد » القاهرة » 1380/1960 . 
(9) تحقيق حفني محمد شرف » ط 1 » القاهرة » 1377/1957 . 


408 


ونحن لا ننكر فائدة هذا التفسيم وربّما شرعيته » إلا أننا نشك” في 
فعاليته كإطار فاصل بين مختلف المساهمات البلاغية » ونحترز من النتائج 
المنهجية التي قد تنلجر عن تبشيه . فلئن سلمنا » إجمالاً » بوجود اق 2 
التأليئ فإِننا نعتقد أن" كثيرا من المصتّفات يصعب إدراجها » بوثوق » في 
هذا الاتجاه أو ذاك . فأين نَنرّل » مثلا » مساهمة الجاحظ ؟ وهل بحق” 
لنا وضع العسكري في زمرة النتمين إلى المدرسة الأدبية ؟ إن" كليهما 
تهج في التحليل نهجا أدبيا فيه كثير من التذوق والانطباع وجمع في مؤلفه 
عيون الشعر والنماذج النثرية الراقية » إلا" أن" هذا لم يمْتَعْهّما من استعمال 
مصطلحات العلوم العقلية ومن الاهتمام بالحدود والتقسيمات . 

ثم إننا لا نرى كيف يتسنى إدراج نفس المؤلف » الجرجاني في هذه 
الحالة » في الاتجاهين معا . إن ١‏ دلائل الاعجاز ).و (أسرار البلاغة) 
مشدودان رغم الفروق الظاهرية 3 إلى تصور بلاغي واحيد ومنهج قُ 
الدراسة متناسق . 

كما أننا لسنا واثقين من صحة المقاييس التي اعتمدت لوضع ابن سنان 

ع 3 و ٠.‏ 35 

الخفاجى مع ( أعلام 0 المدرسة الآدبية ووضع قدامة بن جعفر الشدق” 
الآخر ولا سيما أننا بينا » في الفصل السابق » شدة إعجاب الأول بالثانى 
ومحاولته التسّج على منواله . 

إن" اختلاف طرق التتأليف » واختلاف المستوى الدّغوي المختار للتعبير 
عن القضايا البلاغية » قد يعتبران » في رأينا » مظهرا من مظاهر المنهج 
لا أساسه . فليس ما يمنع أن يختلف شخصان في كل ذلك ويتفقان في 
الرؤية الفنية التي تنبني عليها مؤلفاتهم ؛ فرؤية العسكري لا تختلف في 
جوهرها عن رؤية قدامة ولا أدل' على ذلك من كثرة نقوله عنه » والإحجام 
عن مناقشته إلا" في بعض الأأمور التى أخذها عليه الثقاد الآخرون كالآمدي 
والقاضي الجرجاني ويتعلق جلها بتنطعه اسعميال الفطاحات وخروسه 
فيها عن المألوف تأثرا بأستاذه ثعلب . 


40989 


أما الاستعمال البسيط للمصطلح فهو الاستعمال الذي يجعل معناه قريبا 
من معنى التخطيط الاي وه الممعنى يصبح كل" 
م ا 0 1 د ا د ناه 

إن المنهج في تصورنا » لا بقتصر على طرائق العلماء في تأليف كتبهم 
وتنظيم فصول أبوابها » كما لا يتحدد بالصبغة الغالبة عا لى دراستهم أدبية 
كانت أو كلامية » وإنما يتجاوزها إلى تدقيدّ ق مسالكهم قُ الاهتداء إلى 
مواطن الجودة والقبح في الكلام واستكناه المستندات النظرية والمتطلبات 
المبدئية التي على أساسها واجهوا مسألة القيمة الفنية » وأخرجوا كتبهم 
بالصفة التي هي عليها . 

ومن تلك الصعوبات ما سببه مصادر العلم ذاته » فلقد أكدنا » طيلة 
هنذا البحث + عل أن" المادة البلاغية 'تجمعك مخ زوافن علايدة + :وأن" 
موضوعاتها نشأت متداخلة مع جملة من الأغراض والاختصاصات يعسرء 
من جرائها » تمبيز المؤلفات البلاغية عن غيرها بله تحديد منهجها , ٠‏ ويصبح 
الأمر أشد” عسرا وقت لمن" ميادين متتساوقة” كالتقد والبلاغة مثلا , 
فابن طباطبا وقدامة حاولا 1 من وجهة نظره » تجاوز فوضى الأحكام 
التقدية وتحديد مفهوم للشعر يرتبط بعيار ثابت للقيمة يعتمد في الحكم النقدي » 
وي تميبز جيد الشعر من رديئه » وقد أسّس كل واحد منهما محاولته على 
رسم عقلٍ متضافر العناصر متكاملها بحيث يمكن اعتباره منهجا في نقد 
الشعر بلمعنى العميق للكلمة » ولكن لسنا ندري إلى أي حد يمكن اعتبار 
هذا النوع من العمل عملا بلاغيا ؟ 

لذلك نقتصر في هذا الفصل على المؤلفات التى عرفت بطابعها البلاغى 
المتميز أي تلك التي حاولت وضع مبادىء عامّة لتقسيم الكلام » ولم ترتبط 


450 


بجنس أدبي معيّن » وهو مثا مسجرّد تواضع واصطلاح لأن في كتب نقد 
الشعر من المبادىء العامة » والقوانين المطلقة » الشي ء الكثير كما لم تجد 
المؤلفات البلاغية بدا من التوسل بالأدب شعره ونشره لوضع ميادئها في 
قح انكام عدو اكوم اما رد امي سد الكد ماتيا 
من مصادر الشعر الكبرى . 

كما أن المادة البلاغية في بعض المؤلفات النقدية لا تقل » من حيث 
الكم” على الأقل" » عمنا احتوت عليه بعض المؤلفات الخاصة بالبلاغة » ففي 
( العمدة ) لابن رشيق ما يزيد على مائتي صفحة خصصت لدراسة الوجوه 


البلاغية دراسة” مستفيضة مسشقئصية » يمكن اعتبارها حصيلة” ما قيل في 
تلك الوجوه إلى عهده (1) وهو ما يفسر كثرة إحالاتنا عليه في هذا البحث . 


تند يع يت 


يلاحظ الناظر ني تراث هذا الطور » أن” المشغل الرئيسى الذي كان 
بحرّك العلماء للتأليف والنقاش هو البحث عن منهج بربط القيمة الفنية إلى 
أصول ثابتة » ويمكن من إيجاد الدعائم المعقولة لإعجاز القرآن » والآدلة 
الواضحة على تفوق أساليبه وطرقه ني التعبير على كل أنماط الأدب المعروفة 
آنذاك . 

وإنما شجعهم على المضي في هذا النهج تبلور القسم الأعظم م: ن ماداة 
العلم واستقراره » بفضل مجهودات البلاغيين الأوائل الّذين رسموا 3 
العام لتلك المادة وأقسامها الكبرى بكيفية يمكن الإضافة إليها لا تبديلها . 
وفعلا فإن غاية ما أمكن إضافته وجوه لم ينتبه إلى وجودها السابقون » أو 
اصطلاحات دققوا معاني بعضها وتفدنوا في تقسيم بعضها الآخر وتفريعه » 
وما عدا ذلك فإن مشاركتهم الأساسية تمثلت كما قلنا » في إيجاد المنهج 


(1) انظر : العمدة » 241/1 - 335 و3/2 -104 . 


461 


الذي يصل المادة بالغايات لتقوم البلاغة علما يمكن بفضله اكتساب القدرة 
على الكتابة . 

وقد ظهرت هذه المشاغل التي فرضها تطور البحوث البلاغية بارزة في 
كثير من المقدمات التي فسر فيها أصحابها الدوافع التي حركتهم لوضع مؤلفاتهم . 
يقول ابن وهب مشيرا إلى قيمة كتابه : 

« وقد ذكرت في كتابى 
حكماء هذا اللسان » لم أسبق فقون لبها لوكو تكن كر عت ل يفن 
قولي ما أجملوه » واختصرت في بعض ذلك ما أطالوه وأوضحت في كثير 
منه ما أوعروه » وجمعت في مواضع منه ما فرقوه » ليخف بالاختصار 
حفظه »© ويقرب بالجمع والإيضاح فهمه ) . 

وما دامت الاهتمامات المنهجية غالبة على جهود هذا الطور فمن الطبيعى 
أن نكون التحولات الني تصيب التفكير البلاغي متصلة بهذا الجانب » ومن هنا 
يمكن الوق .أن الح عن سين التييجة ندر اسة الكلام وتصينفه هو » في 
نفس الوقت » رصد لأهم التطورات التي جدات في صلب التفكير البلاغي : 


هذا جملا من أقسام البيان » وفقرا من آداب 


تند ينزد ين 

وسدو » من خلال النخصوص التتي بين أيدينا 3 أن” البحث عن المنهتج 0 
بمرحلتين : مرحلة يشترك فيها كل العلماء قبل الجرجاني » ومرحلة يستأثر 
بها الجر جانى وبعض العلماء الذين جاؤوا بعده واهتدوا بمبادئه . 
1[ منهجية اللار اسة البلاغيية قبل الجرجانى : بين « العبارة » (1) « وتأليف 

العببارة » (2) 

طرح الجاحظ » وهو ببحث عن مقومات البيان وإعجاز القرآآن » أساسين 
منهجيين سيكون لهما أعمق الأثر في من جاء بعده من البلاغيين . الأساس 
4( انظر : البرهان في وجوه ألبيان ؛ ص 54 . 
2( اقتبسنا عذين المصطلحين من كعاب أبن وهب السابق من م البيان الثالث ع( الموسوم « بالعيارة » 

(ص 111 - 304) وباب « تأليف العبارة » يبتدىء من الصفحة 160 . 


402 


الأول يتمثل في اعتباره المجاز » ولا سيما الاستعارة » ظاهرة تقوم على نقل 
معنى الكلمة إلى كلمة أخرى في نطاق الرصيد اللغوي الذي يختار منه المتكلم 
وحداته اللغوية وقاءت الإنتجاز القولي ؛ وهذا التصور يضعف من قيمة 
التتركيب والسّياق وتلاحم أجزاء الكلام ني بناء الوجه المجازي وتوليده » وقد 
أكد صاحب ١‏ البيان والتشّبيين » هذا الاعتبار النظري ببعض الممارسات التطبيقية 
التي تدل" » على رغم محدوديتها وعدم إغراقها ني التحليل » على أنّه بالإمكان 
عزل الأساليب البليغة عن السياق الواردة فيه مما يوهم أن بلاغة النص ومكانته 
في البيان رهينة وجود تلك الأساليب أو أنها هي وحدها التي تحمل طابع 
البلاغة » وثي ١‏ البيان والتبيين » و«الحيوان) أبواب عديدة أشير فيها إلى 
المجازات من هذا التصور (1) . 


أما الأساس الثاني فهو يقابل الأول » ويتمثل في تأكيده من جهة على 
حسن التأليف بين أجزاء النص والحرص على تلاحم أجزائها وتناسقها . ونصه 
المشهور قُ 0 أحسن الشعر 2 تناقلته أجيال من البلاغيين واتخل منه الجرجاني 
حجة لتدعيم وجهة نظره في بلاغة النص (3) . وتأكيده» من جهة أخرى » على 
0 مكمن إعجاز القرآن وموجب فضله نظمه . ولئن منعنا ضياع مؤلفه 
الموسوم (١!‏ نظم القرآن » عن تبين حقيقة ما يدل عليه هذا المصطلح فإن في 
المتبقى من آثاره ما يدل" على أنّه يعنى به بنية النص » وتماسك أجزائه » 
وطريقة ضمها بحيث تنصهر في وحدة ملتحمة التحاما عضويا » فمعنى النظم 
هنا قريب من المقاييس التى افترضها في بنية الشعر . 

وعن هذه الأسس نتجت عدة نتائج ساهمت ني بلورة مناهج الدراسة 
البلاغية وتغذيتها بتصورات ستلازمها طيلة الحقبة التى تهمنا . وني مقدمة تلك 


(1) انظر مثلا : البيان والتبيين » 141/1 - 143 والحيوان 33/1 » 211 » 52/3 »+ 367 » 
1040 

(2) البيان والعبيين » 67/1 . 

(3) دلائل الإعجاز » ط. المنار ص 389 . 


463 


اله ف ا ا 3 حتى يستقيم ) 
مع عبد القاهر » منهجا أوحدا صالحا لتحليل المستوى الإنشائي في كل مر أثبه 
بما في ذلك القرآن . 


أما النتيجة الثانية فتتمثل في هذا المنحى المزدوج الذي نلاحظه في مؤلفات 
البلاغيين قبل الجرجاني عند مباشرتهم تحليل بلاغة الكلام وأنواع الأساليب 
لاير الفنية ويتمثل هذا الازدواج في ترددهم بين أهمية « العبارة » وأهمية 
تأليفها حسب عبارة ابن وهب أو بين دلالة ( الإسم أو الصفة » و«دلالة 
التأليف » - حسب عبارة الرماني (1) - 


وقد انعكسن هذا التردد على مؤلفات هذه الفترة بكيفيات متشابهة » فاين 
وهب الكاتب يبدأ باب « العبارة » بالتأكيد على ضرورة تفهم اللغة و« استنباط 
ما يدل" عليه لفظها ) (2) وحذق أقسامها ومعانيها وأحكامها حتى يتسنى تمثل 
ما نزل به القرآن » وجاء بها عن رسول الله من بيان » ثم يتطرق بعد ذلك إلى 
ضبط ١‏ أقسام العبارة التي يتساوى أهل اللغات في العلم بها » (3) ويعني بها 
المظاهر الثابتة والقارة التي تمثل الجذع المفترك ببق أ الأنظمة اللغوية التي 
تواضع عليها البشر » والتي يرد استعمالها بنفس الكيفية » وني أعقاب ذلك 
بهتم بما هو نخاص بلسان العرب دون غيره وشمل الاشتقاق » والتشبيه » 
واللحن » والتتعريض » والرّمز » والوحي » والاستعارة » والأمثال » واللغز » 
والحذف » والصرف » والْبالغة » والقطع » والعطف » والتقديم والتأخير » 
والاختراع (4) . 


(1) النكت في إعجاز القرآن » ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن » صن 106 » 107 . 
(2) البرهان في وجوه البيان » ص 112 . 
(3) المصدر السابق » ص 122 . 


(4) البرهان في وجوه البيان » ص 130 - 158 . 


404 


وني هذا القسم ميل واضح إلى إحصاء التعابير البيانية والمحسنات اللفظية » 
وجهلد” كبير للتعريف بها » ووضع ما يناسبها من المصطلحات » وإيراد 
الشواهد التى تعين على استجلاء خصائص الجودة فيها » ولئن بدت هذه 
لاهو لد عور عع قدة لهذا اللؤلات. ,13 مسف يعدن العا لذت مناخ : 
كمحاولة العسكري أو الخفاجى ٠‏ فإنها تكفى للتعبير عن مشغل قار في 
مؤلفات القرنين الرايع والخامس 1 أساسه إرساء قزانين نقد الكلام وصناعته ؛ 
ووضع مؤلفات همها تنظيم المادة » وتقسيمها إلى أبواب » وضبطها بحدود 
تجعل منها قوالب جاهزة لقيس البلاغة . فالبلاغة «حسب ما يفهم من (هذأ 
القسم) هي ف العبارة والكلمة لا في التركيب والسياق وتلاحم أجزاء الكلام » 
لذا تسنى التبويب وتوهمت إمكانية التقعيد في ميدان يخضع قبل كل شيء 
لإرادة المتكلم وقدرته على التصرف في معطيات اللغة وابتكاره » (1) . 

إلا أن اللؤلف لا يقف عند هذا الحد” » فبعد أن استعرض الأساليب 
والأوجه التي سبقت » ينتقل إلى قسم ثان من الباب » سماه باب « تأليف 
العبارة ) وهو عنده ضربان : منظوم ومنشور. ولعل” أهم” ما جاء في هذا 
الباب تصريحه بأن البلاغة تقع ني التأليف : و« في الشّعر والنشر جميعا تقع 
البلاغة والعي » والإيجاز والإسهاب ) (2) . 

وكأنه ينقض بهذا القول تصنيفه السابق » ويؤكد على أن دراسة الأبواب 
منفصلة لا تنفع لأن البلاغة لا يمكن أن تكون إلا سياقية وني إطار ذلك التأليف . 
ولعل حديثه عن حد البلاغة » في هذا القسم » شاهد لما قلنا ؛ وقد كان -حريصا 
فيه على إبراز مفهوم النظام إلى جانب مطابقة اللفظ للمعنى وحسن اختياره مع 
فصاحة اللسان «وحدها عندنا القول المحيط بلمعنى المقصود » مع انختيار 
الكلام © وحسن النظام ء وفصاحة اللسان ») (3) . 

د عبد الكادر اندر الغا الكو دمن 34 
(2) البرهان في وجوه البيان » ص 161 . 
(3) المصدر السايق » ص 175 --181 . 


405 


وقد جمع المؤلف في هذا الباب كثيرا من مقاييس جودة الشعر كصحة 
المقابلة وحسن النظام وجزالة اللفظ والإصابة في التشبيه والمطابقة والمشاكلة (1) ؛ 
كما جمع نخصائص المنثور بقسميه الخطابة والترسل (2) فذكر من مقومات 
الخطابة السجع » وجهارة الصوت ٠»‏ وسلامة اللسان » ومن معوقاتها الحصر 
والتنحنح (3) . 

وسيتدعم هذا التتّصور المتّردوج في المؤلفات المتأخرة © التكت في 
إعجاز القرآن » للرمانى وكتاب ١‏ الصناعتين » للعسكري و( سر الفصاحة ) 
لابن سنان الخفاجى » 0 مؤلفات تغلب عليها نزعة الإحصاء والتبويب 
والتحديد : عاك ونان بوره تكاد تقتصر على دراسة أقسام البلاغة 
العشرة » كما حددها ؛ وهي ( الإيجاز والتشبيه والاستعارة والتلاؤم والفواصل 
والتجانس » والتصريف والتضمين «المبالغة وحسن البيان ) (4) . وهو يتبع في 
استعراضها نفس النمط » فيبدأ في الغالب بتعريف الوجه » وذكر أقسامه 
والإشارة إلى دوره المعنوي بالاعتماد على نماذج قرآنية . وني الباب الأخير » 
وهو باب البيان » يلقي الرماني بفكرة على غاية في الأهمية وهي تعلق بتقسيمه » 
الدلالات اللغوية إلى قسمين : دلالات تؤديها الوحدات اللغوية منفصلة وقد 
سماها «دلالة الإسم أو الصفة » ودلالات تؤديها متصلة وسماها ١‏ دلالة 
التأليف » . والمقصود بهذا النوع الثاني من الدلالة الأحكام الحاصلة من تعليق 
أقسام الكلم بعضها ببعض كدلالة « الملّك » في الإضافة » مثلا » فهي تقع 
« من غير ذكر له باسلم أو صفة ) (5) . وقد انتبه الرماني إلى أن دلالة المعجم 
تقف عند نهاية معلومة بينما دلالة التأليف غير متناهية إذ في مقدور مستعمل 


(1) البرهان في وجوه البيان » ص 304-191 . 
(2) المصدر السابق » ص 208 - 215 . 

(3) النكت في إعجاز القرآن » ص 76 . 

(4) المصدر السابق » ص 107 . 

,.107 »ع ص‎ (1 «١  )5( 


1256 


اللغة أن يقيم بين وحدات رصيده المحدود عددا لا يحصى من العلاقات . 
ولزيد البيان قارن مقارنة طريفة بين التأليف و« الممكن من العدد » . فالممكن 
من العدد مطلق » لا يحيط به حد” » كذلك التأليف ؛ ومن ثم استحال أن 
يقول شاعر قصيدة سبق أن قيلت » ولأجل كل" ذلك اعتمد إعجاز القرآن 
على هذا النوع من الدالالة : 

« والبيان ف الكلام لذ يخلو من أن يكون باسم أو صفة أو تأليف من 
اسم للمعنى أو صفة كقولك : غلام زيد » فهذا التأليف يدل" على الملك من 
غير ذكر له باسم أو صفة (......) ودلالة الأسماء والصفات متناهية فأما 
دلالة التأليف فليس لها نهاية » ولهذا صار التحدي فيها بالمعارضة لتظهر 
المعجزة » ولو قال قائل » قد انتهى تأليف الشعر حتى لا يمكن أحدا أن يأتى 
بقصيدة إلا وقد قيلت فيما قيل لكان ذلك باطلا » لأن دلالة التأليف ليس لها 
نهاية كما أن" الممكن من العدد ليس له نهاية يوقف عندها لا يمكن أن يزاد 
عليها ) (1). 


وهذا التحليل » المتطور نسبيا » لفكرة التأليف سيكون من الذّبنات التى 
تساعد الجرجاني على إرساء فكرة النظم على أسس نظرية متينة واتخاذها خمطة 
يمسك بها بد لجام الألفاظ وزمام المعاني » (2) . 

ولم يخل كتاب الصناعتين » رغم طغيان ظاهرة الدبويب والتعريف 
عليه » من معطيات تتعلق بالتأليف والنظم » فقد تواتر فيه استعمال مصطلحات 
التأليف والتركيب والرصف والصوغ والسّبك والنظم والمبنى وما إليها (3) ؛ 





(1) التكث في إعجاز القرآن » ص. 107 

(2) أقتبسنا هذه العيارة من نص للخطابي جاء فيه : « وأما رسوم النظم فالحاجة إلى الثقافة 
والحذق فيها أكثر لأنها لجام الألفاظ وزمام المعاني وبه تنتظم أجزاء الكلام » ويلتثم 
بعضه ببعض فتقوم له صورة في النفس يتشكل بها البيان » . 

أنظر : بيان إعجاز القسرآن » ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن » ص 36 . 


(3) انظر مثلا صفحات 7 »6 61 »© 63 ») 64 » 167. 


46 


وقد خصص مؤلفه الياب الرابع للبيان « عن -حسن النظم وجودة الر صف والسيك 
وخلاف ذلك » (1) . كما نراه يلح » كلما تحدث عن الأحكام العامة في 
جودة الكلام 2 عل مفهوم الوححدة والتلاحم يقول مثلا : 

0 الكلام عد أيدك الله يعسن سلاسثه وسهولته ونصاعته وثتخير تلفله 
وإصابة معناه (.....) وحسن رصفه وتأليفه وكمال صوغه وتركيبه ) (2) . 

ولا شك" أن اهتمامه بهذا الجانب راجع إلى حرصه على الإحاطة بأسس 
التّظرية الأدبيئّة كما وقع طرحها في المؤلفات السابقة وإلى ربطه الغائية القصوى 
لعلم البلاغة بمعرفة وجوه الإعجاز (3) . 

كما أولى الخفاجي التأليف أهميّة كبيرة رغم أن" عنوان كتابه يوهم 
بأنه يركز حديثه على الفظة مفردة من جهة تناسق بنائها الصوتي » وجريانها 
في الاستعمال على قوانين اللغة » وما إلى ذلك من المقاييس التى حتد”دات بها 
فصاحة اللفظة » وقد سبق أن بينا الأبعاد" اللَتّي يجري فيها مصطلح الفصاحة 
في مؤلفه وانتهينا إلى أنه يتناول فصاحة اللفظة وفصاحة الكلام مؤلفا (4) . 

إلا أن" هذه المعطيات بقيت » على أهميتها في ذاتها وقيمتها التاريخية 
سات متهجية سيمهد تراكلمها السبيل لبروز نظرية النظم عند 
الجرجاني ٠‏ بقيت اعتبارا نظريا لم يولد في هذه المؤلفات نتائج منهجية ذات 
بال لأن أصحابها لم يهتدوا إلى سبل الربط بينها وبين ما صنفوا من أبواب 
ووجوه فجاءت وكأنها باب من جملة أبواب أخرى ومقياس كبقية المقاييس 
التي اعتمدوها لتقييم الكلام » فبقي الغالب على طريقتهم « تفكيك النص لعزل 
الأساليب التى تعتبر وحدها حاملة للبلاغة » (5) . 


(1) ص 167 وما بعدها. 

(2) الصناعتين » ص 161 . 

(3) انظر تأ كيد! لذلك المصدر السابق » ص 7 . 

4( انظ فصل الفصاحة والبلاغة السابق . 

(5) عبد القادر المهيري » المقال لد كور »اص 94. 


468 


5 


والسبب الرئيسي في أن" م يتخذوا منها منهجا للببحث عن أسرار البلاغة 
هو » في نظرنا » غياب البعد النظري الفلسفي والطموح الفكري عند هؤلاء 
البلاغيين » فليس ني مؤلفاتهم ما يدل على أنتهم يدافعون عن نظرية أو 
ينتصرون لموقف فكري معين » وحتى المواقف التي اشتهرت عن بعضهم فهي 
لا تخرج عن حيز البلاغة ذاتها كانتصار شق منهم للفظ » وشق آخر للمعنى » 
أو اختلافهم في تحليل بيت أو تخريج وجه . لذلك انحصرت مقاصدهم في 
الغرض التعليمي وكان شغلهم الشاغل مد المستعملين بقوالب جاهزة يمكن 
حفظها أو تدوينها في كنانيش لاستعمالها وقت الحاجة . ولعل” أحسن من عبر 
عن التشائسج التي أدات إليها هذه الطريقة في تصور قضايا البلاغة قول 
الباقلاني . 


«وأنت ترى أدباء زماننا يضعون المحاسن في جزء » وكذلك يؤلفون 
أنواع البارع ثم ينظرون فيه إذا أرادوا إنشاء قصيدة أو خطبة فيحسنون به 
كلامهم » (1) . 


وما لم يتوفر لهؤلاء توفر لعبد القاهر الذي استطاع أن يبني طريقة في 
تحليل الكلام على رسم عقلٍ مسبق وموقف نظري قائم على أسس معرفية 
واضحة مؤداها «أن” قضايا العقرل هي القواعد والأسس التي ينبني غيرها 
عليها والأصول التي يردما سواها إليها » (2) وبذلك استطاع أن يطور فكرة 
النظم ويعتمدها منهجا فذا في تحايل أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز معا 
واستعاض عن الثنائية التي كانت قائمة في مؤلفات أسلافه بوحدة التصور 
والمنهج . 


(1) انظر إعجاز القرآن » ص 111 . 
(2) أسرار البلاغة » ط » استنبول » 1954 » ص 345 . 


469 


2 نظرية النظم عند الجرجاني 
أ الجسذور التاريخية : 


لثن اقترنت نظريّة النّظم باسم الجرجاني واعتبرت سمة لبلاغته فإن 
غدؤوها بيدة ؤم فى الثبراث الغريئ 4.ولا سبا في مؤلفات اللغويين 
والبلاغيين ومؤلفي كتب الإعجاز . إلا" أن" اعتمادها أساسا قارًا ني التحليل 
' يرجع » متى استثنينا « نظم القرآن » للجاحظ إلى القرن الرابع عندما ازدهرت 
دراسات إعجاز القرآن قُ ليئة المتكلمين م ن أشاعرة ومعتزلة يصفة خاصة » 
وإذ ذاك تعددت المؤلفات التي تشير عناويئها إلى النظم والتأليف وصلتهما 
بالإعجاز : والكثير من هذه المؤلفات ضائع تذكرها اكت التراجم وتكاد لا 
تقول شيئا عن #تواها . فمن الكتب الضائعة الموسومة ب« نظم القرآن » نذكر 


6 الحسن بن علي بن نصر الطويي روث . 308ه) 2( وعيلك الله بن أ داود 
السجستانى (ت . 316ه) (3) » وأبى زيد البلخى (ت . 322ه) (4) » وأحمد بن 


(1) من أقدم النصوص المعروفة نص لعبد الله بن المقفع في الآدب الصغير يقارن فيه بين صناعة 
القول وصناعة الذهب والفضة » وقد أقشرنت كلمة النظم فيه بالقلائد والسموط والأكاليل » 
وكلها عبارات يتأكد دهبا الشبسه بين نظم الكلام و نظم الجواهر ويتلخص مفهوم النظم 
عنده في وضع الألفاظ مواضعها كا يض ء القعائة “كل شمن فى كرضمه واعبار تناسب 
الجوار والملائمة بين الوحدات تسرد لق شي . 

وإلى جانب هذين المظلهيرين الايجابيين ذ نيد سل عرسا و ا زهان اعد 
والنصيحة المسيطر على الكتاب » ويتمثل في قوله يأن لا فضل لناظم الكلام في اختراع 
0 ابتداع » أله يحنني. .ما يولك من كلام ,سابقيه . وهو فهم ستاتيكي أقرب من معنى 
ررحت الو الع رلا و حو لصو في الوم اكاك ال ا : الأدب الصغير . 
تحقيق أحمد زكي » مصر» 1 ١‏ ص 6 - 8 . وه - الضامن في كتيب : فظرية 
ال ارا الما ليل ارجا 4 لر انها تنا نار 0 و النصوص التي 
دراه في اك 4 عن موقت الشعقض ان القضي .و لقي كاذ هذا العمل وله جل 
ع ان ل ال ا ثم إنه يورد أحيانا نصوصا ثانوية ويترك نصوصا 
هامة معروفة . مثال ذلك 1 نف وتاي فى اسن رض أله امن مقزرف 
مشهور © الظر : النكت في إعجاز القترآن » ص 107-106 وقارنه بما ورد في 
هذا الكتاب ص 17- 18 . 

(2) طبقات المفسرين » للداودي » تحقيق إبراهيم محمد عمر » القاهرة » 12 

(3) قاريخ بغداد » للبندادي » ط, دار السعادة بمصر » 1931 » 464/9 . 

(4) البصائر والذخائر » التوحيدي » تحقيق إبراهيم الكيلانى » دمشق » (د. ت.) » 
١ . 2‏ : 


410 


0 5 م وع 7 5 
,علي بن الإخشيد (ت . 326ه) (1) . أما الكتب التي .جمعت في عنوانها بين 
الإعجاز والنظم فيذ كرون منها بالخصوص ١‏ إعجاز القرآن في نظمه وتأليفه ) 
لمحمد بن يزيد الواسطي (2) . وقد تكون مكانة هذا الكتاب » بين هذا 
الصنف من التأليف » هى التى دفعت الجرجانى إلى الاعتناء به وتخصيصه 

1 17 7 5-8 و 5 )2 78 3 

بشرحين » وقد ضاع الأصل والشرحات . 

ولئن كنا نجهل كل" شيء عن هذه الكتب » فإِنّنا نميل إلى الاعتقاد 
بأن" مضمونها » وطريقة تناوؤلها لسألة الدّظم ؛ لا تختلف كثيرا عن مؤلفات 
إعجاز القرآن التي وصلتنا كرسالتي الراماني والخطابي وكتابي «إعجاز 
القرآن 4 للباقلاني والقاضي عيك الجبار . 

فكيف ربطت هذه المؤلفات بين الدّظم والإعجاز؟ وما هي الآراء التي يمكن 
اعتبارها مسهتّدت السبيل لعبد القاهر لبلورة مفهوم النظم وإرسائه على أسس ثابتة . 

قبل الإجابة عن هذا السؤال نبدي رأينا في نص" نظن أن" الدارسين 
خخرجوه على وجه يمكن مناقشته » وهو النص الوارد في ( المغنى ) للقاضى 
عبد الجبار حكاية لرأي شيخه أبي هاشم الجبائي في الدظم . يقول : 

قال شحنا أبق هاشم إنما يكون الكلام فصيحا لجزالة لفظه 
ين » لأنه لو كان جزل اللفظ ركيك 
المعنى لم يعد فصيحا » فإذن يجب أن يكون جامعا لهذين الأمرين » وليس 
فصاحة الكلام بأن يكون له نظم مخصوص ٠‏ لأن الخطيب عندهم قد يكون 
أفصح من الشاعر ؛ والنظم مختلف » إذا أريد بالنظم اختلاف الطريقة » وقد 
يكون النظم واحدا » وتقع المزية في الفصاحة » فالمعتبر ما ذكرناه » لأنه الذي 
يتبين في كل نظم وكل طريقة ») (3) . 


وحسن معثأة ولايد من اعتيار الأمر 


010 الذهر ست 4 لابق النديم »؛ مطبعة الاستقامة » القاهرة » (د. تت ص 63. 
)2( المصدر السابق » ص 63 . 
(3) المغني في أبواب التوحيد والعدل » 197/16 . 


421 


و استنتج بعض الباحثين من هذا النص” أن" التّظم ‏ في رأي أبي هاشم 
ولا يصلح أن يكون مفسّرا لفصاحة الكلام » (1) بدون أن ينبنهوا ‏ أو 
يتنبهوا - إل المعنى الخاص” المستعمل فيه المصطلح في هذا السياق ؛ وهو 
معنى بعيد عن معنى الضم والتعليق وتأليف الكلمات في جمل والجمل ي 
فقرات وما إلى ذلك . فالتتظم في هذا النص” معناه الجنس الأدبي أو الشكل 
الأدعي كالخطابة ء والشعر » ولمّا كان عرض أبي هاشم استنباط 
القوانين العامة التي ١‏ ثتبين في كل نظم وكل طريقة ) القوانين التي يمكن 
سدم على مختلف أجناس الكلام وأشكاله رفض أن تكون الطريقة 
المخصوصة في الكتابة معيارا للبلاغة . وهذا الموقف قريب من موقف جميع 
البلاغيين العرب الذين كانوا يبحثون عن جودة الكلام بقطع النظر عن 
الخصوصيات اللاصقة بطرق تأليفه نظما أو نشرا. 

وقد بقيت بعض معاني النظم عند الباقلاني متأثرة بهذا التصور مثال ذلك 
قوله : إن" نظم القرآن على تصرف وجوهه وتباين مذاهبه خارج عن المعهود 

من نظام جميع كلامهم ومباين للمألوف من ترقيب خطابهم وله اليو نك 
بختص" به » ويتميز ي تصرّفه عن أساليب الكلام المعتاد » وذلك أن الطرق 
التي يتقيد بها الكلام البديع المنظوم ؛ تنقسم إلى أعاريض الشعر » على انخعتلاف 
أنراعه » ثم إلى أنواع الكلام الموزون غير القفى » ثم إلى أصناف الكلام 
المسجع المعدال » ثم إلى معدل موزون غير مسجع » ثم إلى ما يرسل إرسالا 
فتطلب فيه الإصابة والإفادة » وإفهام المعاني المعترضة على وجه بديع (.. 
وقد علمنا أن القرآن خارج عن هذه الوجوه ومباين لهذه الطرق » (2) . 


فواضح من هذا النص أن” الباقلاني يستعمل ستعمل « التتام و( النظام ) ) مرادفا 
لفنون الشعر والنثر التي صاغ العرب عليها كلامهم وأدبهم 4 لا بالمعزق النحوي 





69 انظر 5 حاتم الفمامن 4 الكتاب المأ كور 43 ص 21 :* 
(2) إعجاز القرآن » ص 35 . 


402 


,الذي سنراه عند عبد القاهر » ولا يعني هذا أنّه اقتصر في استعماله على هذا 
9 وإنما هو وجه من وجوه تفسير « جملة ) الأشعريئين التي خصّص لها 
الفصل الثثالكث من كتابه وهى قولهم إن القرآن « بديع النظم ؛ عجيب التأليف 
متناه في البلاغة إلى الحد الذي يعدم عجز الخلق عنه » (1) . وني « إعجاز 
القرآن ؛ وغيره من مؤلفات الباقلاني الأخرى سياقات تؤكدد أنه كان يفهم 
التنظم بمعنى تأليف العبارة وبناء النص" بناء تراعى فيه العلاقات » وملاءمتها 
لواضعها الي وضعتك فيها » من ذلك قوله في المعنى الثالث أورجملة ) 
الأشعرييسن المذ كورة 5 وإن” عجيتب نظمه » و لديم تأليفه لا يتفاوت ولا 
بتباين على ما يتصرف إليه من الوجوه التى يتصرف فيها » (2) . ويتأكد هذا 
المعنى في كتاب ١‏ التمهيد » حيث يقول : ١‏ ليس الإعجاز ني نفس اروف 
وإنما هو ني نظمها وإحكام رصفها وكونها على ما أتى به التبي » صلى الله 
عليه وسلم » وليس نظمها أكثر من وجودها متقدامة ومتأخرة ومترتبة في 
الوجود وليس لها نظم سواها » (3) . كما اعتبسر ما في القرآن «من عجيب 
النظم وبديم الرأصف ( أحد مظاهر الإعجاز وحجة من حصجيج النبوة 4 . 
أمنا القاضى عيك الجيثار فقك خلص المصطلح من الملادسات المعنوية التى 
حفات به في استعمال الجبائى وبعض استعمالات الباقلانى وكرسه للدلالة على 
طرق التركيب اللغوي وكيفية ضم أفراد الكلمات . وقد اعتيره من أهم” 
مقومات الفصاحة لتأثيره في صفة الكلام واللفظ معا : «اعلم أن" الفصاحة لا 
تظهر ف أفراد الكلام » وإنما تظهر ني الكلام بالضم” على طريقة مخصوصة 
ولابد مع الضم” من أن يكون لكل كلمة صفة” » وقد يجوز ني هذه 
الصّفة أن تكون بالمسواضعة التي تتناول الضم” » وقد تكون بالإعمراب 
(1) إعجاز القرآن نفس الصفحة . 
(2) المصدر السابق » ص 36 . 
(3) التمهيد » تحقيق ماكرتي » بيروت ) 1957 » ص 151 . 
(4) انظر : نكت الانتصار لنقل القسرآن » تحقيق محمد زغلول سلام » الاسكندرية » 
1 ») ص 59 . : 


403 


الأقام العا ان وقد كرون كا موقن أو للدي ليده لوقام الفاقية 
ِ 05 / 2 يدن 8 


رابع ) (1). 

وكما كان النظم سبب فصاحة الكلام فهو الوجه الذي يقع به التفاضل 
في الفصاحة ولابد” للأديب الذي يروم سبق غيره ١‏ أن يعلم أفراد الكلمات 
وكيفية ضمّها وتركيبها ومواقفها » فبحسب هذه العلوم والتفاضل فيها يتفاضل 
ما يصح متهم من رتب الكلام الفصيح 0 )2( 3 

تلك هى أهم” معاني ١‏ النظم ) الرائجة في أوساط المهتّمين بإعجاز القرآن 
قبل عبد القاهر » وتجمع بين القائلين بها عد"ة خخصائص » منها أنهم تعرّضوا 
للمصطلح في 0 2 ولم يعطوه مضمونا مضبوطا ملموسا » وم يحللوه 
تحليلا لغويا يكشف عن طاقات اللغة » وما توفره للمستعمل من إمكانيات 
التركيب والتأليف . 7 لات الواضف. والتعريف الى قد 00 الباحث 
في مؤلفاتهم لا تخرج عن أحد أمرين : فهي إما تفسير بالترادف يقترن 
بمو جبه لفظ ١م‏ النظم ( بألفاظ قريبة من معئاة كالضم والتركيب والثرتيب 3 
وهذه الطريقة تساعد على فهم مجمل المعنى ولكتها لا تشير إلى محتوى معلوم » 
وإما تفسير من زاوية ضيقة يضعف ثراء المصطلح ويحداد مجاله . مثال ذلك 
قول الخطابي ة في تعريف بلاغة النظم أنها 7 وضع 5 نوع من لأافاظ التى 
تشتمل عليها فصول الكلام موضعه الأخص الأشكل به » الذي 7 أيْد لان 
غيره جاء مله إِما تبديل المعنى الذي يكون منه فساد الكلام 8 وإما ذهاب 
الرونق الذي يكون معه سقوط البلاغة » (3) . 

وعند هذا الحد” من النص يبدو التعريف مقبولا لأنه يفتح أمام القارىء 
باب التأويل والاجتهاد لكننا نكتشف » عند مواصلة القراءة » أنّه يقصد 


(1) المغني في أبواب التوحيد والعدل » 199/16 . 
(2) إعجاز القرآن » 208/16 . 
)3( بيان إعجاز القرآن . ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن » ص 29 . 


404 


/ قضية جزئية هي الإلجاح على ضرورة مراعاة الفروق بين معانى ي الألفا فاظ التى 

تبدو مترادفة في اللغة كالعلم والمعرفة » واللحمد والشكر وما إليها . ولهذه المسألة 
أهميّة لآ تذكر ولكن لا يمكن اعتبارها مظهرا أساسيأ يستقيم » بمراعاته » اللنظم 
ويكتمل معناه . ويشترك أصحاب هذه الآراء في عدم اكتفائهم بالنّظم سببا 
لفصاحة الكلام وبلاغته فالقاضي عبد الجبار » مع قوله بالنظم ؛ لا يهمل 
ختصائص اللفظ المفرد التى يعتبرها شرطا من شروط الفصاحعة : ( ولا يكون 
الكلام فصيحا إلا 056 معناه وموقعه واستقامته كما لا يكون فصيحا إلا 
بجزالة لفظه » (1) . 


الفصاحة ل تتتخلص من التفسيرات الغيبية المثأثرة بمعتقده 
لد يتى © فترفق المتكلم إلى صياغة فكرته صياغة فنية ليس مرده العلم 
بالمواضعات ووجوه تصاريف اللغة وطريقة ضم' أفراد الكلام فقط . إذ لا بد" 
مع ذلك من ١‏ تأبيد وإلطاف » يرد من قبل الله تعالى » ولذلك نجد المتكلم 
يروم طريقه في الفصاحة فتقرب عليه مرة وتبعد أخرى وحالة في العلم / 
بأقراه الكلمات وكينية ضمها وتركبها ومواقيها / لذ تكاد تيلف . وإنما 
كان لذلك لن” لطائف هذه الأمور تحصل بغالبى الظطن” . وإن كان" ظاهرها 
يحصل بالعلم ون تعرف ذلك قِ 00 » لأآن لطائف ما تصير 
به أشكال 0 عل نظام مستقيم حسن لا يضبطها الكاتب 4 وإنما يعرف 
الججمّل” من ذلك ٠‏ وني التفصيل يفزع إلى غالب الظدّن لأن الله تعالى لم يقرر 
في العقول العلوم الضرورية بهذه اللطائف وإنما قرْر فيها العلوم بالجمل 
ابتداء أو عنك الممارسة (( 2( : 


)01( المغني في أبواب التوحيد والعدل » 357 . 

)2( المصدر 00 » 203/16 . يطرح القاضي عبد الجبار في هذا النص مشالة دقيقة» يحاول 
من خلالها أن يفسر سيب توفق المتكام إلى صياغة فكر ته صباغة فششة ©» مانا وعدم 
ترفه إل ذلك » أحياناً أخرى » مع أن عله بمواضعات الفة ‏ يتغير » وهر طرح يثير 
قضية أعم ومسألة بن مسائل الفن الشائكة التي لم تفض إلى اليوم وتتعلق بمعرفة لماذا يتأتى 
من دعضصن النامن د والآأدب ول يتاتى من بعضهع الآخر 

وقد أجاب النقد العربي وغير المربي عن السؤ ال إجانات متشابهة ذردوا ذلك إلى 


405 


كما يدخل هفهوم الاثفاق » لتفسير ظاهرة مطردة قٍُ الأدب وهي 
تفاوت كلام « المتقدام ) قُ الفصاحة » وإمكانية أن يقع في كلام من هو 
دونه ما يساوي كلامه بل يزيد (1) . وي بعض نصوصه الي احتجج بها 
للتبوة من طريق الإعجاز اللغوي آراء شبيهة بآراء القائلين « بالصرفة » من 
بعض الوجوه » ذلك أنّه لما تطرّق لمراتب الكلام في الفصاحة وأراد البحث 
عن السبب الذي من أجله فاق القرآن غيره من الكلام » وجاز قيامه دليلا 
على نبوة المرسل به » أقرّ بأن للقوة الالاهية يدا في إنهاء طاقة البشر على 
الفصاحة والبراعة إلى غاية معلومة » وحدود مخصوصة » فإذا زاد ما جاء به 
المدعي للنبوة على تلك المرتبة صار بمثابة المعجزة » يقول : 

0 بعلم أن مع وقوع الاشتراك في المعرفة باللغة » قد يتأتنى عن 
أحدهما الشعر 0 ن الآخر » ومن يتأتى ذلك منه فقد 
ل رفيا ا د الآخر » ويتفاضلون فيه » 
وهذه طريقة مشهورة » فلا يمتنع إذا كانت الكالة -قخة “ان ضير المفمضل 
فيه نهايات فيجري الله تعالى العادة بنهاية منه مخصوصة » دون ما زاد عليها 
فإذا اتفق مع المدعي للنبوة ما يزيد على تلك النهاية بمرتبة أو مراتب يصير 
ذلك بمنزلة إحياء الموتى في الدلالة » (2) . 

إن" كل" هذه الآراء ستدفع 2 رجاني إلى تعميق فكرة النظم « وديان 
ألو ونان الرية التى. تدحن .له من أ بن تأيه » وكيف تعرض له وما أسباب 
ذلك وعلله وما الموجب له) (3) . 


و الملكة » و« القريحة » و« الطبع 0 0 المحنة » . . وجواب القاضى عبد الجبار الذي 
نعتناه بالغيبى 2 العلمي المضبوط » لا يختلف عن هذه الأجوبة 
ا ا في العسلي بأن البلاغة والنقد لا يمكنهما تفسير عملية الخلق الفني من 
جميم جوائبها . إلا أله أل أكثر من غيره » على الجانب العقائدي الديني لأن النص وارد 
كتاب و ضع للاحتجاج لإعجاز القرآن بناء على فكرة أساسية هي 0 النهايات 0 أو 

المراثب وقد اقتضى مئه ذلك ذخال الالطاف الالاهى وتوفيقه لتفسير انتهاء قدرة الانسان في 
الفن إلى نهاية معلومة وزيادة القرآن على تلك التهاية بمرتبة أو مراتب ٠‏ 

(1) المغني في أبواب التوحيد والعدل » 16 / 274 . 

(2) المصدر السابق » 192/16 - 193 . 

(3) دلائل الإعجاز » ط. المنار »ء ص 63 . 


426 


ب التنظم في «دلائل الإعجاز » و «أسرار البلاغة» : 


رغم خلو مؤلفي الجر جاني من تخطيط محكم يسهل به إبراز مكانة النظم 
في تفكيره فإنه بالإمكان » بالنتتصرف في صياغة مادته » واعتمادا على بعض 
الإشارات المتعلقة بالتخطيط والواردة في المتن (1) » تحديد تلك المكانة 
ولو بصفة غير نهائية . 

فكل عمل بلاغي يروم تحديد قيمة الكلام الفنية ونجاعتها لا بل” 
له حسب الجرجاني ‏ من أن يدور على قطبين رئيسيين هما : « جنس 
المزية » و «أمر المزية » وفيهما لض 0 جهوده البلاغية في « دلاثل 
الإعجاز » و « أسرار البلاغة » فالبحث عن « جنس المزيّة » تولدت عنه كل” 
السياقات والحتجتج التي أوردها للرد على الذين عاقوا المزية باللفظ دون 
المعنى أو بالغوا في تقدير قيمة اللفظ على حساب المعنى وقد اضطره هذا 
العمل إلى البحث عن أسس نظرية تدعم تصوره القاضي بأن الناذقة والقضاحة 
إنما هي ني ١‏ الأحكام التي تحدث بالتأليف والتركيب » (2) ولعل" من أهم” 
0 التي بنى عليها هذا التصور نظريته في اللغة والكلام وموقع الدراسة 
البلاغية بالنسبة إلى هذين المحورين . 








(1) إن إعادة ترتيب المادة البلاغية في مؤلفي الجرجاني لا يخلو من فائدة ومع ذلك م نر » في 
حدود ما اطلعنا عليه » من اهتم بهذا الجانب رغم وفرة الإشارات المتعلقة بالتخطيط في 
المولفين » نذ كر على سبيل المثال قوله في أسرار البلاغة « واعلم أن الذي يوجبه ظاهر الأمر » 
وما يسبق إليه الفكر » أن نبدا بجملة من القول في الحقيقة والمجاز » ونتبع ذلك القول 
في التشبيه والتمثيل ثم ننسق ذكر الاستعارة عليهما » ونأتي بها فى أثرهما. وذلك أن 
اللجاز أعم من الاستعارة » والواجب في قضايا المراتب أن نبدأ بالعام قبل الخاص والتشبيه 
كالأضل في الاستعارة وهي شبيهة بالفرع له أو صورة مقتضبة من صوره 4# )اط خفاجي 03 
ص 122-121 , 


(2) دلائل الإعجاز » ط. المثار » ص .57 » ويبدو من نصوص الجرجاني أنه يطلق مصطلح 
« جنس المزية » على كل الأحكام التي وصفت بها بلاغة النص من قبيل قولهم « كلام جزل» 
و« لفظ رائق ) و( معلى صحيح 4 وم نظم غريب » من دون محاولة شرحها ارد 
بها مرحلة التأثر والانطباع . 
أما « أمر المزية » فهو عنده البحث عن الأسباب التي كان من أجلها الكلام على تلك 
الصفة ومحاولة تعليل الأحكام بالبراهين المقنعة .2 


40 


أمنًا البحث عن «أمر المزية ) فقد انطلق فيه من تقييم طريقة المتقدمين 
ىْ تحديد خصائص الكلام البليغ ؛ ويغلب على هذه الطريقة » في رأيه » 
الانطباع والاحساس بفضيلة النصوص دون القدرة على إخراج ذلك الاحساس 
من حيزه المضمر إلى حيز واضح جلي » ولذلك عولوا على الأحكام المجملة 
الي لا يعاضدها برهان ولا يبرزها بيان . وقد ذهب الظّن ببعضهم إلى أن 
اللغة لا تقوى على تصوير الحسن وتعيينه فاكتفوا بالتلويح والإشارة . 
والجُرجاني غير مقتنع بوجهة نظرهم لذلك عبر في أكثر من موطن على 
ضرورة تجاوز الانطباع ني الحكم الأدبي بالتحليل وإرساء الأحكام على 
أسس عقلية برهانية تحيط بها العبارة وتكشف عن مكنونها لأنه «لابد 
لكل كلام تستحسنه » ولفظ تستجيده من أن يكون لاستحسانك ذلك جهة 
معلومة وعلّة معقولة » وأن يكون إلى العبارة عن ذلك سبيل وعلى صحة 
ما ادعيناه من ذلك دليل ») (1) . 

فالوصف المجمل غير كاف لآنه يحجب عن الناظر الجهة التي تعرض 
منها المزية ولا يسمح بتفصيل القول في شأنها وفهمها على وجهها » وهو 
العيب الذي وقع فيه من ربط إعجاز القر آن بنظمه من دون أن يفسروا أمر 
هذا النظم ويعطوه مضمونا ملموسا به يتبين دوره في توليد بلاغة النص . 
إذ دلا يكفي أن (نقول) إنّه خصوصية في كيفية النظم وطريقة مخصوصة 
في تسق الكلام بعضها على بعض حتى (نصف) تلك الخصوصية 
وَ (تبينها)» (2) . 

والناظر في آثار الجرجاني يلاحظ أن هذه المسألة مشغل قار عنده » 
فهو بلح في أكثر من موطن على ضرورة تجاوز الحكم إلى تعليله » والبحث 
له عن مقومات موضوعية يِتَتَسِتّى بفضلها تفصيل الممجمل وتفسيره » 


)60 دلائل الإعجاز 3 55 المتار م ص 33 . 
(2) المصدر السابق » 30 , 


458 


/ وهو شرط واجب ايستحق البحث اسم البلاغة » ومن هنا كان حكمه على 

المحاولات التي سبقته صارما لأن توخيهم الإجمال في التفسير :ذهب (بهم) 
عن البلاغة » (1) . 

وعلى هذا النسق في ترقيب مراحل البحث البلاغي تتبيّن أهمية اللظم 
في تفكيره » والكيفيئة التي حا 0 صلب هذا التفكير : 
فالحديث عن القسم الأول - جنس المرية ‏ اقتضى الاحتجاج للنظم من 
جهة نظرية عامة » وتحت هذا الباب تنضوي جل الآراء التي توردها 
الدراسات أبيان موقفه من ثنائية اللفظ والمعنى . وقد عرضنا بدورنا الكثير 
منها في الفصل السابق . 

كما اقتضى الحديث عن القسم الثاني أمر المزية ‏ تحديد أبعاد 
المصطلح وربطه بمضمون صريح 20 حتى إذا ما جعل سيبا لإعجاز 
القرآن أمكن التعليل والتفسير ومعرفة «حجة الله تعالى من الوجه الذي 
هو هوا لها وأنوه لها» (2) . 

والجرجاني شاعر بأته مُقبل على مرحلة في التأليف عزيزة المنال تحتاج 
إلى الصبر على التأمّل والمواظبة على التدبّر (3) » كما تحتاج إلى أن يتوفر 
لدى المتقبل استعداد نفسي خاص" وطبيعة تسهّل عليه إدراك خفايا الأمور 
ودقائقها لنت المزايا الني تحتاج أن تعلمهم مكانها وتصور لهم شأنها أمور 
خفية » ومعان روحانية » أنت لا تستطيع أن تنبه السامع لها وتحدث له 
علما بها » حتى يكون مهيئا لإدراكها وتكون فيه طبيعة قابلة لها » ويكون له 
ذوق وقريحة يجد لهما ني نفسه إحساسا بأن” من شأن هذه الوجوه والفروق 
أن تعرض فيها المزية على الجملة ) (4) , 
(1) دلائل الإعجاز » ص 85 . 
(2) المصدر السابق » ص 31 


)3 0 00 نفس امسق 7 
 )4(‏ م 7 ص 419 - 420 , 


409 


ناهيك أن من النصوص ما (لا تَنْتّصف منه إلا باستعانة الطبع عليه 
ولا يمكن توفية الكشف فيه حقّه بالعبارة لدقئة مَسْلكه» (1) . 


د د 6د 
الأسس البدئية لنظرية التنظم : 


أشرنا عند حديثنا عن موقف الجرجاني من زوج ١‏ الفصاحة/البلاغة ) 
إلى الصعوبات التي تواجه كل من يروم دراسة تفكيره البلاغي من خلال قضايا 
جزئية » تُفصل عن التتّسيج العام" الذي يؤلف بينها . ورأينا أن السبب الأصلي 
في ذلك يرجع إلى أن تفكيره مبني بناء مترابطا متكاملا بحيث لا بل" أن يفضي 
البحث في أحد مظاهره إلى بقية المظاهر بضرب من التتداعي الحتمي . 

وقد حاولنا جهدنا أن نستعرض آراءه بي الفصاحة والبلاغة أو في اللفظ 
والعى ‏ بالسكوت عن الأسس التظرية التي تنب عليها تلك الآراء + أو 
بالإشارة إليها دون التعمق في تحليلها وإيراد الشواهد البنية لها حتى لا نضطر 
إلى تكرارها : على علاتها » ني هذا الموضع . 

إن" المتتبع لأصول نظرية النظم عند الجرجاني يدرك أنها مبنية على 
أسس لغوية متطورة قوامها التميبز بين اللغة والكلام تمييزا يضاهي في دقته 
واستحكام نتائجه ما وصل إليه علم التّسانيات الحديثة من آراء في هذه 
المسألة التى تعتبر من المشاغل المنهجية الكبرى التي حظيت بنصيب وافر 
من 00006 اللسانيين الغربيين (2) . 1 





(1) أسرار البلاغة » ط. خفاجي » 193/2 . 


(2) لا نرى فائدة هنا في الإحالة على مرجع معين لآن الانطلاق من التفريق بين « اللغة » و« الكلام » 
أمر يغلب على جل اللؤلفات اللسانية سواء ما اتجه منها اتجاها نظريا عاما أو اقتصر على ٠‏ 
فرع من فروع هذا الاختصاص » والملاحظ أن الدراسات التى تعرض أصحابها لآراء عيد 
القاهر تشير من حين لآخر إلى بعض آرائه اللغوية » ووجه طرافتها وحدائتها » إلا أن 
جمعها في حيز واحد ودراستها بمنطلقات منهجية لسانية م يقع إلا في محاولة فريدة لعيد 

القادر المهيري » المقال المذكور » حوليات الجامعة التونسية » 1974/11 » ص 83 - 108 . 


200 


ولئن حتمت طبيعة البحث البلاغي أن يكون «الكلام» محور آراء 
الرجل وشغله الشاغل لأن البلاغة تعتني بما ينجزه المتكلم بصفة فردية بالتصرف 
في استعمال عناصر الدّظام اللغري والتأليف بينها بكيفية تحقق أغراضه 
ومقاصده فإن” مقتضيات الاحتجاج والتعليل حتمت بدورها الحديث عن 
١‏ اللغة » واتخاذها أساسا منهجيا وفردا من زوج - اللغة/الكلام ‏ تعين 
دراسته على بلورة خخصائص الطرف المقابل » ومن كم اكتسى التمييز بين 
اللغة والكلام في تفكيره البلاغي أهمية خاصة » وتعلق بالجوانب التي تخدم 
غرضه الأصل وهو نفى المزية عن الألفاظ قبل « دخولها في التأليف وقبل 
أن اقضيّر: إلى «السووة الي يكن بها الكل إخباواتوآمرا تيبا واستخيارا 
وتعجيا) (1) . 

ويقوم التمييز بين اللّغة والكلام » في مؤلفات الجرجاني » على تساؤل 
أصْلٍ ذي صبغة بلاغية استوجبت الإجابة عنه الاستطراد إلى مسائل لغوية ٠‏ 

والسّؤال الأصلي الذي استوجب من المؤلف الاستطراد إلى التمييز بين 
اللغة والكلام هو البحث عن السّبب في فضل كلام على آخر في نطاق نفس 
اللغة » أو هو بصورة أدق” إبراز التحؤلات التى تطرأ على وحدات اللغة 
الشتركة عندما تصاغ من طرف الفرد للتعبير عن حاجيات تتعلق بتجربته 
الشخصية في نطاق المجموعة » وقد أدّى ذلك إلى تحديد خصائص كل" 
من اللغة والكلام والعلاقة الرابطة بينهما » والعناصر التي تنشأ من الصياغة 
والتأليف ولا توجد في الذّغة » ودور تلك العناصر . 

إن سلمنا بأن" الناس يكلم بعضهم بعضا « ليعرف السامع غرض الممتكلم 
ومقصوده ) (2) تحتم الإقرار بأن الكلام لا يمكن أن يقوم بغير اللغة » إذ' 
لا بخطر على بال أن بحصل التفاهم بين اثنين من غير أن تَربط بينهما 
00 
(2) المصدر السابق » ط. خفاجي » 462 , 


5201 


سنة مشتركة وجهاز رمزي عري وقع التواضع عليه والالترام بتصريف 
وحداته بما لا يتنافى وطبيعة ذلك الجهاز » لأن المتكلم لا يكون ١‏ متكلما 
حتى يستعمل أوضاع لغة على ما وضعت عليه) (1) كما يَتَحَسّم أن 
ستعمل الألفاظ فيما وضعت لتدل عليه لأته محال أن تلم مقصوداك 
إلى مخاطب تكلّمه « بألفاظ لا يعرف معانيها كما تعرف» «2) . 


لكن هل تتم عملية الكلام بمجرد الذّغة ؟ وهل يتسنى » بالاقتصار 
على ما توفره 4 التعبير عن المقاصد والتفاوت قُ ذلك التعيير ؟ 


تقتضي الإجابة عن هذا السؤال تحديد الفارق في الهدف بين اللغة 
والكلام 0 اضع اللغة هدفه إيجاد الأسماء والألفاظ المفردة التي تُرشد إلى 
مختلف المعاني وتدل عليها » وهو بذلك يوفر جهازا من العلامات والسّمات 
تقرابطة في نطاقه' الدوال اندلو لات ترابطا .كارا #انما" بوسسا ”عل محضن 
الاصطلاح والاتفاق » وبما أنها على هذه الصفة فإن طريق العلم بها 
« التوقيف والتقدم بالتعريف » (3) أو ( الاحتذاء) » حسب عبارة القاضي 


عبد الجبار . ولا مجال للفرد لتغييرها بالزيادة عليها أو الخروج عنها . 
« وإذا نظرنا وجدناه / المتكلم / لا يستطيع أن يصنع باللفظ شيكئنًا أصلا 
ولا أن يحدث فيه وصفا » كيف وهو إن فعل ذلك أفسد على نفسه وأبطل 
أن يكون متكلما حتى يستعمل وضع لغة على ما وضعت هي عليه ) (4) : 
ومن هذه الزاوية » تبدو اللّغة نقضا لكل محاولات الابتداع والابتداء 
والسلوك اللغوي الفردي الذي وإن' بقى ني حدود ما يُقره نظامها من قواعد 


(1) دلائل الإعجاز » ط. خفاجي » ص 367 , 
(2) المصدر السابق » ص 375 . 

)2( 0 1( © ص 266 ., 

60 « ١م‏ عط المخار » ص 308. 


5202 


,ومعايير » فهو يتصرف فيها بما يلاثم طبيعة ما يريد التعبير عنه ويجعل 
وحداتها في خدمة مآربه الفردية . 


فكيف يتما رفع التناقض الظاهري بين اللّغة» و «الكلام» ؟ 


يتم" ذلك إذا اعتبرنا الذّغة وسيلة » أو مادة خاما » و-جملة من القوانين 
المجردة لا تكتسي وجودا فعليا إلا بالكلام وني الكلام » بمعنى أن اللغة 
لا وجود لها خارج الفعل اللغوي الذي هو الكلام لأن « الألفاظ المفردة التي 
هي أوضاع اللغة لم توضع لتعرف معانيها في أنفسها ولكن لضم بعضها 
إلى بعض »؛ (1) . 

ولا بد أن تكون الفائدة الناتئجة عن الضم' مباينة لما ندل عليه 
وحدات اللغة في أصل الو ضع » وإلا سقطت الحاجة إلى الكلام » لأنه 
ليس شيء ني اللغة يعرفه المتكلم لا يعرفه السامع إذ من شروط عملية 
التواصل » كما ذكرناء أن يشتركا ني العلم باللغة وكيفية مواضعتها . 


يقول الجرجاني : « ومعلوم أنك أبها المتكلم لست تقصد أن تعلم 
السامع معاني الكلم المفردة التي تكلمه بها » فلا تقول خرج زيد لتعلمه معنى 
خرج في اللغة ومعنى زيد » كيف ومحال أن تكلتمه بألفاظ لا يعرف هو 
معانيها كما تعرف ؟) (2) . 


فغاية الكلام تتجاوز ما ننه الّغة من معان بالوضع والاصطلاح إلى 
معان جديدة تحدث وقت « تؤلف / وحداتها / ضربا خاصا من التأليف ويعمد 


بها إلى وجه دون وجه من الدركيت والترتيب ) (3) . 


(1) دلائل الإعجاز » ط. خفاجي » ص 473 . 
2( المصدر السابق » ص 375 . 
)3( أسرار اليلاغة ط خقاجي 03 96/1 5 


503 


وهذه المعاني الجديدة هي ١‏ الأحكام ) التي يولدها المتكلم بتعليق 
وحدات اللغة على هيئة مخصوصة والربط بينها بعلاقات يُنْشئها إنشاء 
لا أل له في اللغة » لآن اللغة لا توفر لمستعملها إلا" ضروبا من الكتلم 
منفردة ولا تحدد له طرق تعليق بعضها دءة ببعض لأنها دل تأت لتحكم بحكم 
أو لتقية و وتنفي ؛) وتنقض وتبرم 3 فالحكم بأن” الضرب فعل لزيد ع 
أو ليس بفعل له » وأن” المرض صفة له أو ليس بصفة له شىء يضعه 
المتكلم ؛ ودعوى يدعيها » وما يعترض عل هذه الدعورى من تصديق أو 
تكذيب » 0 اف وإنكار » وتصحيح أو إفساد » فهو اعتراض عل 
المتكلم » وآ يس للغة من ذلك بسبيل » ولا في قليل ولا كثير ) ) (3) . 

ريؤكد اليج جرجاني ؛ في أكثر من موضع ». على أن المعنى التناشىء 
بالكلام م- مسختلف عن معاني الوحدات اللّغوية المكونة له » لأثنا في الكلام 
نتوخى نهجا في الدلالة يختلف من حيث نوعه عن نهج اللغة » فتصبح 
العلاقات التي ينشء اكلم اينات السياق هي الدالة » لا الكلمات في 
حد ذاتها » أو هي بعبارة أشرئ دلالة نشأت مه ن تجاوز دلالة الكلمات 
مفردة . وهو بهذا بتبن يتبنى موقفا يكاد يكون شكليا » وينم عن فهم عميق 
لتشحول الذي يطرأ على الظاهرة اللغوية وقت يصوغها المتكلم ويخرجها من 
لا وجود له خارج سياقه : يقول : 

«واعلم أن" مثل واضع الكلام مثل من يأخذ قطعا من الذهب أو الفضة 
فيذيب بعضها في بعض حتى تصير قطعة واحدة . وذلك أنّك إذا قلت : ضرب 
زيد عمرا يوم الجمعة ضربا تأديبا له » فإنك تحصل من مجموع هذه الكلم 
كلها على مفهوم هو معنى واحد لا عدة معان كمأ بتو همه الناس 2 وذلك 


(3) أسرار البلاغة » 246/2 , 


504 


لأنف ل نات بهذه الكلم لتفيده أنفس معانيها وإِنّما جئت بها لتفيده 
وتكود امدق 10 
وليس ١‏ التعليق ») الممشار إليه 2 النص” إلا واحدا من جملة مترادفات 
ذكرها الجرجاني مرارا لتقريب معنى النظم من الأذهان > « التسّخ والتأليف 
بعضها مع بعض حتى يكون لوضع كل حيث وضع علة تقتضي كونه هناك 
وحتى لو وضع في مكان غيره لم يصلح » (2) . 
فكيف حدد مفهوم الدّظم في مؤلفيه ؟ 


حداد الجرجاني مفهوم النظم بثلاث كيفيات متكاملة : بما ليس هو ع 
وبالتعبير عن معناه عبارة مجملة » وبتفصيل القول في شأنه والبحث له عن 
أساس ملموس يتبين به فضل الكلام على اللّغة . 

فليس النظم 0 توالي الألفاظ في الشطق 4 وورود ها على السسمع 
من غير ترتيب معلوم 3 وتأليف ميخصوص » ورسم مسيق »© يضعه المتكلم 
ليبني الكلام عليه » وينسق بين أطرافه ليبين عن المراد » ويسْبَلغ عن القصد , 
ولا يتصور في عقل أن يقوم بين الكلمات من حيث هي أوعية جوفاء وأجراس 
نظم ١‏ لأنه لا يتصور في الألفاظ وجوب تعديم وتأخير 4 وتخصيص فى 
ترتيب وتنزيل » (3) . ويضرب الجرجاني لذلك مثلا قول امرىء القيس : 
(طويل) ْ 

قفا ذبك من ذ كرى حبيب ومنزل 
69 دلائل الإعجاز » ط. المثار » ص 316 . 
(2) المصدر السابق » ص 40 , 
(3) أسرار البلاغة » ط,. خفاجي » 97/1 , 


5200 


ويرى أرّنا مه نى قرأنا شطر البيت على هذا 00 وأبقينا على 
نظامه الذي عليه 2 وجدناه من ( كمال البيان ) | إذا خرمنا هذا النظام 
وعددنا كلماته عدا « كيف جاء واتفق » كأن” 5 : منزل قفا ذكرى 
من نيك حبيب ( ذكون خر جنا سه إلى مال الهذيان ا والسبب قُ تحول 
هذا الشعر من النقيض إلى النقيض ليس جرس الحروف وخصائص اللفظ 
الصوتية فإننا لم' تضيكف كلم خما وعد قاو لأ عاوقنا ترق الور داعن 
الكلمات » وإنما هو من إبطال نضده وإفساد هندسته وقالبه الذي فيه « أفرغ 
المعنى ) وأجرى (1) . 


فاستقامة الكلام واستحالته رهينة نظمه وما يقوم بين معانيه من وشائج 
تجعل دلالتها متناسقة ومعانيها متلاقية » ذاك لأنّه « ليس من عاقل يفتح عين 
قلبه إلا وهو يعلم ضرورة أن المعنى في ضم بعضها إلى بعض وتعليق بعضها 
ببعض ؛ وجعل بعضها سبب من بعض » لا أن" ينطق يبعضها في أثر بعض 
من غير أن" يكون فيما بينهما تعدّق” » ويعلم كذلك ضرورة » إذا فكر » 
أن التعلق يكون فيما بين معانيها لا فيما بين أنفسها » ألا ترى أنا لو جهدنا كل" 
الجهد أن" نتصور تعلقًا فيما بين لفظتين لا معنى تحتهما لم نتصور ) (2) ؟ 


وبهذا المعنى » يتصبح النّظم صنعة وثيقة الصلة بقوى الإنسان المدركة 
وني مقدمتها العقل » ويصبح انتظام الوحدات اللغوية انعكاسا للمضمون في 
بنائه المنطقي » وبهذا الصنيع أشار الجترجاني « إلى أصّل من أهم” أصول 
الوحدة المنطقية » فقسم للعقل مكانا في العمل الفني » وجعله هاديا لوحدة 
التّسق في ترتبه على صورة تتلاءم وقوى الإنسان العاقلة والمتذوقة » (3) . 


(1) أسرار البلافة » ط. خفاجي » 96/1. 
(2) دلائل الإعجاز » ط. خفاجي » 416 . 


(3) انظر : السيد أحمد خليل » المدخل إلى دراسة البلاغة العربية » دار النهضة العربية 
الطاعة والعغر »> يروت 1968 + ص38 , 


5206 


وفعلا فإننا نجد في مو ا عديدة من ( د لائل الإعجاز ) نصوصا تؤكد 
هذا المنحى العقلي الناتج » ني 0 » عن تركيزه عملية النظم على العلاقات 
الدلالية بالدرجة الأولى » فمن أقو له المشهورة : ١‏ ليس الغرض بنظم الكلم 
أن توالت ألفاظها 2 النطق بل 7 تناسقت دلالتها وتلاقت معانيها على الوجه 
الذي اقتضاه العقل 0 (1). 


وهنا يبرز فارق كبير بين ١‏ اللغة ) ولحدي يتمثل ي أن" اللغة » 
بحكم قيامها على الوايع والاصطلاح » يمكن أن' تتضمن ظواهر تستعصي 
على التتفسير والتعليل لأنها وقعت بمحض الاتفاق والاعتباط » وهو ما ل 
تكن قي ١‏ الكلام ) لأنه محكوم 00 الأصل » بزمام العقل وثرتب المعاني 
في النفس ولا يصدر من المتكلم إلا عن قصد وعلم سابق بالمباني الملاءمة لما يريد 
أن يصوغ من المعاني إذ « لا يكون ترتيب ني شيء حتى يكون هناك قصد إلى 
صورة وصنعه ) (2) . ويكون النظم » من هذا المنظور » تتويجا لجملة من 
العمليات السابقة له يمكن تلخيصها على النحو التالي : تبلور الأفكار في النفس 
وانتظامها انتظاما نظريا مجردا حسب مقولات الفكر ؛ ثم بروز الحاجة إلى 
الرموز والعلامات لآن" الفكر لايلتبس بالفكر » والجوهر لا يدل على الجوهر 
فتستبدل المعاني المكردة الات والعلامات الدالة عليها » ثم ترتب هذه 
العلامات على النسق الذي ترتب حسبه المعاني ني النفس . يقول الجرجانى : 
ولا يقصور أن تعرف الفظ موضعا من 0 تعرف معناه » ولا أن فرذي 
التزتيب ي المعاني وتعمل الفكر هناك . فإذا تم لك ذلك أتبعسها الألفاظ 
وراك هاوه 2 سي اي لسر 0 
أن تستأنف فكرا في ترتيب الألفاظ بل تجد أنها تتركب لك بحكم أنها خدم 
للمعاني وتابعة” لها ولا حقة” بها ) (3) . 


4 


(1) دلائل الإعجاز » ط. المنار » ص 40 - 41 , 
(2) نفس المصدر ع ص 2202278 
)23 نفس المصدر عاطم خفاجى ص 06 


20, 


وعلى هذا الأساس رأى بعض الباحثين إمكانية لإدراج نظرية النظم ضمن 
أحد النماذج الاسانية الحديثة وبالتدقيق « داخل إطار توليدي وبالخصوص 
النماذج التوليدية القائلة بقاعدية المكون الدالالي » لأنهم وجدوا ني نصه السابق 
م يدل” على أنه يميز بين مستويين : 

- مستوى عميق غير منطوق مشتمل عل المعاني الدلالية . 

1) مرحلة تستبدل فيها المعاني العميقة بألفاظ القاموس 

© ومرحلة تعلق فيها هذه الألفاظ بعضها ببعض حسب قواعد 

التركيب (1) ) . 

ويقيننا أن" في ما خلف الجرجاني خطرات ساف امسو ان ديه 
الّسانيون المعاصرون إلا أنّنا نحذر من تأويلها بالاعتماد على نموذج معيين 
ولا سيّما إذا كان ذلك النموذج لم يتخط عند أصحابه مرحلة البحث والتجريب 
شأن « علم الدألالات التوليدي ) (2). ويبدو لنا أن نزعة صاحب ١‏ دلائل 
الإعجاز إلى اعتبار نظام البنية اللغوية الخارجية صورة لانتظام المعاني في النفس 
أكثر ملاءمة لأصول المذهب الذهني » (3) الذي يقول بانفصال المعاني 
والمفاهيم عن العبارة وتقدمها عليها » ويعتبر اللّغة مجرّد أدلّة على تلك 
المعاني » ليس لها فيها تأثير إلا" بقدر ما يؤثر الوعاء ي ما يحتوي عليه . ومن 
أبرز خصائص هذا المذهب اعتماد أصحابه ني بحثهم عن المعنى على الطبيعة » 
والذّوق » والقريحة » والإحساس » أي على كل العناصر الذاتية التي تروم 


(1)-انظر : أحمد المتوكل » نحو قراءة جديدة لنظرية النظم عند الجرجاني » ضمن لسانيات 
وسيمائيات » منشورات كلية الآداب والعلوم الانسانية بالرباط » 1976 » ص 87 - 96 . 
(2) 976ةع6ممع عناوتاصقحدة5 انظر في مبادىء هذا العلم والانتقادات الموجية الى أصحابه . 
مذ 05طعنا غخمع تلت ,صذ ,ممع ممت 5 مله ماصع" : عاآموطء5 .لل. 1 
,66 ,876 1.3 .60 عدمة3 رسع كتتدعمنا 

(3) عألتلمتدعد ععسقلمه]” انظر : 
و1 .2 عه عو سوط - وزوطتاط .1 ,.لههنا عله ف فقع عنمو ااكقاع 111 : كهولاناآ .ل 
.307-38 .زم ,1968 ,28515 ,132011556 .60 ,مامقصلط 


5308 


دفع القارىء إلى تخطي سطح البنية الّغوية التي تحمل إليه تجربة” المتكدّم 
والنقاذ إلى جوهر التجربة ذاتها بالنظر فيما ما يقوم بين معاني الألفاظ من 
علاقات . 

ويلح الجرجاني في تحديده النظم على فكرة العلاقة أو « التعليق» ولا 
أدل” على الأهمية التى يعدّقها بها من اقتصاره ني بعض التعريفات عليها ومثال 
ذلك قوله : ١‏ 


( معلوم أن" ليس النظم سوى تعليق الكتلم بعضها ببعض » وجعل 
بعضها بسبب من بعض ) (1) . وقوله : (لا نظم ني الكلم ولا ترتيب حتى 
يعلق بعضها ببعض » ويبنى بعضها على بعض ٠»‏ وتجعل هذا سبب من 
ذلك ) (2) . 

إلا أن" هذه الطريقة في التعريف لا تناسب ما عزم عليه المؤلف من تطوير 
للمبحث البلاغي » وتجاوز لقصور سلفه في بيان مكان الفضل والمزية في 
الكلام » ووصف الخصوصية التي أضافوها إلى الذظم . ومن ثم تحتم اللجوء 
إلى صنف ثالث من التعريفات يتبين بها أمر التعليق وتُفصّل قضاياه » وتركز 
المصطلح على أساس ملموس يؤْهئله لوظيفة التعليل والاستدلال . وهذا الأساس 
هو ( معاني النحو وأحكامه ) التي ستعواض في التعر يف مصطلح ١‏ التعليق ») 
ويتواتر استعماله في مؤلفيه كلما عرض اسألة النظم مثال ذلك قوله : 

« واعلم أن” ليس التظم إل أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم 
النحو وتعمل على قوانينه وأصوله » وتعرف مناهجه التي نهجت فلا تزيغ عنها 
وتحفظ الرّسوم التي رست لك فلا تخل بشيء منها وذلك أنا لا نعلم شيئا 
يبتغيه الناظم بنظمه غير أن ينظر في وجوه كل باب وفروقه ) (3) . 
(1) دلائل الإعجاز » ط. خفاجي » ص 44 . 


(2) المصدر السابق » ص 97, 
)3( المصدر السابق 34 ط المنار © ص 64 


509 


وقوله : « التظم هو توخي معاني النحو في معاني الكلم وإن توخيها في 
متون الألفاظ ععال » (1) . 

وقد صنع الجرجاني ىُُ مطلع ١‏ دلائل الإعجاز ) قصيدة على البحر 
البسيط بِّن فيها وجه ارتباط الإعجاز بالنظم وأتى فيها على حداه فمما يقوله 
فيها : (سيط 
:وقد علمنا بأن” النظم ليس سوى حكم من التحو تمسضي في توحيه 


لو نقتب الأرض باغ غير ذلك له معنى وصعلد يعلثو في تركقبه 


2 3-3 


3 


مما عدا إلا" خسار في تطلبهء 2-١‏ ولارأى غير غي في تبغيه (2) 
قما الملقصود بمعاني النيحو ١‏ 


الجواب عن هذا السؤال ليس ميسورا لأسباب : منها أن المؤلف لم يقسم 
بأي جه تأليفي 1 ين ريط النظم بمعاني الحو 4 ويدقق المعزى 
الذي ينُجري عليه كلمة الشّحو وذلك رغم كثرة الإشارات والتحليلات التي 
توهم القارىء بأن الرجل خخرج عن ميدان البلاغة إلى ميدان الوصف اللغوي 
كما باشرته أصول النحو الأولى قبل أن تغلب على العلم النواحي الإعرابيّة 
الشدكلية (3) . 


ومنها أن الرّجل لم يستطع وقت تحليل النماذج الأدبية الإفلات من 
« التأثرية » و: الانطباعية » في أحكامه الأدبية » وهذا لا يساعد » بطبيعة الحال » 
على معرفة الأبعاد التي يستعمل فيها المصطلح ولا دوره في توليد جمال 
النصوص وكشف أسرار بلاغتها . فهو كثيرا ما يستعيض عن التعليل المدعم 


(1) دلائل الإعجاز ط. خفاجي ء» ص 226 » وانظر أيضا الصفحات :. 69 » 282 » 
3 6 314 » 373 )2 418 . 


(2) دلائل الإعجاز » ط. خفاجي » ص 49 . 


)3 انظر مثلا : دراسته للاستفهام والنفي والحذف والفروق في الخبر » والحال وغيرها . 
دلائل الإعجاز » ط. المثار ء ص 88- 168 , 


210 


م بالحجة بعبارات ندل على مجرد الإعججاب والتفاعل كقوله : ١‏ انظر إلى 

قوله ) .....( وانظر إلى الإشارة والتعريف في قوله » .... (1) . 
ومنها أخيرا أن الداراسات إما لم نوف هذا الجانب حقه من الدرس 

ففسر بعضها معاني النحو د ١‏ ما نسميه اليوم بالوظائف النحوية ) (2) . وفسرها 
البعض الآخر بأنها « الوجوه والطرق في تعليق الكلم بعضها ببعض وهي تعلق 
اسم باسم وتعلق اسم بفعل » وتعلق حرف بهما » (3) . وإما أنها اعتمدت هذا 
المصطلح منطلقا لدراسة موسعة لنظام الذّغة مبانيها ومعانيها » بكيفية يتعذر 
معها الفصل بين أصل معناه عند الجرجاني وما هو اجتهاد شخصي وتطعيم 
لذاك الأصل بمكتسبات اللسانيات الحديثة (4) . 


3 


يبدو من سياقات « دلائل الإعجاز ) أن الغرض من ١‏ التّحو ) » و« معاني 
النحو » ليس غرضا شكلينا إعترابيا إذ لايرى المؤلف قيمة للحركات التي تطرأ 

على أواخر الكلمات » لأن العلم بما يتَاسب الوظائف من حركات عالم” 
مفدرل” بين جميع العار فين باللغة» وهم لا يحتاجون لاكتسابه إلى حدة ذهن 
وقوة خاطر » كما أنه لا يتصور أن" يقع التفاضل” من أجلها وأن تكون 
لنفس الحركة مزية في كلام ثم لا تكون لها تلك المزية في كلام آخر . وبهذه 
الكيفية يجرد المظهر الإعرابي من كل قيمة أسلوبية ويعتبره مجرّد دليل 
على سبب عميق استوجبه يقول : 

« ولا يجوز إذا عدت الوجوه التى تظهر بها المزية أن يعد فيها الإعراب 
وذلك أنه مشترك بين العرب كلهم ل هو مما يستنبط بالفكر ويستعان 


(1) دلائل الإعجاز » ص 62 »2 71 »2 73. 

(2) عبد القادر المهيري » المقال المذكور » ص 101 . 

)3( اعد مطلوب »© عبد القاهر الجر جانى : بلاغته ونقده » ص 66 . 

(4) انظر : تمام حسان : اللغة العربية معناها ومبناها » الميئة المصرية العامة للكعاب 1973 . 


511 


عليه بالروية ( ......) ومن العجب أنا إذا نظرنا في الإعراب وجدنا التفاضل 
فيه محالا لأنه لا يستتصوّر أن' يكون للرّفع والتصب في كلام مزية” عليهما في 
كلام آخرء وإنّما الذي ينْتصوّر أن' يكون ههنا كلامان قد وقع ني إعرابهما 
خلل ثم كان أحدهما أكثر صوابا من الآخر » وكلامان قد استمر أحدهما 
على الصواب ول يستمر الآخر . ولا يكون هذا تفاضلا ني الإعراب ولكن 
تركا له في شيء واستعمالا له في شيء آخر » (1) . 

ويمكن أن نخرج من هذا النص بنتيجتين هامتين : أوّلهما أنه يستعمل 
النحو في معنى واسع بتخلّصه من سيطرة الندّرعة « المدرسية » الشكلية التي 
غابت عض مسائله بعد انتهاء فترة ( التاصيل ( التي 0 ابن جني قممتها 
ونهايتها . وثانيهما أنّه لا يهمه منه إلا" الجانب الذي يمكن توظيفه ني إطار 
بلاغي نقدي واعتماده أساسا لبيان مأتى الجودة ني الكلام وسبب تفاوته ني 
الحمّسن . لذلك تراه يضرب صفحا عن مسأئة الخطل والصّواب ولا يعير القواعد 
التي تضمن السّلامة من العيب أهمّية (2) . وبناء على هذا التصور يصبح النحو 
صنو الحس” الذّغوي المرهف وإدراك الفروق بين طرائق التركيب ووجوه 
ترقيب المباني على المعاني » و صنعة” تنُد'رك بثاقب الفهم والفكر اللطيفة لاجملة 
من المصطلحات والأبواب تحفظ عن غير رؤية . يقول الجرجاني ني هذ 


.....١«‏ إن الاعتبار بمعرفة مدلول العبارات لا بمعرفة العبارات فإذا 
عرف البدوي الفرق بين أن يقول : « جاءني زيد راكبا » وبين قوله : « جاءني 
زيد الراكب » لم بيضره أن لا يعرف أنه إذا قال «راكبا» كانت عبارة 
النحويين فيه أن بقولوا ني « راكب » إنه حال » وإذا قال « الراكب ») إنه صفة 
جارية على « زيد) (3) . 
(1) دلائل الإعجاز » ط. المنار » ص 203 » 306 . 
(2) المصدر السابق » ط. المثار » ص 76 - 77 , 


(3) المصدر السابق » ص 320 . 


52 


وكما أن" الغرض من التّحو ليس الصحّة المطلقة والإعراب الظاهر فهو 
بدن بز اعاة"المظ ‏ الشرى لقاء الججاة: كه اموه لو عن القر سين ونا 
أمر بديهي في مبحث يستمد" شرعية وجوده من خروجه عن تلك الأنماط . 
ولحاي كثيرا ما ربط حسن الكلام ورونقه وتماسك أجزائه ودقّة نظمه 
بخروجه عن أصل التركيب » ومثال ذلك تعليقه على قول الشاعر : (طويل) 
فلو إذا ا1 د هر والكن فاحي-. وتتلظ أعدااء وعاف لمية 
تكون عن الهو اد داري بنجوة ولكن مقاديرٌ جرت ا 
حق و ااي م “ادل ما يَرْجَى أخ ووزير 

يقول : ١‏ فإنتك ترى من الرونق والطلاوة » ومن الحسن والحلاوة ثم 
تتفقد السبب بي ذلك فتجده إنما كان من أجل تقديمه الظذّرف الذي هو ( إذ" 
نبا » على عامله الذي هو « تكون» وأن لم يقل « فلو تكون عن الأهواز 
داري بنجوة إذا نبا دهر ) ثم أن قال « تكون) لم أن نكر ( الدهر ) ونم 
يقل : «فلو إذ نبا الداهر » ثم" أن" ساق هذا التتكير في جميع ما أتى به من 
فك وريج تانق اشن الأزليى قنااغين؟ الذي عدوته زلف تجعله ينا 
2 النظم » وكله من معاني النحو كما ترى ») (1) . 

ومن أبرز ما يدل" على أن" معاني الدّحو غير أنماط التركيب حديثه عنها 
في مواطن يصل فيها التركيب قمة الفن ‏ حسبه ‏ بغياب بعض عناصره عن 
السياق » ني باب الحذف ‏ اللغة هنا تصل إلى الحد الأقصى في الدلالة 
بانعدامها وغيابها - أو بتضخيم السياق وتفخيمه بالتكرار © أو بتكسير 
مقولة المحلات والمراتب في التقديم والتأخير » أو بوجود مساحات شاغرة 
بين مقطوعة أو أخرى - مما لا صلة له باللغة والنحو أضّلاة ‏ شأن الفصل 
وترك العطف «2) . 


(1) دلائل الإعجاز » ط. المثار » ص 68- 69 , 
(2) الأمثلة هنا عديدة » الظر مثلا : المصدر السابق » ص 275 . 


5213 


فمعانى النحو » كما يتراءى من هذه الأمثلة » ملتبسة بالكلام لا باللغة 
وبكل” سبل التتصرف في التراكيب وصياغتها بما يوافق إرادة المتكلم ف التعبير 


فإذا كانت معانى النحو مخالفة للإعراب والنمط النظري للجملة فما 
عاك "كرف ١‏ تحاون اللعابة ع كيدا لمن اك انطاانا “من نمي روف قن 
. «دلائل الإعجاز » حاول فيه المؤلف توضيح دلالة المصطلح بتنويع الأمثلة 
يقول : ١‏ 


« واعلم أن' ليس النّظم إلا أن” تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم 
التتحو وتعمل على قوانينه وأصوله وتعرف مناهجه التي نهجت فلا تزيغ عنها 
وتحفظ الرّسوم التي رسمت لك فلاتخل” بشيء منها وذلك أنا لا نعلم شيئا 
يبتغيه التاظم بنظمه غير أن ينظر في وجوه كل" باب وفروقه فينظر في الخبر 
إلى الوجوه التي تراها في قولك « زيد منطلق ») و« زيد ينطاق ») و« ينطلق زيد ) 
و« منطلق زيد » و« زيد المنطلق » و« المنطلق زيد » و« زيد هوالمنطلق ») و« زيد 
هو منطلق » وني الشرط والجزاء إلى الوجوه التي تراها في قولك : إن" تخرج 
أخرج ) ودإن” ابوك ري ودإن” تخرج فأنا خارج ) و« أنا خارج 
إن" خرجت » و( أنا إن' خرجت خارج » . وني الحال إلى الوجوه التي تراها 
في قولك : « جاءني زيند مسرعا » و( جاءني يسرع ») و« جاءني وهو مسرع ) 
أو « هو يسرع ) و( جاءني قد أسرع ) و( جاءني وقد أسرع) فيعرف لكل من 
ذلك موضعه ويجيء به حيث ينبغي له . وينظر في ال حروف التي تشترك في 
معنى ثم ينفرد كل" واحد منها بخصوصة في ذلك المعنى » فيضع كل من ذلك 
في خاص معناه نحو أن" يجيء ب« ما ) في نفي الحال 2 وبدلا » إذا أراد نتفي 
الاستقبال وب« إن" » فيما يترجح بين أن يكون وأن' لا يكون» به إذا » فيما 
علم أنه كائن . وينظر في الجمل التي ترد فيعروف موضع الفصل فيها من موضع 
الوّصل ثم" يعرف فيما حقه الوصل موضع الواو من موضع الفاء وموضع الفاء 


514 


,من موضع ( ثم ) وموضع «أو) من موضع (أم) وموضع ١‏ لكن ) من 
موضع ١‏ بل » ويتصرف في التعريف والتنكير ؛ والتقديم والتأخير في الكلام 
كله ؛ وني الحذف والتكرار » والإضمار والإظهار » فيضع كلا من ذلك 
مكانه ويستعمله على الصحة وعلى ما ينبغي له . 

هذا هو السبيل » فلست بواجد شيئا يرجع صوابه إن" كان صوابا 
وخطؤه إن" كان خطأ إلى التظم ويدخخل تحت هذا الإسم إلا وهو معنى من 
معاني النحو قد أصيب به موضعه ووضع في حقه أو عتومل بخلاف هذه المعاملة 
فأزيل عن موضعه واستعمل في غير ما ينبغي له » (1) . 

في هذا النص ثلاثة مصطلحات هامة في معرفة غرض صاحبه من معانى 
النحو وهي : ١‏ الوجوه» و« الفروق ) و« الموضع» وثلاثتهما تتظافر لعدل 
على أن" اللّغة توفّر لمستعملها أكثر من إمكانية لصياغة نفس الوظيفة التّحوية » 
وأن" بين هذه الإمكانيات المتنوعة في البناء فروقا معنوية » وأن” كل بنية مع 
ما يصاحبها من خصو صيات معنوية توافق مقاما معينا وتخدم غرضا دون 
غرض . 

ودام اذا ترجمة ذلك إلى لغة اللسانيات المعاصرة قلنا إن الوظيفة 
النحوية ‏ الخال مثلا - تمثل بنية نواة عميقة يمكن تحويلها إلى جملة من البنى 
اللغوية السطحية تتعلق كل" واحدة منها بخاصية معنوية تنضاف إلى الأصل» 
وتوافق ظروفا مقالية معيئنة» فالحال يمكن أداؤها بطرق شتى انطلاقا من بنية 
عميقة. يمكن افتراضها على النحو التالي : 

/ فعل (معناه الحركة » صيغته الماضي) + اسم + حال (يؤكد نوع 
الحركة الأولى) / . ومن هذه الطرق : 

جاء زيد مسرعا 


(1) انظر » ص 64 - 656 من طبعة المثار . 


515 


جاءزيد | يسرع 
جاء زيد) وهوهسرح 
بد جاء زيد. يسسرع 
بجاء زيد قد أسسرع 


2 سجاء زنك وقد أسرع 


ولثن كانت جميع هذه الأنماط تشترك في تعبيرها عن أصّل وظائفي 
واحد ؛ فهى تختلف في الرّيادات التى تحدثها ني أصل المعنى . وبهذه الزيادات 
تتحقق لملاءمة بين أغراض المتكلم ومقاصده » وطاقات التعبير الكامنة في 
التّغة . إذ لو لا هذه الأنماط المختلفة في التركيب لحدثت القطيعة بين تجربة 
الإنسان ووسيلته في التعبير » ولاستحال التصراف فيها بكيفية تجعل منها سلوكا 
فرديا متميزا ولاستحال » بالاستتباع ». الأدب وجميع الأنشطة التي قوامها 
البحث عن فضل شخص على شخص في التصوير باللغة . 

ولما كان المتكدم يحداد طبيعة غرضه ووجوه التعلق بين عناصره في 
نفسه وبخالص فكره دلت « معاني التحو » على تطابق المستوى المنطوق » 
وهو ١‏ الذا كر » » في مصطلح الجرجاني » مع نفس الفكرة قبل أن" تتشكثل » 
أي التتطابق بين النموذج والمثال » أو بين الجوهر والصورة إذا اعتبرنا الجوهر 
ترتيب الفكرة في العقل والصورة الشكل الذّغوي الأجوف الذي يفرغ فيه ذلك 
التق المنطقي . 

وإذا لم يتم" التطابق المذكور فسد النظم والتبست الطرق المؤدية إلى 
الغرض واضطرٌ القارىء إلى إعادة تركيب الأجزاء وتنسيقها حتى يحصل على 
صورة المعنى . وقد برزت هذه المعاني قُ تحليل الجرجاني لنماذج من الشعر 
العربي اتفق أسلافه على فسادها إلا" أتهم لم يستطيعوا تحايل وجه الفساد » 
أو اكتفوا بعبارات مجملة لا تفي بالغرض . فجميع النقاد يعتبرون بيت 
الفرزدق : (طويل) 


516 


وتان اشاب إلا ةا ألو امتساى م 


فاسدا لأن” فيه معاظلة” بين الكلام وتقديما وتأخيرا » على غير الوجله » 
ولم يزيدوا على هذا التفسير شيئا » أمنًا الجرجاني فقد بين فساد نظمه باعتماد 
الأصل الذي ذكرناه وهو المفارقة الحاصلة ٠‏ فيه » بين ترتيب المعاني في الفكر 
وترتّب الألفاظ في الذكر . يقول في التعليق على هذا البيت : 

«فانظر أنتصور أن يكون ذمه للفظه من حيث إنك أنكرت شيئًا من 
حروفه أو صادفت وحشيا غرييا أو سوقيا ضعيفا أم ليس إل لأنه لم يردب 
الألفاظ ني الذكر على موجب ترتب المعاني في الفكر فكد وكدار . ومنع 
السامع أن يفهم الغرض إلا" بأن' يقدام ويؤخر ثم أسرف في إبطال النظام 
وإبعاد المرام وصار كمن رمى بأجزاء تتألف منها صورة ولكن بعد أن يراجع 
فيها باب من الهندسة لفرط ما عادى بين أشكالها وشدة ما خالف بين 
أوضاعها » (1) . 

فالنظم أو معاني الشّحو هو خضوع الكلام لنواميس الفكر وبروزه 
على هيئة تحاكي الروابط المنطقية التي يقيمها بين المعاني فتكون البنية اللغوية 
صدى لبنية عقلية - منطقية سابقة ‏ 

ولئن كانت الألفاظ مفردة غير قادرة على #اكاة الفكر لأنها تحدث 
التي تنشأ بينها في السياق قادرة على تلك المحاكاة ولابد أن يكون بينها وبين 
المعانى الحاملة لها شبه . 

وهذه التزعة الذهنية الطاغية على تفكير الجرجاني تفسر اهتمامه البالغ 
بالتراكيب وإهماله لدور الصوت والكلمة إهمالا يكاد يكون كليا » فكأن" 


(1) أسرار البلاغة » ط. خفاجي » 113/1 . 


517 


اللغة » في نظره تنحصر في التدراكيب التى توفرها للمستعمل لأنها وحدها 
القادرة على تحقيق التطابق بين الدّغة والفكر (1) . 


ومتى وصلنا إلى هذا الحد” ثراءى سؤال مهي" : هل أن نظربة النظم 
« نظرية لغوية أساسا تصف عملية الكلام في عموميتها سواء كان الكلام قولا 
عاديا أم قولا فنيا» أم أنها نظرية لتحليل الكلام البليغ وبيان أسباب جودته ؟ 


إن دواعي طرح هذا السؤال عديدة » فالقدماء يشيرون إلى منزلته في 
النحو والعلم باللغة ويسكتون » في الغالب عن جهوهه البلاغية (2) » وقد نفهم 
من هذا الموقف أنّهم يعتبرون نظرية الثظم » وإن لم يذكروها صراحة » 
نظرية نحوية ؛ في حين اعتبره المحدثون من أثمة البلاغة ورأوا « أن" عبد القاهر 
لم يأت بجديد في النحو والصرف والعروض ٠؛‏ على الرغم من أن" بعض مؤرخيه 
يطلق عليه لقب إمام النحاة ولكن الشيء الخالد ني آثار عبد القاهر هي آراؤه 
البلاغية ) (3) . 


ولا شك أن الإطار الذي نول فيه المؤلف نظرية النظم وطريقته ني 
تحديدها يجعلان التأويلين ممكنين متى نظرنا إلى المسألة نظرة عامة : فهى 


(1) هناك شبه غريب بين أصول تفكير الجرجاني اللفوي وأصول النحو المسمى ده« نحو بور 
روايال » نم8 مط عل ممتمسصو0) - القرن السابع عشر ساء فأصحاب هذا 
النحو كانوا يرومون بناء نظام عام تنطبق أسسه على كل اللغات » ولا يتأثر بالفروق 
الدوعية بينها . وكان من أهم الأسس التي أقروها القول بأن اللغة محاكاة للفكر » وهي 
محاكاة لا تقع بالألفاظ وإنما بالنظم الحأصل بينها في السياق . وكان موقفهم من المفارقة 
الحاصلة بين ما يفرضه ت:والي الكلمات من تجزئة المعنى وبين الوحدة الجوهرية بين أجزاء 
الفكرة شبيها بموقف الجرجاني فلمناطقة يحلاون التفكير تحليلا لا يقضي على وحدته 
فيقسمونها إلى ٠‏ موضوع » وو محمول» ويعرفون كل طرف بالاعتماد على الطرف 

الآخر 04 ومن م يمكن التحليل اللغوي أن براعى وحودة الفكرة إذا تبنى هذأ التحليل 

الثنائي ومن هنا جاء الحرص على الاسناد واعتبار الكلام يدور على مسند ومسند إليه . انظر : 

25 465 16و 61026401 جمدت ع7ه 2111611 : امعول0ه1 .1 أه أمععتلط .0 

.15-19 .7« رعع107196 1ك 

وانظر مقدمة : ميشال فوكو 10تتدعناه28 1عط881) الطبعة الجديدة لنحو٠‏ بور روايال » 


باريس 1969 , 
(2) انظر : تفاصيل ذلك عند أحمد مطلوب ؛ عبد القاهر الجرجاني بلاغته ونقده » ص 
8- 19 , 


,3( أحمد أحمد بدوي » عبد القاهر الجرجاني » سلسلة أعلام العرب ص 55 . 


518 


من جهة » أساس منهجي للوقوف على أسرار البلاغة ورأس الآدلة على إعجاز 
القرآن » وهذا يعني أن" تطبيقها والتحقق من فعاليتها في التحليل ارتبطا 
بنصوص تمثل قمّة الموروث الأدبي ني الثقافة العربية الإسلامية » وهي من 
جهة أخرى » لا تعدو أن" تكون الالتزام بمقتضيات علم النحو والعمل على 
قوانينه وأصوله » وهذا يعني » مبدئيا » أنها صالحة اوصف كل ضروب 
الكلام لآن” النحو شَرّط لا يستقيم بدونه كلام . 
فما هي حقيقة موقف الجرجاني ؟ 


أشرنا في فصل ١‏ الحقيقة والمجاز » (1) إلى أن" الجرجاني يصنف الكلام 
صنفين » صنف نصل منه إلى الغرض بدلالة الّفظ وحده وصنف نعبر فيه 
إلى المعنى بواسطة . ويمثل الصنف الأول القول التّواصلى العادي أمّا الصنف 
الثاني فهو القول الفني الذي كيه مناحنة مقاصد زائدة على أصل معناه ٠‏ 

والفارق في القيمة بين الصنفين مردهء في رأيه » اختلافهما في كيفية 
النظم . فلما كان المعنى ني الأول لا يحتاج إلى الصنعة والتصوير لم يحتج واضعه 
إلى فكر ورويّة لنظمه وكان «١‏ سبيله في ضم بعضه إلى بعض سبيل من عهد 
إلى لآل فخرطها في سلك لا يبغي أكثر من أن" يمنعها التفرّق » (2) . وهو لا 
يرى لهذا النوع مزية وحتى إن وجبت له مزية فهي بمعناه ومتون ألفاظه دون 
نظمه وتأليفه » (3) . 

يهم من هذا الكلام أن" المزية التي تحدث بالنتظم غير متوفرة في هذ 
الصنف ٠‏ وأن التظم بالمعنى الذي حدده صاحب ١‏ دلائل الاعجاز » لا تعلق 
له إلا بالصنف الثانى حيث تكون مسالك الربط بين الألفاظ دقيقة لا تدرك إلا 
بالفكر اللطيفة ولا يوصل إليها إلا" بثاقب الفهم . 
(1) انظر ص 395 وما بعدها من هذا العمل , 


(2) دلائل الإعجاز » ط. المثار » ص 36 . 
3( نفس المصدر 4 ص 77. 


519 


ويتأكد هذا الأععاز في تفكين العرحاق ا بجعله الضؤرة والطعة » 
وهما أهم ما يميز الكلام العادي عن الكلام ل » من مقتضيات النظم 
ونتيجة من نتائجه : فكل كلام ينساق في ترتيبه مع ترتب المعاني في النفس 
يتولد عنه » بالضرورة » تصوير وصنعة إذ ١لا‏ يكون ترتيب في شيء حتى 
يكون هناك قصد إلى صورة وصنعة » (1) . وهذا الرّأي لا" يخلو من طرافة 
ظ نيه » في رأينا » يم اجات حاص للعيوزة . وورضر بوجنارالبزر اناوه اوت 

أن انال دن سشري” اللعة إل مشرف الكلام تنشأ عنه صورة يتقمصها 
المعنى » معنى هذا أن” كل" فعل لغوي يراعي في ترتيب أجزاء الكلام ترب 
المعاني في النفس هو فعل إنشائي من جهة أنه تصوير باللغة وتشكيل لادة لم 
يكن لها شكل قبل أن تخرج من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل . وتكون 
إذ ذاك العناصر اللغوية المفردة من أسماء وأفعال وحروف بمثابة المادة 
الخام التي يعطيها النتظم شكلها المميز شأنها شأن الذهب والفضة لا تصاغ 
منهما أصناف الحلي إلا بما يحدث الصانع فيهما من الصورة . يقول ني هذا 
المعنى : 

«وجملة الأمر أنّه كما لا تكون الفضّة خاتما أو الذهب أو سوارًا 
أو عير هاه أصنافة لحل لاد ولك نا تكله :مها عت الصو 
كذلك لا تكون الكلم السودة التي هي أسماء وأفعال وحروف كلاما 
وشعرا من غير أن يحدث فيها النظم الذي حقيقته توخي معاني النحو 
وأحكامه ) (2) . 

وواضح من هذا النص أنه لا يستعمل مصطلح الصورة بالمعنى الفني الضيق 
الشائع في مؤلفات نقد الأدب ٠‏ والذي تندرج فيه وجوه المجاز كالاستعارة 
والكناية والتمثيل . وإنما يستعمله في معنى أعم" قريب من استعمال المناطقة 


69 دلائل الإعجاز 3 طّ المنار ص 5 
(2) المصدر السابق » ص 278 , 


220 


, وقت يقابلون بينها وبين المادة . وهي عنده درجة من التجريد العقلي يستتخلصها 
الناظر من الأشكال اللغوية الماثلة في النص بعد سبرها بالنظر والفكر » هى 
صورة العقل في الكلام ؛ إن صحت العبارة » بمعنى أنها غير موجودة 
في ظاهر النص وإنما يتوصل إليها بالتفكير فى العلاقات الخفية التى تشد بناءه . 

واعلم أن قولنا الصورة إنما هو تمثيل وقياس لما نعلمه بعقولنا عن 
الذي نراه بأبصارنا (. ...) فلما وجدنا بين المعنى في أحد البيتين وبينه في 
الآر ييتوثة في عقن ونا وفرقا غيرثا عن :ذلك الرق وتلك"البينوية أن قلنا. : 
للمعنى في هذا صورة غير صورته في ذلك ») (1) . ْ 

ولتوضيح هذا المعنى وتدعيمه يكثر الجرجاني من المقارنات بين الكلام 
دأشكال التعبير الأخرى كالتصوير والصياغة » ويتبين من هذه المقارنات إيمانه 
بأن” الأدب يستمد مقوماته الأساسية من بنائه اللغوي وطريقة التعبير عن المعنى . 
ولئن لم يبتدع عبد القاهر هذا الأساس ني الحكم بالقيمة الأدبية إذ سبقه إليه 
قدامة بن جعفر فإنه أوّل من حاول تجسيمه وربطه بمضمون ملموس في إطار 
تصور متكامل لبلاغة القول وفصاحته . فجاء الشكل ؛ في مصطلحه » مرادفا 
لمعاني النحو والصورة والصنعة التي هي محصول النظم 5 يقول الجر جاني قُُ 
هذا المعلق : 

« وإنّما سبيل هذه المعاني سبيل الأصباغ التي تُعْمّل منها الصّورة 
ال ل م لغبود. 
00 
صاحيه » فجاء نقشه م٠‏ ن أجل ذلك أعجب 3 وصورته أغر ب كذلك حال 


(1) دلائل الإعجاز » ص 389 . 
2( المصدر السابق » ط. خفاجي » ص 123 . 


221 


وقد تصل به المقارنة بين الكلام والصياغة إلى رسم موازاة تامة بين شكل 
الصورة التى تنشأ من تعليق الكلم في السّياق وتلاحمها وانتظامها وأشكال الحلي 
التي ينحتها الصانع من كسور الذهب والفضة . وغايته من ذلك التأكيد على 
تماسك عناصر الصورة وانسجامها وأخذ بعضها برقاب بعض بحيث إذا غيرنا 
جزءا من أجزائها من مكانه تداعى بناؤها الكلّي وتغيرت هيأتها وانخرمت 
| هندستها . يقول معلقا على بيت بشار المشهور : (طويل) 
كأن مثار التقع فَوْق رؤوستا وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه 

« فبيت بشثار إذا تأمّلنه وجدته كالحلقة المفرغة التي لا تقبل التقسيم 
ورأيته قد صنع في الكلم التي فيه ما يصنعه الصائع حين يأخذ كسرا من الذهب 
فيذيبها ثم" يصبها ني قالب ويخرجها لك سوارًا أو خلخالا . وإن" أنت حاولت 
قطع بعض ألفاظ البيت عن بعض كنت كمن يكسر الخحلقة ويفصم 
السوار» (1) . ش 

نستنتج مما تقدم أن" جمال العبارة » ني رأي الجرجاني ٠»‏ متولّد عن 
نظمها وترتيبها وفق ترتيب المعاني القائمة في الذهن ٠‏ وأن النظم » بالمعنى 
الأخرى : 

وهذا التتصور يطرح إشكالا لا مناص من مواجهته : فقد رأينا الرجل 
بلح في سياقات كثيرة من مؤلفيه على أن ١‏ الألفاظ لا تفيد حتى تؤلف ضريًا 
خاصا من التتأليف ويعمد بها إلى وجه دون وجه من التركيب والترتيب » (2) . 
ورأيناه في سياقات سابقة يعدّق فضل الكلام ومزيته بنظمه . فهل يعني هذا أنه 
لا يرى فرقا بين الفائدة - أي المعنى ‏ وبين البلاغة ؟ وهل أن ترتيب اللفظ 
على رسم من العقل يضمن للكلام المعنى والجمال بالتزامن ؟ 


(1) دلائل الإعجاز ط. المنار » ص 317 © نحن نسطر . 
(2) أسرار البلاغة » ط. خفاجي » 96/1 . 


522 


كل نصوص الجرجاني تقريبا تخدم هذا التأويل أو هي لا تعارضه ؛ على 
الأقل" » فحديثه عن المعنى لابنفصل عن حديثه عن البلاغة والفصاحة والفضل 
والمزية إلا في بعض المواطن التي ضيق فيها من مدلول المعنى واستعمله مرادفا 
للغرض والموضوع في الشعر (1) . ويلاحظ القارىء وراء تحليلاته الأدبية 
الكثيرة مبدأ قارا يكاد لابحيد عنه وهو أن كل سياق فَنيّ بالضّرورة » حتى” 
لكأنه من ١‏ زمرة الفلاسفة القائلين بأن” جمال الشيء 0 في أن يكون أداة 
صالحة لفعل ها أريد” لها أن' تفعله » (2) . وهو موقف عقلانى بحت 
ُ فهم لفسال صادر عن الاعتقاد بسرمدية القوانين العقلية اا 
وتناسقها » فمتى خضعت الظواهر لتلك القوانين وجاءت على نسقها اكتسبت 
جمالا لأن « الحسن هو العقل مصاغا ني قوانين » (3) . ولما كان معنى الكلام 
يحصل من نظم وحداته حسب مقتضيات قوانين العقل أصبح كل" ذي معنى 
جمياه” : : 
وإن صح هذا التأويل ؛ تكون البلاغة قد دخلت» مع الجرجاني : طورا 
جديدا ل تعد فيه القيمة الأدبيّة مرتبطة بنجاعة النص" وتأثيره المباشر في متقبله 
لد ن لفظه ووضوح معناه وقربه من الأقهام بل مسيم احور مات في بناء 
الي تدرك بالعقل والاليسر والمكايرة عل الثاتل لا - الألفاظ 
في السمع ٠‏ كما لم 1 حقيقة الصورة ما يضمنه الكاتب نصه من وجوه 
المجاز وضروب البديع وإنما هي كل جوف تادر ال تحيتنه اللقةوزننا 
تدل عليه وتكتفي بمجرد الإشارة إليه وعلى القارىء أن" يبحث عن حدوده 
ورسومه بالمقارنة بين هبأة الكلام وما تقتضيه قوانين العقل والمنطق في مراتب 
المعاني وبنائها . 


(1) انظر مثلا : دلائل الإعجاز » ط. خفاجي » ص 253 . 
(2) زي نجيب محمود ع المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري » ص 249 - 250 . 
)3( انظر ‏ : 40 .7 ,6و611 :ده "ا م4 81510176 : عه2ز80 لامممزة 1 


252035 


لكن إن كانت الصورة لا تنفصل عن النتّظم » وكانت فصاحة الكلام 
وبلاغته بسبب منه » فأين ندرج وجوه المجاز ؟ وكيف نتمكن من المفساضلة 
بين كلامين روعيت فيهما أصول الدظم وأسسه ؟ 

الستؤال الأول ورد ني « دلائل الإعجاز» في قالب اعتراض لم يلاق المؤاف 
صعوبة في دفعه » فمن البديهسي أن" المجازات ٠»‏ ولا سيما ما قام منها على 
. التتنشبيه » كالاستعارة والتدّمثيل لا تتولد إلا من تأليف العبارة ومن وجود علاقة 
بين طرفين على الأقل” : مُشبّه ومشبه به أو مُستعار ومستعار له إذ يستحيل 
أن نتحدث عن المجاز اللغوي ما ل نباشر توزيع الألفاظ في سياق » ونعوف 
ما إذا كانت وجوه تعلق الكلم بعضها ببعض يجري على ما يقتضيه وجه 
الاستعمال وحقيقته » أم' وقع تجاوزها إلى وجوه تخرج عن أصل الوضع ٠‏ 
فالأساليب البلاغية من مجال الكلام لا من مجال الذّغة » ومن ثم أمكن 
الجرجاني أن" يربط حدوثها بالدّظم يقول : 

«(.....) لأن هذه المعاني التي هي الاستعارة والكناية والتتمثيل وسائر 
ضروب المجاز من بعدها من مقتضيات النظم وعنها يحدث وبها يكون » لأنه 
لا يتَصوّر أن يدخل شيء منها في الكلم وهي أفراد لم يوخ فيما بينها حكلم 
من أحكام التّحو » فلا يتصور أن يكون ههنا فعل أو اسم قد دخلته الاستعارة 
من دون أن يكون قد أذف مع غيره) (1) . 

وكما يولئد النظم الخار ات يدعّمها ويُكسبها رونقا وحسنا لم يكن 
لها في الأصل » فكثير من الاستعارات البتذلة المعروفة تكتسي بالنظم » 
رأي الجرجاني » قيمة أدبية رفيعة تلحقها بعيون الشعر وجواهره . مثال ذلك 
قول المتنبي : (طويل) 


.ا م ٠.‏ 9 مه عد لفان 00 .- 7 
وقيدت نفسى في ذراك ممحب ده ودن وحجد الإاحسان »© قيدا تقيدا 





(1) دلائل الإعجاز » ط. المنار » ص 301-300 , 


224 


فالاستعارة التي يتضمسنها البيت مألوفة جارية على ألسنةالعوام و« إنما كان لها ما 
ترى من الحسن بالمسلك الذي سلك في النظم والتأليف » (1) . ولثن لم يبن 
المؤلف خصائص المسلك في هذا البيت فإنّه حاول شرحه ني مواطن أخرى . 
فالسر في جمال الاستعارة في قول الشاعر : (طويل) 
وسالت بأعناق المطي الأباطح 

في الأبطح لأن”" هذا الضرب من التشبيه ظاهر معروف وإنّما في المجاز الواقع 
من إضافة الفعل « سال » إلى فاعل لا تعلق له به في الأصل وهو ( الأبطح اق 
ثم من تعد يته الفعل بحرف الجر ١‏ الباء ) و بجعل ا الواقع بعد حرف 
الجر صورة بلاغية تقوم على دلالة البعض على الكل - الأعناق ‏ إذ لو قال 
الشاعر : سالف المطي ني الأباطح لم يكن شيئا » (2) . 

وارتباط الوجوه المجازية بالسياق والدّظم يفتح للمؤلف باب الإجابة 
عن السؤال الثاني المتعدّق بأسباب فضل كلام على آخر . 

ففى ارتباطها بالسياق دليل على أن فعاليتها الفنية نسبيّة » وأن” جمال 
النص لا يتوقف على وجودها فيه إذ' لا يوجد أسلوب من الأساليب أو وجه 
من وجوه التعبيسر بقتضى استحسانا مطلقا وتجب له المرية حيثما استعمل 
فالكين #«مفلة 6 قد بيج له القارى ع نحشي اللجت ربجا سدرو لقا دنا 
في بعض المواضع كتذكير لفظ « سؤدد ») ثي بيت البحتري : (متقارب) 

00 5 اك رم ل ع 3 ٠.‏ ك0 

تنقل في خحلقفي سؤدد سماحا مرجى وباسا مهيبأ 
و تنكير « دهر» ف قول إبراهيم بن العباس : (طويل) 

فلو نبا دهز وأنكر صاحب ل أعداء” وغاب نصير 


(1) دلائل الإعجاز » ص 83 . 
)2( المصدر السابق عاط المنار »ا ص 60 , 


5225 


إلا" أنه لا يلزم عن ذلك « أن يروق أبّد! وني كل شيء (....) وأن لا يرى 
في مكان إلا أعنطي مثل ذلك الاستحسان ههنا » (1) . 

فإذا وقع الإقرارٌ من جهة » بنسبية القيمة الأدبية والجمالية » ووقع 
الإقرارء من جهة ثانية » بأن بعض الكلام « يفضل بعضا ويتقدم منه آلشيء” 
لم يزداد من فضله ذلك ويترقى متزلةة فوق منزلة ويعلو مرقبا بعد مرقبٍ 
. ويتستانف له غاية بعد غاية حتى ينتهي إلى حيث تنقطع الأطماع وتحسر 
الظّنون وتسقط القوى وتستوي الأقدام ني العجز » (2) إذا أقررنا بكل” ذلك 
فما هي الضوابط التي نعرف بها ذلك الفضل ؟ 

أشرنا في تحديدنا لمعانى النحو إلى أن” الجرجاني يرى أن البنية الدلالية 
الواحدة يمكن تحويلها إلى م نحوية متعددة» وأن" إمكانالت التعبير هذه » 
وإن كانت تشترك ني أصل المعنى » تختلف ني الخصوصيات التي تزيدها 
على ذلك الأصل بخيث لا نجد بنية لغوية تؤدي ما تؤديه بنية أخرى بالضبط » 
وهو الأساس النظري الذي بَنى عليه موقفه الرافض للسترقة» لأنه لا يتصور. 
أن تكون صورة المعنى في أحد الكلامين أو البيتين مثل صورته في الآخر البعّة» 
النّهم إلا أن ١‏ يعمد عامد إلى بيت فيضع مكان كل" لفظة منه لفظة في معناها 
ولا يعرض لنظمه وتأليفه » (3) . 

ولببان هذه الخضوصيات والقروق يعمد المؤلف: إلى الإكثار من الأمثلة» 
فعندما تأخذ صيغتي التشبيه الآثيتين مثلا : 

زيد كالأسد 


وكأن” زبدا الأسد 


(1) دلائل الإعجاز » 70 . 
2( 0 0 ص 29 . 


(3) المصدر السابق » ط. المثار » ص 372 , 


526 


نجدهما يشتركان في أصل المعنى وهو تشبيه الرجل بالأسد إلا أن الصيغة الثانية 
أقوى ني الدلالة على المعنى لأنّها حولت علاقة الشبه إلى علاقة تطابق وأوؤهمتنا 
| بأن الرجل أسد في صورة آدمي (1) . 

وهذه الفروق والخصوصيات لا حد” لها » ففى قدرة اللغة أن تعبر عن 
الأصل المعنوي الواحد بطرق شتى وأن تمد” اليل بأنماط مختلفة مسن 
التراكيب يؤدي بها ذلك المعنى وفق الغرض الذي أُمّم إليه . يقول الجرجاني 
في هذا المعنى : ١‏ ش 

« وإذا قد عرفت أن مدار أمر النظم على معاني النحو وعلى الوجوه 
والفروق التي من شأنها أن تكون فيها فاعلم أن" الفروق والوجوه كثيرة ليس 
لها غاية تقض عندها ٠»‏ ونهاية لاتجد لها ازديادا بعدها » (2) . 

وعن تعداد الإمكانيات تنشأ ضرورة الاختيار إذ يتعذر على الكاتب أن 
يحققها دفعة واحدة في السياق وهذا الاختيار محكوم بمبدأين متضامنين أولهما 
الملاءمة بين نمط التركيب والغرض - أي بين البنية اللغوية الموضوعية والبنية 
الفكرية - النفسية الذاتية ‏ وثانيهما الملاءمة بين العنصرين السابقين ومتطلبات 
السّياق الذي ينجز فيه الكلام لأن المزايا ني التّظم تحصل ١‏ بسبب المعاني 
والأغراض التي يوضع لها الكلام ثم" بحسب موقع بعضها من بعض واستعمال 
بعضها مع بعض ) (3) . ش 

وفضل كلام على كلام رهين اختيار الببكلم ودرجة توفقه إلى مراعاة 
المبدأين المذكورين » كما أنه رهين الخصوصيات التي يحدثها في المعنى 
وتنسيق أجزائه بعضها مع بعض حتى « يكون لوضع كل حيث وضع علة 
تقتضي كونه هناك وحتى لو وضع في مكان غيره لم يصلح » (4) وهنا أيضا 








(1) دلائل الإعجاز » ط. خفاجي » 258 - 259 . 
)2( المصدر السابق » ط. المتاى + ص 59 

(3) المصدر السابق » ط. المثار » ص 70 , 

(4) المصدر السابق » ص 40 .,. 


5222 


يفزع الجرجاني إلى المقارنة بين التفاضل ني الكلام والتفاضضل في التصوير 
وتنسيق الأصباغ ويرى أن" كما أن" فضل صورة على أخرى يعود إلى جسن 
اختيار المصور لذات الأصباغ وقدرته على التنسيق بين مواضعها والمناسبة بين 
مقاديرها وتلطفه في مزجها وترتيبها كذلك يفضل الكلام” الكلام إذ كانت 
مسبسانسيه مطابقة لأغراضه ومعانيه وكانت أجزاؤه متناسبة متلائمة يذوب 
بعضها في بعض حتى تصير قطعة واحدة (1) . 
د د 6د 

يمكن أن نعتبر » ني الخلاصة : أن" البحث عن منهج لتحديد بلاغة 
الكلام كان من الاهتمامات الطاغية على جهود العلماء في الفترة الثالثة التي 
تقع بدايتها الحاسمة في أواخر القرن الثالث وبداية القرن الرابع هجريا » ولعلنا 
لا نبالغ إن" قلنا إنه العامل الأساسي ني بقاء التفكير البلاغي حيا متجددا إلى هذه 
الفقرة المتأخرة رغم تبلور مادته واستقرارها قبلها بكثير . 

وتبرز هذه الجهود المنهجية في شكل «١‏ صراع » بين تصورين تعايشا منذ 
فترة التأسيس عندما طرح الجاحظ مسألة المجاز في تحليله للشعر والكلام ومسألة 
النظم حجة لإعجاز القرآن . 

يرى أصحاب التصور الأ ول أن البلاغة في العبارة منفصلة عن السياق 
الذي ترد فيه ولذلك تصوروا إمكانية تصنيفها وتبويبها لاعتقادهم بأنها تتضمن 
قيمة في ذاتها . أما أصحاب التصوتر الثاني فيرون أن" القيمة الفنية قيمة سياقية 
تبرز من تلاحم عناصر النص وتماسكها ونظمها وأنه لا يمكن أن يكون 
لأسلوب من الأساليب أو وجه من وجوه التعبير قيمة مطاقة . 

والحق” أن" هذين التصورين لم يظهرا بهذا الشكل » وعلى هذه الدرجة 
من التقابل + إلا في محاولتين تحتلا'ن طرثي الفترة وهما محاولة عبد الله ابن المعتز 


69 دلائل الإعجاز 3 طّ. المنار ؛ ص 6 . 


52286 


ومحاولة عبد القاهر الجرجاني . أ ما ما بين هذين الطرفين فقد كانت المواقف 
متذبذبة بين بلاغة العبارة وبلاغة التأليف . 
الوك انان اتام نير تم نلا امك نا يف سك 
0 بمقتضيات العاملين الهامين في نشأة التفكير البلاغي وتطوره . وهما العامل 
الأدبى والعامل القرآ نى . فالآل كان فيدر ها )إلى البسنة التي شراعها عبد الله 
ابن لد في كتاب «البديع ) والثاني كان يدفعها إلى اعتبار نظم الكلام 
وترابطه . 

ولا بد" مق التا كيد غل .أن" النذبذب المذكور ارتسم. على كل المؤلفات 
الواقعة بين ابن المعتز والجرجاني سواء تعلقت بنقد الشعر والأدب أو بإعجاز 
القرآن وإن كنا لا نتكر أن مؤلفات الإعجاز ساهمت أكثر من غيرها في بلورة 
بلاغة النص والسّياق بحكم أنها تداولت مقولة النظم أكثر من غيرها وحاولت 
تعريفها وإبراز وجه بلاغتها . 

ومع عبد القاهر انتهى الصراع بغلبة أصول المنهج القرآني الذي يرى ‏ 
أن سيب إعجاق النص كامن في نظمه وطريقة بنائه . وقد استطاع 00 هذا 
المنهج على صعيدين : أولا بتركيزه على أسس نظرية ثابتة وإعطائه مضمونا 
ملموسا يجعل منه أداة فعالة في الحكم والتقييم ٠‏ وبإخراجه : ثانيا من حير 
الإعجاز إلى مجال أوسع يضم كل أنماط الكدم الفني بحيث يكون صالها 
للكشف عن أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز في الآن معا. 


229 


ج - الاجسراء : 

حاولنا في الفصلين السابقين المخصصين لدراسة المفاهيم والمنهج استجلاء 
. موقف البلاغيين من مسائل نظرية عامة تهم مميزات الظاهرة الفنية عن سواها من 
أنماط التعبير باللغة ‏ والأسس المنهجية الكفيلة بمحاصة تلك المميزات والكشف عنها. 

ونخصص هذا الفصل لبيان طر يقتهم في استخدام تلك المواقف وكيفية 
تطبيقها على النماذج الأدبية التي وقع تحليلها في مؤلفاتهم . وغايتنا من هذا 
العمل معرفة ما إذا كانت الدعائم والأسس التي يقوم عليها رأيهم ني بلاغة 
النص هي نفس الدعائم والأسس التي أقرتها المراحل السابقة أم لا ؟ وعلى هذا النحو 
تتبلور العلاقة بين مختلف المراحل ونفهم طبيعة التطور الحاصل في التفكير البلاغي . 

وقد رأينا أن نركز دراستنا على « الصورة » » باعتبارها أبرز مظهر فنى 
في النص » استقطب اهتمام كل البلاغيين » ومحورا من المحاور الشرئ ى 
المعارك النقدية بين أنصار القديم والحديث . و سنهتم بالتشبيه والاستعارة 
بوجه خاص لأأن” «جل محاسن الكلام إن لم نقل كلها »متفرعة عنها وراجعة إليهاء 
وكأنها أقطاب تدور عليها المعاني في متصرفاتها وأقطار تحيط بها من جهاتها) (1) . 

د د كد 

إن التاظر في التراث العربى من زاوية الصورة الفنية تشد” انتباهه ثلاثة 
محاور أساسية هي بمثابة العلامات البارزة التي تتحرك منها وتؤول إليها مواقف 
جل النقاد والبلاغيين من الصورة . 

ادلي غلبة الاهتمام بالتشبيه على بقية الأنواع البلاغية واعتبساره أصلا 
للاستعارة مما جعلهم لا يهتمون منها إلا بما يقوم عليه . 

وثانيها ربطهم البراعة في التشبيه بتأليف المختلف والجمع بين العناصر 
المتباعدة » مع ما يقتضي ذلك من غموص على الشبه النادر ووقوف على العلاقة 
اللطيفة الدقيقة » وربطهم صحة الاستعارة وقيمتها بالمقاربة والمناسبة » ووضوح 


(1) عبد القاهر الجرجاني » أسرار البلاغة » ط. خفاجي » 120/1 . 


531 


العلاقة بين المستعار منه والمستعار له » وهي أحكام تثير الحيرة والاستغراب 
لا يبدو عليها » بي الظاهر » من التناقض والتنافر . 

وثالثها إجماعهم على أن وحم امون الرئيسية هي التمثيل الحسسي 

للمعنى و« قلب السمع بصرا » على حد عبارة ابن رشيق (1) . 

فكيف تولدت مختلش هذه التصورات في التراث النقدي والبلاغى ؟ 
وهل بالإمكان ردها إلى مبدا قار يوحد بينها ؟ 

إن الإجابة عن هذين السؤالين تقتضي طرح سؤال 1 خر » يتعلق بمعرفة 
الأسباب الكامنة وراء الاهتمام بالتشبيه لاعتقادنا أن بقية التصورات متأتية من 
هذا الاهتمام ومرتبطة به ارتباطا وثيقا 

فلماذا الاهتمام بالتشبيه ؟ 

أول جواب يتبادر إلى الذهن هو الذي يُرجصع اهتمام الناقد والبلاغي 
القديم بالتشبيه إلى شيوع هذا الأسلوب في الشعر الذي بنوا عليه تصور انهم 
الآدبية وأحكامهم النقدية سكم أن النقد ممارسة متأخرة بالضرورة عن 
الخلق الأدبي » ولا يمككن أن يصوغ قوانينه من دون الاعتماد على نصوص 
يصفها » ثم يجمع متشابهها » ويصوغ ما تراءى له قارا ومتواترا فيها » في 
قوانين يمكن إجراؤها على كل النصوص المنسوجة على تسطها . 

لبون هدز الععي الاعس اهن عل .هذا اشير سي غلم الأقل” : 
أولهما أنه يقوم على تصوّر منقوص لوظيفة التّقد والناقد . فلئن كان النقد 
ينطلق من الوصف وينبع من الخلق » فهو سرعان ما يتحول إلى جهاز من 
الأحكام والمعايبر » توجه العمل الأدبي وتنتسلط على الكتاب والشعراء لينسجوا 
على منوالها . فالتفاعل بين الكاتب والناقد أمر معروف . والغاية التعليمية لصيقة 
بجوهر النقد ٠»‏ حتى لكأن نقد الأدب وصناعته وجهان لنفسسن الورقة . ومن 
ثم يمكن للناقد أن" يطور أبسط الظواهر بروزا وأقلها تواترا' ويصوغ منها 
أحكاما يهتدي الكتاب بهديها . 
(1) العمدة © 295/2 , 


2032 


- 


وثانيهما أن هذا الجواب يقوم على افتراض غير متأكد الصحة . فايس 
من الثابت » رغم انعدام الإحصاء المضبوط ٠‏ أن التشبيه كان » أو على الأقل 
بفي » الصورة الغالبة على الشعر إلى الفترة التي ظهرت فيها أهم الآثار النقدية 


'ثي القرنين الرابع والخامس . يدل على ذلك شعور النقاد منذ القرن الثالث » 


وفك جدأت حركاث التجديد تفرضن لونها الأدبي .وتلفت الأنظار إليها: ؛ 
بأهمية الاستعارة . ولذلك أحلها ابن المعتز فائحة كتابه المخصص لوجوه 
البديع وأنواع المحاسن . واقتفى أثره في الإشارة إلى أهميتها والتنويه بمكانتها 
جمهور النقاد » وإن بقوا متعاطفين مع التشبيه » معتبرين إياه أشرف الكلام 
ومظهر الفطنة والبراعة وقوام الشعر . فابن رشيق لا يحترز من اعتبار 
الاستعارة « أفضل المجاز وأول أبواب البديع وليس في حلى الشعر أعجب 
منها) (1) 2 ومع ذلك يبقى متشبثا بالتشبيه كأهم”" معيار لسبر قدرة الشاعر أنه 
وأشد" ما تكلفه الشاعر صعوبة لما يحتاج إليه من شاهد العقل واقتضاء العيان ») (2). 

ونفس الحجة صالحة للرد على من قد يعتبر الاهتمام بالتشبيه مظهرا من 
مظاهر المحافظة المهيمنة على نقد الشعر عند العرب » ونتيجة طبيعية للاحترام 
الفائق الذي يصرح به كل النقاد للقدماء ومن ثم دعوتهم إلى اتباعهم والنسج 
على منوالهم واتباع مذاهيهم المألوفة في القول و« الانتهاء حيث انتهوا » (3) 
حتى أنهم صاغوا من المعادلات ما لا يقوى على فهمه إلا متضلع من أصول 
النظرية الأدبية عندهم كقولهم : ١‏ إذا اعتمد الشاعر الإبذاع : فمن سيل آلا 
يخرج عن سنن القوم ») (4) . 

كما يمكن تفسير الاهتمام بالتشبيه بالاستناد إلى المقررات التي انتهت 
إليها بعض الدراسات النظرية في الأدب » وهي دراسات انطلقت من آداب 








(1) العمدة » 268/1 . 

(2) نفس المصدر ٠»‏ 285/1 . 

(3) الآمدي » الموازنة » 216/1 . 
(4) المصدر السابق » 495/1 . 


5238 


أجنبية لكنها طرحت نفس السؤال تقريبا . وقد ربطت الاهتمام بصورة دون 
أخرى بطبيعة الروح المسيطرة على العصر الأدبي » وتتلخص تلك الروح في 
نوع من الصراع بين قوى الإنسان المتعقلة وقواه المتخيلة » وكلما كان العصر 
أكثر انصياعنًا لأحكام العقل والمنطق » برز التشبيه واحتل” صدارة الأساليب 
والمقابيس ٠»‏ أما إذا تقهقرت العقلانية الصارمة وتحرر ٠‏ بالاستتباع » الخيال 
برزت الاستعارة » لأنها تمنح الأديب حرية أكثر في تصريف مشاعره 
والتعبير عنها . ولهذا السبب شاع استعمال التشبيه وقوي الاهتمام به في 
العصور الكلاسيكية » بينما شاعت الاستعارة في أوساط الرومنسيين (1) ٠‏ 

ولئن بدت بعض جوانب الإجابة مقنعة » فإن صبغة الحدس والتخمين 
الغالبة عليها تدفع إلى الاحتراز من تبنيها برمتها . كما أن إغراقها في التعميم 
ينقص من قدرتها على التفسير . بل إن الأخذ بها قد يؤدي فيما يخص تاريخ 
النقد والأدب عند العرب » إلى مزالق كثيرة . فإذا كان هذا الإطار العام" 
ينطبق على رجل مثل قدامة الذي يمكن تفسير إعراضه عن دراسة الاستعارة 
بنرعته العقلية المنطقية الصارمة » فإنه لا ينطبق على عبد القاهر الجرجانى الذي 
لا جدال في أنه يمثل قمة من قمم التزعة العقلانية ني الفكر العربي 5 ذلك 
فهو البلاغي الوحيد الذي رد للاستعارة اعتبارها وبوأها المكانة الأو لى في سلم 
مقاييسه تنظيرا وتطبيقا . 

إن الإجابة عن السؤال لا تتأتى » في رأينا ء إلا بدراسة الوجه نفسه 
واستعراض طريقة العرب القدامى في طرح مسائله من حدود وأنواع ووظائف 
وما يستحسن منه وما يستقبح » عسانا نقع على العلة التي تبرر مكانته عندهم 
وتفسر » بالتالي » موقفهم المحترز من الاستعارة وتقييد استعمالها بجملة من 
الضوابط المرهقة . 

د عد عد 


(1) انظر : 1971 قتههط2 ,ع لهذا 1860716 8.6 : طعحية177 الى غه عاأء1اء77 .1 


5034 


عرف العرب التشبيه بأنه « العقد على أن أحد الشيئين يسد مسد" الآخر 
في حس” أو عقل ) رن و ارمق ان حرا سراي وا د 
بأداة التشبيه » (2) . وهو اشتراك الشيئيين في صفة أو أكثر ولا ستوعب 
الجميع الصفات » (3) وبأنه « أن تثبت لهذا معنى من معاني ذاك أو حكما من 
أحكامه ) (4) . 


وني التراث البلاغى والنقدي تعريفات أخرى كثيرة لا تختلف عما 
ذكرناه إلا" من جهة الصياغة » وأغلبها مركز على بيان وظيفته وموجبات حسنة 


3 - 
أكثر من بيان حقيقته وحده . 


وحقيقة التشبيه » كما يتضح م من هذه النصوص » هي التقريب بين 
الطرفين والمقارنة بينهما لاشتراكهما في معنى من المعاني أو صفة من الصفات 
أو في حال وطريقة . وسواء أكان مجوز تلك المقارنة الس" الكل لدي 
أن تبقى العلاقة بينهما علاقة اث شتراك وتمايز في نفس الوقت »2 إذ «أنه من 
الأمور المعلومة أن الشيء لا يشبه بنفسه ولا بغيره من كل" الجهات » إذ كان 
الشيئان إذا تشابها يي الوجوه ولم يقع بينهما تغاير البة اتحدا فصار 
الإثنان واحدا » فبقي أن يكون التشبيه إنما يقع بين شيئين بينهما اشتراك في 
معان تعمهما ويوصفان بها » وافتراق في أشياء ينفرد كل" واحد منهما عن 
صاحبه بصفتها ) (5) . 

ودفعا لأسباب التداخل والاختلاط » اشترط البلاغيون أن يكون الحد 
الأدنى للتشبيه وجود الطرفين الأساسيين : المشبه والمشبه به . وما عدا هذا النوع 


(1) انظر الرماني » النكت في إعجاز القرآن ؛ صن 74 . 

(2) العسكري » الصناعتين » ص 245 , 

)3 التدوخي 3 الأقصى القريب » مطبعة السعادة » القاهرة » 1327 » ص 41., 

69 أسرار البلاغة » ط. استنبول » ص 78 . 

(5) قدامة بن جعفر » نقد الشعر * ص 55 انظر في نفس المعنى » ابن وهب الكاتب . 
البرهان في وجوه البيان » ص 76 » العسكري » الصناعتين » ص 245 . 


235 


الذي يسمونه ١‏ التشبيه البليغ » فإن' ذكر الأداة ضروري » لأنها تمثل العلامة 
المادية الفاصلة بين الطرفين » وتقوم بدور المنبه الذي يذكر القارىء بأن اقتران 
الطرفين إنما هو أمر يعتمد على المسامحة والاصطلاح لا على الحقيقة (1) . 
ومن هذا المنظور » نصبح التشبيه ضربا من القياس » لأنك تشرك طرفين 
في حكم من الأحكام لعلة جامعة بينهما » وقد تنبه البلاغيون لهذا الأمر فأدرجه 
بغضهم في باب القياس(2) » وعرفه بعضهم بأنه « قياس والقياس يجري 
فيما تعيه القلوب وتدركه العقول وتستفتي فيه الأفهام والأذهان» (3) . 
والنتائج الأولية التي يمككن استخلاصها هى : 
1 أن التشبيه » لاقتضائه بقاء الطرفين متميزين » يضمن : كطريقة 
في أداء المعنى » نسبة عالية من الوضوح. » لأنه لا يداخل بين المواضعات » 
ويحترم الحدود الفاصلة بينها » وكل ما في الأمر أنه يربط علاقات 
بين مواضعة وأخرى لأسباب لا يستعصى إدراكها. وهذا يعنى أنه لا يدخل 
تشويشا في معنى السياق الوارد فيه ». بإقحام عنصر دال من سياق مغاير 
كما هو الشأن في الاستعارة مثلا » وعلى هذا الأساس © يمكن أن 'نفسر 
موقف البلاغيين الذين رفضوا اعتباره من صنوف المجاز: » لأنه لا يتضمن 
تجاوزا فى دلالا ت الكلمات ولا يدخل شيئا فى حذلود شىء » حسب 
2 ولتيجة لما سيق ©» تنحصر دلالته التشبيه فى رصد وجوه المشا كا 
والمناسبة بين الطرفين والإخبار عنها » ويشترط في “تلك الوجوه أن تكون 
موضوعية حقيقية » بمعنى أن ترند إلى ذات الشيء ولا تنبع « من المواقف 
(1) أبن رشيق » العمدة » 268/1 . 
(2) انظر أبن هب الكاتب » المصدر السابق » ص 76 ,. 
(3) عبد القاهر الجرجاني » أسرار البلاغة » ط. خفاجي » 112/1 . 
(4) الحيوان » 211/1 . 
536 


والانفعالات الإنسانية التي يتشكل منها نسيج التجربة الشعرية) (1) . وه 
ما درج النقاد والبلاغيون على تسميته بالصدق في التشبيه » وقسموه إلى مراتب 
وخصوا كل مرتبة بما يوافقها من الأدوات والأفعال الموقعة للتشبيه » 
' (فما كان من التشبيه.صادقا قلت في وصفه كأنه أو قلت ككذا وما قارب 
الصدق قلت فيه تراه أو تخاله أو يكاد » (2) . 

ولكن ما فائدة الإخبار بوجود الشبه ؟ 

تؤكد كل النصوص التى جمعناها على أن الغرض من التشبيه الإبانة 
عن المعنى وتوضيحه » والكشث عن مكنونه وتمثيله للحس والمشاهدة . 
ويبدو أن الرّمناني لعب دورا كبيرا في رسم المعالم الكبرى لوظيفة الصورة 

في الموروث النقدي والبلاغي » لأن المصادر بقيت إلى القرن السادس 
تردد آراءه بلفظها أو بمعناها ولا تخرج عن ار اتي أ أرساها وإن 
طورتها وزادت عليها . 

والرماني يذهب إلى أن التشبيه البليغ هو « إخراج الأغمض إلى الأظهر 
بأداة التشبيه مع حسن التأليف. (...) و الجمع بين شيئين بمعنى يجمعهما 
يكسب بيانا فيهما » (3) . وأخذ عنه العسكري هذا المعنى وأضاف إليه عنصر 
« التأكيد » الوارد فى نظرية ابن جنى فى وظيفة المجاز عامة فحدد بلاغة 
افيه قائلا إنه «١‏ ا المعنى كه تأكيدا )(4) وهو ما يفسر في 

به» إطباق جمع المتكلمين م ن العرب والعجم عليه وحاجتهم الأكيدة إليه . 

وقد ازدادت هذه المعانى تبلورا فى كتابات ابن سنان الخفاجى » 
ولا غرابة في الأمرء ريل نظر إلى مختلف الأفاليين لبقف رق 


(1) جابر أحمد عصفور » الصورة الفنية » ص 209 . 
(2) ابن طباطبا » عيار الشعر » ص 23 . 

(3) النكت في اعجاز القرآن » ص 86 . 

(4) الصناعتين » ص 249 , 


5537 


زاوية الفصاحة وهي عنده الظهور والبيان » وهذا المعنى الذي تبناه وأقام 
عليه مؤلفه « سر الفصاحة ) هو القاسم المشترك الأعظم بين جميع الوجوه » 
وإليه ترتد جميع الوظائف » ومن بينها وظيفة التشبيه وهي تمثيل ١‏ الغائب 
الخفى الذي لا يعتاد بالظاهر المحسوس المعتاد فيكون حسن هذا لأجل 
قاع المعنى وبيان المراد » » ويسوق الخفاجي شواهد عديدة تستجيب للقاعدة 
المقررة نذكر منها بيت امرىء القيس المشهور ء : (طويل) 

كأن قلوب الطّير رطبا ويابسا لدى وكرها العتاب والخشف البالي 


وهو من التشبيه المقصود به إيضاح الشيء لآن « مشاهدة العتّاب والحشف 
البالي أكفر من مشاهدة قلوب الطير رطبة ويابسة » . إلا أنه شعر إزاء شواهد 
أخرى من قبيل بيت النابغة الذبياني : (طويل) 


فإنك كالليل الذي هو مدركي وإن خلت أن المنتأى عنك واسع 


ومن قبيل قوله تعالى : « وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام )(1) . 
شعر أن الاقتصار على وظيفة التوضيح لا سمح باستخراج ما في اللمثالين 
من بلاغة » فأهم ما فيهما المبالغة في الوصف بأن شبه الشاعر ممدوحه بالليل 
الذي له يصك دونه حائل وشبه الله الفلك بالجبال إبرازأ لعزتها ومناعتها 
وقدرة الخالق في تسخير الأجسام العظام في أعظم ما يكون من الماء ولهذا 
السبب أردف وظيفة التوضيح بوظيفة الغلو والمبالغة (2) . 


وقد أكند البلاغيون على وظيفة التبيين والتوضيح عند حديثهم عن 
صورة من صور التشبيه المتطورة » وهي التمثيل . فنجدهم يقررون في ثأنه 
نفس ما قرروه آنفا . يقول الزمخشري موضحا الغرض من استعمال الأمثال 


(1) الرحمان/24 . 
(2) انظر تفصيل ذلك في سر الفصاحة » ص 235 ما بعدها . 


5038 


والتشبيهات : ١‏ الأمثال والتشبيهات إنما هي الطرق إلى المعانى المحتجبة في 
الأستار حتى تبرزها وتكشف عنها وتصورها للأفهام » (1) . 
وربط وظيفة التشبيه » ومن ثم الصورة الفنية عامة » بالتوضيح والشرح 
١‏ خلث في أصول النظرية الآدبية نتائج بعيدة الأشر » وطرح أمام البلاغيين 
والنقاد جملة من الإشكالات أر هقهم رفعها . 

فمن النتائج الهامة اشتراطهم أن تكون الصّفة أو الصفات المشتركة أشد 
وضوحا في المشبه به أو المقيس عليه حتى تحصل الإبانة التي تفترض الانتقال 
من الغامض إلى الواضح أو من الواضح إلى ما هو أوضح منه . ولذلك ازدهرت 
في مؤلفاتهم المباحث المتعلقة بنوع طرفي التشبيه . وكانوا حريصين فيها على 
نوع من الترتيب يراعي المبدأ العام في مسار الصورة من « درجة الأدنى إلى 
درجة الأعلى لا بالعكس ) (2) . وهنا أيضا قام الرماني بدور كبير في تحديد 
أصول تلك المراتب ونظامها العام . وهي عنده أربعة «منها إخراج ما لا تقع 
عليه الحاسة إلى ما تقع عليه الحاسة . ومنها إخراج ما لم تَجْر به عادة إلى 
ما جرت به عادة » ومنها إخراج ما لا يعلم بالبديهة إلى ما يُعلم بالبديهة » 
ومنها إخراج ما لا قوة له ني الصفة إلى ما له قوة بي الصفة . فالأول نحو 
تشبيه المعدوم بالغائب » والثاني تشبيه البعث بعد الموت بالاستيقاظ بعد النوم » 
والثالث تشبيه إعادة الأجسام بإعادة الكتاب » والرابع تشبيه ضياء السراج 
بضياء النهار) (3) . 

وقد بقيت هذه الأصول مستحكمة في تناول جل" البلاغيين لعلاقة طرفي 
التشبيه طيلة الفترة التى تهمنا » وما أضافوه إليها لا يتعدى بعض الشواهد 


(1) الكشاف » 2 60. يقول في الجزء الأول ص 203 في نفس المعنى : « أن التمثيل 
إنما يصار اليه لما فيه من كشف العنى ورفع الحجاب عن الفرض المطلوب » . 


(2) التنوخي ٠»‏ الأقصى القريب » ص 42 . 
(3) النكت في إعجاز القرآن » ص 81 . 
253039 


المبينه لها أو التفنن ني تفريعها » والتركيز على بعضها دون بعضها الآخر. كما 
حددت هذه الأصول بصفة نهائية وحازمة وظيفة الصورة ني التراث البلاغي 


وكما ضاغ الرماني هذه الأصول صاغ الدعائم النظرية التي تشد أزرها 
وتقنع بجدواها » وذلك بربطه بين الإبانة والتوضيح والإفهام وبين العلم 
الحاصل من طريق الحواس” . ولا شك" أن" نزعة الرجل العقلية » وباعه في 
الكلام على مذهب المعتزلة » وصلته بأوساط الفلاسفة والمناطقة » خولت له 
أن يلقم أببحاثه البلاغية بشي ء غير قليل مماكان رائجا قِ بعض البيئات حول 
نظرية المعرفة . 

فقد نقل عنه ابن رشيق أن التشبيه « على ضربين : تشبيه حسن وتشبيه 
قبح » فالتشبيه الحسن هو الذي يخرج الأغمض إلى الأوضح فيفيد بيانا » 
والتشبيه القبيح ما كان على خلاف ذلك . قال : وشرح ذلك أن ما تقع عليه 
الحاسة أوضح في الجملة مما لا تقع عليه الحاسة » والمشاهد أوّضح من الغائب . 
فالأول قُ العقل أوضح من الثانى 4 والثالث أوضح من الرابع » وما يدركه 
الإنسان في نفسه أوضح مما يعرفه من غيره » والقريب أوضح من البعيد 
في الجملة » وما قد ألف أوضح مما لم يؤلف» (1) . 

ورغم تواضع البعد النظري في هذا النص وافتقادنا لنصوص أخرى 
تدعمه » إذ لم تصلنا عن الرجل نصوص نظرية ذات بال » فإن تعليقه على 
العديد من الآيات القرآنية الواردة في ١‏ النكت ») يؤكد بصورة قطعية على 
ترابط الإبانة والحس” » عنده » واستمداد الصورة قيمتها وبلاغتها من 
قدرتها على إنزال المجردات إلى مرتبة المحسوسات (2) . 








(1) العمدة » 287/1 لم يذكر ابن رشيق المصدر الذي أخذ منه النص لأننا لم نقم عليه بهذه الصيغة 
في رسالة الرماني النكت في إعجاز القرآن . 


(2) انظر خاصة » ص 82- 94,. 


540 


وسيصبح الخوض في مثل هذه المسائل وجها من وجوه الدراسة البلاغية 
والنقدية » ويسود الشعور بين القائمين على الأدب بضرورة تدعيم هذا 
التصور كل بحسب ثقافته العقلية وشغفه بالمطارحات الفلسفية . فتناوله أبو 
(حينان التوحيدي في «الإمتاع والمؤانسة » (1) وتناوله بخاصة في « الهوامل والشوامل » 
حيث طرح على مسكويه سؤالا عن السبب في ١‏ طلب الإنسان - فيما يسمعه 
ويقوله ويفعله ويرتئيه ويروي فيه الأمثال ؟ وما فائدة المثل ؟ وما غناؤه من 
مأتاه ؟ وعلى ماذا قراره ؟ فإن في المثل والمثل والمماثلة والتمثيل كلاما رائتا 
وغاية شريفة ) وقد جاء جواب مسكويه نخلطا من المعطيات الفكرية والاعتبارات 
النفسية » يجمع بينها حاجة الإدراك إلى الصورة » وحاجة العلم إلى الحجس” 
لأنه مفتتحه ومرتبته الأولى يقول : «والسبب في ذلك أُنْسنا بالحواس » 
وإِلْفنَا لها منذ أول كوننا » ولأنها مبادىء علومنا » ومنها نرتقي إلى غيرها » 
فإذا أخبر الإنسان بما لم يدركه .. أو حنداث بما لم يشاهده وكان غرييًا 
عنده » طلب له مثالا من الحس' ٠‏ فإذا أعلطى ذلك أنس به » وقد يعرض 
في. المحسوسات أيضا هذا العارض » أعني أن إنسانا لو حدث عن النعامة والزرافة 
والفيل والتمساح » لطلب أن يصور له ليقع بصره عليه » ويحصل تحت حسه 
البصري » ولا يقنع فيما طريقه حس البصر بحس السمع حتى يرده إليه 
بعينه ( 5 ) فأما المعقولات فلماكانت صورها ألطف من أن تقع تحت الحس» 
وأبعد من أن" قمتل نكال الحن إل" عل نههة التقريب ازاك اشرق أن يكون 
غريبة غير مألوفة . والنفس تسكن إلى مثل وإن لم يكن مثلا » لتأنس به 
من وحشة الغربة » فإذا ألفتها » وقويت على تأملها بعين عقلها من غير مثال » 
سهل حيئئذ عليها تأمل أمثالها » (2) . 

وبنفس الحجج تقريبا برر عبد القاهر الجرجاني مكانة الصورة 
وتأثيرها في السامع » وإن صاغها في قالب أدبي أقل” صرامة من قالب مسكويه » 





(1) تحقيق أحمد أمين وأحمد الزين » منشورات مكتبة الحياة » بيروت (د. ت.) 84/2 . 
(2) الهوامل والشوامل » ص 240 - 241 عن جابر أحمد عصفور » الصورة الفئية » ص 331 - 
02 , 


51 


يقول مبينا لم كان للتمثيل التأثير الذي له في التفوس : ( إن أنس النفوس 
موقوف على أن تخرجها من خفي إلى جلي وتأتيها بصريح بعد مكلبي » وأن 
تردها ني الشيء تعلمها إباه إلى شيء آخر هي بثأنه أعلم » وثقتها به في 
المعرفة أحكم ء نحو أن تنقلها عن العقل إلى الإحساس » وعما يعلم بالفكر 
إلى ما يعلم بالاضطرار والطبع » لأن العلم المستفاد من جهة النظر والفكر 
في القوة والاستحكام وبلوغ الثقة فيه غاية التمام » كما قالوا : ليس الخبر 
كالمعاينة » (1) . 
وبناء على هذا تصبح قيمة التشبيه وفضل بعضه على بعض بحسب 
تمكن وجه الشبه في الحسنية . ولذلك فضل ناقد كالعسكري بيت امرىء 
القيس / طويل / 
ان ”قوت الطير ورظنا ويانين" * طلائ كرفا الخابة و لمعف ايان 
على بيت بشار / طويل / 
كأن مثار النفع فوق رؤوسنا 2 وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه 
ولأن قلوب الطيور رطبا ويابسا أشبه بالعناب والحشف من السيوف 
بالكواكب » (2) . وليس العسكري الناقد الوحيد الذي أعجب ببيت امرىء 
القيس واعتبره الغاية التي ليس بعدها غاية » فلقد كان الجمهور الأعظم من 
البلاغيين والنقاد يشاطره هذا الإعجاب ويعد البيت من غرائب الثشبيهات 
وبدائعها . ويبدو أن سلطان البيت امتد إلى الشعراء أنفسهم فقد حكى ابن 
رشيق في ١‏ العمدة » عن بشار أنه قال : وما قر بي القرار منذ سمعت قول 
امرىء القيس «كأن قلوب الطير رطبا ويابسا ) حتى صنعت : 
كأن” مثار النفع فوق رؤوسنا 2 وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه» (3) . 





(1) أسرار البلاغة » ط. خفاجي » 234/1 . 
(2) الصناعتين » ص 256 . 
(3) العمدة » 291/1 . 


542 


ولم تخفت حداة الإعجاب ببيت امرىء القيس إلا ني القرن الخامس عندما 
توفر لعبد القاهر أن يبلور الفرق بين التشبيه والتمثيل » وأن يطرح ني المصطلح 
النقدي والبلاغى مفهومى « التركيب ) و ١‏ التعديد » كمقياس فاصل في الحكم 
بجودة التشبيهات وتفاضلها . والفارق بين التركيب والتعديد أن من التشبيهات 
ما يتضمن تشبيه شيئين بشيئين أو أكثر » ولكن لا بحصل منهما امتزاج » 
ولا تحصل صورة لم تكن لهما في حال الإفراد » وإنما يتجاوران ني المكان 
فحسنب فمضامة الرطب من القلوب إلى اليابس لا تنشأ عنها هيأة جديدة في 
البيت ولا يأتلفان « ائتلاف الشكلين يصيران إلى شكل ثالث » وليس كذلك 
بيت بشار لأن التشييه ( مو ضوع على أن يريك الهيئة التي ترى عليها التقع 
المظلم والسيوف في أثنائه » تبرق وتومض » وتعلو وتنخفض » ترى لها 
حركات من جهات مختلفة كما يوحيه الحال حين يحمى الجلاد » وتركض 
بفرسانها الجياد») (1) . 

وعلى هذا النحو طور الجرجانى نظرة أسلافه إلى جودة التشبيه » 
وجوه التصرف المستحسن كأن يشبه الشاعر شيئا بأشياء في بيت أو لفظ قصير 
كقول امرىء القيس / طويل / 
وتعصو برخص غير شن كأنه 2 أساريع ظبي أو مساويك اسحل (2) 
وضيق المولدين بهذا البيت ورغبتهم عن تأثره » فيما تحكى المصادر » 
لا يرتد إلى عدد التشبيهات الموجودة وإنما لأنهم استبشعوا تشبيه « أطراف 
الأصابع بدودة تكون ني الرمل وتسمى جماعتها بنات النقا) وفضلوا ما هو 
«أليق بالوقت وأشكل بأهله » كقول عبد الله بن المعتز / طويل / 
أشرن على خوف بأطراف فضة0 مقومة أثمارهن عقيق (3) 
(1) أسرار البلاغة » ط. خفاجي »47/2 . 


(2) قدامة بن جعفر » نقد الشعر » ص 59 . 
(3) ابن رشيق » العمدة » 299/1 ص 59 . 


243 


وكأن تجتمع تشبيهات كثرة في بيت واحد كتشبيه امرىء القيس 
أربعة بأربعة في قوله / طويل / 
له أيطلا ظبى » وساقا نعامسة 2 وإرخاء سرحان» وتقريب تتفل(1) 


وبناء عليه أيضا وعلى مقولة الصدق ني التشبيه رفضوا التشبيهات التي 
لا تحترم مبدأ انتقال الصورة من الأدنى إلى الأقضى أو التى تناقض العادة 
100 من عه إل معدا يه مختلق ذلك ردوا فول الشاعر / طويل: / 
وخمال ع لى خحديك بك وكأئه سنا البدر 3 دعجاء باد دجونها 


«ولأن الخدود بيض والمتعارف أن يكون الخال أسود » فتشبيه الخدود 
بالليل والخال بضوء البدر تشبيه ناقض للعادة » (2) وخطأوا الكميت ني 
له / متقارب / 
كأن الغطامط ني غليهسا أراجيز أسلم تهجو غفرا 
لأن” أسلكم ما هجت غفار قط (3) . 


ود انتبه الثقاد والبلاغيون إلى خطر هذا المقياس على بعض تشبيهات 
القرآن وشعر الفحول من الأوائل لخروجها عنه » واقتنعوا بأن ظاهرة التشبيه 
المعكوس أو المقلوب استفحلت في الشعر وأصبح الشعراء يتعاملون معها 
على أنها عنوان من عناوين البراعة وإتقان الصنعة » انقسموا إلى ثلاث فئات 
فئة تجنبت الإفاضة في طرق المشكل » وتمسكت بالأصل » كما فعل العسكري 
الذي لخص موقفه في سطرين يقول : « وقد جاء ني أشعار المحدثين تشبيه 
ما يرى بالعيان بما ينال بالفكر» وهو رديء » وإن كان بعض الناس. يستحسنه 
لا فيه من اللطافة والدقة ) (4) . 


(1) قدامة » المصدر المذكور » ص 58 . 

(2) ابن سنان الخفاجي » سر الفصاحة . 241 , 

)3 ابن سئان » المصدر السابق 

(4) الصناعتين » ص 248 لاحظ عدم ذكره القرآن بمناسبة هذا الموضوع . 


544 


وفثة ثانية رجعت إلى المصادر القديمة تستفتيها » ولا سيما أن للآبة التي 
أحر جلها شأنًا عند قدماء النحاة والبلاغيين عظيما (1) فوجدت في تخريج 
المبرد الذكي ما ترفع به عنها الحرج » بدون أن تضطر إلى تطوير الأصول 
التي غرسها الرماني . وقد استغلت ذلك التخرج لتبريرها ما ورد بي 
القرآن والشعر معا . يقول ابن رشيق : 

« قال الله عر وجل" : (طلعها كانه رؤوس” الشيتاطين) فقال قوم : 
إن شجرة الزقوم وهي أيضا الأستن لها صورة منكرة وثمرة قبيحة يقال لها : 
رؤوس الشياطين » وقال قوم : الشياطين الحيئات في غير هذا المكان » 
والأجود الأعرف أنه شبه بما لا يشك' أنه منكر قبيح » لما جعل الله عز وجل" 
في قلوب الأنس من بشاعة صور الجن والشياطين » وإن لم يروها عبيّاننًا فخوفنا 
الله تعالى بما أعد للعقوبة » وشبهه بما نخاف أن نراه » وقال امرؤ القيس : 
(طويل) | 
أيقتلني والشرني مضاجعي)2 وسنونة زرق كأنيات أغوال 


فشبه نصل التبل بأنياب الأغوال لما ني النفس منها (......) فوصفه بما 
يتصور ويقوم في النفس » كأنه يقول : لو كان صورة لكان هكذا» (2) . 

وفثة ثالثة اضطرت » مع أخذها » بالأصول إلى إعادة النظر في كيفية 
تطبيقها » وسبل التخفيف من. ثقلها » حتى تستوعب جانبا هاما من الشعر ء 
لا.يعقل أن تهدر قيمته الفنية من أجل خروج أصحابه عن النمط ناهيك أن” 
الكثير منه منسوب إلى شعراء يشهد لهم بالطبع والرقة والتلطف أمثال 
البحتري وابن المعتر . 


(0) عي قوله تمال « طلعها كأنه رؤوس الشياطين » وقد ذكرت في أكثر من مناسبة في هذا 


(2) العمدة » 288/1 وانظر أيضا سر الفصاحة » ص 241 وهما ينقلان حرفيا تقرييبا ما 
ورد فى الكامل » 79/2- 80 , 


5245 


لذلك طرح عبد القاهر » في القرن الخامس ٠‏ مسألة التشبيه المعكوس من 
جديد » وأفاض ني شرحها محاولا التوفيق بين واقع التجربة الشعرية » 
ومقررات أسلافه من البلاغيين » وليمكن التوفيق عدال من الفكرة القائلة بأن 
المشبه به يجب أن يكون أكثر تمكنا ني الصفة من المشبه وأصل المعنى الذي 
قصدنا إثباته » وذلك بأن قسم التشبيهات إلى قسمين كبيرين . قسم يقوم على 
جمع وصفين على وجه ١‏ يوجد ني الفرع على حد » ويوجد هوأو قريب منه 
في الأصل » (1) ولا يعني به المتكلم شيئا غير المقارنة في مطلق الصورة 
والشكل واللون كتشبيههم السَّرُو بالنساء والنساء بالسرو وأنوار الرياض 
بالنجوم والنجوم بالنور » فما كان على هذه الشاكلة استقام فيه القلب . 

وقسم بين طرفيه : تفاوت شديد في الوصف الذي لأجله يشبه به» (2) 
ويكون غرض التكلم من عقده إلحاق الناقص بالزائد مبالغة ودلالة على 
أنه يفضل أمثاله فيه . مثال ذلك أن العرب إذا أرادت أن تبالغ في صفة 
الثىء بالسواد شبهته بالقتار أو بحختافية الغراب » وهما الأصل في شدة 
النثراه وله موي" للنكدن النفية فى هذه اقفالة 2 لأنك تنقض العادة ؛ وتعكس 
ما يوجبه العقل » وتقيس معروفا على مجهول بله ضياع الغرض الذي من 
أجله يؤتى بهذا الصنف من التشبيه . وعلى هذا الأساس افتتن الجرجاني 
بقول أبي فراس يشبه البركة بالدروع / مجزوء الكامل ' ْ 
انظين. إل رهسن : الرفيسهع والناء * يي البرك ««التدسسم 
وإذا الرياح جرت علي)2 له في الذهاب وفي الرجوع 
شرت على بيض الصفا ‏ ئح بيننا حلق الدروع (3) 
في حين أن الاصل هو تشبيه الجواشن والداروع بالقندور ء وضعف بيت 
البحتري : (طويل) 
(1) أسرار البلاغة » ط. خفاجي 574/2- 75 . 
(2) المصدر السابق » 72/2 . 
(3) المصدر السابق » ص 62/2. 


546 


على باب قنسرين والليل لاطخ جوانبه من ظلمة بمداد 

«ووذلك أن المداد ليس من الأشياء التى لا مزيد عليها في السواد . كيف 
ورب مداد فاقد اللون » والليل بالسواد وشدنه أحق وأحرى أن يكون 
مثلا ) (1) . 

ولكن هذه التدقيقات لا تغير من جوهر الأصول شيئا » وقد بقى 
الجرجاني في نطاق المبادىء والأصول العامة التي التزم بها أسلافه . ومن ثم 
يمكن القول بأن حسن التشبيه بقى » فى العيار النقدي » رهين قدرته 
على التوضيح ودرجة انسجامه مع الأصول المقررة ومطابقته للحقيقة . 

وقد ولد هذا التصور بعض السلبيات في تقدير العمل الشعري » وأسلم 
النقاد إلى شىء غير .قليل من التصلب في الحكم » وتشديد الخناق على الشعراء 
بتعقب أدق )0 4 نهم ) تعقبا لاا يخلو من الحذلقة والتصنع وربما من سوء 
النية . فكانت استجابة شعر الشاعر للمبادىء المرسومة أهم إليهم من تجربته 
الذاتية » وطريقته الخاصة في إعادة تركيب الأشياء من زاوية رؤيته لها ء 
التجربة . 

فلقد آخحذوا أبا نواس لأنه أخطأ فى وصف عين الأسد حيث قال : 

كأن” ما عينه إذا نظرت نادرة الجفن عين مخدوق 

بينما تقتضى المطابقة بين الوصف والموصوف غير ما ذهب إليه الشاعر لأن 
( الأسد لا يوصف بجحرظ العينين » إنما يوصف بغؤورهما ) (2) . وبهذه 

بقة الصورة للأصل مطابقة آلية تحترم كل الجزئيات . 


(1) أسرار البلاغة » ط. غفاجي » 73-72/2 . 
(2) سر الفصاحة » ص 248 . 


54 


وقد برز تشدد النقاد » ولا سيما أنصار عمود الشعر منهم » بصورة 
واضحة عند تعرضهم لشعر أبي تمام الذي لم يكن يأبه » في شعره » باحترام 
كثير من اللياقات التي تقتضيها مراسم الشعر » ولم يكن يحرجه الخروج 
عن طريقة القدامى في توظيف اللغة وبناء الصورة وتعاطي الأغراض . 

ومنذ وقت مبكر » أثيرت حول خطه الشعري كثير من الرّيب جعلت 
النقاد حريصين معه » وربما أكثر من غيره » على تطبيق سمت العرب في 
افنيهات والحازاك: وعاسته غائية عسيرة © أدكا ره إل بعص اتج 
والمبالغة . ونقتصر لتأكيد ما قلنا على مثالين من « موازنة ) الآمدي بينه 
وبين البحتري » فقد خّطأ المؤلف قوله : (طويل) 
بيوم كطول الدهر في عرض مثله 2 ووجدي من هذا وهناك أطول 
فقد لا تكون لهذا البيت قيمة فنية متميزة » إلا أن اللافت للنظر أن الآمدي 
ركز نقده على عنصر من عناصر التشبيه الوارد في الصدر .. وهو إسناد 
الشاعر للدهر دغرضا 0 ورأئ؟ أن ذلك ستحيل عقلا وهو من ١‏ محض 
المحال » كما رفض تخريج الإسناد على البالغة » لأن الشاعر أتى على 
الغرض في البالغة بقوله « كطول الدهر » . ثم لما انتبه إلى أن الاستعمال 
قد يحمل على التوسع والمجاز » قال إن صنعة البيت على الحقيقة بحجة 
و أن المجاز فى هذا (استعمال الطول والعرض فى الحديث عن الدهر) له 
صورة كرو وألفاظ مألوفة » معتادة » لا جار في النظر بها إلى ما 
سواها » ويأتي ببعض الاستعمالاات الجارية كقول العرب: « عشنا في. خحفض 
ودعة زمانا طويلا عريضا وما زلنا في رخاء ونعمة الدهر الطويل العريض » 
وهم يريدون تمامه وكماله وسعته . ويختم تعليقه على البيت قائلا : « فهذا 
إذا جرى على هذا اللفظ المستعمل حسن ولم يقبح وإذا عدل به عن هذه 
الطريقة وهذه الألفاظ المألوفة إلى ما يشبه الحقائق أو يقاربها كان مخطنا )(1) . 








(1) الموازنة » ص 177-174 . 


548 


وببقى في هذا التحليل شيء غامض لم تساعد التواءات الآمدي في 
الاحتجاج على توضيحه. وهو السبب في اعتباره البيت مخرجا مخرج 
الحقيقة بينما إرادة التشبيه والتمثيل واضحة فيه . ثم لماذا يقبل الناقد أن 
تكون عبارة ( كطول الدهر ) مستعملة على الحقيقة ولا يقبل إضافة 
والفروفل) عل "نقتي البق © لذ يكن تشسير د للف 4 في وناغ إل اإذا 
أدخلنا في الاعتبار أن الشاعر هو أبو تمام » وأن الناقد 1 الآمدي الذي م 
يستطع » رغم ما تقتضي « الموازنة » من حياد » التخلص من التصورات 
الأثيرة لديه » وميوله الدفينة إلى مذهب الأوائل » وعمود الشعر الألوف . 
وإلا فإنه بالإمكان » لو توفر الاعتقاد الحسن والظن الجميل » نفى الظنة 
عن الشاعر والاعتذار له بأن عظم الوجد المعتمل به دفعه إلى ٠‏ م ( 
طوق الاستعمال » والتصراف في اللغة على نحو يلائم غرضه في التعبير . 
إلا أن الآمدي لم يكن كلفا بالبحث عن ذات الشاعر في شعره كلفه بمعرفة 
مدى خضوع ذلك الشعرر للقوانين المسطرة . 

وتتجى سلبيات هذه الطريقة في التقسيم في المثال الثاني أكثر من 
المثال الأول » فمن الأخطاء المحسوبة على أبي تمام قوله : (طويل) 
دعا شوقّه يا ناصر الشوق دعوة فباه طل الدمع يجري ووابله 
ويرتد خطأ الشاعر في رأي الآمدي » إلى أن هذا البيت « إنما هو. نصرة 
المشتاق على الشوق » والدمع إنما هو حرب للشوق لأنه يثلمه ويتخونه 
ويكسر منه حده.. فلو كان الدمع ناصرا للشوق لكان يقويه ويريد 
فيه)(1). 

ورغم أن البيت لا يدخخل مباشرة في موضوعنا » لأن انتقاده لا يقوم 
على الصورة ذاتها » فإنه يصلح لبيان ما نحن بصدد بيانه من تعلق الناقد 
(1) الموازئة » ص 196 . 


2549 


بصور الأشياء كما يحددها فهمنا العادي لها وقياسه دواعى الشعر على 

فنحن لا نظن أن الاعتبارات التى راعاها الآأمدي فى نقده زاد كاف 
لاقتحام تجربة الشعر وكشف العاناة التي يعيشها الشاعر والأديب » 
فمناقشة هل أن الدمع إذكاء الشوق أو إخماد لجذوته هو من قبيل ١‏ التجريح 
والتعديل » الذي قد يصلح في علوم الفقه ولكثه لا يلائم طبيعة الشعر . 
ولا نرى سببا موضوعيا يحمل الناقد على التشبث بربط العجز بالصدر ربط 
النتيجة بالسبب ويهمل ١‏ الحال الشعرية » التى يحملها البيت عن قائله ويولدها 
في متقبله » بصرف النظر عن مطابقته لمنطق الترابط العلي . وقد تختلف 
المواقف من قيمة البيت وتتباين التأويلات إلا أننا نستبعد أن يقتصر من لا 
يستحسنه في الحجة على هذا النوع من الخطلٍ . 


ويعود هذا الإغراق فى التشقيق عند الأمدي » وعند كثير من النقاد 
غيره » إلى مسألة الوضوح والإبانة » ووجوب تحقيق التشابه الكامل بين 
المشبه والمشبه به » وبناء الصورة على منوال القدماء بحيث تصور لنا الأشياء 
بصورها وتستوعب الموصوف ١‏ فتراه نصب عينيك »)(1) . 


ومتى وصلنا إلى هذا الحد تراءعى سؤال مهم يتعلق بدور الشعر وفضل 
الشاعر . فإذا سلمنا بأن وظيفة التشبيه وظيفة إفهامية وأن دور الشاعر نقل 
ما يشاهد نقلا أمينا يحقق التطابق الآلي بين الأصل والمثال » تساءلنا عن 
دور الشعر ووظيفته » إذ لا فرق » في هذه الحالة » بين هذا الشكل 
الفني المتميز وبقية مستويات اللغة التي في إمكانها أن تقوم بوظيفة الإفهام 
من دون أن تلتزم بقيود الكتابة الشعرية . كما تساغلنا عن فضل الشاعر 
على غيره من الناس »© إذ لا تقتضي الأمانة في الوصف قدرات: خاصة . 
(1) الصناعتين » ص 134 . 


5230 


فطن النقاد والبلاغيون العرب إلى هذا الإشكال المتدرتب عن القيود 
التي أحاطوا بها مباحث التشبيه » والصورة . وحاولوا أن يجيبوا عن هذه 
الأسئلة إجابات مختلفة يمكن تصنيفها الى صنفين :(1) 


صئف أول ويمثله ابن طباطبا وقدامة والآمدي والعسكري وابن 
سنان » يرى أن حسن التشبيه موقوف على كثرة الوجوه الجامعة بين المشبه 
والمشبه به كثرة تقرب بهما إلى حال الاتحاد حتي أن التشبيه « إذا عكس 
لم ينتقض ء» بل يكون كل شبه بصاحبه مثل صاحبه » ويكون صاحبه 
مثله مشتبها به صورة ومعنى ) (2) . وتبرز قيمة الشاعر من هذه الزاوية 
فى قدرته على إدراك أكثر ما يمكن من وجوه الشبه بين الطرفين عند المقارنة 
حتى يقوم التشبيه على ضرب من اللياقة المعنوية ويقترن الطرف بما قرب 
منه أو دنا من معناه . ثم إن الشعراء يتفاوتون من جهة التصرف في تلك 
الوجوه كأن يشبه شيئا في تصرف أحواله بأشياء تشبهه في تلك الأحوال 
كما قال امرؤ القيس يصف الدرع في حال طينها : (المتقارب) . 


ومشدودة السك موضونة تضاءل فى الطى كا ميرد 
ثم وصفها في حال الدّشر في هذه الأبيات فقال : 


تفيض على المرء أرادانها.- كفيض الأتي على الجدجد) (3) 


(1) نجد أصول هذين الصنفين عند الفارابي في مقالته في قوانين ضناعة الشعراء عندما يقول 
«وجودة التشبيه تختلف فمن ذلك ما يكون من جهة الأمر نفسه بأن تكون المشابهة قريبة 
ملائمة وربما كان من جهة الحذق بالصنعة جتى يجمل المتباينين في 'صورة المتلائمين 
بزيادات في الأقاويل مما لا يخفى على الشعراء فمن ذلك أن يشبه رثات » و”يج» لأجل 
له يوجد بين أ و”ب“ مشابهة ملائمة معر فة ويوجد بين ”ب” و”ج” مشابهة قريبة 
ملائمة معروفة » فيدر جوا الكلام في ذلك حتى يخطر ببال السامعين والمنشدين مشابهة 
بين دان 2 وج» وإن كانت في الأصل بعيدة ) , ص 157 من كتاب عبد الرحمان بدوي 


فن الشعر لأرسطو طاليس . 
(2) ابن طباطبا » عيار الشعر »ء ص 11 . وانظر ٠»‏ نقد الشعر » ص 55 . 
(3) نقد الشعر »ء ص 59 . 


2051 


أو أن يأخذ الشاعر في طريق غير الطريق الدارجة بين بقية الشعراء في تشبيه 
شيء بشيء » مثال ذلك أن الشعراء التزموا في عامة شعرهم تشبيه الخوذ 
بالبيض فخرج بعض الشعراء عن طريقهم وشبه بريقها » على رؤوس 
المحاربين تعدو بهم الخيل » بالكواكب فقال : (طويل) 
فلم أر إلا الخيل تعدو كأنسا سنورها فوق الرؤوس الكواكب(1) 
. ومن وجوه التصرف أيضا أن يلتزم الشعراء تشبيه شيء بشيء من جهة ما 
فيأتي شاعر آخر ويعقد التشبيه من جهة أخرى . يقول قدامة : « إن جل" 
الشعراء يشبهون الدرع بالغدير الذي تصفقه الريح كما قال أوس بن 
حجر : (طويل) 
وأملس صوليا كنهي قرارة 2 أحس بقاع نفخ ريح فأجفبلا 
و(.. .) وكثير من الشعراء ينحون في تشبيه الدروع هذا المنحى وإنما 
يذهبون إلى الشكل » وذلك أن الريح تفعل بالماء في تركيبها إياه بعضا على 
بعض ما يشبهه في حال التشكيل بحال الدروع في مثل هذا الشكل . فقال 
سلامة ابن جندل عادلا عن تشبيه الشكل إلى تشبيه اللين » وذلك أن اللين 
من دلائل جودة الدرع لصغر قتيرها وحلقها : (طويل) 0 
فألقوالنا أرسان كل نجيبة وسابغة كأنها متن خرنئق» (2) . 
والخرنق ولد الأرنب . ٠ ٠‏ 

إلا أن قدرة الشاعر وتضلعه من أصول صناعة الشعر تبقى » فى 
نظر هذا الفسريق » رهينة ما يتم له من التشبيهات في البيت الواحد ولا سيما 
إن استطاع أن يصيب في كل واحد منها المقتل كما يقولون » ولذلك 
تناقلوا بيت الوأواء : (سيط) 


(1) نقد الشعر » ص 60 . 


(2) نفس لمصدر ع ص 61 . 


5252 


وأسبلت: لولوا من ترجين سق وردا وعضت على العناب بالبرد 
واعتبروه غاية ما انتهى إليه التشبيه وبثيمة الشعر العربى إد رلا يعرف 
لهذا البيت ثان في أشعارهم »(1) وقد شبه فيه صاحبه خمسة أشياء بخمسة 
أشياء : الدمع بالؤلؤ والعين بالنرجس » والخد بالورد » والأنامل بالعئاب » 
والنغر بالبرد . 

وصلف ثان ويمثله بوجه خاص ابن رشيق وعبد القاهر الجرجانى » 
يرى عكس ما يرى الصنف الأول ويرفض مبدأه العام في حسن التشبيه 
وإن كان يتبنى الكثير من وجوه التصرف الواردة عندهة . 

وقد تجلى هذا الرفض بشكل قاطع في رد ابن رشيق رأي قدامة في 
أفضل التشبيه يقول : (وزعم قدامة أن أفضل التشبيه ما وقع بين شيئين 
اشتراكهما في الصفات أكثر من انفرادهما ء. حتى يدنى بها إلى حال 
الاتحاد » وأنشدني ذلك وهو عنده أفضل التشبيه كافة : (طويل) 
له بطلا طى 1 وستافنا كانه - ,وا كعاء سيان ويم ا 
وهذا تشبيه أعضاء بأعضاء هى هى عينها » وأفعال هى هى أيضا بعينها » 
إلا أنها من حيوان مختلف كما قدمت » والأمر كما قال فى قرب التشبيه إلا أن 
فضل الشاعر فيه غير كبير حينئذ لأنه كتشبيه نفس الشىء المشبه الذي ذكره 
الرماني في تشبيه الحقيقة » وإنما حسن التشبيه أن يقرب بين البعيدين 
حتى تصير بينهما مناسبة واشتراك )(2) . 

وواضح من هذا النص أن سبب الخلاف يرئد إلى قضية فنية أدبية 
خالصة هي البحث عن المسوغات التى تكفل للشاعر مكانته وللفن دوره 
في نطاق التصور العام للمسألة التشبيه . وابن رشيق حاد الشعور بأن المبدأً 


(1) الصناعتين » ص 257 . 
(2) العمدة » 289/1 . نحن نسطر . 


02035 


العام" الذي يلتزم به الطرف المقابل لا يكفي لتفسير المكانة الدميزة التي يحتلها 
الشعر والشعراء في أدب كالأدب العربي مثلا لأن المقارنة بين شيئين اشتراكهما 
فى الوجوه أكثر من انفرادهما لا تستدعي من القائم بها اك خاصة 
“مور لعاة لاس » فلا فضل الشاعو عل غيره في عقد هذا لقيل من 
التشبيهات » وحتى إن كان له فضل فهو قليل لا يناسب مكانته ولا ستحق 

من. أجلة: لقب الشاعر: إذ :سك الشاعر .شاعرا © لآثه بشعر يما لا يشغر 
به غيره» (1) . ولكل هذه الاعتبارات قلب ابن رشيق أطراف المعادلة 
وأصبح التشبيه عنده إيقاع الائتلاف بين المختلف بعد أن كان إيقاع 
الائتلاف بين المؤتلف أو شبه المؤتلف » ومن ثم اقترنت البراعة في التشبيه 
بالتفطن إلى العلاقات الخفية الرابطة بين عناصر الموجودات بتجاوز تباعدها 
الظاهري . ويقتضي ذلك فطنة خاصة ونظرا ثاقبا ينفذ إلى الأغوار المستترة 
ويرى ما لا يرى غيره . ش 


طرح صاحب العمدة الفكرة إلا أنه لم يتوسع في تحليلها ولم يتأن 
في سبر أبعادها واستخلاص كل النتائج التي تشرتب عنها فبقيت عنده مجرد 
حكم نقدي تباشر على أساسه القيمة الفنية للتشبيه ولم تحط بالإطار النظري 
الام لها + لم تبرق أهميته في مؤلفه كسا برزت عند معاصره عبد لقاهر 
الجر جاني . 


يلاحظ الناظر فى مؤلفى الجرجانى . ولا سيما « أسرار البلاغة » 
الأ عمش كل لماه الور اتوت نعي تي لمعنه من 
الاعتبارات المدرتبة عن أصول نظريته فى الفصاحة والبلاغة » وفي مقدمة 
تلك الاعتبارات بناؤه تصوراته في 0 النص والجمالية 00 عامة 
على أساس عقلي يقاس بمقتضاه شرف الصنعة وفضيلة العمل بما 
(1) العمدة » 116/1 . 


504 


يحتاجان إليه من دقة الفكر ولطف النظر ونفاذ الخاطر . ولا شك أن رأيه 
في التشبيه سيتأثر بهذا التصور العام وتكون أفضل التشبيهات في نظره 
وما تقوى فيه الحاجة إلى التأوّل حتى لا يعرف المقصود من التشبيه فيه 
ببديهة السماع ) (1) . ولذلك احتل « التمثيل ) في مؤلفه مكانة خاصة 
لأن العلاقة بين المعنى واللمثال تكون » في الأغلب » دقيقة غامضة يحتاج 
استخراجها إلى « فضل روية ولطف فكرة) 2). 

ومن الاعتبارات التي أقام عليها دراسة التشبيه وعيه بأن هذا الأسلوب 
شائع في اللغة نصادفه في كلام العامئي وفي « الاداب والحكم الأثورة 
عن الفضلاء وذوي العقول الكاملة )(3) ويترتب عن هذه الملاحظة اللغوية 
أن حضور التشبيه في السياق لا ينولد عنه » بالضرورة » أثر فني وأن 
امهم ليس العتورة: في نح" أذانها” ونا اطتريقة الحكلغ - في بنائها ومذهية 
في التقريب بين أجزائها . 

وقد نظافر هذان الاعتباران لتحديد الإطار العام المحيط بآراء العجرجاني 
في حسن التشبيه وبراعة الشاعر » وفي طليعة تلك الاراء تأكيده على أن 
منزلة التشبيه في الجودة وتمكدنه في الفن يتناسب تناسبا عكسيا ووضوح 
العلاقة الرابطة بين المشبه والمشبه به ووقوعها فى مجال المشاهدة لأن إدراك 
تلك العلاقة يتم إذذاك من جهة الخس لا من جهة النظر والتأمل يقول : 

...2 إن كل شبه رجع إلى وصف أو صورة أو هيثة من شأنها 
أن ترى وتبصر أبدا فالتشبيه المعقود عليه نازل مبتذل » و ما كان بالضد من 
هذا وفي الغاية القصوى من مخالفته » فالتشبيه المردود غريب نادر بديع » 
ثم تتفاضل التشبيهات التي تجيء واسطة لهذين الطرفين بحسب حالها منهما 





(1) أسرار البلاغة » ط. خفاجي » 195/1 . 
(2) المصدر السابق » 194/1 . 
(3) المصدر السابق » 196/1 . 


252055 


فما كان منها إلى الطرف الأول أقرب فهو أدنى وأنزل وما كان إلى 
الطرف الثاني أذهب فهو أعلى وأفضل وبوصف الغريب أجدر ) (1) . 

وكما أن قيمة التشبيه لا تكون فى الخصائص الجلية الواقعة تحت 
المشاهدة التى لا يستعصى على أي كان أن يدركهاء فإن براعة الشاعر أيضا 
لا يمكن أن تأني من هذ الجانب ؛ وإنما من إيقاع الائتلاف بين الأشياء 
المختلفة والغوص على الأواصر المحنجبة التى لا تنكشف إلا بالتثبت والتعمل . 
يقول : يد فإذا أعدت الحلبات 58 الجياد » ونصبت الأهداف 
يعرف فضل الرماة في الأبعاد والسداد » 'فرهان العقول التي تستبق » 
ونضالها الذي تمتحن قواها في تعاطيه هو الفكر والرؤية والقياس والاستناط : 

ولن يبعد المدى في ذلك »؛ ولا يدق المرمى »؛ إلا بما تقدم من تقرير 
الشبه بين الأشياء المختلفة بأن الأشياء المشتركة في الجنس المتفقة في النوع » 
تستغني بثبوت الشبه بينها » وقيام الاتفاق فيها » عن تعمل وتأمل في إيجاب 
ذلك لهاء وتثبيته فيها . . وإنها لصنعة تستدعى جودة القريحة والحذق » 
الذي يلطف ويدق » في أن يجمع أعناق المتنافرات المتباينات في .ربقه » 
ويعقد بين الأجنبيات معاقد نسب وشبكة (. . .) وذلك يبين لك فيما ترأه 
من الصناعات وسائر الأعمال التى تنسب إلى الدقة » فإنك تجد. الصورة 
المعمولة فيها كلما كانت أجزاؤها أشد اختلافا فى الشكل والهيئة » 
ثم كان القلائم بينها مع ذلك أتم + والائتلاف أبين كان شأنها أعجب. 
والحذق لمصورها واجب ) (2) . 

من هذا المنظور يصبح الشاعر شخصا غير عادي ٠‏ يمتاز على عامة 
الناس بالقدرة على رؤية ما لا يرون» ومكاشفة النواميس السرمدية التي 
يرتد إليها الوجود في جميع هيآته وأشكاله » فيفطن إلى ما لا يفطن إليه غيره 
(01) أسرار البلاغة » 275/1 . 
(2) المصدر السابق » 275/1 . 


556 


من وجوه التأليف والانسجام والتناغم بفضل مهارته في إعادة صياغة تلك 
الموجودات صياغة تتجاوز تشتتها الظاهري وتقرب بين متنافرها ومتباعدها . 
إن الشاعر البارع هو الذي بهديه خياله وفكره ورؤيته الشعرية عامة إلى 
وجوه شبه لا ينزع إليها الخاطر ولا تقع في الوهم عند بديهة النظر (1) . 
وللتأكد من صحة هذا الحكم وإقناع القاريء به ساق الجرجاني المثال 
تلو المثال وحللها بكيفية تشهد لذوقه الأدبى المتميز ومهارته فى استكناه 
لمعاني المحتجبة وراء الصياغة الشعرية . ومن الشواهد التي ورد ذكرها 
أكثر من مرة لشدة إعجاب المؤلف بها ووضوحها في الدلالة على مراده 
قول الشاعر : (رجز) 
ظ ه والشمس كالمرآة في كف الأشل » 

وبتحليل هذا المثال ندرك الفرق بين التشبيهات العادية السائرة والغريبة 
النادرة وبين المتكلم العادي والشاعر البارع . فتشبيه الشمس بلمرآة المجلوّة 
تشبيه عادي يجري في الخاطر لبروز الشيه القائم بينهما من استدارة ولمعان . 
وليس فى هذه المشابهة ما يلفت الانتباه ناهيك أنها لا توفى بعنصر الحركة 
الذائية والالتماع المتواصل الموجودين في نور الشمس فتبقى الصورة سطحية 
لا تدقق الشبه بين الطرفين ولا تتعمق تفاصيله» والشاعر البارع وحده قادر على 
استكمال عناصر الصورة بإضافة عنصر لا يخطر على البال ولا يسرع إلى 
الوهم لا من قريب ولامن بعيد وهو جعل المرآة على هيثة من الحركة تطابق 
هيئة الشمسء فأرانا بقوله « في كف الأشل » مع الشكل الذي هو الاستدارة 
ومع الإشراق والتلألؤ على الجملة « الحركة التي تراها للشمس إذا أَنُعَممت 
التأمّل ثم ما يحصل في نورها من أجل تلك الحركة وذاك أن للشمس حركة 
متصلة دائمة في غاية السرعة ولنورها بسبب تلك الحركة تموج واضطراب 
عجب ولا يتحصل هذا الشبه إلا بأن تكون المرآة في يد الأشل لأن حركته 


69 أسرار البلاغمة 2 6/2 . 


55 


دوم وتتصل وتكون فيها سرعة وقلق شديد حتى ثترى المرآاة لا تقر في 
العين وبداوم ا حركة وشّدة القاق فيها يتموج نور المرآاة ويقع الاضطراب الذي 
كأنه يسحر الطرف » وتلك حال الشمس بعينها حين تحد النظر وتنفذ البصر 
حتى تتبين الحركة العجيبة في جرمها وضورئها فإنك ترى شعاعها كأنه يهم 
بأن ينبسط حتى يفيض من جوانبها ثم يبدو له فيرجع من الانبساط الذي 
بدأه إلى انقباض كأنه يجمعه من جوانب الدائرة إلى الوسط . وحقيقة 
حالها في ذلك مما لا يكمل البصر لتقريره وتصويره .في النفس فضلا عن 
أن تكمل العبارة لتأديته » ويبلغ البيان كنه صورته » (1) . 

فالشاعر البارع لا يكتفي بالتشبيه المجمل والعلاقة البينة وإنما يسعى إلى 
التفاصيل بتحليل أجزاء الصورة ثم إعادة تركيبها بكيفية تسمح بإبراز 
الأوصاف المحتجبة التي لا يأتي عليها الوصف المجمل» وهذا يتطلب عملا 
دائبا ومعاودة الصورة الكرة بعد الكرة حتى تخرج على الوجه المراد . 
والجرجاني مقتنع بأن العمل الفني الأصيل لا يتم ببديهة النظر والارتجال 
والطفرة وإنما هو عمل مؤسس على قضايا العقول ومبني على التعهد 
والمثابرة وإجالة النظر في الدقائق واللطائف . وهو حريص » في أغلب 
الشواهد التى حللها » على إبراز أثر الجهد والمعاناة في الأعمال الشعرية 
الرائعة وتفاوت أصحابها في مراعاة التفاصيل وتدقيق التشبيه وتفاوتهم 
في الفضل تبعا لذلك . فلئن شبه كل من امرىء القيس وعنترة الرمح بشعلة 
النار في قول الأول : (طويل) 
لحميةة ديت كأن سفعتانده سنا لهب لم يتصل بدحان 


وقول الثاني : (المتقارب) 


يتابع لا بيتغي غيره 2 بأبيض كالقبس اللتهيب 


69 أسرار البلاغة اط خفاجي 2( 26/2 : 


5586 


فإن بيت امرىء القيس أحسن من بيت عنترة لأن صاحبه تلطف فى 
تفضيل ‏ أجزاء المتوزة برينينا أ مها الآخر متديلة .نقد را افر 
القيس أن في تشبيه الرمح بشعلة النار على الجملة شيئا قادحا في حقيقة الشبه 
الذي أراده وهو الدخان الذي يعلو رأس الشعلة بينما الشبه المراد هو البريق 
واللمعان وليس في 5 الرمح ما يشبهه ولذلك استثنى الدخان ونفى اتصاله 
باللهب ليقتصر التشبيه على مججمرد السنا » ولم يتأت هذا للشاعر إلا بالتروي 
والتثبت « ولو فرضت أن يقع هذا كله على حد البديهة (...) قدرت عالاة 
لظ يتصور ). 

تؤكد الأمثلة التي أوردناها على أهمية الفكر فى استنباط الشبه النادر 
وإيقاع الائتلاف الفرك لفرط ما يدقق الشاعر النظر ويغ وص على 
التفاصيل تجنبا للشبه المجمل والوقوع في العامّي المشترك والمألوف 
المبتذل . 

ولكن ما هي العلاقة بين تأليف المختلف وإدراك الشبه بإعمال الفكر 
والتأويل وبين الفعل الشعري ؟ 

لم يغب عن الجرجاني الإجابة عن هذا السؤال الخطير الذي لا بد" أن 
تنتهي إليه جميع التفسيرات لبلاغة النص لأن التأثير ني المتلقي وتحريكه 
هو السبب الرئيسي الذي يحمل المتكلم على الخروج عن النهج الألوف في 
أداء المعنى والتوسل بالمجازات وضروب الصور . 

وقد وجد ني كتابات أسلافه ما أعانه على صياغة ترضى: منزعه العقلى 
وتفسر العلاقة بين الفعل الشعري والتقريب نين الطرفين المتباعدين 4 ” 

فقد طرح الجاحظ منذ القرن الثالث رأيين في تفسير اللذة استفاد منهما 
الجرجاني بصفة مباشرة . الرأي الأول مؤداه أن اللذة تحصل من المجاهدة 


(1) أسرار البلاغة » 2 . 


5259 


والمثابرة والإدمان على الشيء حتى يستكين ويستسلم لطالبه وقد أورد الجرجاني 
رأي الجاحظ بنصه إذ يقول : ١‏ وقال الجاحظ في أثناء فصل يذكر فيه ما في 
الفكر والنظر من الفضيلة : ١‏ وأين تقع لذة البهيمة بالعلوفة » ولذة السبع 
بلطع الدم وأكل اللحم » من سرور الظفر بالأعنّداء ومن انفتاح باب العلم 
بعد إدمان قرعه ) (1) . 

أما الرأي الثانى » وقد تبناه الجرجاني بدون ذكر ضاحبه » فمؤداه أن 
اللذة تحصل في المفاجأ”“ة وظهور الشىء 7 غير جهته » وتلك المفاجأة تولد 
الاستغراب والتعجب اللذين يو لدات تدورهة الاننقا اك والاسماة 
يقول : ((.....) لأن الشيء من غير معدنه أغرب وكلما كان أطرف كان 
أعجب وكلما كان أعجب كان أبدع ) (2). 


وقد بقي هذان الرأيان أهم ما فسر به العلماء من فلاسفة ونقاد وبلاغيين 
الأثر الحاصل في نفس الملتقى من وقوعه تحت ضغط فعل لغوي إنشائي » 
وقد وجد كل رأي الشتخص أو البيئة التي طوّرته . فابن سينا يفسر الأثر 
الحاصل ني النفس من جراء الصورة الفنية بفعل المفاجأة وما تحدثه فيها من 
أحوال متغيرة مباغتة تنشأ بمفعول الاستغراب والتعجب يقول : «واعلم أن 
الرونق المستفاد بالاستعارة والتبديل سببه الاستغراب والتعجب » وما يتبع ذلك 
من الهيبة والاستعظام والروعة ) (3) . 

وقد توقف كشاجم الشاعر: العباسي ُ «أدب النديم ) عند ظاهرة اللذة 
وحاول تفسير ما يقع منها في النفس من الأدب والشعر بما يقع من الموسيقى 
وهي فضل منطق لم تقو النفس على صياغته لغة فأخرجته بالغناء والترديد 


(1) أسرار البلاغة » 275/1 . 

(2) البيان والعبيين » 89/1 -90. 

(3) الخطابة » تحقيق محمد سليم سام » الادارة العامة للثقافة » القاهرة 1954 » المقالة الثانية 
ص 103 وفي صفحة 99 يذكر من أسباب اللذة بو نحو هيئة تكون عن أثر يزديه الحس 


بغتة )ا . 


200 


وسبب ما يحدث عنها من الراحة واللذة أن النفس تشتاق إلى معرفة دوافتها 
وغوامضها واستفتاح منغلقها لأن الإنسان حريص » من طبعه » على استكشاف 
ذاته » وما يحدث في الشعر شبيه بذلك لأن ١‏ المثل العجيب والبيت النادر كلما 
دق معناه ولط » حتى يحتاج إلى إخراجه بغوص الفكر عليه وإجالة الذهن فيه 
كانت النفس بما يظهر لها منه » أكثر التذاذا وأشد استمتاعا » مما تفهمه 
لأول وهلة ولا يحتاج فيه إلى نظر وفطنة ) (1) . 


ويلفت النظر في نص كشاجم المذكور أمران : أولهما تأليفه بين رأبي 
الجاحظ في اللذة بطريقة جعلت منهما وجهين لرأي واحد ؛ وثانيهما اعتياره 
اللذة نتيجة من نتائج عمل الفكر بمعنى أن العجيب النادر » وبالاستتباع 
المفاجىء ء يحرك في الإنسان قواه المفكرة التي تعمل على تجاوز الإحساس 
الأولي الحاصل من وجودها أمام شيء لم تألفه ٠‏ بالتتحليل والتأويل وإجالة 
الذهن فيه فتنشأ إذذاك اللذة من الظفر بالفهم واستكشاف المحتجب بالجهد 

سيستفيد عبد القاهر الجرجاني من كل" هذه الآراء وسيعمل »مثل كشاجم » 
على التأليف بينها وإيجاد الروابط التي تجعل بعضها بسبب من بعض حتى 
يستقيم له تفسير اللذة تفسيرًا عقليا خالصا . فمما يسارع المؤلف إلى إقراره 
والتأكيد عليه أنّنا إذا استقر ينا التشبيهات وجدنا ١‏ التباعد من الشيغين كلما كان 
أشد كانت إلى النفوس أعجب » وكانت التفوس لها أطرب وكان مكانها إلى 
أن تحدث الأريحية أقرب ؛ وذلك أن" موضع الاستحسان ومكان الاستطراف 
والمثير للدفين من الارتياح ٠»‏ والمتألف للنافر من المسرة » والمؤلف لأطراف 
البهجة ٠‏ أنك ترى بها الشيئين مثلين متباينين ومؤتلفين مختلفين » وترى 
الصورة الواحدة في السماء والأرض وفي خلقة الإنسان وخلال الروض » (2) : 


(1) أدب النديم » المطبعة الأميرية » بولاتق » 1298 ه. » ص 20 , 
(2) أسرار البلافة » ط. خفاجى » 244/1 - 245 , 


52061 


وإذا أردنا أن نترجم عن الجرجاني قلنا إن النفس تعيش ني نطاق جملة 
من المواضعات والاصطلاحات تحدد رؤيتها للعالم وتكون ممحيطها الفكري 
والاجتماعي » وربما كان لتلك المواضعات فيها تأثير إلا" أنه بمرور الزمن 
أصبحت مألوفة معتادة لا قدرة لها على التحريك واستقرت في النفس صورة 
الأشياء على تلك الهيئة حتى ذهب في روعها أنه لا نظام إلا ما ترى وتعيش» 
فإذا ما تم تغيير أصول ذلك النظام بخلق علاقات جديدة لم يدر بخلدها 
إمكانها كجعل المتقابلين مثلين » دبت إليها المفاجأة فانجذبت وارتاحت إذ 
كشف لها عما 0 تكن وحدها قادرة على كشفه 0 وعيها بالعالم المحيط 
بها وأصبحت تدركه أحسن من ذي قبل : 

وفعل المفاجأة في النفس يعود » حسب الجرجاني » إلى طبيعة تركيبها 
لأن « مبنى الطباع وموضوع الجبلة على أن الشيء إذا ظهر من مكان لم يعهد 
ظهوره منه » وخرج من مو ضع ليس بمعدن له » كانت صبابة النفوس به 
أكثر » (1) . 

فالمفاجأة تخاق الدهشة والاستغراب وعنهما « تتولد صبابة النفس إلى 
المعرفة والاستكشاف وهنا تتدخل آلة التفكير لتقوم بعملية الكشف وإفراز 
اللذة لما تتطليه المكاشفة من مجاهدة ومعاناة . يقول الجرجانى في هذا المعنى : 

« ومن المركوز ني الطبع أن" الشيء إذا نيل بعد طلب له أو الاشتياق إليه 
ومعاناة الحنين نحوه » كان نيله أحلى » وبلميزة أولى » فكان موقعه من النفم 

وبناء على هذا التصور الذي يولي الفكر قيمة أساسية في تمييز الجيد 
من الرديء قسم الرجر جاني التشبيهات إلى قسمين كبيرين . ( التشبيه من جهة 


ل 


(1) أسرار البلافة » 216/1 . 
(2) المصدر السابق ٠»‏ 263/1 . 


502 


مر بين لا يحتاج فيه إلى تأويل ) (1) و ( ( الشيه الخاصل بضرب من التأويل » 
وهو بدوره قسمان : (ما يقرب مأخذه ) و ما يدق ويغمض ) (2) . 
وأفضل هذه الأقسام عنده القسم الأخير لأنه يحتاج من دقة الفكر ولط 
النظر ونفاذ الخاطر إلى ما لا يحتاج إليه غيره ) (3) . 
لقد كان بإمكان عيد القاهر الجر جاني أن ينتهي » انطلاقا ١‏ ن تصوره 
لسن التشبيه » إلى فهم فل" لمسألة ة الاختراع والإبداع وأن شرع للخيال القفدرة 
على صياغة العالم وترتيب علاقاته على غير مثال سابق ولموذج يحتذى » 
إلا أنه بقى » كغيره من النقاد والبلاغيين » مشدودا إلى الأصول المقررة في 
التشبيه وإلى نظرة المجتمع العربي الإسلامي للاختراع والإبداع » وهي نظرة 
تقصر القدرة عل الصياغة من عدم على الخالق واحدهة . لذلك ثرأه يؤكد قُ 
نصوص عديدة على أن إيقاع الائتلاف بين المختلفات مفيد بشروط منها صحة 
وجه الشبه في المتباعدين وقدرة العقل على إدراك ذلك الوجه حتى لا يخرج التشبيه 
عن الغرض الموضوع من أجله وهو الفهم والإفهام والتوضيح . يقول : « واعلم 
اتي ادك اوليك تلبق ألفت الشيء ببعيد عنه في الجنس على الجملة 
فقد أصبت وأحسنت ولكن أ قوله بعد تقييك وشرط © :وهو أن تصيبا بين 
المختلفين قُ الجنس وي ظاهر الأمر شيثًا صحيحا معقو لا وتحد الملاءعمة 
والتأليف السري بينهما مذهبا وإليهما سبيلا » وحتى يكون ائثتلافهما الذي 
يوجب تشبيهك من حيث العقل والتدس قِ وضوح اختلافهما من حيث 
العين والحس" (......) وإنما تكون مشبها بالحقيقة بأن ترى الشبه وتبيننه 
ولا يمكنك بيان ما لا يكون وتمثيل ما لا تتمثله الأوهام والظنون » (4) . 
وعل هذا النمط 2 التفكير يصبح التقريب بين المتباعدين قُ خدمة 
الفهم ووسيلة من وسائل تعميقه لأن بين الأشياء مشابهات واضحة وأخرى 


(1) أسرار البلاغة . ط. شفاجى 190/1 وما بحدها . 


 )2(‏ « م 0 2/1 ما بعدها 
(3) م )0 )0 1 . 
 )4(‏ «» 0 0 26/1 


50635 


خفية يدق المسلك إليها وبإمكان الفكر أن يدركها بالتغلغل فيها وإذا ما أحطنا 
علما بما أدرك ازداد فهمنا لطبيعة الأشياء والموجودات بازدياد كمية الروابط 
التي تصل بعضها ببعض . ومن هذا المنظور تتحدد براعة الشاعر بدراته 
العقلية على الفهم والغوص على التفاصيل لا بقدراته المتخيلة التي يمكن أن 
تجمح فتمثل ما لا تتمثله الأوهام والظنون . ومن هنا نفهم شغف الجرجاني 
. بصورة «الغائص على الدر » التى وردت في أكثر من موطن من مؤلفاته » 
لذن حال القاعر علزم له ركان عن حاله . فكما أن كون الدار منفصل عن 
ظفر الغائص به فكذلك وجه الشبه بين البعيدين موجود فيهما قبل أن يشير 
إليه الشاعر » وفضل الإثنين في التعمق والمجاهدة وكشف المكنون . يقول 
الجرجاني ممخاطبا من أصاب بين المختلفين شبها صحيحا : ١‏ فإنما استتحققت 
الأجرة على الغوص وإخراج الدر . لا أن" الدر كان بك واكتسى شرفه من 
جهتك » ولكن لا كان الوصول إليه صعبا وطلبه عسيرا ثم رزقت ذلك وجب 
أن يجزل لك ويكبر صنيعك ») (1) . 


إن هذا الفهم للتشبيه يبقى » رغم قيمة الإضافات في ذاتها وأهمية الجهد 
النظري الواضح في تأصيل مسائله وتنظيمها ني نطاق بناء متكامل في فهم 
الفصاحة والبلاغة » رغم كل ذلك يبقى في حدود ما رثبه القدماء وأقروه على 
الأقل في مستوى الوظيفة المعلقة به وهي الفهم والتوضيح التي عمق الجرجاني 
درجتها ولكنه لم يبدل نوعها . 

تلك هي يي نظرنا » أبرز » مواقف البلاغيين والنقاد من التشبيه 
وهى لثن اختلفت في تقدير بعض المسائل المتعلقة بهذا الأسلوب تتفق في 
خطوطه الكبرى كما رسمتها المحاولات الأولى ني القرن الثالث » وربما 
قبله- +'-وأرسك دعائمها مؤلفات. القرن الرابع . 
(1) أسرار البلاغة ط. خفاجي » 279 . 


504 


ولعل أهم نتيسجحة يمكن أن تسخرج بها من درسنا إجماعهم على ريط 
الماحة إل النشبيه بالمخاجة إلى الفهم والتوضيح ولقريب المعق إلى ذهن السامع 
أو القارىء من أيسر السبل » وما تشبثهم بتمايز طرثي التشبيه وصحة قيام 
مظهر من مظاهر تأكيدهم على الوظيفة الإفهامية وتسخيرهم التشبيه لغايات 
إبلاغية نفعية . 
فهل بالإمكان على ضوء هذا التصور تفسير سبب اهتمام العرب به 
أكثر من غيره من الأساليب ؟ 


الجواب عن هذا السؤال عسير ومحفوف بلمزالق لأنه يقتضي من المسجيب 
أن يكون على بينة من طبيعة الفكر العربي ومن الرواسم الكبرى التي تحدد 
نظرته للكون والأشياء حوله وطريقته في ترتيبها وربط بعضها ببعض تحقيقا 
للانسجام والتناسق بده وديئها 5 ومعار فنا 2( 2 هذا المضمار 4 معحدو دة 
لا تريد على بعض الملاحظات المبثوثة قٍِ تضاعيف مؤلفات تناولت بالدرس 
مظاهر مختلفة من الحضارة العربية الإسلامية » ولا نعرف أي محاولة لجمعها 
والتنسيق بينها للخروج برسم عام يمكن أن ترتد إليه جميع أوجه النشاط 
التى تولدت عن ذلك الفكر . ولا شك” في صعوبة هذا النوع من العمل لأنه 
يتطلب تحليل كل نماذج الإنتاج تحليلا عميقا جديا يغوص على الأسس 
الاستومولوجية المرتكزة عليها ويقف على الروابط المشتركة بينها رغم 
تباينها في ذاتها . 

وما لم يتم القيام بهذا العمل فإن كل محاولة تروم الربط بين خختصائص 
الظاهرة المفردة وخصائص الفكر المتولدة عنه لا تخلو » في نظرنا » من 
المجازفة وربما من الخطا لأن النتائج المترتبة عن دراسة مظاهر جزئية معزولة 
عن غيرها هي نتائج مؤقتة ولا يمكن اعتبارها سمة من سمات الفكر إلا بعد 
مقارنتها بالنتائج التى تؤدي إليها دراسة جملة المظاهر الأخرى . 


5205 


لذاك نحترز من التأويلات التي يرى أصحابها أن « إيثار التشبيه عند 
العرب أمر يرتد” إلى نظرة عقلانية صارمة؛ تؤمن بالتمايز والانفصال وتنفر من 
التداخل والاختلاط ؛ وترفض - في حزم - كل ما يبدو خروجا عن الأطر 
الثابتة والمتعارف عليها - على أي مستوى من المستويات ) (1) . 


ودواعي احترازنا تعود » زيادة على ما ذكر » إلى استمداد أصحابها 
خصائص الفكر العربي من مظاهر قارة ني التشبيه لا يتسنى وجوده بدونها مهما 
كانت البيئة الفكرية التى تمارسه. فالحرص على التمايز بين المشبه والمشبه به 
كوأس- التشبيه وناك وو دن هو هو ذلك يشترك في التمسك به 
البلاغيون والنقاد من العرب وغير العرب. وإن كان ني وجوده دليل « على 
نزعة عقلانية صارمة تؤمن بالتمايز والانفصال ) فهى نزعة عامة ني الفكر 
الإنساني لا خاصة بالفكر العربي . وفعلا فالأبحاث لكر ولوس وأنعاتة 
التحليل النفسي المتوسلة بالمنهج كم ي بدأت تقنع الناس أكثر فأكثر بأن 
بروز فكرة «التماثل» (2) ني الحضارة الإنسانية لم يتم إلا بعد بلوغ الفكر مرحلة 
متطورة أمكنه بفضلها التقريب بين الموجودات وإدراك وجوه الشبه بينها 
وقياس بعضها على بعض (3) . 

كما أن النظر في التشبيه من زاوية التوضيح والإبانة ليس خاصا بالعرب » 
فلقد بقي النقد الفرنسي » مثلا » إلى وقت قريب وقبل أن تدخل دراسة 
او ا 00 بفضل تطبيق المناهج اللسانية المستحدثة ؛ بقي يعتبر 
التشبيه أداة توضيح ضرورية لأن الفكر الإنساني لما يصل إلى المرحلة التي يمكنه 
فيها الاكتفاء بالمجردات وتمثل الأفكار والمفاهيم بمعزل عن المعطيات المادية 
الملموسة (4) . 
قاو د تون » الصورة الفنية » ص 241 , 
(2) 6أمةانسز8 
(3) انظر + 716120025 62 0187:65جم ربعلاو فاكذاوى 46 كتمككظ : متتمعتنت ,© 


(4) انظر : ,23515 ,6111013 ع7 ,. 1 لآ.2 ,دونو سباآعء1 كود أء ع1:نزادى 6ط : أمووع 026 .]للا 
1 .2 ,1971 


5066 


إن اللاآفت للنظر في موقف العرب من التشبيه » إذن » ليست الوظيفة 
التي حددوها له وإثما إغراقهم في التمسك به | وتناولهم مختلف جوانب 
هذا الأسلوب من زاويتها ثم » وبدرجة أهم" » اتخاذهم التشبيه نموذجا 
لما يجب أن تكون عليه الصورة جملة . ومن هنا أتى تشددهم على الاستعارة 
وحذرهم الشديد من كثرة استعمالها وإخراجها على وجه يلتبس معه السبيل 
إلى المعنى . 

ونعتقد أنه يجب البحث عن أسباب هذا الموقف في الطريقة التى وظف 
بها النص اللغوي في الثقافة العربية الإسلامية وني المراحل الأولى ! لنشأة | أة التفكير 
البلاغي ولا سيما فترة الجاحظ التي تعتبر بدايته الحاسمة ومنطلق جميع 
الأطروحات التي غذت هذا التفكير على مختلف مراحله . 


يقول عبد الرحمان بن خلدون في ١‏ المقدمة) : (اعلم أن الكلام الذي 
هو العبارة والخطاب إنما سره وروحه في إفادة المعنى » (1) ولا نبالغ إن قلنا 
إن صاحب المقدمة أتى في هذه الجملة على الجانب المهم من نظرية العرب 
في وظيفة اللغة عامة ووظيفة الأساليب والمجازات بوجه خاص . فهم يعتبرون 
النص ؛ من منطاق الفصل القاثم قُ أذهانهم بين الألفاظ والمعاق ققدم 
هذه الأخيرة في الوجود » يعتبرونه وسيلة لإبراز المعاني والكشف عنها 
وشدها إلى علامات تدل عليها حتى يمكن تداولها وتصريفها طبق مقاصد 
المتكلمين وغايتهم . 
تتحدد قيمته بقدرته على أدائه والإحاطة بجوانبه لا بما يمكن أن يولّده في 
نفس متلقئّيه من متعة شكلية خالصة وهذا يعني أن النص » أو بالأحرى لغة 
النص > لا يمكن أن تكون غاية قُ ذاتها بأي وجه من اأوجوه . 


1( طبعة دار الكتاب اللبناني » ص 1116 . 


ل 


56 


وربط غائية النص' القصوى بإفادة المعنى وحصول النفع المباشر يقتضي أن 
تتصدر الإبانة والإفهام سدم الوظائف التي تؤديها اللغة وأن يبقى النص 
الأدبي وسيلة إبلاغ بالدرجة الأولى وإن تميز بخصائص فنية لا تتوفر في 
الكلام العادي » لأن «الكلام إِنّما هو مبني على الفائدة في حقيقته 
ومجازه ) (1). وهذا التصور يقتضى إلحاق ضروب الفن القولي ومختلف 
الأساليب المعدولة عن الطرائق المألوفة في التعبير بالوسائل الخادمة للمعنى 
. والتابعة له ويصبح » بالتالي » قبولها أو رفضها رهين قدرتها على الإبانة عنه 
وتوضيحه . وعلى هذا الأساس » نكون وظيفة الإبلاغ والإفهام هي الوظيفة 
الرئيسية الني تسعى إلى تحقيقها جميع مستويات اللغة » أما الوظائف الأخرى 
ولا سيما الوظيفة البلاغية فهي وظائف مساعدة ينحصر دورها في تدعيم 
الوظيفة الرئيسية ومدها بالوسائل التي تجعلها أكثر تمكنا في الدلالة على 
الغرض وأشد تأثيرا في المتلقي . ل ان جني في هذا المعنى : 


«فإذا رأيت العرب قد أصلحوا ألفاظها وحسنوها وحموا حواشيها 
وهذبوها وصقلوا غروبها وأرهفوها فلا ترين” أن” العناية إذذاك إنما هي. 
بالألفاظ بل هي عندنا خدمة منهم للمعاني وتنويه بها وتشريف منها . ونظير 
ذلك إصلاح الوعاء وتحصينه وتركيته وتقديسه وإنما المبغي بذلك منه الاحتياط 
الموعي عليه وجواره بما يعطر بشره ولا يعر جوهره) (2) . 


وقد تولد عن هذا التصور حرص مشترك بين النقاد والبلاغيين عل 
الإبانة ووضوح المعنى حتى غدا بعد الكلام عن التعقد والاستكراه وقربه من 
أفهام العوام من أهم المقاييس التي تعتمد في اختياره ونقده (3) ولذلك رفضوا 


(1) الآمدي » الموازنة » ص 178 . 

(2) انظر الخصائص » 215/1 . 

(3) انظر الشعر والشعراء » ص 35 ء عيار الشعر » ص 14 » الوساطة بين المتنبي وخصومه 
ص 249 ٠‏ النكت في اعجاز القرآن » ص 85 - 86 الصتاعتين » ص 197 . 


2508 


الغريب الوحشي و ا مستعصي م ن العبارات والألفاظ لآن ١‏ البلاغة لا تبعأ بالغراية 
ولا تعمل بها شيئا ) (1) . 


ويتفق البلاغيون » على اختلاف مذاهب الكثير منهم في تقدير بلاغة 
الكلام وفصاحته » على أن" مختلف الأساليب وأفانين التعبير مسخرة للإبانة 
عن المعنى وتقديمه إلى السامع في أحسن صورة من اللفظ » ونتيجة لذلك 
حددوا الكثير من هذه الأساليب اعتمادا على هذا العنصر كما بنوا عليه موقفهم 
من الإفراط في استعمالها . فجميع التراكيب التي ترد خارجة عن النمط 
النظري في بناء الجملة كالإيجاز والاختصار والحذف لا تستحق صفة البلاغة إلا 
إذا وقعت من غير إخلال بالمعنى ووجد السامع في في المنطوق دلالة كافية على 
المحذوف المتروك (2) . وقد بلغت هذه النرعة أوجها مع الخفاجي الذي اتخذ 
من البيان والظهور المقياس الأوحد الذي تتتحدد على أساسه قيمة كل الأساليب٠‏ 
وقد أدى به إلى اتخاذ مواقف على قدر غير قليل من المحافظة والسذاجة في 
فهم 0 الإبداع الفني ودواخله (3) . 

كما أن موقف جميع البلاغبين والتقاد المناهض لكثرة البديع مبني على 
رأيهم في وظيفة الكلام واعتبارهم الدلالات على المقاصد من أجل" منافعه ٠‏ 
وقد برز ذلك بصورة جلية حتى في أشد النظريات إيمانا بمكانة العقل ني 
الأدب وبأنه الطريق إلى استكشاف محتجبات الذوق والإحاطة بدلالات اللغة . 
يقول الجرجاني معلقا على بيت الفرزدق المشهور بتعقد تركيبه / طويل / 
وما مثله في الناس إلا مملك) أبو أمّة حي أبوه يقاربه 








(1) الخطابي © بيان إعجاز القرآن » ضمن ثلاث رسائل قي إعجاز القرآن » ص 37 . 
(2) انظر : تفسير الطبري الموسوم بجامع البيان عن تأويل آي القرآن » مطبعة الحلبي ط. 2 . 
القاهرة 73.-. 145/1 » 210 2 412- 413 . 
1 كر 5 10 ير ار الفساحة . د في التناقض اذ يعتبر دلالة اللفظ القليل 
لى المعنى الكثير شرط من شروط الفصاحة إلا 5 0 أن تكون تلك الدلالة واضحة 
ل 5 يحتاج في استنباطها إلى رد طرف من التأمل ودقيق الفكر » . 


52069 


( وما كان من الكلام معقدا موضوعا على التأويلات المتكلفة فليس ذلك 
بكثرة وزيادة ني الإعراب » بل هو بأن يكون نقصا له ونقضا أولى » لأن 
الإعراب هو أن يعرب المتكلم عما في نفسه » ويبينه ء ويوضصح الغرض » 
ويكشف اللبس » والواضع كلامه على المجازفة ني التقديم والتأخير زائل عن 
الإعراب » زائغ عن الصواب » متعرض للتلبيس والتعمية ) (1) . 

ونجده يتمسك بنفس الحجة عند رفضه لظاهرة الإسراف قُ استعمال 
وجوه البديع لأنها سبيل إلى الإغلاق وسد المنافذ إلى المعنى يقول : 

« وقد تجد في كلام المتأخرين الآن كلاما حمل صاحبه فرط شغفه 
موق ترجع إلى ما له اسم في البديع إل اي آنه يتكلم ليفهم ويقول 
ليبين ) (2) . 

وما يمكن استخلاصه من هذه العينات هو أن العرب كانوا منشغلين » قِ 
تصريف الظاهرة اللغوية » بسلامة المعنى وصحته وانكشافه أكثر من انشغالهم 
بالجانب الفني البحت وما يوشي به الخطاب من الأساليب وصنوف البديع 
ناهيك أنهم لم يكونوا يجوزون استعمالها إلا بالقدر الذي لا يفسد الغرض 

فلماذا اعتبرت وظيفة الإبانة والإفهام الوظيفة الأساسية في الأدب ؟ 
لاا شك" أن أسبايا عديدة ساهمت في رسم معالم هذا التصور وعملت بمرور 
الزمن على تثبيته في الفكر العربي حتى أصبح أصلا من الأصول المهمة 
التى ترتد إليها مختلف المواقف وإطارا جامعا لا تخرج عن نطاقه مهما 
تغفردت به من خصوصيات . 

ورغم احتجاب العديد من تلك الأسباب لإحجام الفكر العربي عن 
(1) أسرار البلاغة » ط. خفاجي » 163/1 . 
(2) المصدر السابق » 10/1 . 


200 


الظواهر وتصنيفها » فإنه يمكن أن نكتفى بإبراز سببين نعتقد أنهما قاما بدور 


مياشر وفعال فى ترويج هذا التصور و تدعيسه وهما العامل القرا فى من جهة 
كان الحدث (( الجاحظي من جهة ثانية 5 


لقد طرح النص القرآ ني » على الصعيد البلاغي » جملة من المفارقات 
اللافتة ساهمت بشكل حاسم في تحديد موقف البلاغيين من علاقة الشكل 
بالمضمون ووظيفة الصورة الفنية باعتبارها طريقة في التعبير متميزة . 


فالقرآن مضمود قوامه الدعوة إلى عقيدة جديدة لتحدد بيعدين : 
بعد أخروي أو روحى وبعد دينوي أو مادي وهو يتجه بالدعوة إلى عامة 
الناس 4 واصطفاء رسول ) أمى 0 ليسشر بهذه الرسالة برمر إلى أنها تروم 
الوصول إلى كل القلوب والعقول . ويقتضي بلوغ هذا الغرض » نظريا على 
الأقل » أن يكون المستوى اللغوي الحامل للرسالة مستوى عاديا متعارفا بين 
المتخاطبين ليتيسر تمثله أي أن يكون موافقا لمواضعاتهم الدلالية والنحوية 
مقتصرا على تحقيق الوظيفة الأساسية للغة وهي التفاهم والإبلاغ . وتقتضي 
هذه الوظيفة بدورها أن يكون النص مجردا قدر الإمكان من المقاصد الفنية 
ومن كل مظاهر الخروج عن الألوف » المعتاد . 

إلا أن خدمة الدعوة والتمكين لها فى قلوب المدعوين إليها وعقولهم 
اقنضت أن يكون البناء اللغوي للنص فى نهاية الفصاحة والبلاغة بحيث 
يعجز البشر عن مجاراته » ولا يتم ذلك إلا إذا كان النص يمثل قمة الخروج 
عن الطريقة العادية فى تصريف اللغة وتسخير ها لأغراض إبلاغية عادية . 

هذه أولى المفارقات التى طرحها القرآن » وتتلخص فى التعارض الظاهر 
بين أهداف الرسالة وبنائها . 

ثم إن القرآ ن بقى يؤكد » وهو يتحدى من تسول لهم أنفسهم مجاراته 2 
أنه عر بي هبون وقد امتدح البيان في أكثر من مو ضع وارتبط فيه الأصل 


521 


( بلغ ) الذي ورد في صيغة الصفة « بليغ ») وبصورة أكثر تواترا بصيغة 
الإسم «بلاغ» ارتبط غالبا بمعنى الإبانة (1) وبمعنى إيصال المعنى إلى 
السامع وبلوغ القصد منه (2) . 

وهذه مفارقة ثانية تصبح بموجبها غاية الإبانة والإفهام رهينة ما 
يتحقق في النص من فن لغوي وخروج عن الطريق المعتادة في تصريف 
اللغة . 

ولقد بي علماء البلاغة دم أجيالهم سحثون عن الل الأمثل 
لهذه المعادلة المتشعبية بالبرهنة على أنه كلام عربي مبين لا تختلف وسائله 
ومادته عماأ ستعمله الناس وبجري في محاوراتهم وأشعارهم » وانهم 
عاجزون : رغم اتفاق الوسيلة » على مجاراته ولو خطوة وأنه » أي القرآن » 
جاء في نهاية الفن لنهاية البيان . 

وهذه النقطة هى التى تهمنا » هنا : لأنها حلقة الربط بين المضمون 
والشكل وهي التي ستحدد وظيفة المجازات بصورة نهائية . ذلك أن المهتمين 
بتفسير القرآن وبيان إعجازه استطاعوا ء اعتمادا عليها » أن يؤولوا التعارض 
بين محتوى الرسالة وبنائها بأن جعلوا الطرف الثاني في خدمة الطرف الأول 
واعتبروا الأساليب البلاغية التي جاءت في القرآن أكثر إبانة عن المعنى من 
الاستعمال الحقيقي وأشد ملائمة لروح الدعوة التي تقوم على الترغيب 
والترهيب وضرب الأمثال للاعتبار وما إلى ذلك من الطرق التي تقتضي 
المزج بين صنوف التعبير . 

وقد تر تبت عن الخورض فى هذه المسألة عدة نتائج أصبيحت مظاهر 
قارة في التفكير البلاغي عند العرب . أولهما وأهمهما الاقتناع بأن التعبير 
الفنى » في أجل صورة وأرقاها » لا يعدو أن يكون وسيلة تخدم الغرض 








(1) انظر مثلا : المائدة/92 » النحل/826»35 » الانور/54 » العتكبوت/18 يس/17 . التغاين/12. 
(2) انظر مثلا : آل عمران/20 » المائدة/99 » الرعد/40 » الشورى/48 . 


05203 


وتبين عنه وأن فضله على التعبير العادي من فضل بيانه لا من شىء آخخر. 
وعن هذا الاعتبار تولدت النتيجة الثانية ومؤداها أنه لابد أن يكون لكل 
أسلوب استعمله القرآن وظيفة لأنه نص منره عن لغو القول . إلا أن اللافت 
بين المبالغة والتأكيد(ة) . وهي معان لا تخرج عن معنى الإبانة والإفهام 
إِذ هى مدارج يضعها النص لاستدراج الملتقى إلى الغرض المقصود 4 وتبدو 
هذه الصلة واضحة في تعريف الرماني للمبالغة إذ جعلها ١‏ الدلالة على كبر 
المعنى على جهة التغيير عن أصل اللغة لتلك الإبانة » (2) . 


وعلى هذا النحو ساهم القرآن في توطيد العلاقة بين البلاغة والإبانة . 
وستزداد تلك العلاقة متانة فى العهود الإسلامية الأولى لما ازدهرت الخطابة 
بأنواعها ووظفت عاط م كالغرض الديني الكلامي » والغرض 
الاجتماعى والغرض السياسى . ولمًا كان الخطباء يتجهون » فى الغالب » 
إلى 000 الأعظم من الناس فقد كانوا مجبرين على التماس أكثر الأساليب 
ملاءمة لأغراضهم وكانوا يسعون إلى إقناع مستمعيهم بالتوضيح والشرح 
وتقريب المعنى م ن أذهانهم فكانت بلاغتهم في خدمة محانيهم وعلى أقدار 
مستمعيهم . 

ثم جاء الجاحظط فوضع مؤلفا غدت بموجبه تللك العلاقة معطى قارا 
في التفكير البلاغي عند العرب . ولقد توسعنا في تحليل تلك العلاقة 
القسم الثاني من هذا العمل » لذلك نقتصر هنا 0 التذ كير ببعض النتقاط 
الأساسية تذكيرا سريعا . 





10( فاتنا وقت كوه 00 أن نحصي بالقيط توائر معنى لالع دايا كد ف المضاور 
9 ومن الاتطباع 0 عن قراءتها إنها 0 0 0 اس بمناشبة آي 
فيها مجاز . 


(2) النكت في إعجاز القرآن » ص 104 . 





203 


فمن أيرز ما ساهم به صاحب ١‏ البيان والتبيين » في هذا الصدد » 
تنزيله مختلف الأساليب البلاغية المعروفة إلى عهده في حيز ١‏ البيان » الذي 
اتخذ منه إطارا عاما للبلاغة والفصاحة » وقد ترتب عن مباشرة المستوى 
الفني في اللغة من زاوية الوضوح والظهور بروز وظيفة الفهم والإفهام 
كوظيفة أساسة لكل فعل لغوي حتى أن أغلب حدود البلاغة التى أوردها تلح 
على ضرورة الإيفاء بها » ومن ثم اتخذت معيارا تحدد على أساسه قيمة 
الأساليب » وموقف الجاحظ الصارم من الغريب » وتشدده على شعراء 
الصنعة » وسخريته من علماء اللغة لفر ط شغفهم بالغريب النادر » أ 
لا تنفصل عن دفاعه عن الفهم والإفهام الذي تولدت عنه أغلاب مقاديسه 
الأسلوبية . 

ونعتقد أن هذين العاملين » القفرآن والجاحظ » قد أ تأثيرا بعيد 
المدى في تقدير العرب لوظيفة الكلام » وعملا على ترسيخ فكرة الإبانة 
والتوضيح في صلب نظر ينهم الأدبية 4 وعل فرض الكثير من المقاييس 
الأسلوبية التي تلائم تلك الوظيفة » وهو ما يفسر كثرة نقول النقاد والبلاغيين 
المتأخرين عن الحاحظط وتبنيهم الكثير من آرائه ف بلاغة الكلام (1):. 

وفي تقديرنا أن الاهتمام بالتشبيه وتصور مسائله بالكيفية التي عر ضنا 
وثيق الصلة برأيهم في وظيفة الكلام » وتمسكهم بالوضوح والبيان تجنبا 
لعوارض التلبيس والتعمية . ش 

وتتأكد هذه الصلة متى استعر ضنا مواقفهم البارزة من الاستعارة 
وعرفنا دواعي احترازهم من بعض وجوه استعمالها . 

د د د 


01( م ل الي ا رسام ع ا 
0 » الموازنة 13 ء» 123 » الصناعتين » تكثر هنا النقول عن الجاحظ » وإن لم يذكره 


العسكري . باسمه » مثال ذلك الفصلين الثاني والغالث من الباب الأول ص 60-16 , 
العمدة 2/1 - 246 » 249 ؛ 257 2 266 64 271 . 


2504 


للاستعارة » في التراث النقدي والبلاغي ٠‏ مكانة متميزة لم ينلها 
أي أسلوب من الأساليب البلاغية الأخرى » فلقد كانت محور دراستهم 
المجاز » وموضوع أغلب المناقشات المتصلة بالمفاضلة بين الشعراء وطرق 
كتابة الشعر » كما اعتبرت أحد أعمدة الكلام » وسببا من الأسباب المهمة 
في بلاغة النص ١‏ والعدول عن المبتذل إلى الكلام العالي الطبقة )(1) وبجانب 
كل ذلك كانوا متشددين في استعمالها حذرين من حرية التصرف في بنائها 
وإخراجها على غير الألوف » ومن ثم جاء تناولهم لها ذا وجهين متلازمين : 
الإقرار بفاعليتها الفنية وربط تلك الفعالية بشروط مجحفة تعطل عملية 
الخلق الشعري وتحد من قدرة الخيال لدى الشاعر . 


ولا شك أن عبد الله بن المعتز صاحب ل ل بقسط 
وافر فى بلورة هذه المكانة » والتمكين لهذا التصور فى أذهان البلاغيين 
057 فلقد استهل كتابه بالاستعارة إشعارا بأهميتها وتقدمها 2520 
البديع الأخرى في الاختصاص بالشعر والبلاغة » كما نبه إلى النتائج السلبية 
التي تنجر عن الإفراط في استعمالها مستشهدا بشعر أبي تمام الذي لم يحترم 
رسم القدماء في بنائها فوقع في كثير من الإحالة والتناقض22) . 

أ) أهمية الاستعارة : 

بالرغم من اهتمام العرب البالغ بالتشبيه وإفاضتهم في دراسة مسائله 
أصولا وفروعا » ذلك الاهتمام الذي دفع ناقدا كابن طباطبا إلى السكوت 
عن دور الاستعارة في بحثه عن عيار للشعر » ودفع قدامة إلى ذكرها في 
سياق وحيد على سبيل الاستطراد بمناسبة تفسيره لمعنى «١‏ المعاظلة » وانتهى 
فيها إلى موقف يشوبه كثير من الغموض والاضطراب(3) . ودفع خا 


10( أبن سيئا » ضمن كتاب بدوي ؛ فن الشعر » ص 174 , 
)2( البديع و 21 


(3) نقد الشعر » ص 103 . 
5205 


ببخصوم أبي تمام وأنصار عمود الشعر إلى طرحها من عناصر الشعر 
الأشامية ؟ 
يقول القاضي الجرجاني محددا موقفهم : ١‏ وكانت العرب إنما تفاضل 
بين الشعراء في الجودة والحسن بشرف المعنى وصحته وجزالة اللفظ 
واستقامته وتسلم السبق فيه لمن وصف فأصاب وشبه فقارب وبده فأغزر 
ولمنى كثرت سوائر أمثاله وشوارد أبياته ولم تكن تعبأ بالتجنيس والمطابقة 
ولا تحفل بالإبداع والاستعارة إذا حصل ذا عمود الشعر ونظام القريض ) (1) . 
بالرغم من كل ذلك حظيت الاستعارة في صلب النظرية الأدبية بكثير 
من العناية ولاسيما في مؤلفات القرنين الرابع والخامس . ففي هذه المؤلفات 
إجراءات تطبيقية ومقررات نظرية صريحة الدلالة على أهمية الاستعارة في 
العمل الشعري واعتبارها المميز النوعي للأدب » والعلامة الفارقة 3 
الاستعمال الحقيقى البعيد عن الفصاحة والبلاغة » والاستعمال الإنشائي 
الذي تخرج فيه اللغة عن العرف والاصطلاح لتفتح أمام المستعمل آقاق 
الإبداع والاختراع » وإمكانية التصرف في المواضعات بما يلائم أغراضه 
فى التعبير » حتى لكأن القيمة الفنية ترئد إلى هذه الطريقة الخاصة في تأليف 
العبارة بتفجير طاقات اللغة » وإيجاد أنماط جديدة فى تعليق المعاق بالألفاظ 
وتوليد السئن بما يفسح للكاتب مجال التعبير 0 ابن لاق و1 
لأن المواضعة تضيق عن حمل تجربته » فكان لابد من التصرف ففيها والتوسع 
في إجرائها فكا للحصار الذي تضربه حوله القوانين اللغوية الوضعية . يقول 
القافي الجرجاني في هذا المعنى : ١‏ فأمًا الاستعارة فهي أحد أعمدة 
الكلام وعليها المعول في التوسع والتصرف وبها يتوصل إلى تزيين اللفظ 
وتحسين النظم والنثر) (2) . ومن نفس الزاوية نظر الشريف المرتقى إلى دور 


(1) الوساطة بين المتنبي وخصومه » ص 33 . 
(2) المصدر السابق » ص 428 . 


06 


الأستعارة في الانتقال باللغة من مستوى إبلاغي إلى مستوى إنشائي فصاع 
المسألة ا أعم ربط .فيها حدوث البلاغة 1 الفصاحة بوجود الإستعارة 
وخصروج الكلام عن الاستعمال الحقيقي . يقول : 
« إن الكلام متى خلا من الاستعارة وجرى كله على الحقيقة كان 

بعيدا عن الفصاحة بريًا من البلاغة ) (1) . 

ويمكن أن نصادف مثل هذا التنويه بقيمة الاستعارة فى أغلب مؤلفات 
هذه الفترة (2) . ْ 

وقد سبق أن أشرنا في فصل الحقيقة والمجاز إلى أن أغلب المسائل التي 
تناولها البلاغيون بالدرس عند تعر ضهم للمجاز انطلقوا في طرحها من 
الاستعارة لأنهم اعتبروها أفضل أنواعه ولذلك فإن أغلب ما قيل في المجاز 
يمكن أن ينطبق على الاستعارة ولا نرى فائدة من إعادته هنا . 

إلا أن تناول عبد القاهر الجرجانى لها يستحق لفتة خاصة لأنه طور 
راقعي ركفي اميق اسيل الايد د كرها فى سواط دون م وقاائل 
الإعجاز ) (3) محمعنا بجزء هام من « 0 البلاغة » وبها بدأ حديثه 
عق أضول اسن الكلام رغم و أن الذي يوجبه ظاهر الأمر » وما يسبق 
إلبه الفكر أن نبدأ بجملة من القول في الحقيقة والمجاز » ونتبع ذلك القول 
في التشبيه والتمثيل» ثم ثم نسق ذكر الاستعارة عليها) (4) . ورغم أن سيب 
استهلاله الحديث بها غير واضح في نصه فالغالب على الظن » استنادا إلى 
تحليلاته المختلفة » أنه يعتبرها عبيذ هلبا اال رع يؤكد ذلك خروجه 


69 أمالي المر تضي » تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم © مطبعة الحلبي ء القاهرة » 1954 » 
4/1 


2( انار على سبيل المثال : الحاتمي » الرسالة الموضحة © تحقيق محمد يوسف نجم » بيروت » 
5 » ص 71 » أبن رشيق » العمدة » 268/1 » الخفاجى » سر الفصاحة » ص 111 . 

(3) انظر مثلا الصفحات :. 106.- 114 » 133 ©» 291 » 395-392 » 402 » 2,404 
2 


(4) أسرار البلاغة » ط. خفاجي » 121/1 -122 . 


لاما 


عن الاعتبار النقدي السائد قبله وتقديمه الاستعارة على التشبيه من حيث 
الوظيفة الشعرية وقدرة كليهما على التأثير في المتلقي . يقول في هذا المعنى : 

« وأما الاستعارة فسبب ما ترى لا من المزيّة والفخامة أنك إذا قلت » 
رأبت أسدا » كنت قد تلطفت لما أردت إثباته له من فرط الشجاعة حتى 
جعلتها كالشىء الذي يجب له الثبوت والحصول . وكالأمر الذي نصب 
له دليل يقطع بوجوده » وذلك أنه إذا كان أسدا فواجب أن تكون له تلك 
الشجاعة العظيمة » وكالمستحيل أو الممتنع أن مزع عنياةة وإذا قرحت 
بالتشبيه فقلت : رأيت رجلا كالأسد كنت قد أثبتها إثبات الشيء يترجح 
بين أن يكون وبين أن لا يكون . ولم يكن من حديث الوجوب في شيء )(1). 


تفطن الجرجاني » في هذا النص » إلى فارق مهم بين الوجهين في 
أداء المعنى » فبنية التشبيه تقوم على تجاور سياقين منفصلين تربط بينهما 
أداة وظيفتها إضافة بعض معاني الطرف الثاني إلى الأول بعملية قياس بسيطة » 
فبنية التشبيه منسجمة مع أصول الاستعمال اللغوي ولا تدخل أي تشويش 
على نمط الدلالة » أما الاستعارة فهي سياق وحيد مبني على تطابق وهمي 
ومؤقت لدالين يدلان في الأصل على مدلولين محتلفين القصد منه الإيهام 
بوحدة المعنى » وهي طريقة في التعبير تخرج عن أصول الاستعمال وتخلق 
في الملتقى » لأول وهلة ء الشعور بأن السياق « هرائي )(2) » وهذا يحركه 
إلى البحث عن منطق العبارة فيحدث فيه الأثر الشعري وتثبت لديه العلاقة 
بين المستعار والمستعار له (3) . 


(1) دلائل الإعجاز » ط. خفاجي » ص 111 . 
(2) نترجم بها المقابل الفرنسي ٠:‏ 5625 2108 
(3) انظر في بنية الاستعارة : 
-5110]10م أ ك165) أ أعقناع 1171 071067717015] 65[] 7لاى يكو : علصعلة .8 - (1 
.9 ءة7اقطع0) ,عمطاعع ره ع07[جه 72:61 ها 46 كعلتواع 


واأتتاء5 رءناانا 71612712076 16 : قنام0 812 ,2 (2 
106-11 .زج« ,ءأه6::6ع :87610710 : ...15 210[ .3 ل (3 


5208 


ولعل من أبرز ما ساهم به الجرجاني في تطوير مبحث الاستعارة 
اعتماده في تقسيمها وبيان أنواعها على الجانب الوظيفي » فميّر بين 
الاستعارات المفيدة والاستعارات غير المفيدة(1) » وبنى تمييزه على مقياس 
طريف هو الاختصاص والاشتراك . فالاستعارة غير المفيدة هي التي تقوم 
على ضرب من التوسع في أوضاع للغة بعينها » كوضعهم للعضو الواحد 
أسامي كثيرة باخشلاف الأجناس « نحو وضع الشفة للانسان » والمشفر 
للبعير » والجحفلة للفرس » » ثم قد ينقل الشاعر كلمة من هذه الكلمات 
عن أصلها ويستعملها فى غير الجنس الذي وضعت له كاستعمال « المرسن » 
رهاق الأصيل اللحيوان» للالالة عل الأنف يفول الماع زر 

» وفاحماومرستامسرجا » 

وقد يقع العكس فيطلقون أعضاء الإنسان على الحبوان كقول الشاعر 
(متقارب) : 
فبتنا جلوسا لدى مهرنا ‏ تنرّع مسن شفتيه الصّفارا 
« فهذا ونحوه لا يفيدك شيئا لو لزمت الأصل لم يحصل لك » 2) . 

وأما الاستعارة المفيدة فهي .المقامة على التشبيه والتي تحصل منها فائدة 
ومعنى من المعاني ما كان يحصل لنا لو أخرجنا الكلام على عواهنه . 

وإنما اعتبر الجرجاني النوع الأول غير مفيد لأنه قد بقع في لغة 
دون لغة لأن « التنوّق » في مراعاة دقائق الفروق بين المعاني هو ضرب من 
التوسع في المواضعة قد لا تشعر بعض اللغات بالحاجة إليه . 

أما النوع الثاني « فإن الكثير منه تراه في ا يا يشترك فيه أجيال 
ويجري به العرف في جميع اللغات فقولك : «رأيت أسداءء 
(1) أسرار البلاغة » ط. خفاجي » 123/1 . 
(2) المصدر السابق » 124/1 - 125 . 


209 


تر بد وصف رجل بالشجاعة ولشبيهه بالأسد على امنا لشدة ع امو يستوي فيه 
العر بي والعجمي » وتحده في كل جيل وتسمعه كل قبيل ) (1). 

ويبرز الفرق بين النوعين » في ,أي الجرجاني » بالترجمة إلى 
اللغات الأجنبية » فإن الناقل إن لم يجد » وهو يترجم استعارة غير مفيدة » 
اللفظ الخاص فى تلك اللغة وترجمه بالافظ المشترك كان مصيبا » أما إن 
لم يحترم في الثانية بناء الصورة وترجم المعنى لم يكن مترجما وإثما | 
كان مستأنفا كلاما جديدا (2) . 

ومتى نظرنا إلى الإستعارة المفيدة من هذه الزاوية فهمنا أنّها صورة من 
صور العقل لا وضعا من أوضاع اللغة « فلا يمكن أننا إذا استعملنا هذا النحو 
من الاستعارة (زيد كالأسد) فقّد عمدنا إلى طريقة فى المعقولات لا يعرفها 
غير العرب أو لم تتفق لمن سواهم ) (3) . 

وقد ترتبت عن هذه النظرة عدة نتائج هامة : منها تطويره النظرة إلى 
المجاز وتخليص تلك النظرة من ١‏ التعصب الجاهل » الذي لاحظناه عند أسلافه 
لا قرروا أن المجازات فضيلة تنختص بها اللغة العربية » وهو موقف أملته 
الحمية والدفاع عن العرق العربي والقرآن بحجج لم يتثبتوا من نتاثجها . فجاء 
عبد القاهر يقرّر أن المجازات عرف عام في اللغات وأن ما تختص به منه 
لغة لا يعدو أن يكون أمورا جزئية قليلة الفائدة » وأما المجازات المفيدة 
فموجودة بكل لغة . 

ولثئن كنا نجهل معارف الجرجاني اللغوية إذ لم نقف في آثاره على ما 
يدل على معرفته لغات أخرى غير العربية » فإننا نعتقد أن صرامة منهجه 
العقلي » من جهة » وكثرة المترجمات في زمانه » من جهة ثانية » ساعداه 
على إدراك هذه الحقيقة اللغوية وتجنب المزلق الذي وقع فيه.أسلافه . 
(1) أسرار البلاغة » 127/1 , 
(2) المصدر السابق » 127/1 . 
(3) المصدر السابق » 129/1 . 


5200 


ومنها تضييقه من أهمية السرقة والأخذ » لأن الكثير من الاستعارات 
يسقع للإنسان من حيث هو كائن عاقل له من حيث انتماؤه الحضاري والعرقى 
أو تعهدمه وتأخره في الزمن : وكأننا بالمؤلف بره دصفة صر بحة على الدارسين 
الذين يتشبثون بفكرة التأثير اليوناني في البلاغة العربية ويتخذون من تواتر 
التشبيه بالأسد أو الاستعارة منه » في مؤلفاته » حجة للأثير لأنه الشاهد 
الشائع عند أرسطو (1) . 

ومنها تدقيقه بلاغة الاستعارة ورفضه أن يكون الوجه يولد الأثر 
الفتّى فى كل" الحالات » وإنما يجب أن نراعيى فى إثبات أمر المزية الفرق 
بين العامئي المبتذل والخاصي النادر أي بين ما يتم لجميع الناس وما لا نجده 
إلا في كلام الفحول » يقول : ١‏ اعلم أن من شأن هذه الأجناس أن تجري 
فيها الفضيلة وتتفاوت التفاوت الشديد أفلا ترى فى الاستعارة العامى المبتذل : 
كقولنا : ”“رأيث أسدا“» 1 د لعا“ 0 “ليت بدرا» 0 
والخاصي النادر الذي لا تجده إلا في كلام الفحول ولا يقوى عليه إلا 
أفراد الرجال كقوله : وسالت باعناق الممطي الأباطح 22 

ومن الأمور التى تسترعى الانتباه فى تناوله لمسألة الاستعارة تعمقه فى 
فهم بنائها » وتقدير مفعولها الشعري » فاقد كان لالع النظرية البلاغية 
أن الاستعارة تعليق العبارة على غير ما وضعت له فى أصل اللغة على سبيل 
النقل . بمعنى أنها انتقال في الدلاللات وخخروج الإسم عمًا كان يدل عليه 
في الأصل إلى دلالة جديدة يكتسبها في السياق ومن ثم عدت الاستعارة 
من المجاز اللغوي . ولقد تطرق الج رجانى إلى مناقشة مسألة النقل ووقف 
منها مواقف وإن كانت لا تخلو من التذبدذب والاضطراب (3) فهى ثميل 
(1) أنظر مثلا : طه حسين : البيان العربي من الجاحظ إلى عبد القاهر » صص 13-12 . 
(2) دلائل الاعجاز » ط. خفاجي » ص 112 . 
)3( يبدو هذا التذيذب فى قوله.بالنقل تارة ورفضه تارة أخرى 4 قارن مثلا دين هذه السياقات ٠‏ 


أسرار البلاغة » ط. خفاجى » 112/1 » 123 » 94/2 » ودلائل الاعجاز » ط.خفاجي » 
ص 106 © 291 » 392 © 394 - 395 , 


5861 


إلى رفض فكرة التغيئر الدلالي وتعتبر الاستعارة ضربا من الادعاء الحاصل 
من مطابقة معنى كلمة لعنى كلمة أخصرى . والادعاء مصطلح قريب من 
معنى الايهام والتخييل والكذب بالمعنى الأدبي للعبارة » فنحن بالاستعارة لا 
ننقل كلمة عن معناها » وإنما ندعي معناها لمعنى كلمة أخرى على سبيل 
المبالغة في أداء المعنى بالمطابقة ف كلمتين مطابقة نثبت بها في ذهن 
المتلقى ‏ من جهة التلطف في العبارة ‏ المعنى الذي نقصد إليه » ومن أبرز 
السياقات المشيرة إلى هذا الى وله 

« وإطلاقهم ني الاستعارة أنها نقل العبارة عمّا وضعت له من ذلك فلا 
بصح الأخذ به وذلك أنه إذا كنت لا تطلق اسم الأسد على الرجل إلا" من بعد 
أن تدخله في جنس الأسود من الجهة التي بينًا لم تكن نقلت الإسم عمًا وضع 
له بالحقيقة لأنك إنما تكون ناقلا إذا أنت أخرجت معناه الأصلي من أن 
يكون مقصدك ونفضت به يدك . وأما أن تكون ناقلا له عن معناه مع إرادة 
معناه فمحال متناقض ) (1) . 


ب) شروطها : 

إن الاهتمام بالاستعارة كان يدور ني إطار تصور عام حتظر الدقاد 
على الشعراء تجاوزّه و لأن” للاستعارة حدا تصلح فيه فإذا جاوزته فسدت 
وقبحت ) (2) . 

ففيم يتمثل هذا الحد” ؟ وما هي دواعي إقامته ؟ 

يمكن الإجابة عن السؤالين إذا اعتبرنا الزاوية التي نظر منها النقّاد إلى 
بنائها » وتقديرهم لوظيفتها . فلقد أجمع البلاغيون والاقاد على أن الاستعارة 
صورة متطورة للتشبيه وإمكانية من إمكانيات تحويل بنيقه تكتفي » في 
(1) انظر : دلائل الإعجاز ع ط. خفاجي » ص 393 . 
(2) الآمدي » الموازنة » ص 243 . 


502 


العبارة » بالمشبه به . ولذلك فهم يحد دون أركانها بنفس الطريقة التي حددوا 
بها أركان التشبيه فقالوا : «وكل استعارة فلا بد فيها من أشياء : مستعار 
ومستعار له » ومستعار منه) (1) . كما عرفوا الاستعارة البليغة بأنها جمع 
بين شيثين بمعنى مشترك بينهما (2) . وهذا يعني أنها كالتشبيه مقارنة بين 
طرفين لسبب معنوي جامع بينهما . 

ومع ذلك يبقى بين الوجهين فارق جوهري في البنية يتمثل في اضمحلال 
ما يشير إلى الشبه في السياق وحصول المطابقة بين الطرفين بكيفية لا نتبيين 
معها الحدود الفاصلة بينهما ويعفو التمايز الواقع في التشبيه إلى حد” نحتاج 
فيه إلى قرينة نعرف بمقتضاها أن الاستعمال مجازي لا حقيقي . 

وبحكم هذه الخاصية تتوفر في الاستعارة إمكانية الخلط والتداخل 
أكثر من التشبيه ويكون الغرض المقصود أكثر خفاء وأشد" صعوبة على 
المتلقي . ثم إن" البلاغيين والتقاد نظروا إلى وظيفتها من خلال تحديدهم 
لوظيفة التشبيه لذلك اعتبروها طريقة في التعبير تساعد على تقريب المعنى 
وإبانته وتزيينه بإحداث خصوصية فيه لا يحدثها الاستعمال الحقيقي . فصفة 
الفرس في قول امرىء القيس (طويل) 
وقد أغلْتّدى والطير في وكناتها بمتجرد قبد الأوابد ميكل 
وهي « قيد الأوابد» أبلغ وأحسن من المعنى الحقيقي الدالة عليه وهو ١‏ مانع 
الأوابد » (3) . وقوله تعالى « يوم يكشّن عن ساق ) (4) م أبلغ وأحسن 
وأدخل مما قصد له من قوله لو قال «يوم يكشف عن شدة الأمرء وإن 
كان المعنيان واحدا )» (5) . 


(1) الرماني » النكت في إعجاز القرآن » ص 86 . 
)2( المصدر السابق » نفس الصفحة . 

(3) الرمانى » المصدر المذكور » ص 86 . 

(4) القلم/42 . 

(5) الصناعتين » ص 274 . 


503 


وقد ترتب عن اعتبارها صورة من صور التشبيه وفرعا عليه » الحراص 
على أن" تستجيب للضوابط التي وقع إقرارها بشأنه » ولما كانت تختلف عنه 
من جهة البنية إذ تقوم على إحلال المشبه به محل المشبه في العبارة » والإيهام 
بأنه يقوم مقامه في الصفة » تَضَاعمفَ ذلك الحرص وضيّق الخناق على 
الشعراء في استعمالها حتى لا يخرجوها مخارج لا تحقق التناسب والملاعمة 
بين الأطراف . 
كوف مقت الخوويل > «الحافطة” :إلى القزرية الدالة هلوصو لسار ة 


لأنها - أي الاستعارة  ١‏ إنما تطلق حيث يَطوَى ذكر المستعار له ويجعل 
الكلام خلا عنهة طناط أن" وثراف به المتقرك :عند والمتقول.: إليدة لول لكل 
الحال أو فحوى الكلام ) (1) . فلولا ذكر الظرف المجرور في قوله تعالى : 


( حتى استسبسيدن الكم الخيط الأبيض” من الخيط الأسود من الفجر ) (2) 
لم يعلم أن الخيطين مستعاران (3) . 


كما اشترطوا أن يقوم بين المستعار والمستعار منه معنى مشترك تنبني 
بموجبه الاستعارة على أساس من التناسب العقلي بين الطرفين لأن ملاك الاستعارة 
« تقريب الشبه ومناسبة ا وس ضرت اللفظ بالمعنى حتى 
لأ يوجد بينهما منافرة ولا 0 ق أحدهما إعتراض ع ن الآخر ») 4) . 
لذلك عاب خصوم المتنبي عليه قوله (بسيط) : 
مَسرّة في قلوب الطيب مفرقها 2 وحسرة في قلوب البيض واليّب 
لأنه جعل للطنيب والبيض واليلب قلوبا وهي استعارات لم تراع فيها الأصول 
ولم تجر على شبه قريب ولا بعيد . ولذلك عدت من فاسد الاستعارة 


(1) الزمخشري » الكشاف » 157/1 . 

(2) البقرة/187 . 

(3) الزمخشري » المصدر السابق » 258/1 . 
6( الوساطة بين المتنبي وخصومه 2» ص 41. 


5204 


3 
2. 


وقبيحها و (إنما نصح الاستعارة وتحسن على وجه من اللمناسبة وطرف 
من الشبه والمقاربة » (1) . 

قٍُ ظل” هذه النظرة تنتحداد صحة الاستعارة وحستنها بوضوح العلاقة 
بين الأطراف وسهولة الاهتداء إلى المعنى الذي قصده الشتاعر (2) . ولذلك 
تراهم إن أرادوا التعبير عن نهاية الحسن في الاستعارة شبّهوا دلالتها بما 
تدل” عليه الحقيقة . 

فابن رشيق شديد الإعجاب بيت طلفتيل الغتنوي (كامل) 
2 0ن 5 5 هسم 3 كن و 
فو ضعت رحللى فوق ناجية يقتات شحم سنامها الرحصل 
لأن” جعله شحم السنام قوتا للرّحل ١‏ استعارة كأنها القيقة لتمكتنها 
وقربها) . وقرب هذه الاستعارة هو السّبب » عند صاحب العمدة » في 
تناقل أصحاب المختارات هذا البيت وعاولة كثير من الشعراء التسج على 
منواله (3) . 

والتأكيد على قرب الاستعارة وضرورة التناسب القوي والشبه الواضح 
بين المستعار له والمستعار منه بلغ عند ابن سنان الخفاجي درجة من التصلاب 
تلائم » لا محالة » مفهومه للفصاحة » ولكنها تضيق من مجال الاستعارة 
إلى درجة أن الكثير من الشعر العربي يقع خارج مقابيسه ويصبح » في نظره » 
من قبيل الاستعارات الرديئة . 

فقد قسم الاستعارات إلى قسمين : « قريب مختار ) و ( بعيد مطلرح » 
أما البعيد المطترح فهو ما باعد فيه الشاعر بين الطرفين إممّا بالبناء على معنى 


49 القاضي الجر جاني » المصدر السابق » ص 429 . وأنظر في نفس المعنى » الموازفة للآمدي » 
ص 235 , 


(2) الحاتمي » الرسالة الموضحة » ص 71 . 
(3) العمدة » 275/1 , 


5035 


غير واضح في الأصل » وإما لإقحامه بين المعنى الأصلي والمعنى الفرعي وسائط 
وهو ما يسمّيه بناء الاستعارة على استعارة أخرى . وسماه العلماء في وقت 


وبناء على هذا التقسيم راح يناقش مختارات السابقين كالقاضي الجرجاني 
والآمدي والصولي ويرد عليهم مقايسهم بشيء غير قليل من التمحل 
1 والتتحذلق و سوء الطبع 5 

فهو يناقش الآمدي في إعجابه باستعارة امرىء القبس ني قوله (طويل) 
فلت "له لكا تنظطى يانه وأردف أعجازا وناء يكلكل 


ويرى أنها استعارة وسط بين الحّسّن والرّديء وليست في غاية الحسن 
والجودة والصحة لا لشيء إلا لأن' الشاعر بنى الاستعارة على غيرها ١‏ فلم 
جعل لليل وسطا وعجزا » استعار له اسم الصّلب وجعله متمطيا من أجل 
امتداده » وذكر الكلكل من أجل نهوضه » والأمر الذي أقلق الخفاجي 
أن كل" هذا إنّما يحسن بعضه لأجل بعض ١‏ فذ كر الصلب إِنّما حسن لأجل 
العجز . والوسط والتمطي لأجل الصلب والكلكل لمجموع ذلك» (1) . 

ولا يمكن أن يفسّر هذا التهوين من شأن الاستعارة المرشّحة إلا 
بتمسك المؤلف الشكلي بمقولة القرب والمناسبة . وهو تمسّك غطى على 
صاحبه القيمة الفنية التي تضمنها البيت » وهي قيمة لم تغب عن قدامة رغم 
ضيق عطنه في التحليل الأدبي وقلّة احتفائه بالاستعارة (2) . ولسنا ندري 
كيت كاذ يجيب الخفاجي لو اغظر طق أل تنديله' بعص يما" زد فى القران 
من الاستعارات مبنيًا على نسق بيت امرىء القيس كقوله تعالى : « الذرين” 


وساساه 0 


اشتروًا الفمّلالة- بالهادى فما ربحات تجاركهام') ؟ () . 


(1) سر الفصاحة » ص 114- 115 . 
(2) نقد الشعر » ص 104 . 
(3) البقرة/16 . 


5066 


وبنفس الطريقة تقريبا يرد حجج الصولي والامدي لاستقامة قول 
ابي تمام (كامل) 
لا تعقني ماءالملام فإتّني صب قد استعذبت ماء بكائي 


فأبو بكر الصولي لا يرى ني البيت وجها يعاب به أبو تمام ذلك أن العرب 
تستعير لفظ الماء لتدل به على غير معناه » فهم يقولون «كلام كثير الماء» 
و ١فلان‏ أكثرهم ماء شعر » ويقولون ١ماء‏ الصبابة » و ١‏ ماء الهوى» . 
كما أن العرب تحمل اللفظ على اللفظ فيما لا يستوي معناه » كقوله تعالى 
وجزاء سيئئة سيكئة” مثلها» فالسيئة الثانية ليست بسيئة ولكنها جزاء , 
زلكته تمل اللفظ ا عل اللقط فلمنا: أراد أبو تام أن يكرك قد اسعديت عاد 
بكائي جعل للملام ماء ليقابل ماء بماء وإن لم يكن للملام ماء على الحقيقة . 


وإزاء هذه الحجج شعر الخفاجي بالحرج إلا أنه قطع النقاش بخوف 
اللبس والإشكال وفساد بناء الاستعارة على الاستعارة (1) . 

وفي مقابل هذه الاستعارات التي لم تحظ بإعجابه أورد جملة من 
الاستعارات اعتبرها من العيون » لأآنها تقوم على اللياقة العقلية وقرب الطريق 
إلى المعنى بحيث لا يصعب مجازها وتأويلها من ذلك قول الشتريف الرّضي 
(بسيط) : 


رسا النسيم بواديكم ولا برحت 0 حوامل المزن في أجدائكم تضع 
ولا يزال جنين النبت ترضعه 2 على قبوركم العراضة الهمسع 
فهوعنده » «من أحسن الاستعارات وأليقها لأن المزن تحمل الماء وإذا 
هملت وضعته » فاستعارة بة الحمل لها والوضع المعروفين من أقرب شيء 
وأشبهه . وكذلك قوله جنين التّبت لأن” الجنين المستور مأخوذ من الجنة 


(1) سر الفصاحة » 132 - 135 , 


528 


وإذا كان النّبت مستورًا والغيث يسقيه كان ذلك بمنزلة الرّضاع » وكانت 
هذه الاستعارات من أقرب ما يقال وأليقه ) (1) . 

وإذا كانت مقابيسهم تضيق عن احتواء الاستعارة المرشحة فمن باب 
أولى وأحرى أن تضيق عن الاستعارة التي تسمى ني العرف البلاغي ١‏ الاستعارة 
التخييلية أو المكنية » وهي كما يدل عليها اسمها تقوم على المزاوجة بين 
وجهين » الكناية من جهة والاستعارة من جهة أخرى وذلك بغياب المستعار 
عن السياق والاكتفاء في الإشارة إليه ببعض القرائن اللازمة له . والتشبيه 
لا يحصل في هذا النوع إلا « بعد أن تخرق إليه سترا وتعمل تأمّلا وفكرا 
وبعد أن تغيتر الطريقة » وتخرج عن الحذو الأول» (2) . 

ولقد كان الغالب على النقاد والبلاغيين استبعاد هذا التوع من الاستعارة 
لأنه خروج عن مبدإ! الإبانة والوضوح الأثير لديهم » لذلك وقفوا موقف 
الريبة والحذر من قول لبيك (كامل) 3 
وغّداة ريح قن و انف يوقا ]5 لمعت نون الفبال ومانيا 
لأنه استعار للشىء ما ليس منه ولا إليه » وكانوا يفضّلون عليه قول ذي الرمة 
(طويل) : 
أقامت به حتّى ذوى العنّود والتوتى 2 وساق الثريًا في ملآءته الفتجر 
00 5 3 نا - 0 6 .و 3 05 5 
العلماء في البيتين وانحاز إلى الشق الذي يستحسن الاستعارة القريبة رغم أنه 
كان من أنصار الشبه النادر في التشبيه » يقول : 

« وبعض المتعقسبين يرى ما كان من نوع بيت ذي الرمة ناقص الاستعارة » 
إذ كان محمولا على التشبيه © ود بفضا عليه ما كان من نوع بيت» لبيد 2 وهذا 
(1) سر الفضاحة » 116- 117 . 
(2) أسرار البلاغة » ط. خفاجي » 141/1 . 


508 


عندي خطأ » لأنهم إنما يستحسنون الاستعارة القريبة » وعلى ذلك مضى 
جلة العلماط »ويف أت النصوص عنهم » وإذا استعير للشيء مايقرب منه 
ويليق به كان أولى ممنًا ليس منه ني شيء) (1) . 

وقول ابن رشيق إن جلة العلماء يستحسنون الاستعارة القريبة ينم 
عن معر فته الجيّدة بأصول النظريّة الأدبية وإِلمامه بمواقف التقّاد الذين 
سبقوه . فلقد كان « أئمّة ) التقد أمثال الآمدي لضي الجرجانى يَضيقون 
بالاستعارات التي تقوم على التشخيص بحيث تريا ( الجماد 1 ناطق 2 
والأعجم فصيحاء والأجسام الخرس مبينة والمعاني الخفيئة بادية جليئّة ») (2) . 
فكان الآمدي يتعقتب استعارات أبي تمام ويعتبر الكثير منها ني غاية القسباحة 
والغثاثة والبعد عن الصواب . وقد ركز هجومه » بوجه خاص » على 
الاستعارات التي عمد فيها الشاعر إلى تشخيص الزمان والدهر وما إليهما . 
فإن قال أبو تمام ؛ مثلا » (طويل) : 
تحملت مالو حمل الدهر شطره لفكر دهرا أي عبأيه أثقل 
شداد الناقد عليه الشكير لأنه «جعل للداهر عقلا وجعله مفكتّرا في أي 
العبأين أثقل وما معنى أبعد من الصّواب من هذه الاستعارة ) (3) . 

ونحن » مع إقرارنا بأن الكثير من استعارات أبي تمام كانت خارجة 
عما يستسيغه الذاوق العربي لتعمّد صاحبها بنائها على ضرب من التجريد 
بحد من فعاليتها الشعرية المباشرة » نرى أن الطريقة التي وُوجهّت بها 
هذه الاستعارات عند الآمد'ي وعند غيره من النقاد كانت خطرا على العمليّة 
الشعرية ذاتها وصدا للذاوّق عن استملاح ما لم يألف » كما أنها تدخثّل” 
امر فق قدرة الخيال على بناء صور جديدة ودفع الخط الشعري إلى اقتحام 
(1) العمدة » 269/1 . 


(2) أسرار البلاغة » ط. خفاجي 137/12 . 
(3) الموازنة » ص 241 . 


509 


مغامرة التجربة والاستكشاف ٠‏ بل إنها سوء فهم لطبيعة العمل الشعري . 
فبدل أن ينقّب التاقد عن هفوات الشاعر ومظاهر خروجه عن أصول 
اللياقة العقليئّة » كان أجدى أن يبحث عن كيفية توظيفه ذلك الخروج لأغراض 
فئّية . وني البيت المذكور نفس شعري واضح وحذق لأصول الصناعة 
ووسائلها . فالفكرة السائدة على البيت هى المبالغة . قد تكون مبالغة في الاعتداد 
القن اوعتالفة فى التبرام بالوجوه والعبيق نيف الي" آنا نري النففة 
الشعري الذي سلكه الشاعر لإيصال هذا المعنى . وأول ما يلفت الانتباه بناء 
الصدر على مقابلتين : مقابلة «الأنا» و «الداهر» ٠‏ وهي أوّل عملية 
تحريك للمبالغة » لأن الداهر هو النموذج الأقصى في التحمل والثبات 
والكينونة المطلقة التي تحتوي كل الأحداث التي يعيشها الإنسان والكون 
ثم تقطع فكرة « المبالغة » خخطوة حاسمة بالمقابلة الثانية » وهي مقابلة تسير 
في اتجاه مناقض لاتجاه المقابلة الأولى . إذ وقع إسناد الأضعف إلى الأقوى 
شطر الحمل للدتهر - وبذلك يطفو الأنا على الداهر بعد أن كان 
في المقابلة الأولى متضائلا ضامرا . كما نلاحظ انبناء البيت على التركيب 
الشرطي المبدوء بلو » وهو يدخل السياق في محض الافتراض والتتوهم 
ويفصله عن منطق الكلام العادي ليزج به في عالم شعري يقوم على التخبيل 
يجد منه المتلقي سبيلا إلى دواخل الشاعر لمعايشته شعور الانقباض والضيق 
المتولّد من ثقل الحمل » كما عمد الشاعر إلى جعل المفعول به اسم موصول 
مشترك وفضّل صيغة الإضمار بالمبني للنائب والضمير لأنه يريد أن يبرز فكرة 
المعاناة مجرّدة عن النوع . 

ثم بأتي العجز للتأكيد على قدرة الشناعر التي تفوق قدرة الداهر . ويلعب 
الجناس دورا فنيا هاما في بلورة عملية التشخيص التي قصدها الشاعر ء 
ويتمثل ذلك في تكرار كلمة الدهر في العجز بصبغتها الزمنيئة الظرفية » 
فأخرج الداهر في الصّدر عن مدلوله الزمني ليرداه إليه في العجر . ثم يبلغ 
الببت قمة الفن" » في نظرنا » من جهة الإيحاء الموجود في صيغة المثنى 


2130 


عبأيه . فالعبء الأول هو «شطر ما حمّل الشاعر » ولكننا لا نعرف 
العبء الثاني وهنا تبقى البنية مفتوحة ويجري الوهم في تأويلها كل" مجرى . 
وهذا سر من أسرار العملية الشعرية التى لا ترمى إلى مد المتلقتى بحقائق وإنّما 
تروم استدراجه إلى عالم الشاعر ودفعه إلى استكناه تجربته من التداعيات التي 
يخلقها فيه . وإذا فسرنا العبء الثانى بكون الدهر دهرا وصلت البالغة 
أقصاها إذ يصبح ثقل الدهر على الدهر أخف مما حمل الشاعر . 

إلا أن" الآمدي كان يتحرك » في نقده » من أصول مسبقة توجّه تعامله مع 
التجارب الشعرية » ومع تجربة أبي تمام بوجه خاص » وأغلب تلك الأأصول 
يرتد إلى نزعته اللغوية المحافظة التي تلزم الشاعر بسلوك الطرق الممهتدة ‏ 

: 0 5 6 5 

والّسج على منوال العرب ؛ والحذر من الخروج عن ستنهم في التأليف » 
والانتهاء في اللغة إلى حيث انتهوا » والاقتداء بهم في الشائع المشهور لا في 
الشكّاذ الثادر » ومن هنا أمكن للآمدي أن يرد" حجج من قاسوا بعض مجازات 
أبي تمام التي رفضها على نماذج شبيهة بها في الشعر العربي القديم . فإن قيل 
له إن بعض شعراء عبد القيس شخّص الداهر وهجاه ني قوله (طويل) : 
ولما رأيت الداهر وعرا سبيله وأبدى لنا ظهرا أجب مسلا 
ومعرفة حصاء غير مفاضة عليه ولونا ذا عثانين أجدعا 
وجبهة قرد كاالشراك ضئيلة> وصعّر خديه وأثفً مجداعا 
فلماذا لا تحمل عليه قول أبي تمام « وضربت الشتاء في أخدعيه » كان جواب 
الآمدي أن «هذا الأعرابي إنما تملّح بهذه الاستعارات ني هجائه للداهر 
وجاء بها هازلا ) (1) . ش 

وكذلك الحال 5 قرل أبى تمام (كامل) : 


2 


طثل الجتميع اقد عفوّت حميدا ١‏ وكفى على رزئي بذاك شهيدا 


)01 انظر : إحسان عباس » تاريخ النقد الأدبي عند العرب » ص 168 . 


221 


هذا البيت » قُ نظر الناقد » خارج عن وجه الكلام إذ كان ينبغي أن يقال : 
«وكفى برزثى شاهدا على أن مضى حميدا ) ولما اعتر ض عليه بأن الشاعر 
أخرجه على القلب أجاب الآمدي بأن «المتأخر لا يرخص له في القلب 
لأن" القاب إِنّما جاء ني كلام العرب على السهو » والتأخر إِنّما يحتذي على 
أمثلتهم ويقتدي بهم وليس ينبغي له أن يتبعهم فيما سهوا فيه ) (1) . 

ولا سعط + كنا كار إلى ذلك كيان عباس © أن يكون” نزراء 
بعض أحكام الآمدي أثر ديني » فأكثر استعارات أبي تمام التي يجدها 
الآمدي غفّة” إِنما تتعلّق بالداهر والزمان وربّما ارتبط هذا .ارتباطا 
شعوريًا أولا شعوريا - بما يروى في الآثر ولا تسبوا الداهر ملل ) ) (2). 

ولا يختلف موقف القاضي الجرجاني من الاستعارة عامة ومن استعارات 

ورغم أنه كان أكثر منه تعاطفا مع تجربة الع الخدت كما يطلى 
ذلك من دفاعه عن كثير من استعارات المتنبسي وابي تمام (3) »© وأقل منه 
اقتناعا بمنزلة الشعر القديم (4) » وأشد” جرأة في بعض مواقفه النقديّة كفصله 
الشعر عن الدين (5) » فإنّه لا يختلف عنه بي التمسك بقرب الاستعارة ووضوح 
الشبه وعدم الخروج فيها عن حد الاستعمال والعادة حتى أنه عد ١‏ التعدي 
في الاستعارة )» من عيوب الشعر البارزة (6) . 

كما وقف من استعارات أبي تمام موقفا لا يختلف جوهريًا عن موقف 
الأمدي والجمهور الأعظم من النقاد » فهو ينظر إلى الاستعارات البعييدة 
نظرة مسترابة أدت به إلى إدراج الكثير منها ني زمرة الاستعارات السيئة (7) . 
(1) الموازنة » ص 193 . 
)2( إحسان عياس » المرجع المذكور » ص 170 . 
(3) الوساطة بين المتنبيى وخصومه » ص 429. 
(4) المصدر السابق » ص 4 . 
(5) المصدر السابق » ص 64 . 


(6) المصدر السابق » ص 82 . 
(7) المصدر السابق » ص 40 وما بعدها . 


ولن يتغيئر موقف النقناد من الاستعارة المكنية إلا" مع عبد القاهسر 
الجرجاني لأنها تتسلاءم مع مذهبه العقلي ونتيجة طبيعيئة من 
مائج دراسته لتأشبيه حيث رأيناه يميل إلى وجه الشبه المأخوذ 
من الصور العقلية (1) . ورغم أللئه ا أن يوسّّع من مفهوم 
الاستعارة ويقبل إمكانية صوغها بطرائق متنوعة لا تنحصر في علاقة الشبة 
الواضحة الضيقة فإنه يبقى في إطار الفهم والإفهام ويدعو إلى ألا" يحول إعمال 
الفكر لا كتشاف أسر ار الكلام دون الفهم لأن « الإفراط في التعمّق ريما أخل 
بالمعنى من حيث يراد تأكيده به» (2) . 


إن الاعتناء بالجانب التطبيقي م ن البلاغة حيث تتحول المقررات النظرية 
والقواعد العامة إلى وسائل عمل تمارس بها التجربة الأأدبية ممارسة عملية لا 
تعترف بالحدود ين البلاغة والنقد 4 بدو على جائنب ميق من الأهمية لأنه 
يساعدنا على معرفة الحدود الحقيقية التي يتنزل فيها العمل النظري ويكشف نا 
عن المشاغل الحقيقية التي كانت تخامر البلاغيين والدّقاد وعن الإطار الذي 
تتحرك فيه رؤيتهم الفنّة وقناعاتهم الجمالية . كما أنه مسلك مهم لرصد 
أطوار البلاغة ومعرفة الحلقات الثابتة الواصلة بين منختلف تلك المراحا 
التحولات الطارئة على مادة العلم . 

ولعلنا » من خلال دراسة التتشبية والاستعارة » بيثًا أن التتفكير البلاغىئ 
بقي رغم ما جد فيه من تطوّر لافت ء مشدودا إلى بعض الأسس التي أقيم 
عليها منذ مطلع نشأته . 


(1) أسرار البلاغة » ط. خفاجي » 157/1 . 
(2) المصدر السابق » ط. اسطئيول » ص 275 , 


25203 


ومن أهم" تلك الأسس مراعاة الوضوح والإبانة والتظر إلى وظيفة النص 
من زاوية المنفعة والتجاعة . ولقد رأينا النقّاد يعودون دائما إلى هذا الأساس 
مهما توسعوا في بحث الوجه وتعميق قضاياه . 


واحتلال الإبانة قطب الرّحى في النظريّة الأدبية وسم نظرة العرب إلى 
الفن” بطابع عقي 2 ابوات لمو ححيه وظيفة الفهم والإفهام صدارة الوظائف 
اللغوية وارتبط حصول التأثير في المتلقي بالإدراك ومن ثم كان الفهم الشرط 
الواجب -لحصول اللذة . 

وتسدّط العقل ينجر عنه حتما « تراجع الخيال » وانحسار قدراته والتحديد 

واد ل الحو الع ددر زقارا جلك كلما ين لفك اداه ابو مرج 
وعدم الإبعاد وربطهم الاستعارة بالتشبيه حتى له تنشأ القطيعة بين الخطاب 
الشعري وقدرة الإدراك لدى المتلقي وهذه تدم من طريق أسهل باحترام 
المواضعات اللغوية والمواضعات 0 وبكل” الأنماط الدلالية المألوفة . 

كل" ذلك يؤددّي إلى التشبّث بعدم مصادمة الذاوق لآن” الخروج عما 
يستسيغه يعني تعطيل وظيفة النص" والنص” الأدبي بوجه خاص . ومن ثم 
يمكن أن نقول إن" حرص التقاد على أصالة الذوق كان أشد من حرصهم 
على تطوير ذلك الذاوق وتهيئته إلى تقبل تجارب جديدة . 

من هذه الأزاوية يمكن أن تعلك النظاربة البلاغية وحها من وجوه المحافظة 
لأنها تحركت من نفس المنطاق الذي تحرك منها الدّحو ء فلقد حاولت أن 
تؤسس قوانين عامة انطلاقا من تجارب فردية ثم أصبحت تحاكم تلك 
التجارب من ٠‏ خلال القوانين 


294 


تمثل الفترة الممتدأة من وفاة الجاحظ إلى نهاية القرن السادس هجريًا 

ولا غرابة في الأمر » ففى هذه الحقبة بلغت الحضارة العربية الإسلامية 
أوجها . كما بدأت تلوح في الأفق بداية تراجعها » وانكماشها . فحظ تطور 

في هذه الفترة سهد الكثير من العلوم والاختصاصات تطورا حاسما 
أفادت منه البلاغة فائدة عظمى . فلقد تبلورت الاتجاهات الكبرى للنقد الأدبى 
بداية من القرن الرايع بوجه خاص . وأصبح تحديد القيمة الفنية في النص" 
مشغلا من مشاغل النقاد الكبرى تنظيرا وتطبيقا » وقد أعانت الخصومات 
الأدبية حول أبي تام » ثم حول المتنبي » على ضبط جانب مهم" من 
المقاييس النقدية الراجعة إلى النص ذاته » وطريقة الشاعر في بنائه » وما يضمنه 
من الأساليب لإنفاذ تجربته الشعرية . 

كما أعطى الاهتمام بمسألة الإعجاز نتائجه الملموسة فوضعت في شأنه » 
بداية من نهاية القرن الثالث ومطلع القرن الرايع » مؤلفات عديدة . 

ولئن خصّص أصحاب هذه المؤلفات جانبا منها للحديث عن دلائل 
الإعجاز عامة فإنهم ركزوا حديثهم » في الغالب » على الأدلة النصية برصد 


595 


الخصوصيات الفنيسة التى ميازت القسرآ ن عن غيسره من الإنجازات الأدبية 
وبوّأته مرتبة لا يقوى على بلوغها البشر . 

وقد ساهمت هذه المؤلفات في تغذية البحث البلاغي » وتطوير مسائله 
من ثلاث جهات على الأقل" : من جهة العمل التحليلي الذي استهدف 
استخراج النماذج الأسلوبية الموجودة في القرآن والتسدط ُ بيان خخصائصها 
الفنية ونهجها المتفرد في أدا ء المعزى 

ومن جهة استمرار أصحابها في طرح أمسّهات المشاكل البلاغية بما في 
ذلك مفهوم البلاغة لسك 5 والسيب قُ ذلك 4 قٍُ نظر 8 » الملاسات العقا ثدية 
المكتنفة مبحث الإعجاز والتي تغدو بموجبها أبسط المواقف اللغويّة تعبيرا عن 
قناعات مذهبية تثير الريية والشك” . 

على أساس هذا الصّراع العقائديّ وضعت الكثير من المؤلفات . 
فالباقلاني » مثلا » كان يروم من تأليف (« إعجاز الفرآن ) ترويج « جمل ») 
الأشاعرة قُ الإعجا رر عجاز والتهوين من شأن .١‏ أزاء الجاحظط المعتز لي لي[ اللي ضمتها 
كتابه الضائع « ألم القرآن » . 


ول تكن هذه المناظرات تجري بين التحل المختلفة فقط : وإنما نصادفها 
بين شيوخ نفس التحلة » ونقض الرّماني سارل البغداديات ») لأبي هاشم 
عبد السلام دن يد الجبائي أمر معروف في تاريخ الاعتزال . 

ن هذه المناظرات والفارخات تولّد الوجه الثالث وهو متعدّق بالجانب 
ليد + في تحديد بلاغة النص” ٠‏ ففي كتب الإعجاز نجم مفهوم ١‏ النظم 0 
ونما ونضج . وهو من مآثر الدفكير البلاغي عند العرب ووجها من وجوه 
طرافته . 

وف هذه الحقبة أيضا » عرفت معرفة تاريخيّة ثابتة بعض الآثار الأجنبيّة 
المتّصلة بفن' القول والتواميس المتحكمة في عملية الإنشاء » ومن أهمها 


536 


كتابا أرسطو ١‏ الشعر » و( الخطابة » » وقد اهتم الناقيفة اموه اضيا 
الفارابي وابن سينا , دان رشد ع هذه الولمات وتلخيصها وحاولوا إجراء 
قوانينها على الشعر العربى . إلا" أننا نعتقد أن تأثير هذا لبامل م يكن حاسما » 
وم 0 صلب ل اديت التى حاولنا جهدنا أن دق أنها البنت » قِ 
مستوى الأسس على الأقل” » على أصول نابعة من البنية الثقافية المجتمع 
العتربي الإسلامي 

إلى جانب هذه المؤلفات التي تبقى صلتها بالبلاغة » رغم أهميّة الماداة 
الموجودة فيها 4 صلة ثانو ب 2 ظهر نوع من المصددفات المتختص” بإحصاء 
الوجوه البيانية وتبودبها وإبراد الشتواهد الموضحة لبلاغتها 4 وهى المصتافات 
التى جرى العرف على تسميتها بالمصثفات البلاغية . وظهورها خطوة هامة في 
تطور العلم ومظهر من مظاهر استقلاله : 

ولذلك خصّصنا جزءا هاما من هذا القسم لتحديد ما سميناه بالفترة 
الكاسمة قُ التأليف البلاغي . وقك 0 لنا »> بعك امتعر صل أهم" المساهمات 

بعد الحاحظ 3 أن كتاب 0 البديع 1( لعيك الله 0 ن المعثر كان أ أول وق و لف يقتصر 

فيه صاحية على أستعر اضص نماذج دن الأساليب اليلاغية والمحيبات اللفظية 
التى تضهفى على لى النص” مسحة فدية تميزه عن الكلام العا 

وقد مهندت لظهور هذا الكتاب مشاركات بعض علماء النصف الثاني 
من القرن الثالث نذكر منها » بوجه خاص » مشاركة كل من ابن قتيبة 
وا 3 . ققد 0 0 3 ) 0 مشكا ل القرآن ) وجوها بلاغية عديدة » 
قُ ا وجهين بلاغين بشكل 0 0 همأ التشبي-ه بالدرجة الأولى 


ذاء 


انية . 

وقد استغل” ابن المعتر المادءة التي وفّرتها هذه المؤلفات والمؤآفات 
السابقة لها » وساقها في تقسيم ثنائى لغير سبب واضح. وسيكون لهذا الكتاب 
أثر عميق في المؤلّفات المتأخّرة من عداة جوالب : 


والكناية بدرجة 


59 


ال كن عن انس النص” » وإهمال بعض الجوانب الأخرى 
التي كا طرفا مهما :ة في النظرية البلاغية ع فقك رأينا الجاحظط يتناول مسائل 
البلاغة من زاوية ١‏ التواصل » ولذلك احتل” المتكلم والسامع : ىُُ نظربته . 
مكانة لا تقل عن مكانة الكلام وكان اهتمامه بالتلفّظ في مستوى اهتمامه 
بالملفوظ 5 أما مع ابن المعتن فد اي البللاغة خصائص ف في بناء النص” 
متفصلة عن عماية الإنجاز : وأفيييت هذه الطريقة قُُ التناول لح تتأثرها 
أغلب المؤلفات البلاغية . 

2( النظر إلى مسألة البديع من زاوية الصراع بين القدماء والمحدثين 
فلم يجد ابن المعتر طريقة تخدم خطه الشعري ؛ وتبرر لهجه با! بديع » 0 
من التأكيد على أصالته ني الموروث الأدبي »؛ فراح يحتيٌ للقدماء على المحدثين 
وينتقي النماذج القرآ نية والشعرية وغيرها من كلام العرب الفصحاء ليؤكد على 
أن الفضل في هذه الطريقة للقدماء وأن المحدثين لم يبتدعوها وإن اشتهرت بينهم 
وف زمانهم » وقد أدى به ذلك إلى طرح مقياس غاية في الخطورة نعتقد أنه 
سل" على النقد منفذا من المنافذ الهامة للغوص 5 أعماق التجربة الشعرية 6 

يتمثل هذا المقياس في اعتباره الكم " فاصلا أساسيًا بين القديم والحديث وربطه 

0 بالإفراط وما كمة 1 0 على اما ذلك . 

ونتج عن هذا أن بقي النقّاد ينظرون إلى الصّورة مقطوعة عن سياقها » 
ولا يعتبرون ما يجد فيها من تطور بتبدال الوقت واخختلاف التجارب. وعوض 
أن يتفهتموا تجربة شاعر كأبي تمّام فإنهم حاكموه بناء على فكرة الإفراط . 

بعد ابن المعتز يتسارع نسق التأليف فتتعداد المصدّفات وتتشابه وينقص 

٠. 000 4 ٠. 5 ا‎ 03 9 9 5 8 

حط الكثير منها ن الطرافة والخدة بجي يطلع الجر جاني ع القرن الخامس 
بمؤلفيه « دلائل الإعجاز ) و( أسرار البلاغة » فيعطى البحث البلاغى نفسا 
جديدا ويعيد النظر في أغلب مواقف أسلافه من مَنظور عقليّ خففت من 
صر أمته روح أدبيئّة أصيلة وحس لغوي مرهف . 


508 


وقد رأينا أمام كثرة المصدّفات وتشابهها أن نعالج ماداتها ونقدار 
مساهمتها من خلال بعض القضايا الهامة . وقد اخترنا منها ثلاث مسائل بدت 
انا بمثابة الرْ كائز التي يقوم عليها أي علم من العلوم وهذه المسائل هي : 
المفهوم والمنهج والإجراء . 

5 قسم المفاهيم اهتممنا بزوجي الحقيقة / المجاز » والفصاحة / البلاغة » 
وقد سمحت لنا دراسة الرّوج الأول بالكشف عن الأسس التي اعتمدها 
البلاغيون والنقاد لتمييز المستوى الإنشائي عن غيره من مستويات التعبير 
باللّغة » أما الزوج الثاني فتحسسنا من خلاله تحديدهم لنبع البلاغة في النص . 

لقد مكّن تطور العلم وانتّساع مباحشه من التعمّق ني تحليل طرق الأداء 
اللغوي » وتجاوزت المقابلة بين الحقيقة والمجاز الملاحظات المقتضبة التى رأيناها 
5 مؤلفات الجاحظ وأصبحت محورا من محاور البحث القارّة في مؤلفات هذه 
الفترة . ولقد تضافرت جهود العلماء من بلاغيين ونقئّاد وفلاسفة وأصوليكين 
لتؤكّد على أن التوسل بالمجاز هو أبرز خاصيّة تميّز الأداء الفنى عن غيره . 
ولقد توائترت في مؤلفاتهم المقابلة بين ما سمّوه بالكلام الألزف أو المعتاد أو 
العادي وبين الكلام المخرج غير مخرج العادة أو الكلام الشعري أو الكلام عن 
حيلة » وهي كلها طرق في التّعبير عن المقابلة الرئيسية . ولإبراز أهمية المجاز 
في تحديد نوعيّة الأدب ؛ اتجه بعض المفكرين اتجاها نظريًا محضا ربط فيه 
ظهور ١‏ الشعرية » بانتقال اللغة من طور التعبير الحقبقى إلى طور ١‏ التحرد ) 
في العبارة وهو يعني به الخروج في استعمال اله مق احتذاء المواضعة 
والاصطلاح إلى التصرف في تلك المواضعة وإجرائها على نسق يلائم غرض 
المتكلم بي التعبير الفتي . 


إلا أنهم رغم حدة الوعي بالفرق بين الطريقتين » لم يستطيعوا صياغة 
ذلك الفرق صياغة نظرية . وإنما بقوا يعبرون عنه من خلال شواهد شعرية 
يكتفون فيها بالمقارنة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي حتى جاء الجرجاني » 


2559 


في القرن الخامس ء وأول المسألة تأويلا لسانينًا في عبارته المشهوره : معنى 
المعنى ) . 

أما زوج الفصاحة / البلاغة » فقد حاولنا من خلاله تحديد ميادين 
الدراسة الأسلوبية » وركزنا الحديث على إبراز المضايقات المنهجية التى 
واجهها البلاغيون والتقاد نتيجة فصلهم بين بنية النص الخارجية أو اللفظ وبنيته 
الداخلية أو المعنى . وقد اتسمت جملة المواقف بنوع من التطرف » المشوب 
بكي من التذيدت» والتردى ,في اذريق أي الجاحظ المشهور في ١‏ المعاني 
المطروحة في الطريق » وفهمه على ظاهره ومن ثم راح يدافع عن اللفظ 
المفرد والصياغة والشكل باعتبارهما أساس البلاغة » بينما هون الفريق الآخر 
من شأن اللفظ والصياغة وربط البلاغة بانتظام المعاني واتساقها على صورة 
العقل واعتبر البنية اللغوية للنص انعكاسا للمعاني وخدما لها . 

ولم يستطع أي من الفزيقين الالدزام بحدود الموقف المبدئي الذي تبناه 
لذلك رأينا المدافعين عن الشكل يخصصون جانبا مهما من مؤلفاتهم الحديث 
عن بلاغة المعاني . كما رأينا أصحاب المعاني محرجين إذ لم يستقم لهم 


تعجر يد اللفط من كل قيمة فنية : 


ن 


ولتفتهم طبيعة هذه المواقف » عمدنا إلى دراسة أصو ل منهجهم في 
تحديد أسباب بلاغة الكلام وتفاضله » وخصصنا لهذه المسألة بابا مستقلا . 

وقد تبين لنا أن المشاغل المنهجية كانت طاغية على جهود العلماء في 
هذه الفترة » وتشهد مقدمات الكثير من المؤلفات بأن البحث عن طريقة 
لتحديد بلاغة الكلام كان عاملا مهما فى حيوية التفكير البلاغى وتجدده . 

ويمكن القول بأن الدراث البلاغي بكامله بقي يعيش في تصور أسباب 
البلاغة على النهجين الذين رسمهما الجاحظ فى مؤلفاته » وهما الأساليب 
والمجازات ؛ وكل ما يدخل ضمن ما سماه ( المعرض الحسن » من ناحية » 
والنظم من ناحية الخرئ . 


6000 


وقد تولد عن التصور الأول نيار يعتبر البلاغة في العبارة والوجه 
البلاغي مقطوعين عن السياق الواردين فيه . ولذلك اتجهوا إلى تصنيف 
هذه الوجوه وتبويبها إيمانا بأن لها قيمة في ذاتها . 

وعن التصور الثاني تولّد تيار مقابل للتيار الأول يرى أن القيمة البلاغية 
رهينة » السياق وهي لا تبرز إلا في تماسك وحدات النص وتلاحمها واتساق 
نظمها . ١‏ ْ 

ولعلّه من الطريف أن نشير إلى أن الموقف الأول تبلور في بدابة 

لتأليف البلاغي والتصور الثاني برز في نهاية الفترة التي تهمنا . وهي توافق 
0 هذا التفكير قمته . أما بين الطرفين فقّد كانت المواقف متذبذية بين 
بلاغة العبارة وبلاغة التأليف . وبناء على ما تقدم يمكن اعتبار الجانب المنهجي 
ن أبرز مظاهر التطور التي جدت في التفكير البلاغي في اتجاه وحدة التصور 

القائمة على مفهوم « النظم ). 

وختمنا هذا القسم يباب تطبيقي حاولنا من خلاله رصد التطورات 
الخاصلة في المواقف المبدئية والاعتبارات النظرية عند مواجهة الكلام الأدبي 
بالشرح والتعليق 

واقتصرنا على أسلو بي التشبيه والاستعارة » لأنهما أفضل أنواع المجاز 
وأحقنها بالشعر في نظر البلاغيتين . 

وقد كشفت لنا دراستهما عن أمر هام » هو سيطرة فكرة الإبانة 
والتوضيح على النظرية الأدبية وبقاء التفكير البلاغي مشدودا إلى الأسس التي 
تبلورت ني مراحل العلم الأولى كما حدادها الجاحظ في « البيان والتبيين » 


5 


خاصة , 


601 


الخاتمة العامة 


لما كانت مؤلفات الجاحظ أقدم ما وصلنا من الوثائق التي تناولت ظاهرة 
الكلام من زاوية فنية رأينا أن تكون منطلق بحثنا عن أسس التفكير البلاغي 
وتطوره من النشأة إلى القرن السّتادس هجريا . 

وبممارسة هذه المؤلفات تبينًا أمرين هامّين » أولهما غزارة المادة 
البلاغية الواردة فيها وتبلور قسم كبير منها » سواء على مستوى المبادىء 
والقضايا العامة أو على مستوى المصطلح والحد” ؛ مما دفعنا إلى التوسع في 
دراستها محاولين رصد ما يقوم بينها من روابط رغم الفوضى التي تكتنفها . 
ولذلك خصصنا قسما كاملا من عملنا لما سميناه ١,‏ الحدث الجاحظي »© . 


وثانيهما اقتناعنا » بناء على أهميّة هذه المادة وتطورها وبناء على طابع 
الرواية الغالب على هذه المؤلفات » بأن الدفكير في جماليّة اللّغة لم يبدأ مع 
الجاحظ ٠‏ لذلك خصصنا القسم الأول لمحيس «جوادر هذا التفكيز ورضيد 
مظاهره اعتمادا على مؤلفات الجاحظ نفسها وعلى بعض المصادر اللمتأخرة 
الأخرى » واعتمادا على ما وصلنا من مؤلفات القرن الثاني وبداية الثالث . 

على هذا الأساس احتوى عملنا ثلاثة أقسام يتوسطها الجاحظ : ما قبل 
الجاحظ » الجاحظ » ما بعد الجاحظ باعتبار أنه يمثل نهاية طور ومنطلق طور 
0 


6005 


وعندما واجهنا التاريخ لطلائع هذا التفكير وجدنا أنفسنا أمام اختيارين 
ميك فإنا أنقيدئ سنّة البحث عن ١‏ الأوائل » ونحاول ضبط النشأة 
بتاريخ عذاه وزيا إل شمن أن احعاض سين إن أن تنم بأن 
نشأة العلم » أي علم » عملية ثقافية وحضارية معقدة تتولد من تظافر عوامل 
متعددة ولا سكن أن" نرتد” إل شخص » كما لا يمكسن ضبطها بتاريخ 
ميد د : 

وقد بدا لنا الاختيار الثاني أسلم” وأقرب إلى الروح العلمية في البحث 
ومن ثم احتل” الحديث عن عوامل التشأة جانبا مهما من القسم الأول 
الذي خصصكًا المتبك منه السادة البلقفية الى عفر نا ليها ؛ 


ولا بد أن نشير ؛ قبل استحضار النتائج البارزة التي أفضى إليها البحث » 
إلى أمر قد ناسل بن الاقطيراب مل القازىء العادي: ».ذلك آنا 
تجاوزنا » في تحديد عوامل الدّشأة » الفقرة التتاريخية التي يندرج في حيّزها 
القسم الأول » واستعنًا بكثير من النصوص المستمدة من المؤلفات المتأرة » 
وقد سمحنا لأنفسنا بهذا التجاوز اقتناعا بأن' مساهمة تلك العوامل لم تقتصر 
على الدّشأة » إذ' ساعدت على تبلور البلاغة وتطورها وبلوغها مرحلة التضج 
والاكتمال . ونتيجة لذلك اكتسى هذا المبحث صبغة المدخل العام إلى التفكير 
البلاغي عند العرب على اختلاف أطواره » وهو ما يفسر إدراجنا الحديث عن 
المؤثرات الأجنبية في هذا التطاق رغم ضعف مفعولها ني هذه الفترة إذ" ليس 
ما أثير حول صلة ابن المقفع بالتتراث الأجنبي وحذق المعتزلة لأصول 
الجدل اليوناني حجّة” كافية لإثبات التأثير . 


336 


إن" العوامل التى ساهمت ٠»‏ بصورة مباشرة » في بلورة الوعي بحضور 
اللغة وبإمكانية تصريفها في أغراض فنيّة تتجاوز الإبلاغ العادي عوامل لصيقة 


604 


ببنية المجتمع العربي الإسلامي الثقافية والعقائدية والسياسية » ومن أهمسها 
العامل الأدبي والعامل القرآ ني » وحركة جمع الذّغة وتقعيدها . 

فلقد واكبت نشأة الشعر كممارسة فنية جملة من الإشارات والملاحظات 
١‏ النقدية ؛ يحاول أصحابها تفهم أسباب تأثيره ني النفوس ٠‏ وسرّ وقعه الخاص 
على متلقنيه » وبدأت هذه الملاحظات بسيطة لا تعدو الانطباع والتعبير عن 
الانفعال الذائي ني عبارة مقتضبة تنبني » في الغالب » على مقاييس من خارج 
النص . ولما تطورت دراسة الشعر وطرحت مسألة المفاضلة بين الشسعراء وبين 
التجارب الشعرية القديمة والمحئداثة تطوّرت تلك الأحكام وأصبح 
المعتة في تقريرها خخمصائص العبارة في النص ذاته فتولد الاهتمام 
بالأساليب والصور وبكل ما له صلة يفنون القول ومسالك التعبير 


كما كان الجدل الذي نشأ حول القرآن ولاسيما حول إعجازه رافدا 
من الروافد الكبرى التى أمدات التفكير البلاغى بمادة ثرية » ا في بلورة 

ه . فلقد دعا الدتفاع عن فكرة ا و« تنزيه ) الذات العلية عن 
التشبيه أغلب الفرق الإسلامية » وعلى رأسها المعترلة » إلى إثارة موضوع 
( المجاز » وإقراره طريقا من طرق الدلالة تستوجبه حاجات التبليغ » فغنمت 
البلاغة من هذا التٌقاش بابا من أهم” أبوابها . 


كما تطلب التدّبيان عن إعبجاز القرآن البحث عما يمير أساليبه عن أساليب 
الفنون الأدبية المعاصرة له بإحصاء تلك الأساليب ٠»‏ والغوص على دقائقها 
المعنوية » وتحديد الفرق بين فعاليتها في القرآن وفعاليتها في غيره . وفي أعطاف 
هذا البحث برزت فكرة ١‏ التظم ) التي تلخّص أبرز الجهود المنهجية التي 
بذلها اليلاغيون لتحديد القيمة الفنية . 


و ل ع في تحريك المشغل الفني بطريقتين : 


فهسم أول من اه" التجمع الأشعار وتدوينها تمهيدا لعملهم النحوي الرامى 
إل تعفد الله و لد امسن استعمالها . وقد أدى بهم ذلك » بطبيعة الحال 


6005 


إلى إثارة عدد من القضايا المّصلة بلغة تلك الأشعار وأساليبها » كما تولدت 
عن د بتعقب سقطاتٍ الشعر اء ع خاسنهم نواةة عمل 


ف 


ثم" إن هؤلاء اللغويين اعتمدوا » في تقعيد اللغة » على مدونة تتألف » 
في جانبها الأعظم ؛ من رفيع الموروث لدي كالشعر والقرآن وكلام 
ظ الفصحاء من الأعراب » فسمح لهم ذلك باكتشاف طرق التصرّف في اللغة 

والتوسّع في إجرائها على غير الوجنّه » فعرفوا الفرق بين القاعدة والاستعمال 
وبين الاستعمالات فيما بينها » فراحوا يصفونها ويحاولون ردها إلى ما سموه 
« وجه الكلام » » كما حاولوا أن يتفهموا الدأوافع التي تحمل المتكلمين على 
إجراء اللغة على غير الوجه . وقد تجمعت عن ذلك مادة هامة تتعلق 
بخصوصيات التركيب . 

ن الطبيعي أن 7 نهعم المؤلفات اللغوية بمسألة التتراكيب » ومن 
اللبي ‏ » أيضا » أن يسبق تقنين” اللغة » في الدّشأة » الاهتمام” بطاقاتها الفنية 
والجمالية . فعمل الدّحاة يقوم على بلورة العلاقة بين المسبنى والمعنى والتوسع 
في بيان ما يطرأ على تلك العلاقة من تغيرات وتفاعلات : فالاهتمام بالتركيب 
جوهر العمل النحوي . 

وتقنين اللغة هو الّبنة الأولى في البناء البلاغي إذ به تتحدد هندسة المباني 
ونتضح النواميس الخفية المتحكمة في الفعل اللغوي من جهة الخط والصواب . 
فالتّحو يمدتنا بالمعيار الضابط لاسلوك اللغوي الجماعى » وعلى أساس ذلك 
المعيار تنكشف مظاهر الخروج » عن السئن » الجر عن النبار أن المركاى: 
ولما كانت المادة اللغوية التي تهم” البلاغي مادة” عند ل بها عن الطريقة العادية 
في الأداء والبناء تطدّب درسها واستصفاء' خصائصها معرفة النمط الأصلي 
لقياس درجة العدول . فالنحو قوائين عامة والبلاغة ممارسة 'فردية تنبنى 
في جوهرها على « اغتصاب » تلك القوانين . ولا يتستى ضبط مواصفات 
الخاص' إلا من زاوية القانون العام . 


6006 


عن تفاعل هذه العوامل » في هذا الطور الأول » تجمعت مادة بلاغية 
متفاوتة الأهمية » جاء بعضها في صورة مبادىء عامة تر إمكانية التصراف في 
الّغة والتوسع ني استعمالها ما من المستكلم الللّبس وقام في السياق ما به 
يعرف وجه الكلام . وجاء بعضها متصلا بالتراكيب وما يحدث فيها من 
خروج عن النمط النظري لبناء الجملة لأمر يقتضيه المعنى وملاسات التعبير » 
ولصلة هذا المبحث بالعمل النحوي » كما أشرنا » تبلورت مسائله » في هذا 
الطور » بصورة لافتة للنظر » ولا نبالغ إن" قلنا إن الفترات الموالية لن تضيف 
إلى ما يسمى « بلاغة المعانى » أو « نحو المعانى ) إضافات أساسية” . أما المادة 
المتعلقة بطرق أداء المعنى مدا ال رادرقع أقل" من حظ 
التراكيب وإن وقعت الإشارة إلى مسائل تهم التتوليد اللّغوي كما وقعت 
الإشارة في باب التشبيه والاستعارة والكناية إلى أمور ستستفيد منها المراحل 
الموالية وتعمل على تطويرها . 


لوك أن” هذه الماداة م تجتمع قُ مؤلف صر بح الانتساب إلى المماحث 
البلاغية وهى بالتالمي شتات من الاراء لا ينضوي نحت تصور متكامل لفنون 
القول ومسالك التعبير 6 وهو ما سيعمل الجاحظ على تلافيه قُ الطور الثانى 


6 3 


لمساهمة الجاحظ ٠‏ في تاريخ البلاغة ٠»‏ مكانة خاصة ترتد” إلى جملة 


أولها غزارة المادة البلاغية واللغوية التي تضمنتها مؤلفاته » وهي غزارة 
ثثير الإعجاب والاستغراب » لا فقط لأنها سمحت له بتخصيص مؤلف 
لمراتب البيان والتبيين وإنما لعمقها وبلوغها ٠‏ أحيانا » درجة من التدجريد 
تغري القارىء بالقول إنها طَفرة مفكر فل إذ' لا بجد ني الأطوار السابقة 


60,7 


ما يفسر توثّبته الفكري . فليس في مؤلفات الدّغويين الآوائل » مثلا » ما يمكن 
اعتباره أصل المعلومات اللغوية العامة الواردة في ١‏ الحيوان» بوجه خاص ء 
والتي حاولنا ريطها بنظريته البلاغية . 

وثانيها أنه استطاع أن يخضع الجانب الأعظم من تلك المادة لتصور 
متكامل ساهمت في نحت معاله الظطروف الحافة بمساهمته » وني طليعتها الظرف 
. العقائدي . فلقد كان اللمعتزلة » رفاقه في المذهب » أهم” مصدر استقى منه 
مادئه البلاغية » وكان هؤلاء ينظرون إلى اللغة من زاوية نجاعتها في المجادلة » 
وقدرتها على اللأثير ني الملتقى » وإقناعه » لذلك سخّروا أساليبها لخدمة 
الغرض العقائدي واهتموا اهتماما خاصا بتحديد ( تقنيات ) الجنس الخطابي 
لأنه أكثر الأجناس الأدبية ملاءمة لأغراضهم . من هذا المنظور حدد الجاحظ 
مفهوم البلاغة وضبط المقاييس الأسلوبية لفصاحة النص وبلاغته » وهو ما يفسر 
تناوله التفنّن في العبارة انطلاقا من فكرة « التواصل ) مما ولد في صلب 
نظريته العناية” بالمتكلم والسامع والكلام بل حتدادت خصائص الخطاب 
بناء على قدرات السامع لأنه المقصود بالفعل اللغوي .. 

إلا أن" الترعة الشمولية التي تسم تفكير الجاحظ وسّعت من اهتماماته 
الفنية فشغل الحديث عن خصائص الشعر وأسلوب القرآن نحيزا هاما من 
مؤ فاته فتراه يتطرق إلى مجازاث القرآن ويقف منها موقفا ينسجم مع أصول 
الاعتزال » ولا سيما مقالتهم في ( التوحيد » » كما خخصص مؤلفا كاملا » 
لم يصلنا » اوجوه نظمه بغية الاحتجاج لإعجازه من وجهة نظر فنية بلاغية . 
كما نراه يتطرق إلى كثير من الأحكام النقدية الخاصّة بالشعر ويثير مسألة 
١‏ البديع » من وجهة نظر سيقتفيها جل البلاغيين والنقاد . 


وجمع الجاحظ بين هذه النماذج الأدبية المتنوءة ومحاولته راد" خخصائصنها 
إلى مقاييس موحدة أكسب مؤلفاته طرافة خاصة أهلتها لأن تكون منطلقا لأهم 
اتجاهات النقد والبلاغة بعده . : ْ 


608 


وثالثها أنه طرح في مؤلفاته أهم" الأسس التي سيقوم عليها التفكير 
البلاغى في الفترات اللااحقة سواء على مستوى العايير التى تتحدد حسبها 
قيمة الكلام الفنية أو على مستوى مسالك التأليف . 


من أهم' تلك لأسن دفاعه عن الإبانة واعتباره وظيفة « الفهم والإفهام ) 
أو ١‏ البيان والتبيين » الغاية التى تجري إلى تحقيقها كل مستويات اللغة » حتبى 
إنه لا يتصور خخطابا لغويا 5 تكون تلك الوظيفة قاعدته . ولئن وجدنا في 
مولفاته إشارات إلى وظائف أرى اصطلحنا على تسميتها ب « الوظيفة السخطابية ) 
و ١الوظيفة‏ الشعرية » ٠‏ فهي لا تعدو » في نظره + أن تكون وظائف مساعدة 
لا تقوم بغير الوظيفة « الأم ) وهي الفهم والإفهام . 


وقد تأتى هذا الموقف عن تنزيله الحديث عن مقاييس الخطاب في 
نطاق البيان وهو » عنده » مفهوم واسع يشتمل على ممختلف الطرق التي 
ينتهجها المتكلم لأداء المعنى » كما تأتتى عن فكرة الجدوى أو المنفعة 5 
كانت شائعة في تقديرات المتكلمين » من المعتزلة » لوظيفة اللغة . 


وقد بقفيت فكرة الإبانة والتوضيح مسيطرة على التفكير البلاغي طيلة 
الفترة التي تهمنا لذلك حدد النقاد والبلاغيون قيمة الأسلوب بقدرته على ايقاع 
الفهم وعدم قدرته على ذلك ٠‏ ولا أدل على تغلغل هذا الاساس في صلب 
النظرية البلاغية من ممارستهم دراسة الصورة الفنية من منطلق قدرتها على 
التوضيح فحددوا فعاليتها الفنية من جهة وضوح العلاقة بينها وبين المعنى . 
ولذلك كان مصطلحا ١‏ القرب » و ١‏ الإبعاد» من أكثر المصطلحات تواترا في 
المؤلفات النقدية في باب الصورة . 


وقد دفعهم الحرص على وضوح المعنى وإيقاع الفائدة إلى ربط ألصق 
الوجوه بالإيقاع الخارجي » كالسجع الدكن 6 والقافة "4د الشعن + 
ربطها بالمعنى » فلا قيمة للسجع إلا اذا كان المعنى يستدعيه » وشرط حسن 


609 


القافية 2 وي ) نهاية كم صو ني 2 أن" يتم به ها لعن أ ا أن تلطابق نهاية الكم 
الصوني تمام ا معق 1 

وتنا ةا دنومير ل اننم بعض مظاهر نظرية أرسطو 
في الشعر كالمحاكاة والتخييل » ففهموا المحاكاة فهما آليا قوامه مطابقة 
الوصف للموصوف مطابقة تأ"ني على كل" هيآ ته » ورفضوا أن يقوم التخييل 


بغير تعليل ودليل عقلٍ يهدي إلى المعنى المختفي وراء الصنعة . 


وعن الاهتمام بالإبانة رشحت في التّظرية الأدبية مقولة ما يُسمى اليوم 

فى الأبحاث الإنشائية « شفافية الخطاب » حتى لا تنطمس فيه قدرة الإرجاع 
والإشارة . وهو ما يفسّر حرص البلاغيين على م الإكثار من المجازات 
خحوف الإغلاق وحتى تبقى ف النص » شرا تتحقق » من خلالها » 
الوظيفة الإفهامية . وهذا منطوق المقياس المشهور الداعي إلى استعمال المجازات 
بالقدر الذي يعين على انكشاف المعنى والقائل بأن م المجا ردي كان 


والنتيجة الحتمية التي يفضي إليها هذا التصوّر هي الفصل بين المعنى 
والمبتى: وإنزال: المبانى 00 الوسائل الخادمة للمعانى ا على إجلائها 
يي يو مور من اللفظ . ْ 

كما تولد عن ( الإبانة » الحرص على الاعتدال والتوسط في صياغة 
النص يديك تيكرن شكروةانمن سعرى لقوي نين الستصر والكال. 
وقد اعتمدت أغلب المؤلفات المتأخرة هذا المقياس الجاحظي في معدره انماع 
وقد تجاوزت به أحيانا المجال اللغوي اق مكنمي خانا عامًا حتى 
رأينا ابن رشيق القبرواني يقول » حسما للخلاف القائم في بناء الاستعارة » : 
ال أنه لا يجب للشاعر أن يدك الاستعارة جدا حتى ينافر ولا أن بقربها 
كثيرا حتى يحقّق » ولكن خير الأمور أوساطها» . 


010 


ولعل” من أبرز المقاييس البلاغية التي يتضح » من خلالها » مدى تأثير 
الجاحظ ني التفكير البلاغى مقياس ( السياق » . فقد كان الغالب على معناه في 
مؤلفاته » فكرة 016 والموضع والمقام » وهي جملة الظروف الماد بّة 
والاجتماعيّة التي يتنزل »: في نطاقها » إنجاز النص' . ورغم أنه أشار » في 
بعض السياقات إلى ضرورة الملاءمة بين الوحدات اللغوية بي النص » فقد 
آطرد » عنده فهم السياق بمعنى يتجاوز محض الجوار اللغوي إلى الظروف 
العامة التي تقع فيها مراعاة نوع الكلام ونوع اللفظ ونوع السامع إلى غير 
ذلك من العناصر التي لها » لا محالة » قيمة كبرى في فهم النص وتقدير 
مفعوله » إل" أنّها لا تهتم” بالسياق الذّغوي ذاته . وعلى هذا النمط فهم 
المتأخّرون ١‏ السياق » وربطوه بالعناصر الملابسة للفعل اللغوي لا بمواصفات 
اللغة ذاتها » رغم أتهم لم يتناولوا الظاهرة البلاغية من زاوية ١‏ خطابية ) 
كالجاحظ . 

مارغل ستوق- التأليق فيمكق القؤل: رأن" أغلب: الآثان الى ساهمت 
بصورة مباشرة في تطوير المباحث البلاغية ترتد” أصولها إلى مؤلفات الجاحظ : 

فلقد مهدت ملاحظاته المتعلقة بالبديع في الشعر لبروز اتجاه في التأليث 
يرتكز على هذا الجانب ويتجه وجهة الإحصاء والتبويب لوجوهه مع محاولة 
تحديدها وتوضيحها بشواهد من الشعر والقرآن . وقد كان عبد الله بن 
المعتز فاتحة هذا الاتجاه بكتابه ( البديع » . وهو اتجاه بلغ ذروته في نهاية 
القرن السادس والنصف الأول من القرن السابع بظهور مؤلفي أسامة بن 
منقذ ( البديع في نقد الشعر » وزكي الدين بن أبي الأصبع (ت. 654) المُسمى 
( بديع القرآن») . 

ولقد كان لهذا الضرب من المؤلفات » في التفكير البلاغي » تأثير إيجابي 
وآخر سلبي. فهي ؛ من جهة : ساهمت ف بلورة المباحث البلاغية إذ اتخذت 
منها موضوع تأليف مُسْتقل” » يركز فيه الحديث على المستوى الفني من 


611 


اللغة » دون سواه » ويقع فيه الاعتناء بالوجوه والصور البلاغية» بوجه خاص» 
باعتبارها أبرز المظاهر الفنية . إلا أنها ستكون » من جهة ثانية » عاملا من 
عرامل تحجر البلاغة وسقوطها » لأنها اقتصرت في فهم بلاغة النص على 
ساليب عزلتها عن سياقها رك لها قيمة في ذاتها فراحت تصنفها 

وتدرجها في قوائم لتمد" الكتاب والشعراء بالمادة الضرورية لعملهم الفني 

كما كانت ملاحظاته الدائرة على النص القرآ ني » وقد وصلنا بعضها وم 
يصلنا بعضها الآخر مما قد يكون ضمنه كتابه الضائع « نظم لقرااة) » وهو 
كتاب بيدو » بناء على إشارة الباقلاني » أنه كان معروفا بنصه في نهاية القرن 
الرابع وبداية القرن الخامس . كانت كل" هذه الملاحظات فائحة نوع من 
لتأليف متاد'ة” بحثه النص” القرآ ني وغايته بيان إعجازه وامتياز أساليبه على 
أساليب العرب الفصحاء الأبيناء 

ولتمين” أهم ما ساهمت به هذه المؤلفات تطوير مصطلح « 
الوارد عند الجاحظ ٠»‏ بالتعمق في درسه والتوسع في تحليل جوانبه حتى 
استقام ني القرن الخامس منهجا منفردا في الدراسة البلاغية ومظهرا من 
مظاهر الطرافة في التفكير العربي . 

أما مقاييسه في جودة الكلام - جملة ء وتعليقه على النماذج الأدبية 
والشعرية التي حدّلها فتولد عنهما توعان من التأليف . 

نوع اتجه اتجاها غايته البحث عن أسس لتحديد القيمة الأدبية من زاوية 
أوسع من مسألة البديع . وقد وجدت هذه المؤلفات » في آثار الجاحظ » 
مادة نقدية ومفاهيم أدبية وجمالية أعانتثها على تحقيق تلك الغاية . 

ونوع بلاغي يهتم بالمقاييس العامة لجودة الكلام بصرف النظر عن 
الشكل الأدبى الحامل له . وهذا القبيل من المؤلفات هو الذي جرت العادة 
غل تسميته بالولقات الاق لالد أرنيم "من الأتواع "الحابفة [ذ” يجمم ايديم 
والنقد وإعجاز القرآن . 


612 


بقى أن نتساءل » في نهاية هذه الخاتمة » عن أوجه « المعاصرة» في 
البلاغة العربية وعن المفاهي يم التي » » تعتقلك © أذّها بقيت صالحة لتناول ظاهرة 
الأدب : 

لا شك" أن البلاغة 5 ارتباطها بعامل القرآن والشعر وبالنظر إل 
خط تطوّرها كانت تتحرك ف إطار ملع بالتناقضات . 


ولعل” أبرز تلك التناقضات نزعتها ١‏ المعيارية » المتجسمة في محاولة 
تقنين البعد الفني وتقعيد الجمالية الأدبية انطلاقا من نماذج محدودة . وقد 
بوشرت عملية التقنين من زاوية ضيقة أهمّلت عناصر ذات بال في تحديد 
صباغة الأذف: تذكر مها الكاقت + والحين 'الآدى... لذلك رأينا البلاغيين 
يرومون ضبط القوانين العامة في تصريف اللغة على 0 الإنشاء بالإعراض عن 
مقولة الجنس . والخصوصيات البنيوية التي علقوا بعضها بالشعر » وبعضها 
الآخر بالنثر خطبًا ورسائل” » لا تدل على أن” مقولة الجنس الأدبي كانت 
ماثلة أمامهم في كل" أبعادها . 

والثّاظر ني التراث البلاغي يلاحظ أن” أصحابه كانوا منشغلين بضبط 
بلاغة اللغة العربية ووجوه بيانها لا بوصف التجارب الأدبية الشخصية والأساليب 
الملائمة لها . ولذلك توهّموا إمكانية تجريد تلك القواعد وصياغتها في بنية 
متعتاليتة عن النموذج بحيث تصبح مكنا مشاعا لكل مستعملي اللغة 8 
فكما مل لقماة شود تقعيد اللغة العربية من زاوية الخطل والصواب تسنى للبلاغيين 
تقعيدها من زاوية القبح والجودة بتحديد الضوابط العامة المتحكمة في إجراءها 
إجراء فنيا . فلقد كانت البلاغة بلاغة اللغة العربية لا بلاغة الكتاب »2 وهي » 
بصورة أدق » بلاغة القرآن والشعر . ومن ثم وقع لها ما وقع للنحو : 
فقد أصبحت قوانينها في خدمة هذين النصين » وأصبحت رؤيتها الجمالية 
محصورة ف نطاقهما . وقد قام هذان العنصران ٠»‏ في تاريخ البلاغة » بدور 
مزدوج : دور الدافع ودور الكابح في نفس الوقت . 


0613 


فقد بعثا البلاغيين إلى استقصاء أساليبهما وضبطها ومحاولة تفسير أوجه 
الحسن فيها مما ساعد على توسيع حجم المادة وآ فاق التحليل والتعليل . إلا" 
أتهم لم يجرأوا على بناء تصورات لا تلائم «الإيديولوجية الفنية» التي يتضمّنانها . 
فالقرآن في نهاية الجودة والحسن والبيان ولذلك فإن أقنْصى ما تطمح إليه 
البلاغة هو أن تطابق تصوراتها تصوراته وأن تكون مقاييسها منسجمة مع 
طريقته ف التعبير 

وهذا يؤدي بطبيعة الحال إلى رفض كل المقاييس التى تتعارض معه . 
ولنا ني التراث البلاغي شواهد صريحة تدل على أن الرؤية ا لدى اللاغيين 
والنقاد بقيت في نطاق هذا المثل الأعلى » خاضعة” له . ونكتفى بسوق مثالين » 
ارين ان ليها بعض مراجع بحثنا واستخلصنا الثاني من مؤلفات الجر جاني . 

فقد قرر ابن الأثير في مَبْحّث « العام" والخاص » أنه « إذا جاءعت 
صفتان يازم من وجود إحداهما وجود الأخرى أن يكتتفي بذكرها دون 
الآخرى لآن” الأخرى تجبيء ضمنا وتبعا » وأن' يْدأ بها ني الذاكر ء ثم" 
تجيء الأخرى بعدها) (1) . 

وقد استطاع أن يطبق هذا المبدأ على الشعر العربي بدون أدنى صعوبة 
إلا أنه اضطرب وتراجع ني أصل المبدا لما واجه بعض الآيات القرآ نية, 
التي يخرج نمطها في البناء عما أقرّ . مثال ذلك الآبة : وما لهذا الكتّاب 
لاا بعاد صغيرة” ولا كتبيرة إلا" أحصاها » (2) فإن وجود المؤاخذة على 
الصغيرة يلزم منه وجود المؤ اخحذة عل الكييرة + .وح تستجيب الآية الخبذط 
كان يجب أن تكون دلا يغادر كبيرة ولا صغيرة ) لأدّه إن لم يغادر كبيرة 
فإنه يجوز أن يغادر صغيرة وكذلك ني قوله تعالى «فلا تقل لهنم أ ولا 
(1) المثل السائر » 214/2 © وانظر تفاصيل هذا الموضوع في كتاب رجاه عيد فلسفة البلاغة 

بين التقنية والتطور » ص 65 وما بعدها . ١‏ 
(2) الكيف/39 . 
64 


تَتْهرهما » (1) فكان يجب أن يقال : فلا تنهرهما ولا تقل لهما أف لأن" 
التأفيف أدنى درجة . 

وتذليلا لهذه المفارقة القائمة بين مبدئه الجمالي ونهج القرآ ن الخاص 
في إجراء الصفات ني هذه الآيات » اختار ابن الأثير سحب ملاحظته البلاغية 
لأن” «القرآن الكريم أحق أن' ستشبع وان أن كنا عليه لذ ف غيززة 
والّذي ورد فيه ناقض لما تقدم ذكره) (2) ويضيف كالمعتذر : « وكان 
هذا هو المذهب عندي » حتى وجدت كتاب الله تعالى قد ورد بخلافه » 
وحيائذ 1ك فيا كدتم أراة وأقولك بهع . 

أمّا المثال التانى فيتكشف عن دور البعد العقائدي في القعود بالبلاغيين 
عن تفهم بعض خصائص العمل الفني وهضمٍ المفاهيم الد حيلة عليهم من 
ثقافات أحية . كصيالة « التخييل ) مثلا التي روّجها في الأوساط العربية شراح 


ع 


فالجرجاني » حاول في المنطلق فهمها على وجهها فقرنها بالإغراق 
والمبالغة والتجوز » وقابل بينها وبين المنطق وجنس الكلام الذي يقوم عليه 
من العقل برهان يقطع به » واعتبرها عمدة العمل الشعري لأن" الشاعر يجد 
في التخييل «سبيلا إلى أن" ينبْدع ويزيد » ويبدىء ني اخقراع الصور 
ويعيد) (3) . كما فهم وظيفتها المعنوية » وهي » عنده » ( الذهاب بالنفس 
إلى ما ترتاح إليه من التعليل ) (4) . 

إلا أنه سرعان ما يقطع هذا التحليل والاستكشاف لأبعاد المصطلح » 
ويرفض ٠‏ بطريقة تثير الاستغراب » أن تدخل الاستعارة في قبيل التخبيل إذ 


(1) الإسراء/ة23 . 

(2) ابن الأثير » المصدر السابق » نفس الصفحة . 
(3) أسرار البلاغة » ط. خفاجي » 134/2 . 

6 المصدر السابق » 132/2 . 


0615 


ل للاستعارة في هذا الفن هي كثيرة في 

التتزيل عر لى ما لا دخفى ) (1) . 

فهذا الموقف البنى على تنزيه الكتاب عن الإغراق والتجوز يدل” على 
أن” فهمه للتخييل والكذب بقى ملتيسا بالعنصر الأخلاقي » فمنعه من إدراك 
عد امون قر عي لصيقة بالعمل الشعري ودفعه إل قطع صلة 
الاستعارة به لمجرد أن القرآ ن يتوسل في التعبير بها . 

وكذلة: كان العان مع الشعر » فقد ربطوا منذ بداية التأليف البلاغي » 
شال البديع بالصر اع بين القديم والحديث » ورغم الاستعداد الطيب الذي 
عبر عنه بعض النقاد من أمثال ابن قتيبة والقاضي الجرجاني لإنصاف المحدئين 
وتخليص الحكم النقدي من ملابسات الانتماء » رغم كل ذلك غلبت على 
أصول النظرية الأدبية رؤية القدماء الفنية » وراح التقاد والبلاغيون بتناولون 
وجوه البديع من زاوية النموذج الشعري الذي أصلوه . 

وقد ترتبت عن هذا التوجه عدة نتائج في مقدمتها الاعتقاد بأن الوجه 
البلاغي مستقل عن السياق الذي يرد فيه . وهو فهم تنسد معه 1 فاق تطوّر 
الصورة وا كتسابها خصوصيات تركيبية ومعنوية بتغير المحال" التي تتنزل فيها » 
ومن ثم كانوا يعاملون الأساليب بنفس المنطق رغم اختلاف كاري وم 
يدركوا أن” النص” هو نظرية وإنجاز ف في نفس الوقت وأنه بالتاليي قادر على توليد 
نمط من الصور لا يشبه » بالضرورة ؛ الأنماط الموجودة في غيره من النصوص . 

من هذا المنظور تبدو حركة البلاغة حركة ١‏ تراجعية ) بمعنى أنّها ترد" 
مختلف التجارب إلى نمط ثابت » معرضة عن تبدل الظّروف والأحوال 
وتباين النصوص وهو ما بفسر تؤائر نفس المقابيس + بنصها ومعناها 5 
مؤلفات تفصل بينها قرون . 

6د علد 








(1) أسرار البلاغة » 135/2 . 


0616 


ورغم هذه المظاهر السلبية التى يرتد بعضها إلى نوعية المحيط الثقائي 
دالعقائدي الذي شبت فيه الدراسات البلاغية » ويرند بعضها الآخر إلى طبيعة 
البلاغة ذاتها إذ الكثير من هذه المظاهر مشترك بين المحاولات ١‏ الكلاسيكية ) 
بأيّ لع كتبت » بالرغم من ذلك تناول البلاغيون والنقاد العرب مسائل لا 
تزال الدراسات الأدبية تطرحها » اليوم » ني نطاق ما يسمى بالأسلوبية » ولم 
تتجاوز تحليلات علماء الأسلوب لها ما وقفنا عليه عند القدامى . 

ولعل من أبرز هذه المسائل انتباههم إلى أن ١‏ الإنشائية » أو « الأدبية ) 
وثيقة الارتباط بالبنية اللّغوية والطريقة المتبعة في أداء المعنى » وهذا يعنى أن 
الأدب يستمد خصائصه المميزة من صورة اللغة فيه ورسمه في هندسة العبارة 7 

وقد دفعهم هذا الاقتناع إلى التعمق في دراسة مستويات اللغة بشكل لافت 
للنظر » وانتهى بهم البحث إلى الإقرار بوجود مستويين كبيرين : مستوى 
يجري فيه المستعمل على العادة والعرف ويحترم فيه أصول المواضعة 
والاصطلاح » وقد نحتوا له مصطلحا على غاية من الدقّة هو مصطلح 
الاحتذاء ) » ومستوى يتصراف فيه المستعمل في المواضعات ويجري اللغة 
على ما يستجيب لماصده في العبارة » وجمعوا كل" ذلك تحت مصطلح ١‏ الإنشاء ) 
بالمعنى الواسع الذي يدل" عليه الأصل اليوناني لكلمة « 2066106 ) الفرنسية . 


وبالمقارنة بين هذين المستويبن اكتشفوا » ذلك الوقت » مفهوما يعتبر 
من دعائم الأسلوبية » اليوم » هو مفهوم «186826) وقد أشاروا إليه بوضوح 
2 مصطلحات من قبيل « الخروج ) أو «العدول » أو « التغيير ) » ومن ثم 
فهموا أن من مميكزات اللغة » في الأدب » خروجها عن مألوف العبارة 
و« احتيال ) الأدباء في بنائها طبق أنماط علاقبئّة مبتدعة » بحيث لا نصل إلى 
المعنى إلا بواسطة . وقد بلغ هذا الاعتبار ذروته عندما ربطوا نشوء « الشعريّة ) 
بالتصرف في اللغة على غير الأصل. وبخلق سدّة جديدة تنضاف إلى السنة الأولى 
إذ البتلاغة لا تكون إلا بتر كب السئن . 


611 


وقد أحاطوا مفهوم « الخروج » بكثير من الاحترازات حتى لا يظن 
أن" القيمة الفنيئة رهينة مخالفة قواعد اللغة والتصرف في بنائها كيف جاء 
واتتفق ٠‏ لذلك رأيناهم حريصين على أن تتولّد عنه وظيفة نتبيّن من خلالها » 
فضل الأديب على غيره من مستعملي اللغة . 

وفي هذا الاتجاه أثاروا مسألة من أعوص المسائل التي تواجهها الأسلوبية 
. التطبيقية اليوم » وتتمثل في معرفة نصيب ١‏ الموروث ») ونصيب «المبتدع ) في 
العمل الفشّى . فالأساليب والمجازات أصناف » منها «المبتذل») ومنها 
«المخترع » » والأثر الفتّي لا يتأتى إلا من المخترع ٠‏ لأن المبتدل كأنه » 
لظهوره » من مواضعات اللغة إذ يهتدي إليه المتكلم من جهة كونه عاقلا لا 
من جهة كونه يشعر بما لا يشعر به غيره » ويفطن إلى ما لا يفطن إليه . 

ومن المخترع ما يصبح ٠‏ لتواتره » شائعا بين أهل الأدب يعر فونه بالعلم 
والثقافة ومنه ما يقع لبعضهم دون البعض الآخر . 

ثم إن بعض ما يشيع تضعف فعاليته الفنيئة بكثرة الاستعمال وبعضه الآخر 

هذه بعض الضوابط التي تتحداد بها قيمة « الخروج » » وهي ضوابط 
تجعل عملية الوصف البلاغي عملية معقدة لأن النص" يقع في نقطة تقاطع كل" 
هذه الاعتبارات . 

ولئن لم يتفطّن أغلب البلاغيين والنقاد إلى الصعوبات المنهجية التي قد 
تترتّب عن تقسيم اللغة هذه القسمة الثنائية والقول بأن هناك مستوى من الكلام 
مجردا من كل" مقصد فنّي » ومستوى فيه مقاصد فدّية » فإن” بعضهم تفطن 
إلى أن" ما يُسمى « متعارف الأوساط » » وهو ني مصطلحهم يقابل ما يسمى » 
اليوم « الدرجة الصّفر » هو محّض اصطلاح منهجي يعتمد لمحاصرة خصائص 
البعد الإنشائي في اللغة . وهو التأويل الذي يتبشاه الأسلوبيتون القائلون بأن” 
الأسلوب هو « خروج ) عن أصل الاستعمال . 


618 


وليست فكرة ١‏ الخروج » الرابط الوحيد بين التفكير البلاغي عند العرب 
وبين الاهتمامات الأسلوبية » المعاصرة . فقد أشار البلاغيون والنقنّاد » وهم 
يحاولون تفهسم سر الفعل الشعري » إلى طرق في التفسير شبيهة بالطرق التي 
تتتهج اليوم لتحديد ظاهرة الأسارت 5 

ومن ذلك ربطهم الآثر الفني و« الحالة الغريبة » الني تعتري المتلقي 
بعنصر ( المفاجأة ) وهى أن" يرد في الكلام ما لم يكن المتلقي يتوقع وروده 
أعدم تضمن السياق ما يهيء له » فتحدث المفاجأة بسبب الخروج عن منطق 
« الاحتمالات ») ؛ وعن المفاجأة تحدث اللذة . 


وقد توسع العلماء في تحليل العلاقة بينهما » ورأوا أن بروز الشيء من 
غير معدنه ومن الجهة التي لا يتوقع بروزه منها » إذ' ينقل النفس مما ألفت 
إلى ما لم تألف » يحرّك ني السّامع قواه المُدركة والمتخيّلة » ويدفعه إلى 
الفهم والاستكشاف . وعلى قدر الجهد الذي يبذله لإدراك ما لم يكن » في 
الذفاع :مدا ر كا" تكزة" النذاة + لزيا" إحاس ديد الارقاط بالممتتارضة 
والمجاهدة والتحصيل . ولهذا السبب اشترط كثير من البلاغيين والنقاد » في 
حسن التشبيه أن يكون الوجه نادرا لطيفا ينقل النفس من شىء تعلمه بالبديهة 
وفرط التعود إلى شىء لا تعلمه إلا" بالفكدر اللطفة ونا نه وا عل هذا + 
أيضا » حددوا قيمة بعض الأساليب كالجناس » مثلا » فإنك ترى المتكلتم » 
على ما يقول عبد القاهر » « قد أعاد عليك اللفظة كأنه يخدعك عن الفائدة 
وقد أعطاها » ويوهمك كأنه لم يزدك وقد أحسن الزيادة ووفاها» (1) . 

ولا تختلف هذه الوجهة ني التفسير » في خطوطها الكبرى على الأقل” » 
عن النظريّة القائلة بأن الأسلوب هو المفاجأة أو « الانتظار الخائب » (2) . 


(1) أسرار البلاغة » ط. خفاجي » 100/1 . نحن نسطر . 
(2) عتوة0 عامعااف ْ 


انظر : .172 .2 ,1206 اكلناع 1:1[ 16 «لامم كه 1© : لتتمتد310 .0 


6019 


ومن ذلك ٠‏ أيضا » تفسيرهم تأثير الأدب بقدرته على تحريك طاقات 
اللغة الكامئة » واعتماده في أداء المعنى على الإبحاء والإشارة وترك التصريح » 
وني كتب البلاغة والنقد سياقات كثيرة تؤكد على بلاغة الإيجاز والحذف » 
وقد تضمّنت بعض هذه السياقات آراء لا تخلو من الطّرافة » كقولهم بأن 
الإيحاء يوسّع مجال التأويل أمام المتلقي ويجعل الوهم يذهب في فهم النص" 
كل” مذهب حتى لكأن عملية القراءة تنقلب إلى ضرب من الاستبطان 
الذكاتي » وإذذاك تصبح لغة النص مجرد قادح تتداعى له المعاني في النفس 
وتصبح دلالتها «غائبة » لا تقل" شأنا عن دلالتها حاضرة . 

د 6 

إن" في التفكير البلاغي كثيرا من الجوانب الطريفة التي » تعتقد أنها لم 
تفقد نجاعتها في مواجهة التحليل الأدبي » كما أن فيه من مظاهر المعاصرة 
الثىء الكثير » لكن علينا أن نكتشف السّبيل إلى تلك المظاهر وأن نعرف كيف 
نقرأ التراث البلاغي قراءة لا تقتصر على استخراج وجوه البديع وأنواع 
المجازات واجتثاتها عن إطارها الفكري اجتثاثا يَجْعَلُها وسائل عقيمة لا 
تولّد في أذهان التلاميذ والطلبة إلا الملل والكلال . 


620 


المصادر والمراجع التى وقعت الاحالة عليها فى البحث 


1 م المصادر 


ح الوازلية: 


تحقيق : محمد محي الدين عبد الحميد » ط. 1 » القاهرة » 1363/1944 . 


عند ابن الأثين 
ب لان السافر : 
تحقيق : أحمد الخوفي وبدوي طبانة » مطبعة نهضة مصر » القاهرة » 
ود .ت .) + أجزاء . 
على بن ظافر الأزدي 
55 بدائع البدائه : 
تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم » مكتبة الأنجلو » القاهرة » 1970 . 
مقالات الإسلاميئين : 
مطبعة السعادة » مصر » 1323 . 


651 


تحقيق : سخنى مد شرف + المجلس الأعل للشؤون الإسلامة + القاهزة 2 
3 . 


أبو الفرج الإصبهاني 
ذه لأغاني: 
دار مكتبة الحياة » بيروت » (د.ات .) . 


نزهة الألبباء في طبقات الأدباء : 
ط. مصر » 1294ه . 


الباقلاني 
التي 

تحقيق : ماكرتي » بيروت » 1957 . 
نكت الانتصار لنقل القرآن : 

تحقيق : محمد زغلول سلام » الاسكندرية » 1971 . 
إعجاز القرآن : 


ادس 


اتحقق :1 الحند قيتر ال 837 صن 14 1793 
البغدادي 
الفرق بين الفرق : 
تحقيق : محمد زاهد الكوثري » نشر عزّت العطار » القاهرة » 1948 . 
التنوخي 
الأقصى القريب : 
مطبعة السعادة » القاهرة » 1327ه . 


6022 


أبو حيكان التتوحيدي 
| المقاسات : 
نشر : حسن السندوبي » القاهرة » 1929 . 
0 الإمتاع والمؤانسة : 
تففيق. : كيه الرين وأحمد اميق :بدان سكينة اللداة + يروت ؟ 


. 20 تا.اد(١‎ 


تفسير سورة الإخلاص : 
المطبعة الحسينية » 1323ه . 
الإيمان : 
ط. الخانجي » القاهرة » 1325 . 
علب 
مجالس : 
تحقيق : عبد السلام محمد هارون » دار المعارف » القاهرة » (د . ت .) . 
قواعد الشعر : 
تحقيق : رمضان عبد التواب » دار المعرفة » القاهرة » 1966 . 
الجاحظ 
البيان والتبيين : 
تحقيق : عبد السلام محمد هارون » ط. 3 » نشر مؤسسات الخانجي » 
القاهرة » (د . ت .) 4 أجزاء . 
الحيوان : 
تحقيق : عبد السلام محمد هارون » ط. 3 + 1969 . 


60023 


مت بوسالة التدر بيع والتدوير : 
تحقيق : شارل بلا" » دمشق » 1955 . 
الخلاء : 
تحقيق : طه الحاجري » القاهرة » 1971 . 
الا 
1) مجموعة محمد ساسى : القاهرة » 1933 
2 مجموعة حسن السندو بى » مصر » 1933 
3 مجموعة الحاجري 5 » القاهرة » 1943 
4) مجموعة عبد السلام محمد هارون » القاهرة » 1965/1964 . 


عبد القاهر الجرجاني 
دلائل الإعجاز : 
1) دار المنار » ط. 5 » القاهرة » 1372ه 


2 تحقيق : عبد المنعم خفاجى » مكتبة القاهرة » ط. 1 » 2.1969 


3 
حا أميزار البلاقة + 
1) تحقيق : ه. ريتر » استانبول » 1954 
2 تحقيق : عبد المنعم خفاجي » ط. 1 » القاهرة » 1972 . 
الرسالة الشافية : 
ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن » طبعة دار المعارف » القاهرة » 
0.7 
قدامة بن جعفر 
د قد الغعبر 
تحقيق : س . 0 بونيباكر » ليدن -- بريل » 1956 
جواهر الألفاظ 
مكتبة الخانجي » القاهرة » 1350/1932 


624 


ابن سلام الجمحي 

طبقات فحول الشعراء 
ياقوت الحموي 

خا معجم الأدباء 0 
ط. القاهرة » 1936 1939 .. 
الخطابى 

بيان إعجاز القرآن : 
ضمن ثللاث رسائل 2 إعجاز القرآن : 
ابن سنان الخفاجى 

سر الفصاحة : 
تحقيق : على فوده » ط. 1 » مصر » 1932 . 
أبن جني 

الخصائص : 


دار الهدى » بيروت » (د . ت) ؛ 3 أجزاء . 


الجهشياري 
الوزراء والكتاب : 
مطبعة الحليى » ط. القاهرة » 1938 . 


الحاتمسى 
الرسالة الموضحة : 


تحفيق : مد يوسف نجم » بيروت » 1965 . 


تحقيق : محمود محمد شاكر » القاهرة » 1952 . 


625 


عبد الرحمن بن خلدون 
المقدامة : 
ط. دار الكتاب اللبنالى . 
ابن خلكان 
وفيات الأعيان : 
القاهرة » 1948 . 
8 الداؤّدي 
طبقات المفسرين : 
تحقيق : إبراهيم محمد عمر » القاهرة » 1972 . 
الحافظ الذهيبى 
ميزان الاعتدال : 
ط. القاهرة » (د .ا ت) . 
ابن رشيق : 
العمسلة : 
تحقيق : محمد مي الدين عبد الحميد » ط. 4 » 1972 . 
الرماني 
التكت في إعجاز القرآن : 
ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن . 


مطبعة الحلبى » القاهرة » 1948 . 


626 


ابن الزملكانى 
البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن : 
تحقيق : خديجة الحديثى وأحمد مطلوب » ط. 1 » بغداد » 1974 . 


تاج الدين السبكي 

مطبعة الحلبى » القاهرة » 1937 , 

السكا كو 

مطبعة الحلبى » ط. 1 » مصر » 1355/1937 . 


+ 


مويه 
الكتاب : 
تحقيق : عبد السلام محمد هارون » دار القلم » القاهرة » 1966 . 


الستيراني 
أخبار النحويين البصريين : 
القاهرة » 1955 . 
ابن سينا 
الشفاء /المنطق (الخطابة) / : 
تحقيق : محمد سليم سالم » المطبعة الأميرية » القاهرة » 1954 . 
ّّ فن الشعر : 
وهو الفن التاسع من الجملة الأولى من كتاب الشفاء » ضمن كتاب 


62 


السيوطي 
الإتقان في علوم القرآن : 
طّ مصر » 1370 . 
حيدر أياد » 1310 . 
59 خسن المحاضرة : 
القاهرة » 1929 . 
ابن طباطببا 
تحفيق ٠:‏ طه الاجر ي ومحمد زغلول سلام » مصر » 1955 . 
الطبري 
مطبعة الحلبى » ط. 2 » القاهرة » 1954/1373 . 


أبو عبيدة 
مجاز القرآن : 
تحقيق : محمد فؤاد سركين » مكتبة العخانجى » القاهرة » 1962-1954 . 
النقائض بين جرير والفرزدق : 
ط. بريل » ليدن » 1905 ٠‏ 3 أجزاء . 
ب العسكري 
الصناعتين : . 
تحقيق : علي محمد البجاوي وأبو الفضل إبراهيم » ط. 2 » القاهرة ؛ 


الفارابى 
١‏ كتاب الخطابة : 
تحقيق : ج . لانقهاد ( 282806هدة ) وم. قر يناشي ( خطءسقصع 6:1 ) دار 
المشرق » بيروت » 1971 . 
كتاب الحروف : 


تحقيق : محسن مهدي » دار المشرق » بيروت » 1970 . 


اه أبن فارس 
الصاحبى في فقه اللغة وسئن العرب في كلامها : 
تحقيق : مصطفى الشويمي » مؤسسة بدران للطباعة والنشر » بيروت » 
4 . 


«الفمراء 
بت معاي القرا ن :: 
نشر » دار الكتب » القاهرة » 1955 1973 »© 3 أججزاء . 


القاضي الجرجاني 
الوساطة بين المتنبي وخصومه : 
تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم وعلي محمد البجاوي » ط. 2 » مصر ؛ 
1[ 


إعجاز القرآن : 
نشر دار الكتب » ط. 1 » القاهرة » 1960 . 
اي 
تأويل مشكل القرآن : 


تلتق 4 الحبننة طق “قاو االتراانك ع ل ند القاهوة :1973 


6029 


بٍِِ تأويل مختلف الحديث : 
مطبعة كر دستان » القاهرة » 1326 . 

55 أدب الكتاب : 
تحقيق : محمد محي الدين عبد الحميد » المكتبة التجارية ط. 3 » القاهرة » 
8 . ْ 

الشعر والشعراء : 


ط. أيدن » 1902 . 


بنت: منهاج البلغاء وسراج الأأدياء : 
تحقيق : محمد الحبيب باعخوجة » تولس » 1966 , 


2 ابن قيم الجوزية 
د المواعق المزسلة فق ار عل الحيضيتة والمتعظاة : 
مطبعة الإمام » ط. 2 » القاهيرة » 1380 . 


كشاجم 
أدب النديم : 
المطبعة الأميرية » بولاق » 1298ه . 
عت المشواة 
- الكامل : 
1) تحقيق : رايت ». لايبزج 1864 
2© دار مكتبة المعاوف » بيروت » (د . ت) . 
ابن المدبر 
2 رسال قرا 
تحقيق : زكي مبارك » ط. 2 » القاهرة » 1391 . 


6030 


من فريك ال نض 
ع امال المر لضي 
تحقيق : محمد أبو الفصل إبراهيم » مطبعة » القاهرة » 1954 . 
المرزباني 
6 
تحقيق : علي محمد البجاوي » دار نهضة مصر » القاهرة » 1965 . 


- 


ابن المعتز 
البديع : 
تحقيق : كراتشكوفسكي » لندن » 1935 . 
طبقات الشعراء : 
تحقيق : عبد الستار أحمد فراج » القاهرة » 1956 . 
الرسائل : 
جمع عبد المنعم خفاجي » ط. 1 » مصر » 1946 . 
- ابن المقفع 
الأدب الصغير : 
تحقيق : أحمد زكي » مصر » 1911 . 
ابن التديم 
الفهرست : 
ط. أروبا » مكتبة خياط » بيروت » (د . ت) . 
أبن وهب الكاتب 
البرهان في وجوه البيان : 
تحقيق : أحمد مطلوب وخديجة الحديثي » ط. 1 » بغداد » 1967 . 


631 


2 المراجع 


كك المسراجع العسربيسة والمتسر جمة 
محمد خلفن الله أحمد 
من الوجهة النّفسية في دراسة الأدب ونقده 
ط . 2 . القاهرة » 1970 . 
تاريخ أدب اللغة العربية في العصر العباسى 
ط 1 » مصير »© 1912 . 
لكين - الانصاري 
د أبو زكريا الفراء ومذهيه قُ النحو واللغة : 
ط . المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب » القاهرة » (د . ت) 
نت لحك لحيل بدوي 
نت عيك القاهر الى رجاني وجهودهة قُ البلاغة العربية 
سلسلة أعلام العرب 2 القاهرة » 1962 . 
- عبد الرحمان بدوي 


دار الثقافة » ط . 2 . بيروت » 1973 . 


633 


تمام حسان 
اللغة العربية ميناها ومعناها : 
الهيئة المصرية العامة للكتاب » القاهرة » 1973 . 


طه حسين 
عاد كوس أبن الخلداء 
ط . 1 . القاهرة » 1915 . 
البيان العرببى من الجاحظ إلى عبد القاهر : 
مقدامة نقد النثر » علر عات الجامعة المصرية » 1933 . 


- صبحي ناصر حسين 
أبو بكثر الصّولي ناقدا : 
دار الجاحظ للطباعة والتشر » ط . 1 . بغداد » 1975 . 
عبد القادر حسين 
أثر التّحاة في البحث البلاغى : 
مطبعة نهضة مصر ٠‏ القاهرة » 1975 0 


محمد رشاد الحمزاوي 
الفصاحة فصاحات أو الداعوة إلى ضرورة مراجعة أصول 
الفصاحة : 
حوليات الجامعة التونسية » 1978/16 . ص ص . 45 ل 63 . 


البلاغة بين اللفظ والمعنى من عصر الجاحظ إلى عصر 
ابن خلدون 3 


مجلة المجمع العربى بدمشق » 1950/2524 . 


634 


السيسد أحمد خليل 

- المدخل إلى دراسة البلاغة العربية : 
دار النهضة للطباعة والنشر » بيروث » 1968 . 
0 الخولي 

ك5 مناهج تجديد قُ النحو والبلاغة والأدب : 
دار المعرفة » ط . 1 » القاهرة » 1961 . 
الرافعى 

إعجاز القرآان والبلاغة التبوية 
القاهرة . 1925 . 

الحياة الأدبيئة في البصرة إلى نهاية القرن الثاني الهجري : 
دار المعاردف 6 القاهرة »ء 1971 5 


إبر أهيم سلامة 
بلاغة أرسطو بين العرب واليونان 
مطبعة الأنجلو » ط . 2 » القاهرة » 1952 . 
محمد زغلول سلام 
عد أثر القر ان في تطور النقد العربي إلى أواخر القرن الرابع 
الهعجري : 


طّ ٠.‏ دار المعاردف 4 القاهرة 34 (د .٠ت‏ .) 
داود سلوم 


جالعب التويون اند الجاكي + 
بغداد » 1950 ., 


3 نصوص النظرية النقدية في القرنين الثالث والرابع للهمجرة : 
بغداد » 1971 


635 


حمادي ص5 
ِ تقديم كتاب « عبد القاهر الجرجاني : بلاغته ونقده ) : 
حوليات الجامعة التونسية » 1976/13 . 
ملاحظات حول مفهوم الشعر عند العرب : 
ضمن «قضايا الأدب العربى» » نشر مركز الدراسات والأبحاث الاقتصادية 
والاجتماعية » تونس ٠‏ 1978 . 
حاتم الضامن 
- نظرية التظم : 
منشورات وزارة الثقافة والإعلام » بغداد )» 1979 . 
شوقي ضيف 
البلاغة : تطور وتاريخ : 
نشر : دار المعارف بمصر » ط . 2 . القاهرة » (د . ت .) 
بدوي طبانة 
البيان العربي : 
ط . 3 » القاهرة » 1962 . 
دراسات في نقد الأدب العربي من الجاهلية إلى نهاية القرن 
الثالث : ْ 
ط . 5 . القاهرة » 1969 . 
النقد الأدبى عند اليونان : 
المطبعة الفنية » القاهرة » 9 . 
لامكال عاض 
سا الجماليّة والتقد في أدب الجاحظ : 
دار العلم للملايين » ط . 1 بيروت » 1974 . 


636 


تاريخ النقد الأدبي عند العرب : 
دار الأمانة » ط . 1 » بيروت » 1971 . 


اطفي عبد البديع 
فلسفة المجاز بين البلاغة العربية والفكر الحديث : 
نشر مكتية النهضة المصرية ٠»‏ القاهرة » 1976 . 
عبد العزيزر عتييق 
قي تاريخ البلاغة العربية : 
بيروت . 1970 
عد عاتن" ألكول لصفو 
الصورة الفنية في التراث البلاغى والتقدي : 
نشر » دار الثقافة » القاهرة » 1974 . ْ 
مفهوم الشعر : دراسة في التراث النقدي : 
دار الثقافة للطباعة والنشر » القاهرة » 1978 . 


علي العماري 


القاهرة » 1965 . 
شكرى محمدك عياد 
عد كتا: أرسطى +طاليسن في, الشعر 
دار الكتاب العربى » القاهرة » 1967 . 
ل رجاء عيد 
فلسفة البلاغة بين التتقنية والتتطور : 
شن منقأة المغارفت: + الامكتدرية واه ثم 


63 


غ. ف . غرنباوم 
ح دزراشات: في نقة" الآدن» العرس : 
الترجمة العربية » نشر مكتبة الحياة » بيروت » 1959 . 


بول كراوس 
مجلّة كلية الآداب » جامعة فؤاد الأول » 1937 . 
مازن المبارك 
الموجز في تاريخ البلاغة : 
دار الفكر الطباعة والنشر » بيروت » (د. ت) 
أحمد المتوكل 
نكي تقر اع عدودة لنظربة النظم عند الجرجاني 
ضمن لسانيئّات وسيمائيات » منشورات كلية الآداب والعلوم الانسانية » 
الرباط » 1976 » صصص 96-87 . 
زكي نجيب محمود 
- المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري 
مطبعة دار الشروق » بيروت » (د. ا ت). 


عبك السلام المسند يي 
المقاييس الأسلوبية في النقد الأدبي من خلال « البيان والتبيين ) 


حوليات الجامعة التونسية » 1976/13 
أحمد مطلوب 

تك البلاغة: عند السكاكي 
طاء 1 » بغداد » 1364/1964 . 


028 


مصطلحات بلاغية 
ط » 1 » بغداد » 1972 . 

ب مناهج بلاغية : 
ط » 1 » بيروت » 1973 . 

عبد القاهر الجرجاني : بلاغته ونقده : 
ط . 1 . بيروت » 1973 . 


منشورات الجامعة الليبية 1973 . 


عمر الملا حويش 
تطور دراسات إعجاز القرآن وأثرها في البلاغة العربية : 
بغداد . 1972 


تقديم لكتاب «١‏ البلاغة العامة ) 
حوليات الجامعة التونسية » 1971/8 . 
حوليات الجامعة التونسية » 1973/10 » صص . 3621 . 
مساهمة في التعريف بآراء عبد القاهر الجرجانى ني اللغة 
والبلاغة : 
حوليات الجامعة التونسية » 1974/11 
تسيا نهاد الموسى 
دراسة وتعقيب على مجاز القرآن 
مجلة معهد المخطوطات العربية » مايو 1967 . 
إحسان النص” 


6039 


الخطابة العربية في عصرها الذهبي : 
منشورات دار المعارف » القاهرة » 1964 . 
الخطبة السياسيئة في عصر بني أمية 
منشورات دار الفكر » دمشق » (د . تع : 
فيكتور شلحت البسوعي 
التّزعة الكلاميّة بي أسلوب الجاحظ 
دار المعارف » القاهرة » 1964 . 


6040 


ب - المراجع الأجنبية : 


0 21 سم 


2 ع0 وعناواع 257052010 غأه 101165 دتتاعضنا واأتعتصع 20م و16 تلاو تجووظ 


رالا ع0 ع«متامواغجط 
الك ات 4213 


25١١‏ ا سد 
.16/1970 ,011011216811685 رطقل ,11116 واقط؟ عنمو اعصة 1 
2851101315 لد 


1 ,©0101 1 اغطاوه*1 عل 6 :1م1715 
,قاعقهة2 ,متام 0 تفستدم 


814 220 م 
و3536 عقتطةفلانا 12[ ممق تتمقمتنام1 وأتع ره 34 
5-8 .مم ,11/1966 تعنصتولة1 اك 


0013 1ه 0ع جل نام[ 
,29115 


ا1 1 :11023151 سس 


و تتاعع1! 18 عل غناو ماغطة 
7 ,215ة2 بملتناع5 .60 


.220175 051 طشلا سل 


70011011 1328286 تال ع تتا عناتاة 
,23115 ,1311331101 .6 


“1450511255507 سدم 


,و65 لمطلاعع1 وهو أه عالؤاة مآ 
,كانه .5.][,8 الخ عسعرل 


641 


10 0 لم 
,12515101 0116 اخطقصرةة ع0 5ءماعصاءط 
.172 رقاتة2 
.07 1.6 أ 101082017 .0 سم 
,1125386 نال 5ععطعك5 065 116ن601م910ع8هه 1010610212311 
2 رتنه رأتداء5 .60 
10 لل سم 
عاآتاة حل اع عتاقصها 12 عل ععتماقتط"! جد وعطء تفطءع؟ : ولوتطومف؟' 
1ك 
ركاكة2 
1:آ:آ04815115) 1 سل 
-قاعقة وعتاءع0م ع1اع0 عم هماع 1م تعاس 'لاعم 222 519ع0م ع دعتاأعاوظط 
وتلقخمعه0 5101 ,تاعع 16571562 مز ,6206 كطىة ه وحتطعءء؟3 م6 1اع 101 
291-11 .مم 1929 ,12 كل 
أ 02081 ل[ سا 
و 123136 [تاقتامط 126010816 12 32 1011001161162 
.8 ,قوط 
11١١‏ ا سم 
.آ]آ ,!1آ ,1 روعء نعط 
,72 ,1969 ,1966 رولعوظ ,اتتاء5 .60 
2 00 
رع5671 ندل عتطمه50ه1لطم عصبخك [1هدوو18 
.6 ,23315 ,نتتآاهن) 31ت 
الث سس 


ر1781تا 51 عذال اأمتقسةة 
6 ,29215 ,1320101556 .60 


.14 4 0201505 لس 


565681 1116م اغط ا 
.1970 ,5و2 ,ع12201055 .60 


01 17017 ل سم 


,1044-1046 .مم . 1.1 بذ ,تويك “1 


.01142 121281 سب 


رو 00طاممط أء 5غططةغاط0]م : 51150316 عل كلتلدوووظ 
9 ,قله عكاعة 1واعمتك1 .60 


642 


050ل 1 سس 


56265316 116و تاأقتتاعو طلا ع0 5تووو8 
.3 رقاقة2 ,أاصده .11ه0» ,التاتستك8 .60 
01 06 011656025 
.73 رقلكة2 ,اتلاعك .60 


05 صل سم 

11251115610116 862681 

.نآ أه 162[ تقطن - 15[هطنا .1 .1100 

.68 رقلكة2 ,133010556 .60 

“01151 الل سد 

61م 1106اع : 11281115610116 18 

.69 رقاعوط ,آقممعك .60 

ا ا 


0 18 نمم 0115 
,رقاكة2 ,ؤتعطعء5 .60 


014711710 سس 


25 18 عل عتنوممة'1 3 و5عمتعتره 5ع 32366 عتلاخة 11116 2آ 


11320 
.50 ركلعتة2 ,غو1آء2 .طن .1120" 


ع2 01142155 سل 


نط 06 31105 ام 12 أه م1نقة8 راءناتدم عآ 
رؤوأتة2 


22 الك سم 


16001086 3آ 
.1970 برقاعةط ,كاعم 1 ولع متلك1 .60 


0 ا 


و7176 236182016 هآ 
.5 راقو رلتداع5 .60 


1 11 دا 


511781 16ان51نانواة ع6 قتوووط 
1 ,وقاكهة2 ,11ه1تقسستصتقاط .60 


ااا د 


رلا معطا عتتتطقمطعة ا متتوه1مرط 
.6 ,213376 13 .60 **365 ,5163 تتاعصذا ا 205ع*1 اع تلت ,ك1 


6043 


1551١‏ 800171511514 - 51248279115164 سل 
67 تتلاة تلطه 0231-0 قامتتتامزه وع]آ (1 
مكار تنطة-1ة”0 2م مععممء 158 دمالوة 516 ندل 5اتعسعمنه 5عآ (2 
.3 ,36 ,32 8 ,مدع 02 عالتموءه ]1 


ال 


1010 أت 21116 11161آ 

7 ,قاتتة2 ,121011556 .60 
: رع[مطملاة مل وع156021 
7 روطوط ,ملتبعة .60 
015015 ال 5عتترعع 5ع.آ 

.8 ورقالتة2 رأتناء8 .60 


4 15181201 سل 
2551015 5111765 ع0 60065 ,رع تلطه 1116[ أء ع1 ]1 
.0 ,23215 ,10101612 
77 .لذ أ 1711151 .1 سد 
111619156 0116غط1 2آ 
1 راتجوط 


044 


فهرس الأعلام 1 


بذ فهريى العا 


الفهمارس 


فهرس الآبات القرآنية . 


62645 


فهرس الاعلام 


(مرتبا ترتيبا أبجديا بدون اعتبار « أبو » و ١ابن»‏ وبإهمال المعصاصرين 


وما ورد منها 2 الإحالات) : 


2 7 79 ) 80 > 82 ع 84 ؛ 132 ) 
5 »+ 187 »ع 213 غ 214 ٠»‏ 2313 


الأمدى : 479 , 548 , 549 ,2 
3 5 » 403 ؛ 581 غ 597 ؛ 2610 


0 » 551 » 586 2 587 غ2 3589 ع 


1 ع 592 . 5 . 
اين أبيه : 189 . ابن إسحاق (عبد الرحمات) : 
1 6 . 
يٍِ ابن انين الإإصيع : 382 »6 478 2ع 1 5 
6 000000 الأسفرابيني (أبو إسحاق) : 422 . 
ابن الأثير : جهدء وهو , عمد » - الاشعري : 37 . 
7 ع 448 , 478 , 614 , 615 . - الاأصمعىي : 30 » 90 » 114 » 


9 » 133 ؛ 148 2 168 » 256 2 
3 »2 322 > 373. 


ابن الأحنف (لعباس) : 385 . 
2 ابن الإخشيد (أحمد بن على) : 59 
ا : الأعجم (زيادم : 242 » 243 ء 


_- الأخفش (أبو الحسن) : 284 . م 


أرسطو : 44 , 57 » 62 > 66 ع 
10 © 3 » 24 غ, 75 »ع ل الأعشى : 26 » 348 . 


ابن الأعرابي : 30 » 114 . 


04 


أفلاطون : 66 » 74 »2 79 » 80 . 


افليس + 207272 


إمرقٌ القيس : 25 © 26 © 90 2) 
4 ) 326 :» 366 »6 380 :6 388 » 
5 »+ 538 ع 542 2 543 2 544 2 
5 © 551 ) 558 )2 559 2 553 ) 
06 . 


ابن الأنباري : 358 . 


الأنصاري (عسك البحمان 0 


حسان) : 29 . 
ابن أوس لأهبان) : 40 . 
آلإيادي (أبو دؤاد بن حريز) : 
8 . 

57 ف عم 
الباقلانى : 489 ع 491 , 492 2 
3 : 596 » 612 . 


البحتري : 354 2 355 ) 467 2 
5 ع 545 ) 546 : 548 . 


ابن برد (بشار) : 125 » 266 » 
2 )2 378 » 522 غ 542 2:2 543 . 


بطليموس : 66 . 


الأفتازاني : 478 . 

أبو تَمام : 354 » 379 + 387 
8 , 467 2ع 548 :ع 549 2 575 
6 :+ 5387 2 589 :. 5901 غ٠‏ 592 
5 )ع 595 ., 


ابن ثيمية : 93 . 


التوحيدي : 132 » 344 2 541 . 


0 
م 


سعد ١‏ الكوةا :ينه 


ابن ثابت (حسان) : 26 © 29 


. 3 

تامسطيوس : 63 

علب : 373 © 375 © 434 
019 


الذقفى (أبو يعقوب) : 246 . 


اج لد 
ابن جابر (يزريد) : 180 . 

اللجاحظ : 12 » 13 » 214 15 
7 © 29 غ2 35 غ 38 » 39 :ع 42 
3ع 45 غ 55 :2 56 ) 66 © 68 
9 ع 70 2» 77 » 84 »2 134 
7 »© 138 »2 139 »2 141 2 142 
4 2 147 »2 149 » 150 » 152 
3 »+ 154 2ع 155 » 157 »2 158 
9 » 160 »> 161 » 163 » 165 


2 


00 


5 


0-0 


5 


00 


30 


5 


00 


0-0 


5 


00 


5 


167 
1/3 
151 
15658 
153 
158 
205 
213 
220 
229 
238 
2013 
230 
259 
269 
277 
2054 
204 
305 
315 
321 
342 
313 
358 
439 
41317 
0032 
52060 
555 
611 


6 


168 
175 
152 
1569 
144 
200 
206 
215 
222 
230 
239 
214 
251 
2200 
213 
8آ21 
255 
256 
306 
316 
303 
344 
315 
304 
4110 
462 
490 
2601 
601 


, 12 


2 


4 


2 


4 


6 


6 


4 


4 


4 


4 


100 
177 
1656 
191 
156 
202 
210 
218 
226 
234 
241 
226 
235 
264 
215 
251 
208 
2059 
312 
318 
337 
3537 
300 
0135 
448 
4604 
236 
5213 
607 


6 


م6 


6 


6 


6 


6 


4 


6 


4 


172 
1030 
157 
152 
1577 
203 
211 
219 
228 
236 
2042 
249 
2536 
266 
206 
233 
220 
300 
313 
2320 
341 
363 
356 
438 
056 
419 
559 
214 
608 


جالينوس : 
الجبائي (أبو هاش 


2 ع 74 . 


م( 


56 


1 ع 492 2 493 . 596 ., 


ل الجرجانى (عبد القاهر) : 43 » 
7 » 80 » 82 ؛ 120 غ٠‏ 311 ع 


6 »؛ 358 )© 359 :6 361 
3 » 395 , 396 2 398 
1 » 406 »؛ 410 . 411 
3 » 423 2,2 430 غ, 434 
6 » 447 غ2 460 ؛ 461 
4 », 465 » 466 ؛ 467 
9 » 470 » 471 .2 472 
4 .ع 2477 4785 » 479 
4 , 487 2 488 , 489 
1 , 493 , 494 , 496 
8 »: 499 ,» 500 . 501 
4 » 505 »؛ 506 ؛ 507 
9 » 510 » 511 ؛ 513 
7 » 519 » 520 » 521 
3 » 524 »2 525 » 526 
87 » 529 » 534 . 541 
5 » 546 » 553 »؛ 554 
7 » 558 »2 559 ؛ 560 
2 » 563 » 564 »؛ 569 
8 » 579 © 580 ؛ 593 


6 


6 


6 


6 


6 


6 


4 


6 


6 


2ع 
9 
212 
5 : 
03 
28 
0713 
203 
20 
7 
3 .: 
1ه 4 
26 
22 
67 
3 
5 ؛ 
2-61 
27 
2-8 


9 » 614 ؛ 615 » 619 . 


الجرجاني «(القاضي) 
6 » 586 »© 589 2ع 591 


ع الجر مي : 342 . 


20019 


. 616 » 


6009 


جرير : 126 . اخ يد 
أن:. عقن (أدوات) 1335:. 57 
0 عر زادوب) ابن خحثيم (الربيع) 8 


شنا أله الخطاب (عمر) : 23 » 57 »© 
5ع 73 ع 77 ع 84 , 86 2 255 »2 2 : 


5 . 
8 352 »2 368 2 383 > 439 »ع 
قد 0 وري عقاوق ووو بح الخطابي 49491 
77 479 ع 480 ؛ 521 ء 534 »ع الحفاجبى (ابن سنان) : 407 » 
1 »© 552 ) 553 © 575 2 586 . 9 ) 436 2 441 , 445 : 446 ,2 


» 454 » 452 » 451 2» 450 » 8 


الجمحى : 24 » 346 . 
5 6 ع 457 ع 458 ع 459 2 479 » 


م سا 00 485 ع 486 ) 488 2 537 ؛ 538 2» 
ب ابن جندل (سلامة) 552 . 1 ع 569 )2 585 2 5856 . 
ابن جني : 51 » 52 + 120 6 أب ا ل ل 
6 : 397 ع 407 425 2 512 4غ - الخليل : 31 - 114 - 118 » 
7 © 568 . 2 » 123 » 129 » 133 :؛ 373 » 
08 . 


ب ابن الجهم «(محمد) : 107 
بذ الحخشاة + :0352-2226 


5-6 ا 
الحاتمي : 85 » 118. 5 الدؤلي (أبو الأسود) : 20 > 283 . 
حباب : 265 . ديسيموس : 67. 
ل ابن حبيب (يونس) : 98 . اومن 
ما ٠‏ 
لحجاج : 58 . م 
حا أن حجر أو 2 
ب لاو جد ل 4785م 
الحطيئة : 28 » 265 » 322 . : 
ابن رشد : 63 © 65 »© 264 »© 
ابن حنين (إسحاق) : 62 » 64 . 9 : 409 > 597 . 


6050 


ابن الربيع (الفضل) : 90 

ابن رشيق : 28 » 30 2ع 85 » 
8 » 126 » 153 »ع 368 ع 376 
27 380 » 407 » 427 2 428 
9 » 431 », 478 هع 481 غ, 533 
0 » 542 » 545 2 553 »ع 554 
5 »+ 588 2 589 »© 22610 
الرماني : 408 ء 448 . 484 
6 » 491 »؛ 537 » 539 » 540 
5 » 553 2 573 غ 596 . 


0 


5 


5 


م 


٠. 


0 


ذو الرمة : 126 » 139 » 325 
0 » 588 . 


0 


بك رز 52 
ابن الزبير (مصعب) : 246 . 
٠» 312 » 41‏ 400 


55 


ال مخشري .0 
1 غ2 538 . 


ابن زهير (كعب) : 27 » 29 . 
ابن زياد ين اللهم) : 386 . 


ابن زيد (الكميت) : 55 » 388 
44 ., 


٠. 


5-007 
ابن ساعدة (قس) : 188 . 
السبكى (بهاء الدين) : 478 . 
لان (أبو حاتم) : 89 
السجستاني (عبد الله بن ا 
داود) : 490 , 


ابن أبى سفيان (معاوية) : 245 . 
السكتاكى : 120 » 311 » 402 2 
6 » 415 ع 418 , 419 ع 478 , 
ابن أبي سلمى (زهير) : 27 » 
9 » 255 , 265 2 322 , 

ابن سلمة (إبراهيم) : 196 . 

ابن سليمان (عباد) : 37 . 

ابن السندي (إبراهيم) : 228 . 
سيبويه : 50 » 293 99 > 102 2 
4 » 119 » 120 ع 121 ع 2122 


2 © 372 . 
السفاح 55 
سقراط : 77 . 

السيراي 0 


ابن سينا : 63 » 64 » 80 + 81 » 
2 »+ 410 ع٠‏ 560 غ 597 . 


اش ل 
ابن شداد (عنترة) : 558 » 559 , 
الشريف الرضى : 452 » 587 . 
الشريف المرتضى : 41 » 576 . 


أبو عمرو الشَيبانى : 439 . 

عوك بوشة 04 

الشيرازي (أبو إسحاق) : 89 . 
ا 

ابن صفوان (خالد) : 114 . 

الصولي : 344 » 586 » 587 . 


001 


اط 
0 طالب (عا لي 1 


1 طباطبا : 480 > 551 © 575 . 
ابن الطبيب (عبدة) : 5 
الطرماح : 282 . 


الطلوسي (الحسن بن علي) : 0 
ابن الطيّب (أحمد) : 2 

5 ع 5 
اين عياسن (محمد بن علي) : 
ابن عبيدك (عمرو) : 
ابن العياس (إبراهيم) : 


ابن عباس (عبد الله) : 34 » 39 » 


0 »ع 97. 

ابن العبد (طرفة) 
اين عبد الله (إبراهيم) : 2 

أبو عبيدة : 31 © 40 © 41 » 
9 ع 90 ع 91غ. 292 93 غ 295 
6 ع2 97 ع 98 2 119 هع 124 ع 
٠ 5‏ 126 © 133 غ 312 ؛ 329 ») 
0 »© 341 » 375. 

العتابي : 
دو العتاهية : 324 . 

العدوي (سليمان بن يزيد) : 0 


: 29 ع 348 , 


: 114 ع 168 » 302 . 


ابن عدي (هيثم) : 246 . 
ابن عدي (بحيى) 5 


652 


. 189 » 114 : 


العجناج : 282 2 353 © 579 . 
العسكري : 44 ٠‏ 48 ؛ 114 » 
6 ع 408 )2 431 2 436 » 437 »2 
1ل ,ع 456 )2 478 » 479 2 485 2ع 


56 537 ع 542 ؛ 544 5516 . 
ابن عطاء (واصل) : 190 » 225 2 
0 »> 243 . 
علقمة الفحل : 25 » 26 . 
ابن العلا (أبو عمرو) : 30 » 98 » 
86 . 

أبن عمر (عيسى) : 9 


ابن عمير (عبك الملك) : 246 


ابن أبى عون : 362 . 
الغنوي (طفيل) : 585 
عن قا كت 
الفارابى : 62 © 64 2 403 » 


4 ع 405 غ2 421 غ 597 . 

أبو فراس : 546 . 

الفراء : 41 » 90 93 . 99 »2 
0 ع 124 » 128 ع 2312ع 341 » 
0000 

الفرزدق : 125 » 126 » 323 »)© 
6 © 517 غ 569 . 


الفوطي : 7 


دق المبسرد : 315 © 342 ؛ 344 , 
5 » 347 » 349 ؛ 352 ع 353 2 
٠ 356 » 5‏ 359 ؛ 360 © 361 » 
5 » 366 » 371 » 375 ؛ 545 2 


القاضى (عبد الجبدار) : 330 » 
4 » 424 , 491 » 493 ؛ 495 


535 


02 , 
7 , 
أبن قتيبة : 29 ؛ 40 . 43 ؛ 85 غ, 5 
4 » 2217 15قع هزو ؛ ووو - المتني : 445 , 450 »2 451 ,ع 


: 8 5 5 
21 » 322 » 323 » 324 ؛ 326 4 » 584 غ 5392 , 395 . 


85 » 329 » 330 » 331 ؛ 333 »6 
4 » 335 » 337 » 341 ». 342 
2 » 361 »ع 373 » 375 غ 377 
7 » 438 غ 597 : 616 . 


.«- 


3 


8 من (إبرأهيم) : 196 


- ابن المدبر (إبراهيم) ريه 
5 © 344 . 


.- 


52 8 5 المزاكم + 
ب التزويي (الحظيت 2 06ل ابن مروان (عبد اللمللكم : 234 » 


0 55 . 
أب ق الأحدن, : 246 . 
.ابن فيس ( ( ابن المستنير (قطرب) : 55 © 61 . 
ب اله أبن مسعود (عيك الله . 
الكاتب (عبد الحميد) : 55 » 58 ء ل مسكويه : 541 . 
0 أبن مسلم (قتيبة) : 189 . 
الكسانيى : 55 . 3 
يي اين المعتزر : 13 © 65 © 129 ء» 
5 كشاجم : 560 © 561 . 2 » 315 ؛ 336 » 340 2 372 2» 
- الكندى : 63 ؛ 64 ع 65 ع 114 2 3 » 376 » 377 »2 379 ؛ 380 2) 
0 2 » 383 » 384 » 385 2 387 2 
8 » 389 ؛ 478 ,؛ 528 ع 2529 
ال 3 » 543 ) 545 , 575 غ 597 6 
بن ابييد +5887 00 
ابن المعتمر (بشر) : 57 © 191 » 
6 7 »ع 220 © 223 . 
الازنى : 342 . حر المعري 45112 
ابن مالك (بدر الدين) : 478 . - ابن مفزع (يزيد) : 386 . 


603 


5 ابن المقفع : 55 » 114 © 115 » 


1 »© 176 » 223 غ 373 » 604 . 


ل ابن المناذر (محمد) : 270 . 


المنصور (أبو جعفر) : 55 » 58 . 


ابن منقذ (أسامة) : 356 » 478 » 


. 1 


الموذن (البعلبكي) : 58 . 


دن مك 


النابغة (الذبيانى) : 26 © 85 2 
3 ع 369 غ) 372 )2 538 . 

النحوي (يوحتا) : 74 . 

النحوي (علقمة) : 283 . 


5 ابن النديم 


النظام : 37 » 38 » 133 »2 275 . 


.64 6» 63 » 62 : 


أبو نواس 


- التويري : 


6004 


. 547 6» 546 2» 378 : 


. 3 


خدد هات 
ابن هارون (سهل) : 227 »© 
6 © 248 . 


ابن هرمة : 302 . 


55 ادن الهيثم : 65 5 


5003 
الوأواء : 552 . 
الواسطي : 491 . 
ابن الوليد (مسلم) : 302 » 378 . 
ابن الوليد (يريد) : 189 . 

ابن وهب : 72 2 7 2 79 )»© 
6ع 427 ,ع 428 2 463 2؛ 477 2ع 
2 »: 484 . 


بعد يي يعت 


ابن د 1 (جعفر ) : 4 » 167. 
ابن يونس (متى) : 63 » 64 » 
ابن يوسف (الحجاج) : 189 . 


فهر س الاشعار 


(مرئبة على حرف الرأوي والحشو دبدونت اعتبار التركات) 


البيت (المطلع والقافية) 

يرمود الرقبار 

مدي بكائي 
وإن الحق جلاء” 
رلك يستي". "الأيات 
فللسوط مهذاب 
ولي جفون ارات 
امكل يقار 0 
اله يعلم العابيينا 
إذا سقط غضابا 
لقد وارى عات 
أضاءت لهم اقه”" 
فلم أو الكوا كب 
كأن” مثار 200 
ونحن نكب 


الببحر 


الكامل 
الكامل 
الوافر 

الكامل 
الطويل 
البسيط 
الطويل 
البسيط 
الوافر 
الوافر 
الطويل 
الطويل 
الطويل 
الطويل 





. 5 

06 ه.,., 
9 . 

. 337232 42 
. 6 

. 3 

0502 

) 542 » 2 

. 8 


055 


البيت (المطلع والقافية) 











عصيت طلابها الطويل 106 
فأدركهن” المتحلب الطويل 25 . 
م اليف | البسيط 4 . 
يتابع التي 0000 5 
بيضاء ف ذهب البسيط ‏ | 366. 
ذهيت مهب الكامل 8 . 
100 مهيبا المتقارب 5 . 
إن الككريم سويداواتها الكامل 6 . 
وفاحما مسرجا الراجز 9 . 
ولماقضينا ماسح الطويل 9 » 525 . 
عل يداف بمداد الطويل 7 . 
وا 7 ا البسيط 3 . 
ومشدودة ا المتقارب 1 . 
ألا طرققنا” 7 لوه اكه , 
وأنت ووالد الطويل 451. 
سأطلب لتجمدا الطويل 8 . 
اعزز على العواد الكامل 2 . 
فلو 0 عودها الطويل 354 . 
طلل الجميع شهيدا الكامل 1 . 
وقيئّدت تقيدا الطويل 4 . 
وتبرد العبيرا المتتقارب 08 
يطرد بر رمل 8 . 
وقبر حرب تحشر الرأاجز 1 » 464 . 





البيت (المطلع والقافية) : الصفحة 









أقامت به الفجر الطويل 6 ؛ 588 . 


05 


60658 


ايت (المطلع والقافية) 


تقول أطوف 
يادمر خحرقك 
سأمعهيا تشقق 
أشرن عقيق 
فألقوًا خرتق 
كاتما 1 
كأن البالي 
دعا شوقة ووائله 
لوه الآجال 
تحسبن" الرأجال 
فوضعات الجن 
وتعصو اسحلٍ 
وشعر دخيل 
كأن” جندل 
والشمسن. الأشسل”" 
إذا قال ففلا 
يمشون القع 
تحددن مقالا 
وأملس فأجفلا 
أغرك يفعل 
له أبنطتلة تتفل 
تحيد أسافله 





© 528 © 


,553 » 





659 


(مرتبة حسب ورودها في الننسص) 





ميس ا هم ل سه 8 


: وإذا وفع القول عليهسم 


أخر جنا يم دايةة من 


5 


2 رم وعاه 


ع6 ا17 1 3 5-5 
الأراض تكتسيم أن التامن 
كارا يا ناتك 0ك موقتو 1 2 التيعبل ١|‏ 40 


| - يحرج من بطُونها شرآاب. |1 69 التحن 7 1د 


سه فى مه و 


عاط عو ورم 
."الشيحاطيق : 65 الصّافات | 90غ:5456368 .)أ 


عه س هس سس اس ده قر 


ار جهسم . 109 التؤبة | 93. 
| - إن أترلناه قر آنا عربيًا لعلكم 
ا ا اا 


تعقلون. 2 بوسف 95 


يدوبالوالد 30 إحسانا: 8 البقرة 8 . 


661 








الآبة رقمهنا. ١|‏ النورة الصفحة 


51 


ع فنظلت اعناقهم أسها خاضعين 4 الفجراء 8 . 


سه اسه 


د اللي والتهار : 33 سيدا 2 . 
0 الدّذين وو ا 


سشد هاه في 0 


ينعق بما الا لسسع إلا دا 

30 171 | البقرة 2 » 105 . 
واسكأل اللقريّة التي كنا فيهنا 

والخير الي انيلا 0 52 يوسف | 3396103. 

2 3 5 2 قت :قرا مم 
ع سم يي سكسكة عي 

سبعون ذراعا فاسلكوه.|] 32 الحاقة 7 . 
فَما رّبحّت ' تجارتهم". 16 القرة 7 . 

3 ع ها ير 5 
فإذا عزم الامسر. 21 سد 7 . 

1 سساه 8ه 2 
ل لو مك دون 49 الصافات | 128. 
ع دن 24 الطور 8 » 353 . 
حوبا ادافين ستول إذ 

بلسان قومه و 9 4 إبراهيم | 195. 
تعر مق 5 20 أل متيو 0 . 
- وجفّان كالجتوابي وقدور 

راسيات . 13 ما 0 . 

اذى سس به 
ال ينصك عو عنهًا ول 

داه 

يشزفوك: 1 الواقعة | 294 . 
دالا متطورفة وله متو 3 | الواقعة | 294 


062 





الأ رةه 


| - وَكوُ شاء لجَمعهكم' على الهُدى 


: سارت ه يس سه مه 5 و هم 
ا وأسو ا لأريتَا كسهم 
فلع ر تهت" بسيمسا 4 
ولتعرفتهسم في 0 “اول 
واس دي 


والله يعاسم أعما١‏ 0 


| يا أيها الذين آمَسوا لا تقدموا بيد 


ددر لهك ورج ولس 
.حول تد تللق غل الاظل 


- ا ا 0 
فيدمغه فإذا هو زاهق : 


اناد ين - اندر ابه رغرر وه 
ولصروها اه ا الَّذ 39 
وك ا أولتوك” 
ْ للحيو -- ع 
تنكف اه 
35 بسسكلتث : في الأرض: . 
اق ذكم' ا لكلم” تكن" 


رار سرا. 


م وفوف علتيين ونان" 


0 0 اس ؤس م سا ع 
2 س 


وكاس مسن معين . 
,54 ل لات 


29 


38 


235 


18 


الأنبيساء 


مر م 


الواقعة 





. 0 


. 1 


. 8 


408 


» 415 » 


. 8 


. 5 


. 06 


. 6 


. 85 


. 9 


6063 





ْ إ له ده 3 قمها 


شام ع هه 

دوف نا كهة مما مشعضيدر و ل لوخم 

0 500 م سس ن وسو رِ عين 1 22 
5 مالسيه 0 و 3 

ده 


ورحمية ا" الله ا 20 


1 ا إن تمواق روا وبح 5 
| فأماالذاين اسودت وجوههم د 


م 7 . 


كر نسم . 106 
| والتازعات غرقا (...) يوم 
١‏ ام 9 و2 8 يه 

ترجف الراجحفة . 6-1 
1 قر و 
| تله تفتو تذكر يوسدف 85 
ْ محتى توؤارت بالحجابٍ 35 


سي تحر إلى ص صل 


وله الجوار المشناات ال الكمر 
0 5 24 


0 خمتلرا الدوراة 
0 يَحْمَر ها كمشل 


اللعمار ار ا : 062 
|احروقفاترا. لحلوويهي "لهم 
- 3 2 3 اس هام 


شهد تم علينا : 20 


سس وير 


أو لامستم الما 43 





ّ تم يوا ين .> الدميراق ا اع ا اهم 
| ايوم يكشف عدن ساق : 42 
ّ 00 لس سا سه و 
| لاحتى ن لكلء' الخيتط 
سو 5-6 “اتير : 1577 


064 


الوق 


آل عمراك 


التازعات 
يبو سف 


8 


ص 


الصفحة 


. 9 


. 9 


, 538 » 


. 6 


. 4 





يدانه ين" :اسشتررة الفا 0 


لا 


بالهدى فَما رَبحّت تجاركهم | 16 


سو و ال و سم اهقاس 


اق جزاء يسكسك سحعة مثلها 1 40 
5 ا 8 د م لل 

ما لهذا الكتاب لا يغادر 
صغيرة ولا كتبيرة إلا أحصاها | 39 


٠ 25 


عفاد مكل 


0 


تنهر هما 


. 4 





6005 


1 البلاغة قبل الحاحظ ف عو طاو سواط اد موقم اق م الدج ليو 13142386 


1 ب عوامل النشبأة مسو ع عا سا اللام والمل و لمدصط مقع 3 8 

أ الشعسن ساوسلا ابس علق موه ومسو ميد ١‏ وت لد 

ب القرآن بثممميةةييةلة ةن ةن ةر ر لال 000 ل 33000 46 

ج ل تقعيد اللغة م مداو وووم م عد اجا كوه سيسمر .461 اده 

د الحاجة الى التعلم والتعليم مدوم جع لوك الخو قم .4ق 2 :00 

ه ‏ المؤثرات الأجنبية 56 000 0 

2 ء المادة البلاغية فممء ةم مل ممم ب ميرم ةنيما ةل ةثل ل ل ل. 00 89 سه 134 
تمهيد فيه حديث عن صلة « مجاز القرآن » لاني عبيدة 

بالمباحث اليلاقية مببم ممم يمل ي مالل زن لما 00 ...0 89 د 99 

أ القوانين والمحباديء العامة امس ال موه و سد 48602ت 8ه 


ب المفهوم واللصطلح والحد مع واس ا لط نمام سان ف 50817 1350 
ج - المسائل البلاغية المتعلقة بالتراكيب واللمعاني  ..‏ 1257 122 
د الوجوه المتعلقة بدلالة الالفاظط ا ما يه 


5 


خاتمة فلي ةمق ةي ةقةيةء بية ةي ةيل ر قرا لم000 000000 135000 ع 134 


00 


1 


« الحدث » الجاحظي 5577011111000 


1 خصائص المادة البلاغية في مؤلفاته 0000 


مدخل ألى الى خصسائص منهجه في التاليف 


المادة البلاغية فى مؤلفاته 00000 
عت مجموعة 2 الرسائل » و («» البخلاء 000 


ب كتاب 0 الحيوان « محقم اد لمك ا اقم تمد 


2 مفهوم البيان عند الجاحظ 5200000 


؟ - أتواع الدلالات على المعاني 100 
ب . من العلامة مطلقا الى العلامة اللغوية .... 


فضمل الكلام على السمت 1 
د عناصس الفعل اللفوي ووظائفه 000 


06008 


233 


233 
203 


207 


ل اليلاغة بعف الجاحفل الى القرن السادس ممضة -321 :650 


توطئة ا اا ا 0 مارم 

1 البداية الحاسمة لفترة ما يعد الجاحظ لل ءالا 35500 س 389 
عبان قتسيسسة تاعونم 1 ابح أي ا بره عل اواو إن ا ال ا يا 8 - 3413 

ع الاتسييسجهوة فرثيث ميم من ةن ةم يقنل مقا ري رثن ل ةنم ن نل 0 ه34 س 3715 

عد بق المنكين ففيرة في ةرةةفية نمث رتي زر ر ةلم ز رم لان ن. 3720000 سس 389 

2 آهم قضايا التفكير البلاغي الى القرن السادس 0 توق ب 4و3 

ا 53 المفاهيم اع ار الم اج حو و ع الوح ا ولي و ردم ل ا 1 04 م 475 

ب ل الته 3 مممي ةير ةيةامةن ةنمي ةينث ةلمن ةنال | 477 ل 529 

انه الاجراء فمممة ةو مي ةمقة نينث مزلت ةلل م لما من 535000 نل 394 

خاتمة القسم ألْثالت ............ييااياايايي ا ااا اياي اياي 5 - 6021 
الخاتمة العامة طكاة لحا مط طلا حاو مدو اند قو تق تارسك ينيم 663 تزهدة 
امصمسادر والمسسر أجسع ولعت قا تاق وص ب جاجد افيد يا لزه الكو يه ود بود و ما بو اح 2 621 535 6044 


المتستسسوي 50000 1د ااا 0 


60069 


طبع | طبع ا لعي المسشوت الوشينا 


1581