Skip to main content

Full text of "08 Mawaqiadi"

See other formats


حفى الككر الأورهضس 
د 


و 
أشجاز العضَئُيدة والأويّان 


شغر توزيمع طلاعة 
0 ش محمود طلعت ‏ من ش الطسيران 
مديئنة صرالقاشسرة 
تليفون : 55117779 تليفاكس : 551١174‏ 
حنمك. اأتصسخهط )د اوقل : اتقصاع 


اسم الكتاب :أ الكتيسّت حى اكز الأورب 
اسم ال مؤلسف : ١‏ . (ي يي 


رقم الإيداع : ١4/1١0١‏ 
الترقيم الدولى : 7 - 090 - 344 - 977 


الطبعة الأولسسى 
لكلا 


المقدمة 0 


نسم أ اقل اجر 


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا 
محمد وعلى آله وصحبه والتابعين 

وبعد»» 

فإن هذ التضكع نين اسكبالا لحف ار نشر في عدد سابق من حوليات 
هذه الكلية المباركة وكان موضوعه (البابوية وسيطرتها على الفكر الأوربي في 
العصور الوسطى) تحدثت فيه عن أسباب سيطرة البابوية على الفكر الأوربي: 
ووعدت بكتابة بحث أخر عن النتائج. 

ولذلك يأتي هذا البحث لإبراز أثر الكنيسة في نشأة المذاهب والاتجاهات 
الفكرية المختلفة في أوربا. 

فالعلمانية» والصراع بين الدين والعلم» بل والتحرر من الدين يُعد أثرا من 
آثار سيطرة الكنيسة على الفكر الأوربي. 

وأحب أن أنوه أن هذا البحث لا يعد مسحا عاما لكل الاتجاهات الفكرية 
الأوربية» ولكنه بالأحرى رصد وتفسير لأهم النتائج التي تولدت نتيجة هيمنة 
الكنيسة على مقاليد الأمور في العصور الوسطى. 

هذا البحث لا يدعي شمولية الحديث عن كل الاتجاهات الفكرية» وإنما 
هو قراءة لما ولدته تلك القيود التي فرضتها الكنيسة على الفكر في العصور 
الوسطى. ذلك أن موقف الكنيسة من العلم» ومقتها للعلماء كان سببا في نفور 
الأوويدن ف الديق: 

لقد نقد المفكرون الأوربيون الكنيسة وحاولوا إصلاحهاء ومع تقدم العلوم 


3 المقدمة 


والمعارف اصطدموا بالكنيسة وحدث ما سمي بالصراع بين الدين والعلم؛ 
وحينما أتيحت لهم فرصة التحرر من الدين استغلوها إلى أبعد الحدود 
ولذلك فإن الكنيسة أضرت بالدين لأنها كانت السبب في نبذه والتحرر منه. 

ونود أن نؤكد هنا أن الذي حدث فى أوربا ليس راجعًا إلى الدين بوجه 
عام وإنما يعود بالدرجة الأولى إلى السسكية عقا تلظ وكسائرها كال 
الدين فيهاء ولذلك فإن هذه النتائج التي أشرنا إليها تولدت في بيئة معينة؛ 
ونتيجة لظروف معينة» ودين معين وهذا الحكم لا ينسحب بالضرورة على 
الإسلام ولا على المجتمعات الإسلامية. 

إذ أن الدين السماوي المنزل من عند الله لا يعوق التقدم العلمي» ولا يقف 
حائلاً دون كشف أسرار الكون والطبيعة» ولذلك فهو يدعو الإنسان إلى النظر 
والتفكير والتأمل. 

وعليه فلا وجود للعلمانية» ولا صراع بين الدين والعلم» ولا لغيرها من 
الاتجاهات المادية في ظل وجود الإسلام. ٠‏ 


والله ولي التوفيق 


أزمة الفكر الأوربي في العصور الوسطى ' 5 


أزمة الفكر الأوربي في العصور الوسطى”27 
تهيأ للكنيسة في العصور الوسطى سلطان واسع النطاق» ممدود الرحاب» 
روحيّا بحكم وظيفتهاء وسياسيًا بسبب ضعف الملوك والاباطرة”". 


فقد أدى ضعف أباطرة الرومان ثم انهيار الإمبراطورية الرومانية في الغرب 
سنة 47م إلى ازدياد سلطة الكنيسة» وارتفاع شأن البابا في أوربا. 


)١(‏ تعددت الآراء والنظريات حول بداية العصور الوسطى ونهايتهاء فقد طرح الباحثون منذ القرن 
الثامن عشر أحداثًا عديدة وتواريخ شتى لبداية العصور الوسطى. 

فالبعض حدد سنة 84 1م بداية العصور الوسطى باعتبارها أنها السنة التي تولى فيها دقلديانوس حكم 
الإمبراطورية الرومانية. 

وفريق آخخر اعتبر سنة /ا"ام - وهي التي اعتلى فيها الإمبراطور قسطنطين الكبير عرش الإمبراطورية- 
هي البداية الحقيقية للعصور الوسطى. : 00 

وأغلب المؤرخين يرون أن سنة 4177م هي أصلح وأنسب بداية لتاريخ القرون الوسطى الأوربية لآن 
هذه السنة تعتبر آخر عهد بالإمبراطورية الرومانية القديمة في الغرب. 

وقد عدد د/جوزيف نسيم يوسف هذه النظريات وحصر أهمها في اثنتي عشرة نظرية. 

كذلك أيضًا اختلف المؤرخحون حول تحديد نهاية العصور الوسطى. 

فقد رأى البعض أن حركات الإصلاح الديني في أوربا التي بدأت في القرن الرابع عشر تمثل نهاية 
العصور الوسطى وبداية عصر النهضة. 

ويرى فريق آخر من المؤرخين أن سنة 451١م‏ هي التي تحدد نهاية العصور الوسطى وبداية عصر 
النهضة؛ » ففي تلك السئة انتهت حرب المائة عام بين المجلترا وفرنسا -١7*4(‏ 1ه4 ١م‏ هذا إلى جانب 
أن القسطنطينية انتقلت إلى يد الأتراك العثمانيين في تلك السنة. ومهما كان اخختلاف المؤرخين حول 
السنة التي تبدأ منها العصور الوسطى» وتلك التي تنتهي عندهاء إلا أنها من الناحية التقليدية الشكلية تبدأ 

في القرن الخامس وتنتهي في القرن الخامس عشر الميلادي «راجع في هذا على سبيل المثال: د/جوزيف 
لمبيم يوسف: : دراسات في تاريخ العصور الوسطى «(ص -٠‏ 59)) مؤسسة شباب الجامعة» د/علي 
الغمراوي: مدخل إلى دراسة التاري يخ الأوربي الوسيط (ص 900 )741١‏ مكتبة سعيد رأفت» الطبعة 
الثانية سنة /ا/ا93 ام). 
(؟) د/توفيق الطويل: قصة الصراع بين الدين والفلسفة (ص )٠١‏ دار النهضة العربية. الطبعة الثالثة 
سنة 91/9١م.‏ 
هه راجع في ذلك» د/سعيد عاشور: أوريا العصور الوسطى (ج١‏ ص 204 05) فشر: تاريخ أوربا 
العصور الوسطى (القسم الأول) (ص »)0١94 2٠١8‏ ترجمة: محمد مصطفى زيادة» السيد الباز 
العريني. دار المعارف. الطبعة السادسة سنة 5175 ١م»‏ ول ديورانت: قصة الحضارة مج 4 ج١‏ ص ٠١٠‏ 
(عصر الإيمان) ترجمة: محمد بدران. لجنة التأليف والترجمة والنشر. الطبعة الثالثة سنة 9171١م.‏ 


1 ء: أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


ولذلك سيطرت الكنيسة على التعليم في المدارس» واحتكرت لنفسها 
تأويل الكتاب المقدس وأدانت كل من جاهر بحقيقة لم تقرها من قبل» ومن 
لم يذعن لها تحيق به اللعنة. 

وساعدها على ذلك أن الملوك والأباطرة سلموا بسياستها ة في اضطهاد 
المخالفين0"؟. 

هذا وقد بسطت الكنيسة نفوذهاء وفرضت سيطرتها أيضًا على الجامعات 
ا" وحولتها إلى معاقل للاستبداد وأوكار للرجعية0© حيثت ادر كت أن 
ل ل الت سنن وتعاليمها 

ويكفي أن نعرف أن البابوية تمسكت بمبدأ أ موافقة فقة الأسقف على الطلبة 
الذين يتقدمون للحصول على درجة الدكتوراة في القانون من بولونيا بإيطالياء 
أما باريس فقد ظهر هذا التدخل في التوحيد بين وظيفتي رئيس الجامعة 
ورين أسناقفة باريس» بمعى أن الأخين أضكى مشرقًا على تشقون الجامعة 0 

وكان من المنتظر أن تنتصر الجامعات الأوربية لحرية الفكر- خاصة وأن 
الذي مهد لنشأتها بطرس أبيلارد*» 47١١م‏ صاحب الدعوة إلى تحرير العقل 
)١(‏ قصة الصراع بين الدين والفلسفة ص 6ق 
)١(‏ وذلك منذ إنشائها وقد تم ذلك في القرن الثاني عشر الميلادي حيث ظهرت أولى الجامعات 
الأوربية في بولونيا بإيطالياء وفي باريس بفرنساء وقد تفرعت عن الأولى بقية الجامعات الأوربية في 
حوض البحر المتوسطء في حين تفرعت عن الثانية جامعات شمال أوربا وغربها التي ظهرت أواخر 
العصور الوسطى. 

ولم ينته القرن الثاني عشر حتى وجد في غرب أوربا حمس أو ست جامعات على الأقل هي جامعات 
سالرنوو وبولونياء ورجيو بإيطالياء وباري مولتيلية بفرنساء وأكسفورد بانجلترا (راجع د/سعيد عاشور: 
الجامعات الأوربية في العصور الوسطى» أوربا العصور الوسطى ج7١‏ ص14١1-‏ 21851 505-744 
(9) قصة الصراع ص/ا4؟. 
(5) أوربا العضون الوسطى ج 741/5 


(5) وسوف نتحدث عنه فيما بعد. 


أزمة الفكر الأوربي في العصور الوسطى 7 


الأوربي- وتقي دعاتها عدوان خصومهاء ولكن الكنيسة كانت إذ ذاك تحتكر 
العلم وبق ع مور ات الجامعات في ركابهاء وأخحذت تتلقى 
الأوامر والتعليمات من رجالها وتلقن طلابها ما يبيحه هؤلاء» وتحبس عنهم ما 
يحرمونه» ومن هنا نشأت سياسية «التعليم السلمي» الذي جرت عليه 
الجامعات» وأصبح أساتذة هذه الجامعات لا يعنون بالحقيقة بقدر ما يعنون 
بالاستجابة لطاعة الكنيسة واعتناق ما تقره من آراء”"©. 

هيمنت الكنيسة إذن على كل ميادين البحث العلمي» وفرضت عليها ما 
تراه حقاء وعملت على فرض أرائها بالقوة مستندة في ذلك على سلطانها 
الديني والدنيوي. 

وحسبك دلالة على ذلك أن تفسيرات الكئيسة لنصوص العهد القديم 
وخاصة فيما يتعلق بقصة الخلق أدت إلى استبعاد علم طبقات الأرض» وعلم 
الحيوان» وعلم الأنثروبولوجيا من ميادين البحث الحر» وأصبحت الحقيقة- 
في نظرهم- هي التي تكون في ظاهر نصوص الأنجيلء كما أن تأويلها 
الحرفي كفيل بمعرفة الناس الوجه الصحيح فيما يبحثون”". 

وقد أدى هذا إلى القول بآراء علمية غير صحيحة مثل القول بدوران 
الشمس حول الأرض» ورفض الاعتقاد بأن الجانب المواجه لموطننا من 
الأرض معمور بالخلائق» والاعتقاد بأن أمراض المسيحيين مردها إلى 
الشياطين. وما دامت أسباب الأمراض فوق طبيعته فعلاجها من جتسها أي 
فوق الطبيعي!! هذا وقد اعترضت الدوائر الأكليركية على التطعيم منذ القرن 
الثاني عشر. 

وبالإضافة إلى هذا فإن الكيمياء اعتبرت فنًا شيطانيًا خبيئًا. وقد أدان البابا 
المشتغلين بها عام 711١م.‏ وقد سجن روجر بيكون 597١م‏ مدة طويلة 


.5/8 »5 قصة الصراع صلا‎ )١١( 
.4 نفسه ص0‎ )1( 


" 1 أثر الكنيسة على الفكر الأوري 


لمجرد نزوعه للبحث العلمى7"©. 
واعتبروا أن أي مصدر آخر غيرهم وغير ما تحت أيديهم من كتب مقدسة- 
«كانوا يضيقون ذرعًا بأية معرفة عدا معرفتهمء لا يثقون بأي فكر لم يصححوه 
ويراقبوه فنصبوا أنفسهم للحد من العلم» الذي كانت غيرتهم منه بادية للعيان» وكان 
أي نشاط عقلي عدا نشاطهم يعد في نظرهم نشاطا وقحًا»”". 
رأي مغاير لرأي آبائها ورجالها الذين أعطتهم وحدهم سلطان التأويل 
والتفسير. 
تبنت الكنيئسة إذن آزاء هولاء» وأوضنات الأبوات أمام آراء غيرهم؛ ولم 
تكتف بذلك بل اضطهدت المخالفين» وقمعت المارقين» وأقامت من أجل 
هذا محاكم التفتيش”" التي استخدمت كل أساليب القهر والتعذيبء والتي 
في تاريخ البشرية. 
)١(‏ السابق. 
هم ولر: معالم تاريخ الإنسانية» المجلد الغالث صه 05٠‏ ترجمة: عبد العزيز توفيق جاويد» الطبعة 
الثالثة» جنة التأليف والترجمة والنشر سنة 91/7١م.‏ 
() محاكم التفتيش اصطلاح مشتق من كلمة لاتينية بمعنى (يبحث - يتقصى - يفتش» وقد أسسها 
البابا لوسيوس الثالث -١١8١(‏ 86١١م)‏ ثم إنوسنت الثالث -١1١948(‏ 5١15م)‏ الذي يرتبط 
اسمه بقيام محاكم التفتيش بصفة رسمية فهو الذي أرسى قواعدهاء وأشرف على قيامها وخاصة في 
مجمع اللاتيراني الرابع سنة 5 ١17١م»‏ واستمرت في قمع الفكر امخالف بالحديد والنار والإرهاب لعدة 
قرون. عن هذا الموضوع راجع د/إسحاق عبيد: محاكم التفتيش نشأتها ونشاطهاء دار المعارف. 
الطبعة الأولى سنة /517١م؛‏ قصة الحضارة مج؛ جه ص47- 40» وراجع أيضًا بحثنا عن البابوية 


وسيطرتها على الفكر الأوربي في العصور الوسطى ص54" حولية كلية أصول الدين بطنطا. العدد 
الثالث. 


أزمة الفكر الأوربي في العصور الوسطى 9 
ا ا 0 


«وقد تولت هذه المحاكم مطاردة المارقين وتعذيبهم إلى حد إحراقهم وهم 
ايام 30 

كان الأوربيون بين الحين والآخر يظهرون التمرد لكن الكئيسة كانت لهم 
بالمرصاد بأساليب القهر والقمع. 

«لقد ثار الفكر الأوربي مرارًا ولكن الكنيسة كانت تقهره مرة بعد أخرى»”". 

وهكذا يتبين لنا أن الكنيسة أحكمت سيطرتهاء وفرضت رقابتها على كل 
منافذ الإشعاع للتقدم والمعرفة» وأعاقت كل فكرء وأوقفت كل تقدم؛ 
وأوصدت الأبواب التي من شأنها أن تزيد المعرفة وتساعد على الرقي 
والحضارة. 

ولذلك كانت أوربا في تلك العصور في ظلام دامس» وجهل سائد» وكان 
الفكر العقلي خاملا والبحث العلمي راكد وذلك بفعل التعصب المقيت» 
والتزمت البغيض» وبسبب تلك العقبات التي وضعتها الكنيسة في وجه العلم 
والعلماء. 


(1) قصة الصراع ص١١.‏ 
)١(‏ محمد أسد: الإسلام على مفترق الطرق ص١4‏ سلسلة صوت الحق. 


١)”‏ أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


تعليل تعصب الكنيسة ضد المخالفين 

إن تفسير هذا الموقف من الكنيسة ليس من الصعب معرفته أو التوصل إليه 
إذ أن تكوين المسيحية من أديان وفلسفات وثنية مختلفة كان سببًا في 
تعقيدها وتناقضها ولذلك كانت تخشى من مناقشة عقائدها أو التفكير فيها. 

لقد حرفت الديانة التي جاء بها عيسى عليه السلام وذلك بعد رفعه. 
واستبدلت بها عقائد وطقوس ومبادئ وتقاليد ترجع- كما يقول ولز- إلى 
عصر أقدم وإلى طراز أدنى عقلية(©. 

لقد وقعت في حبائل التأثر بالعقائد الشرقية المختلفة. 

«وكذلك أيضًا أوقعها العقل الإغريقي الإسكندري في أحبولته بما جبل عليه من 
تعقيد ذهني » حتى إذا وقعت الكنيسة في معمعان هذا التطاحن الذي لا مفر منه بين هذه 
المتفارقات المتناقضة؛ اضطرت أن تصيح اعتقادية (دوجماتية) تأخذ بالمذهب 
الاعتقادي الحتمي”"“» ذلك أنها حين يئست من بلوغ حلول أخرى لخلافاتها الفكرية 
التجأت إلى الاستبداد التعسفي»”". 

«وأصبح قساوستها وأساقفتها على التدريج رجالا مكيفين وفق مذاهب واعتقاديات 
حتمية» وإجراءات مقررة وثابتة» حتى إذا ما آن أوان توليهم منصب الكرادلة أو البابوات 
إذا بهم في العادة كهول قد ألفوا من الكفاح السياسي ذلك الضرب الذي يقصد إلى غاية 
قريبة مباشرة» ولم يعودوا أهلا لقبول آراء رحيبة يشمل أفقها العالم بأسره. . . أصبحوا 
يرغبون في رؤية قوة الكنيسة التي هي قوتهم هم متسلطة على شئون البشرء وكانوا في 
سبيل توطيد تلك القوة على أتم استعداد للمساومة مع أي شيء حتى البغض والخوف 
)١(‏ معالم تاريخ الإنسانية (المجلد الثالث) ص؟١5.‏ 
(7) الاعتقاد الحتمي أو القطعي مجموعة المبادئ التي تعدها الكنيسة صحيحة تتجاوز كل ريب وتلزم 


كل إنسان باعتناقها ولا تقبل نقاشًا (نفسه هامش المترجم ص07١1).‏ 
(؟) نفسه ص7 234١‏ 4.7. 


تعليل تعصب الكنيسة ضد المخالفين : ١١‏ 
لطت ل ومو اللا ةو ا 11 1 1 


والشهوات المستقرة في قلوب البشرء ونظرًا لأن كثيرًا منهم كانوا على الأرجح يسرون 
الريبة في سلامة بنيان مبادئهم الضخم». وصحته المطلقة» لم يسمحوا بأية مناقشة فيه؛ 
كانوا لا يحتملون أسئلة ولا يتسامحون في مخالفة لا لأنهم على ثقة من عقيدتهم بل 
لأنهم كانوا غير واثقين منها وكانوا يريدون ممن حولهم موافقتهم على رأيهم لأسباب 
تتصل بالسياسية»2©0. 

لقد آمنوا بعقائد وقد ل ستل لقي لأنينا مؤلفة من أديان وفلسفات 
مختلفة» وفرضوا على الناس الإيمان بها دون نظر أو تفكير فيهاء وأقروا ما 
سمي بالاعتقاد الحتمي أي الاعتقاد الذي لا يقبل الجدل ولا المناقشة. 

فلم يكن عند رجال الدين المسيحي مقدرة أو استعداد للدخول في 
تفاصيل أمور لاهوتية؛ لأنهم يعتبرون أن محاولة تفصيلها وشرحها يزيدها 
تعقيدًا. 5 
علموا الناس (يجب أن تعتقد أولا بما يعرض على قلبك بدون نظر) ووقر في 
نفوسهم أن السلامة في ترك الفكر والأخذ بالتسليم”". 


,.35019 051١15 نفسه ص‎ )١( 
محمدل عبده: الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية ص #*) 8” ط ثالثة, دار الحداثة - بيروت‎ )؟١‎ 
سنة 5848 ام.‎ 


١٠١‏ أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


مراحل محاولات تحرر العقل الأوربي من هذه القيود 

بدأ العقل الأوربي يفيق من سباته» ويصحو من غفلته. ليقاوم تلك السلطة 
الكنسية ويحاول خرق تلك القيود التي فرضتهاء وفتح الأبواب التي أوصدتهاء 
وتخطي العقبات التي وضعتهاء وتجاوز المعوقات التي أحدثتهاء محاولاً بذلك 
الصمود أمام أساليب القهر والوحشية. 

عمل العقل الأوربي على إحداث تغيير جذري”" لما هو سائد في العصور 
الوسطى تلك التي وصفت بأنها عصور الظلام والاستبداد. لكن هذا التغيير لم 
يتم دفعة واحدة(" ولا بصورة مباشرة وإنما مر بمراحل متعددة» وظهر في 
صور مختلفة» فمرة تنقد الكنيسة» ومن خلاله تظهر المساوئ والعيوب ويبرز 
فساد رجال الدين وانحطاط المستوى الأخلاقي لدى القائمين على الكنيسة 
من رجال الإكليروسء مما يترتب عليه عدم الاقتناع بريادة رجال الكنيسة 
وكونهم أصحاب المقام الأول في التوجيه والقيادة والفكر. 


(1) لن نتحدث في هذا البحث على كل ألوان التغبير في أوربا في العصور الحديثة - وإنما سنقتصر 
على إبراز أهم النتائج التي ولدتها سيطرة الكنيسة على مقاليد ا ال لوحو مع الإشارة 
إلى حالة الكنيسة وما طرأ عليها من تغيير لأدوارهاء وما تولد عنه من: الصراع بين الدين والعلم» 
والعلمانية» وغيرهاء هذا بالإضافة إلى بيان أهم الاتجاهات الفكرية في أوربا الحديثة» وأثر الكنيسة في 
ظهورها. 
(؟) وقد ذكر ذلك المؤرخون فيقول فشر: «ليس من السهل على الباحث أن يحدد تاريخًا فاصلاً بذاته 
بين العصرين الوسيط والحديثء فالانتقال بينهما حدث بالتدريج» ولم يسر على وتيرة واحدة» ثم هو 
في بلد ما أسرع وأكمل منه في بلد آخر هذا إلى أن التحول لم يعمم العالم بأسره بحيث تركه خاليًا 
من رواسب العصور الوسطى. 

ويقول: «ولكن على الرغم من أن التحول قد سار حتمًا بالتدريج فإن التباين الكبير بين العصور 
الوسطى والعصور الحديثة كان واضحا بما فيه الكفاية. . من بيئة معادية الحرية البحث إلى بيئة يعيش فيها 
العالم ويترعرع حيث كانت الكنيسة في القرون الأولى :من اللمطئور الوسطى هي وحدها ملاذ الثقافة). 
أصول التاريخ الأوربي الحديث ص لا» ٠١‏ ترجمة: دإ/زينب راشد» د/أحمد عبد الرحيم مصطفى. 
راجعه: د/أحمد عزت عبد الكريم» ط دار المعارف سنة ©956١م.‏ 


تعليل تعصب الكنيسة ضد المخالفين ١‏ 


ومرة أخرى يعظم فيها شأن العلم» وتنشأ الجمعيات العلمية التي تتبنى 
وجهات النظر العلمية» وتشجع البحث العلمي القائم على المناهج العلمية 
بعيدًا عن أعين وفكر رجال الدين المسيحي. 

وهذا يعني أن التغيير يمكن أن يقال عنه: إنه سار في اتجاهين متوازيين في 
بعض الأحيان وبعض البلدان الأوربية ومتعاقبين في أحيان وبلدان أخرى. 

الاتجاه الأول : نقد الكنيسة ومحاولة إصلاحها. 

وسوف نرى فيما بعد هل جاء هذا الاتجاه بفائدة؟ وما مقدارها؟ 

وهل أعطى ثمارًا على طريق التحرر من الكنيسة؟ 

وما أثره في نشأة الحركات الإصلاحية المسيحية؟ 

الاتجاه الثاني : وهو خاص بالعلم. 

وقد مهد أصحاب الاتجاه الأول لأصحاب هذا الاتجاه الثاني أن يثوروا 
على ما تتبناه الكنيسة من مسائل علمية تتعارض مع ما وصل إليه العلماء. 

وسوف نرى فيما بعد النتائج المترتبة على هذين الاتجاهين حيث ظهرت 
هذه النتائج من خلال مراحل متشابكة ومتداخلة مما يصعب ترتيب هذه 
المراحل ترتيبًا زمنيًا. 


نن رن نا 


١‏ أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


أولاء نقد الكنيسة 

إن أول خطوة في طريق تحرر العقل الأوربي من سطوة الكنيسة وسيطرتها 
كانت تتمثل في شجاعة بعض المفكرين وجرأتهم في توجيه النقد للبابوية أو 
لرجال الدين المسيحي بوجه عام(©: أو أن يمسوا قدسية أو سلطان الكنيسة 
بسوءء أو على الأقل يظهروا استنكارهم لما تقوم به الكئيسة من أعمال 
وأنشطة. ْ 

أسبابه. وتكمن أسباب النقد في عدة امور نذكر بعضها فيما يلي: 

-١‏ تدهور المستويات الأخلاقية» وتفشي حالات الفساد والانحطاط بين 
رجال الدين المسيحي في العصور الوسطى. 

فقد عم الانحطاط وساد- كما يقول الكاتب المسيحي جاد المنفلوطي- 
ودب في الحياة دبيب الفساد؛ ومن هامة الرأس إلى باطن القدم أصبحت 
الكنيسة مريضة» مضروبة بضربة طرية» موسومة بسمة الانحطاط الخلقي, لا 
فرق بين قائد ومقود الجميع زاغوا وفسدوا معًا(". ١‏ 

ثم يقول: «ولسنا مغالين إن قلنا: إن غالبية رجال الدين في تلك الأيام كانوا 
من مدمني الخمرء مستعبدين للعديد من الخطايا كخطيئة الزنى» وكانوا 


(1) المسيحية في الغرب قبيل الإصلاح كانت نخاضعة لنظام كنسي واحد وهو الكنيسة الكاثوليكية - 
وفي واقع الأمر كانت إمبراطورية كنسية مترامية الأطراف» عاصمتها روماء ورئيسها البابا المتربع على 
عرشها وكانت أوريا مقسمة إلى مناطق كنسية» على رأس كل منها رئيس أساقفة» وكل منطقة أو 
ولاية كانت مقسمة إلى دوقيات كل منها يرأسها أحد الأساقفة» والدوقيات كانت مقسمة إلى 
أبروشيات» وكل أبروشية على رأسها كاهن؛ وهكذا كانت هناك شبكة من النظام الكنسي تغطي كل 
أورباء كل خيوطها تتتجه إلى روما ويمسك بها البابا وكرادلته (را جع د/عزت زكي: تاريخ المسيحية في 
عصر الإصلاح) ص217 5 ١‏ دار التأليف والنشر للكنيسة الأسقفية. 

(؟) جاد المنفلوطي: تاريخ المسيحية (المسيحية في العصور الوسطى) ص5" دار التأليف والنشر 
للكنيسة الأسقفية. 


نقد الكنيسة 1 


2 


بواجبات الخدمة الموكلة إليهم... وكانوا يشترون المناصب بالمال حيث 

رابكل الرؤداء أمصل من مر وسيهع وبل بروها كانوا اردا وأسومتي 
بكثير» وكانت السيمونية هى الطريق الوحيد للحصول على مناصب الأسقف» 
وكانت هناك تعريفة محددة للحصول على هذه الوظيفة)(©. 

ولم تكن البابوية بمنجاة من هذه المساوئ التي كانت هي الطابع المميز 
لحياة الكنيسة عامة فى ذلك العصر. 

هذا وقد وصلت حالة البابوية فى فترة من الفترات- وخاصة فى القرنين 
وتلطخت بالكثير من الآمور التي لم تكن تخطر على بال... فبعض الذين 
شغلوا ذلك المنصب في خلال تلك الفترة لم يكونوا فوق مستوى الشبهات 
بل إنهم كانوا من ذوي السمعة السيئة؛ وارتكيوا أفظع أنواع الجرائم 
وأبشعها0". 

؟- استغلال رجال الدين لنفوذهم بفرض ضرائب على رعايا الكنيسة 
وجمعهم الأموال بالطرق غير المشروعة. 
)١(‏ السيمونية: اشراء المناصب الدينئية بالمال وهي نسبة إلى: وسيمون» وهو اسم عبراني معناه: 
«السامع)» وفي الأصل لفظه نفس الاسم «سمعان). 

وقد وردت قصة سيمون في الإصحاح الثامن من سفر الأعمال من الفقرة التاسعة إلى الفقرة الرابعة 
والعشرين» وملخصها: أن سيمونث كان ساحرًا وكان بعتن شعت السامرة بسحره حيث كان النامن 
يتبعونه» وحين زار بطرس ويوحنا هذه البلاد ورأى الناس ما يقومان به (ورأى سيمون أنه بوضع أيدي 
الرسل يعطي الروح القدس قدم لهما دراهم قائلاً أعطياني أنا أيضًا هذا السلطان حتى أي من وضغت عليه 
يدي يقبل الروح القدس. فقال له بطرس لتكن فضتك معك للهلاك لأنك ظننت أن تقتني موهية الله 


بدراهم) أعمال الرسل /: 25١ -١‏ ولذلك أطلقت السيمونية على كل من يتاجر في الوظائف الكنسية 
(راجع قاموس الكتاب المقدس ص 457» الطبعة السابعة» دار الثقافة سنة ١1991م).‏ 


2( المسيحية في العصور الوسطى ص ٠‏ 5 
(599) نفسه ص١‏ 5» .5١‏ 


١١‏ أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


هناك اتهامات كثيرة ضد البابوية- كما يقول جون لومير- لكن التهمة 
الأكثر انتشارًا كانت الاستغلال المالي» ضح الناس بالشكوى من أعلى حاكم 
إلى أدنى قروي بأن الكنيسة عاشت للمال» ومن داخل الكنيسة ضغط البابا 
على الأساقفة الذين عصروا الكهنة الذين هم بدورهم عصروا الشعب0©. 

ثم يقول: «يبدو أنهم في كل يوم اخترعوا طرقًا جديدة لتنمية دخول الكنيسة فقد كان 
هناك محصلون خصوصيون من قبل البابا سافروا إلى الأرياف كانوا يطالبون بعُشر دخل 
الكاهن؛ ويحصلون على كل حصيلة الكاهن عن السنة الأولى من خدمته؛ وبالطبع كانت 
المراكز والوظائف الكنسية لمن يدفع المبلغ الأكبرء والضرائب كانت تفرض سنويًا على 
رؤساء الدول» وإذا سافر البابا أو احتفل بأحد الأعياد حينئذ تفرض لذلك ضريبة إضافية, 
يقدرون أن الكنيسة في فرنسا وألمانيا استولتا على ما يتراوح بين ثلث إلى نصف كل أملاك 
الدولة» في إنجلترا أتلفت الكنيسة وصرفت حوالي 75/ من الدخل القومي». 

في هذه الفترة من التاريخ لم يعد الناس يفكرون في الكنيسة على أنها 
مؤسسة للخدمة أو الإلهام لكن بالأحرى كملكية خاصة بكبار رجال 
الإكليروس وجدت لتجلب لهم امتيازات ومكاسب اقتصادية(". 

لقدَ تاجرت الكنيسة بنفوذها وفرضت ضرائب على جميع أديرة الرجال 
والنساء وعلى الكنائس الداخلة في دائرة الحماية البابوية مباشرة. وفرض 
البابوات على كل أسقف في أول اختياره لمنصبه ضريبة تعادل من الوجهة 
النظرية جميع إيراده في السنة الأولى» وذلك نظير تثبيته في منصبهء وكذلك 
كانت مبالغ كبيرة تنتظر ممن يعينون رؤساء أساقفة» وكان يطلب إلى كل 
بيت من البيوت المسيحية أن يرسل إلى الكرسي البابوي جزءًا من دخله ”". 


)١(‏ جون لومير: تاريخ الكنيسة ج4 ص77 ترجمة: عزرا مرجان. الطبعة الأولى» دار الثقافة. سنة 
مم القاهرة. 

(١؟)‏ نفسه ص2270207 7378. 

(") ول ديورانت: قصة الحضارة مج؛ جه (عصر الإيمان) ص١7 7١‏ ترجمة: محمد بدران» لجنة 
التأليف والترجمة والنشر. 


نقد الكنيسة ١17‏ 


وتبع ذلك مشروع بيع صكوك الغفران الذي أدر على رجال الدين مالاً 
ترز وسرت ترج فصي ندا امو ضيوع إلى حين الحديث عن حركة 
الإصلاح البروتستانتي لأنه اعتبر من بين الأسباب المباشرة لهذه الحركة. 

+- يضاف إلى هذا أيضًا طبيعة المعتقدات المسيحية ومخالفتها أو 
مناقضتها للعقل البشرى كعقيدة التثليث» وطبيعة المسيح؛ والتجسدء 
والاستحالة وغيرها. 

- كان رجال الكنيسة يضيقون ذرعًا بأي رأي مخالف لهم., وأي فكر 
مناقض لأفكارهم. 

إن تعصب رجال الدين واستبدادهم بالرأي» وبغضهم لكل فكر مخالف» 
ومقتهم العلماء لا شك كان سببًا من أسباب نقد الكنيسة. 

وسوف نعود إلى تفاصيل هذين السببين حيئما نتحدث عن موضوع النزاع 
بين الدين والعلم. 

أطواره: 
:- وتبعًا لهذه الأسباب فإن النقد مر بأطوار عديدة. 

وابتدأ الأمر بأن اقتصر النقد المتداول في شأن الكنيسة على أمور أخلاقية 
ومادية ليس غيرء فإن ثراء كبار رجال الإكليروس وترفهم» والضرائب البابوية 
الفادحة كانت رأس أسباب الشكوى... ولم يتطور النقد فيغدو أكثر عمقاء 
وأشد تدميرا إلا بعد ذلك من الزمنء يوم أخذ يوجه سهامه إلى الحقيقة 
المركزية في تعاليم الكنيسة”". 

بل وأكثر من هذا تطور النقد الأوربي في العصر الحديث ليصبح نقدًا 
للدين بوجه عام. 


)١(‏ ولز: معالم تاريخ الإنسانية ا مجلد الثالث ص 470 ترجمة: عبد العزيز توفيق جاويد» الطبعة الثالثة» 
لجنة التأليف والنشر سنة 317١م‏ القاهرة. 


١/1‏ أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


بعض الحركات التي نقدت الكنيسة 

هناك حركات عديدة ظهرت في أوربا لتعارض الكنيسة وتظهر عيوبها 
ومساوئها وتنتقدها. ففي الفترة من القرن الحادي عشر إلى القرن الرابع عشر 
ظهرت أكثر من حركة مناهضة للكنيسة0©. 

حيث أعلنت هذه الحركة سخطها على الكنيسة» واحتجت على ما فرضته 
من قيودء ووجهت السهام النقدية إليها في محاولة لإصلاحهاء وإصلاح أحوال 
رجال الدين القائمين عليها. 

وسوف نتحدث فيما يلي عن بعض هذه الحركات. 

الكاثاريون: 

منها على سبيل المثال جماعة «الكاثاريين»”© ومعناها الأطهار. 

وكانوا يعرفون ب «الألبيجينيين»”" اسم المنطقة الفرنسية التي كانوا يعيشون 
فيهاء كذلك وجدوا في «كولون» بألمانياء وشمال إيطاليا وأسبانيا». 

وكانت عقائد الكاثاريين وشعائرهم- كما يذكر ول ديورانت- من ناحية 
غودة إلى العقائك:والأسالبي المسيحية الأول »,وكات من اناحية أخرى 
ذكرى غامضة للأريوسية”” التي انتشرت في فرنسا الجنوبية في عهد القوط 
)١(‏ حيث أحصى بعض المؤرخين في القرن الثالث عشر مائة وخمسين حركة (قصة الحضارة مج؛ 


جه ص ه /7). 

)١(‏ الكاثاري: لفظ مشتق من كلمة يونانية معناها (الطاهر). نفسه ص8/. 

() نسبة إلى بلدة ألبي التي يكثرون فيها بنوع خاص (نفسه ص78). 

(4) جون لوريهر: تاريخ الكنيسة ج4 ص7 4. 

(5) نسبة إلى أريوس الذي كان يعلم أن المسيح ليس إلهّا وإما هو عبد مخلوق لله» وقد حدثت 
مناقشات بينه وبين اثناسيوس بطريرك الإسكندرية الذي كان يقول بألوهية المسيح» وبسبب هذا 
الخلاف دعا قسطنطين إلى عقد مجمع نيقية سنة 75م وهو المجمع المسكوني الأول» وقد تمخض عن 
هذا المجمع أسس العقيدة الثالوثية» وقانون الإيمان المسيحي» وكان لقسطنطين دور كبير في تقرير هذه 
العقيدة (راجع رسالتنا للدكتوراة تأثر المسيحية بالأديان الوضعية. الباب الأول). 


نقد الكنيسة 19 


الغربيين ومن ناحية ثالثة نتيجة للآراء المانوية"2 وغيرها من الآراء الشرقية. 
وكان من بينهم رجال دين يرتدون ثيابًا سوداء» ومطارنة يسمون «الكمل» 
يُقسمون وقت ترقيتهم لهذه المناصب أن يتخلوا عن أبائهم, وأزواجهم. 
وأبنائهم» وأن يهبوا أنفسهم لله والإنجيل. وال يقربوا امرأة قطء ولا يقتلوا 
نوكتا اللحم أو البيض أو منتجات الألبان» وألا يطعموا إلا 
السمك والخضرء وكان أتباعهم يتعهدون بأن يقسموا فيما بعد على الإيمان 
بهذا( , 

وتقسم فلسفة الكاثاري الدينية الكون كما تقسمه المانوية إلى الخير 
والشر» وهى تعد المادة شرًا بما فيها الصليب الذي مات عليه المسيح- 

ويصف أعداء الألبيجينيين أولئك القوم بأنهم يرفضون العشاء الرباني 
والقداس» وتعظيم الصور المقدسة» والتثليث» ولا يؤمنون آ المسيح ولد من 
عذراء» وعندهم أن المسيح من الملائكة؛ ولكن ليس هو الله. 

ويقال عنهم إنهم ينكرون الملكية الخاصة» ويأملون أن تُقشم الطيبات بين 
الناس بالتساوي» وقد اتخذوا «١عظة‏ الجبل»””"© أساسًا لمبادثهم الأخلاقية, 
وكانوا يعلمون أن يحبوا أعدائهم» وأن يعنوا بالمرضى والفقراء» وألا يقسموا 
قط وأن يستمسكوا على الدوام بالسلم» وكان يقال لهم إن العنف يتنافى مع 
)١١(‏ المانوية نسبة إلى ماني بن فانك الفارسي ولد سئة ن اما أو سنة 15" بمدينة إكباتانا العاصمة 
الميدية القديمة وكان يزعم بأن العالم مصنوع مركب من أصلين قديمين أحدهما ور» والآخر ظلمة 
وأنههما أزليان لم يزالاء ولن يزالاء وأنكر وجود شيء إلا من أصل قديم (راجع الشهرستاني: الملل 
والتحل ج١1‏ ص؛ ؛ ”7 نحقيق: محمد سيد كيلاني» طّ الحلبي سنة 91/5 ام دإبركات دويدار: 
ا اص 0 لامطعة السعادة» ووه ا حي الزغبي : غلاة 
)١(‏ قصة الحضارة مج: جه صل8شلاء 51. 


(7) وقد وردت موعظة المسيح على الجبل بالقرب من كفر ناحوم في إنجيل متى ©: )1١:8-١‏ 


3 أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


الخلق الكريمء ولو كان موجها للمخالفين» وإن عقوبة ة الإعدام را كبز 
الجرائ 4 وإن على الإنسان أن يوقن وهو مطمئن أن الله سيعمير اين الأمر: 
على الشر من غير أن بي 3 يستعخدم وسائل شريرة0©) 

ولم يكن في هذه الفلسفة الدينية نار ولا مطهر”" بل إن كل نفس ستنجو 
بعد أن تتقلب في عدة أدوار من التناسخ تطهرها من آثامهاء ولا بد للإنسان أن 
يموت وهو طاهر لكي يصل إلى السماءء ولهذا كان عليه أن يتلقى من قس 
مسيحي القداس الأخير الذي يتم به تطهير الروح- كما يعتقدون- من آثامها. 

وكان الكاثاريون يؤجلون هذا القداس إلى مرضهم الأخير في ظنهم؛ وكان 
وكان الفلاسفة الألبيجينيون- كما يقال عنهم- يعملون لمنع هذه الكارثة 
بإقناع الكثيرين من المرضى الذين يشفون بأن يميتوا أنفسهم جوعًا ليرقوا إلى 
السماء» ويقال أيضًا: إنهم كانوا في بعض الأحيان يميتون المريض خنقًا 
برضاه حتى لا يكون ثمة مجال لالحمال شنائه مز مرطه الأ م 

هذا عن أهم أفكارهم وعقائدهم وشعائرهم. 

ويلاحظ أنها منقولة عن أعدائهم- حيث ضاع وتلف ما كتبوه عن 
)١(‏ قصة الحضارة مج؛ جه صل8لاء 79. 
)١(‏ كانت تعاليم الكنيسة الكاثوليكية تعلن أنه بالاعتراف أمام الكاهن» وقيام المعترف بما يوصيه به 
الكاهن من أعمال كفارية» وبإعلان الحل أو غفران الخطايا يحصل المعترف على رفع جرم الخطايا عنه 
وبالتبعية يرفع عنه كذلك قصاصها الأبدي - كما يعتقدون - لكن بعد ذلك يبقى ما كانوا يطلقون 
عليه «العقاب الزمني للخطيئة) والجزء الرئيسي من هذه العقوبة هو آلام المطهر التي يجب أن يجتازها 
ويعانيها 0 الالام نوع من العقوبة عن طريقها تتطهر نفس الإنسان- كما يرون- 
لكي تصبح أهلا للدخول إلى النعيم الأبدي» وقد علمت الكنيسة الكاثوليكية بأن لها السلطان ' 
لتقصير فترة يقاء نفس الإنسان في المطهر [ إذا قام ببعض الالتزامات التي تفرضها عليه في أثناء فترة 
د ع الس وكانت راوع يه ان المطهر وألامه, وكانت 


(9؟) قصة ا مج؛ جه ص 5ك2ك .8٠١‏ 


نقد الكنيسة 5١‏ 


أنفسهم- وذلك فإن التسليم الكامل بها محل نظر أو شك. 

أما عن موقفها من الكئيسة: فقد كان موققًا متشددًا حيث وجهت إليها نقدًا 
موجعًا وأنكرت أن الكنيسة كنيسة المسيح» وقالت إن بطرس تلميذ المسيح 
لم يأت قط إلى روما ولم يؤسس البابوية”'©: وأن البابوات خلفاء الأباطرة» وأن 
المسيح لم يكن له ملك ولا مال» ولكن كبار رجال الدين المسيحيين من 
ذوي الثراء العريض”") 

وما من شك- كما يقول الكاثاري- في أن رؤساء الأساقفة» والأساقفة 
ذوي الأملاك الواسعة» والقساوسة الدنيويين... هم الزنادقة الأقدمون عادوا 
ا الحياة من جديدء وأن الكئيسة الرومانية هي رمز الفسادء وأن رجال الدين 
هم زمرة الشيطان» وأن البابا هو المسيح الدجال» وكانوا ينددون بالداعين إلى 
الحروب الصليبية» ويصفونهم بأنهم قتلة» وكان الكثيرون منهم يستهزئون 
بصكوك الغفران وغيرها من الأمور التي فرضها رجال الدين7" 

إنهم نقدوا الكنيسة نقدًا لاذعًا وأظهروا الشك في صحة مبادئُ روما في 
التفسير الصحيح للكتاب المقدسء وكانوا يرون أن عيسى ليس ابن لله”». 


)١(‏ يدعى بابوات روما أنهم خلفاء لبطرس - تلميذ المسيح- ييه الكنيسة الرومانية - في 

نظرهم- وأنه أول من جاء بالمسيحية إلى روما ولقى بها من الأذى ما لقى حتى قتل مصلوبا. 
وهذه الدعوى فيها نظر فالعهد الجديد بالرغم من أنه يتحدث بالتفصيل عن حياة بطرس ونشاطه 

التبشيري إلا أنه لم يذكر شيئًا عن ذهابه | إلى روما أو وجوده فيها وزيارته لهاء كما لم يؤكد التاريخ شيثًا 

من ذلكء» لذلك يقول د/القس توفيق صالح (ووصف فيها المؤرخون كيفية سجنه وصلبه بالتفصيل غير أنه 

لا يستطيع أحد تأكيد أين؟ ومتى؟ كان ذلك بالضبط) قاموس الكتاب المقدس ص 117. (ويذهب بعض 

ثقات العلماء - كما يقول حبيب سعيد - أن بطرس لم يذهب إلى روما إطلامً) تاريخ المسيحية (فجر 

المسيحية) ص"4 دار التأليف والنشر للكنيسة الأسقفية سنة 5 راجع أيضًا بحث «(البابوية 

وسيطرتها على الفكر الأوربي في العصور الوسطى) ص7١- ١٠١‏ 

/٠١ قصة الحضارة مج؛ جه ص 1لاء‎ )١( 

(؟) نفسه ص .4١ 238٠١‏ 

(5) معالم تاريخ الإنسانية (المجلد الثالث) ص 4 .1١0‏ 


9 أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


انتشرت هذه الجماعة انتشارًا كبيرًا في بعض بلدان أوربا وكان لها أتباع 
كثيرون. :وربما يرجع ذلك إلى شجاعتهم ني نقد رجال الدين وجرأتهم في 
مخالفة الكنيسة. والتنديد بالفساد الأخلاقي الذي تفشى بين البابوات 
والأساقفة ورجال الإكليروس. 

وقد علل «جون لوريمر» انتشار هذه الجماعة بقوله: بسبب مستوياتهم 
الشع20, 

قاومت الكنيسة هذه الجماعة مقاومة شديدة ورأت فى وجودها خطوا على 
4م- وهو الذي كان له دور كبير وأساسي في نشأة محاكم التفتيش 
بسبب هذه الجماعة- رأى في وجود هذه الجماعة وانتشارها حطوا مسقا 
بالكنيسة فأصدر الأمر بقمعهم وبشن حملات ضارية عليهم'". 

وكتب إنوسنت الثالث بعد شهرين من توليته إلى رئيس أساقفة أوتشى في 
غسقونية يقول: 

إن قارب القديس بطرس الصغير تتلقفه العراصف»ء وتتقاذفه أمواج البحر 
ولكن أشد ما يحزنني ويقض مضجعي. .. أن قامت في هذه الأيام فىة لم نر 
لها فيما مضى مثيلاً في تحررها من جميع القيود وفي شدة أذاهاء فقد 
ارتكبت أخطاء لا يرتكبها إلا الشياطين؛ وأخذت توقع نفوس السذج من 
الناس في حبائلهاء وتفسد بخرافاتها وبدعها معاني الكتاب المقدسء وتحاول 
أن تهدم وحدة الكنيسة الكاثوليكية» وإذا كان هذا الوباء قد أذ ينتشر في 
غسقونية ة والأقاليم المجاورة لهاء فإنا ندع وكم أنتم والأساقفة زملائكم إلى 


.547 تاريخ الكنيسة ج؛ ص‎ )١( 
؟) راجع بحث البابوية ص 54 وما بعدها.‎ 


نقد الكنيسة 1 


مقاومته بكل ما أوتيتم من قوة... وقد أصدرنا إليكم هذا الأمر القوي النافذ أن 
تقضوا على هذه الففات الملحدة بكل ما تستطيعون من الوسائل» وأن تخرجوا 
من أسقفيتكم كل من أصابهم دنسها... وفي وسعكم إذا اضطررتم أن تجعلوا 
الأمراء والشعب يقضون عليهم بحد السيف0"©. 

وقد صورت المراجع التاريخية والمسيحية» الحملات التي شنها رجال 
الدين المسيحي ضد هذه الجماعة بصورة بشعة. 

فعلى سبيل المثال يذكر الكاتب المسيحي جاد المنفلوطي أن الحرب ضد 
فؤلاء اتشهعت بقسوة بالغة» ووحشية منقطعة النظير» ويكفي أن نعرف أنه 
بتحريض البابا والسلطات الديئية تم تجنيد جيش قوامه نصف مليون رجل 
زحفوا على المناطق التي كان يقيم فيها الألبيجيون ويمارسون فيها نشاطهم؛ 
فسلبوهاء وأشاعوا الخراب أينما حلواء وعندما وقعت في أيديهم معاقل 
الألبيجينيين لم يرحموا امرأة» ولا طفلكٌ ولا شيحًاء ولم ينج منهم أحد إنهم 
أعملوا فيهم حرقًا وتقتيلاً بلا رحمة ولا شفقة؛ والأمر المؤسف حمًا هو أن 
هذا كله فعلوه باسم الدين”". 

وولاكر قعرة الوريير” أنهاتحينيا أمندو النانة«[ترسفت العالك) الأمن يتمع 
الألبيجينيين قامت حملة صليبية بالتعاون مع ملك فرنسا كانت نتيجتها إبادة 
جماعية إذ انتهت هذه الجماعة في الواقع بمذبحة» ففي مدينة «بيزيير» قتل 
بحد السيف أكثر من سبعة آلاف من الرجال والنساء والاطفال”". 

وصور «ولز» هذه الحملات بتصوير قريب مما سبق لكنه يؤكد على صحة 
ما حدث تأكيدًا لا شك فيه فيقول: ومن ثم نرى مشهدًا يبدو فيه إنوسنت 
الغالث وهو يحرض على حرب صليبية ضد هاته الشيع» ويأذن لكل نذل زنيم 
)١(‏ قصة الحضارة مج؛ جه ص89. 


هه المسيحية في العصور الوسطى ص ”2353 .١55‏ 
() تاريخ الكئيسة ج14 ص 47. 


ع" أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


أو متشرد أثيم بأن ينضم إلى الجيش وأن يعمل السيف والنار» واغقتصاب 
الحرائر» ويرتكب كل ما يمكن أن يتصوره العقل من أنواع انتهاك 
الحرمات... والقصص التي تروى عن هذه الحرب الصليبية تحكي لنا من 
أضرب القساوة والنكال البشع ما يتضاءل إزاء بشاعته قصة أي قتل 
للمسيحيين على أيدي غيرهم؛ وهي فوق هذا تسبب لنا رعبًا مضاعمًا لما هي 
عليه من صحة لا سبيل إلى الشك فيها0"©. 


الولدانيون: 

الولدانيون من الحركات التي جاهرت بنقد الكنيسة؛ وعارضت أرائهاء 
وأظهرت السخط على رجال الدين» ونددت بفسادهم ومساوئهم. 

مؤؤسس هذه الجماعة بطرس والدو المتوفى سنة /1 ام وكان تاجدا من 
ليون قف فرنسا90: 

«لم يكن يقل عن الآخرين مضايقة للكنيسة؛ لأنه كان ينعى على رجال الدين ثرائهم 
ارقي 

«واصطبغت هذه الحركة تدريجيًا صبغة معادية لرجال الدين» ونبذتهم جميعاء 
وأنكرت صحة العشاء الرباني الذي يقدمه قس آثم. وعارض بعض الأعضاء صكوك 
الغفران». وعقيدة المطهر)”*؟؟. 
عام 44١١م‏ قرار بحل هذه الجماعة. قبل إنوسنت الثالث في الكنيسة عام 
5٠م‏ فئة منها- بمعنى أنه عفى عنهم وقبلهم أعضاء في الكنيسة بعد أن 
رجعوا عن أفكارهم وتابوا عنها- أما كثرتها الغالبة فقد أصرت على آرائها 
)١(‏ معالم تاريخ الإنسانية المجلد الثالث ص 2.4٠84‏ 5.08. 
(1) تاريخ الكنيسة ج4 ص ”47. 
(؟) معالم تاريخ الإنسانية انمجلد الثالث ص 4 .5٠‏ 
(5) قصة الحضارة مج؛ جه ص"7. 


نقد الكنيسة ا 


الخارجة على الدين المسيحي» وانتشرت من فرنسا إلى أسبانيا وألمانيا. 

فاونيك الكديسة مده الحركات »رأ رقع الاق الأسحاصن من اتباع 
«والدو»”؟. 

هذه هى بعض الأمئلة لوصف اتجاه النقد العام للكنيسة الذي تولد نتيجة 
سيطرة الكنيسة على مقاليد الأمور» وتعصبها ضد الفكر المخالف. 

والواقع أن هذا النقد كان هو المحرك لتلك الحركات الإصلاحية التي 
ظهرت فيما بعد تنادي بإصلاح الكنيسة. فهو الذي حدا ببعض المفكرين 
المسيحيين أن يتجرءوا أكثر ويوجهوا سهامهم النقدية صوب الكنيسة؛ 
ويجهروا بعدم الثقة بأمور آمنت بها الكنيسة وفرضتها على الناس فرضًا طوال 
فترة العصور الوسطى مثل: المطهرء وصكوك الغفران» وسلطة الباباء وأسلوب 
نظام الأسرار الكنسية المقدسة- عندهم- وغيرها. 

وقد ينظر إلى هذا النقد بمنظورين: 

الأول: يرى فيه أنه ينادي بإصلاح الكنيسة ولذلك فهو ليس خروجًا على 
الكنيسة بقدر ما هو إصلاح لها. 

القائق : أن النقد في حد ذاته للكنيسة- في تلك العصور- أمر يستوجب 
التوقف والنظر خاصة إذا علمنا أنه في تلك الفترة- فترة العصور الوسطى- لم 
يكن يجرؤ أحد على مخالفة الكنيسة أو الخروج عليهاء ولذلك يعد هذا النقد 
بمثابة الانتصار على الواقع المتحجرء والعقل المتسلط. 

وسواء أكان هذا المنظور أم غيره فإن ما ينبغي التأكيد عليه هنا في هذا 
المجال هو أن النقد كان موجهًا لأمرين: 

-١‏ الكنيسة ورجال الدين القائمين عليها. 


(1) نفسةه ص 5لاء /الا. 


6" أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


؟- ما تنادي به الكنيسة من عقائد وأفكار. 

وهذا يعني أن النقد في حد ذاته لم يقصد به الإصلاح فقط. 

ولذلك يمكن اعتباره ممهدًا لحركة الإصلاح الديني الأوربي ولغيرها من 
الاتجاهات الفكرية الحديثة والتي لها صلة من قريب أو بعيد بالدين. 

أمر آخر يستوجب التوقف والنظر وهو أنه إذا كان رجال الدين سببا في 
النقد» فإن العقائد المسيحية وها لقطري علل نين تناد نبو لفقل كانت هبيه 
أيضًا في نقدهاء بل وإنكارها في بعض الأحيان» كما هو الحال عند 
الكاثاريين الذين أنكروا التثليث ورفضوا القول بأن المسيح هو الله. 

مما يعني أن الدين المسيحي بما يحتوي على عقائد معينة هو سبب من 
أسباب النقد والخروج على الكنيسة وربما على الدين أيضًا. وهو أمر خاص 
بهذا الدين وراجع إليه وحده ولا ينسحب بالطبع هذا الحكم على غيره من 
الأديان التي لا تشتمل ولا تحتوي على هذا التناقض. . 


لبد يننا تن 


بوادر الصراع بين الدين والعقل /10 
الخلا ساله ات ا ا اا ا 10 


ثانيًا: بوادر الصراع بين الدين والعقل 

لا شك أن إعاقة الكنيسة للفكر في العصور الوسطى كانت سببًا في أن حل 
الظلام في أورباء وساد الجهلء وأصيب العقل الأوربي بنوع من الفتور 
والخمول والكسلء مما كان له أثره في موقف العقل من الكنيسة وتعاليمها 
فيما بعد. 

وفي تلك الفترة الأولى من العصور الوسطى لم يكن هناك عداء أو نزاع بين 
الدين والعقل حيث «مسالمة العقل للكنيسة» وانسياقه في ركابها والتبشير 
بتعاليمها»”2 دون نقد أو مناقشة خوفًا من سلطانهاء واتقاءً لشرورهاء وحرصًا 
بن الأفراة على حياتهم من التدكال والأضطلهان. وليب 

وقد شرع العقل الأوربني منذ القرن الثاني عشر في أن يستيقظ من سباته» 
ويفيق من غفلته» ويختط لنفسه طريقًا يعبر فيه عن نفسه؛ ويكافح فيه من أجل 
تغيير الواقع الذي كان سائدًا بفعل رجال الدين المسيحي. 

وحينما هب العقل ليحقق لنفسه هذا اصطدم بالكنيسة ورجالها وتعاليمهاء 
فلم يكن بد من أن يحدث نزاعًا بين أصحاب الفكرء ورجال الدين» وبالتالي 
لا بد وأن يحدث صراعًا بين ما تنتجه عقول المفكرين من علم» وبين ما تؤمن 
به الكنيسة من دين متمثل في مجموعة من العقائد والشرائع. 

يقول توفيق الطويل: «فلما أقبل القرن الثاني عشرء أفاقت أوربا المستغرقة في 
سباتها على دعوة جديدة لا تساير روح العصر نادى بها «أبيلارد؛ وطالب فيها بتحرير 
العقل من كل قيد واعتباره الحَكم الذي يفصل في كل رأي» ويعرض بالمناقشة الحرة 
حتى لحقائق الدين» وتعاليم الكنيسة المقدسة»”". 


.15 258 نفسه ص‎ )7١١( 


5 أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


هناك أكثر من شخصية بارزة في تلك الفترة مثل: 

بطرس أبيلارد -١017/9(‏ 147١١م)»‏ أنسلم (17--3١١١م)»‏ ألبرتس 
ماجنوس 6919 -١‏ 6٠78١م)»‏ وتوماس أكونياس -١7978(‏ 1171/4م)20. 

وأبرز هؤلاء للتعبير عن هذه الروح في تلك الفترة هو بطرس ابيلارد ولذلك 
سنتحدث عنه بالتفصيل. 

هو فيلسوف فرنسي» يعد من أشهر رجال القرن الثاني عشر في علم 
الجدل”"» كما أنه صاحب فلسفة الشك والتشكك في كل شيء حتى في 
طبيعة المسيح””". 

ولذلك نرى البعض- كما يذكر د/ عبد الرحمن بدوي- يرتفعون به كل 
الارتفاع فيجعلونه أعظم شخصية في العصور الوسطى من حيث إيمانه بالعقل 
دون أن يحسب حسابًا للنقل ولا معتقدات الكئيسة7). 

أما عن أقواله وآرائه فقّد قسمها الدارسون إلى قسمين: 

قسم يتصل باللاهوت أو على الأخص بالدين المسيحي. 

وقسم يتصل بالمنطق والفلسفة بوجه عام . 

وسنكتفي بالإشارة إلى القسم الأول لأنه وثيق الصلة بموضوع البحث. 
)١(‏ وقد تحدث «ولز) عن هؤلاء وغيرهم تحت عنوان (العلم يستيقظ من سباته). معالم تاريخ 
الإنسانية» المجلد الثالث ص /ا9؟و- .1١٠١‏ 
(؟) يوسف كرم: تاريخ الفلسفة الأوربية في العصر الوسيط ص ٠١7”‏ الطبعة الأولى» دار الكاتب 
المصري سنة 555١م‏ القاهرة. 
(”) د/جوزيف نسيم يوسف (في تعليقه على كتاب: عالم العصور الوسطى في النظم والحضارة. 
مؤلفه الإنجليزي كولتون» هامش ص )١١١‏ ط ثانية دار المعارف سنة 951 ١م)‏ القاهرة. 
(4) د/عبد الرحمن بدوي: فلسفة العصور الوسطى ص 28١ »8٠١‏ الطبعة الثالثة. وكالة المطبوعات 


الكويت» دار القلم» بيروت سنة 917/5١م.‏ 
(ه5) نفسه ص .8١‏ 


بوادر الصراع بين الدين والعقل 5.5 
ا 


واشهل كتبه- في اللاهورت- كتاب «مقدمة إلى اللاهوت:20 وكتاب انعم 
ولا(" الذي أثار الجدل والنقاش» ويعد أشهر كتبه على الإطلاق. 

وفيه يضع أبيلارد جنبًا إلى جنب أقوالاً متناقضة قالها آباء الكئيسة 
الأولون- أ المسائل اللاهوتية- وقد أوضح ما بينها من تناقض0© 

كر فز بها الكقاي بان اب لوطي يرتشيل اهما 
العقائد الآساسية للدين المسيحي» وقد وضعت في عمودين متقابلين تحت 
كل سؤال طائفتان من الأقوال إحداها تؤيد الرد الإيجابي» والأخرى تؤيد الرد 
السلبى» وكلتاهما مقتبسة من الكتاب المقدسء أو من آباء الكنيسة؛ أو من 
الآداب اليونانية الرومانية القديمة0©» 


)١(‏ نفسهء نفس الصفحة. وقد طالب فيه بتنصيب العقل حكمًا في المشكلات الدينية (عبده فراج: 
معالم الفكر الفلسفي في العصور الوسطى ص 4 الطبعة الأولى» مكتبة الأنجلو المصرية» سنة 
468 أم). 

(1) ونجد أول ذكر لهذا الكتاب في رسالة كتبها رجل من سانت تييري يدعى «وليم) | إلى أحد رجال 
الدين المسيحي برنار ٠(‏ 0 يصف له فيها ذلك الكتاب بأنه كتاب مريب يوزع سرًا بين تلاميذ 
أببلارد والمتشيعين له ثم اختفى هذا الكتاب بعدئذ من التاريخ حتى عام ام حين كشف فكتور 
كوزن المخطوط بمكتبة في أفرانش (قصة الحضارة مج ج7 ص4 7) وفي تعليق (المؤرخ الهولندي 
يوهان هويز نجا) على عنوان الكتاب يقول (وماذا ينبغي للمرء أن يقول في عبارة أبيلارد الشهيرة (نعم 
ولا) التي أثارت ذلك القدر الضخم من عدم الثقة بين معاصريه.. .. إنها لتحوي بذور منهج كامل في 
فقه اللغة يطبق على الكتب المقدسة - المسيحية- ومأثورات الروايات- عندهم- وفيها يثير الرجل كل 
لون من ألوان الشك: فهل النص محرف؟ وهل أخطأ الكاتب؟ أم هل أساء الناس فهمه؟)؛ يوهان: 
أعلام وأفكار نظرات في التاريخ الثقافي ص77 7. ترجمة: عبد العزيز توفيق جاويد» مراجعة: د/زكي 
نجيب محمود» الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 915١م‏ القاهرة. 

(") نفسه نفس الصفحة؛ راجع أيضًا: كراوذر: صلة العلم بامجتمع ج١‏ ص١١5.‏ ترجمة: حسن 
خطاب» مراجعة: محمد مرسي 0 المصرية. 

(4) بيدما يذكر يوسف كرم أن أبيلارد يعرض في كتابه مائة وخحمسين مسألة لاهوتية (تاريخ الفلسفة 
الأوربية في العصر الوسيط ص 4 006 

(0) قصة الحضارة مج4؛ ج5 ص 4 7. راجع أيضًا: عبده فرج: معالم الفكر الفلسفي في العصور 
الوسطى ص 187. 


3 أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


أما عن «هدف أبيلارد» من عرض هذه المسائل اللاهوتية بهذه الصورة فيبدو 
أن هناك اتجاهين: 

فريق يرى: أن أبيلارد لم يرد من هذا حلا لهذه المسألة بل أراد إثبات أن 

وفريق آخر يرى: أن أبيلارد إنما ذكر الأقوال المؤيدة والمعارضة من أجل 
التوفيو7) بين كلا النوعين من الأقوال"©, 
الكنيسة لأنها تظهر ما بينهم من تناقض»ء بل إنها لتظهر تناقض كل منهم 
جه د 

ويلاحظ أيضًا وضوح النزعة العقلية©2 لدى أبيلارد في هذا الكتاب وفي 
غيره من كتبه الدينية ومنها كتابه في «التوحيد والتثليث» الذي ألفه سنة 
م وصودر في عام ١م‏ في مجمع سواسون”“. 
بما لا يفهمونء وأبرز ما بين القول بالواحد والقول بالثلائة من تناقض. 

لقد انحاز إلى التوحيد ولجأ إلى تأويل الأقانيم!”. 

يقول ول ديورانت: «وإذا كان كتابه (نعم ولا) لم يغضب إلا عددا قليلا من الناس 


)١(‏ يقول يوسف كرم: إن أيبلارد إنما جمع هذه النصوص ليثير المسائل ويبعث في النفوس الرغبة في 
الكشف عن وجه الحق فيهاء ثم يحاول التوفيق. تاريخ الفلسفة الأوربية ص .٠١4‏ 

(؟) فلسفة العصور الوسطى ص .8١‏ 

(7) قصة الحضارة مج؛ ج" ص؛ل. 

(4) يقول كراوذر: (وقد عكر أبيلارد على امحافظين صفوهم بتطرفه في الثقة بالعقل وحبه للتجديد) 
صلة العلم بالمجتمع ج١‏ ص .71١٠١‏ 

(5) فلسفة العصور الوسطى ص .8١‏ 

(7) معالم الفكر الفلسفي في العصور الوسطى ص .١87‏ 


بوادر الصراع بين الدين والعقل 5١‏ 


لأنه لم يوزع منه إلا عدد قليل من النسخ . «فإن ما حاوله أبيلارد من تحكيم العقل في 
موضوع التثليث» وهو الموضوع الشديد الغموض لم يكن له ذلك الأثر الضيق الذي 
كان لهذا الكتاب»» ولم يكن ارتياع الناس محصورًا في القليل منهم وذلك لانه 
كان موضوع محاضرته التي ألقاها في عام ١٠١١م؛‏ وموضوع كتابه في 
وحدة الإله والتغليث20: 

وقد كتب هذا الكتاب كما يقول هو نفسه: لطلابي لأنهم كانوا على 
الدوام يبحثون عن المعقول وعن الشروح الفلسفية») ويسألون عما يستطيعون 
فهمه من الأسباب لا عن الألفاظ دون غيرهاء «ويقولون: إنه من العبث أن ننطق 
بألفاظ لا يستطيع العقل تتبعهاء وأنه لا شيء يمكن تصديقه إلا إذا أمكن فهمه أولاء 
وإن من أسخف الأشياء أن يعظ إنسان غيره بشيء لا يستطيع هو نفسه أن يفهمهء ولا 
يستطيع من يسعى لتعليمهم أن يفهموه» وهو يقول: إن هذا الكتاب (انتشر انتشارًا 
انعا جد :وأن الناس أعجيوا يما فيه من دق 

وكان الذي أزعج الكنيسة أكثر من أي أمر آخر تبينته عند أبيلارد هو 
افتراضه أن لا أسرار فى الدين» وأن العقائد كلها يجب أن تكون قابلة للتفسير 
القائم على العقل”". 

ولهذا وقف همنه «برنارد)0؟) موقف العداء حيث كان يرى- شأنه فى ذلك 
شأن رجال الدين المسيحي- «أن من يحاول تفسير الأسرار المقدسة- عندهم- 
بقواعد العقل والمنطق فهو المعصية والحماقة بعينهاء وأن العقل الذي يبدأ بتفسير هذه 
)١(‏ قصة الحضارة مج؛ ج" صه/2ء 5ل.. 
)1١١(‏ نفسه ص 5/. 
(١؟)‏ نفسه ص "8. 
(4) ولد برنارد أوف كليرفو سنة ١5١٠م‏ وهو من الشخصيات الدينية البارزة في تلك العصور» :سس 
ديره المعروف في كليرفو وأصبح رئيسًا له» وكان يتمتع بنفوذ كبير ونشاط فائق فهو الذي حسم النزاع 
البابوي سنة 0٠7١١م.‏ وقضى على الانقسام الكنسي يإعادة إنوسنت الثاني إلى روماء ودعا إلى 
مقاومة أبيلارد واتهمه بالإلحاد(راجع هامش عالم العصور الوسطى في النظم والحضارة ص 7؟١).‏ 


3 أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


الأسرار الخفية سينتهي آخر الأمر إلى تدنيسها»”"2. 
تصدى رجال الدين لمقاومته» ومقاومة النزعة الجديدة التي ينادي بهاء 
واتهم بالهرطقة7". 

وانعقد لمحاكمته مجمع سواسون عام ١7١١م,‏ وأدان المجمع رأيه» من 
غير أن يستمع إليه وقرر إحراق كتابه الذي تناول فيه عقيدة التثليث» واستدعى 
أبيلارد» وأرغم على أن يلقي كتابه في النار ثم سجن في أحد أديرة سواسون» 
ولكنه عاد إلى مواصلة بحثه في حدود. منهجه العقلي» واستطاع «برنارد» أن 
ينجح في عقد مجلس لمحاكمته في سان عام ١4١١م؛‏ فارتحل أبيلارد 
وساف إلى روما متدرغا سحت ةا «الناياء ولك فيه قن لنت غلته الأساقفة 
ورجال الدين؛ وتمكن- في العام التالي- من استصدار قرار بإدانته» ووافق 
البابا على حرمه من التعليم» وفرض الصمت الدائم على أبيلارد» وأمر بحجزه 


في أحد الأديرة حتى مات سنة 1417 11م0©. 


اضطهدته الكنيسة إذن وحكمت عليه بالخروج على الدين لأنه حكم العقل 
في مسائل الدين» ونادى باستخدامه في فهم العقائد المسيحية. 

وكان نتيجة لهذا أن أنكر أبيلارد بعض العقائد أو حاول تفسيرها بما رآه 
رجال الدين المسيحي غير مناسب» وكان هذا نذير خطر بالنسبة لهم حيث 
إن استخدام العقل في فهم مسائل الدين سوف ينتج عنه الكثير من 


.87 قصة الحضارة مج؛ ج”" ص‎ )١( 

)1١(‏ الهرطقة: كلمة يونانية الأصل معناها: (الرأي المستقل) أو (الاجتهاد الفردي)؛ وقد استخدمتها 
الكنيسة بمعنى المذهب الخارج على المسيحية» وعلى ما تقرر في المجامع المسيحية» وعلى ما يقوله الأباء 
والقساوسة (راجع د/إسحاق عبيد: الإمبراطورية الرومانية بين الدين والبربرية ص 74؛ دار المعارف 
سنة 59177١م»‏ د/محمود محمد الحويري: رؤية في سقوط الإمبراطورية الرومانية» هامش ص ه27 دار 
المعارف سنة ١1948١م).‏ 

(؟) راجع في ذلك: قصة الصراع بين الدين والفلسفة ص 45» قصة الحضارة مج4 ج" ص6 7/7ء 
اا 


بوادر الصراع بين الدين والعقل رضن 
المشكلات التي لا تستطيع الكئيسة ولا يستطيع رجال الدين وضع الحلول 
المناسبة لها. 

ولذلك بدأت تظهر في أوربا بوادر النزاع بين العقل والدين. 

أسبابه: 

وهنا يجب أن ننبه إلى أن هذا النزاع تولد نتيجة لعدة أمور لعل أهمها ما 

-١‏ طبيعة الدين المسيحي واحتوائه على مسائل عقائدية غامضة» وأصول 
إيمانية معقدة تثير التناقض؛ وتقف عقبة أمام التفكير العقلي» كما أنها لا توفر 
للعقل حرية النظر والتفكر فيها لمناقضتها لقواعده. 

وهذا يرجع إلى التحريف والتغيير والتبديل الذي لحق بالدين الذي جاء به 
المسيح عيسى عليه السلام وذلك بعد رفعه. 

إن الدين المنزل من عند الله لا يختلف ولا يتناقض مع العقول بل يتواءم 
معهاء ويثيرها وينشطها إلى التفكر والتأمل والتدبر والتصديق. 

إنه يجعل من النظر والتفكر وسيلة من وسائل التقرب إلى الله؛ ويأخذ 
بأيدي البشر إلى الإيمان والتصديق؛ لاحتوائه على دلائل وبراهين يمكن 
إدراكها وفهمها بالعقل. 

أما ما أصاب المسيحية من تعقيد في عقائدهاء وعدم معقوليتهاء وتعارضها 
مع حقائق الأمورء وتناقضها مع قواعد العقول» فذلك راجع إلى أنها تكونت 
من عدة أديان وفلسفات وثنية مختلفة؛ إنهم حرفوا وغيروا وبدلوا ما جاء به 
المسيح بهذه العقائد الوثنية. 

إن المسيحية نتاج مركب من أديان وفلسفات مختلفة. 


عم أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


يقول شارل جنيبير: 

«أنشأت الكنيسة مجموعة عقائدية جديدة بالغة التعقيد»”". 

ويقول ول ديورانت: (إن المسيحية لم تقض على الوثنية بل تبنتهاء لف أذ 
العقل اليوناني المتحضر عاد إلى الحياة في صورة جديدة في لاهوت الكنيسة 
وطقوسهاء وأصبحت اللغة اليونانية التي ظلت قرونًا عدة صاحبة السلطان علي 
السياسة أداة الآداب والطقوس المسيحية؛ وانتقلت الطقوس اليونانية الخفية 
إلى طقوس القداس الخفية» وساعدت عدة مظاهر أخرى من الثقافة اليونانية 
على إحداث هذه النتيجة المتناقضة الأطراف» فجاءت من مصر آراء 
الغالوث... وعبادة أم الطفل... ومنها استمدت الأديرة نشاطها والصورة التي 
نسجت على منوالها... ومن فريجيا جاءت عبادة الأم العظمى» ومن سوريا 
جاءت عقيدة موت الإله وبعثه... وقصارى القول: إن المسيحية كانت آخر 
شيء ابتدعه العالم الوثني القديم)”". 

إن ما أصاب المسيحية من تعقيد وعدم إدراك الأفهام لعقائدها إنما هو 
راجع إلى تكوينها واحتوائها على العديد من العقائد الدينية والفلسفية في 
أديان وفلسفات وثنية مختلفة. 

وقد أقر المسيحيون أنفسهم بتناقض بعض عقائدهم مع حقائق الأمور, 
وقواعد العقول. 

فعن عقيدة التجسد- وهي تعني عندهم أن الله تجسد وظهر في صورة 
إنسان- يقول القس وهيب عطا الله: «إن التجسد قضية فيها تناقض مع العقل 
والمنطق. والحس» والمادة» والمصطلحات الفلسفية» ولكنا نصدق ونؤمن أن هذا 


)3غ( شارل جنيبير: المسيحية نشأتها وتطورها ص 7١ح‏ ترجمة: د/|عبد الحليم محمود. المكتبة 
العصرية» صيدا - بيروث. 
(؟) قصة الحضارة مج ج” ص 750؟. 


بوادر الصراع بين الدين والعقل حاد 
لخت و ا لا اسك ال ل 7 اس 11 1 


ممكن ولو لم يكن معقولا»”'". 

وعن الثالوث يقول القس توفيق جيد: «إن الثالوث سر يصعب فهمه وإدراكه 
وإن من يحاول إدارك سر الثالوث تمام الإدراك كمن يحاول وضع مياه المحيط كله في 
كفه)”". 

وعن الثالوث أيضًا يقول نقولا يعقوب: «لست أحاول الآن تفسير عقيدة لم 
يستطع تفسيرها الأوائل» ولن يتوصل إلى إدراك كنهها الأواخر»”". 

ويقول د/ محمد مجدي مرجان- الذي كان مسيحيًا وأنعم الله عليه 
بالإسلام-: «لقد قمت بمناقشة كثير من الإخوة المسيحيين في مدى فهمهم وتقبلهم 
لهذه العقيدة. تارة حين كنت محسويا في الجماعة المسيحية. وتارة بعد انسلاخي 
عنهاء وكثير من هؤلاء المسيحيين أصدقاء وأقارب يولوني ثقتهم» ويصدقوني الحديث 
فأخبروني أنهم لا يستطيعون فهم كنه الثالوث المقدس- عندهم- وأن كثيرين منهم 
يعيشون في صراع بين عقولهم. وموروث معتقداتهم» وحين تناقشت في ذلك مع بعض 
الآباء الكهنة أخبروني أنه يجب الإيمان بالثالوث دون أي تمحيص أو تفكيرء وأنه يلزم 
التسليم بهذا الاعتقاد الثالوثي تسليمًا مطلقّاء أي تسليمًا أعمى» فعلى المسيحي أن 
يؤمن ويعتقد أولا في الثالوث ثم يمكنه أن يجتهد بعد ذلك في فهم ما اعتقد فإذا لم 
يفلح في ذلك فإنه خير له أن يلغي عقله؛ ولا يلغي عقائد الآباء وتراث الأجداد 
وتعاليم القسوس)49) 

والواقع أن هذا تصوير معبر عن حقيقة الصراع الداخلي الذي يعانيه من 
يعتقد بالغالوث» إنه صراع حقيقي بين العقل والعقيدة الموروثة ولا حل له 


.١8 وهيب عطا الله: طبيعة السيد المسيح ص‎ )١١( 

00 تاقيق جيك بس الأزل: ف 11 

() نقولا يعقوب: أبحاث امجتهدين في الخلاف بين النصارى والمسلمين ص 55 طبعة المعارف سنة 
١.5م.‏ 

(5) د/محمد مجدي مرجان: الله واحد أم ثالوث ص 277 دار النهضة العربية سنة .١91/19‏ 


“3 أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


وك راناائلة رب زاقطم ١‏ ام فر 

أما أصحاب العقول الذين يتمسكون بحقهم في التفكير والتأمل فلا بديل 
لهم سوى إنكار هذه العقيدة المسيحية. 

وهذا الصراع هوا :أضاتت «بطرس أبيلارد» وسيصيب كل صاحب فكرء 
وهو الذي حدا ب«أبيلارد» أن يقول لطلابه- حين أراد النظر والتفكير في عقيدة 
التثليث. وقد ترتب عليه إنكاره لها- إنه من العبث أن ننطق بألفاظ لا يستطيع 
العقل تتبعهاء وأنه لا شيء يمكن تصديقه إلا إذا أمكن فهمه أولأء وإن من 
أسخف الأشياء أن يعظ إنسان غيره بشيء لا يستطيع هو نفسه أن يفهمه ولا 
يستطيع من يسعى لتعليمهم أن يفهموه0". 

ولذلك كان جزاؤه من رجال الدين المسيحي أن ناصبوه العداء» وحكموا 
عليه بالسجن؛ وفرض الصمت الدائم عليه حتى الموت. 

قد يقول قائل: إن الأديان كلها بما فيها الإسلام لا تخلو من مغيبات» أو 
حقائق لا يستطيع العقل إدراكها. 

ولكن يدفع هذا القول أن هناك فارقًا بين ما يحكم العقل باستحالته 
كالتثليث» وبين ما لا يستطيع العقل إدراكه. 

والإسلام وإن كان فيه من الأخيرء فإنه يخلو تمامًا من الأول فليس فيه ما 
يحكم العقل باستحالته أَبدًا0"©. 

إن الأمر في الإسلام مختلف تمامًا فلا يوجد في الإسلام عقيدة تتناقض مع 
العقول ولذلك لا يوجد فيه هذا الصراع الذي يعانيه المسيحي. 

إن الإيمان في الإسلام يقوم على أساس من التفكير والنظر بل إن القرآن 


)١(‏ قصة الحضارة مج ج57" ص"ل. 
(؟) د/سفر عبد الرحمن: العلمانية نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة الإسلامية المعاصرة ص »4١‏ 
الطبعة الأولى» جامعة أم القرى سنة 3/01١م.‏ 


بوادر الصراع بين الدين والعقل ا 
لا يوك ا ال ل عو 22 لل 22 ل االو ال ال ااه ا ا 3 
نعى على أولئك المقلدين الذين لا يفقهون ولا يعقلون ما يدينون به قال 
تعالىن: لإوَإدًا قبِلَ كر تَمَالَوَاْ إل مآ أَنزْلَ ألّهُ وَإِلَ الرَسُولٍ َالَو حَسَبْنَا ما 
وَجَدَنَا عه ابم ولو كان َابَآَوْهُمْ لا يَعَلَمُونَ شيعا وَلَا يبِتَدُونَ4 [المائدة: 4 ]٠١‏ 

-١‏ هيمنة رجال الدين المسيحي على مقاليد الأمور وبسط نفوذهم على 
العلم والعلماء» ومقاومتهم للنظر العقلي» وتعصبهم المقيت» وعدم تسامحهم 
مع المخالفين لهم في الرأي؛ أو التأويل» وتحاملهم عليهم لدرجة اتهامهم 
بالخروج على الدين» بل إنهم نصبوا المحاكم لمحاكمتهم وطردهم من 
الكنيسة؛ والحكم عليهم بالسجن تارة واللعن والقتل تارة أخرى» وتمثل ذلك 
فيما سمي بمحاكم التفتيش كما سبق أن ذكرنا. 

#- استبداد الكئيسة بفهم الكتاب المقدس. وهذا السبب ذكره الشيخ 
محمد أ زهرة خنث قال20: 

«القد احتجزت الكنيسة لنفسها الح في فهم الكتب المقدسة عندهم» واستبدت 
بتفسيرها دون سائر الناس» ولا معقب لما تقول في هذا التفسير» أو في أي رأي تبديه؛ 
أو أمر تعلنه» وعلى الناس أن يتلقوا قولها بالقبول» وافق العقل أو خالفه. وعلى 
المسيحي إذا لم يستسغ عقله قولا قالته» أو مبدأ دينيًا أعلنته أن يروض عقله على 
قبوله» فإن لم يستطع فعليه أن يشك في العقل» ولا يشك فيما تقوله الكنيسة أو تتبناه» 
لأن البابا- في نظرهم- هو خليفة المسيح». 

لقد كانت تعلن أمورًا ما جاء بها الكتاب المقدس عندهم. وما تعرض له 
المسيحيون الأولون» ولا المجامع الأولى وهي أمورغريبة جد غريبة بعيدًا عن 
القبول في أحكام العقل جد البعد, وتلزم المسيحيين بها وتفرضها عليهم فرضًا ومن 
قال كلمة فيها فالويل له» ينزلونه به في الدنيا ولا ينتظرون حساب الآخرة. 


)١(‏ الشيخ محمد أبو زهرة: محاضرات في النصرانية ص ”٠ 25١”‏ الطبعة الخامسة؛ دار الفكر 
العربي سنة 911١م‏ القاهرة. 


8 ثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


وذلك مثل تفسيراتهم لبعض الأسرار والشعائر المقدسة عندهم كتفسيرهم 
للعشاء الرباني واعتقادهم بتحول الخبز الذي يتناولونه إلى جسد المسيح 
والخمر إلى دم المسيح وغيرها من الأمور التي لا يستطيع العقل فهمها!! 

ولذلك وقف «يرنارد» موقف العداء من «أبيلارد» الذي نادى بأنه لا أسرار 
في الدين وأنها يجب أن تكون قابلة للتفسير القائم على العقل. 

وقد سبق أن أشرنا إلى قول «برناره» أن من يحاول تفسير الأسرار المقدسة- 
عندهم- فإنه يرتكب إثمًا كبيرًا ومعصية وذنبًا عظيمّاء وقوله بأن العقل الذي 
يبدأ بتفسيرها سينتهي به الأمر إلى تدنيسها. 

إن هذا الاستبداد وتلك الممارسات كانت سببًا في إثارة النزاع بين الدين 
والحقل وإدكار وض المسكيين لتعطن العقافة بر الأسوان السيحية القن لا 
تتوافق مع العقل. 

وهذا سيكون له أثره في وجود اتجاهات فكرية أخرى سوف تقف من 
الدين موقف الإنكار والعداء. 


لنن تنن تن 


ثورة الإصلاح الديني البروتستانتي 8 


ثالئّاء ثورة الإصلاح الديني البروتستانتي 

لطورت العقلية الأوربية نطوو :ذنيوياء وغدا المجسمع الأوري الذي كان 
خانعًا للكنيسة ينقسم إلى قسمين: 

قسم شغل عن الكنيسة وابتعد عنها نحو حياة رحيبة فسيحة الآفاق متحررة 
من كل قيد» وسوف نتحدث عن هذا الاتجاه فيما بعد. 

وقسم آخخر عني بأحوال الكنيسة» ووقف على فساد الأسس التي تطورت 
إليها أنظمة الكنيسة ولذلك كان يرى أنه لا بد من إصلاحها("©. 

وقد هب جماعة من المسيحيين للخروج على الكنيسة الكاثوليكية؛ 
والتنديد بعيوبهاء والتشهير بمفاسدها واعتبرت هذه الحركة الإصلاحية بمثابة 
الثورة على السلطة البابوية وسلطة رجال الدين المسيحي بوجه عام. 

وقبل أن نتحدث عن العوامل التي أدت إلى قيام حركة الإصلاح الديني 
المسيحي في أوربا «نود أن نقف على عدة أمور أساسية:» 

الأول: أن أوربا كانت قد نهضت فيها حركات أظهرت سخطها وعدم 
رضاها عن الكنيسة وما تقوم به من أعمال(". 

لقد نشطت حركات النقد بشكل متزايد فى أواخر العصور الوسطى مما 
كان لهاأثره :في تهينة الخو العام لقياغ حركة الاصلاح. 

إن هذه الحركات النقدية كانت أفضل تمهيد لظهور هذه الحركة 
الإصلاحية فهي التي جرأت وشجعت القائمين على الإصلاح لإظهار مفاسد 
وعيوب البابوية والمناداة بإصلاحهاء لقد كان نتيجة لهذا الاتجاه النقدي أن 


)١(‏ د/ عبد العزيز الشناوي: أوربا في مطلع العصور الحديئة ص 5ه" 2301 الطبعة الرابعة» مكتبة 
الأنجلو المصرية سنة ١9/8١م.‏ 
(؟) وقد تحدثنا عن هذا الاتجاه فيما سبق تحت عنوان (نقد الكنيسة). 


2 أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


فقدت الكنيسة مكانتها التي كانت تبوأتها واهتز الأساس الروحي والأخلاقي 
الذي أقامت عليه نفوذها بل جبروتها في العصور الوسطى» وبات المسيحيون 
في دول غربي أوربا يتتحدثون عن ضرورة إصلاح الكنيسة والقضاء على 
الانحرافات الخطيرة التي ظهرت بين رجالها("©. 

الثاني : كانت قد سبقت هذه الحركة الإصلاحية حركة قوية من التحرر 
الفكري تلك التي كانت سببا في إحداث بوادر النزاع بين الدين والعقل» وقد 
تمشت هذه الحركة مع حركة الإصلاح وبدأت في الانتشار والذيوع في 


رس أوربا. 

ل ل ل يي ا ا 
على اعتبار أنه الت صورًا جديدة. 

الثالث: يعتبر المؤرخون الإصلاح البروتستانتي ثورة+ كما يقول فشر- 
على كل من النيوقراطية:» البابوية وامتيازات الإ كليروس””. 

أي أنه ثورة على الكنيسة وعلى مفاسدها ومساوئها. 

عوامل قيام حركة الإصلاح: 

أشار المؤرخحون إلى عوامل كثيرة أدت إلى قيام حركة الإصلاح 
البروتستانتي. وسوف نكتفي فيما يلي بذكر بعضها: 

-١‏ تدهور حالة رجال الدين. 

«لقد سلم المؤرخون أن البابوية خلال النصف الثاني من القرن الخامس 
عشر والجزء الأول من القرن السادس عشر وصلت إلى أدنى درك خلقيا 
وروحيا. 


.”517 نفسه ص‎ )١( 


.)007 نظام من نظم الحكم ترجع السلطة فيه إلى رجال الدين (المعجم الفلسفي ص‎ )١( 
.36 إ[فة أصول التاريخ خ الأوربي الحديث ص‎ 


ثورة الإصلاح الديني البروتستانتي ١‏ 


كانت بابوية دنيوية... وكانت مركرًا لبلاط فاسد عاجز عن تقديم قيادة 
روحية» وإرشادات كنسية» وحمقًا كان هذا البلاط يغوص منحدرًا إلى أدنى 
درك في القيم الأخلاقية)0"©. 

؟- فقدان البابوية الكثير من أسباب نفوذها وهيبتها منذ القرن الرابع عشر 
نتيجة لعدة أمور. 

أ- الأسر البابلي. 

ب- الانشقاق الكبير. 

ج- المواقف التي اتخذتها المجامع المسيحية من البابوية. 

د- تطور العقلية الأوربية تطورا دنيويًا. 

أ- أما عن الأسر البابلي : 'وهي المدة التي استقر فيها البابوات في أفنيون 
الفرنسية في المدة من (65+١-173717م)0©.‏ وكان كل البابوات خلالها من 
الفرنسيين. وسميت بذلك على اعتبار أن البابوية كانت شبه أسيرة بحكم 
حضوعها للملكية الفرنسية 0 

وملخص أمر هذا الأسر أن الباباء «يونيفاس الثامن» (5 55 ١-1707م)‏ أنكر 
حق الملوك في فرض ضريبة على الإ كليروس ووضع بيانات تطالب بالسلطة 
المطلقة للبابوية على كل الناس. وفي جميع الشكون. وأعاد تعريف مبدأً 


)١(‏ جون لوريمر: تاريخ الكنيسة ج4 يك 

1) هناك من المؤرخين من يرى أن مدة الأسر تبدأ بسنة (4 حتى سنة 7171 ١م)»‏ راجع معالم 
تاريخ الإنسانية ص /4417)» تاريخ أوربا في العصور الوسطى القسم الثاني ص 8/ه0". 

(7) أوريا في مطلع العصور ةا 704 وهذه الفعرة من تاريخ البابوية يدعوها الإيطاليون فترة 
ار و 0 
في فترة سابقة من التاريخ (المسيحية في العصور الوسطي) ص .١58‏ 


.1 أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


«السيفين» أي القوتين في مرسوم بابوي يسمى «يونام سانكت» ويتضمن ما يلي: 

«السيفان الروحي والمادي كلاهما في سلطان الكنيسة» لكن الثاني يجب 
أن يستخدم للكنيسة. الأول بواسطتها أي بواسطة الكاهن وموافقته» إذن أحد 
السيفين يكون تحت الآخرء والسلطة الدنيوية تخضع للروحية... وعلى هذا 
فإن أخطأت السلطة الأرضية تحاكمها القوة الروحية» لكن إذا أخطأت القوة 
الروحية يدينها الله وحده لا الإنسان... لأن هذه السلطة مع كونها سلمت 
لإنسان ويمارسها إنسان؛ لكنها بالأحرى سلطة إلهية أكثر من ذلك. نحن 
نصرح ونقرر ونعلن أنه على وجه الإجمال لا بد وأن يخضع للبابا كل مخلوق 
بشري يريد الخلاص)”". 

أغضب المرسوم البابوي (يونام سانكت) فيليب الرابع ملك فرنسا وأثاره 
لدرجة أنه دعا إلى عقد مجمع عام للكنيسة لمحاكمة الباباء ولكن هذا 
المجمع لم ينعقد قط فأرسل الملك قوة مسلحة سجنت البابا «يونيفاس» في 
الوقك الذي أوكك انعدو قبه لآم ران قيلي# وقد شانه الفرسيون 
ملكهم ضد البابا الأمر الذي سبب صدمة قاسية للبابوية. 

وتابع فيليب اغتنام فرصته بعد موت «يونيفاس» بالضغط في اختيار خليفة 
البابا: واعدير أحد الكزادلة الفرنستيين لمتصب البابوية باسم كلمت 
الخامس -١8.5(‏ 7314١م)»‏ وقد آثر هذا البابا أن يبقى حيث هوء فأرسل 
إلى الكرادلة يستدعيهم لمقابلته في «ليون» وفيها تمت المراسم الخاصة بتوليه 
المنصب الجديد, وكان المفروض أن تتم هذه المراسم في روما أو على الأقل 
يذهب بعد إجرائها إلى مقر كرسيه البابوي؛ ولكنه آثر البقاء في فرنسا في 
مديئة أفنيون على نهر الرون على الحدود الفرنسية واتخذها مقرًا جديدًا 


."١ تاريخ الكنيسة ج4؛ ص‎ )١( 
,3١ 259٠0 نفسه ا ص‎ )؟5١‎ 


ثورة الإصلاح الديني البروتستانتي 1 


للبابوية2©0 وقد استطالت هذه الفترة اثنتين وسبعين سنة (ه60٠7١1-‏ 0/17 1ام) 
وأطلق عليها اسم الأسر البابلي. وتعاقب على البابوية في هذا المقر ستة من 
البابوات؟ حتى عاد أخيرًا البابا جريجورى الحادي عشر إلى روما سنة 
ام وبذلك انتهت فترة الأسر البابلي(”". 

وقد فقدت البابوية الكثير من هيبتها في أعين المسيحيين نتيجة لهذا الأسر. 

يقول جون لوريمر: «شهدت هذه الحقبة دلائل الانحدار الخطير في هيبة البابوية» 
كان بابوات أفنيون مقتدرين وأقرب إلى رجال الأعمال يفتقرون تمامًا إلى الروحانية . 
فشغلوا أنفسهم بجمع الضرائب من كل الدول ليغتنوا ويبنوا قصورهم . ولأن هذه 
البابوية كانت تابعة وخاضعة لملوك فرنسا استنكرتها كل الدول الأخرى)”*'. 

ويقول فشر: «غير أنه من العبث أن ينكر أحد أن البابوية انخفضت في أعين الناس 
نتيجة أسرها في أفنيون»” ولم تعمل البابوية شيئًا طوال القرن الرابع عشر 
لاسترداد هيبتها المعنوية0©. 

ب- الانشقاق الديني الكبير”: ويطلق عليه أيضًا انشقاق الغرب واستمر من 


)١(‏ وقد أعلن البابا كلمنت الخامس براءة فيليب من الهجوم على «يونيفاس الثامن» وألغى مرسوم 
الحرمان» وعدل الأمر البابوي «يونام سانكت» بحيث يرضى الملك نفسه ص .١‏ 

(؟) البابوات الذين تولوا الكرسي البابوي في أفنيون هم: كلمنت الخامسء ثم حنا الحادي والعشرين 
ويقال له الثاني والعشرين كذلك» ثم بندكت الثاني عشر» ثم كلمنت السادس» ثم إنوسنت السادس 
ثم إربان الخامس» ثم جريجوري الحادي عشرء هامش تاريخ أوربا في العصور الوسطى القسم الثاني 
ص له 3. 

(") أوربا في مطلع العصور الحديثة هامش ص 77. 

(4) تاريخ الكنيسة ج؛: ص ."١‏ 

(0) تاريخ أوربا في العصور الوسطى القسم الثاني ص 88". 

(7) معالم تاريخ الإنسانية المجلد الثالث ص .5١5‏ 

(0) عن هذا الموضوع راجع: تاريخ أوربا العصور الوسطى (القسم الثاني) ص 505. معالم تاريخ 
الإنسانية (المجلد الثالث) ص 4 »5١‏ 941417 44/8» تاريخ الكنيسة ج4» ص7*» وقد لخص د/عبد 
العزيز الشناوي هذا الحدث تلخيصًا مفيدًا استفدنا منه استفادة كبيرة في تصوير هذا الانشقاق الكبير» 
أوربا في مطلع العصور الحديثة هامش ص هه". ١‏ 


4 أثر الكئيسة على الفكر الأوربي 


سنة ١7‏ حتى 4117 ١م‏ وقد انبثق هذا الانشقاق عن الأسر البابلي» ذلك أن 
البابوات المقيمين في مدينة أفنيون في فرنسا كانوا يشعرون أن وضعهم هناك 
أمر غير طبيعي؛ لأن البابوية استمدت نشأتها وهيبتها في نظر العالم الغربي من 
كرسي القديس بطرس في روماء وأنهم د كاملة لأنهم كانوا 
في منطقة محاطة بالنفوذ الفرنسي» وأصبح المجتمع الأوربي ينظر إليهم على 
أنهم صنائع ملوك فرنساء كما أن إقامتهم في أفنيون قد حرمتهم من شطر كبير 
من الموارد المالية» وكان سكان روما قد تأثروا اقتصاديًًا واجتماعيًا من نقل 
مقر البابوية من مدينتهم» ولذلك كانوا يسألون بابوات أفنيون إلحافًا أن يعودوا 
إلى مقرهم الطبيعي» واستجاب لهذه الرغبة البابا جريجوى الحادي عشر 
"08-١ 07069‏ ١م)‏ فذهب إلى روما ومن المحتمل أنه قام بهذه الرحلة تحت 
ستار الرغبة في زيارة الأماكن المقدسة- عندهم- في روماء ثم توفي في السنة 
التالية من انتقاله إلى روما. 

وأدرك سكان هذه المدينة أن الفرصة قد واتتهمء فطلبوا من الكرادلة 
انتخاب بابا جديد على الأقل إيطاليًا إن لم يكن من أبناء روماء واختير إيريان 
السادس لكرسي البابوية في روما -1١19/4(‏ 584١م).‏ وثارت ثائرة الكرادلة 
الفرنسيين على هذا الإجراء؛ وأخذوا- بدافع الحرص على مصالحهم 
الشخصية- يلحون على البابا الجديد في الانتقال إلى أفنيون» ورفض البابا أن 
يذعن لهذا الإلحاح. وأمام هذا الرفض لم يسع الكرادلة الفرنسيين إلا أن 
يطعنوا بالبطلان في قرار انتخاب إيريان السادس» واختاروا كلمنت السابع 
-١074(‏ 854 1١م)‏ لكرسي البابوية على أن يقيم في أفنيون. 

وعلى هذا النحو بدأ الانشقاق الديني الثنائي بوجود فريقين متنافرين متنا كرين 
من البابوات تعاقب أحدهما في روماء وتعاقب الثاني في أفنيون. وانقسم العالم 
المسيحي الغربي إلى معسكرين كبيرين: أحدهما يناصر البابا إيريان السادس 
ويضم إنجلترا ومعظم ألمانياء والمجرء وبولنداء وأمراء شمالي إيطاليا. 


ثورة الإصلاح الديني البروتستانتي هه 
02 ا لاس لاط مسا 1 امك 


ولعي كر الآخر يؤيد البابا كلمنت السابع ويضم فرنساء وأسبانياء 
ونابولي؛ وصقلية. وهذا هو مطلع الانقسام أو الانشقاق الديني الكبير. 

وقد فكر بعض الكرادلة في إيجاد حل للموقف الشائك الذي انحدرت إليه 
البابوية فعقدوا مجمعًا كنسيًا في مدينة بيزا في إيطاليا سنة 09٠14١م»‏ ضم 
عددًا كبيوا من الكرادلة وقادة الفكر والسياسيين» وقرروا خلع كل من بابا 
روما وأفنيون» وهما وقتذاك بندكت الثالث عشر» وجريجوري الثانى عشر» 
وانتتخاب بابا جديد يحل محلهماء واختاروا البابا إسكندر الخامس» ولكن 
سرعان ما وافاه الأجل؛ فاختير البابا حنا الغالث والعشرون» وقد أدت هذه 
المتعاولة إلن تيميد الترقت إذ رفطن نايا روما وناب افنيوة العحلي عن 
منصبيهما. فأصبح في العالم المسيحي الأوربي ثلاث بابوات وأصبح الانقسام 
الدين لاثئاء واستمرت مشكلة الانشقاق الديني الكبير قائمًا إلى أن استطاع 
المجمع الكنسي المنعقد في مدينة كونستانس (1417١-411١م)‏ حسمها 
وأعاد إلى البابوية وحدتها”؟ وأصبح مارتن الخامس البابا الوحيد في أوربا على 
عالم مسيحيته موحدة رسميًا ولكنها- كما يقول ول مضعضعة بادية الإعياء 
روحيًا”". 

لقد كان هذا الانشقاق سببًا كبيوا فى أن فقدت البابوية هيبتها في نظر 
المسيحى: 

أولهم : فى مدينة أفنيون الفرنسية. 


.)708 أوربا في مطلع العصور الحديثة (هامش ص‎ )١( 
.5١8 معالم تاريخ الإنسانية (المجلد الثالث) ص‎ )١( 


1 أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


وثالثهم: في مدينة بيزا في إيطاليا. 

وأصبح كل فريق يعمد إلى تسفيه منافسيه ويطعن فيهما وفي صلاحيتهما 
لتولي كرسي البابوية» بل إن بعضهم لم يتورع عن إصدار قرار الحرمان ضد 
البابا الآغر(© حتى لقد غدت المسيضية- كما يقول ولت بأجمعها ملغونة 
أثناء ذلك الزمان لعنا صحيحًا كاملاً بهذا المعيار أو ذاك -١19/89(‏ 
207 ويكفي أن نعرف أنه في أثناء ذلك الانشقاق كان كل بابا يلعن 
الآخر ويضع الحرمان على كل أنصاره. 

ج- المواقف التي اتخذتها المجامع المسيحية من البابوية: 

كما سبق أن أشرنا إلى أنه في فترة السبي البابلي» والانشقاق الكبير عقدت 
عدة مجامع مسيحية كان الهدف منها إما محاكمة البابا» أو خلعه.» ووصف 
البابوات في تلك الفترة وبواسطة تلك المجامع بأوصاف أفقدت البابوية 
هيبتها ومكانتها ونفوذها بين الناس في العالم الأوربي. هذا إلى جانب أن: 

«المناقشات التي دارت بين المسيحيين في هذه المجامع كشفت عن تكالب كبار 
رجال الدين على المنصب وتمسكهم بها وبعدهم عن الأخلاق الطيبة فتكشفت للعيان 


البابرية: 
منها مجمع كونستانس : حيظ أصيدن قافا بعزل بابا «بيزا» من منصبه سنة 
١م‏ ولما رأى بابا روما اتجاه المجمع لإقالته آثر أن يستقيل بدلاً من أن 


.)"85 أوربا في مطلع العصور الحديئة (هامش ص‎ )١( 
.4١4 معالم تاريخ الإنسانية ص‎ )1١( 

(؟) نفسه ص 948. 

(4) أوربا في مطلع العصور الحديئة (ص 05"). 


ثورة الإصلاح الديني البروتستانتي /وعءٌ 
الف ا ا و ا ا لا اا 
يأتيه قرار الإقالة» أما بابا أفنيون واسمه بندكت الثالث عشر فقد رفض قرار 
المجمع بعزله وتحدى المجمع؛ واعتصم بقلعة حصينة حتى توفي سنة 
20 

ومنها مجمع بازل بسويسرا سنة ١471١م:‏ وقد ظهرت في مناقشات وقرارات 
هذا المجمع روح التحدي للبابوية» إذ أصدر قرارات كان من بينها تحريم دفع 

ووقعت أزمة بين البابا وهذا المجمع. وأضيدر البابا قرارًا يفض المجمع. 
ورفض الأعضاء الإذعان لهذا الأمر. واستمروا فى عقد جلساتهم. وذهبوا في 
تجديهم للبابا إلى نهاية الشوظ» فأصدروا أولاً قرانا بألا يتفض مجعم كنسى 
بغير موافقة أعضائه» وإذا اختلف أعضاء المجمع على مسألة مطروحة أمامه 
فلا يجوز الالتجاء إلى تحكيم الباباء وأنكروا على البابا حقه في الحصول على 
ضريبة السنة الأولى التي كانت تعرف بالإتاوة الضخمة وهي تعادل حصيلة 
جميع الضرائب التي تجمع خلال السنة الآولى من كل وظيفة من الوظائف 
الدينية؛ أو الإقطاعية للباباء ثم انتهى الأمر بالمجمع إلى أن أصدر قرارًا في 
للكرسي البابوفن7 , 

ووضح من هذا أن المجامع المسيحية التي عقدت في تلك الفترة وما 
شهدته من أحداث وقرارات- خاصة فيما يتعلق بالبابوية- كانت من بين 

د- تطور العقلية الأوربية تطورًا دنيويًا: 

لقد تطور المجتمع الذي كان يرى أن الكنيسة هي الملجأ والملاذء وأصبح 


)1( نفسه هامش ص 0.ه”7. 
زهة نفسه هامش ص /اه”. 


6 ثر الكنيسة على الفكر الأوري 
سس 0 


يعارضها ويوجه إليها أوجه النقد المختلفة خاصة بعد التطور الملحوظ وتقدم 
المعارف والعلوم ابتداءً من القرن الثاني عشر الميلادي. وقد ترتب على ذلك 
أن وتجدانا بعض المفكرين الأوربيين ينفصلون عن الكنيسة انفصالاً نهائيًا 
والبعض الآخر يرى أنه لا بد من إصلاح الكنيسة «ومضت السنون ومركز الكئيسة 
يهتز في أعين المسيحيين الذين شعروا بضرورة إدخال تغييرات جذرية في نظم 
الكنيسة)(2. 

إن الحركات العلمية التى ظهرت في أوربا آنذاك كانت من العوامل التي 
ساعدت الحركة الدووشسائقية على قيامهاء ونجاحها أيضًا «فقد أضعفت ا 
التحصيل العلمى الجديد الميل التقليدي إلى تقديس الكثير من العقائد والتقاليد 
والعادات التي كانت سند الكئيسة الرومانية منذ زمن بعيد»”". 

وبدأت الكنئيسة تتلقى صدمات كثيرة» وانتقادات موجعة؛ وهجومًا عقليًا 
على مراسمها وعقائدها ورجالها. 

*- أما عن العامل الثالث من عوامل الإصلاح : فيتمثل في للك الممارسات أو 
الاعتقادات الخاصة ببعض الطقوس والشعائر المسيحية ونقصد بهذا: 

أ- مسألة الاستحالة. 

نت سالة العفران: 

وكان الغرض من فرض مثل هذه الأمور هو التأكيد على أهمية رجال الدين 
حيث لا يستطيع أن ينالها أحد من المسيحيين إلا بواسطتهم» فهم الذين 
يضفون صفة القداسة- حسب اعتقادهم- على هذه الشعائر. 

أ- مسألة الاستحالة: 


الاساس فيها ان المسيحيين ياكلون يوم الفصح حبرًا ويشربون خحمرا 


)00 نفسه ص .356٠90‏ 
(؟) فشر: أصول التاريخ الأوربي الحديث ص 15. 


ثورة الإصلاح الديني البروتستانتي 1 
ويسمون ذلك العشاء الرباني» ولقد زعمت الكنيسة أن ذلك الخبز يستحيل 
إلى جسد المسيح؛ وذلك الخمر يستحيل إلى دم المسيح؛ فمن أكلها وقد 
استحالا هذه الاستحالة فقد أدخل المسيح في جسده بلحمه ودمه(» 

وتعتقد الكنيسة الكائوليكية أن المسيح موجود في هذا بجسده ونفسه 
ولاهوته معاء وأنه عندما يقول الكاهن (هذا هو جسدي).؛ يتحول الخبز 
والخمر إلى جسد المسيح ودمه الحقيقيين”» 

وفي هذا يقول بولس إلياس اليسوعي: «إنه- أي العشاء الرباني أو الأفخارسيتا 
-كما يحب الكاثوليك أن يسموه- سر حضور الرب يسوع المسيح حضورًا حقيقهًا 
بجسده ودمه ونفسه ولاهوته تحت أعراض الخبز والخمر»”” إن التحول في نظرهم 
تحول حقيقي. 

وقد استدل المسيحيون على ذلك بما جاء في إنجيل متى: «وفيما يأكلون 
أخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطى التلاميذ. وقال خذوا كل هذا هو جسدي. وأخذ 
الكأس وشكر وأعطاهم قائلا اشربوا منها كلكم»”©. 

تحسكت الكئيسة بحرفية هذه العبارة- التي نسبوها إلى المسيح واعتقدت 
بتحول الخبز والخمر إلى جسد المسيح ودمه تحولاً حقيقيًا بقدرة القسيس 
كما يعتقدون. . وإذا كان شرب الخمر يعرض دم المسيح للانسكاب على 
الأرض!! 

فقد نشأت في القرن الثاني عشر عادة الاكتفاء بتناول العشاء الرباني بالخبز 
وحده وأكد لهم رجال الدين- عندهم- أن دم المسيح ملازم لجسمه في 
الخبز وأن جسمه ملازم لدمه في الخمر». 
)١(‏ محاضرات في النصرانية ص .7١8‏ 
(1) تاريخ المسيحية (المسيحية في العصور الوسطى) ص .٠١5‏ 
(؟) بولس إلياس اليسوعي: يسوع المسيح ص 23.5 /01”. 


0 
(5) قصة الحضارة مج؛ جه ص 217 .١18‏ 


7 أثر الكنيسة على الفكر الأوري 
الست تت - تت 


ونشأت هذه العقيدة- عقيدة حضور المسيح في أثناء العشاء الرباني كما 
يعتقدون- نشأة تعد بطيكة ومتأخرة كما يقول ول ديورانت وكانت الصياغة 
الرسمية الأولى لهذه العقيدة هي التي أذاعها مجلس نيقية في عام 41/م... 
وعندما قام (برنجار) رئيس عاك تور حوالئ عام 4 5١٠١م‏ وجهر بارتيابه 
في تحول الخبز والخمر إلى جسم المسيح ودمه كان جزاؤه الحرمان من 
الدين» وكتب (لافرانك) رئيس دير بك ردا عليه سنة 1١٠١م‏ يقول فيه: «إنا 
لنعتقد أن المادة الأرضية. . . تستحيل بتأثير القوة السماوية التي لا يستطيع أحد 
وصفها. . . أو إدراك كنهها إلى جوهر جسد المسيح!!2. 

وأعلن مجلس لاتران ف في عام لمأن هذه العقيدة من المبادئ 
الأمتكى الدن لهسي 

وأضاف مجلس ترنت إلى هذا القول في عام 0٠١١م‏ أن كل جزيء من 
الخبز المقدس- في نظرهم- ل يت ل 
ودمة وروحه"'"“. 

وهذا أمر غريب في العقل» لا يستطيع أن يستسيغه أحد بيسر وسهولة؛ بل 
لا يستطيع أن يستسيغه قطء إذ كيف يتحول الخبز لحمًا؟ وكيف يصير لحم 
شخص معين معروف؟ ذلك غريب» بل مستحيل التصور والقبول في العقل. 
ولكن الكنيسة فرضت على الناس قبوله ومنعتهم من مناقشته» وإلا عرضوا 
للطرد والحرمان”". 

ويمكن أن يقال لهم في مجال مناقشة هذا الأمر: هل المسيح الإله هو الذي 
حل في الخبز والخمر أم المسيح الإنسان؟ 

إذا كان المسيح الإله فيلزمكم على هذا القول أن يشار إلى الخبز والخمر 
على أنهما قديمان حادثان!! وهو محال. ويلزمكم أيضًا على هذا القول إثبات 
)١١(‏ نفسه ص .١8‏ 
هه محاضرات في النصرانية ص 4 )»5١‏ 36 


ثورة الإصلاح الديني البروتستانتي لمن 
القدم للخبز والخمر وعلى هذا فتكون الأقانيم خمسة بدلا من ثلاثة. 

ويقال لهم أيضًا: لقد أكلتم الإله القديم الذي حل في الخبز؛ وشربتم دمه 
الذي حل في الخمر وهو ما لا يقول به عاقل. 

أما إذا قالوا: إن المسيح الإنسان هو الذي حل في الخبز والخمر فهو باطل 
أيضًا إذ لا يمكن أن يحل جسد المسيح ودمه في الخبز والخمر في أماكن 
متعددة في وقت واحد("©. 

وقد ناقش الشيخ رحمت الله الهندي هذه العقيدة وردها بردود قوية نذكر بعضها 

* إن القول بتحول الخبز والخمر إلى جسد المسيح ودمه قول باطل ذلك 
أنه إذا اسسحال اللحوو :الحم ممنيكا كائلا دا باذهرةة وتاسؤته الذي اذه 
من مريم عليها السلام فلا بد وأن يشاهد فيه عوارض الجسم الإنساني» 
ويوجد فيه الجلد والعظام والدم وغيرها من الأعضاءء لكنها لا توجد فيه؛ بل 
جميع عوارض الخبز باقية كما كانتء فإذا نظره أحد أو لامسه أو ذاقه لا 
يحس شيفًا غير الخبز» وإذا حفظه يطرأ عليه الفساد الذي يطرأ على الخبز لا 
الفساد الذي يطرأ على الجسم الإنساني» فلو ثبتت الاستحالة تكون استحالة 
المسيح خبرًا لا استحالة الخبز مسيحًاء فلو قالوا: إن المسيح استحال خبرًا 
لكان أقل بعدًا من هذاء وإن كان هو أيضًا باطلاً ومصادمًا للبداهة. 

» إن حضور المسيح بلاهوته في أمكنة متعددة في آن واحد وإن كان 
ممكًا في زعمهم لكنه باعتبار ناسوته غير ممكن؛ لأنه بهذا الاعتبار كان 
مثلناء حتى إنه كان يجوع ويأكل ويشرب وينام ويخاف من اليهود ويفر وهلم 
جراء فكيف يمكن تعدده بهذا الاعتبار بالجسم الواحد في أمكنة غير 


مي عو مم 


محصورة فى أن واحد حقيقة؟ 


(1) راجع للباحث رسالة الدكتوراه (تأثر المسيحية بالأديان الوضعية) الباب الرابع» الفصل الرابع. 


6 أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 
ااي م بي سي 2222 2 22 تم 


والعجب أنه ما وجد قبل عروجه إلى السماء» فكيف يوجد بعد قرون بعد 
اختراع هذا الاعتقاد الفاسد بالاعتبار المذكور في أمكنة غير محصورة في آن 
واحد؟ 

» إذا فرضنا أن ملايين من الكهنة في العالم قدسوا في آن واحد واستحالت 
تقدمة كل إلى المسيح الذي تولد من العذراء فلا يخلو إما أن يكون كل من 
هؤلاء المسحاء الحادثين عين الآخر أو غيره. والثاني: باطل على زعمهم؛ 
والآول: باطل في نفس الآمر لآن مادة كل غير مادة الآخر. 

« إذا استحال الخبر مسيكا كاملا تحت يد الكاهن فكسر هذا الكاهن هذا 
الخبز كسرات كثيرة وأجزاء صغيرة. فلا يخلو إما أن يتقطع المسيح قطعة 
قطعة على عدد الكسرات والأجزاء» أو تستحيل كل كسرة وجزء مسيحًا 
كاملا أيضّاء فعلى الأول لا يكون المتناول متناول مسيح كاملء؛ وعلى الثاني: 
من أين جاء هؤلاء المسحاء؟ لأن ما حصل بالتقدمة إلا المسيح الواحد”". 

ورغم عدم معقولية الاستحالة إلا أن الكنيسة فرضتها وأقرتهاء وحكمت 
على كل من يخالفها في هذا باللعن والطرد والحرمان. 

وما نود أن نؤكد عليه هنا أن هذه العقيدة لم يقل بها المسيح ولا أتباعه 
الحقيقيون» وإنما جاءت بها الكنيسة من العقائد الوثنية وأقرتها بالمجامع 
المسيحية: 

ولذلك يقول ول ديورانت: «وبهذه الطريقة تعظم الحضارة الأوربية والأمريكية 
اليوم شعيرة من أقدم الشعائر في الأديان الوثنية- وهي أكل الإله»""". 


)0غ( لمزيد من الردود والمناقشات لهذه العقيدة راجع الشيخ رحمت الله الهندي: إظهار الحق ج 7 ص 
معلل :97 تحقيق د/محمد لحمل ملكاوي» دار الوطن للدشر) دار أولى النهى سئة *١5١هها‏ 
الرياض. 

(؟) قصة الحضارة مج ؛ جه ص .١8‏ 


ثورة الإصلاح الديني البروتستانتي اه 


ويقول: «وكان الاشتراك الجماعي في تناول الطعام والشرب المقدسين من المظاهر 
الكثيرة الحدوث في أديان البحر المتوسط»ء وكثيرًا ما كان أهل هذه الأديان يعتقدون أن 
هذا الطعام ستحل فيه بهذا التقديس قوى الإله ثم تنتقل بطريقة سحرية إلى المشتركين 


في تناوله!000©. 


ب- مسألة الغفران (وصكوك الغفران): 

إن تعاليم الكنيسة تقضي بأن يقوم كل واحد منهم بالاعتراف بذنوبه أمام 
الكاهن ويقوم بمراسم الكفارات””. 

واعتقدوا بأن المسيح منح الرسل- وهم التلاميذ كما يعتقد المسيحيون- 
قدرة غفران الخطايا. 

وتقول الكنيسة إن هذه القدرة قد انحدرت بالتوارث من الرسل إلى 
المطارنة الأولين ومن بطرس إلى البابوات» ومن ثم وهبها المطارنة إلى 
القسيسين في القرن الثامن(”". 

ثم قرر مجلس لاتران الرابع ٠١7١م‏ أن يتكرر الاعتراف والعشاء الرباني 
كل عام وجعلهما من الواجبات الخطيرة؛ إذا أهملها إنسان حرم من جميع 
خدمات الكنيسة”'. 

وكانت تعاليم الكنيسة الكاثوليكية تعلن أنه بالاعتراف وقيام المعترف بما 
يوصيه به الكاهن من أعمال كفارية وإعلان الحل أو غفران الخطايا يحصل 
المعترف على رفع جرم الخطايا عنه... لكن يبقى بعد ذلك آلام المطهر... 
وعلست الكنيسة بأن لها السلطان لتقصير فترة بقاء نفس الإنسان في 


.١56١ نفسه مجلد ” ج87 ص‎ )١( 

(؟) تاريخ المسيحية (المسيحية في العصور الوسطى) ص 97. 
(؟) قصة الحضارة المجلد الرابع الجزء الخامس ص .١4‏ 

(54) نفسه ص .١5‏ 


هوه ثر الكنيسة على الفكر الأوري 


المطهر”" إذا قام ببعض الالتزامات التي تفرضها عليه في أثناء فترة حياته على 
الأرض وكانت الكتمة لمن هرلاة عدرانات متقم عدهب < كما رتفد رن - 
غقربة المطهر والآمة:وقى أواخر العضور الوسطى كانت هذه الغفرانات أو 
صكوك الغفران تباع لقاء مدرهة الطال: بعد ذلك أعلنت الكئيسة أنه يمكن 
للأحياء أن ب يشتروا صكوك الغفران لأعزائهم الراحلين". 

وقد مُنحت صكوك الغفران منذ القرن التاسع؛ امار يرت الختراه 
الكلي هو الذي عرضه إربان الثاني في عام 56١٠م‏ على من ية يشت ركون في 
الحروت"الصلينية الدون: 

وتوسعت الكنيسة في عمليات توزيع صكوك الغفران» ووجدت البابوية في 
الصكوك موردًا ماليًا غزيئا سهل المنال» وأخذ البابوات يرسلون مندوبين عنهم 
إلى مختلف الأقاليم في أوربا الغربية لبيع صكوك الغفران؛ وأقبل الأفراد على 
ا و بل وشرائها من أجل 
أمواتهم نيابة عنهم وذلك مغفرة لذنوبهم'"- كما يعتقدون-. 

وكان بيع صكوك الغفران» يتم بناءً على مرسوم بابوي وكان هذا يعني 
عمليًا التأكيد على نصيب البابا في الدخل؛ علاوة على ذلك فقد ارتبطت 


ملق «ووجدت الكنيسة - كما يقول جون لو ريم - طريقة أخرى ترضي «ديئونة الجا الشحمن 
المعترف وذلك بابتياع «صك الغفران) من «خزينة الاستفافات) فى السماء ولقد عللوا ذلك بأن الدم 
الذي سفكه المسيح - كما يعتقدون- كان كافيًا للخلاص بكميات أوفر من حاجات الجنس البشري 
وأن قديسين كثيرين عملوا الصالحات بما هو أكثر من اللازم لخلاص ذواتهم» هكذا بقيت هذه الخزينة 
من الاستحقاقات التي أمكن السحب منها بواسطة صك الغفران للخاطوع العادي وفي وقت لاحق 
نس ل نسل السك ارو اسمن في المطهرء وكان في استطاعة أقربائهم أن 
يشتروا صكوك غفران ليحصلوا لهم على الإفراج) ا ه. تاريخ الكنيسة ج4 ص 2371 راجع أيضًا د/ 
0 مم لل الوه يا ود ا إنه 
كان الثمن المجاجرة 0 
(*) أوربا في مطلع العصور الحديئة ص 5/8". 


ثورة الإصلاح الديني البروتستانتي ه65 


الممارسة بشراء مناصب الأساقفة ووظائف كنسية أخرى» وكان البابا يمنح 
الإذث ببيع صكوك الغفران في منطقة معينة حتى يستطيع الموظف المستفيد 
أن يدفع للبابا بعد ذلك ثمن منصبه الجديد”". 

ويلوح أن الرغبة في الحصول على الأموال من بيع صكوك الغفران قد 
تجاوزت كل حد معقول وغير معقول» فأصبحت هذه الصكوك تباع بالجملة 
ومقدمًا لغفران جميع الخطايا سواء التي ارتكبها الإنسان في ماضيه أو التي 
سوف يرتكبها في مستقبل أيامه» مما يعد تحريضًا سافوًا على الانغماس في 
الخطايا والآثام طالما أن مرتكبها سيكون بمنجاة من عذاب الآخرة» وزاد في 
مهزلة بيع صكوك الغفران أن البابوات كانوا يعهدون إلى بعض المصارف 
المالية في ألمانيا ببيع صكوك الغفران إلى عملاء البنك» فانتقلت المسألة من 
عملية دينية إلى عملية مصرفية لحمتها وسداها حصول الكنيسة على أموال 
ضخمة تحت ستار ديني هو صكوك الغفران التي بدت للكثيرين وكأنها تذاكر 
تبيح لحاملها دخول الجنة(”“ دون أي عناء أو مشقة. 

وفيما يلي نص صك الغفران الذي كان يباع بيع السلعة: «ربنا يسوع 
المسيح يرحمك يا فلان» ويحلك باستحقاقات آلامه الكلية» وأنا بالسلطان 
الرسولي المعطى لي أحلك من جميع القصاصات, والأحكام والطائلات 
الكنسية التي استوجبتهاء وأيضًا من جميع الإفراط والخطايا والذنوب التي 
ارتكبتها مهما كانت عظيمة وفظيعة ومن كل علة؛ وإن كانت محفوظة لأبينا 
الأقدس الباباء والكرسي الرسولي» وأمحو جميع أقذار المذنب وكل علامات 
الملامة التي ربما جلبتها على نفسك في هذه الفرصة» وأرفع القصاصات التي 
كنت تلزم بمكابدتها في المطهرء وأردك حديئًا إلى الشركة في أسرار 
الكنيسة» وأقرنك في شركة القديسين» وأردك ثانية إلى الطهارة والبر اللذين 


.85 تاريخ الكنيسة ج4 ص‎ )١( 


555 أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


كانا لك عند معموديتك» حتى إنه فى ساعة الموت يغلق أمامك الباب الذي 
بناتخل مي التعطلاة رن محل العداب والنقايه» ويفميع البات اللذى يودي إلى 
فردوس الفرحء وإن لم تمت سنين مستطيلة فهذه النعمة تبقى غير متغيرة» 
حتى تأتي ساعتك الأخيرة باسم الآب والابن والروح القدس)0©. 

ويعلق الشيخ أبو زهرة على هذا الصك بقوله: «هذه صورة من صور صك 
الغفران تذكر أنها تمحو الآثام وتغفر ذنوب العاصي ما تقدم منها وما تأخرء تغسله من 
ذنوبه الماضية حتى يصير طاهرًاء ثم لا يصير قابلا لأن تؤثر فيه الذنوب مهما يرتكب 
من خطاياء ومهما ينغمس في المعاصي . كأن الصك جواز المرور إلى النعيم المقيم» 
لا يعوق حامله عائق ولا يرده عن الوصول خازن أو حارس»”". 

إن هذا الأمر يصور التدهور التي وصلت إليها البابوية» ويبين مدى الفساد 
والابتزاز والطمع البابوي لامتلاك الأموال وزيادة الثروات حتى ولو كانت على 
عا نيه اللاي 

ولذلك اعتبر المؤرخون أن هذا العامل كان سببا مباشوًا لقيام حركة 
الإصلاح البروتستانتي في أوربا. 

هذه هي بعض العوامل التي أدت إلى قيام هذه الحركة في أوربا. 

تجمعت هذه العوامل مع عوامل أخرى مثل: نمو المعارف والعلوم خارج 
الكنيسة؛ وإدراك بعض رجال الكنيسة بالحاجة إلى الإصلاح؛ والتحركات 
التي ظهرت في بعض بلدان أوربا من أجل الإصلاح؛ إضافة إلى المتغيرات: 
السياسية» والاقتصادية وغيرها””» تجاوبت هذه العوامل مع سابقاتهاء وكان 
نتيجة لهذا أن قامت ثورة الإصلاح البروتستانتي ووجدت أرضًا خصبة لقبولها 
)١(‏ قصة الحضارة مج ج7 ص 5» محاضرات في النصرانية ص 27١7‏ راجع أيضًا د/أحمد شابي: 
المسيحية ص 4 5 5» الطبعة السادسة» مكتبة النهضة المصرية سنة 9178١م.‏ 


.7٠١ 7 محاضرات في النصرانية ص‎ (١ 
راجع في هذا جوت لوريمر: تاريخ الكنيسة ج4 صه ” وما بعدها.‎ (١ 


ثورة الإصلاح الديني البروتستانتي ش /اه 
بين الأوربيين في ظل المتغيرات الثقافية المختلفة. 

أبرز قادة الإصلاح البروتستانتي: 

منذ القرن الرابع عشر والأصوات تعلو لإصلاح الكنيسة؛ فقد ظهر منذ 
ذلك الوقت عدد من المفكرين المسيحيين الذين نادوا بالإصلاح؛ منهم على 
سبيل المثال [حنا ويكليف ١5854 -١77/8‏ الإنجليزي”؟ وحنا هّس 
4١6 -1١‏ ١ع‏ التشيكي من بوهيميا(". 

تحديا البابوية- كما يقول جون لوريمر- في أمور تتعلق باللاهموت 
والسلطة0". 

حيث هاجم وكلين1 البابوية» ونقد قولهم في عقيدة الاستحالة وأنكر 
القول بتحول الخبز والخمر في العشاء الرباني» وأنكر أيضًا ما يدعيه رجال 
الدين لأنفسهم من 7 روحانية خاصة:؛ ودعا إلى عودة الكنيسة إلى ما جاء 
في كتابهم المقدس9» 

أما (مّس) فقد تأثر بآراء (ويكليف) وأضاف إليهاء ولذلك أدانته الكنيسة 
وحكمت عليه بالحرمان في مجمع كونستانس 5١4١م‏ وحكم عليه بالإحراق 
وتم التنفيذ سئنة 4١‏ ١م‏ كما أدان المجمع (ويكليف) وأمر أن يحرق جسده 
الذي سبق دفنه من مدة طويلة©. 


مج ج١1‏ ص ات 2 0 أوربا في مطلع العصور الحديثة ص /اه 7" 07 بعدها. 

زهية راب جع تاريخ أوربا في العصور الوسطى ص 0000 تاريخ الكنيسة ج4 صه همه أوربا في مطلع 
العصور الحديئة ص 2”58. قصة الحضارة مج" ج؟ ص 4. 

فيه تاريخ الكساية ص١ه.‏ 

00 تاريخ أورا في العصور الوسطى و بالإضافة إلى المراجع في الهامشين السابقينة _ 
العصور ارسل. ا 


بره أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


ثم ظهر بعد ذلك وجو كوليت -١6‏ 16م) و(توماس 
مور/ملا؛ ا )2 الإنجليزيان» (ديسيد يروس إيرازموس الأتمناتين 
048١-755دام)‏ وكانت لهم إسهامات في الإعداد لحركة الإصلاح 
البروتستانتي”"2. 

أما قادة الإصلاح البروتستانتي الذين كان لهم دور كبير في ظهور هذه 

مارتن لوثر» زوينجلي» كالفن. وسوف نتحدث عنهم بإيجاز فيما يلي: 

أ- مارتن لوثر (1587- 1057م): 
بقيامها وصفاتها”". 

ولد مارتن لوثر في العاشر من نوفمبر سنة 481 ١م‏ في أيزليبن وهي بلدة 
صغيرة فى مقاطعة مكموننا لاني 

التحق بجامعة إيرفورت ودرس فيها القانون» وحصل منها على درجته 
الجامعية سنئة 15.04» ثم حول مسار حياته ودخل الدير الأوغسطيني في 
إيرفورت ليصبح راهباء وقد طبق الرهبنة بكل دقة) واحتفل بدخوله فى سلك 
الكهنة» ثم عين مدرسًا للفلسفة في مدرسة ويتنبرج سنة 4٠5١م‏ واستمر في 
دراسته اللاهوتية التى أهلته لتدريس «الكتاب المقدس)9؟) 

وفي سنة ١٠5١م‏ اختير ليكون عضوًا في وفد مرسل إلى روماء وصدم لما 
رآه هناك وهاله انهيار المعايير الأخلاقية لدى رجال الدين ومن بينهم البابوات» 
له راجع تاريخ | ني لكنيسة ج4 ص١‏ 1717م 
)١(‏ أصول التاريخ الأوربي الحديث ص98. 
(0) أوربا في مطلع العصور الحديثة ص١737.‏ 


مارتن لوثر حياته وتعاليمه ص70 وما بعدهاء قصة الحضارة مج" ج7٠‏ ص8 وما بعدها. 


ثورة الإصلاح الديني البروتستانتي 68 
وانغماسهم في حياة البذخ والتبذل والملذات”". 

وفي سنة 05م منح درجة الدكتوراة فى اللاهوت» وفرغ وقته للتدريس 
والوعظ» وقد استطاع أن يجذب الانتباه خاصة وأنه استطاع أن يكون لنفسه 
بعض الآراء التى يخالف بها الكنيسة... 

ثم سنحت له الفرصة لإظهار هذه الآراء وإعلانها بشكل حاسم وذلك 
حينما جاء «حنا تتزل» إلى ألمانيا لبيع صكوك الغفران. 

«وكانت ممارسة بيع صكوك الغفران قد انتشرت في كل الكنائس الأوربية كوسيلة 
لجمع المال» وكانت الحملة الخاصة لجمع صكوك الغفران بالقرب من (ويتنبرج) هي 
التي استفزت مارتن لوثر ليتخذ الخطوة الدرامية الأولى- على حد تعبير جون لوريمر- 
تجاه الإصلاح»”"2: خاصة وأن (تتزل) المكلف ببيع صكوك الغفران قد انزلق 
في عدة مآخذ إذ أمسك بالصكوك في يده ولوح بها في الهواء وقال مخاطبًا 
الفلاحين السذج الذين التفوا حوله إنهم إذا ما أسهموا عن طواعية واشتروا 
صكوك الغفران فإن كل تلال مدينة (أنابورج)- وهي مدينة ألمانية في مقاطعة 
سكسونيا- ستتحول إلى كتلة هائلة من فضة صافية وأنه ما أن يسمع رنين 
إلى الجنة- على حد قوله- وبلغ الأمر مداه حين قال مخاطبًا الجماهير إن 
الرجل إذا ارتكب الخطيئة مع العذراء”©» المباركة نفسها فإن هذه الصكوك 
كفيلة بأن تمنحه الغفران الكامل0. 
)١(‏ تاريخ الكنيسة ج؛ ص”١١.‏ 
(*) أصول التاريخ الأوربي ص١٠.‏ 
(5) السيدة مريم عليها السلام لها مكانتها في الإسلام ويكفي للدلالة على ذلك قول الله تعالى: (إوَإة 
َلك الَلَبِكهُ يريم إِنّ لله سَلمَدكِ وَطهرَدِ وَلمْطئَلكِ عل نسل التتييرت 9©) يَمَرْيْرٌُ أقني ليْكِ 
وَسْجُرى ورك مم الأكييت4 [آل عمران: 47-47] . 
(0) راجع أوربا في مطلع العصور الحديثة ص7 0174 قصة الحضارة مج” ج7:ص5. 


56 أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


أثارت هذه التصريحات مكامن السخط في نفس مارتن لوثر فتحرك 
لمهاجمة صكوك الغفران» وانتهز فرصة اجتماع الأهلين على عادتهم في 
. كنيسة ويتنبرج في 7١‏ أكتوبر سنئة 511١م‏ وعلق على باب الكنيسة احتجاجًا 
ضافيًا يتضمن خمسة وتسعين بندًا ضد صكوك الغفران» ودعا لوثر لمناقشة 
كل من يريد من العلماءء وذاع أمر هذه الوثيقة وطبعت ووزعت في طول 
البلاد وعرضها وهكذا بدأ الإصلاح البروتستانتي”". 

وفي هذا البيان- أو الاحتجاج- لم يحمل لوثر على العمليات البشعة التي 
كان يتم بها بيع صكوك الغفران للجماهير فحسبء بل هاجم الغفران نفسه 
كعملية دينية تمارسها الكنيسة الكاثوليكية في صورة تتنافى- كما يرى لوثر- 
مع المسيحية. 

وهاجم سلطة البابا في غفران الذنوبء ودعا إلى العودة إلى الكتاب 
المقدس- عندهم- مؤكدًا على أنه هو المصدر الوحيد الذي يجب الاعتماد 
عليه في تفسير جميع المسائل الدينية”'". 

وقد بذلت محاولات لإلقاء القبض على لوثر وترحيله إلى روماء لكنها 
أخفقت بفضل مسائدة (فريدريك) ناخب سكسونيا الذي لم يقبل إطلاقًا أن 
يحاكم أحد من رعاياه في روما””: ورأى البابا أن يسلك مع (لوثر) طريق 
الإقناع فأرسل إليه أحد الكرادلة لكنه لم يفلح معه؟»» ومضت سنة 8١6١م‏ 
في محاولات ومفاوضات ومناظرات للتوفيق بين (لوثر) وكنيسة روما لكنها 
لم تسفر عن نجاح» وأطلق على هذه الحركة اسم (مشادة الرهبان) وفي السنة 
التالية ظهر بما لا يدع مجالاً للشك أن الانفصال عن كنيسة روما أصبح أموا 
)١(‏ أوربا في مطلع العصور الحديئة ص 274 أصول التاريخ الأوربي الحديث ص١٠٠.‏ 
)١(‏ نفسه ص 770 تاريخ الكنيسة ج4 ص5١21 .1١1‏ 


(5) راجع تاريخ الكنيسة ج14 ص9١١.‏ 
(1) نفسه نفس الصفحة. 


ثورة الإصلاح الديني البروتستانتي 1١‏ 


لامفرمنه0" واستمرت المواجهة بين لوثر وخصومه حيث سبق الترتيب 
لإجراء حوار أو مناظرة- مع (حنا إيك) وهو زميل أكاديمي سابق للوثر» وأحد 
كبار أنصار الكنيسة الكاثوليكية- في لييزج خلال شهر يوليو سنة 9١181م0".‏ 

وفي هذه المناظرة هاجم (لوثر) سلطة البابا ووصل إلى مرحلة الشك- كما 
يقول جون لوريمر- في أن عصمة البابا يمكن تبريرها تاريخيّاء فبين أن القرون 
الأحد عشر الأولى من تاريخ الكنيسة» ومجمع نيقية»؛ والأسفار المقدسة- 
عندهم- كانت تعارض مبدأ العصمة وتنكره. 

أنكر (لوثر) إذن عصمة الباباء كما أنكر عصمة المجامع الكنسية. 

وبدأ في اتخاذ عدة خطوات عملية لتنفيذ الإصلاح فوجه في سنة 519١م‏ 
الدعوة إلى حكام الولايات الألمانية من الأمراء ومن إليهم كي يتزعموا هذه 
الحركة الإصلاحية؟* ووضع في سنة ٠‏ هام ثلاث رسائل تسمى (الرسائل 
الثلاث العظمى في حركة الإصلاح الديني) كانت الرسالة الأولى عبارة عن 
نداء وجهه باللغة الألمانية إلى قادة الفكر من غير رجال الدين في ألمانيا حثهم 
فيه على الشروع في إصلاح الكنيسة بأنفسهم دون الاعتماد على رجال 
الكنيسة وكان عنوان هذه الرسالة: (إلى هيئة النبلاء المسيحيين من الآمة 
الالمانية بصدد إصلاح العالم المسيحى)9!0؟. 
المسيحي) ووجهها إلى البابا ليو العاشر على أنها نداء للسلام©. 

أما الرسالة الثالثة فقد وضعها باللغة اللاتينية أيضًا ووجهها إلى رجال الفقه 
الديني©- المسيحي- أظهر فيها ضعف البابوية» وتدهور أخلاق رجال 


)١(‏ أوربا في مطلع العصور الحديئة ص575. 

.١؟١ص راجع تاريخ الكنيسة ج؛‎ )١( 

() نفسه ص .17١‏ (5) أوربا في مطلع العصور الحديثة ص71717. 
(5) راجع تفاصيل هذه الرسالة وما تحتويه في: المصلح مارتن لوثر ص١١٠١.‏ 

(7) نفسه ص0 .١٠١‏ 010 نفسه ص7١١.‏ 


5< أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


الدين» ووضع عنوانًا لها (مقدمة عن الأسر البابلي الكنسي)0"©. 

ولذلك لم تجد الإدارة البابوية حلا لهذا سوى إصدار قرار الحرمان «للوثر) 
تنفيذ قرار الحرمان تأسيسًا على أن لوثر يقيم في إقليم سكسونيا الداخعل في 
2 هذه الدولة» ورأى الإمبراطور أن يعرطل ا ا 
7 9 لوثر خارج القانون 30 باعتباره 0 الدولة 
ومنع قراءة جميع كتاباته”" , 

ورغم هذا فقد ظلت الحركة اللوثرية» وأخذت طريقها إلى الذيوع 
والانتشار وأطلق على أنصار هذه الحركة لفظة «بروتستانت:0"» وهو الاسم 


)١(‏ أوربا في مطلع العصور الحديثة ص 071758 تاريخ الكنيسة ج4 ص77١-‏ 21717 أصول التاريخ 
الاوربي الحديث ص١١٠.‏ 
9( أوربا في مطلع العصور الحديثة ص١٠8-‏ 586. 
() أما عن سبب إطلاق لفظة «بروتستانت» على أنصار لوثر فهو كما يلي: النشرت: خ ركه لوث في 
المقاطعات الألمانية» وتفاقم الموقف في ألمانيا بالنسبة للكاثوليك؛ ورأى الإمبراطور شارل الخامس أن 
يخطو خطوة لحل المشكلة الدينية التي باتت تهدد البلاد الألمانية بانقسام ديني مذهبي» فوجه الدعوة 
لعقد المجلس الإمبراطوري الثاني في مدينة سبير في بافاريا - مارس .١579‏ ولم تعجب قرارات هذا 
المجمع أنصار الحركة اللوثرية» حيث قرر السماح بإقامة الطقوس الكائوليكية في المقاطعات اللوثرية» 
ولكنه لم يمنح هذه المقاطعات الحق المقابل: وهو أن يكون لها في البلاد الكاثوليكية الحق في إقامة 
القداس طبقًا للمذهب اللوثري. 

ولذلك قرر أنصار الحركة اللوثرية تحدى الإمبراطورء فاحتجوا على قرار مجمع سبير الثاني وقالوا: !١‏ 
نحتج ونعلن أننا لا نستطيع أن نذعن لهذا القرار ونعتبره لاغيًا وغير ملزم لناه. ووقع على هذا الاحتجاج 
خمسة أمراء» وحكام أربع عشرة مدينة. ومن الاحتتجاج اشتق أنصار الحركة اللوثرية الاسم الذي اشتهروا 
به وهو: البروتستانت أي اجون وهو الاسم الذي التصق بهم منذ مجمع سبير الثاني في سنة ١١8‏ 
حتى الوقت الحاضر. (المرجع السابق ص" .)1١08 -4٠١‏ 


ثورة الإصلاح الديني البروتستانتي ش 1 
الذي اشتهرت به حركة الإصلاح الدينى. 

أما عن أهم مبادئ لوثر فهي كما يلي : 

-١‏ إخضاع رجال الدين للسلطة المدنية. 

؟- ليس للبابا الحق فى احتكار تفسير الكتاب المقدس. 
وتدعى كاترين بورا. 

4- عدم إنشاء أديرة جديدة» وإلغاء عدد من الأديرة وتحويل نزلائها إلى 
الحياة المدنية» ثم أعلن إلغاء الديرية والرهبنئة» وكان زواجه تطبيقًا عمليًا 
وتدعيمًا لهذا الإلغاء”؟. 


ب- أولريخ زوينجلي (154- الامام): 

كان يدور في ذهن «زوينجلي» حاجة الكنيسة إلى الإصلاح في نفس الوقت 
الذي انبثقت فيه الفكرة عند «لوثر»”"©. 
درجة البكالوريوس ودرجة الماجستير من جامعة «باسيل»؛ ثم عين راعيًا لابروشية”" 
«جلاروس)”*24» ثم عين قسيسًا مرافقا للجنود السويسريين الذين يحاربون في 
صفوف القوات البابوية”*»» ثم عين واعظا في أينسيدلن» وترامت شهرته في الخطابة 


."178 نفسه ص‎ )١( 
.١57ص (؟) تاريخ الكنيسة ج14‎ 

(؟) منطقة اختصاص إحدى الأسقفيات» وكما ذكرنا سابقًا فإن النظام الكنسي يعتبر أن البابا هو: 
رأس الكنيسة ثم يأتي بعده رؤساء الأساقفة الذين يديرون مقاطعات تتكون من عدة أبروشيات» ثم 
يأني هؤلاء الأساقفة وكل أسقف كان يشرف على أبروشية واحدة (راجع المسيحية في العصور 
الوسطى ص ؟47.؛ المسيحية في عصر الإصلاح ص؛ .)١‏ 

(4) مدينة في سويسرا وهي عاصمة مقاطعة تعرف بهذا الاسم (أوربا في مطلع العصور الحديثة 
ص١5":).‏ 

(5) راجع تاريخ الكنيسة ج؛ ص2151 1514. 


35 أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 
عت ا ا ا 


إلى مدينة زيورخ» وبرزاسمه منذ ذلك التاريخ برورًا واضحًا قويًا في الأوساط الدينية 
والسياسية والاجتماعية في المقاطعة وتبوا مكانًا عاليا(2. 

وسرعان ما قاد حركة إصلاح ديني انتهت إلى نتيجة مهمة لا تزال آثارها 
قائمة إلى اليوم وهي انشماق مقاطعات بأسرها من مقاطعات الاتحاد 
السويسري على كنيسة روماء وانقسام سويسرا إلى فريقين: فريق بروتستانتي 
من أنصار زوينجليء وفريق كاثوليكي”"»: وقامت الحرب بينهما وقتل 
زوينجلي في موقعة كابل سنة ١6171١1م0©.‏ 

كانت أهم المبادئ التي نادى بها زوينجلي أن الكتاب المقدس- عندهم- 
يجب أن يكون هو القائد والمعلم» وألح على زواج الإكليروس”': وهاجم 
عزوبة رجال الدين» وصكوك الغفران””. 

وأكد على أنه لا أساس للسلطة الروحية التي يطلق عليها اسم (الكنيسة) 
في الكتاب المقدس وفي تعاليم المسيح, الكروسفية المطهرء وقال إنها 


خرافة 2003 


ج- جون كالفن -16١9(‏ 10155م): 


فرنسي الأصل ولد في نويون بالقرب من باريس (على بعد حوالي ١‏ كم 
شمالي باريس سنة 59١٠5١م).‏ حصل له والده منذ نعومة أظفاره على وظيفة 
كنسية أمدته بدخل سنوي» وقد أعده والده لدراسة القانون فتعلم في باريس 
وأورليان» وبورج» وفي أثناء الدراسة اتجه كالفن إلى المسائل الدينية» وهي 


.4517 أوربا في مطلع العصور الحديئة ص‎ )١( 

١؟)‏ نفسه ص55 4. 

هه د/محمد فؤاد شكري» د/أمحمد أئيس: أوربا في العصور الحديثة ج١‏ ص ه7١2‏ الطبعة الثانية» 
مكتبة الأنجلو سنة 1م. 

(4) تاريخ الكنيسة ج؛ ص2155 159. 

(5) قصة الحضارة مج" جا ص7١١.‏ 

.١١5 21١8ص نفسه‎ )5١( 


ثورة الإصلاح الديني البروتستانتي 16 


التي شغلت المفكرين في عصره؛ فدرس آراء المصلحين الألمان» وقرأً 
كتاباتهم وصار يميل إلى المبادئُ الجديدة0 واعتنق المذهب اللوثري 
واعتزل وظيفته الدينية في مايو 574١م‏ واضطر إلى مغادرة فرنسا لأن ملكها 
فرنسوا الأول كان قد أسرف إسرافًا بعيدًا فى اضطهاد البروتستانت داخل 
فرنسا وتنقل كالفن بين مدن بال في سويسراء وفرار في إيطالياء وستراسبورج 
ف ماديا 

واتخذ جنيف مقرا له» وظل مقيمًا بها منذ أواخر سنئة 575١م‏ حتى توفى 
باستثناء ثلاث سنوات من ١578‏ إلى ١6141١1م0".‏ 

يتفق «كالفن» مع «لوثر؛ «وزوينجلي» في أهم مبادئهما”؟؟» وقد تفوق عليهما 
في انتشار آرائه» وذيوع صيته» وتأثيره القوي لدرجة أنه لقب ب (المصلح 
الدولي الوحيد)» صحيح أن لوثر- كما يقول جون لومير- هو الذي قام 
بأعظم مواجهة درامية مع روما... إلا أن كالفن هو الذي نظم وعزز جهد 
الإصلاح ليتسع انتشاره ويصل إلى ما وراء حدود جنيف وسويسرا نفسها0 2 
واستطاع أن يجعل من جنيف المدرسة الكبرى لعقيدة الإصلاح البروتستانتي. 
كانت الكلفينية إذن أكثر أشكال الإصلاح البروتستانتي في فرنساء وشكلت 
الجمهورية الهولندية» وقبلها الإسكتلنديون ديانة قومية لهم وقبلتها 
خرجوا على روماء وحتى في إنجلترا كان لها أثرها البارز”'". 
)١(‏ أوربا في مطلع العصور الحديثة ج١‏ ص 23508 185. 
(؟) أوربا في مطلع العصور الحديئة ص 4537. 
(4) يقول ول ديورانت: «ولم تكن عبقرية كالفن تكمن في أنه يأتي بأفكار جديدة ولكن في تطوير 
آراء من سبقوه إلى نتائج منطقية» قصة الحضارة مج" جا ص4 ."١‏ 
(5) تاريخ الكنيسة ج14 ص7514. 
© أصول التاريخ الأوربي الحديث ص 2١٠65‏ لزيد من التعرف على كالفن وحياته ومبادثه راجع: 
د/هاري إيبرتس: مصلح في المنفى (جون كالفن موجز عن حياته ومبادئه) ترجمة: وليم ببادي» دار 
الثقافة الطبعة الأولى سنة ١/9١م؛‏ د/حنا جرجس الخضري: جون كالفن حياته وتعاليمه. الطبعة 
الأولى دار الثقافة سنة 942١م.‏ 


55 أثر الكنيسة على الفكر الأوري 
الل سس ات ا ات 


هل عالجت ذورة الإصلاح البروتستانتي كل أسباب النقد؟ 

إن الدراسة الموضوعية تقتضي معالجة هذا الموضوع من كل جوانبه بنظرة 
شمولية عامة ومتأنية. 

فالنظرة المتسرعة أو الخاطفة لا تكفي» كما أن الاكتفاء بالنظر في بعض 
الجوانب لا يفيد في التقييم العلمي الموضوعي لعمل هذه الحركات 
الإصلاحية. 

07 ناحية أخرى فإن النظرة الخاصة لذوي الميول والنزعات المختلفة 
ليست بذات قيمة من الناحية العلمية؛ لأنها تعبر عن وجهة نظر أصحابها. 

لاا شك أن مساوئٌ الكنيسة وفسادهاء وتدهور حالة رجال الدين المسيحي 
هي من الأمور التي كانت جعاس اجات التيجطعان الكتيية للها .. 
ولذلك فإن معالجة هذه الأمور أو الثورة عليها يعد من وجهة نظر ما إصلاح» 
خاصة وأن الكنيسة كانت تمسك بزمام الأمور وتعالجها بالحديد والنار» فلم 
ين أو يتمرد عليهاء أو يأتي برأي 
مخالف لما تقول به 

إن ثورة اريك الدووكسانيي- من هذا الجانب- استطاعت أن تفرض 
نفسها على الواقع الأوربي بالثورة على الكنيسة» وعلى بعض ما تقول به» ومن 
ثم نادت بإصلاح رجال الدين المسيحيء وإصلاح شأن الكنيسة في معالجتها 
لبعض الأمور» وساعدها على ذلك المتغيرات المختلفة حيث نمو المعارف 
والعلوم في أوربا خارج الكنيسة بعد أن كان العلم في العصور الوسطى يمر من 
خلال الكنيسة:» إضافة إلى أن الأوربيين كانوا قد بدءوا يأخذون قسطا من 
الحرية في معارفهم وعلومهم بعد أن كانت العصور الوسطى عصور ظلام 
واستبداد» وتعصب. 


هذه الأمور لاشك ساعدت ثورة الإصلاح البروتستانتي أن 7 تقوم بهذا 


ثورة الإصلاح الديني البروتستانتي /1> 
ال ل عو ال ا ل ا 1 1 شت 
الدور» ويكون لها هذا التأثير في المجتمعات الأوربية فأصبح لها أتباع 
وكنائس مستقلة. 

ومن ناحية أخرى فإن الوجه الآخر لهذه الثورة أن أصحابها انفصلوا عن 
الكنيسة» وكونوا لأنفسهم كنائس مستقلة وكانت لهم بعض المبادئٌ التي 
خالفوا بها الكنيسة الرومانية. 

والسؤال الآن: هل يُعد الانفصال إصلاحًا؟! 

إن الكنيسة الرومانية ما زالت قائمة وباقية» وما فعله أصحاب ثورة الإصلاح 
أنهم خالفوا الكنيسة الأم واستقلوا بإنشاء كنائس مستقلة. 

ولذلك فإن هذه الثورة قد يراها البعض أنها كانت سببًا في إحداث شرخ 
فى الكنيسة؛ أو أنها كانت سببًا في أن تفقد الكنيسة ما يمكن أن نسميه 
وحدة - تجاورًا-. ْ ٠‏ 

إن ثورة الإصلاح من هذا الجانب تعد انقسامًا هدد وحدة الكنيسة 
الكاثوليكية التى مازالت باقية وموجودة» وقائمة بهيئاتها ورجالها وتعاليمهاء 

إذن ثورة الإصلاح البروتستانتي لم تقض على الكنيسة وعلى مبادئهاء وإنما 
خرجت عليها واستقلت بنفسهاء وهذا لا يعد إصلاحًا!! 

يقول د/أحمد شلبي: «إن الحركة الإصلاحية فشلت من ناحية أنها لم تستطع 
تقويم الكنيسة التي كانت قائمة» ولم تفلح في التغلب على البابا وأفكاره وأتباعه فقنعت 
بإنشاء كنائس لهاء تظهر فيها المبادئ الإصلاحية التي اعتنقتها وتركت آلاف الكنائس 
الأخرى تسير على النحو الذي كانت تسير عليه من قبل»20؛ والأهم من هذا أن ثورة 
فى نقد الكنيسة أو بالأحرى سببًا في نقد المسيحية. 


.55١ المسيحية ص‎ )١( 


- أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


إن ثورة الإصلاح لم تعالج الأسباب الحقيقية لنقد المسيحية فلم يتطرقوا 
إلى العقائد المسيحية التي هي مثار النقد الأساسي مثل: عقيدة التثليث؛ 
والععييدة والشلدضن: 

بل لم يبحثوا أصل الكتب المقدسة عندهمء ومدى صحتها من ناحية 
السند والمتن والنسبة!! 

يقول الشيخ أبو زهرة: «إذا كان المصلحون قد قرروا أن يأخذوا مذهبهم الديني 
من الكتب المقدسة - عندهم- وقرروا أن يرفضوا سلطان المجامع والكنيسة معّاء فإن 
المنطق الذي يسيرون عليه كان يوجب عليهم أن يفرضوا أقوال المجامع القديمة: ومنها 
ألوهية المسيح» وألوهية الروح القدس . . . لكنهم لم يسيروا في منطقهم إلى أقصى 
مداهء فرفضوا آراء الكنيسة في أمور. . ولم يتوجهوا إلى لب العقيدة)”". 

إن الحركة الإصلاحية كانت إصلاحًا للكنيسة لا إصلاحًا للمسيحية - 
كما يقول د/أحمد شلبي- والفرق بين الموضوعين كبير» ومعنى هذا أن ما 
أثار لوثر ومن عاصره هو أفعال الكنيسة في ذلك العهدء وأما البحث في 
الأشياء المهمة التي دخلت على المسيحية فلم يكن موضوع إصلاح عند لوثر 
ومعاصريه... لم يثوروا إلا على ما ابتدعته الكنيسة في عهدها الأخير كغفران 
السيعات» والاستحالة» وحق تفسير الكتاب المقدس... ولذلك بقيت 
موضوعات ضخمة لم يتطرق لها الإصلاح””". 

وأخيرًا فإن ثورة الإصلاح لم تككن كافية لإقناع العقل الأوربي بالمسيحية 
إن أسباب النقد والنزاع بين المسيحية والعقل وغيرها أمور ما زالت باقية؛ 
ولذلك لم يقنع المفكرون الأوربيون بهذه الثورة وقاموا هم أنفسهم 
بمحاولات أخرى للتخلص أو التحرر من الدين المسيحي ما دام الإصلاح 


(1) محاضرات في النصرانية ص775. 
)١(‏ المسيحية ص١751.‏ 


ثورة الإصلاح الديني البروتستانتي 515 


أصبح متعسيرًا. | 

ولذلك ظل الصراع بين الدين والعقل باقيًا حتى بعد ثورة الإصلاح 
البروتستانتي. بل إنه زاد واشتد حتى كاد أن يعصف بالمسيحية. لقد أقنع 
الإصلاح من يريدون الاقتناع بالوقوف عند حد معالجة ظواهر الأمورء لكنه لم 
ولن يقنع الذين يريدون الآصول. نحن نريد إصلاحًا يعالج الحقائق والجذور 
وبواطن الأمور. إن إصلاح الفروع لا يغني العقلاء» ولا يشفي غليل الحكماء! 


7 أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


رابعًا: ثورة العقل الأوربى على الدين المسيحي 
ثار العقل الاوربى على المسيحية وتمثلت هذه الثورة في صورتين: 


الأولى: 

ثورة على الكنيسة حيث فشا الفساد والانحلال في النظام الكنسى جميعه 
وقاد هذا رجال الإصلاح البروتستانتى إلى الثورة على الكنيسة «وعارضوا مظاهر 
الطقوس الدينية» واحتكار رجال الكنيسة للسلطة الدينية» وسلطة البابا المطلقة»7". 

وقد تحدثنا عن هذه الثورة وبينا تأثيرها ونضيف هنا: أنها أفضت من غير قصد 
إلى تحرير العقل الأوربي من قيود العقيدة الدينية”"© وتمثل هذا في الصورة التالية. 

الثانية: 

ثورة على المسيحية كدين يعوق الفكرء ويقف عقبة أمام التقدم العلمي؛ 
وحجر عثرة أمام البحث العلمي المستقل القائم على العقل والمنطق. 

واتخذت هذه الثورة تحرير العقل الأوربي من القيود التي عطلت تفكيره 
وأوقفت نشاطه في العصور الوسطى. 

ولذلك لوحظ أن شواهد التنافر والاختلاف بين العصور الوسطى وما سمى 
بعصر النهضة”" كثيرة. ففي العصور الوسطى كان الأوربي يميل إلي الانصياع 


)١(‏ جورج سباين: تطور الفكر السياسي. الكتاب الثاني ص ©46. ترجمة: حسن جلال العروسي 
مراجعة: د/ محمد فتح الله الخطيب. دار المعارف سنة 9514١م.‏ 

.١5١ قصة الصراع بين الدين والفلسفة ص‎ )١( 

(*) تبدأ العصور الوسطى - كما سبق أن بينا - بسقوط الدولة الرومانية الغربية سنة 4777 م وتستمر 
نحو عشرة قرون يسمى نصفها الأول بعصر الآباء ونصفها الثاني بالعصر المدرسي؛ ثم يبدأ عصر 
النهضة في القرن الرابع عشر أو الخامس عشر وينتهي بنهاية القرن السادس عشر وتبدأ العصور الحديثة 
بالقرن السابع عشرء ولكل عصر خصائص تميزه عن العصر الذي يسبقه والعصر الذي يلحق به (راجع 
د/ توفيق الطويل: أسس الفلسفة هامش ص 57. الطبعة الخامسة. دار النهضة المصرية سنة ١951/‏ م. 


ثورة العقل الأوربي على الدين المسيحي 7 
ل اا ا ا ين 


للكنيسة» ويرضى عن الجهل الذي يجعل صاحبه أكثر استجابة لأوامر الدين 
المسيحى أو السلطة البابوية» ويحصر المعرفة في اللاهوت لانها الطريق 
الوحيد إلى الخلاص. ْ 

أما عصر النهضة فقد اختلف فيه الأمر إذ احتوته الثقة بالعقل» واستغرقه 
حب الاستطلاع الحرء واشتد كلفه بالعلم» ونبذ العقائد التي كانت سبباً في 
التحكم فيه(1) 

وتمثل هذا في اتجاه العقل الجديد في طريقين: 

الأول: إحياء الروح القديم فانطلق دعاة المذهب الإنسانى - منذ القرن 
الرابع عشر حتى السادس عشر - إلي بعث ماعرف من أداب اليونان 
والرومان» مسترشدين بها في إخضاع الدنيا لصالح هذا الإنسان الجديد”". 

إنها كانت فترة إعادة اكتشاف العلوم اليونانية0". 

كان رواد الفكر الجديد في عصر النهضة يعتقدون أن التراث العقلي 
اليوناني كفيل بتكوين الإنسان» ومن هنا كان حرصهم على الرجوع إليه 
واهتمامهم بالعمل على إحياء كنوزه» وأطلقوا على الآداب القديمة 
(الإنسانيات) وتأكدت النزعة الإنسانية التي اتجهت إلي الإعلاء من شأن 
الفكر الإنساني ورد القيم إلي العقل لا إلي الدين» والنفور من التقليد والجمود 
والجمرة على السلطة التي تقيد انطلاق العقل» ونزع هؤلاء إلي تعلم اليونانية 
حرصاً منهم على ترجمة تراثها من منابعه إلي اللاتينية - لغة العلم في ذلك 
العصر في البلاد الأوربية - وتكفل ظهور المذهب الإنساني وسيادة النزرعة 
)١(‏ قصة الصراع ص ١5١ 215١0‏ راجع أيضا: دانيل بارودى في محاضراته عن الأخلاق والتى 


عنونها ب «الرجل المهذب» ضمن كتاب من الحكيم القديم إلى لى المواطن الحديث ص /١‏ ترجمة: د/ 
محمد مندور» سلسلة عيون الأدب الغربى» العدد الثانى عشر. الطبعة الأولى. لجنة التأليف والترجمة 
والنشر سنة ١9544‏ م. 

(؟) قصة الصراع ص .151١‏ 

(*) تاريخ الكنيسة ج 4 ص .7١‏ 


07 أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


الفردية وهدم ة قيم العصور الوسطى» د ند 
الدين وتوجيهها إلي معاداته في تلك الأونة من تاريخها(". 

إن فلاسفة النزعة الإنسانية وجدوا فى الكنئيسة معوقًا لتقدم الفلسفة 
الجديدة. ١‏ 

إن العقيدة اللاهوتية في فلسفة العصور الوسطىء» وسلطة البابوية المسيطرة 
بالكامل؛ كبتت الفكر المبدع؛ وأصابته بالشلل» وحطمت جهود أولئك الذين 
يفكرون في ذلك”". 

الثانى: وثانى الطريقين اللذين سلكهما العقل الجديد يتجلى فى اهتمامه 
بالطيعة اللحافلة: بالتحعائق. رتروعه إلى ارتاة التتجهول من اناق العلم الطبيفي 
إذ انبعثت صيحة روجر بيكون”" بالدعوة إلى التجربة والاختبار واستجاب لها 
العلماء والفنانون وأنشأت الجمعيات العلمية صدى لهذه الدعوة» ومهد هذا 
لنشأة العلوم الطبيعية مؤيدة االخريام الحديثة» وانساق الناس إلي الكشف 
الجغرافى التماسا لحقيقة تسفر عنها مشاهداتهم واتفق رواد الفكر الجديد 
على استهجان الكتب القديمة والسلطة الدينية مصدراً لعلمهم بالطبيعة الكونية 
ومضى العقل في محاولة اكتشاف الجديد في شتى صوره؛ وأمعن في تحطيم 
القيم المعتمدة في عصره”*» 


)١(‏ د/ توفيق الطويل: ندخل لدراية تإري الفلسعة وصمن كناب العرب والعلم في عصر الإسلام 
الذهبى ودراسات علمية أخرى) ص .77١‏ الطبعة الأول دار النهضة العربية سنة م954١ام.‏ 

.7١ تاريخ الكنيسة ج 4 ص‎ )١( 

(9؟) راهب فرنسيسكائي درس في كل من أكسفورد وباريس» ويمتاز بشعوره القوى بأهمية التجربة 
وضرورتها وأكثر ما نعى على أهل عصره وبخاصة أساتذة باريس» عدم عنايتهم بالطريقة التجريبية» 
وصرح بأن هذا التقصير سبب جهل المثقفين بجميع أسرار العلم تقريبا (راجع يوسف كرم: تاريخ 
الفلسفة الآوربية في العصر الوسيط ص 215١ - ١٠7"‏ د/ عبد الرحمن بدوى: فلسفة العصور 
الوسطى ص8١‏ - 2١77‏ كراوذر صلة العلم بالمجتمع جا ص7؟-777؟. 

(4؛) قصة الصراع ص .١57‏ 


ثورة العقل الأوربي على الدين المسبيحي ش 070 


إن شدة الاهتمام بالطبيعة فى هذا العصر - عصر النهضة - يعتبره 
الرهبنة؛ وتعذيب الجسد واللجوء إلى الكنيسة ورجال الدين المسيحى 
باعتبارهم الملجأ والملاذ فى علاج المشكلات. 
بعيد صراعاً ضد الطبيعة فمثلها الأعلى كان كله زهداء وقد رسمت للحياة 
الروحية صورة تتضمن الحذر من الجسم واحتقاره هو وكل ما به من ميول 
وقوى احتقارا امتد إلى كل ما يشابه ذلك الجسم., إلى كل ما هو مادة 
وحقيقة مجسدة إلى الطبيعة كلهاء ولقد كان فى احتقار الطبيعة خوف منهاء 
وذلك لأنها بتعدد صورهاء وإشراق تلك الصورء وبتوثب غرائزها ساحرة 
مغرية» إنها شيطانية» وما الفضيلة فى جوهرها إلا الإفلات من حبائلهاء وإذا 
كان هناك من يرفق بها من رجال القرون الوسطى فما ذلك إلا بمقدار ما 
يحتمل أن تعتبر رمزا للروح» ومن ثم كان موقفهم الاخلاقى يدعو إلي التجرد 
من الحياة وتعذيب الجسم» كما كانت إدانتهم للفنون المجسدة وللعلوم 
درسهاء» لانها دون غيرها تؤدى مباشرة إلي الخلاص)27. 

ويتابع بارودى القول مقارنا بين ما عليه الأوربيون في العصور الوسطى 
وعصر النهضة فيقول (أما النهضة فعلى العكس من ذلك إذ ردت إلي الطبيعة 
بكافة مظاهرها كل اعتبار» فكل ما هو طبيعى حى قد لاح لها جميلا مشروعا 
فالفن قد توافر على محاكاة الصيغ الجسمية محاكاة قوية خالية من كل تزمت 
كما توافر العلم على ملاحظة قوى الطبيعة وفهمها”". 
)١(‏ بارودى: الرجل المهذب» ضمن كتاب (من الحكيم القديم إلى المواطن الحديث) ص١7.‏ 


7 أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


ويضيف (لقد سار رجال النهضة إلي أبعد مدى في ردهم للطبيعة اعتبارها 
حتى لتراهم يبررون شهوات النفوس تبريراً تاماء ففى إيطاليا وفى فرنسا كانوا 
يعجبون قبل كل شيء بغزارة الحياة» والنشاط المعنوى الحيوى» وقد لاحت 
لهم كل قوة طبيعية مشروعة ما دامت ذاتية متدفقة» ولقد كان العصر عصر 
انتشار التجارة في أورباء عصر الاختراعات الكبيرة» عصر الطباعة التى تغذدى 
ما عند البشر من حب للاستطلاع» وتحقق ما تصبو إليه نفوسهم من كبرياء 
لحري 0 

وهكذا يمكن القول: إن أوربا دخلت بعصر النهضة - الذى جاء ثورة على 
المسيحية - مرحلة جديدة من حياتها استقلت فيها بنفسها بعيدا عن الكنيسة 
ورجالها وخرافاتهاء وأمعنت في الاهتمام بالإنسان والطبيعة. 


وفيما يلى تلخيص لأهم النتائج المترتبة على ثورة العقل الأوربى على 
المسيحيك: 

-١‏ تحرر الفكر الأوربى من القيود الثقيلة التى كانت تفرضها الكنيسة على 
حرية الفكر وحرية البحث العلمى (" وكان هذا له أثره في الخروج على 
تعاليم الكنيسة. 

؟- تركزت الكراهية ضد الكنيسة؛ وانصب الغضب على الأداة التى 
قيدت العقول» ثم قويت هذه الكراهية بدرجة التحرر من الإيمان بالمسيحية 
أو العقيدة المسيحية ذاتها التى اعتمدت عليها الكنيسة في فرض سيطرتها 
على العقل والفكر'". ١‏ 

لقد كان هناك أشخاص مثل (فرانسوا رابيليس) الفرنسى (15 )١5 517-١59‏ 


)0 بارودى: الرجل المهذب» ضمن كتاب (من الحكيم القديم إلى المواطن الحديث) ص .7١‏ 
)١(‏ أوربا في مطلع العصور الحديئة ص5514. 
(") أوربا في العصور الحديثة جا ص8١١.‏ 


ثورة العقل الأوربي على الدين المسيحي “7 


الذين كتبوا روايات هجومية قاسية ساخرين من الكنيسة ومعبرين عن كراهتهم 
للنفاق» والتقاليد والأنظمة المتجمدة خصوصا الكنيسة("©. 

ومما ينبغى أن نشير إليه هنا أن الثورة على الدين المسيحى في هذا العصر 
لم تكن إلا مرحلة من المراحل النهائية لتحرر الكثيرين من المفكرين الأوربيين 
من هذا الدين فيما بعد. 

فلم تقض ثقافة هذا العصر - فيما يقول بيورى - إلي ثورة عقلية عامة 
ترمى إلي اجتياح المعتقدات الدينية» بل اتخذ العالم بالتدرج مظهرا معاديا من 
غير شك لتعاليم الدين التى ذاعت في العصر الوسيط(". 

؟- الانحلال الخلقى الذى صاحب ما كان في النهضة من تقدم علمى. 
لقد خرجوا على تعاليم الكنيسة واستهوتهم حياة اللهو والمرح وتطور بهم 
الحال إلي أن انغمسوا في حياة التبذل والتهتك ونبذوا التقاليد الدينية والآداب 
العامة””". 

تفرد هذا العصرر وتان على تقييد الخرية قن محال الأحلذق: :والادانت 
وميادين العلم والفن والفلسفة جميعاء فتلاشت قيود الآداب والنظامء 
وانطلقت الشهوات من عقالهاء وفشى الفساد حتى استغرق العصر كله... لقد 
لحق بهذا العصر أن فقد الأوربيون الإيَمَان؛ وتحرروا من فيود الأخلاق» 
والمثير للدهشة أن شارك رجال الدين فى هذا الفساد مما أدى إلى التهجم 
عليهم والتشهير بآثامهم وخاصة من رجال الإصلاح البروتستانتى©». 

وقد صور ول ديورانت هذا الانحلال فقال (إن شطراً كبيراً من الطبقات 
المتعلمة في إيطاليا عام ١5٠١‏ قد فقد إيمانه بالمسيحية الكاثوليكية.. بل إن 
)١(‏ تاريخ الكنيسة جت4 ص١7.‏ 
)١(‏ قصة الصراع ص54١.‏ 


(5) أوربا في مطلع العصور الحديئة ص514". 
(5) قصة الصراع ص ؟157١.‏ 


7ن أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 
الدين حتى بين الطبقات غير المتعلمة قد فقد بعض ما كان له من سلطان على 
الحياة الأخلاقية)20. 

ثم يقول (وكانت نسبة متزايدة من السكان قد نبذت العقيدة القائلة بأن 
القانون الأخلاقى موحى به من عند الله» وما كاد يبدو للناس أن الوصايا العشر 
من وضع البشر... حتى فقد ذلك القانون الأخلاقى ما كان له من رهبة وقوة) 
فلم يعبأ أحد بالمحرمات؛ وحل محلها قانون جر المغانم وانتهاب اللذات 
وضعف شعور الناس بالخطيئة» والرهبة من الجريمة» وتحرر ضمير الناس من 
القيود أو كادء وأخذ كل إنسان يفعل ما يبدو له ميسرا ولو لم يكن مما اعتاد 
الناس أن يروه حقاء ولم يعد الناس يرغبون في أن يكونوا صالحين؛ بل كل ما 
يريدونه أن يكونوا أقوياء» ومارس كثيرون من الناس الغش والخداع لقد رأى 
الناس أن يمتعوا أنفسهم على ظهر الأرض وتركوا العنان لشهواتهم)”". 

ثم يقول (إن الكتاب الإنسانيين لم يكونوا أقل فسادا من رجال الدين الذين 
يوجهون لهم سهام النقد)9". 

4 - أخخيرا فإن ري سوف يتيح 
للمفكريق: الأوربييق أن يرتادوا كثيراً من الميادين العلمية التى كانت محظورة 
في العصور الوسطى. ظ 

وسوف تتكشف نتيجة لهذا حقائق جديدة» ونظريات علمية لم تكن 
معروفة» تخالف ما كان الناس يعتقدونه ويؤمنون به في العصور الوسطى. 

وبعبارة أدق تناقض ما تؤمن به الكنيسة. مما يترتب عليه أن المرحلة التالية 
لهذا سوف تشهد صراعا بين ما ادعته الكنيسة وفرضته على الناس فرضا من 
أمور علمية؛ وبين ما يكتشفه العلم من حقائق ونظريات علمية. 


(8 نفسة ضن 41 
(5) نفسة ص 41. 


الصراع بين المسيحية والعلم في أوروبا 70 
اللعمع 4 للحت اللاو وا ولل ا ار ا 1 1011 


خامسًا: الصراع بين الدين (المسيحية) والعلم في أوربا 


أسباب الصراع: 

إن حركة الإصلاح البروتستانتى - كما سبق أن بينا - ثارت على السلطة 
البابوية» وأنكرت عصمة رجال الدين؛ واتخذت لنفسها مبدأ أن الخضوع 
يكون لحكم الكتاب المقدس وحده بمعنى أنه المصدر الوحيد الذى يجب 
الاعتماد عليه في تفسير المسائل الدينية. 

وأصبح المسيحيون في أوربا تبعا لهذا: إما أنهم يتعلقون بسلطان الكنيسة 
وسلطان البابوية» أو يتعلقون بسلطان الكتاب المقدس وحده. 

وفى ظل التقدم العلمى فى أورباء واهتزاز سلطة الكنيسة بعد ثورة 
الإصلاح؛ والتحرر العلمى من القيود التى فرضتها الكنيسة على العقول» برز 
أمر آخر وهو: مدى ملائمة أو موافقة ما تنتجه العقول الأوربية لما تؤمن به 
الكئيسة أو لما جاء فى الكتاب المقدس. 

إن الكنيسة كانت تؤمن بآراء علمية معينة تناقلتها عن الاباء السابقين الذين 
فسروا الكتب المقدسة - عندهم -» وقد رأت الكئيسة صحة هذه الأراء 
وتبنتها وأقرتها حتى أصبحت في نظرهم حقائق لا يحق لأحد أن يشكك 
فيهاء أو يقول بعدم صحتها. 

لقد فرضتها الكنيسة على المسيحين فرضاء ولم تقبل فيها جدالا أو نقاشا. 

هذا إلي جانن أن الكفاب المقدس 'تفمله يحفوئ على آزَاء علمية أثبت 
العلم عدم صحتها. ولذلك فإنه في ظل حرية البحث العلمى واستقلاله عن 
الكنيسة سوف نرى اختلافا ثم صراعا - بين ما يقوله الكتاب المقدس ن'ث:ن 
به وال الكئيسة وبين :ما تنه العقول والأفكار» وتقبته البحوث العلمية الى 

تقوم على أساس من العقل. 


3 أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


هذه هى أهم أسباب الصراع”( الذى نشب في أوربا بين المسيحية والعلم. 

9 انلك ا الندوى بعض هذه اتات فقال (إن من 
أعظم أخطاء رجال الدين في أوربا ومن أكبر جنايتهم على أنفسهم وعلى 
الدين الذى كانوا يمثلونه أنهم دسوا في كتبهم الدينية المقدسة معلومات 
بشرية») ومسلمات عصرية عن التاريخ والجغرافية والعلوم الطبيعية» ربما كانت 
أقصى ما وصلوا إليه من العلم في ذلك العصر.. ولكنها ليست أقصى ما وصل 
إليه العلم الإنسانى.. ذلك أن العلم الإنسانى يختلف من عصر لآخر فمن بنى 
عليه دينه فقد بنى قصرا على كثيب مهيل من الرمل 1 

فجناية رجال الدين المسيحى على دينهم كبيرة. إذ إن ما دسوه في كتبهم 
كان من بين أهم أسباب هذا الصراع. 

ولم يكتتف رجال الدين بما أدخلوه في كتبهم المقدسة؛ بل قدسوا كل ما 
تناقلته الألسن» واشتهر به الناس» وذكره بعض شراح ومفسرى العهددي ين القديم 
والجديد من معلومات جغرافية وتاريخية وطبيعية» وصبغوها صبغة دينية 
وعدوها من تعاليم الدين وأصوله التى يجب الاعتقاد بها ونبذ كل ما 
يعارضهاء وألقوا في ذلك كتبا وتآليف»... وعضوا عليها بالنواجذ وكفروا كل 
من لم يدن ها 


(1) يضاف إليها الأسباب التى ذكرناها سابقا في موضوع «نقد الكنيسة) وكذا الأسباب التى 
ذكرناها في موضوع «بوادر النزاع بين الدين والعقل). 

(؟) أبو الحسن الندوى: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ص ١9‏ الطبعة العاشرة. دار الأنصار - 
دار القلم سنة /91١اه.‏ 

(؟) نفسه نفس الصفحة. 


الصراع بين المسيحية والعلم في أوروبا 7 


مقاومة الكنيسة لأسباب الصراع: 

لأشّك أن الكنيمة لق شعسلع لهذا الاتجاه الحتديه ولن تستلمرية لأن 
الأمر مرتبط بالطعن في صحة ما تؤمن به من عقائد ومبادئ» والطعن في صحة 
الكتاب المقدس نفسة. 

إن الكنيسة ليست على استعداد للتضحية بمبادئها وآرائهاء فلن تتخلى عما 
تؤمن به» ولن تتنازل عن صحة كتابها المقدسء ولذلك فإنها سوف تستخدم 
ما تبقى لها من سلطان, لتنكر وتقاوم هذا الاتجاه الفكرى الجديد الذى تحرر 
من كل القيود» إذ أنه يهدد كيانها الدينى. 

(أزعج هذا الاتجاه الجديد رجال الدين المسيحى» ووطدوا العزم على 
تطهير الجو من آثاره» وتضافر الكاثوليك والبروتستانت على مطاردة أصحابه 
وبدت المقاومة رفيقة مع من يستجيب لمطالب الكنيسة ويذعن لأوامرها 
فيوقف مواصلة أبحاثه» ويكف عن التبشير بالجديد من آرائه» وكانت المقاومة 
عنيفة دامية مع كل من ركب رأسه وجهر بالعناد مع رواد الفكر الحديث)20©. 

ضاق رجال الدين المسيحى بهذا الاتجاه ونهضوا لمقاومته. 

ففى فرنسا عرفت باريس عام ١574‏ م طائفة من شبان العلماء المشتغلين 
بمنهج البحث التجريبي... ولكن برلمان باريس قد قرر مسوقا بمساعى رجال 
الكهنوت تحريم هذه المباحث الكيميائية الجديدة» وأنذر من لا يذعن لقراره 
بعقوبات صارمة. 

وفى إيطاليا نهض الإ كليروس لمقاومة الروح العلمى ومطاردة رجاله؛ 
فأكاديمية البحث الطبيعى التى أنشأها تليزيو في نابلى عام ١57٠0‏ م أثارت 
فزع الإ كليروس» فسارع إلى القضاء عليها'". 


.١1517 قصة الصراع ص‎ )١1( 
.١58 نفسه ص‎ )1١( 


ع أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


هذا الموقف من الاتجاه العلمى لم يكن خاصا بالكنيسة الكاثوليكية 

يقول ول ديورانت (ولم تستطع البروتستانتية أن تؤيد العلم؛ لأنها أسست 
صرحها على كتاب مقدس معصوم) 7« إن العلم يهدد سلامة وصحة 
الكتاب المقدس ولذلك وقفت حركة الإصلاح البروتستانتى موقف العداء من 
هذا الاتجاه العلمى الجديد. 

ويقول د / توفيق الطويل (إذا كانت الكاثوليكية قد ناصبت أحرار الفكر 
العداء» وأصلتهم نارها من غير رفق ولا هوادة» فإن البروتستانتية كادت 
تشبهها قسوة ومرارة)" إفليس من شيء كان أبعد عن عقول قادة الإصلاح 
الدينى من التسامح مع النظريات المخالفة لآرائهم)””. 
وموقفه من مصرع (سرفيتوس) خير شاهد على هذاء فقد كتب (سرفيتوس) 
يهاجم عقيدة التثليث متأثرا في ميله إلى الوحدانية بما عرفه عن الإسلام؛ 
وتجلت المقاومة فى عدائها للجمعية الملكية والمجمع البريطانى لتقدم العلم؛ 
وكثيرا ما اتخذت المقاومة صورة التهجم وتوجيه الحملات إلي العلماء”". 


.١١١ص‎ 5 قصة الحضارة مجلد 5 جزء‎ )١( 
.57 (؟) قصة الصراع ص‎ 

(1) نفشة: ص88 

(54) نفسه ص51. 

(0) نفسه ص77 .١‏ 


الصراع بين المسيحية والعلم في أوروبا 8١‏ 


احتدام الصراع: 

كانت التحولاتث الجديدة فى الفكر الأوربئى: والمقاومة الكئيسية لهاء 

إن التطور الكبير فى التفكير الأوربى بات ينذر بهدم ما اعتمدته الكنيسة 
من مسائل علمية» ورفض التقليد السائد لبعض القضايا العلمية الذى أمن به 
رجال الدين المسيحىء والخروج على المألوف ببيان أن الآراء العلمية التى 
تحظى بالتكريم والقبول لدى آباء الكنيسة آن لها أن تنزوى وتختفى إذ أثبت 
العلم الحديث عدم صحتهاء ومناقضتها للحقيقة العلمية. 

قلنا: إن الكنيسة لن تسلم بهذا التحول الجديد» ولن تعدل موقفها بسهولة. 
ولن تعلن عدم صحة ما ذهبت إليه؛ إذ أنه يعنى بطلان المعايير - الكتاب 
المقدس» تفسيرات الآباء - التى على أساسها اعتمدت هذه الآراء العلمية 
دون غيرها. 

أدى كل هذا إلى احتدام الصراع واشتداده» فى محاولة يائسة من الكنيسة 
لإثبات أصحاب الفكر الجديد عن المضى قدما فيما ذهبوا إليه؛ ومنعهم - 
حتى ولو بقوة الحديد والنار - من إذاعة ونشر نظرياتهم الجديدة على الناس. 
لكنها - رغم شدة المقاومة - لم تستطع أن تعطل مسيرة الفكر الآوربى 
الحديثء أو أن توقف تلك التحولات التى شكلت منعطفا جديدًا فى الفكر 

أعتقد أن أبرز ما يمثل ذلك النوع من الصراع”© الذى وصل إلى ذروته في 
القرنين السادس عشر والسابع عشر نظريات علم الفلك الحديث التى أحدثت 
دويا هائلا زلزل أركان الكنيسة. 


)١(‏ هناك أمثلة عديدة منها: موقف الكنيسة من عمران الجانب المواجه لموطننا من الأرض. لكن يبقى 
٠‏ علم الفلك الحديث وما أثاره أبرز الأمئلة لاحتدام الصراع بين الكنيسة والعلم. 


1 أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


وكانت البداية مع كوبر نيكوسء ثم كبلر وجاليليو وسوف نتحدث عن ذلك 
بإيجاز بما يتوافق مع طبيعة هذا البحث. 

وتفصيل ذلك الأمر على النحو التالى: . 

أ- اعتناق الكنيسة لرأبى (أرسطو) و (بطليموس) في الفلك: 

(كانت الكنيسة في نظرتها إلى مكان الأرض من سائر الكواكب قد 
اعتنقت رأى أرسطو منذ القرن الثالث عشرء ورأى بطليموس طوال العصور 
الوسطى)”2 إذ قرر الأول (84” - 8507 ق.م) منذ القرن الرابع قبل 
الميلاد أن الأرض ساكنة في مركز العالم لأنها من تراب» والمكان 
الطبيعى للتراب هو أسفل”" فهى ثابتة لا تدور ألبتة لا حول نفسها ولا 
حول غيرهاء لأنها لو كانت تدور حول نفسها ثم قذفت بحجر إلى أعلى 
لما هوى في نفس المكان الذى قذف منه بالضبط» بل لهوى في مكان 
غيره» لأن الزمن الذى يصعد فيه الحجر يسمح للأرض بأن تدور بالقدر 
الكافى لتغيير هذا المكان» ولو أنها كانت تدور حول غيرها لشاهدنا تغير 
مكان النجوم الثابتة في ليلة عنها في أخرىء مع أن الواقع هو العكس في 
كلا المثالين لأن الحجر يهوى في مكانه؛ والنجوم تشاهد في مواضعهاء 
إذن الأرض ثابتة لا تتحرك كما يرى أرسطو9”. 

ثم جاء بطليموس”؟ في القرن الثانى الميلادى ووضع كتابه المعروف 


.١ نفسه ص75‎ )١١( 
الطبعة السادسة. لجنة التأليف والترجمة والنشر.‎ ١5 ٠. (؟) يوسف كرم: تاريخ الفلسفة اليونانية ص‎ 
فيه د/ محمد غلاب: الفلسفة الإغريقية ج؟ ص”اه الطبعة الثانية. مكتبة الأنخلو المصرية.‎ 
بطليموس: عالم فلك ورياضة وجغرافيا وفيزياء» ومؤرخ يونانى مصرى نشأ بالإسكندرية وكان‎ )4( 
لكتابيه المجسطى والجغرافيا السيادة على علمى الفلك والجغرافيا لمدة أربعة عشر قرناء حتى جاء كوبر‎ 
نيكوس في القرن السادس عشر بنظريته الجديدة في علم الفلك (راجع توماس كون: بنية الثورات‎ 
.١59/8ص العلمية‎ 

ترجمة: شوقى جلال» سلسلة عالم المعرفة العدد ١548‏ سنة 157١م‏ الكويت. 


الصراع بين المسيحية والعلم في أوروبا م 


«بالمجسطى”2 ودوّن فيه فروع علم الفلك فبقى المرجع الأساسى إلى القرن 
السادس عشر الميلادى؛ وقرر سكون الأرض باعتبارها مركز الكون» ودوران 
الشمس وسائر الكواكب حولها'". 

وكان بطليموس يرى أنه من المؤكد أن الأرض ساكنة وأن قبة السماء 
تتحرك حولها حاملة معها النجوم والشمس والقمر)””". 

اعتنقت الكنيسة هذا الرأى» وأهملت الرأى المضاد الذى عرف عند قدماء 
الفيشاغورية. 

إذ افترض هؤلاء أن مركز العالم يجب أن يكون مضيئا بذاته» لأن الضوء 
عررضن الطلية:ويجبب أ نتيكوك يننا كنا أن السكون يرمق اللددكةة 
فليست الأرض مركز الكون وإنما «نار غير مرئية»49). 

وكان من رأى فيلولاوس الفيثاغورى - الذى عاش في القرن الخامس قبل 
الميلاد - أن الأرض وسائر الكواكب تدور حول هستيا وهى نار مركزية لا 
نراها لأن كل أجزاء الأرض المعروفة تحول بعيدا عنها. 


)١(‏ المجسطى بكسر الميم والجيم وتخفيف الياء والاسم ترجمة عربية محرفة للاسم الإغريقى. واللفظ 
اليونانى (مجسطوس) يعنى العظيم. وترجمة العنوان الكامل (التصنيف التعليمى العظيم) وهو أول 
كتاب دون كل فروع علم الفلك القديم» وقد نقل إلى العربية. وهذا الكتاب يضم مسائل وتفسيرات 
للأجرام السماوية وعلاقتها بالأرض. 

ويتضمن مشاهدات وأرصادا وتقنيات مأخوذة إلى حد كبير من أعمال هيباركوس الروديسى وهى 
أعمال مفقودة» ويشتمل المجسطى على ثلاثة عشر بابا وكتابا (راجع: بنيامين فارنتن: العلم الإغريقى ج١٠‏ 
ص ١"١‏ ترجمة: 0 سلسلة الألف كتاب. مكتبة النهضة المصرية سنة 109 ١م»‏ تاريخ 
الفلسفة اليونانية ص47 ؟» بنية الثورات العلمية ص558). 
(؟) قصة الصراع ص .١75‏ 
[فة هانز ريشنباخ: نشأة الفلسفة العلمية ص97 ترجمة: د/ فؤٌاد زكرياء المؤسسة العربية للدراسات 
والنشر. الطبعة الثانية سنة 901/94١م‏ بيروت. 
(4) تاريخ الفلسفة اليونانية ص5 7 راجع أيضا: إيروين شرودنجر: الطبيعة والإغريق ص77 ترجمة: 
عزت قرنى. سلسلة الألف كتاب سنة 95017١م.‏ 


85 أثر الكنيسة على الفكر الأورربي 


وقد روى شيشرون(2 أن هيكيتاس السيراكيوزى - وهو من فلكى القرن 
حركتها الظاهرية مرجعها دوران الارض حول محورها. 

وذكر أرخحميدس”” وبلوتارخ”" أن أريستارخوس الساموسى”؟؟ 5٠١(‏ - 
ق.م) رأى أن الأرض تدور حول الشمس وأنه اتهم بالضلال”© وبإقلاق 
راحة الآلهة؛ وبالمروق من الدين لمحاولته أن يزحزح - هستيا - موطن 
7 من مكانها0©. 


وعورضت هذه النظرية مرة م يد 0 4ن 0 


ولسنا ندرى - كما يقول د/ عثمان أمين - على التحقيق وجه معارضة 
الرواقيين لهذه النظرية مرتين 3 و للها معارطنة تترارها العوة لا الأميتاين 


)١(‏ شيشرون ماركوس ٠١(‏ - 47 ق.م) فيلسوف وسياسى زومانى أعظم خطباء الرومان قاطبة» 
وتعتبر خطبه من روائع النثر اللاتينى. 

)١(‏ أرخميدس (78107 - 7١7‏ ق.م) رياضى وفيزيائى يونانى اكتشف مبدأ الثقل النوعى. 

(؟) بلوتارخ (45؟ - ١١٠١‏ م) كاتب سير يونانى. 

(4) فلكى وعبقرى يونانى قال عنه د/ عثمان أمين (إنه كان أول من تنبه إلى أن الأرض تدور حول 
محورها حول الشمس) ا. ه الفلسفة الرواقية ص55 أعتقد أن د/ عثمان أمين قد جانبه الصواب فى 
هذا لأنه ليس أول من قال بهذا القول ويدل على ذلك تلك النصوص التى أوردناها قبل هذا النص 
وهى تؤكد أن قدماء الفيثاغورية فى القرن الخامس قبل الميلاد هم أول من قالوا بهذا الرأى. 

(5) قصة الحضارة مج 5 جد" ص7١١2‏ نشأة الفلسفة العلمية ص57. 

(5) د/ عثمان أمين: الفلسفة الرواقية ص55 الطبعة الثالثة مكتبة الأنجلو المصرية سنة ١91١م.‏ 
(10) مؤرخ وفيلسوف سورى الأصل عاش من سنة 7ه ١حتى‏ 01 قبل الميلاد. اشتهر بسعة معارفه 
كان مؤرخاء وعالما طبيعيا وفيلسوفاء من أتباع المدرسة الرواقية» (نفسه صثلاء 0/9. 

(8) يقول د/ عثمان أمين: (وكان «بوزيدونيوس» فلكيا كبيرا أقر يإمكان النظرية التى تذهب إلى أن 
الشعسن مركز الأرض ولكنه عارض النظرية لأسباب دينية) نفسه ص ؤلا2» .8٠١‏ 

69 الأول على يد كليانتس الذى ولد سنة ١“اق.م‏ عندما عارضها أريستارخوس بحجة إقلاق 
الآلهة وقد أشرنا إلى ذلك في متن البحث. والثانية: على يد(بوزيدونيوس). 


الصراع بين المسيحية والعلم في أوروبا حله 
العفو لق ورين كان البمعن قن للف أن اعتعار الأرصنواتسندة من يرن 
الكواكب التابعة للشمس كان فيه شيء من امتهان كرامة الإنسان ونذير خطر 
يتهدد نظرية العناية التى تقول بأن الكون إنما خلق فحسب ابتغاء سعادة الآلهة 
- كما يعتقدون - وسعادة الإنسان”2 ثم جاء بطليموس في القرن الثانى 
الميلادى 00 0-6 بنظرية 0 ويقضى على أمل 

تمسكت 0 برأى لم في القول 0 لأرض ومركزيتها 
للكون» وحتمت على العلماء أن يقولوا بذلك0©. 

لقد كانوا يحتمون على العلم أن يجزم بمقام الأرض في مركز الفلك» 
وكانوا يحتمون أن تمجد الأرض هنالك لتحقق الحكمة من خلق الأحياء على 
التعميم» وخلق الإنسان على. التخصيص”. 

ولذلك فإن علماء الفلك المسيحيين ف في القرن الثالث كانوا يتصورون - 
كمايذكرول دووزانتك:< أن 0 تدور حول الأرض» وأن النجوم 
الثوابت مرصوصة في قبة من البلور يسيرها العقل الإلهى» وتدور في حشد 
منظم حول الأرض وأنها مركز الكون كله وأرقى ما فيه هو ذلك الإنسان0”. 

أقر المسيحيون هذا الرأى وأيدوه بأدلة من كتابهم المقدس. 

0 «كليمان الأسكندرى 1١60‏ -/719م70" أنه يتفق مع ظاهر التوراة - التى 
يؤمنون بها - يساير روحها . وسرعان ما اتصلت الفكرة ة بتعاليم الإنجيل وقواها 
)١١(‏ نفسه ص١8.‏ 
(١؟)‏ قصة الحضارة مج 5 ج” ص7؟١.‏ 
(١‏ د/ محمود عتمان: الفكر المادى الحديث وموقف الإسلام منه ص5 7, ط أولى. مكتبة الأنجلو 
المصرية. 
(5) عباس العقاد: عقائد المفكرين في القرن العشرين ص4” دار المعارف سنة 15 948١م.‏ 


(6) قصة الحضارة مج؛ ج" ص"7!١١.‏ 
(5) عن كليمان الأسكندرى وفلسفته راجع يوسف كرم: تاريخ الفلسفة اليونانية ص759. 


5 أثر الكنيسة على الفكر الأوري 


أمثال توما الأكوينى 1١١9٠‏ - 17174م)2220 في مولفه (الخلاصة اللاهوتية) 
وروج لها شاعر المسيحية «دانتى 1756 - 220180171 وغيرهما ممن استغلوا الفكرة 
في تبيان العلاقة بين الله والبشر. وسايرت النظرية موقف الكنيسة من الإنسان وأن 
مكانه ينبغى أن يكون هو مركز الكون بالإضافة إلى أن الفداء المسيحى”" قد تم 
عن ذه ار 
من كتابها المقدس» وتصورت أن الإيمان بحكمة القصد والتدبير في خلق 
الحياة على الأرض لا يتأتى إلا إذا كانت الأرض مميزة بين العوالم العلوية 
والسفلية وتصورت أن تميزها لا يتأتى إلا إذا كانت في مركز الكون كله 
وقامت الكواكب والشمس دائرة أو ثابتة من حولها». 

ب- كوبر نيكوس ونظريته الجديدة: 

ظلت الكنيسة على اعتقادها بصحة هذه النظرية حتى جاء ١كوبر‏ نيكوس 
مباع١ ‏ :ه٠١‏ ل صاحب نظرية دوران ا والكواكب حول الشمس 
)١(‏ عن توما الأكوينى راجع يوسف كرم: تاريخ الفلسفة الأوربية في العصر الوسيط ص2155 د/ 
)١(‏ راجع تاريخ أوربا في العصور الوسطى. القسم الثانى ص 717/١‏ وما بعدها. 
(؟) يعتقد المسيحيون أن ابن الله نزل من السماء ليفدى ويخلص البشرية من - خخطيئة أدم والخطايا 
الأخرى. وقد بينا عدم صحة هذه العقيدة وفسادها في رسالة الماجستير «الخلاص المسيحى ونظرة 
الإسلام إليه) كلية أصول الدين - طنطا. 
(4:) قصة الصراع ص 2175 /ا/ا١1.‏ 
(5) راجع الفكر المادى الحديث وموقف الإسلام منه ص94" عقائد المفكرين في القرن العشرين 
ص ه73 
(1) برغم أن بعض العقول اليقظة - قبل كوبر نيكوس - قد أقرت خطأ نظرية بطليموس إلا أنه لم 
توجد نظرية مقبولة تحل محل نظرية بطليموس قبل أيام كوبر نيكوس (قصة الحضارة مج؛ ج” 
ص ١7‏ وكوبرنيكوس هو: ميكولاى كوبرنيك كما تدعوه بولندة» أو نيكلاس كوبرنيج كما تدعوه 
ألمانياء أو نيكولاوس كوبر نيكوس كما يدعوه العلماء (نفسه مج" ج" ص7١١)‏ وهو عالم فلك 
بولندى من أسرة غنية من أصل ألمانى ولد عام ١41/7‏ وتوفى عام 47 .١8‏ 


الصراع بين المسيحية والعلم في أوروبا ذه 
والتى هى أساس علم الفلك الحديث فأحدث ثورة هائلة في تاريخ العلم. 

فبعد أن أنهى دراسته في جامعة كراكوف أصبح كاهنا في كاتدرائية فراونبورج 
ببروسيا الشرقية البولندية» ثم نزح إلى إيطاليا ودرس القانون الكنسى. 

وفى جامعة بولوينا (/591 )١5٠١ - ١‏ درس الرياضيات والفيزياء والفلك» 
ثم بعد ذلك درس الطب ونال شهرة واسعة كطبيبء» لكن الفلك هو الذى 
استحوذ على اهتمامه0©. 

واصل أبحاثه في الفلك وحوالى عام ١٠١4‏ لخص ما انتهى إليه من 
استنتاجات في (تعقيب موجز) لم يطبع في حياته» ولكنه وزع بعض نسخ 
يحطرظة فلن سيا جتن لضن وقرن فيه :أن الأرض لبتنت هن مر كر الكون» 
وأن كل الكواكب تدور حول الشمس التى هى مركز الكون» وأن ما يبدو لنا 
حركات للشمس لا ينشأ عن تحركها بل عن تحرك كوكبنا الأرضى الذى 
يجعلنا ندور حول الشمس كأى كوكب آخر”". 

ثم واصل أبحائه ووضع كتابه (حركات الأجرام السماوية) ولكنه تردد في 
نشره ثلاثة عشر عاماء ونجحت بعدها مساعى اصحابه ومريديه؛ فاعتزم 
طبعه.. ثم تردد في مكان طبعه» لأن (روما) مقر الكثلكة و (تنبرج) مهد 
البروتستانتية» فلجأ إلى نومبرج» وعهد بكتابه إلى أوزياندر للإشراف على طبع 
الكتاب7”, 

ولم يجرؤ الناشر على إذاعة الكتاب من غير مقدمة» كان وجه الطرفة فيها 
أنها تنكر على صاحب الكتاب اكتشافه العلمى» فتزعم أنه فرض خيالى لا 
مذهب علمى” لقد قدم أوزياندر للكتاب على النحو التالى دون أن يوقع 
)١(‏ راجع بنية الثورات العلمية ص؟2551 قصة الحضارة مج" ج5 ص5؟١١‏ وما بعدها. 
)١(‏ نفسه ص 20159 .١13.0‏ 


(١؟)‏ قصة الصراع ص7/ 2١‏ 2178 قصة الحضارة مج" جك ص .١1257 2351١‏ 
(4:) قصة الصراع ص 728 .١‏ 


بار أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


باسمه «إلى القارئ حول فروض هذا الكتاب: 

نظرا إلي ما ذاع من سمعة هذه الفروض الجديدة؛ فإن علماء كثيرين 
ستصدمهم ولا ريب نظريات هذا الكتاب صدمة قوية.. على أن.. فروض 
الأستاذ ليست بالضرورة صحيحة؛ ولا حتى مرجحة.. إن هذه الفروض 
الجديدة ستتخذ لها مكانا إلى جوار الفروض القديمة التى ليست أكثر منها 
رجحانا...)30", 


رفضت الكنيسة هذه الآراء الجديدة وقاومتها بشدة. 

فقد رفض (مارتن لوثر) هذه النظرية حوالى عام ١5٠‏ قائلا (إن الناس 
يستمعون إلى منجم محدث حاول التدليل على أن الارض تدورء لا 
السماوات» ولا القبة الزرقاء. ولا الشمس» ولا القمر.. فهذا الأحمق يريد أن 
يقلب نظام الفلك كله رأسا على عقبء ولكن الكتاب المقدس ينبئنا بأن 
بشع أمن الفسسين لا الأرضن أن تقفى)0. 

وأما (كالفن) فقد رد بفقرة من المزمور الثالث والتسعين «أيضا تثغبت 
المسكونة لا تتزعزع»”*2 ثم تساءل: «فمن يجرؤ على ترجيح شهادة كوبر نيكوس على 
شهادة الروح القدس)0*. 

أدانت الكنيسة هذه النظرية وردتها ووصمت صاحبها بأقذع الصفات. بل 
)١(‏ قصة الحضارة مج" جد" ص2157 1519. 
(؟) يقصد لوثر بذلك ما جاء في سفر يشوع الإصحاح العاشر أن يشوع قال (أمام عيون إسرائيل يا 
شمس دومى على جبعون ويا قمر على وادى أيلون. فدامت الشمس ووقف القمر حتى انتقم الشعب 
من أعدائه. أليس هذا مكتوبا في سفر ياشر. فوقفت الشمس في كبد السماء ولم تعجل للغروب يوما 
كاملا) سفر يشوع .١7 1:17:٠١‏ 
(") قصة الحضارة مج 5 ج” ص١7١.‏ 


(5) قصة الحضارة مج" جا" ص .١3١ 21١7٠١‏ 


الصراع بين المسيحية والعلم في أوروبا 1 


إن الكنيسة اعتبرتها أشد الأخطار التى توجههاء وعبر عن هذا جيمس وولف 
02 الور زا عر على ماري 010 من القول 
بضخامة السماوات وعمقها(2 لقد تر تب عليها أن شك الناس في عقيدة 
الخلاص المسيحية الى هن أساس-هذ| الدين المسيحى, 

وقد صور ول ديورانت خطورة هذه النظرية على المسيحية بقوله: فلا بد 
أن الناس حين توقفوا للتأمل في المعانى الى تميقا العرمة الجديدة راحوا 
يتساءلون عن صواب القول بأن خالق هذا الكون الهائل المنظم قد أرسل ابنه 
ليموت على هذا الكوكب المتوسط الحجم., وبدا أن كل شِعْر المسيحية 
الجميل «يتصاعد دخانا» تحت لمسة هذا الكاهن البولندى - يقصد كوبر 
نيكوس .١‏ . . لقد واجه اللاهموت أقوى تحد في تاريخ الدين» ومن ثم كانت الثورة 
الكوبرنيكية أشد عمقا من حركة الإصلاح البروتستانتى» فقد جعلت الفروق بين العقائد 
الكاثوليكية والبروتستانتية تبدو تافهة»”© وذلك بقياس أن النقد الموجه للمسيحية 
بناء على نظرية كوبر نيكوس أشد وطما وأكبر خطرًا. 

وينقل ول ديورانت عن أحدهم قوله (وأحس كثير من رجال اللاهوت أن 
فلك كوبر نيكوس كان واضحا كل الوضوح أنه لا يتفق مع ما جاء في 
الكتاب المقدسء وأن الكتاب المقدس سوف يفقد قيمته؛ وأن المسيحية 
نفسها سوف تتأثر إذا انتشرت آراء كوبر نيكوس. 

ماذا يمكن أن يصيب العقيدة المسيحية الأساسية إذا كان الله سبحانه وتعالى 
دكي رعتقل التصنارى حاقل العنياد كر كني الأردن مقر دليزييا دهده الارضٌ 
التى يريدون اليوم أن يجردوها من مكانتها السامية ومنزلتها الرفيعة» وتوضع 


.١7"8ص نفسه‎ )١( 

(1) نفسه ص0188 .١"9‏ 

(©) وذلك على أساس أنهم يعتقدون أن الله نزل من السماء على الأرض ليخلص البشرية من الخطايا 
وقد بينا عدم صحة هذه العقيدة في رسالتنا للماجستير (الخلاص المسيحى ونظرة الإسلام إليه). 


03 أثر الكئيسة على الفكر الأوربي 


طليقة بين كواكب أكبر منها مرات كثيرة وبين نجوم لا حصر لها)”". 

أصبح الأدروامكا فقن اعندى السيسيوة يض آراء الا فنامون و البعوها 
وأقروها ودللوا عليها بما في كتبهم المقدسة وبما عندهم من عقائد؛ حتى إذا 
جاء العلم وأثبت خطأ هذه الآراء وقعوا في مأزق خطير: إما أن ينكروا 
عقائدهم ويقروا بتحريف كتبهم, أو ينكروا العلم الثابت بالأدلة ويحاربوا أهله 
حتى لا يتبين زيف معتقداتهم وخطأ كتبهم. 

وهناك بعد آخر لا بد من الإشارة إليه وهو أن التناقض بين العلم الصحيح 
القائم على الأدلة والبراهين وبين الدين إنما ينشأ نتيجة لانحراف البشر عن 
الدين الحق أو العقيدة الصحيحة. 

فالدين المنزل من عند الله لا يتناقض مع صحيح العلم. 

لم تستطع الكنيسة أن توقف مسيرة العلم فبعد كوبر نيكوس جاء كبلر 
وجاليليو(" ليؤكدا من جديد صحة نظريته لكن الكنيسة كانت لهما وللنظرية 
الجديدة بالمرصاد. وسنكتفى هنا بالإشارة إلى جاليليو فقط لما له من أثر على 
احتدام الصراع. 

حج- جاليليو (1035 - 1549 م): 

عالم فلك ورياضيات وطبيعة إيطالى» متعدد الاهتمامات العلمية0') كان 
سباقا إلى الاهتمام بالمنهج العلمى الجديد الذى يعتمد على التجربة في 
استقاء الحقائق؛ والتسليم بما ينتهى إليه المنهج الجديد من أراء حتى ولو 


)١(‏ قصة الحضارة مجلا ج؟ ص707/7. 

(1) كبلرء جوهائز )١10 - ١51/1‏ عالم فلك ألمانى التحق بمدرسة تابعة لأحد الأديرة وتنقل بين 
عدد من المدارس» تعلم الرياضيات والفلك على يد معلم يؤمن بنظرية كوبر نيكوس له عدة كتب منها 
(خلاصة فلك كوبر نيكوس) أوضح فيه كيف أن قوانينه أيدت وشرحت وأصلحت من نظرية كوبر 
نيكوس (راجع بنية الثورات العلمية ص 27١54‏ يوسف كرم: تاريخ الفلسفة الحديثة ص8 ١‏ الطبعة 
السادسة. دار المعارف سنة 951/9١م,‏ قصة الحضارة مج لاج "ا ص 589 - .)١515‏ 

(9) بنية الغورات العلمية ص١79.‏ 


الصراع بين المسيحية والعلم في أوروبا 8١‏ 
بدت خلاف المألوف من حقائق اللاهوت المسيحى”» 
مجاشرة الغاها اف برا الإيطالية عام 64 واتخترع في عام ١5١9‏ أول 
تليسكوب للأرصاد الفلكية0 وبه كشف أقمار المشترى» ورفض خصومه 
أوهاما يوسوس بها الشيطان الخناس”"» واكتشف وجود جبال على سطح 
القمر» وأن هناك نجوما عديدة لا يراها الإنسان بالعين المجردة0). 

موقف الكنيسة من حاليليو: 

منذ أن صرح جاليليو بأن الشمس مركز الكون» وأعلن إيمانه بنظرية كوبر 
نيكوس. وهو عرضة لتوجيه الاتهامات إليه من رجال الدين المسيحى. 

ففى ١١‏ ديسمبر 10514 م بدأ الهجوم «توماسو كاتشبنى» وهو واعظ 
دومنيكانى حيث أوضح أن نظرية كوبرنيكوس ا تعارضا تاما لا 
يقبل الجدل مع الكتاب المقدس. وأرسل معارضون بشكاوى إلى محكمة 
التفتيش. 

وفى ٠‏ مارس ١5١6‏ أودع أحد رجال الدين المسيحى اتهاما رسميا ضد 
منشوراته بعض عبارات تشير إلى أن رأى كوبر نيكوس هو مجرد فرضية» لكنه 
أبى» وقال إنه لن يعدل أو يخفف من كوبر نيكوس”» 
)١(‏ قصة الصراع ص .5١8 95١54‏ 
(9؟) بنية الثورات العلمية ص 275١‏ 197. 
(5) قصة الصراع ص 5١؟.‏ 
(5) بنية الثورات العلمية ص١4.‏ لزيد من المعلومات عن جاليليو راجع: قصة الحضارة مج /ا ج؟ 
ص4 5؟ وما بعدهاء كراوذر: صلة العلم بالمجتمع ج١‏ ص75" وما بعدها. ترجمة حسن خطاب 


مكتبة النهضة المصرية. 
2( قصة الحضارة مج 7 جما ص”7/ 7 07/5 5؟. 


0 أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


وأضاف فى رسالة له إلى «دوقة”'2 تسكانيا الكبرى» (إني لا أشعر بأنى مضطر إلى 
الأإبطاة أن الله التاق أمنانا )ا همات والتقل والفكر كيدها أن الضيع ارصة 
استخدامها والانتفاع بها)”". 

وعلى أثر هذا اتفق البابا بولس الخامس مع رئيس أساقفة بيزا وبللارمن - 
وقد كان لاهوتيا ملحوظ المكانة في تاريخ عصره - على الانتقام من جاليليو 
باعتباره ملحدا ضالاء إذ أن آراءه في نظرهم تقوض فكرة الخلاص المسيحى 

تثير الشك في اعتقادهم بتجسد المسيح» وتنكر نص الكتاب المقدس على 

ل 0 

وفى ١5‏ فبراير ١515‏ م أصدرت محكمة التفتيش توجيهاتها إلى 
الكاردينال بللارمن بأن يستدعي من يدعى جاليليو وينذره بأن يتخلى عن 
آرائه المزعومة» وفى حالة امتناعه.. يعلنه أمام كاتب العدل وبعض الشهود 
بالأمر بالإقلاع عن تدريس آراء كوبر نيكوسء أو الدفاع عنهاء بل حتى 
مناقشتهاء فإذا لم يذعن لهذا يودع فى السجنء وأعلن جاليليو امتثاله 
للدم (4) كارها». 


)١١(‏ الدوق: أعلى مرتبة من مراتب الشرف في النظم القديمة عند الفرنجة. والدوقية: ولاية صغيرة 
أميرها: دوق» وهو لفظ معرب (راجع: المعجم الوسيط ج١‏ ص4 »5"١0‏ المعجم الوجيز ص755). 

(؟) قصة الحضارة مج7 جم صه؟. عن هذه الرسالة راجع أيضا صلة العلم بالمجتمع ج١‏ 
ص + مم 0ام, د/ كارل ساغان: الكون ص47 ١‏ ترجمة نافع أيوب. سلسلة عالم المعرفة العدد 
.١ 78‏ 

(؟) يشوع ٠‏ إن خصوم جاليليو أصروا على أن الكتب المقدسة تؤكد أن الأرض مركز الكون 
وأن الشمس هى التى تدور حول الأرض. فالأزامير فيه كزوق العم بيخروع والعروين من دوه 
9 ه وسفر الجامعة يقول: (الأرض قائمة إلى الأبد» والشمس تشرق والشمس تغرب وتسرع إلى 
موضعها حيث تشرق) جامعة :١‏ 5: ه)» راجع قصة الصراع ص" ١7؟.‏ 

(4) قصة الحضارة مجلا جلا ص ه/ا؟. 

() يذكر د/ توفيق الطويل أن هناك من العلماء من أنكر تعهد جاليليو بعدم تلقين النظرية لاهن 
الناس. وقيل إن هذا التعهد دسه رجال الكنيسة ليبرروا محاكمة جاليليو لثانى مرة عام ؟5175١»‏ 
.١ 5+‏ لكن هوايت لا يرى هذا الرأى مستندا على وثائقه. راجع قصة الصراع ص7١5.‏ 


الصراع بين المسيحية والعلم في أوروبا 1 

وفى ه مارس أصدرت المحكمة قرارها التاريخى وهو كما يلى: 

«إن الفكرة التى تقول بأن الشمس تقف بلا حركة وسط الكون فكرة سخيفة وهى من 
الناحية الفلسفية فكرة زائفة» وهى كذلك هرطقة لا جدال فيهاء لأنها تناقض النصوص 
المقدسة - عندهم والفكرة التى تقول بأن الأرض ليست مركزا للكون بل حتى أن لها 
دورة يومية زائفة من الناحية الفلسفية» وأنها على الأقل اعتقاد خاطئ)”'2. 

ثم حرمت لجنة فهرست الكتب نشر أو قراءة أى كتاب يدافع عن النظرية 
الممنوعة» وحظرت استخدام كتاب كوبر نيكوس حتى يتم تصحيحه”" أى 
حتى يتم تصحيح المواضع التى يتحدث فيها المؤلف عن حركة الأرض 
ومكانها من العالم لا كمجرد فرض بل كحقيقة””". 

وهكذا أصرت الكنيسة على رأيها واعتبرت أن ما يردده جاليليو وما قاله 
كوبر نيكوس من قبل هراء يجب التصدى له وضلالات يجب منع نشرها 
وذيوعها بين الناس. 

إن الأمر بالنسبة للمسيحيين مرتبط بعقيدتهم ولذلك فهم يخشون خطرا 
يهدد عقائدهم من جراء تلك النظرية الجديدة. 

إنهم بنوا عقائدهم التى تكونت من أديان وفلسفات مختلفة على أساس من 
الآراء العلمية القديمة التى هى عرضة للخطأ فى أى وقت» وذلك كمن يبنى 
بيته على كثيب من الرمال المتحرك الذى هو عرضة للزوال والفناء فى أى 
وقت. ولذلك كانت النتيجة أنهم أنكروا ما يؤيده العلم» وأثبتوا ما ينكره العلم 
بحجة أنه يتنافى مع الكتب المقدسة. 

وواصلت الكنيسة سعيها لمنع جاليليو ومؤيديه من أن يذيعوا أو ينشروا 
شيئا عن نظريتهم الجديدة ولبث جاليليو مقيما فى روما يلقى من ! أ»؛ العام 
)١(‏ قصة الحضارة مجلا ج"؟ ص90!؟. 


(؟) نفسه ص77 راجع أيضا: صلة العلم بالمجتمع ج١‏ ص2”78 قصة الصراع ص7١5.‏ 


ع6 ثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


عنتا شديداء ثم عاد إلى فلورنساء ولزم وعده؛ وخلا إلى الدروس فى داره؛ 
حتى اعتلى عرش البابوية أربان الثامن فخدعته صلته الطيبة به» وعاد جاليليو 
إلى إعلان آرائه والترويج لها بين الناس» فأثار بهذا خصومه؛ وأعلن أحد آباء 
الكنيسة - ردا على جاليليو - أن ثبات الأرض أمر مقدس ثلاثاء وأن التدليل 
على فناء النفس» وإنكار الله وعدم تجسده.؛ يمكن أن يلقى تسامحًا قبل أن 
يظفر بهذا التسامح التدليل على أن الأرض تدور0"©. 

وهذا يدل على مدى التشدد والتعنت من قبل رجال الدين لما يردده 
جاليليو لدرجة أن الإلحاد يمكن أن ينال عفوا عندهم قبل أن تناله نظرية 
دوران الآرض!!. 

وفى سنة 171727 م أصدر كتابه الجديد (المحاورات)”” ناقش فيه نظرية 
بطليموس القديمة ونظرية كوبر نيكوس الجديدة مع عرض للحجج الفلسفية 
والطبيعية للمنهجين معًا دون أن يحدد أيهما أولى بالقبول0". لكن يبدو أنهم 
استنتجوا من أسلوب الكتاب الجانب الذى يميل إليْه جاليليو فعهد البابا أربان 
الثامن إلى لجنة بفحص هذا الكتاب”؟؟ وكان قرارها على النحو التالى: 

إن جاليليو لم يتناول نظرية كوبر نيكوس على أنها فرض بل على أنها 
حقيقة» وأنه حصل على الترخيص بنشر الكتاب نتيجة لتحريفات وتشوهات 


3-7 


بارعة0©؟, 
وفى أغسطس ١57‏ م حظرت المحكمة الاستمرار في بيع كتاب 


.5١8 27١17 قصة الصراع ص‎ )١( 
(؟) وذلك بعد أن حصل على ترخيص من الكنيسة وموافقة من البابا بنشره شريطة أن يذكر في‎ 
الكتاب أن نظرية كوبر نيكوس ما هى إلا مجرد فرض (راجع صلة العلم بالمجتمع ج١١ ص18 7: قصة‎ 

الحضارة مج/ا ج؟ ص77؟). 

(”) نفسه نفس الصفحة. 

.3١ص تاريخ الفلسفة الحديثة‎ (١ 
.7 قصة الحضارة ميج 7 جما ص78‎ (2, 


و ايا اي ع اللو تا و ريو فود 


0 المسيحية وا أوروبا 1 
[ لصراع بين والعلم في أورود 
ْ 
«المحاورات» وأمرت بمصادرة النسخ الباقية 
وفى ١7‏ ديسمبر دعت جاليليو للمثول أمام مندوب المحكمة في ا 
ثم استدعى للمثول أمام محكمة التفتيش وزج به في السجنء وفى ١١7‏ يونية 
أصدرت المحكمة قرارها بإدانته بالهرطقة والتمرد والعصيان”" لقوله بمذهب 
كاذب مناف للكتاب المقدس”7؟!! وحكمت عليه بالسجن» وعرضت عليه 
الغفران شريطة تأدية القسم علنا أمام الجمهور بالتخلى عن آرائه» ورأت للتكفير 
عن ذنبه أن يتلو مزامير الكفارة السبعة كل يوم طيلة السنوات الثلاثه التالية: 
وجعلوه يجثو وي ركع على ركبتيه ويبرأ من نظرية كوبر نيكوس”*' ويقول (أنا 
المقدس أمامى ألمسه بيدىء أرفض وألعن وأحتقر القول الخاطيئ الإلحادى 
بدوران الأرض)0. 00 
ويضيف: بقلب مخلصء وإيمان صادقء ألعن وأبغض وأعلن التخلى عن 
الأخطاء والهرطقة المنسوبة إلى» وبصفة عامة عن أى خطأ أو هرطقة أخرى 
أخالف فيها.. الكنيسة المقدسة:؛ وأقسم أنى لن أذكر بعد اليوم أى شيء قد 
يثير مثل هذا الريب حولى» وأنى إذا عرفت أى هرطيق أو أى شخص مشتبه 
في أنه هرطيق فلا بد أن أبلغ عنه هذه المحكمة0" , 
وأرسل هذا الحكم مع إقلاع جاليليو عن رأيه إلى المعسكرات الدينية في 
)١(‏ نفسه نفس | لصفحة. 
)١(‏ نفسه ص 71796. 
(؟") تاريخ الفلسفة الحديثة ص١؟.‏ 
(4) قصة الحضارة مجلا جلا ص 25179 .58٠‏ 
(5) قصة الصراع ص .5١8‏ 
(1) قيل إن جاليليو حين نهض واقفا ركل الارض برجله وقال (ومع ذلك فالآرض تدور) لكن هذه 


الرواية لم تذكر لأول مرة إلا سنة ١0م‏ رراجع تاريخ الفلسفة الحديئة ص١7»‏ قصة الحضارة مج 
ج؟ ص 3510/5 .)58٠١‏ 


أن | أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


أنحاء العالم الأوربى وطلب إليها إعلانه على القساوسة وإذاعته في أساتذة 
جرى على نهجه؛ وتحريم طبع كل كتاب يؤيد دوران الأرض”". 


نحقيب: 


كل هذا يدل على مدى الصراع الذى دار رحاه في أوربا بين الكنيسة 
والعلم» والذى كان نتيجة لاكتشاف علمى رأت الكنيسة مخالفته لما تؤمن به 
وتعتقده» ورأت أيضا مخالفته لما في كتبهم المقدسة. وهذا كله يرجع إلى ما 
قلناه من أن المسيحية بنت عقائدها التى استقتها من أديان أخرى - على 
أضوال عي متحي . 

إن تعصب الكنيسة ضد العلمء وإنكارها للنظريات العلمية بدعوى 
مناقضتها للكتب المقدسة - عندهم - قد يؤخذ دليلا على عدم صحة هذه 
الكتب وتلك العقائد المسيحية خاصة وأن الكنيسة - فيما بعد - لم تستطع 
أن تقف أمام انتصار تلك النظرية”" التى أقرت ببطلانها ومناقضتها للكتب 
المقدسة وللمعتقدات المسيحية في وقت من الأوقات. 

ولذلك كيف يمكن أن تقبل صحة هذه الكتب المقدسة» وصحة هذه 
العقائد أمام تردد الكنيسة» وأمام الاستشهاد بنصوص من الكتاب المقدس 
لبطلان نظرية علمية» ثم العدول عن هذا البطلان؟!! 

إن الكنيسة دللت على صحة نظرية بطليموس بعقيدة الخلاص وعقيدة 
التعجسد - تجسد الله في صورة بشرية تعالى الله عن ذلك - وأكدت بطلان 
نظرية كوبر نيكوس بدعوى أنها تتعارض مع العقائد المسيحية والكتب 
المقدسة. ثم ما لبغت أن عدلت عن رأيها وتقهقرت أمام صحة هذه النظرية 
)١(‏ قصة الصراع ص .5١5‏ 


)١(‏ ففى سنة ١1760‏ حذفت الكنيسة مؤلفات جاليليو من قائمة الكتب المحظورة» كما حذفت أسماء 
الكتب التى تعرض لتأييد هذه النظرية. نفسه ص١277‏ قصة الحضارة مج جا ص7875. 


الصراع بين المسيحية والعلم في أوروبا /64 


التى تقول بدوران الأرض بل وسمحت بنشر الكتب التى تنادى بها إن الأمر 
يثير الكثير من علامات الاستفهام ويثير الكثير من الشكوك حول صحة ما 
تؤمن به الكنيسة. 

إن الكنيسة هى التى أوقعت نفسها في هذا المحظورء وهذا المأزق الخطير. 

ونحب أن ننبه إلى أن هذه المناقشة تفرضها ضرورة البحث» وطبيعة تطور 
الأخلاانه» وتسلسل الأمور: 

إنهم ربطوا بين صحة كتبهم وعقائدهم المسيحية وبين صحة بعض الآراء 
العلمية» ثم جاءوا بعد ذلك وتراجعوا عن صحة تلك الاراء. ماذا ستكون 
النتيجة؟ إن النتيجة لاا شك عدم صحة عقائدهم وكتبهم. 

إنهم مسئولون عن الوصول إلى هذه النتيجة. 

ولا نبالغ إذا قلنا إن هذه هى الحقيقة لا على أساس هذا الأمر فقط وإنما 
بناء على أمور وشهاذات كثيرة ذكرنا بعضها في ثنايا هذا البحث. 

ولذلك يقول موريس بوكاى (لا يمكن في الحقيقة أن نقبل بأن رسالة إلهية 
منزلة تنص على واقع غير صحيح)"'' ويقول (وجدت - في سفر التكوين 
وحده - مقولات لا يمكن التوفيق بينها وبين أكثر معطيات العلم رسوخا في 
عصرنا)!". 

ويقول (إن إنجيل لوقا يقدم لنا صراحة أمراً لا يتفق مع المعارف الحديثة 
الخاصة بقدم الإنسان على الأرض. إن الكتب المقدسة - في المسيحية - فيها 
كنبو الامو المسافضة. وأمور لا يحتملها التصديق» وأخرى لا تتفق 
والعلم)”” وهذا راجع - كما قلت - إلى تحريف البشر وتغييرهم لما أنزال الله. 
)١(‏ موريس بوكاى: دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديئة ص١١‏ ط دار المعارف. 


(1) نفسه ص .١7‏ 
() نفسه نفس الصفحة. 


31 أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


. إذ إن الكتاب السماوى المنزل من عند الله لا يتناقض مع الواقع» ولا يختلف 
مع الحقائق» ولا يشتمل على أمور غير صحيحة. 

ولا ينطبق هذا الوصف إلا على كتاب واحد توافرت له كل دواعى 
وأسباب الصدق والصحة. ولذلك يقول بوكاى (وبفضل الدراسة الواعية 
للنص العربى استطعت أن أحقق قائمة أدركت بعد الانتهاء منها أن القرآن لا 
يحتوى على أية مقولة قابلة للنقد من وجهة نظر العلم الحديث)”"©. 

ويقول (هناك فرق جوهرى بين المسيحية والإسلام فيما يتعلق بالكتب 
المقدسة» ونعنى بذلك فقدان نصوص الوحى الثابت لدى المسيحية في حين 
أن الإسلام لديه القرآن الذي هو وحى منزل وثابت معا)”". 
يشترك مع نص القرآن في هذه الصحة لا العهد القديم ولا العهد الجديد.. 
فلم يتعرض النص القرآنى لأى تحريف من يوم أن أنزل على الرسول عَكَدِْدِ حتى 
يومنا هذا)”" وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها: 


6 كاد 


)١(‏ نفسه نفس | لصفحة. 
(؟) نفسه ص .١١‏ 
(99) نفسه ص .١61١‏ 


سادساً: العلمانية”© 
فى ظل الاتجاهات الفكرية المختلفة التى نشأت في أوديا تعيخة لشيطرة 
الكئيسة على مقاليد الأمور في العصور الوسطى وما ترتب على ذلك من 
مواجهتها للعلم ومحاربة أهله. نشأ اتجاه جديد ينادى بالابتعاد عن الدين أو 
بجعله لا يتدخل في شكون الحياة. في محاولة من العلماء لتجنب الصراع مع 
الكنيسة» أو للحد من سلطان الكنيسة بجعلها لا تتدخل في أمور الحياة ولا 
تتدخل فيما يقوله العلم والعلماءء وهذا الاتجاه هو ما عرف بالعلمانية. 
معنى العلمانية”": 
اختلف الباحثون في تحديد مفهوم العلمانية وذلك على أساس أن الكلمة 
في أصلها ليست عربية فهى مترجمة عن الإنجليزية والفرنسية. 
يقول أستاذنا الدكتور يحيى هاشم: العلمانية بفتح العين نسبة غير صحيحة 
إلى العالم. وقد ينحرف البعض فى فهمها بجعلها نسبة إلى العالم وهو خط 
معذور. ذلك لأن مفهوم العلمانية بنسبتها إلى العالم أى إلى عالم هذه الحياة 
الدنياء يعنى توجيه الاهتمام إلى ما يتعلق بالحياة الدنيا وإسقاط الاهتمام 
بالحياة الآخرة» وبعبارة أشمل وأدق: تعنى إما مجرد «استبعاد» الدين من توجيه 
شكون الحياة الدنيا فى السياسة والاقتصاد والعلم والأخلاق والتربية. بأن يترك 
له دائرة الوجدان المحصور فى ساعة العبادة - وهذا هو المفهوم السائد فى 


)١(‏ لقد كتب في هذا الموضوع رسائل علمية ومؤلفات كثيرة» وحديثنا عنه في هذا الموضوع من 
البحث على اعتبار أنه أثر من الآثار المترتبة على سيطرة الكنيسة على الفكر» وعداوتها للعلم وأهله. 
(؟) يلاحظ الدكتور على أبو جريشة أن الكلمة لا وجود لها في المعاجم العربية القديمة» وأن وجودها 
اقتصر على بعض المعاجم الحديثئة» وأنها وردت أولا ني المعاجم اللبنانية المسيحية في عام (0٠81١م)‏ 
(راجع د/ على أبو جريشة: الاتجاهات الفكرية المعاصرة هامش ص١‏ الطبعة الأولى دار الوفاء سنة 
ام. 


00 أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


أوربا الغربية والبلاد التى ترفع شعار الديمقراطية الرأسمالية - وإما أنها تعنى 
إسقاط الدين بالكلية وهذا هو المفهوم السائد فى أوربا الشرقية0©. 

ويرى د/ يوسف القرضاوى أن العلمانية - بكسر العين( - ترجمة غير 
دقيقة بل غير صحيحة لكلمة لا صلة لها بلفظ العلم ومشتقاته. 

والترجمة الصحيحة للكلمة هى «اللا دينية؛ أو «الدنيوية» لا بمعنى ما يقابل 
الأخروية تخيياين ممعي أخصن وهوها لا صلة له بالدين) أوها انك 
علاقته بالدين علاقة تضاد. 


ثم يبين سبب الخطأ في الترجمة بقوله: 

وإنما ترجمت الكلمة الأجنبية بهذا اللفظ «العلمانية» لأن الذين تولوا 
الترجمة لم يفهموا من كلمتى «الدين» و «العلم» إلا ما يفهمه الغربى المسيحى 
منها. والدين والعلم في مفهوم الإنسان الغربى متضادان متعارضان. فما يكون 
دينيا لا يمكن علمياء وما يمكن علميا لا يكون دينياء فالعلم والعقل يقعان في 
مقابل الدين» والعلمانية والعقلانية في الصف المضاد للدين0”. 

وعلى كل حال - كسرت عينها أو فتحت - فإن الكلمة حديثة العهد في 
لتنا العربية وهى مترجمة غن اللغات الأوزبية©) ويتضح معناها من خلال ها 
ورد في المعاجم ودوائر المعارف الأجنبية. 


)١(‏ د/ يحيى هاشم: الفكر الإسلامى في مواجهة التيارات الفكرية المعاصرة ص 58" الطبعة الأولى 
مطيعة الجبلاوى سنة “9/4١م»‏ حقيقة العلمانية بين الخرافة والتخريب ص7 سلسلة قضايا إسلامية 
معاصرة تصدرها الأمانة العامة للجنة العليا للدعوة الإسلامية بالأزهر سنة5/85١م.‏ 

)١(‏ يعلق د/ يوسف القرضاوى في الهامش بقوله (بعضهم ينطقها بفتح العين نسبة إلى «العالم») وشاع 
ذلك في عدد من المعاجم حيث أخذ بعضها عن بعض» ولو صح ذلك لقيل «العالمانية) وآخرون 
ينطقونها بكسر عينها وأنا منهم نسبة إلى العلم وهو خطأ من المترجمين) (راجع د/ يوسف القرضاوى: 
الإسلام والعلمانية وجها لوجه هامش ص5 ؛. الطبعة الأولى. مكتبة وهبة سنة 351١م.‏ 

(9) نفسه ص 417 517. 

(5) نفسه ص ©56. 


٠١ العلمانية‎ 


تقول دائرة المعارف البريطانية - عن معنى هذه الكلمة في أصلها 
الإنجليرى - مادة (5661112311512): 

هى حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيههم من الاهتمام 
بالآخرة إلى الاهتمام بهذه الدنيا وحدها. ذلك أنه كان لدى الناس في العصور 
الوسطى رغبة شديدة في العزوف عن الدنيا والتأمل في الله واليوم الآخر» وفى 
مقاومة هذه الرغبة طفقت ال (5866©111231151122) تعرض نفسها من خلال 
تنمية النزعة الإنسانية حيث بدا الناس في عصر النهضة يظهرون تعلقهم 
الشديد بالإنجازات الثقافية والبشرية» وبإمكانية تحقيق مطامحهم في هذه 
الدنيا القريبة 

وظل الاتجاه إلى ال (5661113115112) يتطور باستمرار خلال التاريخ 
الحديث كله. باعتبارها حركة مضادة للدين» ومضادة للمسيحية0©. 

ويقول قاموس (العالم الجديد) لوبستر شرحاً للمادة نفسها: 

-١‏ الروح الدنيوية أو الاتجاهات الدنيوية» ونحو ذلك. وعلى الخصوص: 
نظام من المبادئ والتطبيقات يرفض أى شكل من أشكال الإيمان والعبادة. 

؟- الاعتقاد بأن الدين والشكون الكنيسية لا دخل لها فى شكون الدولة 
وخاصة التربية العامة. ْ 

ويقول معجم أكسفورد شرحاً لكلمة (8566©11197) 

-١‏ دنيويء أو ماديء ليس دينياً ولا روحياء مثل التربية اللادينية» الفن أو 
الموسيقى اللادينية» الحكومة المتناقضة للكنيسة. 

؟- الرأى الذى يقول: إنه لا ينبغى أن يكون الدين أساساً للأأخلاق والتربية 
)١(‏ نقلاً عن: سفر الحوالي: العلمانية نشأتها وتطورها ص 77 (رسالة ماجستير من جامعة أم القرى) 


طبع ونشر مركز البحث العلمى وإحياء التراث الإسلامي بكلية الشريعة. جامعة أم القرى.الطبعة 
| الأولى سنة 1940١م.‏ 
ظ 


١٠.00‏ أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 
ويقول (المعجم الدولى الثالث الجديد) مادة (56011121512): 

اتجاه في الحياة أو في أى شكل خاص يقوم على منبداً أن الذين أو 
الاعتبارات الدينية يجب أن لا تتدخل فى الحكومة: أو استبعاد هذه 
الاعتبارات استبعاداً مقصوداً. فهى تعنى مثلاً (السياسة اللادينية البحتة في 
الحكومة). 

وهى نظام اجتماعى في الأخلاق مؤسس على فكرة وجوب قيام القيم 
السلوكية والخلقية على اعتبارات الحياة المعاصرة والتضامن الاجتماعى؛ دون 
النظر إلى الدين0©. 

نشأة العلمانية: 

نشأت العلمانية فى أوربا نتيجة للظروف التى مرت بها. 

قلنا سابقاً إن الكنيسة كانت هى صاحبة السلطة المسيطرة طوال العصور 
الوسطى فى أوربا حتى بدأ الإنسان الأوربى يكشف مجالا آخر يرى فيه 
استقلاله عن الكنيسة وهو مجال البحث الطبيعى») وكلما اكتشف قوة جديدة 
ابتعد عن الكنيسة وسيطرتهاء بل واتهم الكنيسة ونال من دينها.. وكان 
بعيداً عن سلطة الكنيسة ورجال الدين فيها(". 

إن الكنيسة كانت تعطل العلم» وتضع المعوقات والعراقيل أمام العلماء 
ولذلك رأى العقل الأوربى أن التخلص من الكنيسة والثورة على الدين 
المسيحى هو الضمان لاستمرار حركة النهضة العلمية الأوربية» ومن هنا 
نشأت وظهرت العلمانية فى أوربا لإبعاد الدين عن جميع مجالات الحياة 


[هلق نفسه ص ”235 .5١‏ 
(؟) راجع د/ محمد البهى: الإسلام في حل مشاكل امجتمعات الإسلامية المعاصرة ص )١١‏ ص7١‏ 
الطبعة الثانية. مكتبة وهبة سنة 901//8١م.‏ 


١ ١ العلمانية‎ 


التختلفة. ويح أن تكد هنا أن ساد كرناه سابقا من أساق نقد الكنيسة 
وأسباب الصراع بين الدين والعلم إنما يدخل تحت دائرة الأسباب الممهدة 
لنشأة العلمانية فى أورباء على اعتبار أن حلقات البحث يسلم بعضها لبعض. 
الف نفسها بعقائدها المناقضة للعقل والعلم سكا من امات نشأة 
العلمانية. وكذا انحراف رجال الدين واستغلالهم للسلطة الدينية في فرض 
وصايتهم على العقول والقلوب. يضاف إلى ذلك جمود رجال الدين 
وتعصبهم ضد العلم واضطهادهم للعلماء وما ترتب على ذلك من قرارات 
الحرمان» ومحاكم التفتيش. 

كل هذه أمور كانت ولا شك سبباً في أن يفكر الأوربيون في التخلص من 
الدين الذى يقف أمام تطلعاتهم الفكرية وأنحائف ونظرياتهم العلمية0©. 


لحفيب: 


مما سبق يتبين لنا أن العلمانية نشأت في أوربا نتيجة أسباب معينة وظروف 
معينة» ودين معين هو المسيحية. وهذا يعنى اختصاص العلمانية بأوربا 
وبالمسيحية. 

والذين يتحدثون عن العلمانية ويريدون نقلها إلى المجتمعات الإسلامية لا 
شك أنهم غفلوا أو أغفلوا تلك الحقائق. 

فالأمر في الإسلام مختلف تماماً. 

فلا يوجد فى الإسلام عقائد تناقض العقل أو تعارض الحقائقء إذ إنه 
يخاطب الفقله واف عليه فى فم لدي وعمازة الذانياء كما أنه< ان 
الإسلام - يدعو إلى العلم والتفوق فيه والأحذ بأساليبه. بل إنه اعتبر أن 
التفكير عبادة» وأن طلب العلم كل العلم الذى تحتاج إليه الأمة فريضة» وأن 
التخلف عن ركب العلم منكر أو جريمة» وأن التفوق في ميادينه النظرية 


)١(‏ لقد ذكرنا هذه الأمور وغيرها سابقاًء ولا داعى لإعادة تفصيلها مرة أخرى. 


١٠.4‏ أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


والتطبيقية» المدنية والحربية واجب دينى» وكل وسيلة تؤدى إلى هذا الواجب 
فاتباعها واجب. 

والإسلام لا يرى أى تعارض بين العقل الصريح والنقل الصحيح؛ كما أنه لا 
يرى أى تعارض بين حقائق العلم وقواطع الإسلام فلا مجال للصراع بينهما(". 

كما أن الإسلام لا يعرف الكهانة» ولا توجد فيه طبقة كهنوتية» تحتكر 
الدين» وتتحكم في الضمائرء وتغلق على الناس باب الله إلا عن طريقهاء عنها 
تصدر قرارات الحرمان؛ أو صكوك الغفران. إنما المرء في الإسلام لا يحتاج 
إلى واسطة بينه وبين ربه» فهو أقرب إليه من حبل الوريد؛ وعلماء الدين ليسوا 
إلا خبراء في اختصاصهم. يرجع إليهم كما يرجع إلى كل ذى علم في 
علمه”" لإولا سِتُكَ 0 [فاطر: ]١5‏ . 


سملو أَمْلّ ألذِّدٌْ إن مر لا امون [ [النحل: 4] . 
كما أنه ليس في الإسلام جمود إذ إنه يدعو إلى الاجتهاد ويعتبره مبدأ 
أساسيًا من مبادئه”". 


إن الذين يريدون نقل العلمانية إلى المجتمعات الإسلامية تحت أى مسمى من 
المسميات غفلوا هذه الحقائق عن الإسلام» كما أنهم غفلوا (أنه لا وجه للشبه 
بين طبيعة الإسلام وحضارته وبين طبيعة المسيحية وحضارتها الغربية)2). 


.79 الإسلام والعلمانية وجهاً لوجه ص‎ )١( 

.”"5 نفسه ص‎ )١( 

() وقد ذكر الدكتور يوسف القرضاوى عشرين أصلاً من أصول الإسلام في بيان موقف الإسلام من 
العلمانية فمن أراد الاستزادة فليراجعها في المرجع المشار إليه سابقاً ص 71 -51» كما ذكر الد كتور 
محمد البهى حقائق أخرى يمكن مراجعتها فى: الإسلام في حل مشاكل المجتمعات الإسلامية المعاصرة 
ص 4-77 4» العلمانية وتطبيقها في الإسلام إيمان ببعض الكتاب وكفر بالبعض الآخر ص 5١-4‏ 
راجع أيضاً محمد قطب: مذاهب فكرية معاصرة ص 445 الطبعة الثامنة. دار الشروق سنة 99137١م.‏ 
(5) راجع د/ محمد عمارة: نهضتنا الحديئة بين العلمانية والإسلام ص #4, 75 الطبعة الأولى دار 
الرشاد سنة 9517١م.‏ 


العلمانية ه. ١‏ 
و ا با تبر 5 يط 


2 


فالعلمانية إذن ليس لها مع الإسلام مكان في وجود الإنسان(" لأن الإسلام 
يتعارض كلبًا وجزد مع العلمانية) ولذلك فإن الدعوة إليها تعنى تعطيل 
الإسلام عن التطبيق وإقصائه عن الحركة في حياة المسلم. 

إن الإسلام قد شكل مجتمعه منذ اليوم الأول على العقيدة - والشريعة - 
والأخلاق وأن رسوله كان نبيًا وفى نفس الوقت هو الحاكم ورئيس الدولة 
بيذ 00 


)0( الإسلام في حل مشاكل الجتمعات الإسلامية المعاصرة ص .١١‏ 
)١(‏ أنور الجندى: الإسلام والتيارات الوافدة ص 5" الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة /9/.1١م»‏ 
الإسلام والدعوات الهدامة ص 48 ١45 ١‏ الطبعة الأولى. دار الكتاب اللبنانى سنة 19014م. 


7ب“ | |[ [ 7<ز2ز1[إ]ة| 1 !خخ 


١‏ أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


سابعاً: التحول إلى الفكر المادى” 

بقى أن نشير إلى أن تحول الفكر الأوربى إلى المادية أثر من الآثار التى 
ترتبت على موقف الكنيسة من العلم. 

لقد رأى العقل الأوربى أن ترك الدين - والذى كان ممثلاً في المسيحية - 
والتحول عنه» والاستقلال عن الكنيسة سوف يتيح له حرية البحث المستقل 
دون رقابة كهنوتية» ودون وصاية من رجال الدين. 

عانى الأوربيون في فترات العصور الوسطى وما بعدها الويلات من 
الكنيسة» حيث فرضت القيود على الفكرء واضطهدت كل من تسول له نفسه 
الخروج عليها أو الإتيان بفكر مخالف لها. ونصبت من أجل ذلك محاكم 
التفتيش لتكون أداة قمع في أيدى رجالها لتأديب وقطع الخارجين عليها. 

ولذلك حينما استرد العقل الأوربى حريته كفر بهذا الدين الذى حتم عليه 
الإيمان بعقائد لا يفهمهاء وتحول إلى الاتجاه المقابل الذى لا يؤمن إلا 
بالمادة» ولا يعتقد إلا في المحسوسء وأصبح لا يرى تفسيراً لحقائق الأشياء 
إلا التفسير المادى. 

الفكر المادى مفهومه وأهم خصائصه: 

تطلق المادية على المذهب القائل بأن الظواهر المتعددة للأشياء ترجع إلى 
أساس واحد (وهو المادة)» ويرى أن العالم مجموعة مكونة من شيء واحدء 
ويذهب إلى أن المادة أساس كل شئ» وينكر وجود روح قائمة بنفسها قد 
تتصل بالمادة وقد تنفصل عنها”". 
)١1(‏ تفاصيل هذا ا موضوع كثيرة» واتجاهاته عديدة» وحديثنا عنه في هذا البحث باعتباره أثراً من آثار 


سيطرة الكنيسة على الفكر الآوربى في العصور الوسطى وما بعدها بقليل. 
(؟) رابوبرت: مبادئٌ الفلسفة ص .١7١‏ ترجمة: أحمد أمين. الطبعة السادسة» لجنة التأليف والترجمة 


والنشرء مكتبة الخانجى. 


التحول إلى الفكر المادي /ا ١١‏ 


فالماديون يرون أن لا شىء غير المادة» وليست الحياة والحركة إلا وظيفة من 
وظائف المادة أو صفة من صفاتهاء حتى إذا عرا المادة الانحلال فلا حياة7'؟. 

ويرى هؤلاء الماديون أن ما نسميه العقل ليس إلا شكلا من أشكال المادة 
الدائمة التغير والتنوع» وليست المادة - كما يقولون - كثلة عديمة الحياة لا 
حراك بهاء تأتى إليها الروح وهي منفصلة عنها فتنفخ فيها وتنتج حياة» وإنما 
القوة ملازمة للمادة ومظهر من مظاهر المادة المتنوعة» والحياة والفكر ليستا إلا 
صفتين غريزيتين للمادة ونتيجة لامتزاج جزئيات المادة مزجاً معقدا(". 

يقول رابوبرت (وليس القول بوجود قوة وروح وإله منفصل عن المادة يسبح 
فوقها يدفعها ويسخرها إلا قولا خاملا وهراءً في نظر الماديين» ومن السخف 
عندهم القول بوخرد روك محرذة ووه خارق مكاي + للحادق © وسرت تيون 
بطلان هذا المذهب بعد قليل. وتكرر القول - على مذهبهم- بأن كل الظواهر 
النفسية ليست إلا وظيفة لأحد أعضائنا وهو المخ. فالأفكار والإرادات 
والعواطف تتوقف على قوة المخ وعمله وحجمه. وتركيبه» وعلم النفس إنما هو 
فرع من علم وظائف الأعضاء يبحث في المخ؛ وليس الفكر إلا حركة للمادة 
يبصع ,انعد قهارر حال سسا فور جز لقره حي لا عون يريع لعي 
تركيبًا خاصّاء والإنسان يفكر بواسطة المخ كما يهضم بواسطة المعدة» وليس 
القول بوجود نفس منفصلة عن الجسم مستقلة عن المادة إلا لغوا - في 
نظرهم)**؟؟ والنفس والحياة والفكر والوجدان عندهم ثمرة المادة» وكلها كائنة 
في كل ذرة من المادة وإنما تظهر إذا تركبت الذرات9©. 

وعلى الإجمال فكل شيء عندهم إما مادة أو مظهر من مظاهر المادة 
والمادة لا تُحَدٌ ولا تفنى» وقوانينها أبدية لا تتغير» ويقولون بأن هذه المادة لم 
يخلقها الله ولا الإنسان بل هى قديمة أزلية لا تتغير ولا تفنى وليس في العالم 
شيء يعتريه الفناء ولا ذرة واحدة وإنما تتغير الأشكال". 
)١(‏ نفسه ص١7 .١‏ (؟) نفسه ص .١77‏ 


(9) نفسه ص 907/7 ١174‏ (5) نفسه ص ١7٠‏ 
(5) نفسه ص ١0714‏ (5) نفسه ص 1078ء .1١19/8‏ 


2 أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


يقول رابوبرت (إن المادية مذهب إلحادى لأنه ينكر وجود شيء غير 
ألنادق “فلا يععزق .اله ولأ يأرواخ :ولا بملافكة نولا بقبياطين. :قال أحك الكتاب 
الماديين: «إن الطبيعة تقوم بشئونها ولا شيء فوق الطبيعة» وليست الحوادث التى 
يسميها بعضهم خوارق للعادة ووراء الطبيعة إلا هراء من القول وخطأ في الملاحظة 
منشؤها اختلاط في العقل. وإضلال رجال الدين)0"©. 


تهافت الفكر المادى:20 

ليس لهذا المذهب أى قيمة أو تأثير من الناحية العلمية حيث قرر العلم 
نفسه بطلان وفساد أقوال الماديين» لقد تهدمت تلك النظرة المادية بفضل 
العلم الذى أثبت عدم صحة ما يردده الماديون. 


ولذلك يقول السير جون إكلس - في تقدمته لكتاب العلم في منظوره 
الجديد0"- يطرح هذا الكتاب فكرة مؤداها أنه خلال القرن السابع عشر 


والثامن عشر والتاسع عشر تكون لدى علماء الفيزياء والكوزمولوجيا9؛) بشكل 


.١ 199 231١78 نفسه ص‎ )١( 
(؟) كان من المفترض أن نرجئ الحديث عن هذا الموضوع إلى ما بعد الانتهاء من الحديث عن نشأة‎ 
الفكر المادي في أوربا في العصر الحديث» وأبرز القائلين به» وأثر الكنيسة في نشأته» لكننا آثرنا المبادرة‎ 
به هنا حتى لا يكون هناك فاصل بين عرض أفكار هذا الاتجاه» وبين مناقشته» لإظهار بطلان بنيانه»‎ 

وفساد أسسهء وزيف نتائجه ونظرياته. 

() هذا الكتاب صنفه اثنان من الأساتذة المعروفين في أمريكا الشمالية أحدهما متخصص في فلسفة 
العلم وهو روبرت أغروسء والآخر في الفيزياء النظرية ويرأس كلية العلوم والرياضيات في إحدى 
الجامعات الكندية وهو جورج ستانسيوء أما الهدف من هذا الكتاب - كما جاء في مقدمة المترجم 
د/ كمال خلايلى - فهو هدم أركان المادية العلمية» ثم إثبات وجود الله تعالى وبيان الحكمة والغاية 
من إبداع الكون وخلق الإنسان؛ وذلك بالاستناد إلى النتائج التى انتهى إليها أقطاب العلماء والباحثين 
المعاصرين في مجالات الفيزياء وعلم الكونيات» ومبحث الأعصاب» وجراحة الدماغ» وعلم النفس 
الإنسانى. (راجع العلم في منظوره الجديد ص 7 ترجمة: د/ كمال خلايلى» سلسلة عالم المعرفة العدد 
سنة 9/85١م؛‏ الكويت). 

(4) هو علم الكونيات وهو فرع من علم الفلك يبحث في أصل الكون وبنيته ونواميسه وتطوره (نفسه 
ص ١5١‏ من تعليقات المترجم). 


التحول إلى الفكر المادي ١‏ .0 
عليه بشكل متزايد نزعة مادية... على أن الثورة التى حدثت فى علمى الفيزياء 
والكوزمولوجيا في القرن العشرين قد غيرت شكل هذه الصورة(". 

ثم يقول في نهاية المقدمة (إننا جميعاً نحس بالنفور من أيديولوجية لا ترى 
الوجود وهى تغرس في النفوس اليأس الدائم» أما جاذبية النظرة الجيدة - فهى 
- كما جاء فى خاتمة الكتاب- تستبدل بهذه القسوة الفظيعة غائية الوجود 
وخالق الكون» والجمال والثروات الروحية وكرامة الإنسان)0"©. 

لقد مر العلم - كما يقول روبرت أغروس - بسلسلة مثيرة من الثورات في 
الفيزياء» ومبحث الاأعصاب» وعلم النفس» وعلم الكونيات.. ليقدم لنا تفسيرًا 
جدثًا يغاير تفسير الماديين27. 

ويلاحظ الفيزيائى هنرى مارجينو أن «العقيدة الأساسية للمذهب المادى هى أن 
الحقيقة كلها تكمن في المادة وهذا رأى كان مقبولا بعض القبول في آخر القرن 
الماضى » غير أن أموراً كثيرة حدثت فى هذه الأثناء تكذب هذا الرأى». 

كما يعلن الفيزيائى فيرنر هايزنبيرغ «أن الفيزياء الذرية المعاصرة قد نأت بالعلم 
عما كان يتسم به من اتجاه مادى في القرن التاسع عشر)؟؟. 

يضاف إلى هذا أن المذهب المادى - كما ورد في خاتمة كتاب العلم في 
منظوره الجديد - ضيّق الأفق إذ إنه ذهب إلى أنه لا سبيل إلى معرفة أى شىء 
ما خلا المادة وخواصهاء وهو يواجه عناءً في التوفيق بين القيم الأخلاقية 
والجمالية والفكرية والغاية والله0©. 

ولذلك يقول روجر سبرى - موافقاً على أن المادية ضيقة الأفق - الوعى 
)١(‏ نفسه ص .١١‏ 
)5١(‏ نفسه ص7 .١‏ 
(١؟)‏ نفسه ص .١5‏ 


(5) نفسه ص .١١‏ 
(5) نفسه ص .١1717‏ 


١١‏ أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


وحرية الإرادة والقيم.. أثبت العلم المادى عجزه عن معالجتها حتى بصورة 
مبدئية لا لمجرد كونها عسيرة المركب فحسب بل لانها تتعارض تعارضا 
مباشراً مع النماذج الأساسية. ولقد اضطر العلم - المادى - إلى التخلي عنهاء 
بل إلى إنكار وجودهاء أو إلى القول أنها تقع خارج نطاقه. وهذه العناصر 
الثلائة تشكل عند السواد الأعظم من الناس بالطبع» بعض أهم الأشياء في 
الحياة» وعندما ينكر العلم أهميتها بل وجودهاء أو يقول إنها خارج نطاقه» فلا 
بد للمرء أن يتساءل عن جدوى العله0"©. 

ويسهب شرودنجر في كتابه (الطبيعة والإغريق) في بيان أوجه قصور النظرة 
المادية فيقول (إنى أعجب أشد العجب من النقص الفادح الذى تعانى منه 
صورة العلم عن العالم الحقيقى المحيط بى.. إن العلم يوفر لنا قدرا من 
المعلومات الواقعية.. إلا أنه صامت بصورة مرعبة عن كل ما هو في الحق 
قريب إلى قلوبناء وما هو في الحق يعنيناء إنه لا يستطيع أن يقول كلمة عن 
الحمرة والزرقة» والحلاوة والمرارة» والألم الجسدىء واللذة الجسدية؛ ولا 
هو يعرف شيئا عن الجمال والقبح» وعن الخير والشرء أو عن الله والأزلية» قد 
يدعى العلم أحيانا أنه يحل بعض مشكلات هذه المجالات إلا أن حلوله تبلغ 
حدا من التفاهة والسخف حتى إننا لا نميل إلى أخذها مأخذ الجد)”". 

إن هذه النظرة المادية وصفت بالجمود وضيق الأفق» وخلوها من معالجة 
القيم الروحية والأخلاقية والجمالية ولذلك فهى لا تستطيع أن تضع حلولاً 
لكثير من مشكلات الحياة» ولا تستطيع أن تفسر أعمق اهتمامات الإنسان. 

بل إن المادية عاجزة عن أن تقدم لنا مفهومًا كاملا عن المادة وخصائصهاء 
خاصة بعد اكتشاف أن الذرة تتكون من نواة متناهية الصغر يحيط بها حشد 


.١754 نفسه ص‎ )١( 
ترجمة: عزت قرني. راجعه: د/ صقر خفاجة‎ ١7١ إيروين شرودنجر: الطبيعة والإغريق ص‎ )١( 
.م١955؟ سلسلة الآلف كتاب الناشر: دار النهضة العربية سنة:‎ 


التحول إلى الفكر المادي ١١‏ 
من الإلكترونيات» أما الحقائق غير المادية فهى من باب أولى» فالنظرة المادية 
لا تلقى عليها أى ضوءء فهى لا تستطيع أن تة تفهم العقل» لأنها تتصوره نتاجا 


:ثانويا للمادة, وقد اتخذت محاولة إرجاع العقل إلى مادة أشكالا متنوعة فى 


إطار برنامج النظرة المادية» فبعضهم يفترض أن المادة تطورت إلى عقل من 
تلقاء نفسهاء بينئما يأمل آخرون أن يقدم مبحث الأعصاب آخر الأمر تفسيرا 
للعقل بلغة الفيزياء والكيمياء؛ بل إن هناك بعضا آخر مازال يأخذ بدموذج 
مادى لكيفية أداء الدماغ ل ئفه30 2 , 

وعلاوة على ذلك فإن المادية - كما جاء فى كتاب العلم فى منظوره 
الجديد - تستمد الكثير من أضوائها من الخيال ذاهبة إلى أنه إذا كانت المادة 
وحدها هى الموجودة فكل ما هو واقعى لا بد من أن يكون قابلا للتصوير.. 
لكن الحقائق الجديدة التى تمثلها نظرية النسبية؛ وفيزياء الكم”"» قد حملت 
العلم على تجاوز التفكير بالصور, فالذرة كما يعرفها عالم الفيزياء في القرن 
العشرين قابلة للفهم» ولكنها غير قابلة للتصوير الحرفى» وكذلك شأن المكان 
رباعى الأبعاد في نظرية النسبة الذى يمكن فهمه لا تصويره” 

ولذلك فإن المادية واهنة كل الوهد”*؛») 

أما قول الماديين بأن المادة أزلية فهو قول أثبت العلم الحديث أيضاً عدم 
صحته. فبعد نشر النسبية العامة رأيئا الفلكى «ويلم دى سيتر» والرياضى 
«ألكساندر فريدمان» يستنتجان من النظرية الجديدة كل على حدة أن الكون 
أخذ في التمددء وسرعان ما ثبت ذلك بالمشاهدة»؛ فخلال العشرينات من هذا 
)١(‏ العلم في منظوره الجديد ص 37 .١17‏ 
)1١(‏ نظريه فيزيائية حديثة تقول إن عملية امتصاص أو ابتعاث الطاقة لا تتم جملة واحدة بل على 
مراحل كل منها عبارة عن حزمة من الطاقة تسمى (الكم) تشكل هذه النظرية» ونظرية النسبة 
لأينشتاين الأساس الذي قام عليه علم الفيزياء الحديث (نفسه ص ١١7‏ من تعليقات المترجم). 


(59) نفسه ص 17395 .1١7017‏ 
(1:) نفسه ص .١5٠‏ 


١١‏ أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


القرن اكتشف الفلكى «إدوين هبل» أثناء تحليله للضوء المنبعث من المجرات 
البعيدة أن جميع المجرات الممكن رصدها يتباعد بعضها عن بعضء وكان 
هذا هو أول مفتاح لأسرار الكون في العلم الحديثء؛ فإذا كانت المجرات 
تتباعد الآن بعضها عن بعض فلا بد إذن من أنها كانت في الماضى السحيق 
متحدة» فيا ندل عن أن الكون له بداية. 

ثم جاءت إشارة ثانية من مجال الفيزياء النووية. فلقد كان كيمائيو القرن 
التاسع عشر يعرفون أن الشمس لا يمكن أن تحرق وقودا تقليدياء فالاحتراق 
الكيميائى العادى لم يكن يصلح تفسيراً لطاقة الشمسء إذ لو كانت كتلة 
الشمس كلها فحما لأحرقت نفسها فى غضون ثلاثمائة عام وظلت الشمس 
لغزا إلى حين اكتشاف الطاقة النووية فى السئوات الأولى من القرن العشرين 
وأخيرا تمكن الفيزيائيان «هانز بيته؛ و «كارل فون فايتزساكر» فى عام 977١م‏ من 
تقديم تفسير كامل لكيفية إنتاج الشمس للطاقة من خلال تحول العناصر 
النووية» ففى قلب الشمس يتحول الهيدروجين إلى هليوم؛ منتجا الطاقة 
والضوءء وعلى مدى ملايين السنين كانت العمليات التى تتم داخل نجم 
تكون شيئاً فشيئاً لا الهليوم فحسبء بل جميع العناصر الأثقل: الكربون 
والأوكسجين» والسليكون والحديدء وسائر العناصر. وكان معتى ذلك أنه إذا 
كانت كل العناصر الثقيلة فى الكون قد تكونت من الهيدروجين فى قلب 
النجوم فلا بد إذن من أن الكون كله تقريباً كان مركبا فى البداية من 
الهيدروجين. وهذا يدل مرة أخرى على أن للكون بداية”"2. 

وأخيرا تقدم الفيزيائى «جورج غاموف» فى عام ١514/‏ بعد أن جمع الأدلة 
المستمدة من تباعد المجرات ومن دورة حياة النجوم برأى مفاده أن الكون 
نفسه نشأ من تمدد بدئى للمادة أطلق عليه اسم «الانفجار العظيم». ويفترض أن 


0 نفسه ص‎ )١١( 


التحول إلى الفكر المادي ١1١‏ 


كرة النيران فائقة الحرارة قد تمددت بسرعة كالانفجار ثم بردت. وباستخدام 
الفيزياء النووية بين «غاموف» كيف أن الجسيمات دون الذرية التى كانت 
موجودة فى أسبق المراحل أنتجت بتأثير درجات الحرارة والضغوط اللاحقة 
والتبريد لا بد من تشعت وهج خافت من الإشعاع الأساسى بشكل منتظم فى 
جميع أرجاء الكون. 

وظل تنبؤٌ «غاموف» معلقا طوال عدة أعوام. ثم اكتشف «أرنو بنزياس» 
و«اروبرت ويلسون» فى عام ١955‏ بمحض الصدفة؛ وباستخدام جهاز ضخم 
لالتقاط الموجات الصغرى إشعاعا ضعيفا منبعئًا من الفضاء. وبعد أن قاس 
«بنزياس» و «ويلسون» هذا الإشعاع بدقة لم يسبق لها مثيل وجدا أنه يقرب من 
و" درجة فوق الصفر المطلقء ولم يكن الإشعاع أشد كثافة فى اتجاه 
الشمسء أو فى اتجاه درب التبانة» ولذا لا يمكن أن تكون المجموعة 
الشمسية أو المجرة مصدر الإشعاع. فلم يبق إلا تفسير واحد وهو أنه بقية من 
الإشعاع الأصلى الناتج من «الانفجار العظيم؛ وهذا الدليل القائم على المعاينة 
أكد نظرية الانفجار العظيم. 

فعالمنا إذن تولد فى أعقاب تمدد هائل فى المادة. ويشير حجم التمدد 
ومعدل سرعته الحاليان إلى أن الكون بدأ منذ ما يتراوح ما بين ١١‏ و .+ 
مليار سنة. وفى جزء من السكستليون من الثانية بعد البداية كانت كل المادة 
الموجودة فى الكون معبأة فى مساحة أصغر كثيرا من الحيز الذى يشغله 
بروتون واحد.. وكانت الكثافة فى تلك المرحلة تهول الخيال: تصور أن 
الكواكب والنجوم والمجرات بكاملهاء وكل المادة والطاقة فى الكون كانت 
جميعها محتواة فى حيز لا يكاد حجمه يعادل شيئاً. وفى لحظة من الصفر من 
بداية الزمن كانت الكثافة غير متناهية دون حدوث أى تمدد فى المكان على 
الإطلاق. وكانت تلك اللحظة لحظة بداية المكان والزمان والمادة. 

وينبغى ألا نتصور أن الانفجار العظيم أحدث تمددًا فى المادة فى مكان 


١١4‏ أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


قائم بالفعل فالانفجار العظيم هو نفسه تمدد المكان. وهذا يمكن أن يفهمه 
العقل0©. 

وهكذا أكد العلم بالحجج وبالأدلة أن الكون له بداية» مبينا فساد وبطلان 
قول الماديين بأزلية المادة بطلانا تاما. 

وقد ساق أستاذنا الدكتور يحيى هاشم كثيرا من الأدلة العلمية - معتمداً 
8 ذلك على قوانين العلم الحديث - التى تثغبت حدوث العالم وتغبت أيضا 
أنه يفنى. فلقد قرر العلم الحديث أن الكون متناه حجماء وأنه متناه زمنياء فهو 
متناه في المستقبل» ومتناه من جهة الماضي”". 

وما دام الكون له بداية فلا بد أن يكون له مبدئ أبدأه خالق وخلقه وصوره 
وذلك قول الله تعالى وَهُوَ الى ِبِدَوَا الْحَاْقَ ثم بِعِيدهْ وهر أَهْوَت عَلِنْةِ 
د الكل اليل في ات وَالان ومو امريد لكيش الروم: 00]. 

وهذه النتيجة أثبتها العلم الحديث وتوصل إليها علماء الفلك والفيزياء 
والرياضيات وغيرهم. ْ 

يقول إدوارد لوثر كسيل - وهو عالم أمريكى في علم الحيوان - (وهكذا 
أثبتت البحوث العلمية - دون قصد - أن لهذا الكون بداية فأثبتت تلقائيا 
وجود الإله. كل شيء ذى بداية لا يمكن أن يبتدئ بذاته» ولا بد أن يحتاج 
إلى المحرك الأول - الخالق الإله)©. 

وهى نفس النتيجة التى توصل إليها مؤلفا كتاب «العلم في منظوره الجديد' 
حيث قالا: (أما النظرة العلمية الجديدة فترى أن الكون بمجموعه - بما في 


)١(‏ نفسه ص 251١‏ ؟517. 
(؟) د/ يحيى هاشم حسن فرغل: الإسلام والاتجاهات العلمية المعاصرة ص ١1417‏ - 151. دار 
المعارف سنة ١9/815‏ م. 

١؟7)‏ وحيد الدين حان: الإسلام يتحدى ص هه تعريب: ظفر الإسلام خحان. مراجعة وتحقيق: د 
عبد الصبور شاهين. الطبعة التاسعة سنة ١9486‏ ثم. مؤسسة الرسالة» دار البحوث العلمية. 


التحول إلى الفكر المادي ١١‏ 
ا ا ا ات 6 67 0 


ذلك المادة والطاقة والمكان والزمان - حدث ووقع في وقت واحدء وكانت 
لذ يذاه محد هه ولك لاندامن أنعتفاسا كان موخرذا على الدواف لأنه إذا 
لم يوجد أى شيء من قبل على الإطلاق فلا شيء يمكن أن يوجد الآن. 
فالعدم لا ينتج إلا العدم؛ والكون المادى لا يمكن أن 0 ذلك الشيء الذى 
كان موجودا على الدوام لأنه كان للمادة بداية.. ومعنى ذلك أن أى شيء 
وجد دائما هو شىء غير مادى.. ويبدو أن الحقيقة غير المادية الوحيدة هى 
العقل. فإذا كان العقل هو الشيء الذى وجد دائما فلابد من أن تكون المادة 
من نلق عقل أزلى الوجود. وهذا يشير إلى وجود كائن عاقل وأزلى خلق كل 
الأشياء وهو الله)0©. 

وهكذا أثبت العلم الحديث تهافت الفكر المادى» وبطل القول بأزلية 
الكون بطلانا تاما. وبذلك تكون النظرية المادية من وجهة نظر العلم قد 
سقطت. فلقد تبين أن هناك قوة أخرى وراء المادة وهى القوة الخالقة المدبرة 
التى أبدعت الكون وخلقته0”". 

نشأة الاتجاه المادى في العصر الحديث: 

الذين يؤرخون للفكر المادى يذكرون أن التاريخ القديم شهد أناسا كانوا 
يؤمنون بالفكر المادى ل شتا القرآن الكريم إلى قوم كانوا يؤمنون بالدهر 
وَيَالواً إن هه إِلّا لا حياننًا لديا وما نحن بِمَبَعوثِينَ4 [الأنعام: 9؟ ] 

وَقَالُوا ]) من إل جا أذا توك وق يا 14 ِلَّا آلدَهْنٌ وَمَا للم يدَّلِكَ مِنْ 


- 


١ 


. عر 2 بيرم 


ع إن م إلا يَظُنْونَ [الجائية: 4؛ ؟]. 


دلة العلم في منظوره الجديد ص 5ك 56", 
زه راجع د/ محمود عثمان: الفكر المادى الحديث وموقف الإسلام منه ص لا٠‏ ث6 أنور الجندى: 
الإسلام والتيارات الوافدة ص ١7‏ 218 الإسلام والدعوات الهدامة ص .١5١‏ 


١)‏ أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


بفضل توماس هوبز ١84‏ --2300151/9. 

ولذلك يصفه يوسف كرم (بأنه أول الماديين المحدثين)”". 

ووصف فلسفته بقوله (أما فلسفته فما هى إلا المادية بكل سذاجتها كما 
عرفناها من عهد ديمقريطس وأبيقور)””". 

قال هوبز: (يتألف الكون من مجموعة من الأجسام» فكل ما في الكون 
جسم ولا شيء حقيقى فيه لا يكون جسماء ولا يمكن لشيء أن يسمى جسما 
إلا إذا كان جزءا من مجموعة الأجسام كلها أعنى الكون)©). 

لقد أرجع إلى الحس كل أفعالنا العقلية» وقال: إن كل علم فهو آت من 
الحس”0©, 

ثم انتقل مذهب المادية من إنجلترا إلى فرنسا فظهر دى لامترى -١1١/09(‏ 
١‏ - الذى تخصص في وظائف الأعضاء - كان ماديا يعد الإنسان آلة 
من الآلات وأن النفس وظيفة المخ©. 

وظهر هلفسيوس )١1711١-1١11١05(‏ ودعا إلى المادية أيضا. 

ودولباك (177 - 1784) الذى ذهب إلى أن المادة متحركة بذاتها وأن 
كل شيء يفسر بالمادة”". 

وجاء كابانى 1101 - )١186١8‏ فأرجع جميع الظواهر النفسية إلى 
العوامل المادية: عوامل البيئة والغذاء ومزاج الجسمء وله عبارة مشهورة هى 
(؟) تاريخ الفلسفة الحديثفة ص ١ه‏ 
(9) نفسه ص 01. 


(:) د/ إمام عبد الفتاح إمام: توماس هوبز فيلسوف العقلانية ص ١٠١5‏ دار الثقافة للنشر .١9/6‏ 
(0) راجع تاريخ الفلسفة الحديئة ص 8ه» د/ نازلى إسماعيل: الفلسفة الحديثة رؤية جديدة 


صم ١‏ ؟. 
(5) راجع مبادئى الفلسفة ص 25534 تاريخ الفلسفة الحديثئة ص .١97”‏ 


(90) نفسه ص .١97‏ 


التحول إلى الفكر المادي ١١‏ 


قوله: إن الدماغ يفكر كما تهضم المعدة» كما تفرز الكبد الصفراء (". 

أما في ألمانيا فنجد فويزباخ (5 1 - .)١1887‏ وموليشط (1/85717- 
89 وكارل فوجت )١848 - ١8١19‏ الذى كان ماديا محضا وقال: 
الفكر بالإضافة إلى الدماغ كالصفراء بالإضافة إلى الكبد ثم جاء بوخنز 
)١18394-1875(‏ فتأثر بتعاليم موليشط حتى صار اللسان القوى المبين 
لمذهب الماديين العصريين وله كتاب (القوة والمادة) وقد نقل إلى العربية0©. 

ثم جاء من بعدهم إنجلز )١1895 - ١87١١‏ وكارل ماركس -181١8(‏ 
١88‏ الذى أذاع المذهب المادى وروج له بصورة كبيرة ٠‏ 

ثم ظهرت المادية وانتشرت في أوربا بصور واتجاهات مختلفة» وتسمت بأسماء 
متعددة. وهى كلها تتفق غالبا في نظرتها إلى المادة باعتبار أنها أصل الوجود. 

وهروب بعض هذه المذامب من التسمى باسم العادية "متشوه92؟ كما يقؤل 
الاستاذ جون سومرفيل: (إن مجرد تسمية إحدى الفلسفات لنفسها «بالمادية) 
يعتبر عادة فى نطاق حدودنا الثقافية أمرا يدعونا إلى النفور منهاء وقفل 
الأبوات ويا و.. أن كلمة (مادية) تستخدم في العادة في سياق الاتهام لا 
من أجل التصنيف فقط) 

ثم يقول (لهذا فهم يميلون إلى إطلاق أسماء «التجريبية) و«الطبيعية) 
و«الإنسانية» و«الواقعية» وما شابه ذلك» على فلسفات كان من الأدق أن 
فق 


تسمى «مادية)) 


.١917 نفسه ص‎ )١( 
.١70ص راجع أيضا مبادئ الفلسفة‎ »4 ٠.١ نفسه ص‎ )١( 

(") أستاذنا الدكتور / يحيى هاشم: مواجهة الإلحاد المعاصر وعقائد العلم ص١١.‏ مجمع البحوث 
الإسلامية سنة ١/3١م,‏ الإسلام والاتجاهات العلمية المعاصرة ص ©. 

(4) فلسفة القرن العشرين ص8/ 275 ١55‏ (مجموعة مقالات في المذاهب الفلسفية المعاصرة) نشرها 
داجوبرت د. رونز. ترجمة: عثمان نوية. راجعه: ذ/ زكى :نحيب متحموة. سلسئلة الألفف كتاب الناشر: 
مؤسسة سجل العرب سنة 951 ١م.‏ 


١1‏ أثر الكنيسة على الفكر الأوربي 


والماركسية لم تختص باسم الفلسفة المادية المعاصرة إلا أن(" (المفكرين 
السوفيت يحذون حذو ماركس وإنجلز في مقت أى تحايل لتفادى استخدام 
كلمة «مادية»... فأطلقوا عليها [بجرأة] كلمة «المادية»)("©. 

وقد علق (بوشنسكى) على هذه المذاهب المادية بقوله: إن الجوانب 
السلبية فيها أظهر وأعظم وهى كما يلى: 

-١‏ أن كل هذه المذاهب التى ظهرت في أواخر القرن التاسع عشرء 
والقرن العشرين ترجع بشكل أو بآخر إلى موقف فلسفى كانت الحياة العقلية 
الاوربية قد تركته خحلف ظهرها منذ زمن بعيد» وهى من هذه الجهة تمثل ردة 
إلى الخلف» ورجعة إلى الوراء من الوجهة الفلسفية. 

؟- هذه المذاهب تتميز بضعف كبير في بنيانها النظرى. 

*- ولكن الأهم من هذا كله أن كل هؤلاء يقفون حيارى لا يكادون 
يبينون بشأن كبريات مشكلات الإنسان وهى المشكلات التى اهتم بها الفكر 
الأوربى في القرن العشرين الميلادى أعظم اهتمام وخاصة فيما يتعلق 
بالأخلاق» والدين» والألم» والعذاب. 

هذه المذاهب بسبب اتجاهها الرجعى» وبسبب ضعفها ووهنها النظرى 
وبسبب عدم اكتراثها بكبريات مشاكل المصير الإنسانى تمثل أقل ما قدمه 
الفكرا العويي: الأعير دن حيك القيينة: 

وبصفة عامة فإن فلسفة الغرب فى منتصف القرن العشرين الميلادى قد 
تجاوزت في مجموعها ليس قضايا هؤلاء الفلاسفة الماديين فحسبء بل 
وكذلك مشكلذتي 00. 

)١(‏ الإسلام والاتجاهات العلمية المعاصرة ص5. 
(؟) فلسفة القرن العشرين ص505". 


() أ.م. بوشنسكى: الفلسفة المعاصرة في أوربا ص ١7١ 217٠١‏ ترجمة: د/ عزت قرنى. سلسلة عالم 
المعرفة العدد ١55‏ سنة 397١م‏ الكويت. 


التحول إلى الفكر المادي ١4‏ 


أخر الكنيسة في ظهور الاتجاه المادى: 

لا يستطيع أحد أن ينكر أن الكنيسة لها دور - لم تقصده - فى ظهور هذا 
الاتجاه. فقد جنت على الفكر بأن قيدته فى محيطهاء وأسرته بحيث لا يدور 
إلا فى فلكهاء ولذلك فإن العقل الأوربى حين أتيح له أن يأخذ حريته» ويستقل 
عن الكنيسة لم يجد إلا الاتجاه المقابل للجمود الفكرى - القائم على أساس 
من الإيمان بمبادئُ وعقائد تناقض العقل» ولا يعرف أحد أسرارها ولا كنهها. 

كان الاتجاه المقابل هو الإيمان بالمحسوس وبالمادة» وطرح الدين جانباء 
والكفر بمبادئه وبالغيبيات والعقائد التى يدعو إليها. 

كان رد الفعل قويا وعنيفا أطاح بكل ما هو مقدسء وانطلق الأوربى إلى 
العلم المادى الذى لا يرى فى الوجود إلا المادة» ولا يرى تفسيرا لشئون 
الحناة وآعورها إلا التفسين المنادي: 

يقول د/ أحمد الشاعر (كان الفكر المادى إذن: رد فعل مضاد لموقف 
الكنيسة» وكان لتشددها واضطهادها للعلم والعلماءء والفلاسفة والمفكرين 
أثره الفعال في «الثورة المادية» العارمة التى اجتاحت أوربا ضد الدين)”"©. 

ويقول د/ محمود عتمان إخلعت الفلسفة نير الكنيسة الذى قضى 
عليها..وعادت إلى المذاهب الفلسفية فى أصولها الأولى؛ وأعادت إلى 
الأذهان المذاهب المادية القديمة وناصر 56 الإلحاد)0". 

إن الظروف التى نشأت في ظلها أو بسببها الاتجاهات والمذاهب المادية 
هى أنها كانت رد فعل إزاء الفلسفة المسيحية التى كانت سائدة في العصور 
الوسطى.. هذه الفلسفة وصلت إلى حالة من الجمود لي العقلى 
)1١(‏ د/ أحمد الشاعر: الإسلام والفكر المادى ص١.‏ الطبعة الأولى. مطبعة الحضارة العربية 


كلاوام. 
(5) الفكر المادى الحديث وموقف الإسلام منه ص47 . 


١)‏ أثر الكنيسة على الفكر الأوري 


والتخبط الفكرى حدت بعلماء العصر إلى الإعراض عنهاء وإرساء أسس العلوم 
الطبيعية على العقل والمشاهدة الحسية والتجارب العلمية(©. 

ولذلك قال مؤلفا كتاب (العلم في منظوره الجديد) إذا كانت المادية 
واهنة كل هذا الوهن من حيث الرحابة والوحدة والضياء؛ فكيف بدت هذه 
النظرة إلى العالم معقولة حتى كمنهجية لبعض المفكرين؟ 

الجواب على ذلك: أنهم كانوا يكافحون الفلسفة المسيحية السائدة في 
عصرهم... لقد هيمنت مذاهب كبار اللاهوتين في العصور الوسطى العقيمة 
على المدارس والمعاهد في أواخر عصر النهضة. 

وكان واضحا أنه لا بد من صوغ نموذج جديد للعلم» وكان ينبغى لهذا 
النموذج الجديد». على عكس الفلسفة المسيحية المتداعية التى كانت فيها 
الغيبيات والخوارق تبدو طاغية على كل شيءء أن يعود إلى الأشياء الملموسة 
والحقيقة التى لا تقبل الجدلء إلى عالم المادة الفيزيائى. 

وهذا التحول الفكرى في تصور العالم عن العصور الوسطى إلى عصر 
النهضة يمكن أن يوصف بكثير من العمومية بأنه تحول عن الروحانيات إلى 
الماديات. 

وكان التحول في أول الأمر يبدو أكثر تشديدا على عالم المادة منه رفضا 
لعالم الروح”". 

هذه المادية إذن كانت وليدة الظروف التى فرضتها المسيحية على العقول. 
والعجيب أن الثورة المادية لم تقف عند حد الدين المتمثل في الكنيسة 
ورجالهاء بل امتدت إلى محاربة الدين بجملته؛ والاديان بعمومها حقة كانت 
أو باطلة. 


.) ١6ص من مقدمة د/ كمال خلايلى (كتاب العلم في منظوره الجديد‎ )١( 
.١5٠١ضص مق نفسه‎ 


التحول إلى الفكر المادي ١١‏ 
وما أكثر السفهاء الذين جرفتهم تلك الثورة رغم تباين البيئات وتباين 
حقائق الدين هنا وهناك(©. 


ولذلك يقول أستاذنا الدكتور محمد البهى «لو ورث الفكر الأوربى الروحية 
الإسلامية أى الروحية التى جاءت بها رسالة الله إلى رسوله محمد ككل لما ظهر في 
اتجاهات هذا الفكر ذلك الشذوذء ولا هذه المبالغة في الركون إلى المادة 
وحدها: فى السعى إليها واستهدافها)”"'. 


والله أعلم 


لبن اننا لنا 


.١7ص الإسلام والفكر المادى‎ )١( 
.م١517/5 (؟) د/ محمد البهى: غيوم تحجب الإسلام ص١5 الطبعة الثانية. مكتبة وهبة. سنة‎ 


المصادر والمراجع 


المراجع ه١١‏ 


أهم مراجع البحث 
» القرآن الكريم. 
» الكتاب المقدس. 
أسد (محمد) 
» الإسلام على مفترق الطرق. ترجمة: عمر فروخ. سلسلة صوت الحق. 
إسماعيل (د/ نازلى) 


» الفلسفة الحديثة. رؤؤية جديدة مكتبة الحرية الحديثة. سنة 1901/9 م 
القاهرة. 

أغروس (روبرت)» ستانسيو (جورج). 

» العلم فى منظوره الجديد. ترجمة: د كمال خلايلى. سلسلة عالم 
المعرفة العدد ١784‏ سنة 409 ١ه‏ - 984١م‏ الكويت. 

إمام (د/ إمام عبد الفتاح) 

» توماس هوبز فيلسوف العقلانية. الطبعة الأولى. دار الثقافة للدنشر والتوزيع 
سنة ١9/26‏ م القاهرة. 

أمين (د/ عثمان) 

* الفلسفة الرواقية. الطبعة الثالثة. مكتبة الأنجلو المصرية. سنة 1511 م 
القاهرة. 

أيبرنس (د/ هارى) 


»* مصلح فى المنفى وجوك كلفن) ترجمة: وليم وهبة بباوى. الطبعة الاولى 


١5‏ المراجع 


بارودى (دائيل) 

» الرجل المهذب (مجموعة محاضرات عن الأخلاق) ضمن كتاب من 
الحكيم القديم إلى المواطن الحديث. ترجمة: د/ محمد مندور. الطبعة 
الأولى. لجنة التأليف والترجمة والنشر سنة ١944‏ م القاهرة. 

بدوى (د/ عبد الرحمن) 

» فلسفة العصور الوسطى. الطبعة الثالثة. وكالة المطبوعات. الكويتء دار 
القلم بيروت سنة 51/9١م.‏ 

البهى (د/ محمد) 

» الإسلام فى حل مشاكل المجتمعات الإسلامية المعاصرة. الطبعة الثانية 
مكتبة وهبة سنة 754١م‏ سنة 9178 ١م‏ القاهرة. 

* العلمانية وتطبيقها فى الإسلام إيمان ببعض الكتاب.. وكفر بالبعض 
الآخر. الطبعة الأولى. مكتبة وهبة سنة 1٠0٠‏ ١هء‏ سنة 0١9١م‏ القاهرة. 

» غيوم تحجب الإسلام. الطبعة الثانية. مكتبة وهبة. سنة 799١ه‏ - 
9 ام القاهرة. 

بوشنسكى (!. م) 

* الفلسفة المعاصرة فى أوربا. ترجمة د/ عزت قرنى. سلسلة عالم المعرفة 
العدد ١6‏ سنة 41١‏ ١ه‏ - 197١م‏ الكويت. 

بوكاى (موريس) 

»* دراسة الكتب المقدسة فى ضوء المعارف الحديثة. دار المعارف سنة 
ام القاهرة. 


١ المراجع‎ 


(أبو جريشة _ د/ على) 
+ الاتجاهاث الفكرية المعاضرة: الطبعة الأولى: ذار'الوقاء للطباعة والدشتر 
٠7‏ ١ه‏ سنة 985 ١م‏ القاهرة. 


جنيبير (شارل) 
* المسيحية نشأتها وتطورها. ترجمة: د/ عبد الحليم محمود. المكتبة 
العصرية - بيروث. 


الحوالى (سفر عبد الرحمن) 

* العلمانية نشأتها وتطورها وآثارها فى الحياة الإسلامية المعاصرة. الطبعة 
الأولى. جامعة أم القرى. مركز البحث العلمى وإحياء التراث سنة 07٠14١ه‏ 
سنة 9/7 ١م‏ السعودية. 

الحويرى (د/ محمود محمد) 

»* رؤية فى سقوط الإمبراطورية الرومانية. دار المعارف سنة ١/9١م‏ 
القاهرة. 

خان (وحيد الدين) 

* الإسلام يتحدى. ترجمة: ظفر الإسلام خان. مراجعة: د/ عبد الصبور 
شاهين. الطبعة التاسعة. مؤسسة الرسالة سئة 14٠6©‏ ١ه‏ - 986١م‏ بيروت. 
' الخضرى (د/ حنا جرجس) 

» جون كلفن. دراسة تاريخية عقائدية. الطبعة الأولى. دار الثقافة سنة 
69 ام القاهرة. 

» المصلح مارتن لوثر حياته وتعاليمه. الطبعة الأولى. دار الثقافة سنة 
8 ١م‏ القاهرة. 


دويدار (د, بركات عبد الفتاح) 
« الوحدانية مع دراسة الأديان والفرق. إطليفة السعادة. الناشرة مككية 
النهضة المصرية سنة 911١م‏ القاهرة. 


ديورانت (ول وايريل) 

ه قصة الحضارة. المجلد الثالث (قيصر والمسيح أو الحضارة الرومانية) 
الجزء الثالث. ترجمة: محمد بدران. الطبعة الثالثة. لجنة التأليف والترجمة 
والنشر سنة 937١م‏ القاهرة. 

» قصة الحضارة. المجلد السابع (بداية عصر العقل). الجزء الثالث. 
ترجمة: محمد على أبو درة مراجعة: : على أدهم. لجنة التأليف والترجمة 
والنشر. 

ديورانت (ول) 

» قصة الحضارة. المجلد الرابع (عصر الإيمان) الجزء الأول. ترجمة: 
محمد بدران. الطبعة الثالثة. لجنة التأليف والترجمة والنشر سنة 111/7م. 

» قصة الحضارة. المجلد الرابع. الجزء الخامس. ترجمة: محمد بدران 
سنة 91/5 ١م.‏ 

» قصة الحضارة. المجلد الرابع. الجزء السادس. ترجمة: محمد بدران 
الطبعة الثانية سنة 955١م.‏ 

» قصة الحضارة. المجلد السادس (الإصلاح الدينى). الكت الاوك 
ترجمة: د/ عبد الحميد يونس سنة 1154١م.‏ 

» قصة الحضارة. المجلد السادس. الجزء الغالث. ترجمة: د/ عبد الحميد 
يونس 195595١م.‏ 

» قصة الحضارة. المجلد السادس. الجزء السادس. ترجمة: فؤاد أندراوس. 
واتجعةه على أدهم 4 017 1م 


المراجع ال 


رابورت (أ. س) 

* مبادئ الفلسفة. ترجمة: أحمد أمين. الطبعة السادسة. لجنة التأليف 
والترجمة والنشر. مكتبة الخانجي القاهرة. 

ريشنباخ (هائز) 

+نشيأة الفلسفة العلمية. ترجمة: د/ فؤاد زكريا. الطبعة الثانية. المؤسسة 
العربية للدراسات والنشر سنة 048ام بيروت. 

الزغبى (د/ قتحى محمد) 

» غلاة الشيعة وتأثرهم بالأديان المغايرة للإسلام. الطبعة الأولى. مطبعة 
غباشى سنة /9/8١م.‏ 

زكى (د/ عزت) 

3 تاريخ المسيحية (المسيحية فى عصر الإصلاح). دار التأليف والنشر 
للكنيسة الأسقفة سنة ام القاهرة. 

أبو زهرة (الإمام محمد) 

» محاضرات فى النصرائية. الطبعة الخامسة. دار الفكر العربى. سنة 
17 ١م‏ القاهرة. 

ساغان (د/ كارل) 

* الكون. ترجمة: نافع أيوب لبّس. مراجعة: محمد كامل عارف. سلسلة 
عالم المعرفة. العدد ١٠/8‏ سنة 537١م‏ الكويت. 

سباين (جورج) 


* تطور الفكر السياسى. الكتاب الثانى. ترجمة: حسن جلال العروسى. 
مراجعة: د/ محمد فتح الله الخطيب. دار المعارف سنة 4515 ١م‏ القاهرة. 


١‏ المراجع 


سعيد (حبيب) 

* تاريخ النشعية ونم 7المقيطية دان التايق للش الكدينهة الأسيفية. 
سنة 978 ١م‏ القاهرة. 

سومرفيل (جون) 

» مقال عن البراجماتية الأمريكية (ضمن كتاب فلسفة القرن العشرين) 
مجموعة مقاللات فى المذاهمب الفلسفية المعاصرة» نشرها: داجوبرت رونز. 
الناشر مؤسسة سجل العرب سئة 977 ١م.‏ 

الشاعر (د/ أحمد عبد الحميد) 

» الإسلام والفكر المادى. الطبعة الأولى. مطبعة الحضارة العربية. سنة 
اه - 475 ١م‏ القاهرة. 

شرودنجر (إيروين) 

» الطبيعة والإغريق. ترجمة: عزت قرنى. مراجعة: د/ صقر خفاجة. سلسلة 
الألف كتاب. دار النهضة العربية سنة 9517 ١م‏ القاهرة. 

شكرى (د/ محمد قؤاد)؛ أنئيس (د/ محمد) 

ه أوربا فى العصور الحديثة. الجزء الأول. الطبعة الغانية. مكتبة الأنجلو 
المصرية. سنة 955١م‏ القاهرة. 

شلبى (د/ أحمد) 

والمسيهية وتلييلة مقازنة الآديآن) الطبعة السنادسة ,#مكنية اليطة 
المصرية. سنة 914١م‏ القاهرة. 


١5١ المراجع‎ 

الشناوى (د/ عبد العزيز محمد) 

* أوربا فى مطلع العصور الحديثة. الطبعة الرابعة. مكتبة الأنجلو المصرية 
سئة 987 ١م‏ القاهرة. 

الشهرستانى (محمد بن عبد الكريم) 

» الملل والنحل. تحقيق: محمد سيد كيلانى. مطبعة مصطفى الحلبى سنة 
5ه - سنة 9175 ١م‏ القاهرة. 

الطويل (د/ توفيق) 

» أسس الفلسفة. الطبعة الخامسة. دار النهضة المصرية. سنة 951١م‏ 
القاهرة. 

قصة الصراع بين الدين والفلسفة. الطبعة الثالثة. دار النهضة المصرية. سنة 
8 ١م‏ القاهرة. 

مدخل لدراسة تاريخ الفلسفة (ضمن كتاب العرب والعلم فى عصر الإسلام 
الذهبى ودراسات أخرى) ٠‏ الطبعة الأولى. دار النهضة العربية سنة 594١م‏ 
القاهرة. 

عاشور (د/ سعيد عبد الفتاح) 

أوربا العصور الوسطى. الجزء الأول. التاريخ السياسى. الطبعة 
السادسة.مكتبة الأنجلو المصرية ٠‏ سنة +98 ١م‏ القاهرة . 

عبده (الإمام الشيخ محمد) 

الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية. الطبعة الثالثة. دار الحداثة للطباعة 


والدشر. سنة /م/68 ام بيروت. 


١‏ المراجع 


عبيد (د / إسحاق) 

محاكم التفتيش نشأتها ونشاطها. الطبعة الأولى. دار المعارف. سنة 
١ 8‏ م القاهرة. 

عتمان (د / محمود) 

الفكر المادى الحديث وموقف الإسلام منه. الطبعة الأولى. مكتبة الأنجلو 
المصرية. سنة /ا/ 9 ام القاهرة. 
العقاد (عباس محمود) 

عقائد المفكرين فى القرن العشرين. دار المعارف. سنة 9/85 ١م‏ القاهرة. 

عمارة (د/ محمد) 
7 ام. القاهرة. 

غلاب (د/ محمد) 

الفلسفة الإغريقية. الجرء الغانى . الطبعة الثانية. مكفبة الأتجلو المصرية. 
القاهرة. 

الغمراوى (د/ على) 

مدخل إلى دراسة التاريخ الأوربى الوسيط. الطبعة الثانية. مكتبة سعيد 
رأفت. سنة 317١م‏ القاهرة. 


المراجع يض 

فارنتن (بنيامين) 

العلم الإغريقى. ترجمة: أحمد شكرى سالم. مراجعة: حسين كامل أبو 
الليف سلسلة الألف كتاب. مكتبة النهضة المصرية. سنة 50 ١م‏ القاهرة. 

فراج (عبده) 

معالم الفكر الفلسفى فى العصور الوسطى. الطبعة الأولى. مكتبة الأنجلو 
المصرية. سنة 7/89 ١هء‏ سنة 959١م‏ القاهرة ٠‏ 

فرغل (د/ يحيى هاشم حسن) 

الإسلام والاتجاهات العلمية المعاصرة. الطبعة الأولى. دار المعارف سنة 
ام القاهرة. 

حقيقة العلمانية بين الخرافة والتخريب. إسلسلة قضايا إسلامية معاصرة) 
تصدرها اللجنة العليا للدعوة الإسلامية بالأزهر الشريف. سنة 585١م‏ 
القاهرة. 

الفكر الإسلامى فى مواجهة التيارات الفكرية المعاصرة ٠الطبعة‏ الأولى 
مطبعة الجبلاوى 1.٠” ٠‏ ١ه‏ سنة 905١م‏ القاهرة ٠‏ 

فى مواجهة الإلحاد المعاصر وعقائد العلم (سلسلة مجمع البحوث 
الإسلامية) السنة الحادية عشرة. الكتاب الأول سنة 1.0٠‏ ١ه‏ سنة ١٠19م‏ 
القاهرة ٠‏ 

فشر (هربرت) 

أصضول التاريخ و الحديث. ترجمة: د/ زينب عصمت راشدء د/ 
احهد عبد الرس تفيطل ‏ راعدة: 5 اليد عزت عبد الكريم. دار 
المعارف. سنة 955١م‏ القاهرة. 


١4‏ المراجع 


السيد الباز العرينى» إبراهيم أحمد العدوى ٠‏ دار المعارف سنة 4 9١م‏ القاهرة ٠‏ 

القرضاوى (د/ يوسف) 

الإسلام والعلمانية وجها لوجه. الطبعة السابعة. مكتبة وهبة. سنة 151١م‏ 

كراوذر (ج. ج) 
أعينة . مليلة الألق كزات: م عكدة الحتضة المشسية +« القاهرةة 

كرم (يوسف) 

» تاريخ الفلسفة الأوربية فى العصر الوسيط. الطبعة الأولى. دار الكتاب 
المصرى. سنة 955١م‏ القاهرة. 

* تاريخ الفلسفة الحديثة. الطبعة السادسة. 500 سنة 919١م‏ 
القاهرة. 

* تاريخ الفلسفة اليونانية. الطبعة السادسة. لجنة التأليف والترجمة والنشر 
سنة 977 ١م‏ القاهرة. 

كولتون (جورج جوردن) 
يوسف. الطبعة الثانية. دار المعارف. سنة /551ام القاهرة. 

كون (توماس) 

* بنية الثورات العلمية. ترجمة: شوقى جلال. سلسلة عالم المعرفة. العدد 
4 سنة 41 ١ه‏ - 1597م الكويت. 


١ المراجع‎ 


لوريمر (جون) 

* تاريخ الكنيسة. ترجمة: عزرا مرجان. الجزء الرابع. الطبعة الأولى. دار 
الثقافة سنة ٠‏ 99 ١م‏ القاهرة. 

مرجان (د/ محمد مجدى) 


* الله واحد أم ثالوث. دار النهضة العربية. سنة 975 ١م‏ القاهرة. 


المنفلوطى (جباد) 

» تاريخ المشيحية (الشسبيحية ف التضون الوسطئ)::ذار العاليك والتشيز 
للكنيسة الأسقفية. سنة 917/8 ١م‏ القاهرة. 

الندوى (أبو الحسن على) 

» ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين. الطبعة العاشرة. دار القلم؛ دار 
الأنصار. سنة 910 ١ه‏ - 9177 ١م‏ القاهرة. 

الهندى (الشيخ / رحمت الله) 

» إظهار الحق. تحقيق د ضونة حي ملكاوى. دار الوطن للنشرء دار 
أولى النهى. سنة 417 ١ه.‏ الرياض. 

هويزنجا (يوهان) 

» أعلام وأفكار. نظرات فى التاريخ الثقافى. ترجمة: عبد العزيز توفيق 
جاويد. مراجعة: د/ زكى نجيب محمود. الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 
ام القاهرة. 

ولز (ه. ج) 

* معالم تاريخ الإنسانية (المجلد الثالث). ترجمة: عبد العزيز توفيق جاويد. 
الطبعة الثالثة. لجنة التأليف والترجمة والنشر. سنة9177١م.‏ القاهرة. 


١‏ قت 


اليسوعى (بوليس إلياس) 

» يسوع المسيح شخصيته وتعاليمه. الطبعة الثانية. المطبعة الكاثوليكية 
بيروت. 

يعقوب (نقولا) 


» أبحاث المجتهدين فى الخلاف بين النصارى والمسلمين. مطبعة 


يوسف (د/ جوزيف نسيم) 
8 ١م‏ القاهرة. 


#6 و 


قواميس ومعاجم ضل 


قواميس ومعاجم 

» قاموس الكتاب المقدس. تأليف: نخبة من أساتذة اللاهوت. هيئة التحرير 
د/ بطرس عبد الملك» د/ جون ألكساندر طمسن - / إبراهيم مطر الطبعة 
السابعة. دار الثقافة سنة ١990١م.‏ 

» المعجم الفلسفى / مجمع اللغة العربية. الهيئة العامة لشكون المطابع 
الأميرية سنة 99١ه‏ - 919 ١م‏ القاهرة. 

#المعجم الوجيز. مجمع اللغة العربية. الطبعة الأولى سنة ٠.٠4١ه‏ - 
ام. | 

* المعجم الوسيط. مجمع اللغة العربية. الطبعة الثانية. دار المعارف سنة 
١ه‏ - 1075 ام القاهرة. 


ا 


الفهرس 


أزمة الفكر الأوربي في العصور الوسطى ا 
تعليل تعصب الكنيسة ضد المخالفين 2350 


مراحل محاولاات 00 العقل الأوربي من هذه القيود “أ 1 2527701 


ثانيًا: بوادر الصراع بين الدين والعقل ا ا 0 
ثالمًا: ثورة الإصلاح الديني البروتستانتي ا ا 


1 


ل الفهرس 


يكايفة كدي الأتهانب الف اه المتفيعة اكوا اط اونا 
ا ا 1 1 1 00011 
مناةسا : العلمانية 0 
معنى العلمانية 10 ااا 
شأة العلمانية ا ال ل ا ا اللو ا 

بعاً: التحول إلى الفكر المادى ا وما العا 
الفكر المادى مفهومه وأهم ختصائصضة ‏ ا ل 1 
تهافت الفكر المادى: 0000 
شاه الأضجاء لاقي عضرا فريك ا ا لعا ل وجا سو لوطع وو فلا 
أ لكيس في ليون الأكاة "ادي لاعن لازا 7س ووو ال اا 
أهم مراجع البحث ااا 
قواميس ومعاجم ا ا 
فهرس الموضوعات 0ب 1 1111 


أ الكتيستي 
حاف الزكز الأورب 


يتحدث فيه المؤلف عن آثر الكنيسة فى نشأة المذاهب والانجاهات الفكرية 
المختلفة فى أوريا. 


هذا البحث لا يدعى شمولية الحديث عن كل الانمجاهات الفكرية» وإنما هو 
قراءة لما ولّدته تلك القيود التى فرضتها الكنيسة على الفكر فى العصور الوسطى؛ 
ذلك أن موقف الكنيسة من العلم؛ ومقتها للعلماء كان سببا فى نفور الأوربيين من 
الدين. 

لقد نقد المفكرون الأوربيون الكنيسة وحاولوا إصلاحهاء ومع تقدم العلوم 
والمعارف اصطدموا بالكنيسة؛ وحدث ما سمى بالصراع بون الدين والعلم. 

وحينما أتيحت لهم فرصة التحرر من الدين استغلوها إلى أبعد الحدود. 
ولذلك فإن الكنيسة أضرت بالدين لأنها كانت السبب فى نبذة والتحرر منه. 

ونود أن نؤكد هنا أن الذى حدث فى أوربا ليس راجعا إلى الدين بوجه عام 
وإنما يعود بالدرجة الأولى إلى المسيحية وعقائدها وشعائرهاء ورجال الدين فيها. 
ولذلك فإن هذه النتائج التى أشرنا إليها تولدت فى بيئة معصينة؛ ونتيجة لظروف 
معينة» ودين معين ومحدد. وهذا الحكم لا ينسب بالضرورة على الإسلام ولا على 
المجتمعات الإسلامية. 


إذ إن الدين السماوى المنزل من عند الله لا يعوق التقدم العلمى, ولا يقف. 


حائلا دون كشف أسرار الكون والطبيعة؛ ولذلك فهو يدعو الإنسان إلى النظر 
والتفكير والتأمل وعليه فلا وجود للعلمانية» ولا الصراع بين الدين والعلم. ولا 
بغيرها من الا نجاهات المادية فى ظل وجود الرسلام. 


7 1 020 5 ك3 5 5977 5 كل