Skip to main content

Full text of "1111111"

See other formats


المَجِلد الأول | 


و 31 


1 
1 


البحلة العياشية 


1663-1م 


الرّحلة ا ياشيّة - المجلد الأرل 1 

أبو سالم عبد الله بن محمد العياشي/مؤلف» [حققها وقدّم لها: د. سعيد الفاضلي ود. سليمان القرشي] 
الطبعة الأرلى» 2006 

حقوق الطبع حفوظة 


دار السويدي للمشر والتوزيع 

ابو ظي» ص. ب : 44480 

الإمارات العربية المتحدة 

هائف: 26322079 فاكس: 6312866 


تصميم الغلاف: الفنان ناصر بيت 


الصف الضوئي: القرية الإلكتررنية/أبو غلبي 
الخطوط: محمد مندي 


All rights reserved. No part of this book may be reproduced, stored in a retrieval system or 
transmitted in any form or by any means without prior permission in writing of the publisher. 
جميع الحقوق عفوظة. لا يسمح بإعادة إصدار هذا الكتاب ار أي جزء منه أر تخزينه في نطاق استعادة‎ 

المعلومات أو نقله بأي شكل من الأشكال درن إذن حطي مسبق من الناشر. 


الحلة العياشية 
1 - 1663م 


أبو سالم عبد اللّه بن محمد العياشي 
المجلد الأول 


حققها وقدم لبا: 
ذ. سعيد الفاضلي و د. سليمان القرشي 


الكتاب الحائز على 
جائزة اين بطوطة 
للأدب الجغرلك 2005 


يشرف على هده السلسلة : 


نورك الجراع 


1 مستشار التحرير: 

١‏ على كعان 
أمانة التحرير: 
محسن خالد 
أيمن عجازي 
الإشراف الغني: 
ناصر بفیت 


التنضيى والتنسيق: 


علاء الببوك 


"... وهو ميدان كبير في القاهرة بسع الآلاف من الخيل» وآخحر من يخرج الباشاء 
فنخرج أمامه طائفة من عسكره... وآحر من يخرج معه طائفة الشاوشية على أرحلهم» عليهم 
جلود النمر» وعلى رؤوسهم طراطبر طويلة... ويُؤتى بكسوة باب الكعبة منشورة على 
الأعواد» كلها مخوصة بالذهب. .. ثم يُمر بكل ذلك بين يدي الباشا والأمراء» ويقومون ها إذا 
مرت كم تعظيماً.. . ثم يذهب ها كذلك انها ورون ها وسط السوق والناس يتمسحون 

ها حين يبلغوها إلى المشهد الحسييئ» تنشر في صح المسجد وتخاط هناك". 
نص الرحلة ص 252 


"... والمصريون يتكارمون في ما بينهم بشراب البن الذي يسمونه القهوة» ونحن لا 
نعرفها» وليست عندنا بطعام ولا دواء ولا شهوة". 


نص الرحلة ص 229 


.. ثم ارتحلنا وأحذنا في نزول العقبة» وهي عقبة كؤود» صعبة ابوط والصعود» وهي 

عقبة أيلة للشهورة. .. ولا كان اخخل معروفاً بتلصص الأعراب وحرابتهم» يأ الناس وأحرحوا 

أسلحتهم حو م عدوافم.. ٠‏ ونقدّمت طائفة من الحجاج مدافعهم أمام الركب وتأخرت 

طائفة» و لم نر جا سارقاً ولا غائراً. .. وبعد أن نزلنا من المنحدر الصعب حعلت الطريق تلنوي 
في شعاب كأنا أزقة يكثر فيها المخاوف والمنالف". 

نص الرحلة ص 272 


"... وبعد الرجوع من أحٍ نزل الوافدون بالمدينة يننظرون الرحببة... وقدم تلق كثير 

من الأعراب» وأكثرهم حفاة ليس هم من دين ولا مذهب» جلهم لا يعرف صلاة وصوماء 

فتدنحل جماعة منهم المسجد غاسلين أطرافهم يريدون الصلاة على زعمهم» فيقف أحدهم مليا 

ثم يسجد على قدر ما يرى» إما ثماني سجدات أو عشر سجدات أو أكثر» على حسب 
نشاطه» ثم ينصرف." 

نص الرحلة ص 453 


روش 


تَهُدْفْ هذه السلسلة يَعْثْ واحارٍ من أعرق ألوانٍ الكتابة قى ثقافتنا 
العربية» من خلال تقدم كلاسيكيّات أدب الرّحلق إلى حانب الكشف 
عن نصوص جهولةٍ لكتاب ورحالة عرب ومسلمين جابوا العام ودوّنوا 
يوميّاهم واتطباعاقم ‏ ونقلوا صوراً لما شاهدوه وحتبروةُ في أقاليمه قريبة 
وبعيدة» لاسيما في القرنين الماضيين اللذين شهدا ولادة الاهتمام بالتجرية 
الغربية لدى الْنُخحب العربية المثقفة» ومحاولة التعرّف على المجتمعات والنّاس 
في الغرب» والواقع أنه لا يعكن عزل هذا الاهتمام العربي بالآخر عن 
ظاهرة الاستشراق والمستشرقين الذينر ملأوا دروب : الشرق ور موا له 
صوراً ستملاً محلدات لا تُحصى عددا خصوصا 2 اللغات الإنكليزية 
والفرنسية والألمانية والإيطالية) وذلك من موقعهم القوي على حارطة 
العام والعل» ومن منطلق المستأئر بالأشياى والمتهيئ لترويج صور عن 
"شرق ألف ليلة وليلة" تغذي أذهان الغربيين ومخيلاتهم» وتُمهّدُ الرأي 
العام تاليا للغزو الفكري والعسكري هذا الشرق. ولعل حملة نابليون 
على مصرء یکل تداعيامًا العسكرية والفكرية في تقافتنا العربية» هى 
النموذجٌ الأتم لذلك. فقد دخحلت المطبعة العربية إلى مصر مقطورة وراء 
عرية المدفع الفرنسي لتؤسس للظاهرة الاستعمارية بوحهيها العسكري 
والفكري. 

على أن الظَاهرة الغربية في قراءة الآحر وتأويله كانت دافعاً 
ومحرضاً بالدسبة إلى النحب العربية الثقفة الي وحدت نفسها في مواجهة 
صور غرييّة محتمعاتما حديدة عليهاء وهو ما استفز فيها العحصب 
الحضاري» لتجد نفسها تملك» بدورهاء الدوافع والأسباب لتشدٌّ الرحال 


نحو الآخر ع واستكشافاً وتعود ومعها ما تنقله وتعرضه وتقوله في 
حضارته» وغط عيشه وأوضاعه» ضاربة بذلك الأمثال للناس» ولينبعث في 
اختمعات العربية» وللمرة الأولى» صراع فكري حاد سقط إليه القوى 
الحيّة في احتمع بين مؤيد للغرب موال له ومتحمّس لأفكاره وصياغاته 
وبين معادٍ للغرب» رافض له» ومستعد لقاتلته. 


وإذا كان أدب الرحلة لغري قد کن س تنميط الشرق 
والأيروس” والعجائيي فإن” أدب را العربي إل الغرب ١‏ ولا > كما 
سِتّضِحٌ من خلال نصوص هذه السلسلة» ركر» ساسا على تتبع ملامح 
النهضة العلميّة والصناعيّة وتطور العمران» ومظاهر العصرنة عمئلة 52 
التطور الحادث في غط العيش والبناء والاحتماع والحقوق ق. لقد انصرف 
الرّحالة العرب إلى تکحیل عيوهم بصور النهضة الحديثة في تلك 
امجتمعات» مدفوعين» غالبا بشغف البحث عن الجديد» وبالرغبة العميقة 
الشارفة لا 3 الاستكشاف فقط» من باب الفضول عر وإغاء اساسا 
الحديشة وتاه أثر الآخر للخروج من حال الال الحضاري اي ود 
الأساسية الموسّسة للنظرة الشرقية المندهشة بالغرب وحضارته» وهي نظرة 
انلع | إلى المدنيّة وحدالتها من موقعه الأدن على هامش الحضارة 
الحديثة» المنتحسّر على ماضيه التليد» والتائق إلى العودة إلى قلب الفاعلية 
الحضارية. 

إن أحد أهداف هذه السّلسلة من كتب الرحلات العربية إلى العا ل 
هو الكشف عن طبيعة الوعي بالآحر الذي تشكّل عن طريق الررحلة) 
والأفكار الي تسرّبت عبر سطور الرّحالة» والانتباهات الي ميرت نظرتم 
إلى الدول والناس والأفكار. فأدب الرحلة» على هذا الصعيدى يشكل 
ثروة ة معرفيّة كبيرق ومخزناً للقصص والظواهر والأفكار» فضلاً عن كونه 


مادة سرديّة مشوّقة تحتوي على الطريف والغريب والّدحش ما التقعاته 
عيون تتجوّل وأنفس تنفعل عا ترى» ووعي يلم بالأشياء ويحللها ويراقب 
الظواهرٌ ويتفكّرٌ يما. 

أخيرا لابد من الإشارة إلى أن هذه السلسة الي قد تبلغ المائة 
كتاب من شأنما أن َوْ سس ) وللمرة الأولى» لمكتبة عربية مستقلة مؤلفة 
من نصوص ثريّة تكشف عن هة العربي في ارتیاد الآفاق» واستعداده 
للمغامرة من باب ثيل المعرفة مقرونة بالتعق وهي إلى هذا وذاك تغطي 
المعمور ي أربع حهات الأرض وق قاراته الخمس» > وبجمع إلى نشدان 
معرفة الآحر وعالمه» البحث عن مكونات الذات الحضارية للعرب 
والمسلمين من حلال تلك الرحلات الي قام كما الأدياء والمفكرون 
والمتصوفة والحجاج والعلماء» وغيرهم من الرّحالة العرب في أرحاء 
ديارهم العربية والإسلامية. 


محمد أحمد السويدي 


شكلت الرحلة بالنسبة لمسلمى الغرب الإسلامى» منذ فجر الدعوة الإسلامية 
وإشراق خمسها على ربوع هذا الحانب من العالم العربي الإسلامي» هاحساً دائم 
الحضور ومطلباً قوي الإالحاح» ورغبة دفينة في النفوس سرعان ما تعبر عن ذاتها 
وتتفتق مستندة إلى الواحب الديئ متلا في الركن الخامس من أركان الدين 
الإسلامي» ومتكثة على تقاليد راسخة في شد الرسحال نمو الآفاق يمنا عا تحود به 
من زاد دين أو دنيوي. 

كما أن العامل الخغراق الذي حعل الغرب الإسلامي في أقصى نقطة مسن 
حارطة العام العربي الإسلامي» حى سمي في بعض الحوارات الطريفة بذيل 
الطاووسا"» كان دافعاً قوياً لأهله اللتواصل مع عواصم الثقافة العربية في المشرق» 
وف مقدمتها المدينة الَتورة ابي شكّلت مكانا أثيراً للمجاورة والتزام حلقات 
العلماء ومحالس الفقهاء و نوادي الأدباء. 

بل إن الرحلة بأنواعها الدينية والعلمية والسياحية والاضطرارية» ملت طريقا 

للمجد وشكّلت سبيلاً للشهرة ة والتألق في مجتمع ظلّت أنظاره وقلوه وأفئدئه 
مرتبطة بالمشرق كرمز للصفاء والطهارة والنقاءء وكعلامة للجذور والأصول» 
وكمنبع للشريعة والحقيقة. 


)1( أورد المقري حكاية لطيفة مفادها أن هارون الرشيد قد وفد بين يديه بعض أهل المغرب» فقال الرشيد: 
" يقال إن الدذيا بمثابة طائر ذنبه المغرب. فقال الرجل: "صذقوا يا أمير المؤمئين وإنه طاووس» فضحك 
أمير المؤمنين الرشيد وتعَجّب من سرعة جواب الرجل وانتصاره لقطره". (نفح الطيب من غصن الأئداس 
الرطيب» الشيخ 243/1). 


-11 - 


وقي هذا الصدد فقد ذكرت المصادر بكثير من الإسهاب والتفصيل مدى 
الحفاوة الي كان يستقبل ها العائدون من رحلاتهم والقافلون إلى أوطافم بعد 
طول النأي والبعاد» بل لقد تول مؤلاء العائدون في كثير من الأحيان إلى مصدر 
للعلم بأحذ عنهم الآخذون» وَنُشَدٌ إليهم الرحال للسماع عنهم واستجازقم؛ أو 
للتبرّك يهم والتماس الدعاء منهم وتتش عبير الأرض المقدسة في ثياهم وحمولامم. 

ولا غرابة أمام هذه الالة الى أعطيت للرحلة في الغرب الإسلامي أن تشرع 
الرحلات أبواب الشهرة والمحد ف وجه الرحّالة الذين كان منهم العلماء والمتصوفة 
والزّمّاد والعبّاد والأدباء والشعراء والأطباء والفلاسفة والسفراء والأمراء والمغامرون 
وغيرهم. 

ولا كان حانب كبير من الرحالين المغارية نحو آفاق المشرق من الفقهاء 
والعلماء والقضاة والأدباء أي أنهم موا التخبة الْتقَفة في عصره» فقد كان 
حرصهم شديداً على تدوين وتوثيق دقائق رحلاتهم إلى المشرق وبجحرياتهاء وتسجيل 
يومياقم وملاحظاقم الي لا تخلو في الغالب من إشارات دالة ببلاغة على حوانب 
من الحياة السياسية والثقافية والاحتماعية للبلد موضوع الزيارة ولِمّا حَففٌ بالطرق 
المؤدية إليه من بلاد وعباد. 


وأمام كل هذه الدوافع» فان المكتبة المغربية تزحر بعدد هائل من الرحللات» 
سواء منها الحجية أو غيرهاء وسواء منها المطبوعة والمشهورة بين الناس» أو تلك 
الى لا زالت مخطوطة و حبيسة حدران المكتبات العامة والخناصة» ومن هذه 
الرحلات نذكر رحلة أي سالم العَيّاشي المغربي الى تتميز بالمسار الجغراقي اهام 
الذي مسحت فقد انطلقت هذه الرحلة سنة (1072 ه/ 1م)) من سجلماسة 
بأرض المغرب لتصل إلى القاهرة» مروراً بكل من الحزائر وتونس طرابلس» قبل أن 
تأحذ وحهتها المحَدَّدةَ وهدفها المقدس؛ مكة المكرمة والمدينة المنورة» موئل الشريعة 
والحقيقة» ومهوى قلوب المسلمين وأفقدقم» وموطن الرحال والأفكار» ورمز 
الخلاص الدين والدنيوي. 

ر سام العياشي في حضم هذا السار الباذخ | يكتف عا اكتفى به 
ا بالأفكار» والتمسح بالمقامات والمزارات» فل ضمن ما حل به 


- 12 - 


مدن وقرى» بكل من غَرَّة والرملة وبيت المقدس والخليل» والتقى خلال هذا المسار 
الجغرائي الغن بكثير من الرحال» ووقف على عدد من الكتب والأفكار» وحَأيِه 
عدداً من التيارات العقائدية والصوفية. 
على أن عُمدة هذا العمل الرحلي الموسوعي يبقى بلا منازع المدينة المسورة 
الب لازمها أبو سام العياشي لمدة سبعة أشهر درس لاا فنونا من العلم وألوانا 
من المعرفة» وحالس أثناءها عدداً من الرحال» واحتك يجملة من الأفكار 
والمعتقدات» وأحاز واستجازء وتَلّقى وأحَذ وأفاد واستفاد» وقيّد وألّف. 


رحلة أبي سالم العياشي ديوان علم وأدب: 


ميرت الرحلة العياشية انسجاماً مع شخصية مؤلفها واتساقاً مع حصائص 
عصرهاء بنشاط علمي مر فكانت» كما وصفها صاحبها ديوان علم لا كتاب 
مر وفكاهة» أي أن عجلتها قد دارت باتحاه الديئ ف تساوق تام مع العلمي» ولا 
غرابة أن يتلازم الهدفان عند أي سام العيّاشي الفقيه العا م» والمؤمن الورع الذ 
برجي الخلاص ويقصد منابعه» يقول العياشي مؤكدا: "وقصدي إن شاء الله من 
كتابة هذه الرحلة أن تكون ديوان علم لا كتاب “مر وفكاهة» وإن وحد الأمران 
فيها معا فذلك أدعى لنشاط الناظر فيهاء سيما إن كان صاحب تلوين» وأما 
صاحب التمكين فلكل شيء عنده موقع ونفع لا يوحد ف غيره» والله المسؤول أن 
يلهمنا رشدنا ويخلص لوحهه فيما نأي ونذر قصدناء فهو حسبنا ونعم الوكيل» 
وبالإحابة لدعاء سائله كفيل"11. 
وبالفعل» فإن الرحلة العياشية تعتبر ديوان علم وأدب» وسجل تاريخ 
وتصوف» وكتاب أخبار وآئار» ويكفى أا قد انفردت» دون سواها من الكتب 
والرحلات وأمهات المصادرء بإيراد جملة من النصوص والرسائل والإحازات 
والنقول وخطب الكتب الي لا نكاد نقف ها على أثر في غيرها من المظان» كما 
أنها تترحم لعدد من الأعلام الذين لا نكاد نحس منهم من أحد أو نسمع لهم ركزا 
ف غير هذه الرحلة الي تحتاج لوحدها إلى حلقة من حلقات الدرس والبحث 
لكشف النقاب عن عدد من المواقف والرحال» والطرق والزواياء والكتب 


(1) الرحلة العياشية: 195:1. 


-13- 


والأشعار» والخزائن والمكتبات» والوقائع والأحداث» والمعارك والجولات» والبيوع 
والمعاملات» والإحازات والتوقيعات الي لا شك أن الوقوف عندها سيعطى فكرة 
عامة وشاملة وموضوعية عن حصائص القرن الحادي عشر الثقافية والاحتماعية 
والاقتصادية والسياسية. 


الرحلة العياشية » أفكار ومعتقدات: 


ولأا تمت في سياق تاريخي مُحَدذَّ3 ونظراً لخصوصية الحتمع العربي 
الإسلامى» الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية» خلال القرن الحادي عشر 
للهجرة» فقد عَمّد أبو سام العياشي بحرص الفقيه العا أ» وبخصوصية عين الرحالة 
اليقظة» إلى تسجيل وتدوين كل ما صادفه في طريقه أثناء رحلته الموسوعية من 
أفكار ومعتقدات» وأعراف وعادات» وطقوس وممارسات» تداخل في تكوينها 
الخرائي بالديي» وشارك ف نشأتها الاحتماعي والاقتصادي» وتعاون على تشكيلها 
اليومي والمعيش جنباً إلى حنب مع الثقاقي والمكتسب. 

وإذا كانت عين الرحالة يقظة وهي تُسّجّل كل هذه الطقوس والعادات 
وترصد تلك الأعراف والمعتقدات» فإن هذه العين لم تكن عن كل عيب كليلة» إذ 
حرص أبو سالم العياشي» الفقيه العا م» على رد كثير من المعتقدات الخاطفة 
وتسفيه عدد من الأفكار الباطلة» وض حملة من المزاعم الضالة» وصّدّ الأفكار 
الجانحة نحو أطراف الغلو والشذوف سواء ما تَعَلْقَ منها بالدي أو الاحتمساعي أو 
الاقتصادي» ولعل هذا ما يعطي لرحلة العياشي خصوصية ويُكسبها نوعاً من 
التميز» باعتبارها رحلة موسوعية يجد كل باحث فيها ضالته ويستقي منها بسخاء 
مادته. 


أفكار ومعتقدات دينية : 
كان لمسار الرحلة العياشية نحو الديار المقدسة دور هام قي تحديد ورسم 
طبيعة الأفكار الي وقف عندها أبو سالم العياشي في طريقه نحو المشرق» وتوحيه 


عين الرحالة إلى التركيز على أفكار ومعتقدات تتناغم وشخصية الرحالة ذاتف 


- 14 


باعتباره فقيهاً ورِعاً وعالماً مشا ركأ» فقد حّرص العياشي على تدوين كل ما 
صادفه ف طريقه من ضلالات وبدع وممارسات لا تمت إلى الدين الإسلامي 
الحنيف بصلة» فكان أهم ما لفت نظره "هو الْبدّع الي ترت كيان الجتمع 
الإإسلامي» شرقا وغرباء فعبر عن رأيه فيها بصراحة وانتقد بكل حرأة العلماء 
والفقهاء على سكوقم على تفشّي الضلالات» وهو في رحاته كلما سحت له 
الفرصة يقدم لنا نماذج من هذه البدّع والضلالات ويُبدي فيها رأيه ولو كان الأمر 
يتعلق بذوي السلطة والحاه"(2. 


ومن الانحرافات الي سّجلها العيّاشي في رحلته ما شاع في ركب أهل تونس 
من غلو وبدع وتضيبع للأموال ومباهاة ثل مقام أبعد ما يكون عن زُخرف الحياة 
الدنيا و عوارضها الفانية» يقول: "ومانت في الركب تلك الليلة امرأة موسرة من 
أهل تونس» وكانت ها مَحَفة رفيعة تحمل فيهاء فلَمّا ماتت أوسعوا ف حفر قبرها 
ودفنوها عحفتهاء وذلك غلو وبدعة وتضييع مال فإن الحفة ها مال وقيمة. وحضر 
أمير ركب تونس وكبراؤهم؛ ولم ینکر ذلك أحد منهم"©. 

ولا كانت هذه البدع والضلالات والطقوس والممارسات الضالة ليست 
على مجتمع معيّن عحصورة أو على بيئة مُحَدّدة عقصورة فإن أبا سالم العياشي لم 
يقدم جهة ما من حهات العام العربي الإسلامي الي ثملتها رحلته باعتبارها مركزا 
صحيحاً ومثالاً صافياً للعلم والعمل» أي أنه لم يتحيز لنطلقه» ولم يؤخذ بموئله 
وهو يسجل ما حَل بعقيدة المسلمين وعملهم من خلل وزلل خلال القرن الحادي 
عشر للهجرة بل إنه بدا محلا عوضوعية كبيرة لا شك أن وراءهاء وكما قَدمناء 
شخصية الرحالة العا م الى لا تبغي غير عين الحقيقة» على الأقل كما كانت تراها 
و تعتقدها. ففي الحرمين الشريفين» والعياشي يؤدي مناسك الحج فإنه قد أثار 
الانتباه إلى ما اعتور سلوك الناس وممارساهم ومعتقداقم الي لا تمت إلى حوهر 
الحقيقة بصلة) وأعطى الأمثلة على هذه الضلالات» عامداً إلى تفنيدها بالبرهان 
والدليل» حرصاً منه على أداء دوره الديئ» وتتريهاً منه لهذا المقام المقدس من حهل 
الجاهلين وسفاهة السفهاء وما سجله العياشي في رحلته مذا الخصوص نذكر 
قوله: "ثم ارتحلنا من ينبوع» وسرنا يومنا ف رمال ليست بالقوية» وأشجار قليلة 


(1) إتحاف الأخلاء» ص: 19. 
(2) الرحلة العياشية 149:1. 


-15- 


إلى أن نزلنا عوضع يُسَّمَّى السقائف» ويقال له دار الوقدة» يقدون فيها الشمع 
الكبير» يستصحبه الناس معهم من مصر لذلك ويبيعونه في ال ركب» ويجعلونه على 
أقتاب الحمال بالليل» فترى الركب كله كأنّه من أعظم المسساحد المسترجة 
مصابيحها في أحد المواسم» وشاع عندهم أن الصحابة في غزوة بدر أوقدوا هنا 
نيراناً كثيرة فنحن نتشبّه ؛هم. وتلك غفلة منهم وخطأ من وجهين: أحدها أن 
وقوع الأمر بإيقاد النيران إنما كان في غزوة الفتح عر الظهران كما هو معروف في 
كتب السير» وأما بدر فلم يقتل فيها أحد ذلك. وثانيها: لو سلم أن ذلك وقع 
فيها فقد كان لإرهاب العدو وإظهار قوة المسلمين وكثرة عددهم» فحيث لا عدو 
فلا معين له. ولا شلك أن الفرح بنصر الله أولياءه على أعدائه والاستبشار 
بالأماكن الي أعرٌ الله فيها الإسلام أمر مطلوب مستحسن» ما لم يؤد ذلك إلى 
محظور» مثل اعتقاد أن الوقود سنّة متبعة» بل رعا ظَنّ بعضهم أنما من أفعال الح 
فلتعظم بغير ذلك من فرح وسرور وصلقة وعبادة وإعلان بشكر. وقد حاءن 
كثير ممن لا مع عنده يستفتون ويقولون: لا همع عندنا فهل يلزمنا شراؤه تمن هو 
عنده؟ ظائين أن ذلك من مناسك حجهم وشعائره» وكم مثلها من بدعة مُحدثة 
يرى الناس أا من أعظم القربات؛ نسأل الله أن كيتنا على سنة النبي المستقيمة"(0. 


على أن البدع والضلالات الي سَّجّلها العياشي م تقتصر على الطرقات» 
ولكنها تطاولت على المساحد وانتهكت حرمتها وقدسيتهاء كما أنما لم تقتصر 
على العامة ولكنها امتدت لتشمل الخاصة من العلماء والفقهاء» ويُسَّجّل العياشي 
في هذا الإطار اتخاذ المساحد بالمدينة لعقد الإملاكات» مع ما يصاحب ذلك في 
كل زمان ومكان من تصنّع ومباهاة أبعد ما تكون عن وظيفة المساحد الروحية 
ومهمتها القدسية» يقول العياشي مستنكرا: "ومن عاداتمم في الإملاكات أن يكون 
عقد النكاح بالمسجدء ولقد حضرت إملاك هندي قم من مكة مع الشيخ عيسى 
فق الرحبية» وكان بينه وبين الشيخ صحبة» فأراد العقد لولده على ابنة رجحل آخحر 
من كبار جحار اند فلما كان وقت العقد ذهب بي الشيخ معه وكرهت حلاف 
أمره وما كنت أحب حضور محافل أهل الدنيا المشوبة بأنواع من التصنيع 
والمباهاق حصوصاً في ذلك امحل الذي حق الإنسان فيه أن بخضع ويخشع» ويضع 
نفسه با محل الذي وضعها الله فيه من الذل والاحتقار» فجلس فجلس الشيخ مُستداً ظهره 


(1) الرحلة العياشية 162:1. 


- 16 - 


للمنبر النبوي وحلست بإزائه» وحلس أرباب المراتب من العلماء والخطياء وأكابر 
الناس صفين من المنبر إلى الحجرة ة الشريفة» صف مسقل القبلة وصف مُسندٌ 
ظهره إلى حدار القبلة» وحلس عن يسار الشيخ كبير الخخطياء بالمدينة الخطيب أحمد 
البري» وبإزائه المتعاقدان والابن وأبو البنت» فشرع في الخطية وأطال وأحاد ف 
الثناء عليهما إلى أن ذكر العقد وأشار إلى المتعاقدين» ورضيا بذلك» كل ذلك 
بلسان ذلق وصوت حهوري» وذلك الذي أنكرته مع المبالغة في الثناء على 
المتعاقدين عا أكثره زور وباطل بحضرة أشرف الخلق ويي روضة الحنة» فصغرت 
نفسي عندي» وتضاءلت» وودت أن لم أحضر ذلك المجلس» ولو كنت أعلم أن 
صورة ا مجلس على هذا الوحه ما سحضرته". 

على أن هذه البدع والضلالات كانت تأخذ بعدا أفظع لدى العامة 
وتكتسي طابعا أكثر غواية وضلالة حين تقترن بفئة حاهلة لا تحمل من الإسلام إلا 
الاسم ولا تميز صالح الأمور من فاسدها لغلبة الجهل عليهاء وقد أورد العياشي في 
هذا الصدد بعض الوقائع والأحداث الى لولا معرفتنا الحقة بشخص ناقلها 
لاعتبرناها من قبيل الغرائبي والعجائبي» ومن ذلك ما رواه العياشي قائلاً: "حكى 
لي بعض المحاورين أنه وحد في بعض المواسم رحل مع امرأة في الحرم الشريف» 

فحملا إلى الحاكم» فشهدت البيّنة أا زوحته» وقيل له: ما حملك على ما فعلت؟ 


فقال إنه لا ولد لناء فر حوت أن تحمل المرأة ببركة هذا الحرم» فعذر بجهلےه وم 
يعاقب"©, 


ويبدو العياشي وهو يرصد مظاهر الخلل في عبادات ومعاملات الناس» 
وخحاصة العامة منهم» بالحرمين الشريفين حريصاً على تقلع الأسباب الموضوعية 
لذلك» وهو كثيراً ما يربط , بين العوامل الاحتماعية والاقتصادية في توحيه سلوك 
الناس وتأطير عاداقم ومعتقداقم» ثم إنه يحمل على البعد عن مراكز الحضارة 
والانعزال عن الناس» إذ يرى قي هذا العامل سببا لاستشراء الجهل والضلالة لغياب 
عنصر الاحتكاك والتأثير والتأثر» ويكذا فإن العياشي لا يكتفي بدور ناقل الأحداث 
والوقائع ولكنه يتحول إلى قارئ لخلفيات الأمور ومُحَلّل طاء يقول العياشي 
مستعرضاً بعض ما شاع من جهل ف صفوف الأعراب من أهل الحجاز: 


(1) الرحلة العياشية 287:1. 
(2) نفسه 247:1. 


-17- 


"وبالحملة فعرب الدرب والحجاز وتمامة وبحد أحهل العرب وأكثرهم حفاى قَلَمَا 
تحد أحدهم يُحسن شيئا من رسوم الشريعة الظاهرة وصلاة وصيام إلا القايلء» 
وعوام الأعراب والبربر عغربنا بالنسبة إلى هؤلاء فقهاء فلا تحد عاميًّا بالمغرب» 
وإن بلغ الغاية قي الحفاء إلا وهو يعلم أن الصلاة ذات ركوع وسجود» وإن كان 
لا بحسن أن يقرأ فيهاء ويعلم وحوب صوم رمضان؛ بل هو أشدٌ عندهم من 
الصلاق بخلاف هؤلاء فقد أخبرن مُخبر عن عرب الدرب أنه سأل بعضهم هل 
صام أم لا؟ وهو رحل كبير كهل» فقال: إن إلى الآن لم أصم» لكن أبي صام ثلاثة 
أيام» فاستفهمه عن ذلك فقال: إن الرحل عندنا إذا قارب أوان الطرم والشيخوخة 
صام ثلاثة أيام فیقولون فلان صام وذلك علامة بلوغه حد الكبر» وأما قبل ذلك 
فلا يعرف صياما ولا غيره» وهم حديرون بذلك لبعدهم من الأمصارء وقلة القرى 
ي بلادهمء فلا يجدون أحدا يعلمهم الخير ولا ير شدهم إليه» وعلى تقدير دخوطم 
الأمصار في بعض الأحيان فلا يلقي إليهم أحد بالاء ولو رآهم أكبر فقهاء الأمصار 
سآن الصلاة التقدمة من تتابع السجدات لا يزيد على أن يضيداك مه أو 
يتغافل ويذهب عنهم» فم يعرف هؤلاء صلاة أو صياما أو حَذَا من حدود 
الشريعة؟ ولقد رأيت رحلا بالينبع ظهر الشيب ف مفرقه» وسألته عن مكة فقال 
لي: ما حججت قط وبينه وبين مكّة غانية مراحل» وسألته عن المدينة فقال لي: 
دخلتها مرتين أو ثلاث وبينه وبينها ثلاثة مراحلء وأمثال هؤلاء کنيرون"'. 


الملمح الاجتماعي 2 مسار الرحلة العياشية: 


كان للاجتماعى نصيب وافر من مدونة العياشى الرحلية» ولا عجب أن 

يحظى الملمح الاحتماعي عكانة حاصة ف الرحلة العياشية ال حرص صاحبها على 
الاحتلاطل بالناس والدحول إلى الأسواق» والاعتكاف ف المساحد» وزيارة المقابر» 
والوقوف على المكتبات» والمشاركة ف المناسبات» والمساهمة في حَلقات الدرس. 
ولا شك أن هذه المشاركات الاحتماعية الواسعة قد كانت مؤطرة بشخص 
العياشي الفقيه الذي كان لا يُخْيِضُ حفناً عن منكر» ولا يغض طرفاً عن بدعة 
ولا يتجاوز ضلالة إلا ودَوَكما في رحلته وسّجّل ملاحظاته بخصوصهاء وقد كان 


(1) الرحلة العياشية 300:1. 


- 18 - 


العياشي أثناء هذا التدوين والتسجيل حريصاً على قياس الشاهد على الغائب لرد 
الأمور إلى نصابماء على الأقل نظرياء مع تقدع الدليل من الكتاب والسنة 
والاعتماد على التاريخ» والمقارنة بين الأحداث والوقائع» مع الميل إلى التفسير 
والتعليل واستحضار العامل الاقنصادي في بروز ظاهرة اجتماعية معيئة أو تتشي 
سلوك معيّن. 

وقد سّجل العياشي بذكاء السبب الكامن وراء انتشار لن في بيوت أهل 
الحجاز فمّد عزا العياشي هذا الأمر إلى أسباب اقتصادية ضاغطةت يقول: "أخبرن 
شيخخنا الملا إبراهيم بن حسن الكوران أن شيخنا الإمام صفي الدين القشاشي 
كان يقول: ما أنعم الله به على أهل الحجاز هذا البن لأهم ضعفاء فقراء في 
الغالب» والناس يقدمون عليهم من الآفاق» والإنسان لا بد له من طعام يُقَدّمهِ لمن 
دحل عليه ولا قدرة هم على تكلف ذلك لكل أحد يدخل عليه وهذه القهوة 
حفيفة المؤنة» والناس راضون ياء غنيهم وفقيرهم» ورئيسهم ومرؤوسهم» فكانت 
صيانة لوحوه الفقراء عند ورود أحد عليه > فلا يبعد أن تكون مستحبة عند أهل 
الحجاز لأن اتخاذ الإنسان ما يصون به عرضه مطلوب شرعا"01. 

على أن العامل الاقتصادي لم يكن | الْمحَدّد الوحيد للعادات الغذائية في 
الحجان فقد كان المناخ أيضاً عاملا مهمأ في تحديد غط الغذاء السائد ‏ هذا 
الركن من العام العربي الإسلامي خلال القرن الحادي عشرء يقول العياشي: 
"ولأهل المدينة ولوع وغرام شديد بأكل اللحم زاعمين أنهم يستضرون بتركه 
لحرارة أبدائهم ويبسهاء فيحصل هم الترطيب به فإذا أكلوا غيره حصل طم يبس 
في الطبيعة» حي إن من نسائهم من لا يطبخ غداء ولا عشاء إلا أن يكون لحماء 
ويقلن: نحن لا نعرف الطبخ بلا الحم ولو أدّى ذلك إلى بقائهم بلا عشاء ولا 
غذاء. وقد أحبرن بعض أصحابنا أن من أهل المدينة من يشتري العبد فلا يكون له 
شغل إلا شراء اللحم» فيدور عليه في المدينة وأسواقها وقي العوالي وقباءء في زمن 
قلتى فلا یرحع إلى سيده حى يحصلف أو يدور المدينة ونواحيها كلهاء فإذا حصله 
كان ذلك شغله في ذلك اليوم» ولا يستعمله في غيره» لأنه إنها كه بقصد 
ذلك"©, 


(1) الرحلة العياشية 122:1. 
(2) نفسه 293:2. 


-19 - 


وإذا كان العياشي قد بدا معجباً عبر دروب هذا النص الرحلي المتميز بأهل 
المدينة المنورة مبجلا هي » فإن هذا الإعجاب والتبجيل لم كنع صاحبنا أحيانا من 
توحيه دفة ملاحظاته وتسجيلاته نحو مرفاً الانتقادء خاصة حينما يتلق الأمر 
ببعض ما كان يشذ يي نظره عن السليم والسوي من السلوك والعادات. وف هذا 
الصدد فقد نالت العامة دون الخاصة أكبر نصيب من هذه اللاحظطات 
والانتقادات» وإن كانت في بحملها ذات طابع سلوكي مقارن عا له العياشي 
وراءه ي قريته المغربية. 

ووسط العامة تبرز المرأة المدينية قي رحلة العيّاشي ذات نزعات خاصة تكمن 
بالأساس في رغبتها اة في اميل نحو مظاهر البذخ والترف» يقول العياشي 
مسسجلا: "ولد حبرت أن للنساء عليهم عادة يسموما الشخحشخة» وهو ما 
تشتري به المرأة ما تشتهيه من الأزهار» فرعا بلغ ذلك ريالاً في كل يوم"07. 

على أن العياشي لا يقف عند هذا الحد في انتقاده لسلوك المرأة في المدينة 
المنوّرة خلال القرن الحادي عشر للهجرة» ولكنه يُسَجَل أن للنساء "على الرحال 
في ذلك الوقت إتاوة يؤدوثما هن يبتعن يما ما أحبين من اللائق يمن» من طيب أو 
شبهه» ورعا لا تقنع إحداهن من زوجها إلا بالخمسين دينارا فما فوقهاء فقد 
حكي أن امرأة بعض المدرسين يما أعرفه طلبت منه في ذلك اليوم ما تخرج به إلى 
السوق على العادة) فدفع ها عشرة دنائير ذهباء فاستقلتها وذهبت من شدة الغيظ 
فرمت يما في المرحاض وأتلفتها عليه وقالت له: أمثلي يخرج إلى السوق هذا 
المقدار» فلم علك من أمره إلى أن ذهب وتسلف حمسين ديناراً فدفعها طاء وهذه 

حسرة عظيمة وذل للرحال"80. 

ومن الآفات الاحتماعية الخطيرة الي سَّجَلها العياشي نذكر آفة الرشوة الي 
وحدت في الواقع السياسي والاقتصادي والاحتماعي الذي ساد خلال القرن 
الحادي عشر تربة خصبة ويحالا ملائماً للانتشار حي إنما أصابت كل المجالات 
ومست مختلف الهن» عا فيها المهن الشرعية؛ كالإمامة والخطابة والقضا يقول 
العياشى: "والحاصل ان المناصب الشرعية كلها ف البلاد المشرقية حجازا ومصراً 
وشام من إمامة وخحطابة وأذان وإقامة وقضاء وفتوى وشهادة» بل ووقيد المساحد 


(1) نفسه 294:1. 
(2) نفسه 247:1. 


- 20 - 


غا نال بالشراء من الولاة» فإذا مات صاحب خخطة أو عُزل دفع الراغب فيها مالا 
للولاة فيولونه مكانه» على أي حال كان من صلاحيته لذلك أم لاء فعظم المخطب 
على المسلمين والإسلام في ذلك خصوصا منصب القضاء فما رأينا ولا معنا في 
البلاد لمشرقية كلها بقاض يقارب الحكم عا يشبه أن يكون شرعاء وإفا مدار 
أمرهم على الرشا حهاراء فينقض الحكم الواحد في اليوم الواحد مراراً متعّدّدة 
بحسب كثرة الرشا وقلتها"07. 

والواقع» فإن المتصفح لرحلة أبي سالم العياشي يحد أمامه دراسة احتماعية 
متميزة» بحيث لا ينتهي من قراءة هذا النص الرحلي الضخم إلا وقد أحذ فكرة 
عامة وشاملة على مختلف نواحي الحياة الاحتماعية في أهم مدن وحواضر العام 
العربي الإسلامي خلال القرن الحادي عشر للهجرة. 


جوانب من الحياة الاقتصادية بعين العيّاشي الرحالة: 


حرص أبو سا لم العياشي خلال رحلته الشهيرة إلى الديار المقدّسة بحس الفقيه 
العا نم على تتبع مختلف نواحي الاختلال في جحريات الحياة الاقتصادية كما لمسها يي 
مختلف المعاملات التجارية» سواء بأسواق الغرب الإسلامى أو بأسواق المشرق ال 
برها عن قرب ولس خحصائصها عن طريق المعاينة والمعاملة» ومن هذه المعاملات 
وتلك المعاينات نذكر مسألة الموازين والمكاييل وقيمة العملات وشرعيتهاء 
والعياشي بل هذا الحانب يتحول إلى صاحب حسبة يحرص على قيمة العملات 
حفاظا على الاقتصاد من الاميار والتداعي» كما يحرص على سلامة الموازين 
والمكاييل تأميناً لمصالح المشتري وحفظا طا. 

كما أشار العياشي إلى احتكار السماسرة لعمليات البيع والشراء في أسواق 
الحجاز وانتشار عمليات السمسرة سواء بأسواق المغرب أو المشرق» إلا أنه يقدم 
سببا طريفا لانتشار هذه الظاهرة وشيوعهاء ويتمتل هذا السبب في التشابه 
والتشاكل بين السماسرة من حيث المظهر والطباع» وبين حالبي السلع والموؤد من 
الأعراب إلى أسواق الحجازء يقول العياشي: "ومن عادقم في الشراء من الأعراب 
الذي يجلبون اللبن والحبن والسمن والغنم أن يشتري منهم قوم من الأعراب 
(1) الرحلة العياشية 282:1. 


-21 - 


الساكنون بالمدينة وأطرافهاء وهم اسم يختصون به كالبرغازين عندنا بالمغرب» 
فيد حلونه الأسواق ويشتري منهم أهل المدينة» وهذا من : تلقي السلع المنهي عنه. 
ولكنهم قد ألفوا ذلك واستمّرت عليه عادقم» وألف ذلك القادمون أيضاء و لو 
أن أحداً من أهل المدينة أراد أن يشتري منهم لم یعوه إلا بأضعاف ما يشتري به 
البرغازون» فإذا حاء البرغازون أحذوه منهم بأقل من ذلك وي ركنون إليهم 
وكيلون إلى قوم ويعرفون كيفية الساومة ر معهم» فلا يعتاصون عليهم قرب 
الشكل من الشكل وغيرهم ليس بتلك المثابة» فلا يكاد أحد يشتري منهم لحفائهم 
وغلظ طباعهم» فاستسهل الشراء من البرغازين بربح قليل زيادة على ما اشتروا به 
من الأعراب". 

ولقد تتبّع العياشي بدقة بالغة أسعار السلع وقيمتهاء وأشار إلى أسباب 
ارتفاعها أو تدنيهاء والح ب بين اللحين والآخر إلى الأسباب المحددة للأسعار» كما أنه 
قدم حلا هذا عرض مفصلاً لمختلف معروضات الأسواق من أثواب 
ومفروشات» وخخضر وحبوب» ومياه ومأكولات» وكتب وجوار» وكائم وعلف» 
وغيرها نما بباع ويُشترى» يقول: "وقد كانت الأسعار أيام بجيئنا المدينة شديدة» 
فكان القمح ثلاثة آصع بريال» والصاع عندهم يقرب من ثلاثة آصع بصاع 
الزعوة» وأما التمر فنحو أربعة آصع بالريال» والشعير ليس بينه وبين القمح إلا 
يسير تفاوت» خلاف المعهود في غالب البلاد» والعسل اشتريت رطلا منه للدواء 
بقريب من ثلث الريال» والسمن دون ذلكء وأما الفواكه فكانت ف أيامها ووسط 
إِبَاكُا العنب بثلاثة مائدية للرطل» وقد رأيت رمانة في آحر الإبان بيعت بخمس 
مائدية. وفواكه المدينة مع غلائها في غاية الجودة حصوصا عنبها ورطبها". 

ولا شك أن الاهتمام بمذه الخزئيات» والخرص على إيراد هذه الدقائق 
ينسجم والطبيعة الموسوعية للرحلة العياشية الي اهتمت بكل الخنيات الاحتماعية 
والاقتصادية والثقافية للمسار الذي سلكته كما أن هذا كله يكشف عن شخص 
الرحالة الذي بدا خبيراً يحرباً للأسفار والأخطار» فهو غير مأحوذ عا تقدمه الطريق 
كل يوم من حديد» كما أنه غير مشدود لذاته منعزل عن محيطه. 


(1) الرحلة العياشية 291:1. 


- 22 - 


المجال الصو ك الرحلة العياشية: 


كان لمسار امجتمع العربي الإسلامي نحو الانحدار خلال القرن الحادي عشر 
للهجرة» لأسباب اقتصادية واحتماعية وسياسية وحضارية» دور كبير في انتشار 
الطرق والزوايا عختلف ألوائها الشعبية والعالمة» والسنية والشيعية» والحضرية 
والبدوية» والمشهورة والمغمورة. وإذا استحضرنا انتماء أبي سال العياشي إلى 
مدرسية صوفية معينة» وانحداره من مؤسسة الزواياء أدركنا سر اهتمامه الكبير 
بالوقوف عند مختلف الطرق الصوفية المنتشرة في أرحاء خارطة العالم العربي 
الإسلامي الي مسحها خلال رحلتهء أو تلك الي التقى أتباعها وأنصارها وحاور 
المنتسبين إليها. 

ولقد عَرّف أبو سالم العياشي بتعاليم بعض هذه الطرق وقَدَم أدبياقاء 
وسّجل بعض امحاورات الى دارت بينه وبين أصحاما وأتباعهاء وأبدى إعجايف 
بل وافتتانه» ببعضهاء كما أنه لم يحض تحفظه من ب بعض الطرق المغالية» وقد صرح 
العياشي أن سر اهتمامه بتعريف الطرق والمدارس الصوفية لقراء رحلته إغما هو 
بسبب غرابة تلك الطرق ببلده ا مغرب الذي لم تشتهر به غير طرق معينة) يقول: 
"وإغا ذكرت من ذلك شيئاً قليلاً ئلا تسرف نفس الناظر في هذا الكتاب إلى من 
تنسب إليه هذه الطرق لغرابة أكثرها بقطرنا ما عدا الشاذلية وشُعَبهاء والله تبارك 
وتعالى ينفعنا عحبتهم ویر هنا بالتطفل عليهم عجرد الانتساب العاري عن 
الاكتساب» فهو المتفضل على الإطلاق» بجاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسل ". 

ومن هذه الطرق الى غرف كا العياشى نذكر الطريقة النقشبندية ال 
وحَدَها كبيرة الاقتراب من مذهب السنة والجماعة» شديدة الشبه بالطريقة 
الشاذلية» يقول: "ولَمًا كانت طريق ساداتنا النقشبندية مع نفاستها وظهور 
محاسنها ولطيف أسلوها وحريائما مع الكتاب والسنة قلما يُوحد في أرض المخرب» 
بل لا يعرفها أهله حى بالاسم لبعد مشايخهاء فلم تصل تآليفهم إليه ولا دحل هذه 
البلاد أحد من أهلها فيما نعل مع اكتفاء أهل المغرب منها ومن غيرها من الطرق 
بالطريق الي بان رشدها واتضح أمرها وأمنت غائلتهاء واستقامت أصوطاء وحرت 


(1) الرحلة العياشية 193:2. 


- 23 - 


مع ظواهر الكتاب والسنة فصوطاء طريق القطب الجامع» ومس امحافل وامجامع» 
الإمام أبي الحسن الشاذلي وأتباعه أئمة ادى والحق وأص حاب الإاحلاص 
والصدق» رضي الله تعالى عن فريقهم» وحعلنا من سالكي طريقهم» ولعمري» وما 
عمري على كين ما طريق ساداتنا النقشبندية منها ببعيد» وما أصوطا إلا كأصوطا 
عند كل موفق سعيد"(0. 

ويبدو أن سر اهتمام العياشي يذه الطريقة واهتباله بشيوخخحها وأقطايماء هو 
اقتراب أصوطا وفروعها وتعاليمها من الطريقة الشاذلية بحيث إن من "نأك 
رشحات النقشبندية وحكم الشاذلية ميحد بينهما اختلافاً إلا ف بعض 
الاصطلاحات الراحعة إلى الأعمال الظاهرة» وأما الأعمال القلبية والمنازلات 
العرفانية فلا فرق أصلاً"2. 

ولقد حرص العياشي أثناء رحلته على زيارة الأضرحة والتبرك بالمقامات» 
والوقوف عند الزوايا والرباطات» وبدا مشغولا بإيراد أخبار المتصوفة والزهاد 
والعباد» مع ذكر كراماقم و مأثوراتهم والتأكيد على مكاتتهم الروحية 
والاحتماعية. ولا غرابة في هذا فالعياشي نتاج صادق لمؤسسة الزواياء ووليد 
شرعي لبيئة أولت الكرامات أهمية بالغة في مسار ومصير البشر» وهو قبل هذا 
وذاك متصوف سين» وفقيه عا » يُقَدّر السلف الصاح حق قدره. 

ولقد بدا العياشي في دروب نصه الرحلي متصوفاً سكأ عميق الإعان» شديد 
التعلق .عحبة الرسول عليه السلا "كما أنه يقتدي بالسلف الصاح ويقدر شيوخ 
التصوف وأهله» ولكنه صاحب حس نقدي وله نظرة صريحة إلى بعض المفاهيم 
والأقوال الي يأخذ ها العامة لأا صادرة عن رحل صا أو قطب من أقطاب 
النصوف بدون تأويل» وقد لم في أكثر من مناسبة على ضرورة التأويل» وصرح 
بأن لكلام الأئمة ظاهراً واضحاء ولكن مراميه الخفية لا يناها إلا العارف المحتهد 
العامل المتخلق بأخلاق المتصوفة"۴» كما حاول العياشي البحث عن أصول سنية 
لبعض الممارسات الصوفية» فمن خلال "عرض أبي سالم لأسانيده الصوفية 


(1) نفسه 181:1. 

(2) نفسه 187:1. 

(3) ال الخلق الصوفي عند أبي سالم العياشي» نفيسة الذهبي» مجلة المناهل (وزارة الثقافة - المغرب)» ع 
8 دجنبر 49م ص: 342. 


- 24 - 


ولختلف مظاهر الاقتداء والانتساب والتبرك عند السالكين» يبدو مظلهر اللباس 
الذي يتم برواية يتعين سندهاء وقد بع عدداً مهما من أسانيد لبس الخرقة الصوفية 
في كتاباته"(00 حاولا خلال ذلك تسنين هذا الفعل ورده إلى حذور نبوية طاهرة 
وهو الفعل الذي تحوّل من الرسول عليه السلام/ الصحايء إلى الشيخ /المريده 
ولتتحول الملابس النبوية الشريفة إلى خرقة العارف» وليتحول الفعل برمته إلى نوع 
من المباركة وإيداع السر والتعبير عن الرضا والانتساب إلى الطريقة. 

لقد كان التصوف عند أبي سال العياشي محكوماً بقاعدة أخلاقية كبرى 
تستمد أسسها من الكتاب والسنة وما أثر عن السلف الصالح. » وقد كانت هذه 
القاعدة معيارً لتقييم مختلف الطرق الصوفية التي احتك بما العياشي في طريقه نحو 
محجه الروحي والعلمي» يقول ناصحا: "إياك والاهتمام بالرزق» والمخوف من 
الخلق» فإهما أصل كل وهن في الدين» وضعف ف اليقين» فل الأول يرسا 
الشك في المقدور» وفتور ف النفس» وكل زائد في المعاش» وتعب في لاشء والثاني 
يثبط عن كثير من الخبرات» ويحمل على قبيح المداهنات» ويستعجل به المرء هما لا 
ينقضي» إلى غير ذلك من المفاسد والاعتماد على الله كاف عنهما وناف عنك 
معرما» مع التبري من الحول والقوة. وكن أعمى وأصم عن الأمور المستقبلةق 
وإما لكذلك» واحعل زمامك بيد الشرع الحمدي الواضح". 

وإذا كان الشرع المحمدي الواضح البيّن هو الذي أطّْر تصوف العياشي» 
ومعه كافة أهل الغرب الإسلامي» فإن زمام الطرق الصوفية بالمشرق قد أفللت 
لدى بعضهاء فابتعدت درحات عن الشرع المحمدي» ومن ثمة فقد بدا العياشي 
حريصاً على تعضيد ودعم التصوف الستي» كما عمل بالمقابل على نقض ومدافعة 
التصوف الفلسفي الذي عَلَت بعض أصواته بالمشرق» وانتشر بعض أتباعه 
بالحجاز» وشاعت بعض مؤلفاته بين الناس» ومن هنا تبدو الرحلة العياشية عثابة 
رصد دقيق وصادق لكل ما ضجت به الحياة في العام العربي الإسلامي خلال 
القرن الحادي عشر للهجرة من تيارات فكرية وعقدية ومذاهب صوفية وفلسفية 
عملت الخحياة السياسية المضطربة على نوها وشيوعها بين الأفراد والجماعات. 


)1( اقتفاء الأثر» ص: 45 من مقدمة المحقق. 
(2) الرحلة العياشية 64:1. 


- 25 - 


رحلة أبي سام العياشي... رجال وشخصيات: 


تميز القرن الحادي عشر للهجرة» ف وحهه الثقافي والعلمي» بظهور حركة 
فكرية نشيطة خاصة في الحجاز الذي شكل نقطة استقطاب للعلماء والفقهاء 
والمتصوفة من مختلف ريوع العام العربي الإسلامي» ورغم هذا فإن الباحث في 
التاريخ الأدبي خلال القرن المذكور يحد أن صفحات مشرقة من النتاجر الأدبي قد 
تم تحاوزها ونسيائما خلال مرحلة مديدة تعَدّت هذا القرن لتشمل قروناً أحرى 
بحيث لا يكاد التاريخ الأدبي في هذه المراحل التاريخية يذكر إلا في ارتباط صر 
والشام وبعض المراكز الأخرى هنا وهناك» علماً بان هذا بجحانب تماما للحقيقة 
ومخالف للواقع الذي لا زالت المصادر الي أرّحت للمرحلة تمدّنا ببعض حقائقه الي 
تحتاج لزيد من الجهد والعمل» دراسة وإخراجحا وكشفاء لإنصاف مرحلة غنية 
بعطائها العلمي والفكري من تاريخ الأدب العربي» سيما في الحجاز الذي كان 
على الدوام منطلقاً وموئلاً للأدب والأدباى ومهوى للأفئدة والعقول الى بقدر ما 
أعطت وتلاقحت بقدر ما أحذت واستفادت قبل أن تعود إلى بلدانما مُحَمّلة 
بأغلى زاد وأشرف بضاعة. 


مجاورة العلماء والفقهاء 4 الحرمين الشريفين؛ الجامعات المفتوحة: 


شكلت الحاورة بالحرمين الشريفين من طرف الفقهاء والعلماء والأدباء 
والمتصوفة الذين شَدُوا الرحال إلى البقاع المطهرة من مختلف بقاع العام الإسلامي 
وأصقاعه خلال القرن الحادي عشر للهجرة» وخحلال ما سيقه وما تلاه من قرون 
أيضاً ظاهرة مَتَميّرَة أغنت الح ركة الفكرية والأديية بالحجاز الذي أصبح عثابة 
حامعة مفتوحة تستقطب الأساتذة الزائرين وتحتضن الطلبة المقيمين والوافدين على 
السواء» وساعد على قوة هذه الظاهرة وحيويتها انتشار المدارس والأربطة وإيقاف 
الأوقاف وتحبيس المكتبات وإهداء الكتب» والعناية بالطلبة والدرسين. 


ويسجل الدارسون أن الجاورة أصبحت سكل ظاهرة علمية واحتماعية 
بارزة كان ها كبير الأثر في الحالات الاقتصادية والبشرية والعمرانية والثقافية 


- 26 - 


للحجاز» فقد عملت هذه الظاهرة على اختلاط الأحناس وتمازج الثقافات» 
وتحاور الأعراف والعادات» وانتقال الكتب والمؤلففات» وتبادل الرسائل 
والإحازات. كما سامت ظاهرة الحاورة في عملية التأليف والتدوين ال وحَدّت 
فق الحجاز بيئة حصبة لنموها وانتشارها بعد ذلك في الآفاق» خاصة وأنما كانت 
تأخذ في كثير من الأحيان طابع المساحلات والمطارحات والمناقضات 
والمعارضات» والردود والتعقيبات») والشروح والتوضيحات» وهذا ما اهم ف 
بعث الحياة الثقافية ف الحجاز الذي أصبح عاصمة للثقافة العربية اللإإسلامية حينئذ» 
إليه نشد الرحال» وف أرجائه تترل الوفود» ويي مكتباته تستقر مختلف الكتب الي 
حادت جا القرائح على امتداد رقعة العام العربي الإسلامي. 

وقد كان أبو سالم العياشي المغربي واحداً من هؤلاء العلماء الذين شدوا 
الرحال باتحاه الخرمين الشريفين» وقد حرص ي طريقه نحو وحهته المقدسة على 
لقاء الرحال والاتصال بالأعلام من متصوفة وفقهاء وقضاة وعلماء وأدباء 
وغيرهم» كما عمل أثناء مدة مجاورته الي فاقت السبعة أشهر على التفاعل الإيجابي 
والخلاق مع محيطه الاحتماعي» وهو ما نتج عنه جملة من الإحازات 
والاستجازات» وأفرز عددا من القصائد والرسائل والخطابات. 


أعلام وشخصيات : 


عمل أبو سالم العياشي علي المشاركة الفاعلة في الحياة الثقافية والعلمية 
لعصره فقد أحاز واستجاز عددا من معاصريه من العلماء المشارقة منهم 
والمغارية» كما عمل على تداول العلم والمعرفة بين قصاد جحلسه والوافدين عليه من 
مشارق الأرض ومغارهاء طلبا لما في يد ورغبة في ما في حعبته من فنون العلم 
وضروب العرفة» كما أنه قد تبادل مع معاصريه الرسائل والخطابات» وتناوب 
معهم الردود والتعقيبات. 

و لقد بدا العياشي عبر مختلف دروب عمله الرحلي حلي الضخم حريصاً على 
ترجمة عدد من الأعلام الذين التقاهم 2 مساره الرحلي وحالسهم» أو من الذين 
استجازهم وأخذ عنهم» حى إنه عَقَد فصلا خاصا ' في ذكر بتعض السادات 
المشايخ الأعلام أثمة العلماء الكرام الذين [أخذ] عنهم ما تيسر من العلم الشريف 


27 


[واتتفع] بفوائدهم الخليلة تبر کا بذ کرهم» وإيضاحاً لخليل قدرهم» واستجلاباً 
لدعاء هې رحمهم الله تعالى أجمين آمين"00, 


والواقع فإنه يصعب» بل يستحيل التعرض في هذا المقام لكل من ترحم له 
العياشي في رحلته من العلماء والفقهاء والمتصوفة الذين عدون بالعشرات» 
ويتوزعون بين المشهور والمغمور» والمشرقي والمغربي» والأديب والمتصوف والعالم 
والمتعالم. ويكفي أن نذكر من كل هؤلاء محمد بن عبد الرحمن الدييّع اليم 
الزبيدي» يقول العياشى: "أول من قرأت عليه بالمدينة وأخذت عن بقية السلف 
الصاح وقدوة كل غاد في اكتساب الحمد ورائح؛ أستاذ المقرئين وإمام المحدئين» 
الشيخ أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الرحمن الديبّع اليم الزييدي» زاده الله 
را وشرفاء وأسكنه من منازل التقرب غرفاء هو من قدماء مشايخي". ومن 
مشايخ العياشي كذلك الشيخ عبد الحواد الطريئي وإبراهيم يم الميموئ» يقول العياشي 
فيهما: 'وممن لقيته من مشايخنا في ذلك اليوم الشيخ عبد الحواد الطريئ» ووحدناه 
قد أسن» وهو مع ذلك ملازم لباب خلوته في الخامع كما هو شأنه رضي الله عنه. 
ولقيت أيضا ذلك اليوم شيخنا الحمام علم الأعلام؛ وشيخ مشايخ الإسلام» أبا 
إسحاق إبراهيم الميمون» وقد أثر الهرم فيما عدا عقله» وأحذت السن من قواه ما 
ظهر آثره في قو وفعله» ومع ذلك قد متع بسمعه وبصره وبنضارة الوحه على 
كبره"60. 

ومن شيوخ النصوف الذين التقاهم العياشي نذكر الشيخ زين العابدين 
الطبري» يقول في حقه: "وي يوم الأربعاء المذكور ذهيت إلى شيخنا زين العابدين 
الطبري فوحدته بداره وسلمت عليه ورب بي كثيراً وعزيته في أخيه شيخنا أي 
الحسن» وواعدن يوم السبت لتلقين الذكر ولباس الخرقة» واعتذر بكثرة الأشغال 
بولايته الفتوى» مضافة إلى إمامة المقام» مع شغل البال بأيام الموسمى فلما كان يوم 
السبت لقيته بالمسجد الخرا م بإزاء باب السلام» ولقنيي وأحاز لي لي الخرق الثلات: 
لقادرية والسهروردية والكووية: وقد كان أحازنيها أيضا قبل ذلك". 


(1) الرحلة العياشية 289:2. 
(2) نفسه 303:1. 
(3) نفسه 115:1. 
(4) نفسه 181:1. 


- 28 - 


والواقع فإن رحلة العياشي تعد عثابة كتاب لتراحم أعلام القرن الحادي 
عشر للهجرة إذ ل يبق ممن انتسب هذا القرن من فقيه عالم» أو متصوف عارف» 
أو أديب شاع سواء بالغرب الإإسلامي» أو كصر والحجاز» أو بالقدس وما 
والاها من المدن والامصارء إلا وحرص العياشي على الالتقاء به ومقابلته والأحذ 
عنه والتعريف به أو اكتفى بالإشارة إليه حين حالت عوارض زمانية أو مكانية 
دون لقائه» ويكفي أن نشير في هذا الصدد إلى أن أبا سالم العياشي قد ألف كتابين 
اثنين!؟ سجل فيهما نشاطه العلمى والثقاقي في مختلف المراكز الثقافية العربي 
الإسلامية خلال القرن الحادي عشر للهجرة. 


الرحالة ورحلته: أبو سالم العياشي؛ مسار رجل: 


تصدى للتعريف بأبي سالم العياشي وترحمته عدد من المصادر©) القديعة 
والحديثة بل لقد خصصت مؤلفات بذاتها تناولت حوانب مختلفة من شخصيته!ة؛ 
فهو ينتمي إلى قبيلة آيت أعياش بسجلماسة» وهو رحالة المغرب عبد الله بن محمد 
بن أبي بكر بن يوسف بن موسى العياشي» الملقب بعفيف الدين» ولد لليلة بقيت 
من شهر شعبان سنة (1037ه: 4 ماي 1628م)» ولوق بالطاعون يوم (الجمعة 
8 ذي القعدة عام 1090ه: 1679م)» وبين التاريخين فقد مر صاحبنا بأطوار 
النشأة والتكوّن الي ميزها حرصه على الأخذ عن علماء بلده وفقهاء قطر 
وخخاصة منهم شيوخ الزاوية العياشية» قبل أن يشتد عوده فيؤثر الرحلة إلى المشرق» 
يقول: "وكنت أول معانان للطلب» وتشبتي بأذيال الأدب» كلفا بالرواية. 
ومستروحاً إليها من أثقال الدراية فأحذت عن الأعلام الذين أد ركتهم با مغرب 
قليلء فلم يشف ما لديهم ما أحد غليلاً ولا أبرأ عليلاء لأنهم اقتصروا من الكتب 


)1( نقصد بذلك كتاب: اقتفاء الأثر بعد ذهاب أهل الأثر» وهو فهرس لأبي سالم العياشي. أما الكتاب الآخر 
فهو: إتحاف الأخلاء بإجازات المشايخ الأجلاء» وعنوائه دليل على مضمونه. 

(2) من المصادر التي عرفت بأبي سالم العياشي نذكر: اقتفاء الأثر بعد ذهاب أهل الأثر و إتحاف 
الأخلاء بإجازات المشايخ الأجلاء وهما بقلمه» كما نذكر: التقاط الدرر» ص: 212 - 213. ٠‏ نشر المثاني 
2 إجازة عبد القادر الفاسي لأبي سالم العياشي» ص: 127 تاج العروس: عيش. عجائب 
الآثار 115:1. فهرس الفهارس 832:2 - 835. شجرة 5 النور الزكية 454:1.الحركة الفكرية بالمغرب في 
عهد السعديين 509:2. الحياة الأدبية في المغرب على عهد الدولة العلوية» ص: 90. الوافي بالأدب 


العربي في المغرب اقبي 063:3. الفكر الساري 4 333 هدي العارقين 481 


- 29 - 


على ما اشتهر» واستغنوا عا غاب بها ظهر» دون المسلسلات والأحزاء الصغار 
وعوالي الإسناد وغرائب الأخبار» فَلَمًا س الله تعالى بالرحلة إلى البلاد المشرقية 
أولا وثانيا» ولعنان العزم نحو الرواية ثانا تتبعت ذلك عند مظانه وعند أربايبه. 
ورميت» والحمد لل بسهم مصيب مع أصحابه"(0. 


"وتعد هذه الفترة من أخصب مراحل حياة أبي سال فقد ساهم في الخركة 
الفكرية الي عرفها عصره في العلوم والآداب» فسجلت رحلته ماء الموائد العلاقات 
الفكرية والاحتماعية بين المغرب والمشرق. . كما تصّدَّى للندريس ف المدينة 
لمنورة» وأحاز كثيراً من العلماء الذين أحازوه بدورهم"©. 

وأما شيوخه الذين أخذ عنهم واستجازهم وأحاز هي فقد حَرّد قلمه 
وسّجل أسماءهم بحرص بالغ في كتابيه: إتحاف الأخلاء بإحازات المشايخ الأحلا 
واقتفاء الآثر بعد ذهاب أهل الأثر» فلا داعي لخردهم في هذا المقام» لكن ما ن كد 
عليه هو الدور البالغ للرحلة العياشية في التقاء أبي سال العياشي بالعلماء والفقهاء 
والأدباء من كل الأقطار والآفاق» الشيء الذي فتح باب التأثير والتأنّ ومح 
بانتقال الكتب والمصتفات» ورواج الأفكار والمعتقدات على نطاق واسع بين 
المشرق والمغرب. 

ولعل هم ما ميز حياة أبي سالم العياشي هو رحلاته الثلاث نحو الديار 
المقدسةا#» وتدوينه ريات اع الأثاثي منهاء الشيء الذي أتاح له الانتشار على 
نطاق واس فكان بحق ملمحاً صادقاً من ملامح القرن الحادي عشر للهجرة بكل 
تحلياته. 

لم يشع بين الناس من كتب ومؤلفات أبي سام العياشي الي تناولت كل 
حوانب الأدب عفهومه الواسع» بالإضافة إلى الفقه والتصوف؛ سوى ثلاثة كتب» 
وهي: 

- اقتفاء الأثر بعد ذهاب أهل الأثر. 


(1) اقتفاء الأثر 101-100. 

)2( أبو سالم العياشي المتصوف الأديب» ص: 85 - 86. 

)3( قام أبو سالم العياشي برحلته الأولى سنة 1059 ه» ورحل للمرة الثاني سئة 1064 هه أما رحلته 
الثالثة التي تمخض عنها هذا النص فلقد انطلقت سنة 1072 ه. 


- 30 - 


- إتحاف الأخلاء بإحازات المشايخ الأحلاء. 
- ماء الموائد» أو الرحلة العياشية"» وهي موضوع هذا التحقيق. 
أما مؤلفات الرحل المخطوطة فهي عديدة ومتنائرة بين المكتبات في عدد من 
الأماكن والبلدان» وقد حردتا الأستاذة نفيسة الذهى في سياق تقدعها لكتاب 
اقتفاء الأثرء فمنها: 
- إرشاد المنتسب إلى فهم معونة المكتسب. (مخطوط الخزانة العامة رقم: 
6 2). 
- التعريف والإيجاز ببعض ما تدعو الضرورة إليه في طريق الحجاز (مخطوط 
الخزانة العامة رقم: 43 ك ضمن بجموع). 
- تنبيه ذوي الهمم العالية على الزهد في الدنيا الفانية (مخطوط الخزانة العامة 
رقم: 1388 د ضمن بجموع). 
- الحكم بالعدل والإنصاف الرافع للخحلاف فيما وقع بين فقهاء سجلماسة 
من الاختلاف (مخطوط الخرانة العامة رقم: 39 ك). 


- معارج الوصول؛ وهو كتاب في التصوف (مخطوط الخزانة العامة رقم: 
4 د). 


الرحلة: 


تستمد الرحلة العياشية قيمتها الحقيقية من مضموفا الغن الدسم الذي حعل 
صدرها يتسع لاحتضان عدد كبير من النصوص والأشعار والتراحم والأحبار» 
الشيء الذي أضفى عليها طابع الموسوعية» كما تستمد هذه الرحلة قيمتها مسن 
مكانة صاحيهاء فالعياشي عالم من كبار العلماع وفقيه من أحلة الفقهاي وهو بعل 
هذا شخص يبدو متزن الخطى رصين الترعات كما ينبغي لمثله أن يكون. ثم إن 
مسار الرحلة» وهو مسار مقدس» قد رسم معالمها العامة و.حد حدودها الي آلفت 


(1) طبعت الرحلة العياشية على الحجر في جزأين سنة 1316 ه 1898 م» وأعيد طبعها بالرباط سئة 
07م 
م 


- 31 - 


بين حغرافيا الأرض والفكر» وزاوحت بين متطابات الروح والعقل» ففي تساوق 
تام مع مسار الرحلة» فإن صاحبها بدا مسكونا بالتعئض لعلماء الأمصار وذكر 
تاليفهم وعرض لقاءاته بمم» وإيراد القضايا الفقهية والعلمية ال تطارحها معهي 
كما أنه كان بين الفينة والأخرى يُلمح إلى طرف من مؤلفاتهم؛ ويشير إلى النوازل 
الب يطرحها الارتحال والسفر من أفق إلى آخر» كما كان يهتم بكل ما يتلل 
العبادات والمعاملات» هنا وهناك» من شوائب وزيادات. 

ولعل هذا ما حفظ للرحلة العياشية مكانتها منذ أن حرحت للوحود» 
فكانت نبراسا اهتدى على ضوئه كثير من الرحالة» وتتبع خبيوطه وخخطوطه عدد 
من الكتاب والمصفين» سواء في محال الرحلة أو مجال التراحم والأعلام وبالنظر إلى 
قيمتها العلمية الكبيرة فإن الرحلة العياشية قد طبعت مرتين؛ الأولى على الجر 
والثانية مصورة عنها» كما صدرت بعض مقتطفاتها وأحزائهال. 

والواقع» فإن رحلة العياشي» بالنظر إلى موسوعيتهاء وبالنظر كذلك إلى 
طبيعة مادتها الى توزعت بين شى ألوان المعرفة وفنون العلم» تعد عثابة موسوعة 
علمية حامعة نأمل أن يكون إخراحها في هذه الحلة دافعا لإعادة قراءتها وكشف 
مخبئاتها. 


(1) من هذه المقتطفات نذكر: المديئة المثورة في رحلة العياشي لمحمد أمحزون. و مقتطفات من رحلة 
العياشي لحمد الجاسر. وما الموائد ليبيا طرابلس وبرقة لسعد زغول عبد الحميد ومحمد عبد الهادي شعيرة 
ومحمود حسن عطية السعران ونييلة حسن محمد. 


32 - 


خطة التحقيق 


اعتمدنا ف تحقيق كتاب الرحلة العياشية على النسخة الاطية المحفوظة 
بالخزانة العامة للوئائق والمخطوطات بالرباط تحت رقم: 406 قا"» وللإشارة فقد 
استنسخ عن هذه المخطوطة ميكروفيلم محفوظ بذات الخزانة رقم: 493. ونشير 
إلى أن النسخة الخطية الي اعتمدناها أصلا هذا العمل هى بخط أحمد بن عبد 
الرحمن العياشي» وقد نسخها لأبي العباس سيدي أحمد بن ناصر الدرعي سنة 
2 ه. 

تقع مخطوطة الرحلة العياشية في 720 صفحة» كل صفحة تحتوي ما يقارب 
من 28 سطراء ولا تخلو هذه النسخحة من بعض الرسوح والبيانات» كما تتخللها 
بعض الطوامش والإضافات والخواشي والطرر. وقد رمزنا إلى هذه النسخة بالرمز: 
ج 

وإلى حانب هذه النسخة الي كانت معولنا قي إحراج الرحلة العياشية» فقد 
استأنسنا بالطيعة الحجرية للرحلة» واعتمدناها للمقابلة وتصويب الخطأ ورد الخلل 
والزلل الذي عكن أن يكون قد اعترى عملية الكتابة والنسخ» وقد رمزنا إليها 
بالرمز ط. 

وقد سممينا هذه الرحلة بالرحلة العياشية» كما هو مثبت على أغلب النسخ 
الب رحعنا إليهاء وارتأينا أن نتجاوز الاسم الذي أطلقه عدد من الباحثين على 
الرحلة» ونقصد بذلك ماء الموائد لأننا لم نحد هذا الاسم أثرا في الرحلة ولا في 
سواها من أعمال أبي سام العياشي وأعمال معاصريه. 

ولإخراج هذه الرحلة في صورة تليق عكانتها ومكانة مؤلفهاء فقد اعتمدنا 
على مجموعة من المصادر والأصولء» أهمها كتب المؤلف» سواء منها المطبوعة أو 
المخطوطة» كما ركزنا على الكتب الى شكلت مادة الكتاب الرئيسة. ولإضاءة 
(1) تحمل هذه النسخة عنوان: الرحلة العياشية إلى الديار النوارنية» ولعل المقصود: الديار النورانية. 


-33 - 


النص واستجلاء خحباياه وتبيين غامضه فقد عولنا على مجموعة من الأصول الي 
تراوحت بين القرآن الكريم وكتب الحديث النبوي الشريف» والمتون الفقهية 
وكتب التاريخ والرحلات»› ومعاحم اللغة والبلدان» بالإضافة إلى كتب التراحم 


وقد عملنا على ضبط النصوص وتخريحها ونسبة الأقوال إلى أصحايماء 
وأشرنا إلى أوزان الأشعار الواردة في المتن مع التنصيص على مصادرها وأصوطاء 
كما عنينا بضبط الألفاظ الغريبة وشرحها ووضحنا العامي منهاء وعرقنا بالأعلام 
البشرية المغمورة مع الإشارة إلى مصادر الترجمة» وقد راعينا أن تكون هوامش 
التحقيق وظيفية ومسعفة على قراءة النص والتفاعل معه» فلم ثثقلها عا يحرج 
الرحلة عن غرضهاء أو يفقدها حصوصيانما وطابعها العام. 

وقد ذيّلنا هذا الكتاب بفهارس كشافة؛ كفهرس الآيات القرآنية» وفهرس 
الأحاديث النبوية الشريفة» وفهرس الأعلام» وفهرس الأشعار» وفهرس المدن 
والأماكن والبلدان» وفهرس البحار والأثمار والآبار والياف وفهرس الزوايا 
والأضرحة والمقامات والأربطة والكنائس» وفهرس الأبواب» وفهرس الكتب 
الواردة في المتن» وفهرس المصادر والمراحع» وختمنا كل هذا بفهرس للمحتويات. 

ولقد عملنا على احترام السياق التاريخي لهذا العمل الرحلي الضخمء فتعاملنا 

مع المعطى الخغراقٍ في استحضار تام للمعطى التاريخي؛ فعرفنا بالأماكن والمواضع 

ولكسارات انطلاقا من معاحم البلدان والنصوص الرحلية المقاربة زمنيا لزمن 
الرحلة. 

وقد لا نتفق مع كثير نما أورده العياشي في رحلته من آراء وما ساقه من 
أفكار ومعتقداتي كما أننا قد لا نشاطره الرأي في كثير من التأويلات والتبريرات 
التي ذيّل يما عددا من القضايا الفقهية والاحتماعية والنوازل والوقائع التاريخية 
وغيرهاء إلا أننا وحفاظاً على نكهة النص؛ واحتراماً لصاحبه وعصره وتحلياً 
بالأمانة العلمية» فقد اكتفينا في عملنا هذا عحاولة إخراج ج النص ي صورة أقرب 
إلى الصورة الي أرادها ها صاحبه. 

كما أن العياشى قد ديل رحلته هذه بإثبات فهرسته المسماة: إتحاف الأخلاء 
بإحازات المشايخ الأحلائ ولأنما لا تدخل في صميم متن الرحلة» ولأنما حاءت 


- 34 - 


في سياق زمي مخالف للسياق المتئ للرحلة» ولأنهاء كذلك» مطبوعة ومتداولة بين 
عموم المهتمين والباحثين» فقد رأينا أن غتفظ بالنص كما كيب ي الأصل مستقلا 
بذاته مستغنيا عَمّا سواه. 


- 35 - 


رموز التحقيق 


النسخة الخطية. 

الطبعة الحجرية 

ما بين معقوفتين غير وارد ب2 المتن. 
تاريخ وضاة العلم. 

دون تاريخ. 

هامش الصفحة رقم. 


37 


ظ 


- انطلاق الرحلة من بلد المؤلف صبيحة يوم الخميس أول يوم من ربيع 
الثاني عام 1072 هه 


- 39 - 


- عقبة السكر 
- مر الظهران 
- التتعيم 

- مكة المكرمة 
- المدينة المنورة 
- مكة المكرمة 
- المدينة المنورة 
- غزة 

- الرملة 

- القدس 


سنة أربع 
1 عشر شوال من 
سا 
الأربعاء ظهرا بع 
- محطة الوصول يوم 
وسبعين والف. 


- 40 - 


الصفحة الأولى من النسخة الخطية 


- 41 - 


.امازل ىجا «نصلله ابابا بوا لخاجة» : مره ارا رده 
ادرا چا امار ووالدبافيا وا ا 
TS,‏ ہے ب لترعارة ,اجا بغر ربالا شی عر وتا وو 


0 
و کو رھ چا ع 
١ +‏ | 


0 


امن لرملةالبارلة ا ا 
درواک بی E 38 (6F bi‏ 
خو توملا شت و اجرد وه 
برلة م| جيبو عاج مالا ا ر والكلاة خا ERE‏ 

رانا چ 1 7 ITN‏ 
قحا لدع lk‏ 1 5 


لاح 8 ا ا 
E‏ 
KE‏ اروا 
e o‏ 
نحي ا ير یہ 
نامال ر الحا يا الفررة مر 55 
0 تالور وساي وا الا il REH‏ 


ونون لدا سر سجراجررنا الور الما ليد لنأشاوم 8 لم 3الوارسر 
ةو و امم qt leyro Jaan‏ بعالم ١‏ 


٠ 
00 


الصفحة الأخيرة من النسخة الخطية 


- 42 - 


زدته الهزامحيم ومر 


ہت زرا ووو له رَعطبه ويم 


3 زک زف رر م زوع ادس لاود ادلم َع عَلئهج 4ه 

الشعاة 4 مف( ملول EES E‏ ود 
(نشروو( دی د(5 م اتاخ تخ( 15ائی بزنے اام( ول دراوم ترز 
5 | مختق 5ز E‏ انا اتر عرللث ل 521. 5 
مرن 0 2 (راز لد انأضي واد ونم حرع رمه اتخ و 
ر حت دش ور مزآل [شيكر غر[(ع راع 

1 زعات ادزارات‎ E 

اروا وى مح !بتو لا بیر اکا ر المترح بان 

E‏ تار ون ررر 118 7 اا 

رع وا دیشر و 9 ريوع 5 كله دزی زارد وواعلت ارچ ار 
اكه بنع 1دا ارو دوذ وز کټ[ نترع خض[ 2013) ا 
مدرد کرای اکت زاگ و بی (متْمرجرص ادكه با ع عد َ2 

نام ویر ارح EES‏ دة و( وراو 

2 اعا‎ eS 
سرادت ا ا ر 0 خلیة انرا‎ -_ 


روا العام با مت رابا الشتكا امك واسرليته وَاحُفوابا ی 
(جنے كو چیا ونه از OE‏ وضع نادس 
0 2 وچا (در رة 531 مرو الاج د اعيا وَكتزب 
SE‏ اع ايدج ا با. يالا غاچ ابي 
١فترزيا‏ را ر وما ما جنوال ثم ت 

ومع با دشم وال نزارتمزعفي ثم يده انطع بانس + جت عردټو ورک ر 


Bi 


الصفحة الأو لى من الطبعة الحجرية 


- 43 - 


برا خر ناین ادهب( لغيئًا اخوانتاج د(ره انزع رشنا مقي وبع اليزا ل : 


اتم ریک +1 فز ابر لزاه ر لقا ميس | | 
7 د 86 6 rf‏ 


وون لار رابا غاد 


یار وچ ر زیغا( تراد 
ر E‏ 
: ل بس 
وتم 


الصفحة الأخيرة من الطبعة الحجرية 


- 44 


رم 
ف وكيم 
2 ا ا ١ O ML‏ : 
ادم نالدرا مم 5% 2ه عابدالناومد! وء غ امیس 1 
اراد ابن لل بماء ه ویراخت‌یالاری تأريد. i‏ 
م دمر كا او[ توت بده عة خاق افع ال زر 
Ll‏ أرما تأمتب ص , ادث :کا جما 5 
د .لمم بلا يلاع الشرونالمتتت یھ و کم 5 
د امام چۇد زع به 3 06 مل ملب ۽ دما 
وزات بلا ٠‏ انض واعر 
كب ديزم 
رو لوب مہ ازا به ا 
(.هئ برالعلى اللوند عم ونر غا ه ینا واا امار 32002 
ا ا ب واا الها احج الننا ہ وفيت لويم الحا من الغأبد ا 
ع 3 ٠‏ وتالا ي ماساخز2ارع » اناما اغا 2 
a‏ ا چ 
وک نت لامع الع دما. ومر نلو 
دشرالحل الم الف جنا بی 5 خاب ج لبا ۽ 
شخ مم ا و 5 


ES 7 KE ٠‏ اا ت ابا ا 

35 زوأستغرج و 
5 0 0 0 
e,‏ ورال ES‏ 


- 5 


: rs 
Ca hl سد نا‎ Tee ل ا ال‎ 


ام لي 5 a‏ 
ت 


حيث تبدو بعض البوامش والإضافات 


- 45 - 


نص الرحلة 


بسم الله الرحمن الرحيم 
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحيةا" وسلم* 


الحمد لله الذي قرن ممدوح السفر عمدوح الظفر» وحث عليه في طلب 
السعادة فقال تعالى: "فلولا ت ا فيا سعادة من تفر إلى الله مع ذلك النفن وم 
عل الشّري في الليل إذا أدبر» والسيرٌ في الصبح إذا أسفر, فذنب المجاهل والموامئ 
عنده دائما مغتفرء وأرواح المعاطن إذا أثيرت ال ركائب أطيب لديه من السك 
الأذفرا» لا يصده عن طيبة نضارة العيش الأخضرء ولا ازورار الحبوب الأصف 
ولا يفل حد عزمه اعتراض العدوا؟ الأزرق» ولو كان من بىئ الأصفر قالموت 
الأحمر دون مرماه أشهى من الثريد الأعفر". ۰ 

وصلاة الله الحيطة بأعلى مراتب الفضل والإحسان. المستغرقة لصلاة كل 
ملك وحان وإنسان» وسلامه امحلى بأيمى ملابس الأمان. المتوّج بأنمى حقائق 
الإعان» على نقطة دائرة الو حود» ومدّد يناييع المحد والجود قبلة أسرار المللك 
والملكوت ي الركوع والسجود» وخير من حفت الحفون ثي وصله لذيذ المجوفى 
وواصلت السرى في المسير إليه بقطع الأغوار والنجوداة» سيدنا محمد الحمود و 
حضرات العرفان والتعريف. المزمل المدثر بخلع التقريب والتشريف» المتخصوص من 
الله بأعلى منازل الحظوة في الانتهاء والابتداء» الممنوح في كل العوالم أحلى مراتب 


(1) ساقط من ط. 

)2( في 4 أضاف الناسخ عبارة: "قال الشيخ الفقيه العلامة تاج العارفين وإمام المحققين» أبو سالم عدد الله 
بن محمد بن أبي بكر العياشي» رضي الله تعالى عنه» ونفعنا به وبأمله". 

(3) يشير إلى قوله تعالى: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في 
دين وليذذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون): التوبة: 123. 

(4) المعاطن: جمع معطن» والمعطن كالوطن للإبل وقد غلب على مبركها حول الحوض: اسان العرب: 
عطن 


)5( ذفر: ذكي ار لسان العرب: ذفر. 

(6) ساقط من ط 

)7( الثريد الأعفر: المُبيض: سان العرب: عفر. 

5( النجود: : جمع تنجد الطريق في الجبل» وهو ما خالف الغور: لسان العرب: نجد. 


- 49 - 


الهداية والاهتداء» فصح للملائكة وان والإنس به الاقتداء» ولم يسع أحدا منهم 
قي ما حد له الاعتدای فهو أمين الله وتحليفته» ونوره الذي به استنارت يته 


ين المعالم للعوالم» وهدى العوالم للمعال4 فاهتدوا بأنواره لما استناروا بمدايته» 
واحتمواء باللجإ إليه حين التجؤوا لحمايته» أوضح طريق الرشاد" بأرشد الطرق 
الواضحة» فقاد من ربحت بحارته إلي التتجارة الرايحة» فلم يزل لله بالحد والاحتهاد 
داعياء ولكلامه في السر والإعلان واعياء لا عل في جهاد أعدائه اغتراباء ولا يألو 
لمرضاة أحبابه اقتراباء فهجر الأوطان» وحارب حزب الشيطان» وقاطع© ف الله 
أحبابه وعشيرته» ورفع بالتبشير والإنذار هم عقيرته» يردف السفر بالسفرء في 
حهاد من أبى وكفرء إلى أن ختم أسفاره الدنيوية وتنقلاته البشرية بخروحه -لحجة 
الوداعء فأظهر فيها من محاسن الشريعة ما شاع وذاع» وأودع القلوب من غرائب 
الجكم أحسن الإيداع» وأكثر في خطيه الخمس التنبيه على معالم الحج المشروعة؛ 
ونمى عما كانت الجاهلية ابتدعته من الأفعال الممنوعة!6» وأكمل الله للمسلمين 
دينهم ف هذه الحجق وأتم عليهم نعمته ورضي هم الإسلام دن وأوضح 
المحجة» وحض على حج البيت مستطيعه» وجعله من دعائم الإسلام المخمس 
الرفيعة» فقال عليه السلام: من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خحرج من 
ذنوبه كيوم ولدته أمهائ» واخختار القرطبي وابن بزيزة وغيرهما أن ذلك يضمن 
الكبائر والصغائر» وقال عليه السلام: العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهماء والحج 
المبرور ليس له حزاء إلا الجنة”. 


(1) في ط: الإرشاد. 

(2) في ط: قطع. 

(3) في ط: الممنوعة. 

)4( إشارة إلى قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم تعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا): 
المائدة: 4. 

(5) ورد الحديث بنصه في تفسير القرطبي 142:4» كما ورد الحديث في الصحيحين بصيغة: قال رسول 
الله صلی الله عليه وسلم: : دم من أتى هذا الييت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه: : صحيح مسلم 
2 صحيح البخاري: 553:2. 

)6( عبد العزيز بن إبراهيم بن أحمد التميمي التونسي» المعروف بابن بزيزة» فقيه مشارك» له شرح 
الأحكام؛ توفي سنة 700ه: : معجم المؤلفين 5.,. 

(7) صحيح مسلم 983:2. 


- 50 - 


قال المازري!؟: أي لا يقصر لصاحبه من الحزاء على تكفير بعض ذنوبه» ولا 
بد أن يبلغ به إدخاله الحنة. وقال عليه السلام: تابعوا بين الحج والعمرة فإن متابعة 
ما بينهما تزيد ف العمر والرزق» وتنفي الذنوب كما ينفي الكير خحبث الحديدا©. 

وقال عليه السلام: من أراد دنيا وآنحرة فليؤم هذا البيت» ما أتاه عبد يسأل 
الله دنيا إلا أعطاه منهاء ولا آخرة إلا اذخر له منها. وي صحيح مسلم من حديث 
عمرو بن العاص» رضي الله عنه» أنه عليه السلام قال: أما علمت أن الإسلام يهدم 
ما كان قبله» وأن الهجرة هدم ما كان قبلهاء وأن الحج يهدم ما كان قبله!. وقال 
عليه السلام: الحجاج والعُمار وفد الله وزواره» إن سألوه أعطاهم وإن استغفروه 
غفر طم وإن دعوا استجيب هې وإن تشفعوا شفعوا. إلى غير ذلك من فضائل 
الحج المبرور» الحاملة على تحشم المشاق إليه مع الابتهاج والسرورء الواردة في 
الكتاب المبين» وعلى لسان الرسول الأمين» صلى الله وسلم عليه صلاة تكون 
لقدره الكريم كفاءء ولْحَمَه العظيم وفاء» وعلى آله الحائزين قصب السبق بقرابته» 
وأزواحه وأصهاره وجميع الكرام صحابته» ما تشرف تابع بشرف متبوعه» وزكى 
کس اللي لحن كار مطبوعه. 

أما بعد حمدا لله الذي هو أول الذكر وآخر دعوى أهل الحنة» وأكد على 
افتتاح الأمر ذي البال به صحيح السنة» فيقول العبد الفقيرء الذليل الحقير 
المستجير بالله ورسوله؛ الملتجيع إلى كرم الله في حصول أمله من الخير وسؤله» أبو 
سام عبد الله بن محمد بن أبي بكر العياشي المغربي المالكي» حمل الل جميع تصرف 
فيما يرضاه ابتغاء مرضاته» وغمره بلطائف إحسانه في حياته» وعند وفاته وبتعد 
ماته» ولقاه في كل المخاوف أنسا وتأميناء ويرحم الله عبدا قال آمينا: إن كنت 
منذ عقدت يداي إزاري» وتلوث مبيض صحيفيَ بسواد أوزاري» متتابع الزفرات 
والأنين» كثير الاشتياق والحنين» إلى تكحيل إنسان العينين عمشاهدة مشاهد 
الحرمين» ويتضاعف الوحد والتوقان» ويتزايد الشوق واليرقان» في أوان تحاوب 
أصداء الرفاق» إذا أهاب يمم مهيب التوفيق من حوانب الآفاق» فيطير الروح 


(1) محمد بن علي بن عمر التميمي» المازري» الإمام المحقق» له عدة مؤلفات تدل على تمكنه من الفقه 
وعلم الحديث» توفي سنة 536 ه بتونس ودفن بالمنستير: شجرة النور الزكية 186:1. 
(2) الفردوس بمأتور الخطاب 46:2. 


(3) صحيح مسلم 112:1. 
4( إنسان العين: المثال الذي یری في السواد: لسان العرب: أنس. 


-51 - 


بأحنحة الشوق إلى ذلك المكان ويود" مرافقتهم على أي حال كان. فإذا استتيع 
الجسم المثقل بالاثام إلى ذلك احلء تمشت به مشي المقيد في الوحلء فرعا فزعت 
إلى مدح الرسول» لأدرك به الم والسّول» ورعا أغضيت الحفون على قذاهاء 
وكظمت الجوانح على أذاهاء إلى أن دعا داعي الفلاح فلبيت» وهدى رائد الهداية 
فاهتديت ونظمئ وافد التوفيق في سلك خير رفيق» فركبت متون امحاهل»› 
ونقيت© القذى عن عيون المناهل» مع ركب يؤمون البيت العتيق) وينشرونة© من 
طيب نشرهم على البلاد فتيت المسك الفتيق“» وكان ذلك يي شهر ربيع النبوي 
سنة تسع وسين وألف» والشباب إذ ذاك ناعمة أغصانه» والهوى شديد على 
القلب عصيانهء وفنا6 الصبا ناعمة أوراقه» والوطن حبيب يشق فراقه» واستسهلت 
قطع تلك العلائق كلهاء وخحف عن القلب المشوق ثقيل كلهاء ومئ أوحست من 
النفس بعض التلكي» أو أظهرت من التزع شبه التبكي» ذكرقا ما تترحاه من 
لذيذ التهاي» وأنشدقا مغيري الروي بين الح ع بن هانيء!: 
[طويل] 
ذريني أرذأماء المفاوز آجنا إلى حيث ماء للكرام معينٌ 
دعيني أكفرٌ حاسديك برحلةٍ 9 إلى بلد فيهاالرسول دفين 
فكانت تلك الرحلة» وهي من الله أعظم نحلة» تقيّل الله فيها صا أعمالناء 
وحعل مدد بركتها ساريا نل جميع أحوالناء ولم يكن فيها كبير أمر يعني يكتاية 
وخاصهم من أوصاف المسالك» وتعداد" المراحل وأسماء البلدان وما يضاهي 
ذلك ما لا تطمح إليه عيون أولي الفضل» وترتاح لذكره همم أهل النبل» من لقاء 


(1) في ط: يريد. 

(2) في ط: نفيت. 

)3( في ط: ينرون. 

)4( الفتيق: : من ذتق المسدك» أي استخر ج رائحته بغوره: لسان العرب: فتق 

(5) فن: أذنون الشباب أوله: لسان العرب: فنن. 

)6( الييت الأول لابن دراج القدطلي الأندلسي (ت 421 ه) برواية نمڍر بدل معين (الديوان» ص: 250 
( أما البيت الثاني فالشطر الأول منه لأبي نواس الذي يقول: ذريني أكثر حاسديك برطة إلى بلد فيه 
الخصيب أمير ) ديوان ابي نواس» ص: 481(. 

(7) في ط: تعدد. 


-52 - 


المشايخ الفضلای ومحاضرة الأدباء النبلاء» ومباحثة الأذكياء وزيارة الأتقياى إلا 
أشياء إن انفردت بالذكر قلت وإن أدرحت مع غيرها ضلت. 

فعندما انقضى أمد الغيبة» وحصلت إلى الأوطان الأوبة» ظننت أن مشاهدة 
تلك الأماكن المشرفة بشرف الساكن» تشفي من أليم الشوق عليلاء أو تُبرد من 
أليم البعد غليلاء فبدا الأمر على خلاف المظنون» وافتضح المكنون» فلا يأ أوان 
ارتحال ال ركب إلا أطاعت الحفون داعى السكب» وحنت حنين الثكلى الواله إلى 
معاهد الرسول وآله» ودّبً بين الحلد والعظام دبيب الشوق إلى تلك المشاعر 
العظام» فعللت النفس ف العام الأول والثان» وسليتها دع الأماني» وق الثالث 
استجمعت لفك رهاقاء وأظهرت وض-ا" برهانهاء عا رويناه ی صحيح ابن حبان 
ومصنف ابن أبي شيبة عن أبي سعيد الخدري» رضي الله عنه» أن رسول الله صلى 
الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى يقول: إن عبدا أصححت له حسمه» ووسعت 
عليه في المعيشة تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إلي خخحروم©. 


فهذا الحديث الصحيح يعطي بظاهره تكرار وحوب الحج. لولا ما عارضه 
من الإجماع على قصر الوجوب على المرة الواحدة» فحيتئذ يحمل الحديث على 
الاستحباب ال ؤ كد كالأحاديث المتقدمة في المتابعة بين احج والعمرة» فلما ظهرت 
لي قوة هذا الدليل» وأوضح الشوق منه فهم السبيل» نويت العمل عقتضاه» وقبلت 
عا دعا به داعي الغرام وارتضا وعزمت على العود ثي الرابع ثانياء ولعناتن التوحه 
نحو البقاع المطهرة ة ثانياء فيسر الله ذلك في أواخحر ربيع النبوي سنة أربع وستين 
وألف» وتوجهت على بصيرة» وأعددت لفوائد الرحلة عددا كثيرة» فاتسع انحال 
في لماء الرحال» ومذاكرة الإخحوان في كل أوان» ومحاضرة الأدباءء وبجالسة 
الظرفاء» وحصلت ف تلك الرحلة المباركة ما حصلت لي به مع المرتحلين المشاركة. 
فعزمت على تدوين ذلك في مجموع تحصل به الإفادة لمن 339 اللاستفادة» فإذا 
زبدة فائدته وثغرة عائدته أسماء المشايخ وذكراة مروياتقم» وذكر شئ من 
مصنفاتهم» وقد استوفيت حل ذلك لن طلبه مين» ورام أخذه عن في كتاب اقتفاء 
الأثر بعد ذهاب الأثرء فانصرف العزم عن كتابة ما سواه إذ هو بدونه قليل 
(1) في ط: واضح. 
(2) فيض القدير 310:2. 


(3) ساقط من ط. 


-53- 


حدواه» وصممت العزم على الرحوع» وجعلته أكبر همي ف اليقظة والمجوع؛ 
وأتحين الوقت المذكور في الحديث المتقدم» وأقرع على ما فاتئ من المحاورة ف تلك 
الأماكن المشرفة سن المتندم. 

فلما حاء الوقت المذكور» ورحوت حصول السعى المشكور» وذلك في سنة 
تسع وستين دبت ف مغربنا عقارب الفتن» وهاحت بين الخاصة والعامة مُضمرات 
الاحن» فانتقطعت السبل أو كادت» وهاحت الأرض بأهلها ومادت» فكربت 
أيأس من بلوغ المرام» ولم يخمد مع ذلك متأحج نار الغرام» فعدت إلى طريقي 
الثلى من أمداح الرسول التي في إلى أن كان أوائل سنة اثنين وسبعين أحسن الله 
عاقبتها» وكفى المسلمين غائلتهاء اشتد العزم مني كما كان قبل ذلك وأعظم» 
ری ل أذ أب رنه في سالك الرقيق فد ا إل أن قبي ران الف 
حدشت أظفار التعويق في وحه الظفر» واكفهرت ظلمات موانع يتعجب اللبيب 
من صباحها إذا أسفر» وأضرم الجوع في سائر الأرحاء ناره» فتولد منه من الفتك 
والحرابة ما أعلى تفريق الكلمة مناره» وتطاير في كل أفق شراره» وأهان خيار كل 
قطر شراره واتخذت البدعة شعارا والزندقة دثارا» وفر الساكن من بلده والوالد 
من ولد وبلادنا إذ ذاك بحلل من الله برداء العافية»إلا أن مخايل حوانبها تدل أنما 
لعروض غيرها من البلاد قافية» فلأحل ذلك أشار بترك السفر من لا تُعحصى له 
إشارة) وی عنه من له علي أكبر حق بصريح العبارة» فأيست إذ ذاك منه بعد 
العزم القوي» وطويت شقة ذلك العزم أي طي» فلحقي من التخلف كرب شديد» 
وعناء ني القلب مديد فاستروحت من ذلك العناء والأل» إلى مدح النيبي» صلى 
الله عليه وسلې منها عدة قصائد ثي أيام مولده الشريف» وبذلت فيها من خامد 
القريحة التالدا" والطريف2) نسقتها نسق حروف المعجي وأفصحت فيها عما في 
القلب من الود استعجم» فأتهمت منها قبل يوم المولد عشراء -حسنت مخبرا وطابت 
نشراء أظهرت فيها التودد والتعطف» وأكثرت التشكى والتبكى والتلهف»› على ما 
فات من القصد الحميل في هذه السنة» وممانعة السيئات الجمة هذه الحسنة 
وأطنبت في الاستغاثة إلى الله بنبيه الكريم أن يُيّسر لي في زيارته من فضله العظي 


)1( التالد: المال القديم الأصلي: لسان العرب: تلد. 
)2( الطريف: الطريف والطارف من المال: المستحدث: لسان العرب: طرف. 


- 54 


مضى يوم مولده الشريف بيوم أو يومين» والعزم قد أحى أثره بعد العين» هبت 
رياح الرحمة من حيث لا أحتسبهاء ونفحت نفحات من كرم الله وما كنت إذ 
ذاك أرتقبهاء فأزعجت للسير بعض الإخوان» إزعاحا لا يعكن رده بالمال 
والأعوان» فرمت صرفه عن ذلك عا صرفين» ومنعه عنه عا عنه منعين» فصارت 
الموانع عنده بواعثاء وعاد عزمه لكل عقد عقدناه ناكثاء فلا أذكر له دليلا إلا رماه 
وراءه ظهرياء فعلمت أن الوارد بذلك قهرياء لا تحكن مدافعته» ولا تحسن 


مراحعته. 


فطاكیة: 


كنت مذ تقوى العزم مي بي السنين الماضية كثير الاستخارة له تعالى في 
خلال ذلك بالكيفية الواردة في الصحيح» > فلا يقع في العزم فتورء أو يبدو مانع عن 
التوحه المذكور» إلا طبت نفسا بالواقع رضى نخيرة الله وتصديقا بالوعد إلى أن 
يسر الله المأمول في هذه السنة مع العوارض المذكورة والعوائق المشهورة» لم أرتب 
أن قنع قبما مضى والتيسير ال لم يكن إلا خير أراده الله تعللىا؟ ممن ألقى إليه 
أزمة اختياره» وسلم إليه أمر تدبيره في إيراده وإصداره. فلم أزل بعد ذلك أتعرف 
حسن اختيار الله لي فيما صرفينٍ عنه وصرفن إليه شيئا فشيئاء وتبدو لي اللمحة منه 
بعد اللمحة» فأحمد الله على ذلك كثيراء فلا تعلم نفس ما أخفى لي في ذلك من 
قرة أعين#» فلله الحمد على ما أنعم والشكر على ما أهم. فعلى المؤمن المهتم 
بإصلاح حاله دينا ودنيا أن لا يغفل عن الاستخارة ثل مهم عرض له مع توطين 
النفس على الرضى عا يجريه القضاءء واعتقاد أنه الأولى» ثقة بوعد الله على لسان 
رسوله صلى الله عليه وسلم. وقد مر الله علي بعد ذلك علازمة الاستخارة في كل 
شؤون والإعراض عما هو من قبيل الطيرة وما شاكل ذلك والاهتبال بالمرائي 


(1) ساقط من ط. 
(2) إشارة إلى قوله تعالى: (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كائوا يعملون): السجدة: 
17. 


- 55 - 


الموحشة» فحيث لم ألتفت إليه بالكلية» فلم أر من الله قي كل أحوالي إلا خيراء 
وإن خفى عن ذلك في بعض الأحيان اعتقدته حي يبدو لي ما أراد الله ابتداءه من 
ذلك» والله المسؤول أن يتم نعمته عليناء ويلع إحسانه إليناءإنه "يع حيب. 


- 56 - 


وحين رأينا من الأخ المذكور قوة عزمه» وشدة إقدامه على القدوم وحزمه 
لم عكن إلا مساعدته» إذ لم تغن مواعدته» فارتفعت الوانع قهراء وأذن من كان 
فى دهراء وركبنا للتهيئ للسفر كل صعب وذلول» وطبنا أنفسا عفارقة |المازل 
والطلول» فيس الله غالب الحتاج إليه ف أقرب مدة. وجعلنا الاعتماد عليه فيا 
تيسر وتعسر أقوى عدة وكان العزم منا وقد بقي من الشهر نحو من نصفه 
وال ركب في سجلماسة!) قد عزموا على الخروج في ذلك الوقت لطول إقامتهم يما 
وغلاء الأسعار» فوحهت كتابا إلى أمير الركب الأخ الصا وا محب الناصح؛ 
سيدي محمد بن محمد الخفيات رضي الله عنف أخبره بقدومنا عليه وعزمنا على 
التوحهء وكان يحب ذلك كثيرا لما بيننا وبينه من الألفة والمودة» وما كنا نحج قبل 
ذلك إلا معه» فجزاه الله حيرا من أمير هو ف الحقيقة خخادم لرعيته» وساع في 
مصالح أهل رفقته» قد جمع الله له ما زانه به من الأخلاق الحسنة حياء وكرما 
وصبرا وشجاعة وديانة وحلما. اوسألته أن ينيط الحجاج ويستوقفهم أا ريشا 
نيسر من أمرنا أيسره» وأخبرته أي خارج ج أول الشهرء وكتبت أيضا إلى من له من 
أهل الركب وحاهة أو كلام يسمع» كصاحبنا الفقيه النبيه امحترم الوحيه قاضي 
مدينة مراكش وأعماطاء وأحد قضاة العدل في مغربنا على احتلاف أعمافهفاء 
سيدي أحمد الخطيب©. فلما وصلهما كتابي وحدهما قد قيئا للخروج» وشق على 
الحجاج انتظارناء والعذر هم۴ في ذلك مبذول» فبذل كل واحد منهما وسعه ف 
سياسة الحجاج وتشبيطهم وتحيلا في ذلك من الخيل ما هو معدود في -حسناقماء 


(1) سجلماسة: في صحراء المغرب» بينها وبين البحر عشرة مراحل» وهي على نهر يقال له زيز» وهي 
مدينة كبيرة كثيرة العامر» وهى مقصد للوارد والصدر: نزهة المشتاق فى اختراق الآفاق 225:1. الروض 
المعطار» ص: 305. ١ ١‏ 

(2) أحمد الخطيب المراكشي: وصفه صاحب الإعلام . تقلا عن الرحلة العياشية ‏ بالفقيه الذبيه المحترم 
الوجيه قاضي مديئة مراكش وأعمالهاء وأحد قضاة العدل في المغرب على اختلاف أعمالها: الإعلام بمن 
حل مراكش وأغمات من الأعلام 2 320. 

(3) في ط: لهم. 


- 57 - 


فجزاهما الله خيراء وأنا في خلال ذلك في غاية الانزعاج» والسعي في أمور المشي 
على استقامة تارة واعوحاج» وكنت كثيرا ما أنشد في تلك الأيام قولي": 
[رمل] 
فوضالأمر إلى من حكمه 20 نافِذفي كل ورد وص در 
وإذا نارّعكالوهمٌ ققل | كل شىىبقضاء وقدر 
وأسندت التراع إلى الوهم دون العقلء لأن العقل لا ينازع في ذلك إلا عند 
غلبة الوهم عليه. ولا حد جد البين وأزيحت العلل وزال الْيْنا» عظم فراقنا على 
كل من له بنا تعلق» وأكثروا التضرع في ذلك والتملق» ول يدعوا حيلة في تثبيطنا 
إلا ارتكبوهاء ولا حبالة إلا نصبوهاء وبعثوا في ذلك إلى شيخنا ومفيدناء وهادينا 
ومرشدنا سيدي أي محمد عبد القادر الفاسي(۴ > رضي الله عنهول يستنجدون 
به فيما أرادوا من التأخر هذه السنة وكتب رضي الله عنه إسعافا لرغبتهم» يشير 
بر ختواطرهم» والخري على مقتضى أوامرهم» وقد = والله - امتئلت إشارته» 
ولقد قال لي في أثناء المداعبة بعض من يتمئ المصاحبة: ما كان مشيك هذا إلا 
فرارا من هذه السنة الشهباء الي أكثرت في القرى حرقا وثي الأقوات نمبا وفي 
ذلك قلت: 
[متقارب] 
وقالوا: فررت وليس الفرار لالك ي القوممن نفعله 
فقلت: فررت إلي المصطفى ومثلي يفسر إلى ماله 


(1) ورد البيتان في: النبوغ المغربي 819:3. كتاب: أبو سالم العياشي المتصوف الأديب» ص: 408. 

)2( المين: الكذب: لسان العرب: مين. 

)3( أبو محمد عبد القادر بن علي بن الشيخ ابي المحاسن الفاسي» إمام مشارك» وعالم متصوف» ولد عام 
سبعة وألف» أخذ عن أئمة كبار» كالحافظ المقري» وأبي الحسن بن الزبيرء وغيرهما. تولى خطة التدريس 
بزاوية سيدي عبد الرحمن» توفي سدئة واحد وتسعين وألف للهجرة: خلاصة الأثر 2 التقاط الدرر» 
ص: : 181-117. الأعلام 41:4. 

(4) في ط: عنه. 


-58 - 


وقال آخرون يي محاورقم عندما رغبت عن مجاورقما؟: ما قصدت إلا 
الإضرار بإحوانك» والفت في عضد أعوانك» ولمرء - كما قيل - كثير بأخيى 
وقل من يعدم إصابة الغرض في تأنيه وتوخخيه» وف ذلك قلت: 

[طويل] 

أحبة قلي لا ضرار ولا ضرر ولكننا نرضى بما ساقه القدر 

ساأنفعكم في غيبت بالدعاء في مواقف حجي حيث أصفو من الكدر 

ولست بناس عهدكم وودادكم و إن طالت الأيام واتصل السفرٌ 

يذكرنيكم كل حسن رأيته ولا سيما برد العشية والسحر 

ولقد نفعتهم» > واش أي نفع» ودفعت عنهم مع غيبيٍ أعظم دفع» وأي نفع 
ودفع أعظم من الول بين يدي الڼي» صلى الله عليه وسلم» بكرة ع 
أوقات الشدائد الي كانت عليهم؛ > والأهوال الي طارت© لديهم» أستشفع به إلى 
الله في دفع الأسواء وإزالة الأدوا وما غفلت عنهم ولا عن واحد من أحبائي» 
وخحالصي أودائي» إلا في أيام المرض الي غفلت فيها عن نفسي» وكدت أغيب عن 
حسي» وإن لأرحو لي وهم حصول بركات تلك الأوقات» في سائر أحوالنا في 
الحيا والممات. 

ولا علمت أن نفس الناظر قد تتشوق إلى القصائد المدحية الي ذكرنا أولا 
أن بركتها هى ال أزالت العوائق» وفجت لنا الطرائق» أردت أن أذكرهاء 
وذكرها بتمامها يستدعى طولاء وقد أفردنا ها حلا لما جمع الله شملها بأعواقاء 
ولكن أذكر منها بعض أبيات تناسب المقصود» وترغم أنف الحسود» فمن ذلك 
مطلعها احمود» وهوا6: 

[طويل] 


0 د اء‎ f 
أقول وجمذ الله أجعله بدءا مقال مريض قله يطلب الرءا‎ 


(1) في ط: مشاورتهم. 
(2) في ط: صارت. 
0 وردت | القصيدة في: اتج ) مخطوط الخزائة العامة للوثائق والمخطوطات بالرباط» ضمن 


-59 - 


مدي رسول الله طب غلائلي 
فقلي به جذلان والروح ناعم 
إذا نابي أمرٌ فرعت لمدحه 
ني له الخلق الكرع وكملخ 
فبكر الشفاعة العميمة ما ارتضت 
يقول» وقد حار الفحول: أنالما 
فيشفع بدءا ثم يرجع عائدا 
ومن ذلك ف قافية الثاء(): 


هنيئا لمن قد زار طية لابفا 
فمنْ حل فيها طابً حيا وميا 
فحسن بجيران النبي ججميعهم 
هو الليث هم أشبالهُ وهي غايمم 
فيا ليث شعري هل أرى طيبة وهل 
وهل أققن ما بين قبر ومنبر 
أناجي رمول الله بالسّر تارة 
وأطلب من مولاي مسعشفعا به 


ومنها في قافية اللنيما©: 


وردءي من الأهوال حَسي به رذءا 
وعيني به قرت وكفى به ملكا 
فأغطى به خيرا وأكفابه رزءا 
محاسنةٌ لا نتقص فيهاولا سوءا 
وكم خاطب غير ابن آمنة كفؤا 
بمسمع أهل الجمع طرا وبالرأى 


وقد حمدوا من أحد العو واللدءا 


[طويل] 


إلى الموت فيها لا عدمت ما الفا 
ظنونك وامدح كلهم ودع البخنا 
ومن أغصب الأشبال فليتق الليغا 
أحث ركاب في زيار ها حنا 
أصلي» وكم سر هنالك قدبنا 
وأشكو إليه بعدها الحزن والبكشا 


هدى وسرورا قارن الموت والبعغا 


[طويل] 


(1) وردت القصيدة في التوجيهات: 138. 
)2( وردت القصيدة في: التوجيهات ص: 139. 


- 60 - 


جاع الفدى في حب أحمد أدرجا 
إذا ضاق بي أمرٌ وكانت وسيلقٍ 
وټذما به قد فرج الله كربق 
وجربت في دفع الرّدى كل حيلة 
فما المدح إلا مايخص جنابة 
وم أر في نيل لمن كتوسل 
وأخلص فيه القصد لله وحده 
وحاشاإهي أن يخيب سالا 
فيارب فاجع ل لي ببجاه محمد 
وجد ل ما يُرَضِيك عني وأمسدي 
ومن على ضعفي وئور بصيري 
ولا تجعل الدعوى مقامي والفوى 
ويَسِرٌ إلى البيت العتيق وفادة 
وأخرى إلى خير الورى وإقامة 
فيا طيب ذاك العيش لو نلعةٌ فما 
فيا خير خلق الله ما لي أذاڈ عن 
إذا هاج شوقي رمت نحوك رحلة 
فكم مرة صممت دون تردد 


فيصرف شؤم الذنب وجهي وينطفي 


(1) الوجا: شدة الحفا: لسان العرب: وجا. 


- 61 - 


فما لي سواه في الشدائد مُلتجا 
إلى الله مدجي للني تفرجا 
ويسر لي من فضله كل مرتجا 
فلم أرَ في شيء سوى مدحه النّجا 
ومدح سواه في الحقيقة كالججا 
به سيما إن غلب السئل الرجا 
وناجى به مولاةٌ في ظلمةٍ الدجى 
خير عبد الله كان له اللجا 
حبييك من كل الشدائد مخرجا 
إليك به ربي من العلم والججا 
بنورك في ليل الخطوب إذا سجى 
إماميّ واسلّك بي إلى الحتق منهجا 
لعبدكَ لا يشكو كلالا وله وج( 
هناك فما أحلى المقام وأيمجا 
أشد إِذًا فقري إليه وأحوجا 
هماك وقدما كنت هوك مرعجا 
فعاد صحيح العزم مني أعرجا 
وألحم مني العزم خيلا وأمرّجا 


من العزم ما قد كان من قبل مسرجا 


وما ذاك إلا من خصال كرعة 
سل الله يرزقني اتباعك سيدي 
وصل وسلم ياإهي عليهما 
صلاة تفوق الحصرَّ مسك أعُدها 


سريعٌ لبذل الال إن جاء سائل 
إذا لم ينل منه المؤومل كل ما 
عدحك قرت عيڻ كل موحد 
إذا للت آياتهة زاد وجده 
فهل لي وصل والمهاية بينا 
وأرض يحارٌ الفكرٌ في قطعها فما 
نحا القطا في قطعها وئكل عن 
فيا بعد ما أرجو من الوصل إنني 
فما ترك المشتاقٌ للوصل حيلة 
عليه صلة الله قحو جرائمي 
ومن ذلك ف قافية الدال: 


يما صالح الأعمال قد صاز بمرجا 
فلم ينج إلا باتباعك من نجا 
غدا قاطعا في سيره البدر أبُرجا 


لصال أعمّإِلي لبابك مثرجا 


[طويل] 


وللطعن في الميجاء إن جاء صارح 


3 


8 3 


مے 
وحن إليه القلبْ والسمع صائخ 


وبات ودمع العين للخد ناضخ 


رجاه لعذر فهو لاشك را 


وبينك تفز والججال بواذخ 
تعد به أميالها والفراسمٌ 
تجاوز أدناها المطايا الدوائخا* 
من الال صفرٌ الكف والرجل بائث(6 
وما ساعد التوفيق بالعزم رائ ا١‏ 
و إن لثوب التب بالذنب لاخ 
كما أن ضوء الصبح لليل سال 


)1( وردت القصيدة في التوجيهات ص: 145. 

(2) الدوائخ: التي تدوخ المكان؛ أي تجول فيه: لسان العرب: دوخ. 
(3) بائخ: عدا حتى باخ؛ أعيا وانبهر: لسان العرب: بوخ. 

)4( رائخ: من راخ» أي لان واسترخى: لسان العرب: ربخ. 


- 62 - 


أرومٌ ارتحالاً وة فص 
فصرت معنى لا الوصال ياح لي 


G: 


رضيت بما يقضي به الله من نوى 
فكيف أخافُ الصد والمدح شافع 
فإ وإن حال القضا دون وصّله 
ولا يأسَ من روح الإله ففضله 
فيا خيرٌ خلق الله ضاقت مذاهبي 


وقد ساءئ ما نالئى من بعادكم 


[طويل] 


ذنوب يما قد صرت في الغل والقيدٍ 
ولا امكث يهنا لي لما بي من الوجد 
وعد مكان ما سلمت من الصد 
إليه وما يحوي الفؤا من الود 
فقلبي بفضل الله باق على العقد 
عميم فلا يُحصى بحصر ولا عد 
فتجذبني من غير عزم ولا قصل 
وقلي في سهو عظيم على عمد 
وقد غاظني غيظ الأسير على القيدٍ 


أصيبرٌ نفسي تارة ثم تارة أعلل إن عز التصِررٌ بالرعدٍ 
وهل نافعٌ وعد امرئ لا يفي به وليس لمصدور عن النفث من بد 


ومن تأمل ما أبليته 52 هذه القصائد من لطيف المخطاب» و حسن المترع 
الذي يستلذ في الأسماع ويستطاب» وبارع التوسل بأفضل رسولء وي بلوغ المى 
والسؤل» م يرتب أن بر كتها لي مزعجة» وأن مقدمات سعيي لبلو غ الوطر منتجة. 


لطيفة: 


أخبرن الشيخ الراوية أبو مهدي عيسى بن محمد الثعالبي التعفري!! عن 
بعض أكابر مشايخه أنه كان يقول: إن للقصائد» خخصوصا إذا كانت عن حضور 
قلب» أثرا عظيما في تفريج الكربات» ونيل الرغبات» أعظم من أثر الأوفاق 
والدخوات وترتييها ف الخلرات؛ وقد حرب ذلك فظهر صدفه ولا يبعد أن يكون 


)1( عيسى بن محمد الثعالبي الجعفري» من فقهاء المالكية الكبار» جاور بالمدينة المنورة مدة» وتوفي في 
رابع وعشرين من رجب عام 0 : خلاصة الأثر 2240:3 التقاط الدرر» ص:179. الأعلام 108:5. 


63 


لترتيب الألفاظ على وزن مخصوص ينشرح معها الصدر للتضرع واللجإ إلى الله 
ويقوى معه الرحاء يي حصول المطلوب» خخاصية في تسهيل المقاصد» وأغرب من 
ذلك ما رأيته في بعض التقاييد بعد قول الشاعر: 
[طويل] 
وکت إذا ما جئت سعدى أزوزها أرى الأرض ثطرى لي ويذنو بعيدمًا 
من الخفرات البيض ود جلها إذا ما انقضت أحدوثة لو تعيدها 
قال ابن عديس رحمه الله: إن هذا الشعر ما قيل في طريق إلا سهلت» ولا 
مكان مخيف إلا أمن فيه ولا جاعة إلا حصل الشبع» ولا معطشة إلا حصل الري» 
وذلك لخاصية ف حروفه» وهو ما ”مع من كلام العرب. 
قال: ومن هذا المهيءا6 أن هذا الشعر الآنْ ما قيل ثلاث مرات في ضيقة إلا 
فرج الله عن قائله» وهو: 
[رحز] 
كم حاصرتني شدة بجيشها وضاق صدري من لقاها وانرعج 
حت إذا أيستة من زوالمها جاءتي الألطاف تسعى بالفرج 
انتهى. 
قلت: وما ذكر من كون الخاصية في ترتيب الحروف قد ذكر نحوه بعض 
أهل الطريق في توحيه كون بعض الأذكار يعزى إليه من الخواص ما ليس لخيره»مع 
اشتماله على ما فيه وزيادة» والله أعلم. 


)1( ورد البيتان بلا نسبة في كتاب: التذكرة الفخرية 97:2. نشر المثاني 132. 
)2( في ط: ڏیلی. 
)3( مهیع: طريق مهيع: واضح واسع: لسان العرب: هیع. 


- 64 - 


لطيفة: 


ظفرت في بعض التقاييد بسر من أسرار الله احسين وذلك إسمه تعالى: الكافي 
الغني الفتاح الرزّاق؛ ومن لازم ذكر هذه الأسماء وهو يتمَنّى شيتا حصل له نفضل 
الله . ولا عزمنا على المشي وأحذت!" يي مع أسباب السفر» وأهمن أمر الرواحل 
إذ لم يكن عندنا منها شي وضاق الوقت غاية عن© السعي في ذلك» وحعلت 
هذه الأسماء من ورّدي وأضفتها إلى التهليل» فما مضت ثلاثة أيام أو نحوها من يوم 
شرعت في ذلك إلا وقد يسر | لله العظيم» ومنح من خزائن حوده الواسعة ما فضل 
عن الكفاية» ولله قي أسمائه أسرار» تضيق عن حملها الأسفار» فمن لازم هذه 
الأسماء بصدق وهو يتمئ مقصودا محمودا شرعا ويسعى في إدراكه؛ يسر الله له 


نه و مه" 68 ١‏ 


(1) في ط: أخذنا. 
(2) في ط: على. 
)3( زيادة من ط. 


-65 - 


ذكر خرو جتنا من اليلد ووداع الأهل والوالد والولد 


حرجنا من بلدنا والعجلة لنا حادية» وعناية الله هادية!» صبيحة يوم 
الخميس أول يوم من ربيع الثان» وتوخينا ذلك اليوم رحاء بركة قول البي» صلى 
الله عليه وسلې > اللهم بارك لأمى ف بكورها يوم الخميس. وقد برزنا أمس ذلك 
اليوم إلى حارج البلد بإخراج الخباء والأمتعة والرواحل» ليتهيأ لنا التبكير المقصود. 
وبعد صلاة الصبح من يوم الخميس خحرحت إلى زيارة قبر الوالدا رضي الله عنه 
ووداعه» ثم ودعت الأهل والعم والوالدة» وودعون وأودعتهم الله الحفيظ 
وأودعون» وقرأت من الآيات والأذكار ما وردت في قراءته عند الخروج من 
المنازل الآثار» وحعلت آخحر عهدي بالمسجد» وشاهدت بركة امتثال السنة في 
كل ذلك في المستقبل» ثم نحرحنا إلى مخيمنا حيث الخباء والرواحل» وزرنا قبر 
الرحل الصاح سيدي عبد الله المازغي الدادسي» وكان بإزاء المترل. ثم أعذنا في 
الترحال عند طلوع الشمس من المترل الذي برزنا إليه بالأمس» وودعنا هنالك 
کٹیرا من الأصحاب» وحملة من الأولاد والأحباب» يي موقف مدت الأيدي فيه 
إلى الله ضارعة» وحأرت الألسن بالدعاء بقلوب حاشعة» وتتابعت الزفرات» 
وأثارقا الحسرات» وغبط المقيم الذاهب» وشكر الظاعن الواهب» ومزحنا بحلاوة 
المتوقع مرارة الواقع» وقد يستشفى من بعض الأدواء باحتساء السم الناقع. 

وحين فارقت الولدى والغرام فيه حصم ألدء سكبت من الدموع سجلاء 
وقلت أودعك الله نجلا وف ذلك أنشدت١:‏ 


(1) في ط: بادية. 

(2) سنن ابن ماجة 752:2. 

(3) هو محمد بن أبي بكر العياشي مؤسس الزاوية العياشية أخذ عن عدة شيوخ» وكانت يدنه ويين الجميع 
صحبة ومخاطبات كما يقول ولده» توفي سنة 1067ه: اقدفاء الأثرء ص: 20103 التقاط الدرر» ص 
9. صفوة من انتشر» ص: 242. 

(4) في ط: وردت الآثار في قراءته عند الخروج من المنزل. 

(5) في ط: عبارات: وجأر: يجأر جأرا: رفع صوته بالدعاء مع تضرع واستغاثة: لسان العرب: جار. 

(6) ورد الييتان» الأول والثائي في كتاب: أبو سالم العياشي المتصوف الأديب» ص: 434. 


- 67 - 


لكمابقلبي رجهة ومودة 


إن ليُذكرئ يماداعيالممهوى 


قد ذقت بُعدكما ونعدي ذقتما 


[كامل] 


مني وأختك ما قللت وصالا 
بنياط قلي قد عُقدت حبالها 
تركي العزيرّبماعءه واا 
فأقول مالي إذا يست وماللما 


نار الفراق وما أمض وبانما 


وزاد معنا بعض الإخوان والجيران» ممن هو في تخلفه عنا حيران» ولم يرحعوا 
إلا من مسيرة فرسخ أو أكثر» وأفكارهم في أذيال الحسرة تتعثر» ورعا أذكرني 
الوهم بعد المسير» محاورة الأهل قبل ذلك بيسير» وقوطم: لقد حملت نفسك من 
البين ما لا تطيق» وألزمتنا من فراقك ما عنه نطاق الصبر يضيق» فأنشدت في ذلك 
واصفا للحال» والقلب عن تذكره ما مال01: 


[طويل] 


ول أنسهًا يقظانة الهم في اللحشا 
تقول وقد جد الرحيل أهكذا 
أتتركٌ أفراخا كزّغب القطا وما 
فقلت ما: كفى اللا وأعرضت 


فودعتها والقلب منطبق على 


مُبلبلة الأشجان وسنانة الطرفي 
تُحملني ثقل الفراق على ضعف 
وحمت بنيك إذ سلوت عن الإلف 


نشف النقااة تستعرض الدمع 


أساةٌ ودمعي لا يمل من الوكفي 


ع س ر ع الم إلا أن أو مع الط 


ذلك الفصل» م ما کان طاح الى من أسباب الفعمل وار » فبتنا قريبا 
من خنق تليشت في أرغد عيش» وزال عنا بعض ما كنا فيه من الطيش إذ كنا 
)1( وردت الأبيات في: النبوغ المغربي 3 


)2( الختدف: الظبي: لسان العرب: خشف. 
(3) الثقاء كثبان الرمل: لسان العرب: نقاء 


68 


قبل ذلك في أشد ما يكون من القلق» حوف التعويق عن الركب لأنهم عازمون 
على الخروج من سجلماسة. ونحشینا ألا ندر كهم» ورسلا تتابع إليهم أن 
ينتظرونا» ورسلهم تترادف إلينا تستحثناء فأقلقنا ذلك و لم يلذ لنا مكث ف البلد 
ولا قرار حي حرجنا وبات معنا تلك الليلة أخحونا سيدي محمد» وكان حرج 
ونيته التوحه معناء ثم عرض له في تلك الليلة عارض مرض» فرحع من الغد إلى 
البلدى فشق على النفس رجحوعه وسالت على ذلك من الجفن دموعه» وكان عن 
يعتد به في الطريق» ويرى فيه خير رفيق» وتأنا لفراقه غاية» ولكن ف الله الكفاية. 


5 
لطيفة: 


ما ألهمته عند ذلك التألم الرحوع إلى الل والاستغتاء به عمن سواف 
وأكثرت من قول حسبنا الله ونعم الوكيل» وحعلته ورّدي ذلك اليو فظهر سر 
ذلك وبركته فقد حاء في الأثر أن من قزل به أمر وأكثر الحسيلة حمل الل له مه 
فرحا ومخرحاء والكتاب العزيز مرشد إلى ذلك بقوله: "فانقلبوا بنتعمة من الله 
وفضل”"27, الآيق بعد قوله: "وقالوا حسبنا الله ونعم ال وكيل "2. 

وقد قالت زينب/6 بنت ححش لعائشة رضي الله عنهما في كلام حرى 
يينهما: ماذا قلت حين ملك صفوانا۴ على حمله؟ قالت: قلت: حسبي الله ونعم 
الوكيل. فقالت زينب: لقد وفقت لما وفق إليه حليل الرحمن حين ألقي في النيران. 

وهذا من السر المكنون» فينبغى للمؤمن إذا نابه أمر أن يلجا أولا إلى الله 
تعالى في دفعه مخلصا في ذلك» فلا يشوبه نظر إلى حوله وقوته وحيلته وتدبیره 
فضلا عن حول غيره» ثم يكثر من الذكر المأثور» مستحضرا لعناه» واثقا بوعد الل 
فانه يرى عجبا. ولقد شاهدنا ذلك في هذه النازلة وغيرهاء حي رأينا من لطفه 


)1( آل عمران:174. 

)2( آل عمران: 173. 

(3) ساقط من ط. 

(4) أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنهاء توفيت سنة عشرين: شرف الطالب في أسنى المطالب» 
ص: 12. 

)5( صفوان بن المعطل بن رخصة» من الصحابة تكلم عنه أحهل الإفك» اختلف في تاريخ وفاته» ورجح 
صاحب سير أعلام النبلاء أن تكون سنة 19 ه: سير أعلام النبلاء 547:2. 


-69 - 


تعالى بنا وتوليه لنا في كل أمر وكفاية لما نعده في سالف الدهرء ما لا يخطر بيال» 


ولقد بكيت في ذلك اليوم بدموع غزيرة» كادت أن تنفضح منها السريرة» 
مواقف» وفارقت اليوم من أصحاب ومعارف» وتحرعت من كؤوس الفراق» الذي 
لا يرحى بعده تلاق» وما كان الحفن ي كل ذلك يسمح بقطرة» بل غاية ما يقع 
زفرة تثبرها حسرة» وأراك هذا الفعل المرتضى» قد حالفت عادتك فيما مضى» فما 
السبب في هذاء وخحرق هذه العادة اذا ؟. فألقي في روعي أن القلب لما قسا قسا 
في كل شيء» ولا لان بفضل الله لان في كل شيء. فحمدت الله وشكرتف 
وعلمت أن العلة ما ذكرته» وما يقضي الله من قضاء لعبده المؤمن إلا كان حيرا 
له. 


ثم سرنا يومنا ذلك إلى الليل وبتنا في تعلالن» ومن الخد ارتحلناء وهو أول 
يوم من أيام الشتاى ودخحلنا الختق!؟ ونزلنا بقصر بني عثمان» وبتنا فيه ولقيت هناك 
محبنا الفقيه النبيه المقرىء انيد محمد بن محمد السوسى» وبات معناء وهش وبش 
وأنس وأحسن قدر وسعه» وودعناه هناك واستودعنا عنده صا الدعاء. ثم ارتحلنا 
من هناك وزرنا عشية ذلك اليوم عدغرة قبر الإمام الحسيب النسيب الحافظ اللافظ 
تلك الليلة عند ولده الذرية الطاهرة» والسلالة الطيبة الباهرة» الفقيه الأرضى الس 
ا مرتضى» اسن الأحلاق الطيب الأعراق» مولاي محمد المدعو ابن علي(۴ رضي 
الله عنه وأرضاه ونفعنا عحبته» فقد بالغ في الإحسان» عا قرت به عين كل إنسان» 
وأحزل القِرى لحجاج أم القرى» فلم يدع حيرا إلا فعلهء ولا ميسورا إلا بذله» من 


)1( الخذق: بالقاف المعقودة» والخئق هو ممر ضيق في الجل: اس الساري والسارب» ص: : | ه2. 
)2( أبو محمد عدد الله بن علي بن طاهر بن الحسن بن يوسف الحسني السجلماسي» عام عامل» توفي عام 
4 ه: التقاط الدرر» ص: 297 نشر المثاني1 :1 فهرس الفهار س 469:1. 

)3( أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن علي» المعروف بمولاي بن علي» فقيه مشارك» حج ولي المشايخ» 
توفي بالطاعون عام 9 ه: صفوة من النتشرءعص: 341. إتحاف الأخلاء» ص: 90. 


- 70 - 


طعام وشراب» وعلف دواب» وغير ذلك نسأل الله أن يكافيه عنا بأحسن المكافأة 
ويحفظه دنيا وأحرى من جميع الآفات. فبتنا عنده في نعمة كاملة ومسرة شاملة. 
واغتنمنا بركة لقائه وصالح دعائه» واستودعناه الدعاء ي حلواته وأدبار صالواته 
فتكفل بذلك لناء ورأيناه من أحل نعم الله عليناء وعقدت معه عقدة الأخوة في الله 
تعالى» أكرم به من عقد لا تحله يد الحدثان» وما لصروف الدهر عليه بفضل الله 
يدان. نسأل الله أن يحشرنا به في ظل العرش» ويصفي قلوبنا من كدورات!" الغش. 


5 
لطيفة: 


ما استفدته من مولانا المذكور حفيظة تلقاها من والده» رضي الله عنهماء 
تقرأ في محل الخوف» وهي آية الكرسي ثلاث عشرة مرة إلى (العظيم)» وسبع 
عشرة إلى (خالدون). وذكر لنا حفيظة أخرى وهي سورة يس معها يسم الله 
الرحمن الرحيم إحدى عشرة مرة. 

ثم ارتحلنا من عنده ومررت بالفقيه النبيه الدراكة المتفنن سيدي أبي بكر بن 
علي بن محسن» فودعناه وأودعناه الدعاء الصالح» وتوف رحمه الله أيام غيبتنا 
بالحجاز في أوائل سنة اربع وسبعين والف. وم نترل ذلك اليوم إلى وادي الرتب 
عند رئيس البلد محمد بن حعفر» وأحسن الترل» وأطعم الجزل» فجزاه الله خخيرا. 

ثم ارتحلنا من هناك ونزلنا بزاوية سيدي أحمد بن عبد الصادق» فتلقانا ولده 
سيدي بن عبد الله بالبر والتعظیم» والترحيب والتكريم» فوحدنا بين أهل بلده فتنة 
عظيمة» وحاصر أحد الفريقين الآخر» واستعانوا بأمير البلدء وقطعوا هم مثين من 
النخل» والله يخمد نار الفتنة. 

ثم ارتحلنا صباحا وتلقانا في الطريق الشريف العفيف الفقيه اللبيب امحتهد في 
دينه» المتحري في دنياه مولاي محمد بن عبد الله بن سعيد©» وهو ممن تأكدت 
المعرفة وامحبة بيننا وبينه قبل ذلك» واستودعناه اللعاء وتكفل به وذلك أيضا من 
أحل النعم لدينا. 


)1( كدورات: جمع كدر؛ نقيض الصفاء: لسان العرب: كدر. 
(2) في ط: السعيد. 


- 71 - 


لطيفة: 


استفدت من مولانا المذكور حفيظة تستعمل في محل الخوف وهي سورة 
يس هسين مرة» قال: ما قرئت في أمر مهم إلا حصل. 

ثم سرنا يومنا ذلك» ودشحلنا سجلماسة عشية» ونزلنا عصلى العيد حارج 
قصبتهاء ووحدنا الركب قد نزلوا الغرفة حارج سجلماسة منذ أيام» وخخرج أمير 
الركب سيدي محمد بن الولي الصاح سيدي محمد الحفيان يوم دخولنا لسجلماسة» 
وكان وصولنا يوم الأربعاء وال ركب قد عزم على الخروج يوم الخميس» > فلما بلغه 
تحبر قدومنا رججع إلينا وقام معنا في حوائجنا أتم القيام) فجزاه الله حيرا وأحر 
الخروج بسببنا إلى يوم السبت» فلم نقم في البلد إلا يومين» وما كدنا أن نصل فيها 
إلى غرض من الأغراض لضيق الوقت» وقضينا من الحوائج ما أمكن» ول نتفرغ 
لزيارة الصالحين الأموات» ولا لقاء الأفاضل الأحياء» فما زرنا من مزاراتما إلا قبر 
الولي الصالح سيدي عبد الله الدقاق!"» وكفى به. وما تركنا زيارة غيره رغبة عنه 
بل لما ذكر من الاستعجال. والشيخ الدقاق ممن ظهرت بر کته وهو ممن ذکره 
النادلي© ف كتاب© التشوف) وآثر من أحواله و كراماته ما يدل على شرف 
قدره» ونباهة أمرهى وهو من أهل السادسق والله أعلم. 

ولقينا(۴ من أفاضلها وبجتمع فواضلهاء وأمثل أماثلهاء وواسطة عقد نبلائهاء 
محمد بن مباركا۴» أسخى أهلها يداء وأرشحهم ندى» وأكثرهم إنفاقاء وأحسنهم 


)1( عدد الله الدقاق» من هل سجلماسة وأحد كبار مشايخ التصوف» أخذ عن أبي مدین وأبي عمرو 
التلمساني؛ كان يتردد كثيرا على فاس: التشوف إلى رجال التصوف» ص: 156. 

)2( التادلي: أبو يعقوب يوسف بن يحيى المغربي» المعروف بابن الزيات» علامة مؤرخء له تأليف في 
صلحاء المغرب وشرح لمقامات الحريري» توفي وهو قاض بدقواق سنة سبع أو ثمان وعشرين وستمائة 
للهجرة: شجرة النور الزكية 265:1. 

(3) ساقط من ط. 

)4( التشوف إلى رجال التصوف» ص: 156. 

(5) في ط: لقيت. 

(6) محمد بن مبارك السجلماسي المغرواي» فقيه نحوي» توفي في ربيع الأول من عام 2 ه: التقاط 
الدرر» ص: 222 


-72 - 


أحلاقا» فواسى بالنفس والمال» واستمال كل قلب منا فمال» فجزاه الله عنا وعن 
المسلمين أحسن الجرای ووقاه سائر الأرزاء. 

ولقيناا" أيضا ححطيب جامعها الأعظم» ومدرسها الأفخحي الفصيح اللسان 
السيد. ولقيت ما أيضا يوم الجمعة ف مصلى الأمير الأخحوين الفاضلين الفقيهين 
النبيهين اللبيبين المدرسين سيدي أحهد ین محمدا6 وأنحاه محمداة) التاجموعتين» وم 
يقتض امحل ف الملاقاة اتساعاء فكان السلام معهما وداعا. ولقيت أيضا في ذلك 
املس الفقيه الأحل» القاضي الأبجل» سيدي رضوان. وأما الأحوان الأبجدان 
الأسعدان الفقيه المدرس سيدي العربي بن عبد العزيز وأخوه الأديب الأريب 
سيدي أحمدات فلم ألقهما إلا يوم انفصائنا من البلد لما حرحوا لوداع الركب. وأما 
الأمير (مولاي محمد الشريف بن علي الحسن)©» فقد أحزل الضيافة في يومي 
الإقامة) وزود مما يحتاحه المسافر أمامه» تقبل الله منه صالح عمله» وبلغه من الخير 


منتهى أمله. 


(1) في ط: لقيت. 

(2) نكر العياشي في إتحاف الأخلاء محمد بن عبد الله بن السيد الذي أشر كه معه في استدعاء الإجازات 
من شيوخه بالمديئة المنورة سنة 1073» أنظر: إتحاف الأخلاء» ص: 90. 

(3) أحمد بن محمد التجموعتي الفيلالي» من أشياخ الحسن اليوسي» توفي عام 1080ه: خلاصة الأثر 
1 التقاط الدرر» ص: 119 الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين 526:2. 

(4) محمد بن محمد التجموعتي» عالم محقق» من أشياخ ابي علي اليوسي» توفي عام 1088 ه: خلاصة 
الأثر 348:1» التقاط الدرر» ص: 200. الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين 526:2. 

)3( أحمد بن عبد العزيز السجلماسي: أديب مغربي» حج في سنة اند ثنتين وثمائين وألف» وجاور بمكة وأقرأ 
بالحرم الشريف» توفي بمصر سنة 1085 ه: خلاصة الأثر 236:1. 

(6) ما بين وسين ساقط من ط. 


“73 - 


أفضلها لأمير الركب» واستصحبت الثلاثة الباقية إلى توات» وكتب الأمير أيده 
الله إلى عماله فيما استقبلنا من البلاد أن يعدونا بامحتاج من علف إلى توات. 


74 - 


ثم سافرنا من سجلماسة يوم السبت العاشر من ربيع الثاق» وما خرحنا من 
البلد حي وحدنا الركب أمامنا قد ارتحل وسارء ولم ببق منهم في المترل داع ولا 
جحيب» واقتفينا أثرهم. فلولا أن أمير الركب خلف واحدا من أصحابه ثي منتصف 
الطريق يدلنا على مترل الركب لكدنا أن نذهب عنه» إذ لم نصل إليهم إلا بعد 
العشاء الآخرة» ووحدنا الركب قد نزل في عين العباس» فترلنا معهم وأقمنا غدا 
هناك ننتظر اق بعض أصحابنا ممن تخلف عنا بسجلماسة لقضاء بعض الأوطارء 
فلحقوا بنا قي ذلك اليوم. ومن هناك ودعنا آخرين حاءوا معنا من أهل بلدناء 
وانقطعت أخبارنا عنهم وأخبارهم عنا. وكتبنا معهم كتابا للإخوان والأصحاب» 
وكتبنا من هناك إلى أصحابنا ومشايخنا بفاس!"» ونحن في غاية وصول الكتب إليهم 
بين الرحاء واليأس. 


ثم ارتحلنا من هناك مسرعين» وإلى داعي البين مهطعين۴» و لم يبق لنا التفات 
إلى من وراءناء ولم نشغل بغير ما نحن فيه آراءنا. واستقبلنا أراضي واسعة» ومناهل 
عن العمران شاسعةءلا يهم المرء فيها إلا نفسه» ولا يكون بغير راحلته أو عصاه 
أنسه» أرض لا يتشعب في شعابها إلا حوافق الرياح» ولا يجترئ على قطعها إلا ذو 
حف أو حناح. ثم نزلنا ذلك اليوم عشاء منهلا يسمى الرفاعية» وهي أحساء تحفر 
في رمل وماؤها طيب كالذي قبله» ومنه يؤخذ ماء ثلاثة أيام لقطع الحماد» فتفقد 
الناس قريهم» ورووا ركائبهم» وأصبحوا مرتحلين» وطلعنا إلى ظهر الحماد ظهراء 
وبتنا قريبا من الركب في موضع يقال له وادي السبط ثم ارتحلنا منه وسرنا يومنا 
إلى الليل في أرض حرشة وعرة يغن عن وصفها ما ها من الشهرة» لا حطب فيها 
ولا كلاء ولا ماء إلا ما قي القرب وإلا قلا فلا تلمح العين يي صلعتها إلا 


)1( فأمس: مديئة عظيمة» وهي قاعدة بلاد المغرب» يشقها نهر كيير يسمى وادي فاس» وهي مدينة محدثة» 
ست سئة 192 ه: الروض المعطار» ص: 434. 

(2) مهطعين: من هطع؛ أي أقبل على الشيء ببصره فلم يرفعه عنه: لسان العرب: هطع. 

(3) الصلاع: الصلعة والصلع: الموضع الذي لا نبت فيه: سان العرب: صلع. 


- 75 - 


الصلاع!4: ولا للإبل وأرباما إلى غير مواقع أقدامها اطلاع. وصادفنا فيه ريح بارد 
كأنه من نفس جهنم وارد» قد جمع إلى برده عصفا لا أكاد أستطيع له وصفاء ولم 
نبت إلى المغرب» ولم يجد الناس وقودا إلا أحضر صلاعها في بعض تلاعها. ثم من 
الخد نزلنا من الحماد بعد الظهرء وبتنا قبل العصر تحته في أرض سهلة مسترملة فيها 
بعض ما ترد به الأرض حرعتهاء وتطفئ به لوعتها. ثم ارتحنا من هناك وبلغنا 
وادي حير ضحى» وهو وادي كبير أفيّح» ملتف الأشجار» قليل الأحجار» كثير 
المرعى» غمض المسعى» يجتمع إليه السيول من المسافات البعيدة» ولا تصل إلا بعد 
أيام عديدة» وابتداؤه من ناحية بلادناء وعليه قرى ومزارع» وعتد كذلك إلى 
ناحية الصحراء» والعمارة متصلة في حوانبه إلى أن يصل إلى أطراف الحماد الكبير 
الذي بينه وبين سجلماسة» فمن هناك تنقطع العمارة إلى أن يصل إلى وادي 
الأساورء فتتصل قراه كذلك نحو من عشرة أيام إلى قريب من توات» فينعطف عينا 
في رمال كثيرة» وهو من أطول أودية المغرب مسافة» وأقلها فائدة وأكثرها مخافة 
إلا أنه في وقت مرورنا به في غاية العافية» قد وحدنا به أفراسا مهملة ليس معها 
أحدء ولا يقدر إنسان أن يقرا لبالغة الأمير قي التنقيب عن لصوص تلك البلادء 
وإبلاغه في معاقبتهم فنفع الله البلاد بذلك» وإن كان غالبه ظلما لا تنكر الباطل في 
طوره فإنه بعض ظهوراته. 

وسرنا مع ذلك الوادي إلى الظهرء ونزلنا على ماء يقال له طاية الحمان ثم 
ارتحلنا منه وقطعنا حمادة أخرى» ونزلنا قريبا من موضع يقال له السد على ماء في 
وادي حير غادرته السيول» ثم ارتحلنا منه ومررنا ضحى بقرية يقال ها أحلي» وهي 
أول قرى وادي الساورة» وأول القرى الي كتب لنا الأمير إليهاء فما أحسن 
صاحبها ولا أفضل» ونزلنا ذلك اليوم بقرية يقال ها مازرء ثم ارتحلنا منها ونزلنا 
قرى بي عباس وهي ثلاث قرى متصلة في حبل صغير» على شفير الوادي فيها 
نخل كثير» وفاكهة وبساتين حسنة» وفيها ساقية من الماء الخاري العذب» وبأحد 


(1) الصلاع: الحر: لسان العرب: صلع. 
)2( بئو العباس: قرى عل وادي الساورة: الموسوعة المذريية للأعلام البشرية والحضارية 2/1:4. 


- 76 - 


قراها كان سيدي أحمد بن عبد الله ابن أبي محلى!؟ القائم فيما مضى» ومنها كان 
ابتداء أمره وقيامه, وداره الآن معروفة. 


لطيفة: 


ولا وصلنا إليها وحه إلي سيدي إبراهيم السوسي©» وكان معنا قي الركب» 
ولم تكن لي به إذ ذاك معرفة) سالا منظوما فق ثلاث آبيات لا تحضر ها الآن 
وحاصله أنه قال: هل يجوز للشاعر اللحن في القواقيى أم لا ؟. فاستهجنت هذا 
السؤال» واستنكرت أن يكون صاحبه من له بصناعة الأدب ماسة وعلمت أن 
قصده السؤال عن ضرائر الشعر وما يقع فيه مما هو بعيد عن من منهج العربية ولا 
يجري على قواعدها. فأجبته بأببات مضمتها أن اللحن لا يسوغ في شيم مسن 
الكلام نظمه ونثره إلا أن النظم لما كان أضيق من النثر اغتفرت فيه أشياء كثيرة 
لا يغتفر مثلها ثي التثر ولا يسوغ» وتلك الأشياء متفاوتة بعضها أخف من بعض» 
كقصر الممدود وعكسه» وصرف الممنوع من الصرف وعكسه بالنسبة إلى التقددم 
والتأحير والقلب في حروف الكلمة والحذف فإن هذه أشد من الأولى. وقد 
استوق ابن عصفور في كتاب ضرائر الشعرا۴ غالب أنواع الضرورات» وإن كان 
بعضها لا يخلو من نقد. فإذا علم ذلك فارتكاب الشاعر شيئا ثما ذكر أو نحوه 
ضرورة لا يسمى ناء لأن اللحن إنما هو ما لا وحه له في العربية» إذ لم تستعمله 
العرب ولا قيس على ما استعملته» وهذه الضرائر قد استعملتها العرب» فهي 
حارية على نمج أشعارهم» موحودة ثي بليغ كلامهم» فلا تسمى لحناء ولا فرق في 
ذلك بين القافية وغيرهاء وإغا تخالف القافية غيرها من أحزاء البيت في أمور ليس 


)1( أبو العباس أحمد بن عبد الله بن ابي محلي» كائر متصوف» ولد بسجلماسة بالمغرب سنة 967 ه 
وخرج إلى فاس لطلب العلم مدة رحل إلى المشرق لأداء فريضة الح توفي سنة 1022 ه بعد أن 
خاض غمار السياسة وقاد عدة ثورات: نشر المثاني 1 الأعلام 161:1. 

)2( إبراهيم بن محمد السوسي: ذكر المحبي أن له معرفة بعلم الأوفاق والزيرجاء دخل فاس بعد مراكشس 
وأخذ عن جمع» وأقام بالزاوية من أرض الدلاء مدة» و دخل مصر سنة 1075 ه» تم وصل إلى مكة 
وأقام بها إلى أن مات سنة 1077 ه: خلاصة الأثر 44:1. 

(3) ذكر ابن عصفور أن ضرائر الشعر منحصرة في الزيادة والتقص والتأخير والبدل: ضرائر الشعر» 
ص: 22. 


- 77 - 


مرحعها اللحن» كالسنادا" والإقواء وغير ذلك من عيوب القوائقي» كما أن 
للأحزاء سواها عيوبا أخر» ومحل ذلك في العروض لا النحو. هذا حصل الجواب. 

ثم ارتحلنا من قرى بى عباس ظهرا على إثر جما ونزلنا بعيدا منها على 
شفير الوادي» ثم منه إلى قرب قرية يقال ها بشير» ثم ارتحلنا من هناك وت ركنا الغابة 
عن يسارناء وهي قرى كثيرة ذات نخيل» وهي أكثر قرى الوادي تمراء وتقصدها 
العرب كثيرا للميرة۴» وم يكن مرورنا عليها بل أخذنا على حمادة عن يسارنا 
حي نزلنا عوقع يقال له فم المدفع» وبه تجتمع الطريق الي سلكناها مع طريق صابر 
الي تقطع الحماد الكبير وتترل على مزعمو. 

ثم ارتحلنا منه ومررنا على قرية يقال ها بني حلف» وسرنا يوما حى نزلنا 
بزاوية سيدي أحمد بن موسى» نفعنا الله به وأحسن صاحبها في القرى لنا ولسائر 
أهل ال ركب» وأعطى ما بعث إليه الأمير. ثم ارتحلنا منه صباحا بعدما زرنا قبر 
السيد المذكورء وسرنا مع قراها ذلك اليوم حي نزلنا وراء آخحر قرية منها وضع 
يقال له الطويل. ثم ارتحلنا منه وت ركنا قرى أولاد رافع عن يسارناء وقطعنا حمادة 
هناك» ونزلنا على ماء يقال له تمغارن» وبتنا به وأحذنا منه ماء ثلاث ليالء ثم 
ارتحلنا منه. ومر بعض ال ركب مع الوادي على قرى يقال ها القصبات» ومر 
الآخرون عن يسارهاء وظن أصحايم أنهم قد تاهوا فلم يجتمعوا إلا عشاء ونزلنا 
آخحر الوادي عضيق من الخبل حيث ينعطف ذاهبا في الرمل. ثم ارتحلنا منه وذهبنا 
قي الحماد الذي بين توات والوادي. ونزلنا عوضع يقال له الدميرنة» تصغير 
دمران» اسم شجرة تأكلها الإبل كثيرا وتصلح عليهاء وسعي بها امحل لوحودها فيه. 
ثم ارتحلنا منه وسرنا يومنا وما وصلنا إلى المهوى إلا قريبا من ثلث الليل الأول» 
وهي ثنية في آخحر الحماد مشرفة على أول بلاد توات» وما سرنا قط مرحلة مثلها 


(1) السناد من عيوب الشعر» وهو على خمسة اضرب» وأصل السدناد من قولك: أسندت الشيء إلى الشيء 
إذا حماته عليه وأضفته؛ أو من قولهم خرج بنو فلان متساندين» أي خرجوا على رايات ت شتى» فهم مختلفون 
غير متفقين» فكئلك القصيدة اختلفت ولم تتألف بحسب جاري العادة في انتظام القوافي واستمرارها: الكافي 
في العروض والقوافي» ص: 165. 

(2) الإقواء: اختلاف حركة الروي في قصيدة واحدة: الكافي في العروض والقوافي» ص: 160 

(3) الميرة: جلب الطعام: لسان العرب: : مور. 

)4( توات: واحة كبرى بصحراء المغرب» تفرعت عنها اسر كثيرة انتشرت پأنحاء المغرب: معلمة 
المغرب 2608:8. 


- 78 - 


كلالا وجوعا للإبل» وقاسيناه يوما قمطريرا وليلة نابغية!"» والله يكفر يما الزلات؛ 
ويجعلها آنحر ما نلقاه من المشمّات. 

ثم ارتحلنا منها ودحلنا إلى أول عمالة توات» وهي قرى تسابت» وزرنا بأول 
قرية منها قبر الولي الصا المتبرك به حيا وميتا سيدي محمد بن صالخ" المعحروف 
بعريان الرأس» تلميذ الولي الصالح المشهور سيدي أب الرواين) دفين مكناسة 
عغربناء نفعنا الله يما وأد ركنا بعنايتهما. وكان وصولنا إليها ضحى يوم الخميس 
آخر يوم من ربيع الثاني» وأقمنا يما ستة أيام وبعنا يما خيلنا وما ضعف من إبلناء 
واشترينا ما يحتاج إليه من التمر» ويها من التمر أنواع كثيرة» ووحدنا التمر فيا 
رخيصاء ولم نلق هناك أحدا يمن ينتسب إلى ولاية أو صلاح» ولا من أهل العلم 
والفلاح» وغالب أهلها عوا م أهل تحارة حل عيشهم التمر» وبخارج البلد مرعى 
حسن للابل» صلحت فيه إبل الحجاج أيام الإقامة. وعدد المثقال عندهم أربع 
وعشرون موزونة» ويقولون للمثقال الأربعين مثقال شريفي نسبة للأمير الشريف 
صاحب سجلماسةا۴» وكل هذه البلاد يي طاعته. وقد صلينا الجمعة فيها أول يوم 
أقمنا فيها» وسرد الخطيب حطبة عظيمة وعظية حسنة تلقفها من صحيفة: إلا أنه 
أكثر فيها اللحن» وآخرها: فقد نصحكم الواعظ يا أهل الإسلام» فاقبلوا النصيحة 
والسلام. وحضر الخطبة رجل ممن كان معنا في الركب فبكى عوعظته تلك بكاء 
كثيراء وأظن أن بكاءه ذلك كان عن صدق لا استعمال فيه» ولم أعلم حي الآن 
من هو. وسبب إقامتنا في هذه البلاد في هذه المدة أن كثيرا من الحجاج لما غلا 
صرف الذهب في تافيلالت أخروا الصرف إلى توات فإن الذهب فيها أرخصص» 
وكذلك سعر القوت من الزرع والتمر» وهذه البلدة هي مجمع القوافل الآتية من 


(1) إشارة إلى بيت النابغة الذبياني: فبت كأني ساورتني ضئيلة من الرٌقش في أنيابها السم ناقع 

ديوان النابغة الذبيائي» ص: 33. 

)2( في ط: نتلقاه. 

)03( محمد أبن صالح» الولي الصالح» من مؤلفاته كتاب الهدية» وضعه في سر الحرف وعلم الفذك 
و التنجيم: الإعلام بمن حل مراكش 0 أغمات من الأعلام 342:4. 

)4( أبو عبد الله محمد المعروف بأبي الرواين» متصوف من أتباع الملاماتية, أثرت عنه أحوال ومقانات» 
توفي آخر العثدرة السادسة من الآرن العاشر: دوحة الناشرء ص: 74. 

)5( نسبة إلى مولاي الشريف بن علي» أنظر: الاستقصا 14:7.أبو سالم العياشي المتصوف الأديب» ص: 
25. 


79 


تنببكت!) ومن بلاد أكيدز من أطراف السودان» ويوحد فيها من البضائع والسلع 
الى تحلب من هناك شيء كثير» والسلع الي تحلب من الغرب ماهو حرج 
السودان نافقة في هذه البلاد كالخيل وملابس الملف والحرير» فإذا قدم الركب إليها 
كان فيها سوق حافل. 

ثم ارتحلنا من توات بعدما لحق بنا جملة تمن يريد الحج من أهلها يوم الخميس 
السابع من جمادى الأولى» وخلفنا قرى توات وراءنا وعدلنا ذات اليسار إلى بلاد 
أوكرت©. ونزلنا بقرى الدغامشة۴ قرب زاوية سيدي عبد الله ابن طمطم». فلما 
ارتحلنا ذهب أمير الركب مع بعض أصحابنا لزيارته» ولم تتيسر لي زيارته لأن 
الركب عدل عنه عينا وأنا لا أقدر إذ ذاك على المشى كثيرا راحلا والبلاد ذات 
رمل» وقد أثئ لنا أصحابنا عنه كثيراء وأنه من أهل الخير والدين» يطعم الواردين 
عليه في بلاد كاد الطعام أن يكون فيه دواء. 


غريبة: 

ونما تواترت به الأخبار عن هذا السيد أنه لا يترك أحدا من أعراب ذلك 
البلد يأكل طعامه» فإن لم يشعر به حى حلس بين الناس أقامه» ويقول هم: هؤلاء 
اللصوص لا أتركهم يأكلون طعامي يستعينون به على ظلم المسلمين» ومع ذلك لا 
يقدر أحد منهم» مع عتوهم واستكبارهم على إذايته وعلى كل حال فالرحل من 
أهل الخير والصلاح تؤثر عنه كرامات كثيرة. 


)1( تنبكت: عاصمة السودان العلمية» اشتهرت بكثرة المكاتب والعلماء: تاریخ المكتبات الإسلامية ومن 

ألف في الكتب» ص: 82. 

(2) أوكرت: من القرى الواقعة في توات: أنس الساري والسارب» ص: 30. 

)3( الدغامشة: ضبطها ابن مليح بالعين» وسماها الإفرائي في الصفوة: الدغامسة»› وهي قرى كثيرة بقرب 

بلاد توات: أنس الساري والسارب» ص: 30. صفوة من انتشر» ص: 9. 

)4( عبد الله بن طمطم: صاحب الزاوية بتوات» صاحب أحوال ومقامات: التقاط الدرر» ص: 251. صفوة 
من انتشر» ص: 169. 

نشر المثاني 2 384. 


- 80 - 


لطيفة: 


أحبرن الأخ في الله الحب المخلص سيدي عبد الرحمن بن الحسن» وكان ممن 
ذهب لزيارة هذا السيد» أنه لما حرج لوداعهم قرأ هم فاتحة وبالغ قي رفع يدي 
فلما فرغ منها قال له رحل آخر من الحجاج: يا سيدي اقرأ لي فاتحة» فانتهره 
وقال له: أما علمت أن فاتحة الكتاب لما قرئت له» وأا السبع الان والقرآن 
العظيم» > فهلا نويت -حاحتك عند شروعنا في قراءة الفاتحة) فإن فاتحة واحدة تكفي 
أهل السماوات والأرض» أو كلاما هذا معناه. ولقد صدق في ذلك رضي الله 
عنتفى وذلك ما يدل على أن له حالا مع الله وسعة معرفة به وبأسمائه وأسرار 
كلامه» وقد" نفع الله بكلامه هذاء فلا أقرؤها بعد ذلك لنفسي أو لمن طلبها مني 
إلا نويت مطالبي كلها أو مطالب الطالبين» وإن تعددوا فأحد بركة ذلك» وهذا 
شأن أهل الصدق مع الله في ظهور أثر ماع كلامهم فيمن ”معه أو بلغه. والله 
تعالى مدنا عدد أهل القرب» الموجب لحصول مرضاة الرب. 

ولم يلحق بنا أصحابنا الذين ذهبوا لزيارة هذا الرحل الصاح -حى نزلنا قرية 
يقال ها أولاد محمود» وهي من قرى الدغامشة» ثم ارتحلنا منها ونزلنا ببلاد 
أو كيرت عشاء» وهي قرى كثيرة ذات نخيل حم» وهي معدودة من بلاد 
تحورارن©. واشترى الناس منها ما احتيج إليه من الزاد إلي بلاد واركلا!©» وأقمنا 
ها يومين وبدلنا ها من الأباعر ما ضعف. 


لطيفة: 


وكنا نزلنا بقرب زاوية سيدي محمد عمر بن محمد بن صالح الأنصاري 
الخزرحی الشامى!"» ولقيت يما رحلا تمن ينتحل الفقه امه سيدي محمد بن محمد 


(1) في ط: وقد. 

(2) تيجورارن: أو تيكورارين» تقع في الجزء الشمالي الشرقي لواحة توات» وهي قصور كثيرة: رحلة ابن 
خلدون» ص: :5 / هھ 6. 

(3) واركلا: غالبا ما ترد في المصادر باسم واركلان» وهي بلد في طرف الصحراء مما يلي إفريقية» قال 
صاحب الروض المعطار: وهو بلد خصيب كثير النخل والبساتين» وفيه سبع مدائن مسورة حصينة» 
بعضها قريب من بعض: الروض المعطار» ص: 600. 

(4) ساقط من ط. 


-81 - 


بن علي بن أبي بكرا» وهو في غالب الظن من أهل الخير» وله بعض الخبرة بفروع 
الفقه. وكان قد وجه إلى الركب بسؤالين أحدهما في نازلة من الأحباس والآخحر 
قي نازلة من البيوع» وألزمي بالكتب على الأخيرة منهما. ومضمن السؤال» وكان 
فيه طول» أن رحلا اشترى من آخخر ستة أحزاء أو قريبا من ذلك من ماء عين 
حلبت من بعيد بالفقاقيرا©» وذلك وصف ماء هذه البلاد كلهاء وثمانية أحزاء من 
عين أحرى. والعينان مختلفتان) في القلة والكثرة والبعد والقرب» وغير ذلك من 
الأوصاف الى تختلف كا رغبة الناس في المشترى اخحتلافا كثيرا. ثم إن هذا المشتري 
باع من آخر أحزاء معلومة العدد من کلتا العينين كخخمسة تاا ول بین ما لكل 
عين من الأحزاء. 


فأحبت بفساد هذا البيع للجهل بالمثمون» إذ لا يدري ما له من العين 
المرغوب فيها وماله من الأخرى» ثم إن خصم هذا المستفي وحه بسؤال فيها إلى 
القاضى سيدي أحمد الخطيب» إلا أنه زاد في السؤال أن الماعين يجتمعان ف بركة 
حي يصيرا ماء واحداء ثم بعد ذلك يجرأ أحراء وأن الأحزاء المبيعة إنما هي من الماء 
بعد احتماعه في ذلك الحل» فأحاب بالصحة لأن الماء بعد احتماعه في ذلك الحل 
صار معلوم القدرء وأحزاؤه معلومة وإن اخحتلفت مواده الى يجتمع منها. وذكر لي 
أن هذه المسألة كثيرة الوقوع عندهم ببلاد مراكش لأن أكثر بساتينهم بالخطاطير» 
ويسميها أهل هذه البلاد الفقاقير» وهو أنسب لأا آبار متعددة بفقر من حنب 
كل واحد إلى الآخرء فيزيد ماؤه وينمو مع زيادة ماء غيره عليه ولا يزال كذلك 
حي يخرج على وحه الأرض فتسقى به الأحنة والمزارع» ويجزأ أحزاء كثيرة 
بالأيام» وقد يجزأ اليوم الواحد بأحزاء كثيرة فتباع تلك الأحزاء. 


ولا كتبت الجواب على النازلة المذكورة على الوحه الذي ذكر في السؤال 
ذهب به المستفي إلى القاضي المذكور ليضع خحطه فيه بالصحيح فأب وقال إن 
الجواب صحيح» وتحيّل ف عدم الكتب بعذر أبداه» فلما لقيته سألته عن عدم 


(1) عمر بن محمد صالح الخزرجي الشامي صاحب زاوية بلاد وكرت» بالكاف المعقودة» على مرحلتين 

من توات» من أقطاب التصوف» توفي عام 8 ه: التقاط الدرر» ص: 3 شر المثاني 1. صفوة 
من انتشرء ص: 1 

)2( أبو عبد الله محمد بن محمد بن علي بن أبي بكر الأكرتي» أخذ الطاريقة على يد والده» ترجم له 

صاحب شر المثاني تقلا عن الرحلة العياشية: : نشر المثاني 2: 30 

)3( الفقاقير: والفقير؛ الآبار المجتمعة الثلاث فما زادت: لسان العرب: ققر. 

(4) في ط: مختلفان. 


-82 - 


تصحيحه للجواب» فقال لىي: إنه وحه إلي بسؤال في النازلة على حلاف ما وجه 
به إليك وأحبت بالصحة فلا أحب أن يو حد خخطى فى سؤالين متناقضين في نازلة 
واحدة وإن كان كل منهما صحيحا بالنظر إلى ما ذكر ف سؤاله» وكثيرا ما يتقع 
هذا فينسب به المفى إلى اليل والتعصب وإن كان بريئا من ذلك وقبلت عذره في 
ذلك وهو صحيح)» وقد ذكر لي بعض مشايخنا أن سيدي أحمد المقري!" لما ولي 
الفتوى بفاس كان لا يجيب في نازلة قد تقدم له حواب عنها عا يخالف مقتضى 
السؤال الثاي» ويقول: إن ذلك مما يوحب الطعن في المفي عند كثير من الناس» 
فرعا يقذف من أحل ذلك بألسنة الذم ويلحف برداء الحيف. 


والذي يظهر لي» وإن كان لما ذكر وحه» أن الأولى الحجواب عن السؤالين 
(معاء وينبه ف الثاني على أنه قد تقدم له حواب في مثلها عا يخالف هذل 
لاحتلاف فصول السؤال بأن كان الأمر كما ذكر فالحكم كذاء فإذا فهل ما 
ذكرنا زالت الريبة وتبين ين الحكم لن أراد اقتفاءه» وإلا أدى ذلك إلى التضييق على 
كثير من المستفتين والإبطال لحقوقهم والله أعلم. 


لطيفة: 


وقد أحذ سيدي محمد بن محمد بن علي بن أبي بكر المتقدم طريق الإرادة 
عن والد ووالده أخذ عن سيدي عبد الله بن أحمد الحجام بزرهون» وهو أذ 
عن سيدي عمر الطاب بفاس» وهو عن سيدي عبد العزيز التباع!© بمراكش» 
رضي الله عنه» هكذا أملى على السند. وقوله: إن سيدي عمر الخطاب بفاس» 
لعله كان ما حين أخخذ عنه» وإلا فهو دفين زرهون. 


)1( أحمد بن محمد المقري التلمسائي› اديب فقيه مؤرخ» صاحب كتاب نفح الطيب وغيره ولد سنة 
2ه وتوفي بالقاهرة مد 1 ه: خلاصة الأثر 1 شجرة 5 انور الزكية 434:1. 

(2) ما بين قوسين ساقط من ط. 

)3( عبد الله الحجام الصبيحي» الولي الصالح» نزيل جبل زرهون» أثرت عنه خوارق وكرامات: نشر 
المثاني 31. ٠‏ ممتع الأسماع ص:128. 

)4( عمر بن عبد العزيز بن عمر الخطاب الزرهوني» فقيه نحوي» ولد سئة 972ه» وتوفي قتيلد عام 
02 ه: ممتع الأسماع» ص: 74. ٠‏ نشل المثاني 1: 41. 

)5 عدد العزيز بن عدد القادر التباع: وصفه صاحب شُجرة 5 النور الزكية بالشيخ الكامل الولي القطب 
الواصل الكثير الكرامات والأتباع» توفي سنة 914ه: دوحة الناشرء»ء ص: 2122 ٠‏ ممتع الأسماع» ص 

2. شجرة النور الزكية 397:1. 


- 832 


وقد ذكر لي سيدي محمد المذكور أن سيدي عمر صاحب الزاوية الي نزلنا 
بإزائها كان يذكر بالقطبانية» وأنه توي عام نمانية وألف» وأنه أذ الطريق عن 
سيدي محمد بن أبي بكر الودغاغي» وهو عن سيدي موسى المسعودي التسفاون» 
وكلاهما بتجرارن» وهو عن سيدي أحمد بن يوسف الليانا"» وعن سيدي عبد 
الله الخياط#» وعن سيدي عبد الله الغزوان!6 رضي الله عنهم. ولا حثنا لزيارة 
سيدي محمد المذكور وقفنا بباب داره» وقيل لنا إنه داحل الدار» فكتبت إليه بيتين» 
وكان ذلك قبل احتماعنا به وهما!: 


[طويل] 


فخرج إلينا وهش وبش وأنس وأحزل القرى» حزاه الله عنا خيراء وعقدت 
معه أخحوة في الل فلما ودعته طلبت منه الدعاء» فدعا لي وقال لي: معرفة الله كش 
ومعرفة أحكامه طريق إلى ذلك الكترء فمن مات قبل الوصول إلى معرفة الله فقد 
مات في الطريق وم يصل إلى الكترء وهذا كلام حسن في بابه. 


أحبرن من أثْق به من طلبة توات وتحرارن أن من عادة أهل بلدهم أن من 
نشزت امرأته وطلقهاء يان إلى شهود يسترعيهم ويقول: اشهدوا أن ما طلققت 
امرأي إلا كي أكسر من سورقا وشدقاء فمى أرادت التزوج استظهر بذلك 
الرسم» فلا يتزوجها أحد حي ترحع إليه» وأخبروا أن حكامهم يحكمون بذلك» 


)1( أحمد بن يوسف الملياني» نزيل مليانة بين الجزائر وتلمسان» يعتبر من مشايخ التصوف وأقطابه 
الكبارء صحب الشيخ أحمد زروق» توفي سنة 7 ه: دوحة الناشر» ص: : 412 الأعلام 1 

)2( ابو عدد الله محمد . الخياط» زيل جبل زرهون عارف واصلء أذذ عن الشيخ أحمد بن پو سف 
)6 أبو محمد عدد الله بن عجال الغزوائي من مشايخ التصوف وأقطابه اکال استقر بمراكش وبها توفي 
سنة 935 ه: دوحة الناشر» ص: 88. .ممتع الأسماع» ص: 56. الإعلام یمن حل مراکش وأغمات من 
الأعلام 235:8. 

(4) ورد الييتان في نشر المثاني 370:2. 


- 84- 


وأن عندهم فتوى لبعض الفقهاء بصحة ذلك. ولا أعلم الآن وحها لما ذكرواء إذ 
ليس نشوزها بإكراه لا يلزم معه طلاق الزوج» اللهم إلا أن يكون الزوج لم يصدر 
منه طلاق ويأمر من يشيع عند الناس أنها مطلقة» ويستحفظ عند الشهود أن ما 
شاع لا أصل له» وسكوته عند تحدث الناس بذلك إنما هو للغرض المذكور» فقد 
يقبل هذاء أو يطلقها بلفظ ليس بصريح» وإنما هو كناية نما ينوي فيه المطالق» 
ويشهد على نفسه أنه ما نوى به الطلاق» أو غير ذلك من الخيل المقبولة شرعاء 
والله أعلم. 

ولا اطلع شيخنا أبو محمد عبد القادر الفاسي» رضي الله عنه» على ما كتبته 
هناء ذكر لي نازلة!؟ البرزلي© المذكورة في فتاويها۴» لما عزم على الرحيل من 
القيروان» وأبت زوحته إلا أن يجعل بيدها طلاق من يتزوج عليهاء ففعل ذلك 
واسترعى أنه غير ملتزم له فنفعه ذلك عند قيامها. وقال لي: إن هذا يدل على 
صحة ما ذهبوا إليه من ذلك. وكنت قبل ذلك أرى أن نازلة البرزلي غير مساوية 
لما ذهبوا إليه» لما ظهر لي من كلام المخبر أنه إما يفعل ذلك بعد وقوع الطلاق» 
ورأيت أن ذلك يعد منه ندماء فلو صح لكان كل من طلق وندم أتى عا يدفع 
طلاقه. ولا فاوضت شيخناء رضي الله عنه» في ذلك علمت أن قصد المخبر بذلك 
الذي يودع الشهادة عندهم أن ما يوقعه من طلاق لأحل النشوز المذكور ويصدق 
فيه» وإن لم تقم عليه بينة» وهو قريب من نازلة البرزلي» رضي الله عن فليتأمل. 


لطيفة 
٠‏ 


ولا نزلنا بكذه القرية و حه إلي سيدي إبراهيم يم السوسي سؤالا منظوما ونصه: 
أجنة علونفي سماء جلالة سقتها غوادي البر دانية القطفي 
(1) في ط: نازلة أخرى بل نازلة. 
)2( أبو القاسم بن أحمد البلوي القيروائني الشهير بالبرزلي» الفقيه المؤتي» له ديوان كبير في الفقه» وله 
الحاوي في النوازل» توفي بين سدنة 841 وسئة 4 وقد نيف على مائة سذة: شجرة النور الزكية 
1 


)3( يوجد للبرزلي بالخزانة العامة للوثائق والمخطوطات بالرباط نسخة مخطوطة من كتاب: جامع مسائل 


- 85 - 


جوابك عن ثوب كنيف ومحشو بقطن فهل به الصلاة بلا زيف 
أيلزمٌ أم لا ذل حيرة من خلف 
يصلي طرا ما يوجب القصر عن صرف 
فلا زلت مجدا للمعارف واللطفي 


وعن أمر خير الرسّل في النوم إن جرى 
وعن نازل ربعا يقيم لأن بدا 
أفض من عباب ذلك البحر سامحا 
فأنت ترى ما في هذا النظم من الركاكة والكسر وعدم البيان الذي هو شأن 

السؤال» ولكن لما فهمت مقصده في المسائل الثلاث أحبته بقولي: 
[طويل] 


حمدت إلاهًا قد تزه عن كيف 
وأزكى صل الله ثم ملامة 
وهذا جوا عن سؤال مهذب 
فمنة سجودٌ المرء فوق البساط لا 


0 


تُوقفَ فيه البعضْ من علماشا 
وذا كلهُ ما دام رخو و إن يكن 
وهذا الذي حصلتة عن مشايخي 
ومن لزومٌ الفعل إن كان آمرًا 
فإن كان ما قد قال وافق شرعَةٌ 
وإن خالف المنصوص فهو مؤول 
ومن الذي ينوي بأرض إقامة 
فذا حکمه حق يسافرٌ حكم من 
فإن وافق المطلوب منكم فمنة 


وأطلب منكم أن تَمُنوابدعوةٍ 


- 86 - 


وعز وجل عن ثناء وعن وصف 
على المصطفى المبعوث بالذكر والسيف 
أتى بنظام رائق محكم الرصفب 
صلابة فيه كالبساط وكالقطف 
وشهر فيه الع بعضُ بلا وقفي 
تلد قالوا بالجواز بلا ضعف 
وقد عللوا هذا الجواب ما يشفي 
به الُصطفى في النوم أو قال بالف 
فذلك أحرى باللزوم بلا لف 
وتأويلة بالعلم يُدرى وبالكشف 
فييدولهأم ور إقامتَةُينفي 
أقام فقد لاح الجوابة بها يكفي 
من الله أو لا فهو نما جنت كفي 
أنال ها من سيدي غاية اللطفي 


ثم وحهت الحواب والسؤال معا إلى الفقيه الأحل» القاضي الأعدل» سيدي 
أبي العباس أحمد الخطيب المراكشى» وكان معنا في الركب» وطلبت منه أن 
يتصفحهماء واستفهمته عن السائل من هى إذ لم أكن أعرفه إذ ذاك» وكنت أظنه 
رحلا آخر. فكتب إلى ما نصه: وعلى سيادة سيدنا أفضل السلام وأطيبه وآرح 
هذا وإن صاحب السؤال في علمى مجهول لا يعرف» ونكرة لا تتعرف فإن كان 
من توسعناه حين تكلمنا على سؤاله الأول فإنها يعلمه بش فليستعمل الكل منا 
غاية في الفحص عن ميسمه» والتفرس في تومه» وليس من ناحية حضرتنا قطعاء 
وقد طالعنا السؤال والجواب» وما لكم في ذلك من حسن محاضرة الخطاب» فلكم 
أحر من سئل وأحاب» وأرشد وأصاب. ومسألة أمره صلى الله عليه وسلم مناما لا 
حائز أن يكون زائدا على مضمون الأوامر الشرعية لكماهاء (اليوم أكملت لكم 
دينكم)!4) ولا خالف طاء إذ لا يقع ذلك منه صلی الله عليه وسلې وإن كان 
موافقا باللزوم من غيره وإلا لزم تحصيل الحاصل. فليتأمل سيدنا بذهنه التاقب» 
وعقله الصائب» والله تعالى يحفظ ود کې ویدم سود د کې والسلام عائد عليكم 
والرحمة والبركة. 

وهو» كما ترى» مع وجازة لفظه وإبرازه قي صورة التحقيق بحصر الأقسام 
وإبطاهاء كلام من لم يحط بالمسألة خبراء أو ذهل عما ذكره العلماء فيها طراء 
وتكلم فيها عقتضى نظره» ومع ذلك فإن في تقسيمه تداخلا وتدافعا كما ستراه 
عند تعرضنا لذلك. ولا تأملت كلامه وفهمت معناه» وعلمت معتمده في رد ما 
ذكرناه» أردت أن أراحعه عا تتبين به المسألة وتتضح من أقوال الحققين وأنظار 
المدققين فرأيت ذلك يستدعي تمهيد فصول ونحرير أصول» وتبيين معن حديث 
الرؤيا واختلاف رؤيته© وتعارض العلماء فيه» وتحرير كل ذلك لا يكون إلا في 
رسالة مفردة» وقد زورت7 غالبها في نفسي وميتها: تحرير كلام القوم في أمر 
ابي عليه السلام في النوم» فلما ممت بكتبها رأيت أن أمرها لا يتم دون كثرة 
المطائعة وصحة المراحعة» وذلك أمر متعذر في السفرء فأر أت أمرها إلى أن 
يساعد المكان والإمكان. ولنكتب من ذلك الآن ما يتعلق بكلام صاحبنا القاضي 
الأحل فأقول: قوله لا حائز أن يكون زائدا الم» إن أراد بالكون الوقوع وأن ذلك 
(1) المائدة: 4. 
(2) في ط: رواياته. 00 
(3) زروت: زورت في نسي كلاما؛ هيات وأصلحت: لسان العرب: زور. 


87 


لا يقع منه» صلى الله عليه وسلمء في النوم» وهو ظاهر كلامه» فالدئيل إنما قام 
على أنه لم يبق شيء من مقاصد الشرع غير مذكور في الكتاب والسنة» وذلك إنا 
يقتضي أنه لا يثبت حكم زائد عا يأمر به في النوم لأن الدين قد كمل. لا على أن 
النائم لا يرى أن النبي» عليه السلا!» أمره بأمر زائد على المشروع» فان ادعى 
ذلك من يوئق به و لم تظهر قمة» سيما إن رآه على صفته» صدق في أنه رأى 
ذلك وأن رؤياه حق» للحديث الصحيح. فاحتيج إلى التأويل» وتأويله إما بالعلي 
أي بعلم التعبير» كأن يقول له حرام عليك أكل كذا وكذا من الفواكه. أو غير 
ذلك مما علم من الشريعة إباحته» فينظر في تأويل تلك الفاكهة عند علماء التعبيرء 
وأنه» عليه السلام» هاه عن ذلك الفعل لما يتوقع من ضرره ويترتب عليه من 
المفسدة للرائي» وإن كان الفعل في نفسه مباحاء أو يحمل لفظ التحريم على جحرد 
النهي لما له في ترك ذلك من المصلحة» كأن يكون الرائي مريضا ويشتهي تلك 
الفاكهة» فيكون قوله عليه السلام: حرام عليك» أي مضر بك غير موافق لرضك 
أو غير ذلك ما هو مقرر في فن التعبير» وهذا معن قولنا: وتأويله بالعلم يزرى©. 

وأما قولنا: وبالكشف» فذلك إذا كان الرائي من أهل الكشف الصحيح» 
فيكشف الله له عن تأويل تلك الرؤيا وما أريد يماء وعن محل الأمر والنهى الوارد 
فيها من غير نظر إلى علم التعبير» فإذا علمت هذا علمت أنه لا عتنع أن يأمر النبي» 
عليه السلام» بشيء أو ينهى عن شيء في النوم على خلاف المشروع» لأن الرؤيا 
كما هو عند المحققين من عالم الأمثال» وهو أوسع من عالم الحس حي قال 
بعضهم: عالم الحس علويه وسفليه ف عام الأمثال كحلقة ملقاة في فلاة من 
الأرض. وإذا كان كذلك فما في عالم الأمثال لا يوافق المحسوس منه على وحهه 
إلا النادرء وأكثره إنما يوافقه بالتأويل» فرؤيا البي إنما فارقت رؤيا غيره في أنفا 
ليست بأضغاتث أحلام» ولا من تمثيل الشيطان» بل هي حق» فتخرج تارة على 
موافقة المرئي وتؤول تارة» وليس تأويلها بالذي يدفع حقيقتهاء لأن ما ليس بحق لا 
يؤول بل يطرح بالكلية» فإن معن التأويل تطلب ما يؤول إليه هذا الكلام من الحق 
لأنه حق» ولو كان باطلا كأضغاث أحلام وتخييل الشيطان ما تطلبنا له حقا يرحع 
إليه لأن الباطل لا يرحع حقا وبالعكسء وإنما ذلك في الحق الذي يشبه الباطل 


(1) في ط: صلى الله عليه وسلم. 
(2) ساقط من ط. 
(3) في ط: يدرى. 


- 88 - 


وهو في نفسه حقء فيرحع به إلى الحق بتأويل" يزيل تلك الشبهة ويظهر حقيقته» 
فكذلك ما نحن بسبيله» فإن 5 حق والأمر حق» وكون المأمور به باطلا أوقع© 
في الأمر شبها بالباطل» فيطلب هذا الأمر مكانا من الحق يرحع إليه» ولا باطل فيه» 
فإذا حمل ذلك الأمر على حمل موافق للشريعة زالت عنه شبهة الباطل وظهرت 
حقيقته. وما قررناه ليس حاصا بالرؤيا بل هو حار حي ف أوامر اليقظة وأحبارها 
من كتاب وسنة» فقول البي صلى الله عليه وسلم مثلا: حى يضع الحبار فيها 
قدمها۴» كلام حق لاشك فيه لأنه إخبار الصادق. ولا كان لفظ القدم في اللغة إغا 
هو الحارحة» واعتقاد ذلك في الحبار باطل» تطلبنا هذا الكلام الحق مكانا يؤول 
إليه من الحق فتزول عنه شبهة الباطل» فتأولنا القدم عا لا يلزم منه حال ما هو 
مقرر في حله. 

فإذا تأملت هذا حق التأمل عرفت أن رؤياه عليه السلام حق وأوامره فيها 
حق» ولا فرق بينها وبين اليقظة» فما وافق منها المشروع أحري على ظاهره» وما 
حالف أول» وحيتئذ لا يحتاج إلى ما قاله جمع من امحققين كالعز بن عبد السلا 
وأتباعه أنه إنما لم يعمل عا خالف المشروع لعدم الثقة بضبط الرائي» وأن من 
شرطه العدالة» وهي تقتضي التكليف» والنائم ليس عكلف ولا ضابط إلا فيما لا 
عكن فيه التأويل» فيرحع حيئئذ فيه إلى الترحيح» فترحح رواية اليقظة على رؤيا 
النوم عا ذكر» فيكون من ترحيح رواية العدل على غيرها. والفرق بين ما ذكرته 
وما ذهبوا إليه أن ما ذهبوا إليه يقتضي أنه لا يعمل عا يراه الرائي مطلقا وافق أو 
حالف» ولا يؤول لأنه ليس عكلف فضلا عن أن يكون ضابطا ثقة» وما كان 
كذلك لا يلتفت إليه» وهو حلاف ما عليه جمهور السلف والخلف من تأويل 


الرؤيا وعملهم بأشياء يأمر ها البي صلى الله عليه وسلم من أذكار وأدعيةت ویذ کر 


(1) في ط: بما. 

(2) في ط: إن وقع. 

)3( إشارة إلى الحديث الذبوي الشريف: إن النار لن تمٿليء حتى یضع الجبار فيها قدمه فتقول قط قط وأما 
الجنة فيبقى منها فينشيء الله لها خلقا. آخر: تفسير القرطبي 46. 

(4) عبد العزيز بن عبد السلام بن ابي القاسم بن الحسن» عز الدين الدمشقى مشقي ٿم المصري» الشيخ الإمام» 
سلطان العلماءء فقيه شافعي» ولد سئة سبع أو ثمان وسبعين وخمسمائة» وتوفي بدمصر سنة 660 ه: 
طبقات الشافعية 109:2. 


- 89 - 


خاصيتها فيحصل هم ذلك» وحسبك من ذلك ما نقله ابن الحاج!؟ ف مدخله عن 
المرحاني وابن أبي جمرةا وغير ذلك مما هو مستفيض. ولو تتبعنا ما ورد في ذلك 
عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى هلم حرا لكان فيه ما علا أسفاراء فا حمل 
الذي ذكرنا أولى وأبين. 

وأما قول صاحبنا المتقدم: ولا حائر أن يكون مخالفا للأوامر إذ ذاك لا يقع 
منه صلی الله عليه وسلم» فهو مثل قوله الذي قبله حذو النعل بالنعل» بل هو أعم 
منه لأن أمره عا ليس عأمور به شرعاء أو فيه عما ليس عنهي عنه هو معن خالفة 
أمره المشروع» وإن كانت المخالفة تقع بالنقص كما تقع بالزيادة» فكل ما قيل في 
القسم الأول يقال هناء وكل ما لزم هناك لزم هناء ويهذا يتضح معن قولنا أولا: 
إن في تقسيمه تداحلاء لأن القسم الأول داخل في هذا. 

وأما قوله وإن كان موافقا فاللئزوم من غيره وإلا لزم تحصيل الحاصل فنقول: 
سلمنا أن اللزوم من غيره» ولا نسلم أنه تحصيل الحاصل فقد يكون الحكم في 
اليقظة ثابتا إباحته وحواز الأمرين» فيأمر عليه السلام بأحد الجحائزين لما فيه من 
مصلحة الرائى» أو ينهى عنه لما فيه من المضرة» أو يكون مندوبا فيتساهل الرائى 
فيه» فيأمره به قي النوم ويبين له خحاصيته ومنفعته لتقوى رغبته فيه» فيكون ذلك 
الأمر تأكيدا للأمر المنقدم في اليقظة» وقد وقع مثل هذا منه عليه السلام في حياته 
فلم يعد أحد ذلك تحصيلا للحاصل ولا مخالفة للمشرو ع» فيأمر بأحد الجائزين إن 
رأى فيه مصلحة للمأمور» وينهى عنه إن رأى فيه مضرة:» ويأمر بالمندوب تأكيدا 
له» بل يأمر بالواحب بعد ذكر وحوبه من صلاة وصيام وحج وزكاة وأداء الأمانة 
وصلة الرحم وغير ذلك. ومن روى الأحاديث وشدا طرفا من السنة علم صدق ما 
قلنا من أمره بالصلاة» وما عطف عليها بعد وجويما من علم وحويما. فهقد 
اتضحت هذه المسألة كل الوضوح» وتبين أمرها كل البيان والحمد لله من غير نقل 
كلام أحد من الأئمة» ولا التعرض لعي حديث الرؤية وما قاله الأئمة فيه ولا 
نقل شيء من أقوالهم في أوامره عليه السلام في النوم. ورعا تتشوق نفس الناظر إلى 


)1( أبو عبد الله محمد بن أحمد بن خاف بن إدراهيم بن لب التجيبي القرطبي المالكي» ابن الحاج» فويه 
محدث» توفي مقتولا سدئة 529 هه وله إحددى وسبعون سنة: سیر أعلام النبلاء 19 :614. ٠.‏ شُجرة 5 النور 
الزكية 479:1. 

(2) عبد الله بن سعد بن أحمد بن أبي جمرة الأزدي الأندلسي» فقيه مؤرخ مفسرء توفي بالقاهرة سنة 675 
ه: معجم المؤلفين 57:6. الموسوعة المغربية للأعلام البشرية والحضارية 25:1. 


- 90 - 


شيء من ذلك» بل رعا أعرض عن هذا كله سيما إن كان ععزل عن شيمة 
المنصفين» فيقول: لا يقبل منك شيء مما ذكرت إلا بنقل الحديث الذي هو أصل 
ف هذا الباب وكلام الأئمة عليه وما هم في ذلك من تحقيق وتدقيق. فاحتيج إلى 
التعرض (لنقل)" شيء من ذلك بحسب ما اقتضاه الوقت من الاختصار» ولعل 
عند نقلنا لذلك يكون في هذا القدر المذكور غنية عن الرسالة الي ذكرنا أولا أنا 
عزمنا على تأليفها في هذه المسألة. فمن أراد أن يجعلها رسالة مستقلة ويفصلها عن 
محلها فليضف ما ذكرناه ما من الله به علينا من خزائن فضله إلي ما نذكره بعده ما 
استخرحناه بالمطالعة من النقول الي يعز احتماعها في غير هذاء فتحصل باجموع 
الإفادة. 

ولنذكر الآن حديث الرؤيا وما يتعلق به فنقول: روينا في صحيح البخاري 
من حديث ثابت عن انس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه 
وسلم: من رآن في المنام فقد رآ فان الشيطان لا يتمثل بي". وني الصحيحين 
من حديث أبي قتادة» رضي الله عنه» أن النبي» صلى الله عليه وسلي قال: من 
رآئ فقد رأى الحق!9. وي البخاري من حديث ابي سعيد الخدري» رضي الله 
عنف أنه مع النبي» صلى الله عليه وسلې »> يقول: من رآن في المنام فقد رأى الحق» 
فإن الشيطان لا يتكوني *؛ أي لا يتكون كونء» فحذف المضاف ووصل المضاف 
ليه بالفعل. 


ويي صحيح مسلم عن أبي الزبير عن حاب رضي الله عن أن النبي صلى الله 
عليه وسلم قال: من رآن في النوم فقد رآن» إنه لا ينبغي للشيطان أن يتمشل في 
صورن57» وتي رواية: فإنه لا ينبغي للشيطان أن يتشبه بي. وفيهما عن أبي هريرة 
قال: سمعت رسول الى صلى الله عليه وسلمء يقول: من رآ في المنام فسيران في 
اليقظة» ولا يتمثل الشيطان بي زاد مسلم: أو فكأنما رآ في اليقظة» هكذا 


(1) زيادة من ط. 

(2) صحيح البخاري 56. 

(3) صحيح مسلم 1776:4. 

(4) صحيح البخاري: 556: وفيه: لا ډتمثل بي. 
(5) صحيح مسلم 1776:4. 

(6) صحيح مسلم 1775:4. 


-91 - 


بالشك. ووقع عند الإسعاعيلي!7 في الطريق المذكور: فقد رآن ف اليقظة» بدل 
قوله فسيران. ومثله 2 حديث اين مسعود عن ابن ماجحه وصححه الترمذي وأبو 
عوانة ووقع عند ابن ماحه من طريق بححيفة: فكأغا رآ ف اليقظة. 


فهذا حديث صحيح مشهور متواتر المعى عن سبعة من أحلاء الصحابة 
المتقدمين وغيرهم من لم نسق حديثه» بألفاظ مختلفة مرحعها كلها إلى تأكيد صحة 
الرؤياء وهي قوله: فقد رآي» فقد رأى الحق» فقد رآ في اليقظة.(فكأنا رآن في 
اليقظة) 22 فسيران ف اليقظة. وقوله: فإن الشيطان لا يتمثل بي. وقوله: إنه لا 
ينبغي للشيطان أن يتمثل ي¿ صورت» وف رواية لا ينبغي أن يتشبه بي» وف رواية 
لا يتكونئ. وهي كلها صادعة بأن الشيطان لا يتكون ولا يتمثل ولا يتشبه به 
وأن رؤياه حق على كل حال. وعند البخاري» (رضي الله عنه)؛ لا يقراءى 
بالراء بوزن يتعاطى» قال ف الواهب: ومعناه لا يستطيع أن يتمثل بي» يعن أن 
لله تعالى وإن مكنه من التصور في أي صورة أراد» فإنه لم يعكنه التصور في صورة 
النبي صلى الله عليه وسلم. وقد ذهب إلي هذا جماعة فقالوا في الحديث: إن محل 
ذلك إذا رآه الرائي على صورته الي كان عليهاء ومنهم من ضيق الذرع في ذلك 
حي قال: لا بد أن يراه على صورته الي قبض عليها حى يعتبر عدد الشعرات 
البيض الي لم تبلغ عشرين شعرة. 

وعن حماد بن زيد قال: كان حمد» يعن ابن سيرين» إذا قص عليه رحل أنه 
رأى البي صلى الله عليه وسلم قال: صف الذي رأيته» فإن وصف له صفة لا 


يعرفها قال: لم تره» وسنده صحيحا5. 


وقد أخرج الحاكم من طريق عاصم بن كليب» حدثنٍ أي قال: قلت لابن 
عباس: رأيت اني صلی الله عليه وسلې قي المنام» قال: صفى قال: فذكرت 
الحسن بن علي فشبهته به قال: قد رأيته. وسنده حيدا»» ولكن يعارضه ما 


)1( أبو بكر محمد بن إسماعيل بن مهران النيسابوري المعروف بالإسماعيلي» » الإمام الحافظ توفي مد4 
5 ه: سير أعلام النبلاء 1 :118. 

(2) ما بين قوسين ساقط من ط 

(3) زيادة من ط. 

(4) وردت هذه الفقرة في كتاب المواهب 292:2» ويبدو أن العياشي يستقي كلامه هنا من كتاب فتح 
الباري. 

(5) فتح الباري 384:12. 

)6( نفىده. 


-92 


أخرحه ابن ابي عاصم من وجه آخر عن ابي هريرة» (رضى الله عن قال: قال 
صورة8) وق سنده ابن التوأمق وهو ضعيف لاختلاطه» وهو من رواية من مع 
منه بعد الاختلاط. قال القاضي أبو بكر بن العربي!: رؤيته صلى الله عليه وسلم 
بصفته المعلومة إدراك على الحقيقة» ورؤيته على غير صفته إدراك للمشال» فان 
الصواب أن الأنبياء لا تغيرهم الأرض» ويكون إدراك الذات الكرمة حقيقة» 
وإدراك الصفة إدراك المثال. قال: وقد شد بعض القدرية فقال: الرؤيا لا حقيقة ها 
أصلاء قال: فسيرائ معناه فسيرى تفسير ما رأى لأنه حق وغيب» وأما قوله فكأغا 
رآن فهو تشبيه» ومعناه أنه لو رآن ف اليقظة لطابق ما رآه في المنام» فيكون الأول 
حقا وحقيقة والثان حقا وعثيلا. قال: وهذا كله إذا رآه على صورته المعروفة) 
فإن رآه على خلاف صفته فهي أمثال» فان رآه مقبلا عليه مثلا فهو خير للرائي» 
وعلى العكس فالبعكس. 

وقال المازري: اختلف الحققون في ذلك فذهب مقتدى أهل السنة وإمامهم 
القاضي أبو بكر بن الطيب إلى أن المراد بقوله: من رآن ف المنام فقد رآن» أي 
رؤياه صحيحة لا تكون أضغاثا ولا من تشبيهات الشيطان. قال: ويعضده قوله 
في بعض طرقه: فقد رأى الحق» وي قوله: فإن الشيطان لا يتمثل بي» أي أن رؤياه 
لا تكون أضغاثا. قال: وقال آحرون: بل الحديث محمول على ظاهره والمراد أن 
من رآه فقد أدركه ولا مانع عنع من ذلك. وأما كونه قد یری على غير صفته أو 
يرى في مكانين مختلفين» فإن ذلك غلط في صفته وتخيل ها على غير ما هي عليه. 
وقد يظن بعض الخيالات مرئيات لكون ما يتخيل مرتبطا عا يرى في العادق 
فتكون ذاته صلى الله عليه وسلم مرئية وصفاته متخيلة غير مرئية. والإدراك لا 
يشترط فيه تحديد البصر ولا قرب المسافة» ولا كون المرئى ظاهرا على وحه 
الأرض أو مدفوناء وإنما يشترط كونه موحوداء وم يقع دليل على فناء حسمه 
صلى الله عليه وسلمء بل حاء في الخبر الصحيح ما يدل على بقائه» ويكون غمرة 
احتلاف الصفات اختلاف الدلاللات. 


(1) زيادة من ط. 

(2) فتح الباري: 383:12. 
(3) نفسه. 

)4( في 35 فالعكس. 


-93 - 


قال القاضي عياض!"؟: يحتمل أن يكون معن الحديث إذا رآه على الصفة الي 
كان عليها يي حياته لا على صفة مضادة لخحاله» فإن رئى على غيرها كانت رؤيا 
تأويل لا رؤيا حقيقة فإن من الرؤيا ما يخرج على هيئته» ومنها ما يحتاج إلي 
تأويل. 

وقال النووي©: هذا الذي قاله ضعيف» بل الصحيح أنه يراه حقيقة» سواء 
كان على صفته المعروفة أو غيرهاء كما ذكره المازري. 


وقال شيخ الإسلام ابن حجرا۴: وهذا الذي رواه النووي روي عن ابن 
سيرين اعتباره؟ فقد روى إماعيل القاضي بسند صحيح من طريق حماد بن زيد 
عن أيوب قال: كان محمد بن سيرين إذا قص عليه رجحل أنه رأى النبي صلى الله 
عليه وسلم قال: صف الذي رأيته» فإن وصف له صفة لا يعرفها قال: لم تره. 
والذي قاله القاضي توسط حسن» وعكن الجمع بينه وبين ما قاله المازري بأن 
رؤياه على الحالين حقيقة» لکن إذا كان على صورته كان ما يرى في المنام على 
ظاهره لا يحتاج إلي تعبير» وإذا كان على غير صورته كان النقص من حهة الرائي 
لتخيله الصفة على غير ما هي عليه» ويحتاج ما يراه في ذلك المنام إلى التعبير. 

قلت: وهذا حار على ما ذكرنا أولا من التأويل في أخباره فكما أن بره 
النومي إذا لم يوافق المشروع يؤول» كذلك أيضا وصفه المرئي في النوم إذا لم يوافق 
صفته الي كان عليها بأن زاد أو نقص أول. ومع التأويل في ذلك مثل ما ذكره 
أهل التعيين إن رئي شابا حلدا دل على سنة شديدة وإذا رئي شيخا كبيرا دل 
على سنة مخصبة» وإذا رئي ناقص بعض الأعضاء دل على نقص وخلل في دين 
الرائي» أو زائد بعض الأعضاء دل على غلوه في الدين وإدخاله فيه ما ليس منه؛ 
إلي غير ذلك» فالرؤيا على كل حال حقء والمرئي إن وافق فذلك وإلا أول. 

فهذا زبدة ما تقدم من النقول» وما يأ بعد هذاء وهو معن التوسط الذي 
تقدم عن القاضي» والطرق الأخر حقيقتها على كل حال عع مطابقتها لما في 
نفس الأمر فلا تؤول» والآخر حكي عن ابن سيرين أنما إذا خالفت فتلقى جملة ولا 


(1) فتح الباري 384:12. 
(3) نفسه. 


- 94 


تأول!". ولا بد من حمل كلامهما على هذاء وإلا لزم الأول حقيقة المرئي ولو 
حالف» وهو لا يقول به ولزم الثاني إسقاط التعبير رأسا لأنما إن وافقت فلا تؤول 
لطابقتها للواقع» وإن خالفت فتلغى» وهو لا يقول بسقوط التعبير قي رؤيا الببي 
التوسط الحسن وتعين ذلك. 

ولنذكر ما بقى من كلام الأئمة على معن الحديث فنقول: قال العارف بالله 
الشيخ محمد ابن أبي جمرة ذاهبا إلى ما اختاره النووي بعد أن حكى الخلاف: 
حسنة فذلك حسن في دين الرائي» وإن كان في حارحة من حوارحه شين أو 
نقص فذلك خلل في الرائي من حهة الدين» قال: وهذا هو الحق» وبه تحصل 
الفائدة الكبرى ف رؤياه حي يبين للرائي هل عنده خلل أو لا لأنه» صلى الله 
عليه وسلم» نوران مثل المرآة الصقيلة» ما كان في الناظر إليها من حسن أو غيره 
تصور فيها وهي يي ذاتها على أحسن حال» لا نقص فيها ولا شيّن» وكذلك يقال 
في كلامه» صلى الله عليه وسلم في النوم إنه يعرض على سنته» فما وافقها فهو 
حق» وما حالفها فالخلل يي مع الرائي. فرؤيا الذات الكرعة حق» والخلل إما هو 
في ”مع الرائي أو بصره» قال: وهذا خير ما سمعته في ذلك. انتهى. 

قال شيخ الإسلام ابن حجر: ويظهر لي ف التوفيق بين جميع ما ذكروه» وأن 
من رآه على صفته أو أكثر ما يختص به فقد رآى ولو كانت سائر الصفات 
مخالفة» وعلى هذا فتتفاوت رؤيا من رآ فمن رآه على هيئته الكرعة فرؤياه الحق 
الب لا تحتاج إلى التعبير» وعليها يتترل قوله: فقد رآن» ومهما نقص من صفاته 
فيدحل التأويل بحسب ذلك ويصح إطلاق أن من رآه ف أية حالة كانت من 
ذلك فقد رآه حقيقة. انتهى ما قاله ابن حجر. 

وقال -حجة الإسلام الغزالي!: ليس معن قوله رآ أنه رأى حسمي وبدي» 
قال: والآلة تكون حقيقة وتارة تكون حيالية» والنفس غير المثال المتخيل» فما رآه 
من الشكل ليس هو روح المصطفى ولا شخصه» بل هو مثال له على التحقيق. 
(1) في ط: تأويل. 
(2) فتح الباري 385:12. 


(3) فتح الباري 89:12. 


- 95 - 


قال: ومثل ذلك من يرى الله سبحانه وتعالى في المنام» فإن ذاته مترهة عن الشكل 
والصورة» ولكن تنتهي تعريفاته إلى العبد بواسطة مثال محسوس من نور أو غيره» 
ويكون ذلك المثال حقا في كونه واسطة في التعريف» فيقول الرائى: رأيت الله 
(تعالى)!؟ في المنام» لا معن أي رأيت ذات الله كما يقول في حق غيره. 

قال الأبي© بعد نقل كلام المازري والقاضي ما نصه: قد علمت مما تقدم ِي 
حقيقة الرؤيا إن المرئي في النوم من حجر أو حبل أو إنسان أو غيره إنما هي أمثلة 
لتلك المرئيات لأنفسهاء وبه يتوحه ما ذكروا من أنه يصح أن يراه إنسانان في 
وقت واحد في مكانين» فمعيئ من رآن فقد رآى: من رأى مثالي فقد رأى مثالي؛ 
وعلل ذلك بأن الشيطان لا يتمثل به» وهي شهادة منه صلى الله عليه وسلم بأن 
الله قد عصم مثاله أن يتمثل به الشيطان في النوم كما عصم ذاته الكرعة منه في 
اليقظة» هذا هو التوحيه الحق في أنه يصح أن يراه اثنان في مكانين. ووحهه 
الصوفية أنه صلى ال عليه وسل كالتمس حي واحدة وترى ف أماكن عدف 
وهو تنظير لا يصح لأنه غير موازن» لأن الشمس وهي بالأفق ترى من مكانين لا 
في مكانين» ورؤية واحد من مكانين تصح بخلاف رؤيته في مكانين. وإغا الذي 
يوازن أن يرى زيد حرم الشمس في بيت» ويراه عمرو في ذلك الوقت في بيست 
آخر. ولو فرض ذلك كان فرض محال» كاستحالة أن يرى ذاته الكرعة اثنان في 
مكانين. انتهى كلام الأبي. 

وما قرره هو ما قاله الصوفية» إلا أنه قبل التأمل ظن أن قوم في مكانين 
وصف للمرئي» وإنما هو للرائي» فمعين رآه اثنان في مكانين أي وها في مكانين» 
وهذا سائغ في الاستعمال» بقول: رئي هلال العيد ف بلادين» ععين أن الرائي له ف 
بلدين» ولا يتوهم أن الحلال حل البلدين. فإن قيل: معن ذلك رئي فيما يقابل 
البلدين من الأفق» تقول مثله هنا رئي عليه السلام في مقابلة مكان الرائيين. نعم إذا 
كشف الحجاب عن ذاته الكرعة لشخص بالمغرب وآخر بالهند في آن واحد فرآه 
كل واحد منهماء ظن كل واحد أنه رآه في مكانه وهو لم ينتقل عن موضعه 
ورؤية البعيد كأنه قريب غير مستنكر» فإن النجم يرى على حبل» بل على مثذنةت 


(1) زيادة من ط. 

)2( أبو عبد الله محمد بن خف المعروف بالأبي» العلامة المحقق» أخذ عن ابن عرفة وغیره له شرح 
على مسلم مدماه إكمال الإكمال» وله شرح المدونة توفي سنه 8 ه: وفيات الونشريسي» ص: 9 
شجرة النور الزكية 351:1. 


- 96 - 


بل على طرف حائط بيتك» لولا علمك أنه بالأفق لتوهمت أنه حيث رأيته. بل 
رأينا كثيرا من ضعفة العقول ممن يتوهم ذلك» فليتأمل. 

وقال الإمام أبو القاسم القشيري ما حاصله أن رؤياه على غير صفته لا 
تستلزم ألا يكون هوء فإنه لو رأى الله تعالى على وصف يتعالى عنه» وهو يعتقد 
أنه منره عن ذلكءلا يقدح في رؤيته» بل يكون لتلك الرؤيا ضرب من التأويل. 

وقال الطيبي!؟: المع من رآن في المنام بأي صفة كنت فليستبشرء ويعلم أنه 
قد رأى الرؤيا الحق الذي هي من الله وهي مبشرة» لا الباطل الذي هو الحلم 
المنسوب للشيطان.» فإن الشيطان لا يتمثل بي. وكذا قوله: فقد رأى الحق» وكذا 
قوله: فقد رآن» فإن الشرط والحراء إذا اتحدا دل على الغاية والكمال» أي فقد 
رآن رؤيا ليس بعدها شيء والله أعلم!. 

قال القسطلان في المواهب0 بعد نقل كلام الطيي المذكور: والحاصل من 
الأحوبة أنه على التشبيه والتمثيل» ويدل عليه قوله: فكأغا رآن في اليقظة. ثانيها: 
معناه سيرى ف اليقظة تأويلها بطريق الحقيقة. ثالثها: أنه حاص بأهل عصره من 
آمن به قبل أن يراه. رابعها: المراد أنه يراه في المرآة الى كانت له إن أمكنه ذلك. 
قال شيخ مشايخنا الحافظ بن حجر: وهذا من أبعد الحامل خحامسها أنه يراه يوم 
القيامة .عزيد حصوصية لا مطلق من رآه حينئذ تمن لم يره في المنام». والصواب 
كما قلمناه في رؤيته» عليه الصلاة والسلام التعميم على أي حالة رآه الرائي» 
بشرط أن يكون على صورته الحقيقية في وقت ماء سواء كان في شبابه أو رحوليته 
أو كهوليته أو آخر عمره. وقد يكون لما حالف تعبير يتعلق بالرائی كما قال بعض 
علماء التعبير: إن من رآه شيخا فهو غاية سلم» ومن رآه شابا فهو غاية حرب. 
وقال أبو سعيد أحمد بن محمد بن نصر: من رأى نبينا على حاله وهيثته فذلك دليل 
على صلاح الرائي وكمال جاهه وظفره يعن عاداه» ومن رآه متغير الخال عابسا 
مثلاء فذلك دال على سوء حال الرائي. 


)1( أبو الحسين بن محمد بن عبد الله الطيبي» عالم فقيه» له عدة مؤلفات» توفي سنة 743 ه: الأعلام 
22. 

)2( فتح الباري 2. المواهب الأدئية 296:2. 

(3) المواهب اللدنية 296:2. 

)4( فتح الباري: 385:12. 


- 97 - 


تثبيك: 


93 


قال القراقي!؟ في القواعد» وتبعه الزركشي في النادم» وحكاه جماعة من 
العلماء: إنما تصح رؤية البي» صلى الله عليه وسلي لأحد رحلين أحدهما صحابي 
رآه فعلم صفته» فانطيع في نفسه مثاله» فإذا رآه حزم بأنه رأى مثاله المحصوم من 
الشيطان» وثانيهما رحل تكررت عليه صفاته صلى الله عليه وسلم المنقولة في 
الكتب حي انطبعت في نفسه» كما حصل ذلك لمن شاهده ورآه فإذا رآه حزم 
برؤية مثاله عليه الصلاة والسلام كما جزم به من رآه. وأما غير هذين فلا يحصل 
الجزم» بل يجوز أن يكون رأى البي صلى الله عليه وسلم عثاله» ويحتمل أن يكون 
من تثيل الشيطان» ولا يفيده قول الذي يراه: أنا رسول الله ولا قول الذي معه. 

قال الشيخ عبد القادر بن مغيزل الشاذلي © ف كتابه الكواكب الزاهرة في 
احتماع الأولياء يقظة بسيد الأولين والآخرين في الدنيا والآخرة بعد نقله وحلبه 
للنصوص المتقدمة» ومنه نقلت ما نصه: حاصل ما قاله القراقي هو عين ما قاله 
القاضي عياض وشيخ الإسلام ابن حجرء ووحه التحقيق في ذلك هو أن مراد 
القرائي رحمه الله بمذين الرحلين كون الرؤية في حقهما قطعية لا تحناج إلى تأويل» 
لأن التعبير علم باحتهاد» والاحتهاد مظنون» فأشبه الفقى ولأن الاحتهاد أيضا لا 
بحال له ف القطعيات كما هو مقرر في أصول الفقه» بخلاف غيرها بأن يراه أحد 
على غير صفته» فلا يحصل الحزم برؤيته لأنه حعل الرؤية في حقهماء والحالة هذه 
قطعية» وف حق غيرهما ظنية. وهذا ملحوظ من فحوى قوله: وأما غير هذين فلا 
يحصل الحزم» ونفى الحزم فقط لكونه قطعياء فتعين قسيمه» وهو الظن» بطريق 
اللزوم. فافهم ذلك فإنه نفيس لا تراه الآن مسطوراء والله أعلم. 


(1) بدر الدين محمد بن يحيى القرافي» من فقهاء المالكية يمصرء له مؤلفات في الفقه والحديث» توفي سنة 
8ه : التقاط الدرر» ص: 235 شجرة النور الزكية 417:1 خلاصة الأثر 2584. 

)2( الإشارة هنا إلى: خادم الرافمي والروضة في الفروع لبدر الدين الزركشي الشافعي المتوفى سنة 749 
هه شرح فيه مشكلات الرو ضة وفتح مقفلات فتح العزيز» وهو على أسلوب التوسط للأذرعي: كشف 
الخلنون 698:1. 

)3( عبد القادر بن مغيزل بن الحسين بن علي الشاذلي» المعروف بابن مغيزلء» له كتاب: الكواكب 
الزاهرة» توفي بعد نة 594 ه: معجم المؤلفين 286:5. 


- 98 - 


وقال ابن بطال": معن قوله فسيران في اليقظة» يريد تصديق تلك الرؤيا في 
اليقظة وصحتها وخخروجحها على الحق» وليس المراد أن يراه في الآخرة لأنه سيراه 
يوم القيامة في اليقظة جميع أمته» من رآه في النوم ومن لم يره. 

قال ابن التين: المراد من آمن به في حياته و لم یره لكونه حينثذ غائبا عن 
فيكون هذا مبشرا لكل من آمن به و لم بره أنه لا بد أن يراه في اليقظة قبل موتها, 
كذا قاله بعض العلماء. 

قال المازري: إن كان المحفوظ فكأنما رآن في اليقظة» فمعناه ظاهرء وإن كان 
امحفوظ: فسيران في اليقظة» احتمل أن يكون أراد أهل عصره فمن لم يهاحر إليه 
فإنه إذا رآه في انام حعل ذلك علامة على أنه يراه بعد ذلك في اليقظة» وأوحى 
الله بذلك إليه صلى الله عليه وسلءم©. 

وقال القاضي عياض: قيل معناه سيرى تأويل تلك الرؤيا ف اليقظة 
وصحتها. وقيل معن الرؤية في اليقظة أنه سيراه في الآحرة. وتعقب بأنه يراه في 


الآخرة جميع أمته» من رآه في المنام ومن م يره» يعن فلا يبقى بخصوص رؤيته في 
المنام مزيةا6. 


وأحاب القاضي عياض باحتمال [أن تكون]© رؤياه له في النوم على الصفة 
الى عرف يا ووصف عليها موحبة لتكرمته قي الآخرة» وأن يراه رؤية خحاصة من 
القرب منه والشفاعة له بعلو الدرحة ونحو ذلك من الخصوصيات7. قال: و 
يبعد أن يعاقب الله بعض المذنبين في القيامة كنع رؤية نبيه صلى الله عليه وسلم 
مدة(6. وحمله ابن أبي جمرة على محمل آخر» فذكر عن ابن عباس أو غيره أنه رأى 
البي صلى الله عليه وسلم في النوم فبقي بعد أن استيقظ مفكرا في هذا الحديث» 


)1( أبو عبد الله بن بطال بن مهدي التميمي» ققيه محدث» رحل إلى المشرق وأخذ عن جملة أعلام کدبد 
الملك بن جلاب وابن أبي أصبغ» توفي سنة 6ه: شجرة انور الزكية 147:1. 

)2( فتح الباري 2 

(3) فتح الباري 2--. 

(4) فتح الباري: 3812. 

(5) تفده 

(6) زيادة من فتح الباري. 

(7) نفسه. 

(8) في ط: لا. 

(9) فتح الباري: 385:12. 


- 99 


فدخل عليه بعض أمهات المؤمنين» لعلها خحالته ميمونة) فأخرحت له المرآة الي 
كانت للنبي صلى الله عليه وسلم فنظر فيها فرأى صورة البي صلى الله عليه 


وسلم» ولم ير صورة نفسه!". 


قال شيخ الإسلام ابن حجر: ويعكر عليه أن جمعا جما رأوه في المنام ثم لم 
يذكر واحد منهم أنه رآه 2 اليقظة وبر الصادق صلى الله عليه وسلم لا 
يتخحلف © . انتهی . 

قال في المواهبا۴: وقال بعضهم ليست رؤيته عليه الصلاة والسلام رؤيا 
عين» إنما يرى بالبصائر» وذلك لا يستدعي حصر المرأى» بل يرى من المشرق إلى 
المغرب ومن الأرض إلى العرش كما ترى الصورة في المرآة الحاذية ها وليست 
الصورة منتقلة إلى حرم المرآة وعين الناظر مقابلة جميع الكائنات كالرآة. 
واحتلاف رؤیته» صلی الله عليه وسلم بأن يراه بعضهم شیخا وآخر شابا» وآخر 
ضاحكا وآخحر باكياء يرحع إلى حال الرائين كاختلاف الصورة الواحدة في مرائي 
مختلفة الأشكال والمقادير» ففي الكبيرة يرى وحها كبيراء وفي الصغيرة صغيراء ويي 
المعوحة معوحاء وني الطويلة طويلا إلي غير ذلك فالاختلاف راحع إلى احتلاف 
الرائي إلى وحه المرئي» كذلك الراؤون له» عليه الصلاة والسلام أحواهم بالنسبة 
إليه تلفت فمن رآه متبسما إليه دل على أن الرائي متمسك بسنته» والله أعلم. 


وقد أحاب الشيخ بدر الدين الزركشي عن سؤال رؤية جماعة له صلى الله 

عليه وسلى في آن واحد من أقطار متباعدة مع أن رؤيته صلى الله عليه وسلم 
حق» فإنه صلى الله عليه وسلم سراج» ونور الشمس ف هذا العام مثال نوره يي 
العوا لم كلهاء وكما أن الشمس يراها كل من في المشرق والمغرب ف ساعة واحدة 
وبصفات مختلفة» فكذلك البي صلى الله عليه وسلم» ولله در القائلا5: 


[كامل] 


(1) نفسه. 
)2( فتح الباري: 385:12. 

(3) المواهب اللدنية 297:2. 

)4( المواهب اللدئية 297:2. 

)5( البيت لأبي الطيب المتنبي: شرح ديوان المتذبي» ص: 58. 


- 100 - 


کالبدر من أي النواحي ج يمهدي إلى عي عينيك ثوواثاقا 

قال الأ ما تعد تی قد علمت من ادت وما تدم أن له ع مك 
أن يتمثل به الشيطان في النوم كما عصم ذاته الكرعة منه في اليقظة. وذكر القراقي 
من الكلام ما يشكل على هذا الأصل» ثم ساق كلام القرائي المتقدم بأبسط مما 
ذكر ثم قال بعده: وموضع الإشكال قصر رؤياه على الرحلين» وتحويزه في رؤية 
غير الرحلين أن يكون ما رآه من تخيل الشيطان مع شهادته» صلى الله عليه وسلې 
أن الشيطان لا يتمثل ب فإن قلت: إذا لم تقصر رؤياه على الرحلين فبم يعلم 
غيرهما أنه رأى مثاله؟. قلت: يجوز أن يكون باعتقاد خلقه الله تعالى للرائي إن 
الذي رآه هو مثاله صلی الله عليه وسلې وقد تقدم أن محل الإدراك من النائم لا 
يأ عليه النوم. 

قال القراق: وإذا تقرر أنه لا بد من تحقيق رؤية مثاله المحصوص فيشكل |0 
ذلك عا تقرر في كتب التعبير أنه يُرى شيخا وشابا وأسود وذاهمب القدمين 
والعينين» وعلى أنواع شي من المثل الي ليست هي مثالا. قال: واللجواب أن 
الأحوال صفات الرائي» وأحواهم تظهر فيه» وهو كالرآة هم فإذا صح للرائي 
المثال وانضبط فرؤيته أسود تدل على ظلم الرائي» ورؤيته ذاهب العينين تدل على 
عدم إعان الرائي لأنه إدراك ذهب» ورؤيته ذاهب القدمين يدل على أن الرائي منع 
من ظهور الشريعة ونفوذ أمرهاء لأن اليد يعبر يما عن القدرة. ورؤيته شابا يدل 
على أن الرائي يستهزئ به لأن الشاب يحتقر. ورؤيته شيخا يدل على أن الرائي 
يعظم النبوة لأن الشيخ يعظم» وغير ذلك من الصفات الدالة على الأحكام 
المختلفة. ثم قال الغزالي: قلت لبعض مشايخي:إذا صح أن يراه على هذه الكيفيات 
فكيف يبقى المثال ولم يبق ولم يكن كذلك في الحياة؟. فقال لي: لو كان لك أب 
شاب تغيبت عنه ثم حئت فوحلته شيخا أو أصابه يرقان أصفر أو يرقان أسود أو 
أصابه برص أو حذام أو بطلت أعضاؤه أكنت تشك أنه أبوك؟. قلت:لا. قال: 
فما ذلك إلا لما انطيع في نفسك من متاله المتصور عندك الذي لا تخلف#© له مع 


(1) في الديوان: من حيث الثفت رأيته. 
(2) زيادة من فتح الباري. 
(3) في ط: تحيف. 


- 101 - 


عروض هذه الأحوال» فكيف من ثبت في نفسه مثاله من أحد الرحلين لا يشك 
فيه مع عروض هذه الأحوال له وغير الرحلين لا يثق بأنه رآه؟. 


فصل : 


ويي ما ذكرناه من كلام الأئمة على معن الحديث كفاية» وهي كلها 
وسلم» ف النوم» وما يلزم منه وما لا يلزم فنقول: قال النووي في فتاويها؟: رؤية 
البي» صلى الله عليه وسلم في المنام لا يختص ها الصالحون. قال في الروضة©: 
ولكن لا يعمل عا يسمعه الرائي منه في المنام تما لا يتعلق بالأحكام لعدم ضبط 
الرائي» لا للشك في الرؤية» لأن الخبر لا يقبل إلا من ضابط مكلفء والنائم 
بخلافه. انتهى. 

وسبقه إلى ذلك ابن الصلاح© قي فتاويه» وقال: ليس ذلك من عدم الوثوق 
بالمرئي بل من حهة عدم الوئوق بضبط الرائي» وإن حالة النوم حالة غيبية وبطلان 
القوة الحافظة لا يجري في النوم على التفصيل. 

وقال ابن الأستاذ: عندي في هذا نظر» فان رؤيته حق وقوله حق. قال 
الشيخ عبد القادر بن مغيزل: ولم أر واحدا من العلماء وافق ابن الأستاذ على هذا. 
فقد ذكر القاضى حسین في فتاويه ف مسألة صيام رمضان في من رأى ليلة 
الثلاثين من شعبان البي صلى الله عليه وسلم قال له: غدا من رمضان. قال: لا 
يجوز له العمل به لأنه» عليه الصلاة والسلام» حكم أن الصوم لا يجب إلا برؤيته 
املال أو استكمال ثلاثين» ووافقه على ذلك جماعة من الأصحاب. ونقل القاضي 
عياض الإجماع عليه. ونقل النووي أيضا في شرح مسلم عن أصحابنا وغيرهم اهم 
نقلوا الاتفاق على أنه لا يغير بسبب ما يراه النائم ما تقرر في الشرع. 
(1) فتاوي الأمام النووي المسمى المسائل المنثورة» ص 199. 
(2) الإشارة هنا إلى روضة الطالبين وعمدة المتقين للإمام يحيى بن شرف النووي المتوفى سنة 676 ه: 
كشدف الذنون 929:1. 
)3( أبو عمرو عثمان بن الصلاح» الفقيه الإمام» له تاليف مفددة منها كتاب علوم الحديث» له الفتاوى 
المسددة» توفى سئة 643ه: الفكر السامي 402:4. 


)4( القاضي الحسين خضر النسفي» من فقهاء الحنفية» أقام بڊغداد مدة ومات في بخارى سنة 424 ه» 
له: الفوائد والفتاوي: الأعلام 237:2. 


- 102 - 


وف فتاوي الحناطى أحد أئمة أصحابنا إن إنسانا رأى البى» صلى الله عليه 
وسل ف منامه على الصفة المنقولة عنه» فسأله عن الحكم فأفتاه بخلاف مذهبه 
وليس غخالفا للنص والإجماع. فقال: فيها وحهان» أحدهما يأحذ بقوله» لأنه مقدم 
على القياس» وثانيهما لاء لأن القياس دليل والأحلام لا تعويل عليهاء فلا يترك من 
أحلها الدليل. وعن!! كتاب الحدل لأ إسحاق الاسفرايي حكاية وحهين» في أن 
الرحل لو رأى النبي» صلى الله عليه وسل في المنام وأمره بأمر هل يحب عليه 
امتثاله إذا استيقظ؟ كذا هو يي مجموع منسوب لابن الصلاح حكاه عنهابن 
الملقن. وحكى الزركشي في الخادم عن كتاب أدب الحدل ما حكيناه عن فتاوي 
الحناطي» فلعله انتقل نظره أو سقط شيء من النسخة. وقي المجموع المذكور لابن 
الصلاح حكاية وحهين في وحوب التمسك بالحكم من حيث هو في الحالة 
المذكورة. 

وعن روضة الحكام للقاضي شريح من أصحابنا: لو كان النبي صلى الله عليه 
وسلم قال: لفلان على فلان كذاء هل للسامع أن يشهد لفلان على فلان كذا؟. 
وحهان. ونقل الزركشي عن الشيخ عز الدين حطيب الأخموني قال: أخصبرني 
والدي أن إنسانا رأى البي صلى الله عليه وسلم في المنام وقال له: اذهب إلى 
موضع كذا وخحذ ما فيه! من ركاز ولا مس عليك فيه. وأنه تو حه إليه فو حده 
كما أخبره عليه الصلاة والسلام» وأنه استفئ الفقهاء بدمشق فكلهم أفتاه يعدم 
الوحوب» وقالوا قد ظهرت دلائل صدق الرؤياء والشيطان ممنوع من التمثيل بالنبي 
صلى الله عليه وسلم. قال وأفتاه شيخنا عز الدين بن عبد السلام بوجوب الخمس 
عليه واستدل على ذلك بأن طريق رفع القواعد النسخ» فلا نسخ بعد انقطاع 
الوحي بعوته صلی الله عليه وسلم. قال: ثم إن حكيت هذه الحكاية بين يدي 
شيخنا تقى الدين بن دقيق العيد» رحمه الله فصدق روايتهاء وزاد على ذلك أن 
الشيخ عز الدين كان يرى ذلك من باب الترحيح على تقدير صدق النائم. قال: 


1) في ط: في. 
5 عمر بن علي بن أحمد الأنصاري الشافعي» ابن الملقن» من أكابر علماء الحديث والفقه» توفي سدئة 
4 هه من مصدتفاته: إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال» التوضيح لشرح الجامع الصحيح: الأعلام 
530155 
(3) في 35 به 
)4( عمر بن علي بن وهب المعروف بدقيق العيد» من أكابر العلماء بالأصول» ولي قضاء مصر وتوفي 
بالقاهرة سذة 702 هه لد عدة تصائيف مئها: إحكام الأحكام: الأعلام 156 


- 103 - 


وأظن أنه أراد بالترحيح أن رواية الجمهور وحوب الخمس نصاء ورواية هذا شاذة 
ف مناه والأول أرحح قطعاء فالعمل يما راحح» والله أعلم. 

وقال الأبي في شرح مسلم ما نصه: قال القراقي: واحتلف الفقهاء لو قال 
لرائيه: امرأتك طالق ثلاثا وهو جزم أنه لم يطلق ثلاثا. هل يلزمه الطلاق ثلاثا لأنه 
صلى الله عليه وسلم لا يقول إلا حقا؟ أو لا يلزمه شيء؟. قال القرائي: وهو 
الأظهر» لأن إخباره صلى الله عليه وسلم في اليقظة مقدم على إخباره في الوم 
ولأن احتمال الغلط في ضبط امثال يي النوم أرحح من الغلط في ضبط عدم 
الطلاق» لأن هذا لا يختل إلا على النادر من الناس» وأما المثال في النوم فلا ينضبط 
إلا للأفراد من الحفاظ لصفته صلى الله عليه وسلم والعمل بالراحح واحب. 

قلت: ونزلت» فيذكر أن الشيخ (الفقيه)" ابن البراء كان يقرئ ف مسجد 
القبة من تونس© فأتاه رحل وقال له: رأيت البارحة النبي صلى الله عليه وسلم 
وقال لي: قل لفلان يعطيك حبة» فقال له الفقيه: قال لي أنا في اليقظة لا أعطيك 
شيئا. فذهب الرحل فدخل على الرحل الصاح أب عبد الله المشتهر بالغربي في 
موضعه القريب من المسجد المذكور فأعطاه. فقيل له إن الرحل يتخرص» فقال 
الشيخ: لو علمت أنه حق لأعطيته الدنيا. انتهى كلام الأبي. 

وقال شيخ شيوخنا حب الدين الفيشي7© في تكملة السيرة الشامية ما نصه: 
قال النووي: أما إذا رآه يأمره بفعل ما هو مندوب إليه» أو ينهاه عن منهى عنى 
أو يرشده إلى فعل مصلحة فلا حلاف ف استحباب العمل على وفق لأن ذلك 
ليس حكما عجرد المنام» بل عا تقرر من أصل ذلك الشيء. انتهى. 

فحاصل ما تقدم كله أن الرؤيا حق» فإن وافق المرئي صفته فلا تأويل» وإلا 
فيؤول. وكذلك أوامره إن وافقت بقيت على ظاهرها وأفادت تأكيدا وإرشادا 
لمصلحة وإلا أولت» وهو مقتضى كلاح النووي هذا الأخير. ولو قال قائل: إن 
هذه الأخبار المنقولة عنه» عليه السلام في النوم تترل مترلة ضعيف الحديث وشاذه 


(1) زيادة من ط. 

)2( تونس: مدينة بإفريقية» محدثة إسلامية» بينها وبين القيروان مسيرة ثلائة أيام: الروض المعطار» ص: 
143. 

(3) أبو عبد الله محمد بن محمد محب الدين الفيشي» فقيه مالكي» ولد سنة 917ه» له تاليف منها: شرح 
العشماوية: شجرة النور الزكية 406:1. 


- 104- 


فيعمل به في الفضائل و تحصل به الشواهد والاعتبارات» لم يبعد ذلك لأن الشارع 
لم يلغ الرؤيا عن الاعتبار أصلاء سيما رؤياه عليه السلام الى هي حق ومعصومة 
من تمثيل الشيطان. وقد اعتبر الشرع حنس الرؤيا إذ حعل منها مبشرات» وحعلها 
حزء من ستة وأربعين حزء من النبوة. نعم تخالف أخبار الرؤيا أخبار اليقظة في أن 
أذ الأحكام من الكتب والسنة وفهمها له طريق معلوم مدون مهذب في أصول 
الفقه والنحو وغير ذلك با يتوقف عليه الاحتهاد» وتأويل ما يؤول من الكتب 
والسنة يؤول على تلك الطريقة بخلاف أخبار الرؤياء فإن لفهمها وتأويل المؤول 
منها طرقا غير ذلك لا تكاد تنضبط» ولذلك م يكلفنا الشرع بالعمل الولاتما 
لغموضها ودقة مدركها وخحفي إشاراتها. فإن فهم الإنسان منها ما يوافق المشروع 
عمل به» وإلا توقف من غير أن يحكم ببطلاما جملة. ولنقصر عنان الكلام فإن 
للعلم قي مباحث هذه المسالة مالا واسعاء وللنظر فيها مرمى شاسعاء ولو تتبعناها 
حطر لنا فيها من المباحث المؤيدة بالأدلة الى هي على الركون إليها بواعث» لطال 
المقال» وتعارضت الأنقال» وتقارب ما بين الأصل والفرع» بشواهد العتقل 
والشرع وبالله تعالى نستترلا" عزيز التوفيق» ونستهدى سواء الطريق. 


(1) في ط: والله يستنزل. 


- 105 - 


ذكر خروجنا من بلاد أوكرت 
وهی آخر البلاد التى هى تحت طاعة الشريف صاحب 
سجلماسة رحمه الله وعفا عنه آمين 


كان رحيلنا من هذه البلاد صبيحة يوم الثلاثاء الثاني عشر من جمادى الأول 
قاصدين إلى واركلاء وخحرج معنا جملة من أهلها قاصدين الحج» وأخذنا على 
طريق وادي إعكيدن ومعنا رحل من عرب الخنافسة اكتراه أمير الركب يدهم على 
الطريق. ومعاطن المياه كثيرة ف هذا الوادي» قل ما يخلو يوم من منهل» وماؤه 
عذب غزير» وفيه يقول أعراب ذلك البلد: 

واد امكيدن مانعطش فيه كليومنجيءعلىما 

إلا أننا وحدنا غالب المناهل قد دفنها أولاد حمد» عرب توات» خائفين من 
عدوهم من!) سعيد أن يغيروا عليهم» فطمسوا ما في طريقهم من الماء لأحل ذلك 
ولم نزل نسير مع ذلك الوادي نرد الماء يوما بعد يوم في أيام بلغ بردها الغاية؛ 
وأفرط إلي غير ماية. ! إلى أن نزلنا عاشر يوم على قرية يقال ها والآأ» بعدما قطعنا 
قريها رمالا كثيرة يحار النظر في كثرها وصعوبتهاء وقاسينا منها شدة ولقيت الإبل 
أضعاف ما لقيناء وعلمنا عند ذلك حسن مبالغة القائل: اللهم صل على سيدنا 
محمد عدد الرمال. 

ولولا أن هذه القرية في مثل هذه المفازة ما حسن تسميتها قرية» إذ ليس فيها 
إلا نخلات معدودة قد يبس أكثرهاء وبقيت حدرات تسفى عليها الرياح 
وحجرات من جريد النخل» وعرش من اللحريد مرفوعة من الأرض مقدار القامةت 
بيس فيها تمر ذلك النحل» إذ لا يقدرون على وضعه على الأرض للا يغلب عليها 
الرمل فيذهب أدراج الرياح» ولم نحد في هذه القرية إلا رحلا واحدا ومعه نساء 


(1) في ط: ابن. 


- 107 - 


من قرابته يعوطن» وهو من ذرية رحل من الصالخين امه سيدي محمد بن موسى 
مدفون قي تلك القرية عليه بناى وزعموا أنه أول من بئ تلك القرية وأحياها 
وفجر ماءها وغرس نخيلهاء والعرب يحترمون النازل يما بحرمته» ويتأثر من تعدى 
عليه منهم بذلك» ويأتون ببعض صدقاقم إليه. وقد وحدنا ف روضته سفرا من 
نوازل البرزلي بخط الإمام ابن مرزوق» قد أفسد القطر حانبا منه. ومعه إحازات 
لبعض السادات القادرية" بخط مشرقى» وكثر تعجبنا من وصول ذلك إلى هذه 
القرية. وما كنا نظنه إلا من كتب سيدي محمد بن إسماعي © الذي مات 
بتكورارن» فإنه لما مات هناك سنة أربع وستين خحلف كتبا كثيرة وأوصى كنا لخادم 
الروضة النبوية» وأوصى بأن يصبر شخصه بصبر وكافور» ويحمل إلى المدينة 
المشرفة يدفن فيهاء وعين لمن يحمله نوا من ثلاغائة دينار من متخلفه» وكان له 
فرس أدهم من عتاق الخيل وأوصى به للجهاد» وأعتق عبيده ودفع لكل حصة من 
ماله» فلما مات أنفذا أهل البلد وصيته إلا في حمله فافم لم يجدوا من يحمله 
معتلين بخوف ظلم الولاة عصر والحجاز أن يطالبوهم عاله إذا رأوا حنازته محمولة 
من العرب» ويقولون ما فعل به هذا إلا وله أموال تفوت الخصرء فدفنوه في 
بلادهم بعدما هم بعض التجار بدفعه. وبقيت كتبه هناك مدة ثم حملوها إلي القليعة 
فارين با لما بلغهم أن متولي البلد يتحدث بأخذهاء ولم تزل هناك إلى أن ذهب 
سيدي علي ابن الشيخ الحفيان للحج بعد ذلك بسنين» فبعثوها معه وضاع كثير 
منها بسبب ذلك. وقد رأيت بعضها بالمدينة المشرفة» ورأيت زمام ما وصل منها 
وليس يشبه ذلك عدة كتبه. وقد أخبرن بنفسه رحمه الله قبل موته بسنة لا لقيته 
بفجيج أن كتبه تبلغ قريبا من ألف وخمسمائة تأليف» والذي بلغ منها إلى المدينة 
المشرفة نحو من مائة وسبعين سفرا رأيت منها حملة كثيرة» وهى كتب نفيسة حدا 
اقتئ أكثرها لما كان عدينة اصطنبول» اشتراها له الوزير الأعظم بسبب حكاية 
وقعت له معه قبل أن يتولى الوزارة» وذلك أنه لقيه ببغداد عند ضريح قطب الزمان 
عبد القادر الخيلان» والوزير إذ ذاك مصروف عن عمالة كبيرة من أعمال السلطان 
فهو يتخوف من غائلة السلطان ويأمل الوزارة. فقال يا سيدي» ادع الله لي فإن 
(1) نسبة إلى القطب أبي محمد عبد القادر الجيلائي» المتصوف الشهير» توفي ببغداد سنة 561 ه: مرآة 
المحاسن» ص: 249. 

(2) محمد بن إسماعيل: عالم فاضل» توفي بتكورارين عام 1064 ه: صفوة من انتشرء ص: 222. نششر 
المثاني 69:2. 

(3) في ط: أنفذ. 


- 108 - 


توليت الوزارة فاقترح علي ما شئت. فلما ذهب سيدي محمد بن إجماعيل إلى 
القسطنطينية وحده قد تولى الوزارة» فا کرم مثواه وأحسن نزله. فقال له شأنك 
وما تقترح ؟. فقال له: إن هذه المدينة كتبا نفيسة وليس لي ما أحصل به أمنيي 
منها. فبعث إلى دلال الكتب وقال له: كل ما يقع بيدك من الكتب فاعرضه على 
ذلك دأبه مدة إقامته هناك. وكان هذا الرحل أعجوبة في سائر أحوالف فإنه ممن 
حصل حانبا عظيما من العلوم الشرعية» وم يخل من حانب الأذواق والوهبية» 
وحال البلاد شرقا وغرباء فلم يدع المغرب الأقصى ولا إفريقية ولا بلاد السودان» 
وأقام عصر مد نحوا من سبع سنين ف حياة الشيخ اللقان. وأحبرن أنه حتم 
المختصر بالأزهر سبع مرات» ولي مشايخ ذلك الوقت» وحاور بعكة والمدينة 
مدة» ودخحل اليمن وادعى فيه المهدية أو ما يشاكلها فلم يتم له ذلك ودحل 
العراق وأقام مدة ببغداد وانتسب للشيخ عبد القادر» وأخذ العهد على طريقهه» 
ودخل في جملة أتباعه. ثم ذهب من هناك إلى القسطنطينة» وهو في كل ذلك 
يصرح عا في نفسه من الإمارة ولا يكي غير متهيب صولة سلطان ولا غيره. ثم 
حاء من الروم إلى طرابلس في سنة ستين. ولقيته إذ ذاك عسراتة عند ضريح الشيخ 
زروق. وقال لي: إن قد أذن لي في نصرة الدين وإظهار الكلمة» وأحبرن بذلك 
من لقيته من الصالحين. وقد حئت إلى هذا الشيخ أستأذنه» فأنا أنتظر الإذذن من 
قبله. وتركناه هناك إلى أن بلغنا حبره أنه بلغ إلي سواحل البحر الغربي وزار سيدي 
عبد السلام بن مشيش!". وأقام بتلك البلاد مدة ولم يتم له ما أرادء وكان أظهر 
أمره قبل ذلك بسنين عديدة بالسوس الأقصى فلم يتم له الأمر. ثم كر راحعا من 
حبال غمارة إلى القلعية» وأقام بها مدة ثم سار من هناك إلى أن حرج إلى فجيج 
وأقام يما مدق ولقيته با أوائل سنة أربع وستين» فطلب منا المساعدة على ما 
يحاوله» فلم يصادف عندنا ما يحب» وأظهرنا له حلية أمرناء وأنا لسنا من يتعرض 
لا ليس من شأنه» ولا ممن له قدرة على أقل ما يحاوله. فلما تحقق ذلك منا أظهر 
التأسف والتلهف على ما مضى من عمره وسعيه في غير طائل. وقال: إني حلت 
حوانب الأرض فلم أحد من يبكي الإسلام بالعين الى أبكي كماء فوالله ما كذبت 
ولا كذبت إلا أن عسى أن أكون قد غلطت في فهم ما أخبرت به» فإ رأيت 


)1( أبو محمد عبد السلام بن مشيش» متصوف عارف» له الصلاة المشيشية» توفي مقتولا بجبل العلم سنة 
2 ه: مر آة المحاسن» ص: 249. 


- 109 - 


البي صلى الله عليه وسلم فقال لي: أنت عالم وغ وسلطان» فأما العلم فقد 
حصلت منه ما قسم لي» وأما الغى فإن لا أعدم الخمسمائة دينار أو ما يقارفا 
مي طلبتهاء وأما السلطنة فلعلها سلطنة الآخرة» وكنت أظنها في الدنيا. وأنا الآن 
تائب مما آنا فيه عام أن الله لم يرد بي ذلك» فنييٍ الرحوع إلى الحج والزيارة» ثم 
أستوطن حوار الشيخ عبد القادر الجيلان أعبد الله حي أموت. ففارقناه على هذه 
النية» فذهب من هناك إلى تحورارن ومات يما. وكان رحمه الله يتتحل السيمياء 
والكيمياء ويحسن الوفاق ويخبر عن نفسه ببعض ذلك. ولو استقصينا أخخباره لطال 
الكلام. ومن محاسنه أنه لما دحل إلى طرابلس قال له عثمان باشا: اقترح علي» 
فقال له: إن أريد أن تحرر كل من في مملكتك من الأشراف فلا يعطون شيئا نما 
يعطيه غيرهم» وتحرر حيران الشيخ زروق. فعد من في عمالته من الأشراف» فوحد 
نحوا من خمسمائة دار» فحررت كلها ولم يؤخذ منها شيء إلى الآن. ولعمري إنا 
[وافر] 
مقيّاها خطى بت علينا ومن کتبت عليه خطی مشاها() 
وأرزاق انا مغفرقاتتة فمن + تألِهمنانتامَا 
ويزاد بعد هذا البيت: 
ومن كتبت مني هةٌ بأرض فليس يموت بأرض سواها 
وأنشدن أيضا: 
[كامل] 


فسد الزمان كما رى من حاله وكذاعواِدٌ آخرالأزمان 
وأولى من هذا قول الآخرا©: 


إوافى] 


)1( ورد البيتان في لمح السحر» وقال المصذف إنهما مكتوبان على قبر المتنبي: لمح السحر» ص: 211. 
)2( ورد يلا نسبة في التمثيل والمحاضرة» ص: 247. لمح السحر» ص: 181. 


-110- 


يقولون الزمانُ به فسا وهم فسّدوا وما فسة الزمان 

وبالحملة فهذا الرحل كان أعجوبة زمانه ونادرة وقته سخاء وذكاء ودهاءء 
ونحدة وعلو همة وعبادة» لولا ما ابتلاه الله به من وسوسة الإمارة الي توسوس في 
دماغه» فلا تدعه يسكن في مكان ولا يقر له معها في أرض قرار. نسأل الله العفو 
والعافية والمعافاة من كل ما يقطع عنه عنه وكرمه. 

ثم ارتحلنا من قرية والا ونزلنا ضحى بينها وبين القليعة» ولحق بنا هناك 
سيدي علي بن الشيخ الحفيان» وهو أخو أمير ركبنا سيدي محمد» ولحق معه 
حجاج من أهل تحورارن. ثم ارتحلنا من هناك في يوم عاصف لم نر مثله فيما تقدم 
من سفرناء لقي الناس فيه كلالاء ولا تفتح العين إلا ملفت رمالا. فال ركبان 
بأرديتهم مترفلون!2» والمشاة يحانب الإبل قهرا يرملون©. ونزلنا بالقليعة» تصغير 
قلعة» وهي قرية حصينة على حجر صلد في سفح حبل منقطع عنه» ويها آبار 
كثيرة طيبة الماء» ونخيل ليس بكثير. وهي من طاعة سلطان واركلاء ويها عامله. 
وهمته على قدر همة مستعمله. وقد أخيرئ من رآه أسود حاتي الرحل عاري 
الرأس» في ملاءة وسخة ومع ذلك يتحاكم إليه أهل قريته ويذعنون لأمره. وكذه 
القرية كان يترل الشيخ الحاج الأبر سيدي أبو حفص ابن الولي الصاح سيدي عبد 
القادر بن محمد بن سليمان ابن بوسماحة ويعرف عند أهل بلده بسيدي الشيخ» 
وأولاده حي الآن يدعون أولاد سيدي الشيخ وله حرمة وصيت في هذه النواحي 
بلها! وصحرائها. خصوصا ولده هذا سيدي أبو حفص» فله هدي وصيت حسن 
وتنسك» متابر على فعل الخيرات من حهاد وحج» فقد أفن عمره في التردد على 
الحرمين الشريفين» ورعا رحع من الطريق قبل أن يصل. ولم يزل كذلك إلى أن 
توثي في سنة إحدى وسبعين وألف» ودفن عند والده عقبرقم المعروفة بالأبيض» 
قرب بو"عغون. وقد حججنا معه سنة قسع وحمسين.» وقفلنا معه إلى توزر)» 
وزرناه مرارا عديدة» ولقيناه بعد ذلك في حجة سنة همس وستين ونحن قافلون» 


(1) مترقلون: من رفل؛ أي جر ذيله وتبختر: لسان العرب: رفل. 

(2) يرملون: من الرمل؛ وهو الهرولة: لسان العرب: رمل. 

(3) في طة يمها. 

)4( توزر: مدينة في أقصى إفريقية من نواحي الزاب الكبير من أعمال الجريد معمورة» بينها وبين نفطة 
عشرة فراسخ وأرضها سبخة بها نخل كثير: معجم البلدان: توزر. نزهة المشتاق في اختراق الآفاق 
1 


-111- 


وتؤثر عنه كرامات وله أتباع» وكان يسير غالبا للحجاز بنسائه وأولاده. ويعامله 
الناس كثيراء الأمراء فمن دوم ويتبركون به. 
ثم ارتحلنا من القليعة وسرنا نصف يوم والخبل عن عينناء قي يوم عاصف. إلى 
أن صعدناه عشاء وبتنا. وي الغد سلكنا ف أرض وعرة حرشة» إلا أنا وحدنا ها 
الكل للإبل فحمدناها. والطريق ف غالبها يسلك في شعاب تنساب بين فدافدا» 
انسياب الأرقم» فمن رآها من بعيد ظنها أرضا بيضاء يتصل بعضها ببعض وهي 
تتقطع تقطع السحاب. وي اليوم الرابع حثنا إلى ماء يقال له زيرارة» وهي بشر 
طويل حدا متوحد في بسيط من الأرض بين حبلين» أحدهما من رمل» وماؤها حلو 
حداء وفيه يقول أعراب ذلك البلد: ما أحلى ماءك وما أبعده يا زيرارة. فلما 
تحاوزناها حصلت لا ركب روعة لخبر أخبروه أن بازائهم قوم من العرب يريدون 
الإغارة» فشمر الناس للقتال وأخرحوا عدم وهيؤوا آلة حرم فلم يلقوا كيدا. 
وتبين بعد ذلك أن الخبر لا أصل له. وبات الحجاج في تلك الليلة على ماء يقال له 
الجديد. وقي ثاني يوم منه» وهو سادس يوم من رحيلنا من القليعة» نزلنا على ماء 
يقال له ولت دغير ضحى يوم الجمعة التاسع والعشرين من جمادى الأولى» وهو 
بئر واحد غزير الماء في بسيط من الأرض بين حبلين» لا يخلو من العمارة قي الغالب 
ممن يجاوره من الأعراب. وغالبهم أهل عافية لا إذاية فيهم. 

ثم ارتحلنا منها وأحذ الناس ماء أربع ليال» ومررنا في طريق بأسفل واديهاء 
وفيها تل في بسيط من الأرض به رسم مسجد وقبورء وكأنه مزارة» فصلينا به 
الظهر.» وزرناه بحسن اعتقاد لأنه محل تعبد في أرض قل ما يذكر فيها اسم الله 
كثيرا. وقد سألنا الدليل عن ذلك الموضع فأخبرنا أنه مصلى السيد الاج أبي 
حفص» والرحل من الصالحين يسمى الحاج يوسف. وعن عينه في شعبة من تلك 
الشعاب ماء يقال له أبو الرغاوي. ثم بتنا تلك الليلة أسفل من العقبة الي يطلع 
منها إلى الحماد. ولم يسر الركب ي ذلك اليوم إلا نصف مرحلة لأنهم وحدوا 
الكل كثيراء فظلت الإبل راتعة» وصحابتها أمامها هاحعة. وتسوقنا هناك فئة قليلة 
من الأعراب بغنم قليلة تخاطفتها الحجاج بأغلى نمن لطول عهدهم باللحم ثم 
ارتحلنا غدا وطلعنا الحمادء وتراخى الناس قي السير أيضا لأحل الكل تراخيا 


(1) الفدفد: المكان المرتفع: لسان العرب: فدد. 
(2) في ط: وصليناء 


-112- 


أورثهم زيادة رحلة ألحأقم إلى سير حاد مخافة العطش» إذ لا ماء من المورد 
المذكور إلى واركلا. 


ثم بتنا تلك الليلة وقد قل الكلأء وأنذر قلته بالطلوع إلى سطح الحماد الكبير 
الذي قل متله قي بلاد المغرب. ثم ارتحلنا غدا وطلعنا إلى السطح المذكور» وهي 
أرض حرداء حرشاء لا علم فيها إلا المراير!؛» الي شقت على سلوكها المزاير©؛ 
وأرحام/ على الطريق مبنية» هي لتأملها عن الدليل مغنية. 

نم بتنا تلك الليلة» وهي ثالنة الليالي» بواد معشوشب انتفعت فيه الإيل؛ 
ونزلناه عند العصرء ثم ارتحلنا غدا في يوم عبوس قمطرير» ذو قنامكا وزمهريرء 
وسلكنا ق مهمه مغ أرحاوه» کان لزن أرضه سماؤ قد سخرت فيه الرياح 
للرمال» تحملها أمامها كالخبال» حى لا يكاد الرحل أن يعرف مسايره» ولا يسمع 
مسامره» وسايرتنا ذلك اليوم حى الليل» والرمال أمامنا كالسيل» ولقينا من ذلك 
ما نقص علينا عافية تلك البلادء واستسهلنا معه ذهاب الطريف والتلاف أ أستغفر 
الله» بل العافية لا يعدا شيء» اللهم عافيتك أوسع لي. 

ثم بتنا تلك الليلة وقد كلت الأبدان» وتشايمت ألوان الأحرار والعبدان» 
وهى الليلة الربعة» لألوان التعب جامعةء كأنها رابعة ليالي القادسية!» أو إحدى 
الليالي النابغية. ثم ارتحلنا غداء وسلكنا يي أرض كأنها الحشر ومحل المنشرء إلا أنها 
ليست بيضاء ولا نقية» بل سوداء شقية» لا تسمع فيها إلا #مساء ولا يسلك 
الدليل فيها إلا حدساء لم تضع الإبل رؤوسها إلى الأرض» كأفا سائرة يوم 
العرض» ف أرض مزقت من حروشتها النعال» وآلمت أخفاف الإبل وحوافر 
البغال» فلففنا على الأرحل الخرق والرقاع» كأننا في غزوة ذات الرقا ع۴ نتعارج 


(1) المراير: جمع مرة» وهي شجرة أو بقلة» وهي من أمرار البقول: لسان العرب: مرر. 

(2) المزاير: : جمع مزير» وهو الشديد القلب القوي: لسان العرب: مزر. 

)3( الأرجام: والرجام؛ الحجارة المجموعة على القبور: لسان العرب: رجم. 

(4) القتام: الغبار: لسان العرب: قتم. 

)5( القادسية: بينها وبين الكوفة خمسة عشر فرسخاء وبين ويدن العذيب أربعة أميال» وبهذا الموضع كان 
يوم القادسية بين سعد بن أبي وقاص والمسلمين والفرس في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سنة 
16 من الهجرة» وقاتل المسلمون يومڎڏ وسعد في القصر ينظر إليهم فنسب إلى الجين» وذكر أصحاب 
الفتو ح أن القادسية كانت أربعة أيام» فسموا الأول يوم أرماث» واليو م الثاني يوم أغواث» واليوم الثآلث يوم 
عماس» وليلة اليوم الرابع ليلة الهرير» واليوم الرابع سموه يوم القادسية» وكان الفتح للمسلمين» وقتل رستم 
جازويه ولم يقم للفرس بعده قائمة: معجم البلدان: القادسية. 

(6) وقعت غزوة ثات الرقاع في محرم من السنة الرابعة للهجرة: شذرات الذهب 11:1. 


-113- 


ف أرض صفصف قاعء هي في ما رأينا شر البقاع» وقد فرغ من عند الناس الطعام 
والشراب» وتعوضوا منهما الرمل والسراب. وكثير من الناس يظنون أنهم ييحصلون 
تلك الليلة واركلاء فكان الأمر على حلاف ما أملوه» وفوق الحساب الذي 
عملوه. 
ثم بتنا تلك الليلة أيضا في أرض كال قبلهاء ونراها في االجوع والعطش 
أعظم منها لا مثلهاء ثم ارتحلنا غدا وهبطنا من الكرب» بعد شدة الكرب» قبل 
الظهر بقليل» والجسم من كل منا عليل» وأنشدت لبعض الإحوان في ذلك اليوم: 
[وافر) 
لئن طال الجماڈلقدحمدنا بفطل الله عاققة الحسماد 
سَيحسنُ في الشاهي دون ريب كما قد كان أحسن في الا 


وتراءى لنا نخل واركلا كأنه سحابة وطفاءا؟ أو ناقة عجفاء يتقطىع 
السراب دونه» وكثير من الناس لا يفهمونه. فدخحلنا واركلا قبل غروب الشمس» 
ونزلنا باب المدينة المسمى باب السلطان» وكان من لطف الله بالحجاج أن صادف 
دخوطم دخول قافلة من أعراب الأرباع قدمت بسمن كثير وغنم وابل وزرع؛ 
اشترى الناس ما احتاحوا إليه بأرحص ثمن» وقدمت أخحرى بعدها بيوم تحمل مثل 
ذلك وأكثر» فتنعم الناس في اللحم والتمر والسمن» واشترى الحجاج غنما كثيرة 
حي كأن تلك الليالي الثلاث الي أقاموها ليالي من من كثرة اللحم. 

وكان دخولنا للمدينة عشية الخميس» وأقمنا يما يوم الجمعة واليومين اللذين 
بعده» ودخلنا للمدينة لحضور صلاة الجمعة» وصلينا بجامع يسمى حامع المالكية 
وخخطب الخطيب بخطبة أكثر فيها اللحن والخطأ والتحريف» والتقدم والتأخير» مع 
إدغام أكثر حروفهاء حى كأنها همهمة» فكنت أتخوف ألا تصح لنا معه جمعة إن 
كانت صلاته كخخطيته» فنجى الل فأحسن ف قراءة الفاتحة. فما ظننا أن صلاتنا 
معه جحزية» ودعا في حطيته للإمام المهدي ثم للسلطان الأعظم الخاقان الأفحم 
محمد بن إبراهيم بن مراد» ثم لسلطان بلده مولاي علاهم. فلما فرغ من الصلاة 


(1) الوطفاء: الديمة السح الحثيثة: لسان العرب: وطف. 


- 114 - 


بعثت بعض أصحابنا ليسأله عن المهدي المدعو له في الخطية» أهو المنتظر أم أحد 
المنتحلين ذلك ممن مضى» فسأله عن ذلك فإذا هو لا يفقه شيئا من ذلك» وقال: 
أظلنه البي صلى الله عليه وسلم. فعلمت أنه إغما وحد الخطبة مكتوبة في صحيفة 

عنده فحفظها كما وحدهاء إلا أنه لم يحرر حفظها ونقلهاء ولعلها من حطب 
بعض من كان في أيام المهدي بن تومرت7" زاد فيها هذا الدعاء للإمامين اللذين 
في عصره. 

ثم بعد الصلاة طلعنا للمئذنة» وهي مشرفة على المدينة كلهاء فنظرنا إلي 
ي وسط خط من النخل» ومساحة المدينة بالتخمين نحو من نصف فرسخ يي 
مثله» حيط مما خندق مملوء ماء من كل حهاقاء لا يصل أحد إلى سورها إلا من 
شهرين. وذلك أن طائفة منهاء وهم بيضة البلد وعصبة أهلها اتهمهم الأمير بالقيام 
خارج السور» فمن افلت من البلد قتلوه. فقام عليهم بالسيف بغتة هو ومن معه 
فقتل منهم مقتلة عظيمة نحوا من الماثتين» و م يسلم منهم إلا من تسور حدار 
السور إن لم يلقه الأعراب أو افتدى منهم. وهي فعلة شنيعة عدت من هفوات 
بحسن السيرة» وأورث ذلك شحناء بينه وبين أخواله أولاد الشيخ أحمد بن حلاب 
فإن أمه أحت الشيخ أحمد» وكانوا قبل ذلك شيعة له وهم تمكن من البلد. 


)1( ابن تومرت: أبو عبد الله محمد بن عبد الله فقيه عالم» مؤسس دولة الموحدين بالمغرب» أقام بالمشرق 
مدة قبل أن يعود إلى المغرب للقيام بدعوته» من أهم كتبه: أعز ما يطلب. توفي سنة 525: شرف الطالب» 
ص: 61. شجرة النور الزكية 204:1. ١‏ 

(2) في ط: هو. 

)3( الفرسخ: أصله فارسي دخل العربية بمعنيين» يدل الأولعلى الزمن» والثاني ارتبط بمسافة اتفق ق على 
تحديدها بالمسافة التى إذا مشاها الرجل قعد واستراح» وهي عذد بعضهم سدّة أميال» غير أن الفقهاء 
المسلمين قدروا افر بثلائة اميال: لسان العرب: فرسخ. معجم المصطلحات والألفاظ التاريخية» ص: 
337. 

(4) في ط: يرتصدواء 


-115- 


ثم لقيت إمام المسجد بعد ذلك وأدخحلن إلى مترله وأحضر لي ما عندي من 
الكتب فإذا عنده أحزاء من الموطإ ومن البخاري ومن الإكمال"» وبعض شراح 
المختصرا© والرسالةا© غالبها لم يكمل. 

و حبسي لطعام صنعه حي حانت صلاة المغرب» فدخعلنا! المسجد بازاء داره 
لصلاة المغرب» وهو مسجد متقن الصنعة مبخصص الأرض والخيطان» على بابه 
أماكن ويي حوانبه معدة للوضوء وقضاء الحاحة» ومكان لتسخين الاي فأعجبيي 
غاية. فلما دحل المؤذن كبر في أذانه أربعا أول الأذان وأربعا آخخراء فأنكرت ذلك 
في نفسي إذ القوم مالكية في ظين. فلما دحل الناس للصلاة ابتدروا زوايا المسجد 
يتيممون» فقلت عجياء» هؤلاء كلهم من ذوي الأعذار؟ . ثم وقع في نفسي أفم 
عزابة روافض. ثم سألنا بعد ذلك فإذا المسجد مسجدهم يصلون فيه وهو 
معروف موا وهم طائفة من الإباضية۴ من أتباع عبد الله بن إباض يوافققون 
المعتزلة في أكثر عوائدهم» كنفي الرؤية والقول بخلق القرآن» ويبغضون بعض 
الصحابة» وهم كثيرون في تلك البلدة. وأصل مادقم من حبال مزاب فإفهم كلهم 
روافض» وها علماؤهم» وهي عند من هو على معتقدهم معظمة. 


وهؤلاء الروافض يسمون أشياخهم بعم فلان» فيقولون نص على هذه 
المسألة عم داود أو عم إبراهيم 


(1) الإكمال للقاضي عياض (ت 544ه): تاريخ المكتبات الإسلامية ومن ألف في الكتب» ص: 93. 

)2( يقصد مختصر خليل في الفقه المالكي. 

(3) الرسالة لابن أبي زيد القيرواني. 

(4) في ط: فدخلت. 

(5) في ط: لهم. 

)6( الإياضية: نسبة إلى عبد الله بن يحيى بن إباض الذي خرج في أيام مروان الحمار وانتشر أتباعه 
بالمغرب: التعريفات 20:1. سير أعلام اأنبلاء 153:15. 


- 116 - 


غريبة أخرى: 


وأخبرن من أثق به من أهل ريغ من أشياخنا أنه مر يهم رحل قاصدا مراب 
فسألوه من هو فقال: من أهل البصرةا؟ حتت زائرا لبلاد مزاب» فقبح الله الزائر 
والمزور» ورده مأزورا غير مأحور. 


وسألت بعض الناس عن عدم إنكار والي البلد على هذه الطائفة الملعونة» مع 
أنه ليس على معتقدهم فأخيرن أهم عصبيته ف حروب تقع بينه وبين أخواله 
وأعراكم فلا يقدر أن ينكر عليهم لذلك. وهذا كله من رقة الديانة» وخيانة 
الأمانة. ولا كان آخر أيام الإقامة سألت صاحبنا إمام المسجد هل ثي البلد شيء 
من خزائن الكتب» فأحبرن أن عند الأمير خزانة من الكتب» وأنه لا عنع من أراد 
الدحول إليها. فذهبت معه إليه ودخلنا ورحب بناء وأخيره صاحبنا عاأريك 
فأدحلي إلى كتبه» فإذا عنده نحو من أربعين سفرا من جملتها التوضيح والتتائي 
ورام وحواشي على الصغرى. وأخرج لنا طعاما وسأل عن مسائل فقهية» وله 
بعض الإلمام يما. وحرى في الكلام معه ذكر تعارض الأصل والغالب» فطلب مني 
أن أكتب له في ذلك شيئاء فكتبت له بعد الخروج من عنده ما حضر من كلام 
العلماء في ذلك وأوردت له بعض الأمثلة. 


وکين حانبف وهما©: 


[طویل] 
فإف ولا الأمرفي كلبلدةٍ | كشرٌ ولك نالأميعلامُم 


(1) البصرة: مدينة بأرض المغرب» كانت مدينة مقتصدة عليها سور ليس بالحصين» ولها قرى وعمارات 
وغلات: نزهة المشتاق في اختراق الآفاق 531:2. 

)2( أبو عدد الله شمس الدين محمد بن إبرأهيم التتائي» الفقيه الفرضي»› تخلى عن القضاء وتصدر للتأليف 
والإقراء» له شرحان على المختصر وشرح على ابن احاجب» توفي سنة 2 ه: لقط الفرائد» ص: 
5 شجرة النور الزكية 393:1. الأعلام 32:5. 

)3( بهرام بن عدد الله بن عبد العزيز الدميري» حامل لواء المذهب المالكي بمصر» أخذ عن الشيخ خليل 
وبه تفقه» له تاليف منها شروح على المختصر» كبير ووسيط وصغير» وشرح مختصر ابن الحاجب» توفي 
سنة 805 ه: وفيات الونشريسي» ص: 5. شجرة النور الزكية 345:1. الأعلام 76:2. 

)4( لمحمد بن يوسف بن عمر الدنوسي عالم تلمسان» من تصائيفه: العقيدة الصغرى والعقيدة الكبرى» 
توفي سنة 895 ه: تاريخ خ المكتبات الإسلامية ومن ألف في الكتب» ص: 7ه 2. 

(5) ورد اليتان في تاب أبو سالم العياشي المتصوف الأديب» ص: 287. 


-117- 


عَلامُم علامم إذ تحلوا بجليِةٍ من العدل والممدوح رقم حلام 

وبعثتها له مع صاحبنا إمام المسجد» وهذا الإمام يدعى عند أهل بلده بيا 
سيدي) وأخوه سيدي نحتين!!) وها معروفان بأولاد الفقيه منصور» وها أقرب 
من رأيت في هذه المدينة بسيرة الطلب» وما أظن أحدا منها يحسن بابا من أبواب 
أي علم: 

زوافر] 

ولكن البلادَ إذا اقشعرت و صرح نبثها زعي المشيواة 

ولأهل هذه البلدة دراهم يتعاملون ها يكثر فيها النحاس» أربعة وعشرون 
في ربع ريال. وقد أضاف أهل المدينة الركب أربع ليل ضيافة لا بأس بما. 


غريبة: 

وقي باب المدينة ال نزلنا من قبله حرق كثيرة من صوف وكتان» أكثرها 
صحيحة لا قطع فيهاء يصلح للانتفاع» وليس مثلها تما يرمى به ي العادة. وتعجبنا 
من كثرنًا مع صحتهاء ولا نعلم السبب في عدم أخخذ الناس ها وت ركهم الانتفاع 
ما وهي لو جمعت لكانت أحمالا. ومععنا هناك أنما تیاب ا موتى» وأن من مات 
ألقيت ثيابه الي عليه عند الموت هناك ولا تمس» ولا نعلم صحة ذلك» والله أعلم. 


من غرائب هذه البلدة استخراج عيون الماء الغزير بحفر الآبار» فيحفرون بثرا 
نحوا من مسين قامة» ثم يصلون إلى حجر مصفح على وجه الأرض فينقرونه فإذا 
نقبوه فاض منه الماء فيضانا قوياء ويطلع كذلك بسرعة إلى فم البئر ويصير عيناء 
فإن لم يتدارك الحافر بالجذب أغرقه الماء. ومئ احتاحت العين إلى الكنس حصلت 


(1) في ط: سيد خير. 
(2) صوح: صوح البقل:كم يبسه: لسان العرب: صوح. 
)3( ابیت لأبي علي البصير: الوساطة» ص: 221. وهو من شواهد لسان العرب» مادة: صوح. 


- 118 - 


لمتعاطي كنسها مشقة كثيرة» ورا تركوها بلا كنس للمشقة فتندثر. وقد أخبرن 
من أصحابنا من عاين كنسهم للعيون بأمر غريب» وكذلك عيون أهل وادي ريغ. 

ثم ارتحلنا من واركلا يوم الاثنين ونزلنا ببلدة قريبة منها على نصف مرحلة 
تسمى مكوسا. وهم من طاعة وادي ريغ لا من طاعة واركلا. فلما نزلنا منعوا 
الحجاج من الدحول واقهموهم انهم اتفقوا مع سلطان واركلا على أن يان أصحابه 
في وسط الحجاج كي يدخاوا الباب خديعة» وزعموا أنه اتفق معهم على أن يأحذ 
هو الأموال ويأحذ المغاربة البلد يسكنوفا. وهذا من قلة عقوطم وبلههي كيف 
يتوهمون أن أناسا تركوا أهلهم وأمواللهم ودیارهم ابتغاء وجه الله يرضون بسك 
هذه البلاد ال لا يسكنها إلا من ضاقت عليه البلاد؟. وبات أهل البلد يحرسون 
تلك الليلة وهم في أشد ما يكون من الحقد على أهل واركلاء ينتظرون قدوم 
العساكر من أميرهم الريغي في زحفون إليها معتقدين أن أمواطهم ودماءهم حلال» 
وأنهم كفار بسبب الفعلة المتقدمة. وقد سألت البعض منهم: هل يذهب أحد 
منكم هذا العام للحج فقال لي: من ذا الذي يذهب هذه السنة للحج ويدع الجهاد 
في باب داره؟ فلا تظن أن أحدا من أهل البلد يشتغل بشيء هذا العام إلا بالجهاد. 
فاستغربت ذلك كثيرا. وسبب توحهم المتقدم في الحجاج أن بعض صعاليك 
الحجاج ممن قصده التمعش حلسوا عند سلطان واركلا وخدموا عنده وأعطاهم 
السلاح» فبلغهم ذلك» فظنوا أن الركب كلهم متفقون معه على ذلك. ثم ارتحلنا 
من هناك قاصدين وادي ريغ في أرض ذات رمال لا يهتدي فيها إلا من مارسها 
كثيرا. 

وقي اليوم الثالث منها أصبحت علينا ريح باردة في مكان كثير الردمل» 
وحاءتنا من أمام حى لا يكاد الرحل يرى من بجنبه» ودامت علينا إلى الليل ولقينا 
منها شدة» وهي إحدى الأيام البهما". 

ويي الخد منها مررنا ببلدة يقال ها أكرك وهي أول بلد وادي ريغ. ورحنا 
إلى بلدة تماسن» وهي بلدة كثيرة العمارة والنخيل» وأميرها ابن عم أمراء تكرت» 
وهو كالمستقل في بلده» وأحزل ضيافة الحجاج. ويي مسجدهم صومعة وثيقة البناء 


)1( اأبهم: جمع بهيم» وهو الذي لا ضوء فيه: لسان العرب: بهم. 


-119- 


طويلة حدا فيها نحو من مائة درحة» على باجا اسم صانعهاء وهو المعلم أحمد بن 
محمد الفاسي» وتاريخ بنائها سنة سبع عشرة وثاغاثة. 

ثم ارتحلنا منها ونزلنا تكرت» وهي قاعدة وادي ريغ ومسكن أمرائها أولاد 
حالاب. وكان نزولنا يما يوم السبت الرابع عشر من جمادى الثانية) وأول من لقينا 
بعد الترول من طلبتها سيدي محمد بن عبد الكرم التوان" ولد عالم توات في 
زمانه سيدي عبد الكريم قاضي توات» وبلده بيمنطيط©. ثم حرج ولده هذا بعدما 
تفقه وبقي بواركلا أعواماء ثم انتقل منها إلى تكرت. وهو رجحل دمث الأخلاق» 
طيب الأعراق» وقد شدا طرفا من الفقه والنحوء وله بعض الخبرة بعلم العروض. 
وقد أحزل الضيافة حهده» وخحرق إجماع متفقهة البلاد سواه وسألي عن قوله عليه 
السلام: بئس الميت أبو أمامة لليهود والمنافقين فلم قالوا: لو كان محمد نبيا ما 
مات صاحبه۴. وظن متفقهة البلد أنه أبو أمامة الباهلي). فكتبت هم في معئى 
ذلك وبينت هم أنه أبو أمامة أسعد بن زرارةا» وأن أبا أمامة الباهلي إنها توي بعد 
أيام النبوة بأزمان كثيرة. 

ثم حرج بعده مف البلد مع سيدي محمد أحي الأمير» وسيدي محمد بن 
إبراهيم تلميذ سيدي علي الأنصاري» وسألوا عن مسائل كثيرة منها ألغاز الخريري 
الي يقول فيها: ما مثل قولي لكم» وفككت هم ما سألوا عنه منهاء وجاء المساء 
فأنشدقم بيتا من ذلك المعيى» فقلت هم: 

[كامل] 


ما مغل قولة قائل يا سادنى ذهب النهاز وذلكَ الضيا فات 


(1) محمد بن عبد الكريم التواتي» له مشاركة في الفقه والنحو والعروض: التقاط الدرر» ص: 250. نشر 
المثاني 371:2. 

(2) في ط: تمنطيط. 

(3) روى شعبة عن محمد بن عبد الرحمن أن جده أسعد بن زرارة أصابه وجع الذبح في حلقه» فقال 
رسول الله صلى الله عليه وسلم للأبلغن أو لأبلين في أبي أمامة عذراء فكواه بيده» فمات ققال رسول الله 
صلى الله عليه وسلم: ميتة سوء لليهود يقولون هلا دفع عن صاحبه» ولا أملك له ولا لنفسي من الله شيئا: 
سير أعلام النبلاء 301:1 تاریخ الطبري 9 :2. 

)4( أبو أمامة الباهلى» اسمه الصدى بن عجلان بن وهب» صحابي» مات سنة 86 ه وهو بن إحدى 
وسبعين سدنة: مشاهير علماء الأمصار 50:1. 

)5( أسعد بن زرارة النجاري» صحابي» من أوائل من أسلم من الأنصارء توفي في السنة الأولى للهجرة: 
شذرات الذهب 9:1. سير أعلام التبلاء 190:1. 


- 120 - 


فإن معي الضيا فات وذهاب النهار متحد» وهو بيت عجيب فيه دلالة على 
الخال الي نحن فيها من ضيق الوقت وقرب المغرب» وفيه إشارة إلى ما يحب عليهم 
من ضيافتنا» إلا أفم قوم بله لا يكادون يفقهون حديثا. 
ويي الغد من وصولنا إلي تكرت بعثت إلى سيدي أحمد أخحي الأمير بأبيات 
أستعير منه الأي(٠‏ واليعمري2 وهى هذه: 
سريم 


يا سيدا يُخجل بدر الدجى 
يُدعى أبا العباس يوم الوغى 
له ماين الخلالالتي 
فمن بالآبي على مسلم 
وابعث إلينا رة لغري 


خسنا وليث الغاب يوم الردى 


وبأي بشربيوم النلنا 


إحصاؤها يُعجِرمًّن عددا 


ثم أردة إاليكم غ دا 


على في بعض الذي أسكدا 


e‏ ل 
في أزمنة قد قل فيهاالهمدى 


ومرشدافي فعلهمرشِدا 


أبقاك ري للهدى صاعلا 
وم يزالوا مدة إقامتنا هناك يترددون إلينا ويسألون» واستحسنوا قصائدي 
الوتريات!6» وأخذ من سيدي محمد بن إبراهيم الكراسة الي جمعت في معان لو 
الشرطية“» والكراسة الى مميتها تنبيه ذوي امم العالية على الزهد في الدنيا 
الفانيةا. أعطان مجموعا فيه عدة تآليف اغتبطت به كثيرا. وقرأ على سيدي محمد 


)1( تقدمت ترجمته» والإشارة هنا إلى شرحه على مسلم المسمى إكمال الإكمال. 

)2( محمد بن محمد بن سيد الئاس البيعمري» مؤرخ عالم» أصله من إشبيلية ولد بالقاهرة وبها توفي مدذة 
4ه» من تصانيفه: عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير: لقط الفرائده ص: 187. الأعلام 
3117 

(3) توجد نسخة منها على الميكروفلم بالخزانة العامة للوثائق والمخطوطات بالرباط رقم: 194. 

)4( اسم هذه الكراسة: المباحت المرضية فيما يتعلق ب بلو الشرطية» مخطوط الخزانة الصبيحية بسلا رقم 
9, وأشارت الأستاذة نفيسة الذهبي إلى أنها ناقصة: إقتفاء الأثر» ص: 67. 

(5) مخطوط الخزانة العامة بالرباط: رقم: 1388د (ضمن مجموع). 


- 121 - 


بن عبد الكريم شرح منظومة أي الفرج الاشبيلي في ألقاب الحديث"» وسألون 
عن قتال أهل واركلا هل يحل طم أم لا ؟» فقلت طم: إفهم ليسوا من أهل طاعتكم 
ولا ولاية لكم عليهم. فقالوا: إنه يجب علينا تغيير المدكر وهذا مدكر. قلت: نعم 
إلا أنه من شرط تغيير المنكر ألا يؤدي إلى منكر أعظم منه» فإنكم لا تصلون إلى 
ذلك إلا بعد قتل مئين من الناس كثيرة إن وصلتم. 


وأمراء هذه البلدة أولاد الشيخ أحمد بن حلاب» وأسلافهم من بني مرين©) 
ووالدهم هذا كان من أمراء العدل على ما يحكى عنه» وأولاده على سيرته لا 
يقدمون على أمر إلا بعد سؤال متفقهتهم» وهم الذين أفتوهم بجواز ققال أهل 
واركلاء إلا أهم ليس عندهم من يعتمد على قوله من الفقهاء» ولو كان عندهم 
من يحملهم على الشريعة ويدهم عليها لأقاموا الدين على وجهه. وعلى كل حال 
فهم أعدل من رأينا من الأمراء» وليس عليهم أقة الملك» بل يخرج الأمير منهم 
وحده أو مع رحلين» وهو عند أهله كواحد منهم ف حلوسه وکلامه» يتوصل إليه 
كل أحد وأخوه سيدي أحمد يحسن طرفا من الفقه يجالس الفقهاء» وله أحلاق 
حسنة ونية صالحة» بل حل أهل البلد من فقهاء وغيرهم هم نيات صالحات 
وأخلاق حسنة» عريون من التكبر والعجب وأشباه ذلك. ولأمير البلد حكم نافذ 
في أهل مملكته والأعراب الذين يردون عليه. وقد ضاع لنا جملان ليلة رحيلنا فبلغ 
الخبر إليه» فأحذ الذي جاء يطلب البشارة وحبسه وبعث الحرس حن أتوا بالإبل» 
فجزاه الله خيرا. وأما دراهمهم فقراريط صغيرة اثنان وثلاثون منها ف ربع ريالة. 

ثم ارتحلنا من تكرت يوم الأربعاء الثامن عشر من ادى الثانية» وسرنا 
قاصدين سوفا في بلاد ذات رمال كثيرة» يضرب ها المثل في كثرة الرمل» وكان 
من فضل الله علينا الذي عجزت الألسن عن شكرى وحارت العقول عن كنه 
أمره» أن مطرنا في تكرت بفضل الله ورحته لا بنوء الخاحوز مطرا لبدت الرمل 
حي صار كالتراب» بل فاق التراب باللين والرطوبة» فلا تغمس فيها الأقدام ولا 


(1) 1 ألف هذا ع يحيى بن عبد الرحمن القرافي الأصيهاني» وقد صدر عن دار البلا بالجزائر سنة 
2؛» ضبط ضبط وتعليق: محمد شايب شريف. 

(2) بنو مرين: خلفوا حكم الموحدين بالمغرب» من أشهر ملوكهم السلطان أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق 
الذي دخل مراكش سنة ثمان وستين وستمائة: الحلل الموشية» ص: 171. 

)3( في ط: درف. 


- 122 - 


تحملها الرياح» فسرنا فيه على أنعم حال» ونحمد الله ونشكره لما نشاهدا" من 
كثرة الرمل وعظمته. ونتخيل وقوعنا في حبائلها لولا المطر المذكورء ومعونة فصل 
الشتاء فكيف بالزمن الحرور» ونتعجب ممن يستسهل فيها المرورء على تمر السنين 
والدهور. 

وقطعنا تلك الرمال في أربعة أيام» إلا أنا لا نجد السير فيها إلا في اليوم 
الأخير الذي وصلنا فيه إلى سوف7» وهي خط من النخل مستعرض في وسط 
الرمل قد غلب على أكثره؛ وفيه بلاد عديدة» وماؤها طيب غزير قريب من وجه 
الأرض. أخحبرن أهل البلد أنهم إذا أرادوا غرس النخل بحثوا في الأرض قليلا حى 
يصلوا إلى الماء» فيغرسونها بحيث تكون أصوطا في الماء» ثم يردون عليها الرمل فلا 
تحتاج إلى السقي أبدا. ويعالخونما بعد ذلك بأبعار الإبل وغيرهاء فيضعونا ف 
أصوطا ولولا ذلك لماتت. وكذلك يفعلون بأنواع الخضر والبقول وسائر ما 
يغرسونه. وكثيرا ما يقتنون الكلاب للصيدء فإن بلادهم ذات صيد كثير» وحل 
معيشتهم منه ومن التمر» وتمرهم من أطيب نمار تلك البلاد. وأقمنا يما يوما واحدا 
واشترينا بها ما نحتاج إليه" من إبل. وسك أهل هذه البلاد في زرائب من حريد 
النحل» فإليها يأوون وها يخرنون. 

ثم ارتحلنا منها يوم الاثنين الثالث والعشرين من ادى الثانية ونزلنا على ماء 
يقال له الرباح') على نصف مرحلة من البلدء في وسط رمال تكاد أن تغلب الي 
قبلها في الكثرة. وتبعنا كثير من أهل البلد يلتقطون البعر من مترل الركب للنخل 
على حسب ما ذكرنا أولا. ولقينا هناك أعراب من طرود بإبل ممينة للييع 
اشترى الناس منها حاحتهم. 

ثم ارتحلنا ونزلنا عوضع يقال له العلنداء وأصابنا فيه مطر وابل» وأقمنا بسببه 
يوما على غير ماء لأن البلد كله رمل فلا عسك ماءء فكان الماء سبب إقامة الناس» 
وهم لا دونه للوضوء والشرب إلا ما في القرب معد للمراحل الي بعدهاء أو ما 


(1) في ط: شاهدناء 

(2) في ط: مر. 

)3( في 35 سوف. 

(4) ساقط من ط. 

(5) في ط: الرياح. 1 

(6) طرود: بنو طريد وبئو مطرود بطنان من بني سليم» وكئلك بنو طرود: تاج العروس: طرد. 


- 123 - 


جمع في الأوعية المطروحة حارج الأخبية أو على أطرافها يجتمع فيها ما سال منهاء 
ولم نج ذة وقد سلثتكمنا نزول غاية السامة 
والناس في غاية احتياج لَه وقد طلبوانانعدامة 

ثم ارتحلنا من هناك مرحلتين» وقي الثالثة وصلنا إلى ماء قريب من السبخة. 

وما وصلنا إلى ذلك الماء ضحى سحي عطشناء وأقام الناس عليه يحفرون. وق 

إحدى تلك المراحل سايرت بعض الأصحاب ضحى ي أرض مستوية الخوانب» 


متقربة المطالع من المغارب» لا يكاد البصر يرى فيها أكثر من ميل من حهاتقها 
الأربع» تكاد السماء فيها على الأرض أن تقع» فأنشدته!؟: 


[جحزوء الكامل] 
انظشر بيبك هل ترى غلرالسمافوقًالقرى 
والأرض من وشي اليا للست رداء أ ضرا 
والعيسُ يسها كشي بب اليل جدث في السرى 
والناس يتبعو ها همف لالمجرةهينورا 


واس 
٠‏ 


شاهدت من صنع الله في ذلك اليوم خروج النبات من الأرض ف تلك الليلة 


هذه و إنما يرى النبات فيها بعد المطر بأيام. ولا تعجناا© من ذلك» أخبرنا الأخ 


)1( وردت الأبيات في كتاب: أبو سالم العياشي المتصوف الأديب» ص: 325. 
)2( في ط: خضرة. 


- 124- 


الشقيق سيدي عبد الرحمن أن سيدي عبد الرمن اشاي ذكر في تفسيره عند 
شاهدنا ذلك في أرض نغزاوة فتحققنا صدق ذلك وك القدرة الباهرة. 


ثم ارتحلنا من ذلك الماء وبتنا على حد السبخحة" الي هي على حد قرى 
نفزاوة» وأظن أنها آخر سبخة سيدي أبو هلال الي لم ير مثلها في سباخ الأرض 
كلها طولا وعرضا وكثرة ملح» إلا أن هذا الطرف منها قل ملحه وغلب عليها 
الرمل. ودخلناها إثر سعاءا» فقاسى الناس فيها شدة» وم يهتدوا للطريق إلا بعد 
هنيئة» وسلكت فيها على صراط غير مستقيم أرق من الشعر وأحد من السيف 
معن لا حساء لا عشي فيه إلا بعير واحد إثر بعير» ومن أعرض عنه وأشاح ينا أو 
مالا رعا تسيخ رحلاه في الأرض» وخرجنا منها ظهرا بعد مشقة عظيمة. 


وحدنا في تلك الرمل ال هي خارج السبخة أشجارا كثيرة من الركم!» له 
زهر أبيض لا يشك من رآه أو شم رائحته أنه ياسمين في شكله ولونه وريحه. 


ثم رحنا ذلك اليوم إلى قرية من قرى تفزاوة7» وذلك أول يوم من! رحب. 
وبلاد نفزاوة هذه قرى كثيرة تقرب من الألف» كل قرية منفردة وحدها على نشز 
من الأرض بنخل مجتمع بإزائهاء وماؤها فيها حياض واسعة في وسط ذلك النخل. 


(1) في ط: أخبرني 

)2( عبد الردمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي» فؤيه مفسرء من أعيان الجزائر ووجوههاء ولد سنة 2786 
رحل إلى المشرق» له عدة مؤلفات» منها: الجواهر الحسان في تفسير القرآن» توفي سنة 875 ه: فهرس 
الفهارس 732:2, الأعلام 331:3. 

(3) الحج: 63. 

(4) السبخة: أرض مالحة» أو أرض نات ملح: لسان العرب: سبخ. 

(5) أي بعد مطر. 

(6) الرتم: نبات من دق الشجر: لسان العرب: : رتم 

7( نفزاوة: مدينة من أعمال إفريقية» قال البكري: : وتسير من القيروان إلى ذفزاوة ستة أيام نحو المغرب» 
وبمدينة نفزاوة عين تسمى بالبربرية تاورغي وهي عين كبيرة لا يدرك قعرهاء ولمدينة نفزاوة سور صخر 
وطوب» ولها تة أبواب وفيها جامع وحمام وأسواق حافلة وهي كثير 5 النخل واأثمار» وبين مديئة نفزاوة 
وقابس ثلائة أيام» وقد ضدبطها ياقوت بكسر النون ووردت عند ابن خلدون بفتحها: معجم البلدان: ذفزاوة. 
رحلة ابن خلدون» ص: 268. 

(8) ساقط من ط. 


-125- 


والعجب من كون الماء فيها إنما يبرز في الغالب من الأماكن المرتفعة. وقراها شبيهة 
بقرى ريف مصرء إلا أن الأرض غير الأرض» وماؤها حلوء والحجاج يزعمون 
أصل تسمية هذه البلد بنفزاوة أكما كانت فيها ألف زاوية فقيل لها ألف زاوية» ثم 
تصرف في التسمية فسميت نفزاوة. وما ذكروه و إن كان قريباء لا يصح لأن 
تسميتها بذلك قديعة من قبل الإسلام على ما في التواريخ. والأصل المذكور عربي» 
ولا عربية في المغرب قبل الإسلام اتفاقا. 

ثم ارتحلنا منها ومررنا في طريقنا على قرى كثيرة فاقت الخصرء وبتنا يآخرها 
في زاوية يقال ها جمنة» ويما قبر رحل من الصالحين يقال له سيدي حامد الجميي 
وعقبه إلى الآن بالقرية متمسكون بسيرة الفقراء يطعمون الطعام. ولقيت يذه 
القرية رحلا اسمه سيدي محمد ابن أب القاسم» من أص حاب الشيخ إبراهيم 
اللقانا"» وعليه سمت حسن ووقارء وله ماسة بالفقه وعنده بعض كتبه كالتتائي 
الكبير» وزرنا قبر صاحب الزاوية. ثم ارتحلنا من جمنة» وهي آخر قرى نفزاوةء 
ومررنا بأرض طيبة ذات مزارع وعشب كثير» ووحدنا غالب أهل نفزاوة يحرثون 


كا على البقر. 


وقد وحدنا في تلك المزارع قوما يحرثون ببقرة واحدة ولم يعهد مثل ذلك 
في بلادنا. ومازلنا تتعجب منه حي رأينا آخر يحرث ببعير» فأنسانا الأول وطال 
تعجبنا منه» مع أنه اشتهر من أمثال العامة في بلدنا: حرائة الحمل©» للشيء الذي 
يفسد أكثر ما يصلح. وما قضينا العجب منه حى رأينا أعجب منه: إنسان يحرث 
بإنسان آخر: يعسك أحدهما المحراث ويجر الآخر. ولم نملك أنفسنا أن نزلنا على 
الرواحل للتفرج فيهم» وأعامُم على ذلك أن أرضهم كما ذكرنا طيبة لينة يكتفى 
فيها بأقل الحرث» ولا يكفي مثل ذلك من الحرث في غيرها من البلاد. 


(1) إبراهيم ب بن إبراهيم بن حسن بن علي» الاقاني المالكي» نسبة إلى لقانة من قرى مصرء من شيوخ 
المالكيةء له كتاب الجواهر» توفي عام 1040 ه: خلاصة الأثر 1 التقاط الدرر» ص: 92 فشر 
المثانى 289:1. 

(2) لا زال هذا المثل متداولا بالمغرب بصيغة مختظفة. 


- 126 - 


وقد حرج معنا رحل من أهل الزاوية المذكورة تمن ينتحل الفقه ومعه بعض 
الحمارنة قدموا هنالك عتارون تمراء وسأطم أمير الركب أن يدلونا الطريق إلى 
بلادهم فساروا معناء فبينما أنا أسير في اليوم الثان ضحى إذ هم قد حاؤوا على 
خيلهم» وبأيديهم صقور» يسألون عن في الركب حي وحدون» فسلموا علي 
بعدما نزلوا عن خيلهم. فلما ركبوا قال لي المتفقه منهم: أريد أن تأذن لي في 
السؤال عن مسائل فقهية» واستحسنت أدبه في الاستئذان في السؤال» واستقيحت 
فعله في سؤاله ياي وهو راكب وأنا ماش. فأذنت له يى السؤال حياءء من رده 
فأخحذ يسأل عن مسائل من العبادات» فبينما أنا آخذ معه في ذلك إذ نفج!" الركب 
أرنبا فتصايح الحجاج عليها عينا وشمالاء فلما رأى ذلك أرسل عليها الصقرء وأحذ 
يركض ف إثرهاء وذهب وتر كي و م يسمع تمام الجواب عن مسائله. فتعجبت من 
استئذانه في السؤال وذهابه من غير استئذان قبل إتمام الجواب» فعلمت أن الرحل 
ف الغالب أرق وأن استئذانه ولا لم يكن عن أدبء وإنما هو شيء رآه من غيره 
أو “مع به فعلق بذهنه. وقي اليوم الثلث من رحيلنا من نفزاوة تركنا حبال 
مطماطةا© عن عيننا. 


ومررنا ضحى بقبر سيدي كناو» وهو ثي قرية خالية بفضاءاة من الأرض» 
مدفون بإزاء مسجد حسن عتيق عليه ياء ورونق. وأهل تلك النواحي يكترمونه 
كثيرا ويؤثرون عنه كرامات عظيمة» منها أن الناس يقصدونه من سائر النواحي 
بصدقات كثيرة من زرع وتر وإدام ولحم ويوضع ذلك يي بيوت خارج المسجد 
ومن حاع اکل منه حاحته ولا يرفع منه شيئاء ومن رفع منه شيئا عطب في الحين» 
الركب كثير من الصعاليك فتسارعوا إليه أمام الركب رحاء أن يجدوا فيه شيئا من 
ذلك. ولم يصادفوا فيه شيئا لأن السنة كانت سنة قحط وجوع. ووحدنا عامل 


(1) نفج: أثار؛ من نفج الأرنب إذا تار: لسان العرب: ذفج. 

(2) مطماطة: موقعها بالقرب من مدينة قابس» ماؤها شروب» وبها نخل كثير: لأروض المعطار» ص: 
0 

(3) في ط: عالية بيضاء. 


-127- 


مدينة تونس مراد بي ابن حمود بي" قد نزل بعسكره بقابس0 وأمر ببناء ذلك 
المسجد وإعادة تحديده وحفر بئر هناك لأن الموضع لا ماء فيه» ووجدناهم قد 
حفروا في البئر نحو مائة ذراع وأكثرها في حجر أبيض كأنه رام ولم يصلوا إلى 
الماءء وهم حادون في العمل. وني ذلك اليوم رحلنا إلى قرب زريق» وهي بلدة فيها 
زاوية سيدي عبد الله بن عبد العزيز بن ييى بن عبد الرحمن بن حاير أحد 
السادات الحمارنة ومن أفاضلهم» وكان ولده قدم معنا من نفزاوة وتقدم هو إلى 
بلده. وهذا السيد قد أدركناه حيا سنة حخمس وستين» وزرناه إذ ذاك وهو في 
مرض معضل طال به نحوا من خمس وعشرين سنة» في غالب أوقاته مضطجع دائم 
الاضطراب. وكان سبب مرضه والله آعلې أنه كان مولعا بعلم أسرار الحروف 
والأوفاق» وتعاطى ذلك كثيرا وجمع من كتبه جملة» ولم يكن ذلك منه على يد 
كامل عارف فأورثه ذلك ضررا في بدنه. إلا أنف والحمد هى معان ي عقله 
ودينه. وكان له أخ يتعاطى علم الحدثان واشتغل بعلم الزيراحة» ونال منها حظا 
كما نال أخوه حظا من علم الحروف والأوفاق» ورعا يتصرف بذلك يي بعسض 
الأحيان فيظهر أثره في الوحود في قهر ظالمح أو ما يشاكل ذلك. وقد أخصبرني 
شيخنا سيدي محمد بن مساهل عن أخيه الذي له اشتغال بالزيراحة بأمور غريية 
أخبره با أيام كانت الحرب بين عسكر الجزائر وعسكر تونس» وأن الغلبة لأهل 
الجزائر. وأحوه المذكور اسعه في غالب ظي سيدي أبو القاسم ابن عبد العزيز» و م 
ندرك حياته بل توي قبل هذا بأزمان. وأما سيدي عبد الله بن عبد العزيز فقد تو 
ف غالب ظين قبل السبعين هو وجملة من أولاده في مدة قريبة. و لم يبق منهم إلا 
ولده سيدي محمد الصالح. وقد أخحبرن عن والده أنه ف مدة مرضه كلهاء مع 
تطاوله وغلبة الوحع» كان ثابت الذهن يدرس عنده كتب الفقه» ولم يترك أوراده 
ولا حزبه من القراءة. ويي أوقات الصلاة يجلس حي يصلي. وولده هذا من أهل 
الخير يتمسك بسيرة أسلافه» وقد تعرض لنا يوم مرورنا بإزاء قريته» وأنى نا 
ولشيخ الركب بتمر وشعي فجزاه الله خيرا. ثم مشى معنا أميالا كثيرة» وودعنا 
وأودعناه الدعاء. 


(1) احتلت الدولة العثمانية إفريقية سذة 981ه» وقد تميز رجال هذه الدولة من حكام إفريقية بلقب الباي» 
ومن هؤلاء مراد باشا الذي توفي سنة 1041 هه فخلفه اڊنه حمودة پاشا المتوفى سنة 1076 ه› فتولى 
بعده ابنه مراد پاي الذي توفي سنة 1086: شجرة النور الزكية 179:2. 

)2( قابس: مدي بإفريقية» قال الإدريسي إنها: جليلة عامرة حفت بها من نواحيها غابات جنات ماتفة 
وحدائق» وعليها سول منيع» ولها أسواق وعمارات: نزهة المشدتاق في اختراق الآفاق 279:1. 


-128 - 


ومررنا ذلك اليوم بقرى متعددة وم نبت إلى عرام» وهي قرية صغيرة فيها 
مزارات كثيرة غالبها من السادة الحمارنة» إذ ها مقابر أسلافهم سيدي يجى وغيره 
من أكابرهم. وهم إلى الآن يقصدوفا للدفن من الأماكن البعيدة إلا سيدي عبد 
العزيز المتقدم فإنه دفن بجانب زاوية بزريق. ثم ارتحلنا من قرية عرام ونزلنا قرب 
واد يقال له وادي السمار» ثم ارتحلنا منه ولقينا ركب أهل تونس القافلين من 
الحجازء و لم يكن فيهم أحد تمن نعرفه حي نستقصي منه الأخبار. وبالجملة 
أخبرونا عما استقبلنا من البلاد بخبر الخير من الخصب والرحاء والعافية» نسأل الله 
الكمال. ورحنا تلك الليلة إلى ماء يقال له النبش» وهى أحساء متعددة في أصل 
واد ولذلك تتردم كثيرا» قل ما يوحد منها مصلوحا إلا واحد» وقد لا يو جد 
فيتعب الحجاج ثي إصلاحه. ومع ذلك فماؤه ليس بذاك: تغلب عليه الحماة» فيتغير 
ما لونا وريحا وطعما. وقد وردناه سنة أربع وستين أول يوم من الصيف فكاد 
الناس أن وتوا عطشا وهم نزول عليه لقلة الماء وخبثه» وكذلك وردناه قبل ذلك 
سنة تسع وخمسين ولقينا فيه مثل ذلك أو أشد. ويي هذه السنة جئناه أوائل الربيع 
والبرد غالب فلم يضطر الناس إليه كل الاضطرار. ثم ارتحلنا منه وسرنا يومنا إلى 
فبلغ الخبر إلى أمير ال ركب واتبعهم وحده حي استنقذ منهم ما أخذوه. وفيه نحدة 
وكفاية في الأمور المهمة» فكم له من مثل هذه الفعلة الجميلة» جزاه الله حير 
مزارع كثيرة من الحانبين» إلا أن ماءه ملح أحاج لا يساغ» ولو مع الضرورة وقد 
يجمد أيام الحر فيصير صباعحا!ة. 

وفي الغد ارتحلنا منه» وبقي لنا جمل نحره أصحابنا من الحجاج» وتأخرنا 
بسببه ولم نلحق بالركب إلى سواني ابن كردان» وهي آبار كثيرة غزيرة الماء يي 
بسيط من الأرض كثير المزارع» وفيه آثار قرى خالية ومسجد و مزارة. ولا تخلوا 
هذه البلد غالبا من قوم يروما من الحمارنة أو غيرهم من بوادي تلك الناحية. 
وعادة الحجاج أن يأحذوا ماء يومين) فلأحل ذلك وقف الرآكب فيه برهة ريثما 
أذ الناس حاحتهم من الماء وسقوا دوايهم واستقوا وساروا. وبتنا تلك الليلة قريبا 


من ا مخرى الذي هو يي منتصف الطريق بين السواني وبرج المللح. لا يخلوا ف 


(1) صباخ: جمع صبخة» وهي لغة في السبخة؛ أي الأرض ذات الملح: لسان العرب: صبخ. 


- 129 - 


الغالب من ماء المطرء إلا أن الطريق لما كانت مسلوكة» لا يوحد فيه غالبا إلا بلل 
قليل لا يكفي القليل من الناس فضلا عن الركب. 

وقي الغد ارتحلنا من هناك فلما كان قريبا من الظهر بدا لنا الببحر عن 
يسارناء ودنونا منه فتسارع إليه من نم يعرفه من الحجاج. وم تزل الطريق تقرب 
منه إلى أن مرت بإزائه كرمية بحجر عند برج الملح. ونزل غالب الناس هناك عن 
رواحلهم للوضوء ولأحذ الحتاج إليه من الملح. وثي ذلك امحل مرسى حيدة يترل 
كما النصارى بإذن أمير البلد يأخذون الملح من سبخة كبيرة هناك» وفيها ملح 
عجيب. ثم تحاوز الناس ذلك امحل قرب العصرء ولم يكن عند الناس ماء وهم 
طامعون أن يصلوا إلى الماء ولو بعد المغرب» فلم يسيروا إلا قليلا حي ظهر في 
الإبل إحفال ونفور» ورفع كل بعير رأسه كأنه قناة تفور» فأكثرت العدو لما 
استقلت الخببا"» و م يعلم الناس في ذلك ما السبب» فمن قائل إن سبب هذا 
الأمر المفجع؛ استيحاشها برؤية البحر المفزع» وم تكن رأته قبل ذلك الأوان» ولا 
عهدته في سابق الأزمان» فارتاعت لرؤية شيء لم ترع دهرها عثاله» إذ غالبها من 
صحراء المغرب الأقصى وجباله» لا تعرف إلا ال حضاب والتلول» والمراتع المخصبة 
وأفنية الطلول. ومن قائل إن الشبع والمرح أحدث بما النشاط والفرح» ورب طرب 
أدى إلى هربى وذلك لأا وحدت الكل في تلك الأيام على أغراضهاء 
واستراحت بذلك من تعبها وأمراضهاء وكلا القولين أنسب» والأول أقرب» وم 
يهتبل الناس بنفور ما نفر منهاء ورأوا أن الرأي في الإعراض عنهاء إذ لم يعهدوا 
ذلك منها فيما مضى» وظنوا أنما ترحع إلى حاا المرتضى» من التؤدة في المسشي 
والسكينة» لما كما من الضعف حي لا تكاد ترى فيها سمينة» فبينما هم على تلك 
الحال» وحال تلك عن نفورها ما حال» إذ حفلت إبل الركب كله أي إحفالء» 
كأها اتفقت على ذلك بلا إغفال» فلا يعلم ها إدبار من إقبال» ورمت ما عليها 
من الأحمال» وم تلق لما ألقت من المتعة من بال» ولم تبال بقطع حديد من الحبال 
ولا بال» ولم يبق على ظهرها حقير من المتاع ولا ذو بال» وكان ذلك وقرص 
الشمس للغروب قد مال» فلا تسمع إلا صياح الحجاج عن اليمين والشمال» 
كأنهم رافعون أصواقم بالإهلال» وتلفت في ذلك البضائع والحمال» ولم يسلم من 


(1) الخبب: ضرب من العذوء وقيل: هو مثل الرمّل؛ وقيل: هو أن ينقل الفرس أيمائه وأُياسيره جميعاًء 
وكذلك البعير: لسان العرب خبب. 


- 130 - 


ذلك إلا من بادر إلى إناحة إبله وعقلهاء وأخذ في جمع ما سقط من الأمتعة 
ونقلهاء وبات مكانه منفرداء وإلا صار من ماله وإبله متجرداء وکنا من لطف الله 
به ففعل مثل هذا الفعل» فلم يضيع لنا بحمد الله بعير ولا حمل. وبات الناس في تلك 
الليلة يترددون ف الطرقات» ويجمعون ما تساقط من الأمتعة في الفلوات» وتفرق 
الناس ف الترول شذر مدرا"» ولا يغ حذر من قدر» فلم يسأل جار عن جارف 
ولم يبحث أحد عن نحل داره» إلى أن أصبح الناس وقد عمهم الليش» > كأما 
دمهم الجيش» ولم يسلم من الضياع إلا القليل» وحار في أمرهم الدليل» فمن قائل 
نرحل حى نصل الماء والعمارة» فنبعث في طلب ما بقي بعض السيارة» ومن قائل 
نقيم هنا ونستقصي في الطلب» ونبعث من يأن بالماء في القرب» فكان الرأي ما 
رآه» واتبع الناس هداه» ف ركب أصحاب الخيل والنجائب©» وساروا قي طلب ما 
تلف من الأمتعة والركائب» فجمع الله عليهم الإبل إلا جملين» وأما الأمتعة فضاع 
منها نحو من وقرين۴» ومن جملة ما استولى عليه الضياع» بضائع لبعض الحجاج 
أخرحت من وسط المتاع» فام في أحذ ذلك الصعاليك الذين في الركب» وظن 
الناس أن ذلك يظهر بالقرب» فلم يظهر ذلك إلا بعد مدة» ودخول الحجاج إلى 
مصر ف العودة. 

ثم ارتحلنا غدا وعادت الإبل إلى عادقها الأمسية» من النفور حى كأما ليست 
من الأنعام الأنسية» وكان امحل كثير العشب سيما شجر البرواق!6) فإذا مشت 
الإبل فيه لا تسمع إلا طاق طاق» فلحق الإبل من ذلك رعب شديد» ولحق أهلها 
منها عناء مديد» فاتخذ الناس ها أرسان)» يقودوفا با أزماناء إلى أن خرحت من 
ذلك المكان» وسكنت بعض السكون بالدخحول بين المساكن والسكان» فحصلت 
ها بعض الدعة» بعد أن أتلفت أيضا في ذلك اليوم بعض الأمتعة. ونزلنا الزوارات 
الغربية قبل الظهرء ثم ارتحلنا غدا ومررنا بالزوارات الشرقية» ومر الركب خارج 
البلد» ودخلت نا وبعش الأصحاب إلى اليلد على رحلي» وم الق اركب إل 


(1) شذر مدر: ذهب القوم شذر مدر: ذهبوا في كل وجه: لسان العرب: شذر. 

)2( النجائب: جمع نجيب» والنجيب من الإبل: القوي الخفيف السريع: لسان العرب: نجب. 
(3) وقرين: مثنى وقر؛ ؛ وهو الحمل الثقيل: لسان العرب: : وقر 

(5) البرواق: أو البروق؛ ؛ شجر ضدعيف له تمر حب أسود صغار: لسان العرب: برق. 
(6) أرسان: : جمع رسن؟ ؟ وهو ما كان من الأزمة على الأذف: لسان العرب: رسن. 


- 131 - 


بعد تعب و عناء". وكان من لطف الله بالناس ذلك اليوم أن هبت ريح قوية 
حاءت من ورائنا فأذهلت الإبل عما حامر أسرارها من النفور» والناس مع ذلك لا 
يهدأ هم روع بسببها. وبتنا تلك الليلة بإزاء السجد الذي بين الزوارات 
ماحل لاء المطر في صفاة واسعة» والمسجد كله ملبس بالخص الأبيض» وله 
إشراق وبريق يظهر من مكان بعيد» وبينه وبين البحر نحو من ميل. وقد أخبرنا أن 
بعض الصعاليك في بعض السنين آواهم الليل إليه فباتوا» فجاء مركب للنصارى 
إلى مقابلتهم في البحر ونزلوا لأحذ الماء أو لغير ذلك فوحدوهم يي السجد. 
ومن هذه المرحلة تقدم بعض أصحابنا إلى مدينة طرابلس لتهيئة امحتاج إليه 
من مسكن وغيره. وكتبت معه كتابا لشيخنا سيدي محمد بن مساهل أعلمه 
بقدومناء والوقوف مع صاحبنا ف مهماتناء ومن جملته أبيات أوطا»: 
[طويل] 
أسيدنا مفتي الوّرى ابن مساهل ومنهل فضل فاق كل الناهل 
عليك سلامٌ الله من غدت لكم 2 عليه أيادٍ ف الٌصورالأوائل 
بنورك يُستهدي إذا الأرضٌ أظلمت على أهلها بالجهل أمل السواحل 
فكم قد أنلت العرف سائلهٌُ وكم 2 ملت بلا سؤل وجدت بنائل 
وبعدما ارتحلنا من هذه الدار ووصلنا أوائل بلاد زواغة لقينا ركب الحجاج 
المغاربة من أهل مراكش ومن انضاف إليهم. وشيخهم أقدم أهل تلك الخطة في 
ولايتهاء وأولاهم بالتقدم لحفظ حدودها ورعايتهاء الشيخ إبراهيم الفران» ومعه 
الحاج منصور الغسال. و ركبهم ليس بالقوي. وتلقفنا منهم حبر ما استقبلناه من 


)1( في 35 عناء وتعب. 

)2( زواغة: حدد الحميري موقعها غربي تاهرت: الروض المعطار» ص: 126. 
)3( المأجل: جمع ماجل؛ وهو كل ماء في أصل جبل أو واد: لسان العرب: مجل. 
)4( وردت الأبيات في: شر المثاني2: 35 1. 


- 132 - 


البلدء ولقينا معهم ! بعض أهل بلدناء وبعثنا معه كتبا إلى من خلفناه ف بلدنا من 
الأهل والعشيرة والأصحاب. وسيأق ذكرها عند عرض لذلك. وان لقاؤنا 
لل ركب المذكور يي أشد ما يكون من القلق» و لم يستوعبوا لنا الأخبار الي تدشوق 
النفوس إليهاء بل وقفوا هنيئة ريئما دفع إليهما"» من تيسر له» كتابا إلى أهله 
فتفرق الفريقان. 

وسرنا ذلك اليوم وبتنا بزاوية صرمان» ثم في الغد مررنا صباحا بالزاوية 
الغربية» وزرنا سيدي ييى الكمودي ودعا لنا بخير وودعناه. وبعد أن خحرحنا منها 
لقينا ركب الحزائر القافلين من الحجاز ومعهم سيدي عبد الحفيظ ابن الولي الصاح 
سيدي محمد الصيد الطرابلسي» خرج معهم يشيعهم إلى حربة!؟ ومعه صهره من 
أولاد سيدي حامد القاطنين بحربة» وكان تزوج منهم امرأة وله دار هناك عندهم 
بحربة يأتيها الفينة بعد الفينة. وهو من نفع الله به العباد في تلك التواحي» وجبمع الله 
القلوب على محبته وهابه الأمراء» وانثال عليه للتبرك الأغنياء والفقراء. ولا التقينا به 
حلس معنا ساعة وزرناه ودعا لنا بخير. وأمير ذلك الركب سيدي محمد ابن الولي 
الصاح سيدي محمد بن المسعود من بلاد سد وكال» وله رباع ببسكرة» ورعا 
استوطنها. وكان والد الأمير المذكور من أهل الصلاح» وممن كان يتردد بالركب 
إلى الحج الشريف» وتأكدت بينه وبين سيدي محمد الصيد الصحبة» فلذلك نشا 
الولدان على طريق والديهماء فجزى الله خيرا ولدا أنمج له والده سبيل الخخير 
فاقتفاه وقام بالعهد في اتباع سافه الصاح ووفاه. 

وممن لقينا في ذلك الركب الحاج الأبر الشيخ إبراهيم بن حلاب الريغي أخو 
الأمير العادل الشيخ أحمد والد أمير بلاد ريغ في هذا العهد. وكان بحاورا بالخرمين 
عدة من السنين» وبيننا وبينه معرفة من قبل هذا وهو الذي شفانا من الأخعبار 
وأخبرنا عوت شيخنا القشاشي©» رضي الله عنه» بالمدينة المنورة» وعوت الغوت 


(1) في ط: لهم. 

)2( أبو عدد الله محمد الصيد الطرابلسي» ذقيه متصوف» أخذ عن عيسى بن محمد التلمساني الشهير بأبي 
معزة» توفي سنة 0 هه التقاط الدرر» ص: 111» شر المثاني: 1. صفوة من انتشر» ص: 
58 

(3) جربة: جزيرة أقرب بلادها إلى قابس» طولها ستون ميلا من المغرب إلى المشرق: الروض المعطار» 
ص: 158. 

)4( صفي الدين أحمد بن محمد الْقَشَاشي» المقدسي المدني» فقيه متصوف» له تاليف في علم الكلام 
والتصوف» توفي عام 1 ه: التقاط اأدرر» ص: 148. فهر س الفهارس 970:2. 


- 133 - 


أَيِضاء غير ذلك من الأخيار. ثم ودعناه وسزنا یوما وبتنا ق قرب زنزورة) 


ثم ارتحلنا منه: قاضدين إلى مديئة. طزابلس!6 4 أمنها اا وبينها ونين إهذة 
البلدة نحو من اني عشر'ميلا. 


(1) في ط: الغوث الأعظم المنيد محمد باعلوي بمكة. 

(2) محمد با علوي 'الحضرمي» اليمئي الشريف :الحسيني» .عالم. عامل»› ارتبط: بطريقة أبي مذين الغوث 
. الضوفيةء. توفي عام 1 ه: التقاط الدرر؛'ص: 150 : نشس. المثاقي 115:2 

G3)‏ علي أبن عبد القادق أبن مخمد الحَمنِني الطيري؛ اعام مورخ :ولد بتمكة المكوّمة؛ :تصدل للإفتاء 
والإقراء إلى أن توفي" سنة1070 ف له تضائيف منها: الأرج المسكي والتاريخ المكي: . خلاصة الأثر 
16213 الأعلام 301:4: 

:(4) زنزور: قزية شجزها مخضب: زخلة العبدري: ض: 14 

)5( طرابلس: مدينة كبيرة أزلية على ساخل البحر» بها أسواق. حافلة وحمامات كثيزة» وبينها. وبين 

'عشر مراحل؛.وفيها رباطات كثيرة يأوي إليها الصالحون: الروض المعطار» ضن: 389 


- 134- 


ذكر دخولنا لمدينة طرابلس حماها الله من الأغيار 


كان دخولنا لمدينة طرابلس قرب الظهر يوم الأربعاء سابع عشر رحب 
الفرد» وهى مدينة مساحتها صغيرة» وخييراتها كثيرة» ونكايتها للعدو شهيرة 
ومآثرها جليلة» ومعايبها قليلةء أنيقة البناء» فسيحة الفنا» عالية الأسوار» متناسبة 
الأدوار» واسعة طرقهاء سهل طروقهاء إلى ما جمع لأهلها من زكاء الأرصاف 
وجميل الإنصاف» وسعماحة على المعتاد زائدة» وعلى المتعافين بأنواع المبرة عائدق لا 
تكاد تسمع من واحد من أهلها لغوا إلا سلاماء ولو لمن استحق ملاماء سيما مع 
الحجاج الواردين» ومن انتسب إلى الخير من الفقراء العابدين» فإفهم يبالغون في 
إكرامهمء ولا يألون حهدا في إفضاهم عليهم وإنعامهم» وطذه المدينة بابان؛ باب 
إلى البر وباب إلى البحرء لأن البحر يحيط بكثير من حهاتها. والحصن الذي فيه 
الأمير متصل بالمدينة من ناحية باب البر بينه وبين البحر. ولأمير هذه المدينة نكاية 
في العدو دمرهم الله وله مراكب قل نظيرها معدة للجهاد في البحر قلما تسافر 
وترحع بغير غنيمة» وقلما أسرت هم سفينة إلا إن تكون من سفن التجارة لا من 
سفن التهاد. فجزاهم الله خيرا وأعانهم على ما أولاهم من ذلك وسائر بلاد 
المسلمين أجمعين. وكان عادة الركب إذا دحل هذه المدينة سيما في الذهاب» أن 
يقيموا يما نحوا من شهر يستعدون فيها لدحول المفازة الي قل نظيرهاء وهي مفازة 
برقة". ومن هذه المدينة يشتري الحجاج ما يحتاحون من الإبل والقِرب» ويتخذون 
زاد نحو من ثلاثة أشهر إلى مصر إن كان الوقت شتا وإن كان صيفا فنحو من 
شهرين. وإبل عمالة طرابلس غاية في اللحودة» قل أن يوحد ها نظير» شبيهة بابل 
بلدناء بل تزيد عليها بكثرة الخدمة» فإنهم يستعملوما في سائر الأشياء حي الحراثة 
والدراس» ويسقون عليها ويديرون الرحى» فتمرنت بذلك على المشاق العظيمة 
مع طيب هواء البلد ونقاء مرعاهاء فيقل فيها الغش وتندر أمراضهاء ولذلك قيل 
ف أمثال الحجاج: جمل طرابلسي وقربة مصرية» لأن قرب هذه البلد رديئة الدباغ» 


)1( برقة: مدينة كبيرة بين الإسكندرية وإفريقية» بيتها وبين اأبحر تة أميال: الروض المعطار» ص: 91. 


- 135 - 


وماؤها خبيث المساغ» ومع ذلك لا تمسسك من الشراب إلا كما عحسك الماء 
الغرابيل» من اتكل عليها أوسعت عليه الري أول المسافة» وأوردته آخرها وارد 
التلف والمتحافة. 

وهذه المدينة قد شاهد أهلها بركة الحجاج والمجاهدين في أمر معاشهم» فرعا 
احتمع فيها من الركبان الذاهبين والآيبين خمسة أو ستة» ويصادف ذلك في كثير 
من الأحيان روج عسكر البحر للجهادء ومع ذلك لا يزيد فيها السعر على ما 
كان في كل مطعوم» بل رعا نقص في البلد مع أن البلد في كثير أحواله مععروف 
بغلاء الأسعار بالنسبة إلى أرياف النيل وسواحل المغرب وحباله. إلا أن أهلها 
مكتفون با غاية» وراضون كا إلى النهاية» وهي حديرة بذلك. وإذا احتمع 
الأ ركاب فيها كثر الزحام على الأراحي غاية» فيلاقي الحجاج من ذلك مشقة 
ولولا ما حبل عليه أهلها من السماحة وحسن الخلق لا تيأ للحجاج اتخاذ الزاد 
منها لصغرها وكثرة الواردين» سيما من م تطل إقامته ك ركبنا في هذه السنة فإنا 
لم نقم بها إلا نحو العشرة أيام. وذلك شأن ركب الإبل الواردين على الصحراء في 
كل سنة» فإنهم يتأخرون ويستصحبون معهم حل ما يحتاحون من إبل وقرب» فلا 
يزيدون منها إلا قليلاء وإنما يحتاحون فيها إلى اتخاذ الزاد فقط. 

وأما ركب الخريد» أهل البغال والحميرء فتطول إقامتهم ها قي الغالب» ورعا 
أقاموا الشهرين وأزيد لبيع الدواب وشراء ما تقدم ذكر فكأفهم يستأنفون منها 
سفرا آحرا" من غير السفر الذي كانوا فيه قبل ذلك لأنه مخالف له في كثير من 
أحواله حي كأنه لا يشاركه إلا في مطلق السفر. ولذلك تحد كثيرا ممن لم يتقدم 
له حج يشق عليه الخروج من طرابلس أكثر من الخروج من بلده» وكذلك من 
مصر بالنسبة لا قبله. نسأل الله العون والتوفيق على سلوك أحسن طريق. 

وكان نزولنا يوم دخولنا طرابلس في امحل الذي كنا نترل فيه قبل ذلك في 
مصرية على باب المسجد المسمى حامع الحاج إبراهيم بأقصى المدينة قرب ضريح 
ولي الله تعالى سيدي سالم المشاط. وكان إمام هذا المسجد صاحبنا الفقيه النبييه 
الأورع© التريه» سيدي أحمد بن عيسى اليربوعي» وكان من أماثل هذا البلد علما 
وورعا وزكاء أخلاق وطيب أعراق. وكان أبوه سيدي عيسى هو قاضي المدينة 


(1) ساقط من ط. 
)2( في ط: الورع. 


- 136 - 


منذ أزمان كثيرة» فلما توي أبوه تولى هو القضاء وحمدت سيرته فيه وتحلى بحلية 
العدل» * ثم استعفى منه فأعفي» ثم أعيد ثانيق وبعد صيته وانتشر الثناء 1 عليه وكثر 
حامدوى إلى أن توق قبل وصوننا بأشهر قليلةق وكثر تفجع الناس عليه وأعتقب 
الذكر الجميل فيهم. فلما معنا حبر موته تفجعنا لفقده» وكان لنا في تلك المدينة 
أحسن رفيق» وأعظم معين في النوائب شقيق» رحمة الله عليه تتراء ورضوانه دنيا 
وأخرى. وبعد وفائه ام يد أجل اوتنه أفضل من ولده نيدي جما ين اا 
لتولية المسجد المذكور والصلاة فيه فقام بذلك وهو سائر إن شاء الله على سير 
أبيه والله يعينه على ما تولا ويرزقه القيام على شکرا" ما أولاه. وقد تلقانا يوم 
قدومنا أحسن الملاقاة وقام ب ببعض الواحب مما كان يقوم به والده» رحمه الله» وهيأ 
نا المترل وأعان في امحتاج من اتخاذ الزاد بالميسور من طحن وتوابعه. 

ولا اطمأن بنا المترل ذهبنا لزيارة شيخنا مف البلد سيدي محمد بن أحمد بن 
مُساهل © رضي الله عنه» فلقينا أحسن الملاقاة وفرح بقدومناء فجزاه الله خصيرا. 
ووججدتافى رضي الله عنه» قد استعفى من الفتوى فأعفي» وبقي ملازما لداره 
ومسجده للتدريس فيه مستريحا من التكاليف» مشتغلا عطالعة التآليف» ولا يقطع 
القراءة في الغالب» صباحا ومساء شتاء وصيفاء يقرأ ما تيسر من فقه ونحو وما 

وهذا الشيخ» رضي الله عند من أحسن ما رأينا “متا وعقلاء وأصدقهم قولا 
وفعلا. له مشاركة قي العلوم وحسن اطلاع على فروع المذهب. طالت ولايته 
للفتوى نحو الأربعين سنة وحمدت سيرته فيهاء وله مع ذلك ميل قوي إلى طريق 
القوم. وقد أذ الطريق عن ولي الله بلا نزاع» بين تلك البقاع» سيدي محمد 
الصيد رضى الله عنه. والصيد ف لغة هذا القطر هو الأسدء ومى كذلك لكثرة 
ردعه للظلام وقهره للجبابرة» حي كان لا يجترئ أحد على معارضته قي ما أمر 
به» ولا يتعرض لن انتسب إليه. وظهرت له كرامات. وقد أخحذ الطريق عن 
سيدي عيسى بن محمد التلمسان المشهور بأبي معزة» وهو أخذ عن الولي الكبير 


(1) في ط: بشكر. 
)2( محمد بن أحمد بن مساهل» علامة مشاركء تولى الفتوى بطرابلس مدة توفي عام 4 هة: التقاط 
الدرر» ص: 158. صفوة من التشر» ص: 171. نشر المثاني2 :135 


- 137 - 


والعلم الشهير» سيدي أبى عمرو القسطلي المراكشي". ولأحل هذه النسبة لم يزل 
ولد الشيخ المذكور سيدي عبد الحفيظ يبالغ في تعظيم أولاد سيدي أبي عمر» بل 
في تعظيم كل من عت إليهم بقرابة أو خدمة أو حوار أو غير ذلك. وإن اتفق 
قدوم أحد منهم عليه فلا يبقي ولا يذر في إكرامه والمثول بين يديه كأصغر الخدام 
وأحقرهم. ولقد حج معنا سنة ستين سيدي محمد بن أب القاسم من أولاد سيدي 
أبي عمروء وتلقاه بالبر والتعظيم وأنزله عنده وبالغ في إكرامه» وشيعه في الذهاب 
والإياب نحوا من سبع مراحل. 

ولقد أخبرن من حضره ذات يوم وقد غسل سيدي محمد بن أبي القاسم يده 
صباحا ورأسه من حناءء كان يما في إناى فأحذ سيدي عبد الحفيظ ما اجتمع من 
الغسالة في ذلك الإناء وشربه» نفعه الله تعالى!© بحسن اعتقاده. وهذا السيد اعتقاد 
حسن في كل من ينتسب إلى الصلاح. وقد نفعه الله بذلك فطار صيته واتتسشر 
ذكره في البلاد أكثر من أبيه» وهابه الولاة فمن دوثهم. وله» كما قيل» دنيا عريضة 
من كل المال» قد آتاه الله نعما وحرنًا وغيرهماء يطعم منها الواردين» ويواسي 
امحتاحين» أعانه الله على ما به تولاه» ورزقه الشكر على ما أولاه» وتو الول أبوه 
سيدي محمد الصيد سنة مسين وألف. وقد أخبرن شيخنا سيدي محمد بن 
مساهل أنه منذ عرفه لم يترك صلاة الجمعة عنده إلا لعذر ظاهر. ولم يزل على 
ذلك إلى الآن منذ أزيد من أربعين سنة» يذهب كل يوم جمعة ضحى إلى حل 
الشيخ المذكور بالقرية المسماة باهنشيرا۴» وبينها وبين المدينة ستة أميال» فيصلي 


هناك الجمعة ويدرس هناك 2 مسجد الشيخ إلى أن يصلي العصر وير جع إلى 
المدينق» لا يترك ذلك دائما. 


)1( أبو عمرو بن أحمد بن أبي القاسدم القسطلي» من وجوه مراكشس وأعيائهاء حفظت له بض الكرامات» 
توفي عام 974 ه: نشل المثاني 1. دو<1 الناشر» ص: 98. ممتع الأسماع؛» ص: 117. الإعلام بمن 
حل مراكش وأغمات من الأعلام 50:4. 

(2) ساقط من ط. 

(3) الهنشير: محلة من محلات سوق الجمعة بطرابلس: صفوة من انتشرء» ص: 171/ ه 3. 


- 138 - 


لطيفة: 


أخبرني شيخنا هذا أن الشيخ المذكور قال له إن لأهل الله مراغة كمراغة 
الإيل» لا بعر يما أحد منهم إلا مرغ ياء وإني لأرحو أن جعلك الله مراغة لأوليائه. 
ولأحل دعوة هذا الشيخ لا يدحل أحد هذه المدينة تمن فيه اتتساب إلى هذه 
الطريق المباركة إلا كان إيواؤه إلى هذا الشيخ إما بتزول عنده أو بالتردد إليه. 
وکان» رضي الله عنه يقوم بحوائجهم قدر الإمكان ويواسيهم» نفعه الله بقصده 
الجميل. ولقد وحدناه قي هذه السنة منقبضا مترويا عن أكثر الناس لأحل ما حصل 
له من التوحع على صهره زوج ابنته. وكان من شأنه أنه كان هو وأخحوه من 
طلبته» وكان من أنحب طلبة الحنفية» وزوحهما الشيخ ابنتيه. فلم يزل حاطما في 
الرقي إلى أن تولى أكبرهما فتوى الحنفية» وكانت له المترلة الرفيعة قي البلد وعند 
العسكر. وكان الشريف التولي لطرابلس قبل محمد باشا المقتول سنة أربعين 
وألف» قد خلف ولدا صغيرا وبقي في كفالة حدعه محمد باشا الذي ولي الإمارة 
بعده» فلما مات وأفضت الإمارة إلى عثمان باشا مملوك الشريف المذكور رفع 
بضبعى!؟ ولد سيده ورقاه مراقى الرياسة» فلما تمكنت قهرية الرياسة الممزوحة 
بحداثة السن من رأسه» منته نفسه الثورة على ملوك أبيه عثمان باشاء وظن أن 
المراتب الدنيوية بالاستحقاق» وأن نسبه الرفيع يحصل له به في سوق الولاية إنفاق» 
ولم يعلم أن الناس أعوان من واتته دولته» وهم عليه إذا خانته أعوان» وصادف 
ذلك ملال من الرعية لولاية هذا الأمير لكثرة ظلم أعوانه في الحباية. فمالت أنفس 
كثير منهم إلى مقالة الشريف» ورشح ذلك عندهم تأزره واعتضاده بولد نوير 
رئيس عرب الناحية الغربية من طرابلس» وكان ذا شهامة وبأس شديد. وقد أظلم 
الجو بينه وبين أمير البلد» فاتفقت كلمته وكلمة الشريف ومن دان بدينهم من 
الرعية كأهل تاحورا» وساعدهم على ذلك مفي الحنفية المذكور وطائفة قليلة 
من العسكر. فلما كاد أمرهم أن يتم» ونمت على سريرقم أسارير أوحههم 
وإشارات أقواهم» أوحي۴ بذلك إلى الأمير بعض بطانتهم ممن أراد بذلك اتخاذ يد 
عنده. فأوحس الأمير ف نفسه خيفة منهم» وكان ممن لا يقعقع له بالشنان. 


)1( الضبع وسط العضد: لسان العرب: ضبع. 

)2( تأجورا: قد ترد تاجورة؛ قرية كبيرة عامرة» بها قصر متسع يشما على دور كثيرة» وكان ابتداء 
عمارتها في عام 55 ه: رحلة التيجائني» ص: 07" 

(3) في ط: أوشي. 


- 139 - 


فاحتال بالقبض عليهم خحفية وأظهر التجاهل والغفلة عن أمرهم» وبادر بالخروج 
إلى ناحية تاحورا حيث محل ربطهم وحلهم. وأوعز إلى بطانته بعد تحصين اليلد 
بالقبض على الشريف والمف ومن ساعدهم إثر خروحه. وأظهر للرعية عدم 
المبالاة بذلك» وقال: قد علمت أنكم برآء ما نسب إليكم يخدعهم بذلك لثلا 
يثوروا ثورة واحدة. واستعان على تسكين روعتهم بالشيخ عبد الحفيظ» وخضع 
له وتذلل. فلما رأت الرعية استكانته لحانب الشيخ اطمأنوا. ولم يزل كذلك إلى 
أن فرغ من أمر الشريف وأتباعه» فكر على الرعية بقتل ذوي الرأي و إغرام 
أتباعهم عا حعلهم عبرة لغيرهم. فلما حلا له الجو من هذه الطائفة أحذ يتجسس 
عن كل من مالأهم بكلمة أو إشارة. فرعا أشير إليه بأن شيخنا سيدي محمد بن 
مساهل ممن له في ذلك إشارة» مرشحا ذلك بأن صهره مفيّ الحنفية لا يقطع أمرا 
دونه فتنكر له الأمير في باطنه ولم يبده للناس لوحاهة الشيخ في البلد بعلمه 
وورعه. فلما علم الشيخ بذلك استعفى من الفتوى فأعفي» وبقي ملازما لداره 
ومسجده للتدريس فيه مستراحا من التكاليف» مشتغلا عطالعة التآليف» رضي الله 
عنه وأرضاه. 


لطيفة: 


: ل عا امم‎ ١ 

وأخبري شيخنا ابن مساهل عن بعض مشاخه أنه قال: إذا أذن حلف مسافر 
فذلك أمان له حى يرحع. وروی ذلك کنا حدیٹا. وفد فعل لنا ذلك» رضى الله 
عنه» حين ودعنا حارج داره فرأينا بركته وله الحمد. 


غريية: 


أخبرئ أن سيدي على الخضيري ذكر في شرحه على المحتصر© أن الزباداة 
المسمى في عرف غربنا بالغالية"» نجس وأن كان عرق حي لمروره عحل البول. 


(1) ساقط من ط. 

)2( يقصد مختصر خليل. 

(3) الزباد متل السنور الصغير يجلب من نواحي الهند» وقد يأنس فيقتنى» ويحلب شيئا شبيها بالزبد... وله 
رائحة طيبة وهو يقع في الطيب: لسان العرب: زبد. 


- 140 - 


قال: وكان بعض الصالحين لا يتطيب به لذلك» وأظنه شيخنا اللقان. قال شيخنا: 
وكنت أتوهم ذلك إلى أن بعثت بحضرة الشيخ سيدي عبد الحفيظ إلى قط من 
القطوط الي يستخرج منها الزباد» وكان عند بعض الأتراك» فلما أحضر أمرنا 
متولي استخراج الزباد منه بإخراحه بحضرتنا ففعل. فشاهدنا محل احتماع ذلك منه 
خارحا عن حل البول لا عر به أصلاء وإنما هو حليدة© رقيقة عن ين امحل أو 
يساره يجتمع فيها ذلك العرق وتشتد عليه وتنطوي حي يؤخذ منها. قال: فحينئذ 
اطمأنت نفوسنا وأيقنا بطهارته۴. 


غريبة: 

أخبري شيخنا سيدي محمد بن مساهل سنة أربع وستين في الرحلة الي قبل 
هذه أنهم سمعوا في سنة اثنين وستين وألف صوتا هائلا ثي ناحية البحر كصوت 
المدافع الكبار من قرب الضحى إلى الليل. قال وظنناه سفنا للمسلمين تلاقت مع 
سفن التصارى» وكما “معنا ذلك الصوت مسمعه أهل هذا الساحل إلى مسراتة# 
وسمعه حى أهل فزارة والإسكندرية» وممعه من الناحية الغربية أهل حربة وسوسة 
وتونس» وکل يظن أنه قريب منه. وبعد شهر أو شهرين قدمت مراكب من بر 
الترك وأخحبروا أن ذلك الصوت لأمر هائل. وذلك أن حزيرة من حزر بر الترك 
حرحت في بعض نواحيها حجارة تطلع من البحر حى إذا ارتفعت على الماء 
وعلت ف الهواء تصدعت فيخرج منها نار ويسمع ها ذلك الصوت. فإذا خرحت 
النار وقعت الحجارة على الماء خفيفة كهيئة الفافةا6. ودام ذلك إلى الليل» وارتفع 
من ذلك الحو دخان كثير فيه رائحة الكبريت. وأعجب من ذلك أهم قالوا إنه 
أصبح في ذلك البلد كل ما عندهم من الفضة نحاسا في تلك الليلة» والله أعلم 
بغيبه. وهذه المدينة معروفة بأهل الصدق في الأحوال من المحاذيب» وقد أدركنا يما 
رحلين أو ثلاثة من امحاذيب تؤثر عنهم كرامات وحكايات غريبية تدل على 
صدقهم في مواحدهم. وكانت فيما مضى فيها مزارات كثيرة لكثير من أكابر 
(1) الغالية: نوع من الطيب مركب من مسك وعنبر وعود ودهن: لسان العرب: غلاء 
(2) في ط: جلدة. 
(3) وردت الحكاية في كتاب: صفوة من انتشر» ص: 172. 


(4) مسراتة: ذنكرها التيجاني في رحلته: :رحلة التيجاني» ص: 317. 
(5) الجُفافة: ما ينتثر من القت والحشيش وغيره: لسان العرب: جفف. 


- 141 - 


الصالحين» ولا يعرف منهم الآن إلا قليل كسيدي سام المشاط صاحب المسجد 
الجامع الذي بأقصى المدينق وقبره يزار. وسيب حفاء كثير من قبور الصالحين 
المدفونين فيها أن البلد تداولته أيدي المسلمين والنصارى مرارا عديدة. فقد ذكر 
ابن بطوطة في رحلته! أن النصارى استولوا عليها بى أيام السلطان أبي عنان 
وافتداها منهم بخمس قناطير من الذهب العين» فعد ذلك من ماثره. انتهى. وقد 
استولى عليها النصارى أيضا في القرن العاشر. 


5 
لطيفة: 


ممن لقيته بطرابلس من أفاضل أهلها سيدي شعبان بن مساهل© ابن عم 
شيخنا المذكورء وكانت له معرفة بنوادر من التاريخ وحزئيات من علم النجوم. 


وما أفادنيه من التواريخ أن الترك دخلوا تونس وأحذوا حلق الوادي من 
أيدي التصارى عام انين وغانين وتسعمائة. قلت: ومعحت من غير واحد أن 
مولاي عبد الملك۴ صاحب الغزوة الكبرى كان حاضرا مع الترك في دخول تونس 
لما حاءهم مستصرخا على ابن أخيه محمد الشيخ وأبلى فيها بلاء حسنا» ويبتعد 
ذلك أمدوه بالعساكير لما ظهر لهم من شهامته إلى أن كان من أمره مع ولد أخيه 
ما كان. فرضى الله عنه من ملك كان بدء أمره الجهاد وختامه اللتهاد. والبدايات 
كما قيل يلات النهايات» فمن طابت بدايته ز کت كايته. 


(1) أنظر: رحلة ابن بطوطة 822:2. 

)2( شعبان بن مساهل الطرايلسي» من أعيان طراباس وفقهائها» ترجم له صاحب شر المثاني تقلا عن 
الرحلة العياشية: نشر المتاني 2: 371 

(3) عبد الملك بن أبي عبد الله محمد الشيخ السعدي» كان بسجلماسة رفقة أخيه أحمد المنصور حين بلغتهما 
وفاة أبيهما واستيلاء أخيهما على الماك بعدهء ففرا إلى تلمسان خوفا على أنفسهما منه» ولم يزالا مقيمين بها 
على بلغهما خبر وفاة أخيهما عبد الله واستيداد ولده مولاي محمد بعده بالملك» فسارع عبد الملك إلى 
إصطنبول قاصدا السلطان العثماني» فأعاد هذا عبد الماك بجيش وعتاد وقوادء فنشبت بينه وبين المتوكل 
حروب استمرت أربع سنين» وانهزم المتوكل واتفق مع البرتغاليين وعاد بجيش كبير منهم» فتجددت 
المعارك» وهلك المتوكل غرقا في معركة وادي المخازن كما مات عبد الملك في التأريخ نفسه سنة 986: 
نزهة الحادي في أخبار ملوك القرن الحادي» ص: 120. الأعلام 164:4. 

)4( ذزهة الحادي» ص: 123. 


- 142 - 


وما أفادنيه من تاريخ هذا البلد أن العدوء دمره الله» استولى على هذه المدينة 
الاستيلاء الأخير سنة ست عشرة وتسعمائة يوم ستة عشر في حر م» وافتكت منه 
عام ثمانية وسين وتسعمائة» وتاريخه نقط قولك: حاء الترك بسر. وافتكها منهم 
درغوت باشا وكان بحربة» ومراد باشا وكان عسلاتة. وبقى فيها درغوت إلى أن 
توفي ياء وقبره الآن يزار وعليه بناء عظيم. وسبب أخذها من العدو أن مراكب 
للمسلمين حاءت من اصطنبول مددا للعمارة الحاصرة© لحلق الوادي بتونس» 
فمرت بسواحل طرابلس» فكلمهم أهل السواحل في إعانتهم على التصارى» 
فقالوا: إنا لم نؤمر بذلك من السلطان. فقال هم الباشا مراد: أعينون في هذا 
الأمر» فإن كانت عقوبة من السلطان فأنا المواخذ يما دونكم. فحاصروها برا وبحرا 
إلى أن أحذوها. فذهب معهم مراد باشا إلى السلطان وقال له: إن كانت عقوبة 
فأنا المواخذ با دون هؤلاء الأمراء. فرضي عنه وعنهم وأكرمهم. وأما أحذ 
النصارى لما فذكروا لذلك قضية© غريبة» وهي أن أهل هذه المدينة فيما مضى 
كانوا أهل دنيا عريضة فيما يقال وليس فيهم غناء ولا هم بالحرب خبرة» فيينما 
هم كذلك قدمت سفن للنصارى بحارا بسلع كثيرة» فترلت بالمرسى فخرج إليهم 
رحل من التجار فاشترى منهم جميع ما بأيديهم من السلع ونقد مهم نمنهاء ثم 
استضافهم رحل آخر فصنع طم طعاما فاخراء فلما أخرج هم الطعام أنحذ ياقوتة 
غينة)» فدقها دقا ناعما وذرها على طعامهم فبهتوا من ذلك. فلما فرغوا قدم هم 
دلاعاا۴ فطلبوا سكينا لقطعها فلم توحد في داره سكين ولا عند حاره إلى أن 
خرجوا للسوق فأتوا بسكين. فلما رحعوا إلى بلدهم سأهم ملكهم عن حال البلد 
ال قدموا منها فقالوا: ما رأينا بلدا أكثر منها مالا وأقل سلاحا وأعجز أهلا عن 
مدافعة عدو فحكوا له الحكايتين. فتأهب ملكهم لدخوطا في مراكب البحر 
فدحلها في ليلة واحدة بلا كبير مشقة واستولى عليهاء ولم ينج من أهلها إلا من 
تسور ليلا. وانحاز المسلمون إلى تاحورا وحبال غريان ومسلاتة» وصارت المدينة 
للنصارى إلى أن كان من أمرها ما كان في التاريخ المذكور. قال الشيخ مرعي 


)1( في 35 من المحرم. 

(2) في ط: الحاصرة. 

(3) في ط: قصة. 

(4) ساقط من ط. 

(5) الدلاع: البطيخ: عامية مغربية. 


- 143 - 


الحنبلي! يي كتابه نزهة الناظرين عند ذكر السلطان سليوم© ولد السلطان سليمان 
ما نصه: وكانت ولايته سنة أربع وسبعين وتسعمائة» وي أيامه كان فتح حلق 
الوادي ببلاد تونس المغرب بعد استيلاء النصارى عليها بسبب الاختلاف الواقع 
بين سلاطين المغرب م60 آل حفض» فصار بعضهم يتقوى على بعض بالإفرنج. 
وأطمعوهم ف بلاد المسلمين؛ فاستولوا عليها وتمكنوا منها و«حصوا الخصون 
وأحكموا القلاع» بحيث أيس المسلمون من فتحها وصاروا تحت حكم الإفرنج» 
وأحذوا مملكة تونس ووضعوا السيف في أهلهاء فقتلوا الرحال وسبوا النساء 
والأولاد. فلما بلغ السلطان سليم ذلك أرسل مائي غراب مشحونة بالأبطال 
والمدافع وآلة الحروب» وصحبة ذلك سنان باشا وفلج علي باشا. وكانت غزوة 
مشهورة ووقعة معدودة من أعظم غزوات بني عثمان يحتاج تفصيلها لمأؤلف. فنصر 
الله المسلمين بعد أن قتل منهم نحو العشرة آلاف» مع الحصار المديك والقتئل6 
الشديد. 


ومن العجائب أن الإفرنج كانوا أنشأوا هناك حصنا حصينا وقلعة منيعة» 
أقاموا في استحكامها وإتقان بنائها ثلاثا وأربعين سنةء فافتتحها المسلمون صحبة 
الوزير المذكور بي ثلاثة وأربعين يوما من أيام محاصرمّاء وذلك يي سنة إحدى 
وثمانين وتسعمائة. ثم حرب الوزير القلاع والحصون و لم ببق لما رسماء ووصلت 
البشائر للسلطان سايم وكان في نفسه فتح إقليم الأندلس في تان سنق فلم عهله 
الأحل رحمه الله. 

وف يوم دخولنا هذه المدينة لقينا أصحابنا الفاسيون القافلون من الحج؛ 


ا سيدي طاهر بن رضوان الخزرحيء وأخيريٍ ال افع 


)1( مرعي بن يوسف بن أبي بكر الكرمي» المقدسي الحذبلي» مؤرخ أديب» ولد في طولكرم بفلسطين» 
وانتقل إلى القدس دم القاهرة التي توفي بها سنة 3ه له مصنفات عدة منها: نزهة الناظرين في 
تاريخ من ولي مصر من الخلفاء والسلاطين: خلاصة الأثر 358:4. الأعلام 203:7. 

)2( السلطان سلڍم بن سلیمان ابن سليم» ملك القسطنطينية» تولى السلطة بعد أيه وكانت مدة سلطنته نحو 
تمان سنين» توفي سنة 982 ه: الكواكب السائرة 157:3. 

(3) في ط: و. 

(4) في ط: الحرب. 

(5) في ط: القال. 


- 144- 


خل وأزكى رفيق» العلامة اللوذعي" الرحالة الألمعي» سيدي محمد المنقوشي© 
سقى الله قبره شابيب الرحمة والرضوان» وحعله من يستبشر بقدومه رضوان» 
وذلك في شهر الله حرم الحرام فاتح سنة اثنين وسبعين وألف عدينة القسطنطينة 
العظمى» مات شهيدا بالوباء بعد دخحوها بثلاثة أيام. و کان» رحمه الل قبل ذلك 
كثيرا ما يلهج مما ويؤمل المشي إليهاء ويشتاقها اشتياق المرء بلده» فصارت بعد 
ذلك ملحده. وقد ذكر لي أنه لمعت بارقة من نور على قبره» ولا يستبعد ذلك من 
أمره» شهيد الوباء والغربة وقاصد الحج وطالب علم إلى غير ذلك من سيرته 
الحسنة. وقد بي أحوه على قبره فصار مزاراء حط الله عنه بذلك آثاما وأوزارا. 

ومن هناك كتبنا لأصحابنا الفاسيين» ومشايخنا المهديين. ومن حملة ما كتبت 
قصيدة تائية» ليست عن صوب الصواب نائية» خاطبت هما أصحابنا واستطردت 
بعدهم السلام على مشايخناء كلا باسمه» محلى ببعض وسعهء وبعد إتمامها أتاي النبأ 
الفظيع» والخبر الوحيع» عوت أخينا المتقدم فزدت فيها نحوا من أربعين بيتا في 
رثائه» وستأن بحملتها عند ذكر الكتب الى بعثت يما من طرابلس. 


وممن لقيته بطرابلس مفتيها الشاب ال زكي» الفقيه اللوذعي» خير حلف» عن 
خير سلف» سيدي محمد المكين!) بيته بيت علم من لدن أسلافه الكرام) وأبوه 
سيدي محمد المكين!؟ كان من أعلم أهل ذلك الساحل» وتولى الفتوى ببلده مراراء 
واشتغل بالتدريس» وله مشاركة حسنة في فنون كثيرة» توق قريبا من سنة ست 
وخمسين وألف. ولم يخلف إلا ولده هذاء واشتغل بالقراءة على شيخنا سيدي 
محمد بن مساهل وعلى غيره. وكان له ذكاء عقل» وزيادة نبل» فمهر في ففون 
عديدة وفاق أقرانه. فلما عزل شيخنا بن مساهل عن الفتوى» حسبما تقدم» وليها 
هو فحمدت سيرته فيها وظهرت نحابته وسدد في فتواه. وولي أيضا تدريس الحامع 
الكبير واللخطابة والإمامة به. لقيته بداره ولم تطل مجالسى له. واستعرت منه 


(1) اللوذعي: الحديد الفؤاد واللسان كأئه يلذع من ذكائه: لسان العرب: لذع. 

)2( محمد بن أبي الشتاء المنقوشى ي القاسي» الأديب الرحالة» مات بمدينة أسطئبول: التقاط الدرر» ص: 
154. 

)3( محمد بن محمد المكني الطرايلسي» من يدت علم وتصوف» ولي الخطابة والتدريس والإفتاء بمدينة 
طرابلس» توفي عام 989 ه: التقاط الدرر» ص: 238. نشر المثاني 59:2. 

)4( أبو عدد الله محمد المكني الطرابلسي» توفي عام 6 ه: التقاط الدرر» ص:122. نشر المثاني 
32. 


- 145 - 


المطول" لسعد الدين فأعاره» وكانت له خجزانة كنب ليس مثلها لأحد من أههل 
بلذه» م استعرت منة بعد ذلك العضد على مختصر :ابن الحاجب2 وکان ذلك 
قرب رحیلناء فأعاره» وكتبت له مع الرسول بيتين وهم(6: 


[طويل] 
ُأهل لكل فطضيلة 2 كما نكم امل لكل تفضل 


(1) هو شرح سعد الدين مسعوذ بن عمر التفتازائي المتوفى سنة. 1 ه لمفتاح العلوم للعلامة سراج 
. الدين أبي يعقوب يوسف بن بي بكر. السنكاكي المتوقى سنة 626ه: كشف الظلنون 1763:2.: 

(2) الإشازة هنا إلى كتاب: منتهى السول والأمل في علمي. الأصل والجنل» للشيخ الإما جمال الدين أبى 
. عمرو عشمان بن. عمر المعروف بابن الحاجب المالكي» المتوفن سنة. 646 هك صنق أولا ته الختصرة. 
,وهو المشهور بنختصر. المنتهى ومختصتر اين الحاجب» وقد شرحه الغلامة. عضد:الدين عبد الرحمن 

أحمد الإيجي المتوفى سنة 756 ه: كشف الظنون .1853:2. 

(3) ورد البيتان في: نشر المتائي 36:2. 


- 146 - 


ذكر ما كتبت به من (مدينة'" طرابلس 
إلى [أشياخنا و1 إخواننا بالمغرب وما وقع على بعض تلك 
المكاتيات من الأجوبة ليعض أصحابنا" » إذ لا يخلو ذلك من 


فوائد وأغراض لأجلها كتيت الرحلة. 


فمن ذلك قصيدة تائية كتبت ها إلى بعض إخواننا بفاس» محددا للعهد يمي 
ومذكرا طم ما سلف لي من وصلهم وقركم» ومثيرا لأشواقهم» وراكضا لجواد 
القريحة ثي -حلية استباقهم. واستطردت فيها ذ کر مشايخنا رضى الله عنهم» محليا هم 
بالترر القليل من وصفهم الحميل» ومتضرعا إليهم في صا الدعاءء ومظهرا لنتهم 
علي بالحقيقة لا بالادعاى ومعيتها: نفثة المصدور إلى الإخحوان والصدور» ونصها 
بعد نثر قدمته ها طليعة» وأتبعته طلعتها الحسنة البديعة!: 
[طويل] 
أحبعًا أمل الصفاا والمبرة ‏ بفاسس بقيكُم دائمافي مسرة 
ودام لكم سلما زمان محارب ولازلتم في نعمةٍ ماسعمرة 
ميسو ما بين القصور كأنكم بدو أضاءت في خلال الجرة 
يُذكرنيكم كل رفق رأة ولا سيما إن جاء برذ الشية 


. ۹ ر 2 4° 
كذلك إن هب الصبا سحرا فيا زماثا تقضى هل تمن بعودة 


(1) زيادة من ط. 

(2) زيادة من طء 

(3) في ط: لأصحابنا. 

(4) وردت القصيدة في: نشر المثاني2: 125. 
(5) في ط: التقاء 


- 147 - 


تشوقتّها فازداد قلبى تحسرا 
E‏ 2 7 52 ل o‏ 
كأي ب محبي وفر الله جمعهم 
يؤمُون قر الشيخ مصباح دهمره 
يُديرون كامات المزاح كأفم 
قا ليت شغري هل ترى يُذْكرونني 
فإن ذكروني عند ذلك إنهم 
وهذا إذا ما قصدهم لِزيَارةٍ 
هنالك ينسى المرء من كان حاضرًا 
وعذرًا هم في ذاكَ أخُرى إذا غدوا 
ولاشك أن القومً إذ ذاك مام 
وهَذا مزاح فاسمَحوا العبِد إنما 
ولولا اعتقادي أن ذا لا يسوؤكم 
ولو كدت معكم كنت أعظم قَلِم 
فيا واصلا للقرب بلغ سّلامنا 


أخذناةٌ من طرف الزمانٍ بخلسة 
لابين دوّح في رياض أنيقةٍ 
فها أنا ذا ما بين شوق وحّسرةٍ 
عشيةيوم الأربعافي البليدة 
أي دة في هصة وس كيَةٍ 
بذوز الدياجي بين تلك الأجنة 
هنالك أم يدسون من بعد رة 
سيدعُون لي بالخير في كل زُوْرةٍ 
وأماإذا ممالوا إلى القصيبة 
فكيف بشخص في بلادٍ بعيدة 
لأكل طعام جاء منْ غير قيمةٍ 
شعورٌ بشيء غير تلك اللقيمَة 
أحاديث فضل الجوع مع ذم بطتةٍ 
أراد يُسلي القلب في أرض غربة 
ولو قلت فيكم مثل ذا لف مرة 
كتبت إليكم من مزاجي بلفظة 
لكم بمقوق الود في كل تة 


الهم وازخ عن ونان اطي 


)1( أبو جيدة بن أحمد اليازغي» فقيه مغربي» أدرك العديد من أهل فاس وأخذ عنهم و بهم» رحل إلى 
المشرق وعاد بعلم غزير» وللنساء الفاسيات اعتقاد كبير ذيه» وهن يتقربن إلى ضريحه بأنواح القرايين» 
توفي بفاس سنة نيف وستين وثلاثمائة, ودفن خارج باب ڊئي مسافر الذي صار يدعى بعد دفنه بالقرب مئه 
باب سيدي بوجيدة: أعلام المغرب العربي 00:1 


- 148 - 


ودعها تجد السيرٌ حق إذا أت 
عخفية أو في العُدول! فسل تجد 
مُحَبِكُم الع الفقيرٌ إربه 
ويذكرُكم مهما جرى ذكركمْ ا 
ويثني على أخلاكم وطباعكُم 
ويطلْبُ منكم أن تكُونوا له كما 
وقولوا جميعًافي دعيِكُمولهُ 
أيارب بلغ للمديئةٍ سلما 
ويسر عليوحجة ورجوعة 
وبارك له في كل ماقدمنحَة 
وددة في أقواإله ونعاإله 
وبلغْةُ ما يرجوهٌ حالا وآجلا 
نأنثم إذا قشم بذا ما أحقكم 
فإن الذي بيني وبِيتكُمُ كما 
وداد وحبة صادق وأخوة 
وعهدٌ وثيق في الدعاء عهدثة 
وني كلها ما ليس يَخْفى عليكم 
ونُوبُوا صحاي عن أخيكم وَقِلُوا 


لفاس وني باب الفثو ح1 أنيخ تات 
شاي وقل عي لخر أيه 
أبو سام يدعو لم كل ليلَّةٍ 
فَأكْرِمْ بأخلاق لديكم ميدق 
لكو كان إن وقي م بالجة 
بقلب منيب صادق في المودةٍ 
أبا سالم وَاغفرٌلهُ كل زلة 
إلى أهله بعد الججوار بطي 2 
وعافوفي دين ومال وصِحةٍ 
وخطهُ من الأممواء في كل فة 
بجاه ئي ساد كل البَرِيِةٍ 
بخالص ودي دون الي وإخرتي 
علمتُم لشيءٌ زائدٌ في الحصوصة 
ممَكنةٌ في لله مع طول شرق 
إليكوْ وشيء لا يشال بفكرة 
من الحق إن | تُهملوا حق صحبةٍ 


ل 
أكف شيوخي وانطِقوا بالتحيةٍ 


)1( من أحياء مديئة فاس. 

(2) في ط: اناخت. 

)3( مخفية والعدول حيان من أحياء مديئة فاس. 
)4( ليبة: المديئة المنورة. 


- 149 - 


وزيدوا عليها ما يُقررٌ عندشم 
وقولُوا بيدا كان يحضرٌ عندكم 
ومُنلوا علي وبال دعاء فإنة 
ولاسيما شيخي وشيخ مشايخي 
إمامي الذي شي أمامي بعليه 
مُعلمُ جهّلي مرشدي من ضاي 
مهذب أخلاق الرجال بهديي 
مفيدي عبد القادر العالم الذي 
ماي وذخري في الشدائد كلها 
أنادي وإن!© شطت بي الدازٌ باه 
به أقتدي ما دمت حيا وأهتّدي 
فإن ساعد التوفيئ لي في اتباعهٍ 
وأشهذ ريي والملاقِك والورّى 
وأنني قدأحبِتُهُ واتخن ة 
وأيْ قد تد عن جميع من 
وأسأل ري أن بطل بقاءة 


وأولادةُ الغغر الكرامٌ حم 


ودادي وان صر في حن حدم ة 
بود فلا تك سوةُني حال عة 
لِأَحْوجٌ ما قد كان منكم لدعوة 
ومنقِذي من حيرةٍ أي حبرةٍ 
يقو زمامي قدوةأي قُدوةٍ 
مُنورٌ مسري" مصلح لسريري 
مُرّقي قلوب العارفينَ بهمة 
غدا في ظلام الوقت مس الأئمة 
ملاذي إذا ما ضاق حولي وحيلة 
فأخْلْصُ بعد اليأس من كل وَخْلَةٍ 
على قذر طوقي في فعالي ونيةٍ 
هنيئًا وبُشرى قد طفرتت بِبْيِةٍ 
بأي من باع و دون مِرْيةٍ 
لنيل الذي أَرَجُوهُ خير وسياة 
إليه استندت من شيوخ أجلة 
بأحسن حال نانفا للبرية 


وشيخي أبي زيدا" وكل العغشيرة 


(1) في ط: سيري. : 

(2) يقصد شيخه عبد القادر بن علي بن الشيخ أبي المحاسن الفاسي الذي تقدمت ترجمته. 

(3) في ط: إناء 

(4) محمد بن عبد القادر الفاسيء» الفقيه العالم» مولده سنة 1042 ووفاته سنة 1116 ه له تاليف عدة 
منها: شرح الحصن الحصين لابن الجوزي» وشرح شواهد ابن هشام: شجرة النور الزكية 475:1. فهرس 
الفهرس 182:1. 


- 150 - 


خصوصًا أخي عبد العزيز ابن عمكم 
وأولاذكم طرا جميعًا ومن له 
وجملة أهل الحرّب2 وامجلس الذي 
فيا ساد لا تحرموا من دُعائكم 
وبعد دروس العلم منوا بدعوةٍ 
وأزكى سلام طيب نشرةٌ على 
مح#والمدعومَيّارة 6 له 


ججيدالسجايا وارع متواضع 


وأولادة را ومن بجنابه 
رفيعٌ العماد الألعي الذي به 
مُفيدي وشيخي ذو الكمال محمد 
لقد ساد أهل العصر طرا وإنةهٌ 
في أعزرمدينة 


3 
له نطق سحبان() وجودة حاتم 6 


أغفر همام في 


1 5 م ي ي . 5 
ففي الله قد أحببتة منذ مدة 
لزاوية الشيخ الرضي بعض نسبَةٍ 


بوأشرقت آفاق تلك المديية 


2 


أخاكم أمامٌ الشيخ وقت العشية 


كذلك إثرٌ الحزب في كل غذوة 


إمابي وشيخي ذي التقى والفعوة 


علي أياهولم تُكدربسِة 
حليف الندى مُحبي علوم الشريعةٍ 
وأخلاقةٌ أحلاق نفس مجيدة 
فال يماكء في زيادةٍ رفعةٍ 


وأحفادةٌ أولي اللهى والمروءة 


إمامٌ المدى قاضى القضاة ابن سودةا“ 
مدى الدهر في أحكامةه لابن خُرة 
وخيرٌ إمام قام في خير خخجطةٍ 


4 
وجراة عمرو في ذكاء المغيرة 


)1( أبو زيد عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي» العلامة المشارك» من مصنفاته: مفتاح الشفاء» وجارى ده 
الشفا للقاضي عياض» وله: غاية الوطر في علم السير» توفي بفاس سئة 1096 ه: فهرس الفهارس 
1352. 

(2) الحزب: مجموع أذكار وأدعية وتوجهات وضعت للذكر: مر آة المحاسن» ص: 139. 

)3( محمد بن أحمد ميارة» فقيه مشاركء له شرح على المرشد المعين» توفي سنة 1072ه: اقتفاء 
الأثرء ص: 4 . شجرة النور الزكية 447:1. الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين 371:2. 
)4( محمد بن ابي القاسم بن سودة المري» قأضي الجماعة بفاس» له تقاديد وتقارير في فنون من العلم» 
مولده سدئة 3ه ووفاته سنة 1076 ه: التقاط الدرر» ص: 166. شجرة النور الزكية 449:1. 


- 151 - 


وعلم ابن عباس وزهدٌ ابن دا۴ 
إلى غير هذا من خصال تمت 
جزاهُ الذي استرعاةٌ مكمه مها 
وأبناؤةٌ أبباءٌ صدق أجلة 
عليه مسلامٌ دائما وعلههم 
ومن بعدو شيخي الذي طارٌَ ذكرةٌ 
مفيذ العلوم جامع لشتاتها 
رئيس علوم العقلٍ طرا كأنة 
لجمّع خصال الحم قد زيد في اممو 
فأكرمٌ به من عام أي عالم 
له حالة لم يض ذو العقل غيرها 
إلى رقو في القلب من خوف ربهٍ 
فعلمُ قتفعاأن ذاك إشارة 


ومن بعدو الشيحٌ ابن جلال الذي 


وحلم ابن حرب في فصاحة ثوبة 


لهلم تكن إلا لنفس كربمة 


يؤملةُعن عدلوفي الرعية 


يدومان ماناحت مام بأيكة 


بأجبحَة المداح في كل بلدة 
تجسدٌ شخصا من ذكاء وفطة 
علامة جمع بعد حمر للك ةة 
سما رتبة فوق السما أي رتبة 
ودين مين لم يدنس برية 
وإن شئت فانظر حالةُ عند خطبة 
من القلب قبل اليوم كاين حشيةٍ 


غدا في سماء النمجد تاج الأهلةٍ 


)1( سحبان بن وائل بن معن» من خطباء العرب وبلغائها: فصل المقال في شرح كتاب الأمثال» ص: 


)2( حاتم بن عبد اللہ الطائي» مضرب المتل في الجود: فصل المقال في شرح كتاب الأمثال» ص: 219. 
3( إدراهيم بن أدهم بن منصور بن يزيد» أبو إسحاق العجلي الواعفل أخباره مشهورة في مدتدا زهده» 
وطريقه مشهورة: الرسالة القشيرية» ص: 391. فوات الوفيات 13:1. 

(4) مزوارها: كل شيء كان صلاحا لشيء وعصمة فهو زوار وزيار: لسان العرب: زير. 
)5 يقصد الشيخ حمدون؛ أحمد بن محمد بن موسى الأبار الفاسي» الفقيه المشارك» له فتاو ي وحاشية على 
المختصر» توفي سنة 1 ه: اقتفاء الأثر» ص: 113. شجرة النور الزكية 1 ط. 
(6) في ط: السها. 
)7( أحمد بن عيد الرحمن ابن جلال» التلمسائي الأصل الفاسي الدار والمولد» عارف بالنحو والققه» أخذ 
عن عمه عبد الرحمن وأبي حامد الفاسي» توفي سنة 29 : التقط الدررء ص: 174. الحركة الفكرية 
بالمغرب في عهد السعديين 357:2. 


- 152 - 


سُلالة أهل الفضل والدين وارث 
فمن الصبا قد ساد بالعلم والججى 
إلى أن غدا وو المبرزٌ وحدة 
له هة من دوفا النسرٌ خاضِع 
وخی سلامي دائمًا لا يشوبة 
على منْ غدا في الغرب فردا وما له 
حليفُ كتاب الله مُحيي رسُومد 
إمَامي وشيخي بل وشيخ جميع من 
وأستاذً أهل الغرب طرا فكلهم 
فهه ولا عن تلاميذه رووا 
وذاك أبو زيا" بن شيخ زمانهٍ 
ولا عشب في تأخيره عن تيع من 
وحسبك خيرٌ الرمل فهو مقدمٌ 
ومن بعد ذا الأصحاب والكل باه 
ون ةأهل البيت لازال حبة 


أخي أذ من بعدِه العربيون اس 


مقامهم في كل علم وحكمةٍ 
وما زال ينموفي وقار وهيةٍ 
فمن كل علم نال أكبيرٌ حصة 
فلا زال في جاه حصين وعزة 
على حالة نقص وأزكى تة 
به جد أضحى آهلا بعد وحشة 


له خبرة بالذكر في كل حصرة 


قر لهذا ال شيخ بالأفضلية 


فصاروا له طراذوواتبعية 


فريدُ بني القاضي© المداة الأجلة 


تققدم لي في ذاك أعظم أسرة 


على كلهم ومو الأخبرٌ ببعغةٍ 


أشيرٌ إلى بض الأسَامي فة 


مم بعدهم أهمل الصفا والأخوة 
بقلي ومن يَنُمى لأهل الطريقة 


كووا والحمدون في كل حومة 


)1( أبو زيد عبد الرحمن بن أبي القأسم» ابن القاضي» المكناسي» شيخ الجماعة في الإقراء بوقته» له تاليف 


في فن القراءات» توفي عام 2ھ _: التقاط الدررء› ص٠‏ 188. الحركة الفكرية بالمغرب في عهد 
السعديين 369:2 . 
(2) بنو القاضي: أسرة من مكناس بأرض المغرب» ان 
محمد ابن القاضي (ت 002 1آه) و أحمد بن محمد ابن القاضي (ت 5ه› ومحمد بن قام ابن 
القاضت (ت 0ه): أنظر: الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين 362. 


شتهر كثير من أفرادها بالعلم والفقه ومنهم: : قاسم بن 


-153- 


وليس لضيق النظم آثرت جعم 
مراكم في الق كاللحظ فة 
ولو شئت امْمي قلت فعللة ففل 
ولكنني أملت قصدا وملك 
ولي غرض فيه سععلمةُ الذي 
وأهِي سلاما طياً نشرة إلى 
مونسني عبد السلا وبعدةٌ 
خصوصا أباه!© الفاضل الماجذ الذي 
وكل الذي يدل له بأخوة 
ومن بعدٍ هذا كل من كان ثاويا 
خصوصا بني الفاسي! جميعا فإفم 
ومن بعد ذا أزكى رفيق وخير من 
أخي العري الفاضل ابن محبنا 
وأهدي سلاما طابً نشرا مخصصا 
من أصحابنا أعْني العدول مكررا 
أخي العري وابنة وميه 


خذوها إليكم وانظروها بعين من 


فإنكمأهلا لعقولالذكية 
وأحلامكم مغل الججال الرزينة 


فعالة فاعلان من أي صيغة 


عنى با معانى دون سروق الأدلة 


أخِي وخللي ف رخاء وشدة 
إلى كل من يدل له بأبوة 


أياديو م تمثن وإن همي جلت 


صغيراً کبیا كان أو ببنوة 
عكخفية أمل النفوس الأبية 


£ 
عمادي وذخري في مقامي ورحلتي 


يقومٌ بخبر الود في كل وجهة 


سليمان حياةٌ الإلهبرججة 
بو بعض من قدمعة في قصيديٍ 
وللعبدٍ في تكريرهٍ بعض شهوة 
وأترابةُ والنتعمي لجرولة 
ل غرض في كاتب دون كبة 


(1) أبو محمد عبد السلام بن العربي الفاسي» توفي سنة 1095ه: شجرة النور اأزكية 456:1. 

)2( أبو حامد محمد العربي الفاسيءالعالم المشارك؛ له مرآة المحاسن شرح دلائل الخيرات وغير ذلك» 
توفي سنة 2ه: التقاط الدرر» ص: 144. شجرة النور الزكية 437:1. 

(3) عن هذه الأسرة أنظر: مرآة المحاسن» ص: 30. كما تصدى للتعريف بأعلام هذه الأسرة السلطان 
مولاي سليمان في كتابه: عناية أولي المجد بذكر آل الفاسي ابن الجد. 


- 154- 


فإنكم إن تنظروها كذاك لا 
وکل حب صادق سيقول إن 
على أففاريانة بدائع 
فان لم تكن أرضعكم لركاكة 
وعذرًا ففي يوم الرحيل كتبعها 
وفي حالةٍ ينسى الخليل خليلة 
سأخب ركم عنها إذا ما لقيتكم 
وأما الذي مثلي يشاهِدها فين 
وليس يُجيد النشرّ فيها أخو النهى 
وفي ذاك أسرارٌ وحسن صنائع 
وليس الذي قدمت في النظم ذكره 
فإن شاءالمرءيوما سفاهة 
على أنكم تدرون من قبل أنني 
ولو كان باعي في العلوم جميعها 
فلا تعجّبوا من طولما فودادكم 
ولو أنني طاوغتها لتسلسلت 
ومن بعد ما أتحمت كني إليكم 
فأذهل فكري عن هيع أمورو 


(1) في ط: مثبت. 


محالة تستجلوا عا بديهقي 
رآها أجاد النظم دون روية 
مُحكمة مع أا بث مُشيةلا 
يما فاسّمحوا إن كتبت بعجلة 
ولو كان في يوم الإقامةٍ أرضت 
يهالهموم قدألمت عظيمةٍ 
ففيهالمن ) يلقهاأي عبرةٍ 
مقاساتها في غمرةٍإثر غمرة 
فكيف بنظم في معان عويصة 
لقيت فلولا اللطف مت بغمة 
سيعلمها أهل العقول الزكية 
ثناءٌ على نظمي الركيك بجودة 
على نظمهٍ إحدى الأمور السفيهة 
لذو قدروفي نظم هو أي قدرةٍ 
كعلم القريض كان باعي كوتةٍ 
على قلمي يُملي ما دون رة 
فدامت وما كانت إلى الآن ققشت 
أتى نبا عة المسامحُ صمت 


وأيقظ ساهي الحزن من أي نومَة 


-155- 


وأوؤقد نيرانابَطِي خموذها 
بأن شقيق الروح غيّةأنسهٍ 
مُوافقني في كل حال ومؤثري 
حبيي خليلي لا خليل سواه لي 
سخاء وصيرٌ جودة وفعوة 
وعزةٌ نفس لا ترومٌ دناءة 
محمد اننحمودٌ نجل أبي الشعالا 
قد اختلستهُ عندمائم بِدرْهُ 
فوالله لا عزريت في فقدو امراً 
لقد طال ما حذرثة ونصِححهُ 
ولكنةُ من حبه الخيرٌ مسرعا 
فجرئةٌ قصدًا للردى غير هاب 
تجاورٌ أرض الروم حت أتتا به 
فذاق ها كأس الجمام وخلفتٌ 
وكان كثيرًا ما يكررٌ ذكرمًا 
رعى الله من بالروم أضحى مُجدلا 
وليت النايّا خرف بخكمها 
ولوأنني الت لا ذاق بعدهٌ 


لقد طاب حَّيا ذكرة في بلادو 


بقلب ولم تخمُذ بسائل دمعة 
أخي وسَمِي القلب في كل طَجة 
على نفسوني كل خير ولذة 
يدانه في أخلاق 4 الستقيمة 
وقد ذهافي صفاء الطويةٍ 
وغاية صر واحتمال وعفة 
عليه من الرحمن سابغ رة 
كمالا وغاكهأك ف النيةٍ 
ميواي ومن أولى بذا غير مهجة؟ 
وقلت له احذرٌ من ركوب السفينةٍ 
ليل الن لم يهبل بنصيحةٍ 
سّلاسيل أقدارتقوذ بزمةٍ 
ميخة أقصى البلاد البعيدةٍ 
فصارً ها الحو في بطن تُربة 
رنشقة في لسرب أفطل سنا 
على ما تشاء من فداء وة 
لذيذ الكرى جفني لبرت أي 


د 
كما فاح شرقا عَرفَْهُ بعد ميعة 


)1( الإشارة هنا إلى محمد بن أبي الشتاء المنقوشي الفاسي» الأديب الرحالة الذي مات بمدينة أسطنبول: 
التقاط الدرر» ص: 154. 


- 156 - 


ت 


هيا له خير الشهادة حازها 
بخبر غور المسلمينَ رباطُة 
وآثرٌ عنه الناسُ فيه كرامة 
إلى الله والمخجار كان مُهاجرا 
فكان بلا شك على الله أجرهُ 
سأبكيك يا خير الأحبة ما بكى 
وأبكي دما بعد الدموع وبعدها 
محمد لا والله ما كنت ناسيا 
محمد من للعلم بعدك ناشرًا 
محمد من للجود بعدكَ قد عفا 
محمد من للعلو!" بعدك إن أسا 
محمد من للدرس إن بات أهلة 
ومن لصحيح النقل إن صل اهل 
محمد من يُلقى الأحبة ضاحكا 
محمد من للبحث يلقه تارة 
تيد سؤالا إن سألت كناك إن 
محمد ماذا انتقي من مدائجي 


سأمدى لكم طيب الغناء وأصطفى 


(1) في ط: للحلم. 


على بغتةٍ بالطعن في أرض غربة 
بإثر ركوب البحر في خير وجهة 
فصارَ مزارًا قبرهُفي المديتَة 
يحجون قطعا كل عام بحجة 
فأدركة موت على حال هجرة 
فاكم بذا موت وأكرم بمجرة 
مُحب حًا بالدموع الغزيرة 
لعهدكة مادامت حيتتي بجفةٍ 
فوائده في الناس من دون هُجنة؟ 
وقد كنت بسط الكف جم العطية؟ 
عليك مسيء لم تؤاخجذ برلة؟ 
هم نظ في صفحةٍ بعد صفحة؟ 
يديرون في أمر طويل الخصومة؟ 
سواك بلا عبس مُنير الأسرة؟ 
ويُلقي عليه من فون عريصة؟ 
أجبت بعقل أو نصوص صحيحة 
لعلياك؟ أنت البدز من فوق مِدحةٍ 


لكم من ذعائى دعوة إثرّ دعوة 


-157- 


عليك!) سلام الله مني ورحْمّة 2 من الله شرى في فراديس جنة 
وشفع فيك الصطفى وكتاية ولقاكَ أمنا بانفي كل روعَة 
ورقاكَ في الفردوس أعلى مُكانة مع العلماء العاملين الأئمَة 
وأدعو له ما دمت حياولم أكن لأنساةٌ في حجى ولا إثرَ عُمرةٍ 
ولا عند قبر الصطفى وصٌّحابو 2 ولا إِثْرَ ختم الذكر في كل خَيْمةٍ 
ومن ذلك ما كتبته إلى الأخ الصا والمحب الناصح. الفقيه الأديب» الوحيه 
الأريب» سيدي أبي عمرو عثمان بن علي!2» ضمنته فنونا من المخاطبات» 
والمداعبات والمعاتبات» نظما ونثرا ووشحته عواعظ تلين ها القلوب القاسيق 
على العلي الاعلى سيعحاتهة والصلاة والسلام على خير من نصح وادى الامانة 
سيدنا حمد وصحبه وآلى وکل حب متعلق بأذياله. من العبد الفقير إلى الله تعالى» 
المتمسك بأذيال أهل الله حالا ومآلاء أبي سام عبد الله بن محمد بن أبي بكس 
أصلح الله قلبه وغفر ذنبه. إلى من ألفته وألفئ» ولم يفن منذ عرفين» الحسن 
الأحلاق مع لوثة» أعرابيته» الصائي المودة في سره وعلانيته» سيدي عثمان بن 
علي. ما زالت محاسنه على ألسنة مادحيه تتلى» وعلى آذانهم تملى. السلام عليك 
أيها الأخ ورحمة الله وبركاته» ورضوانه وتحياته» السلام علينا وعلى عباد الله 
الصالحين. 
أما بعد فنحن» والحمد لله في أودية نعم الله نتقلب وللمزيد منه مع 
الأنفاس نتطلب» قد صيرنا الهموم كلها هما واحداء وأعرضنا عما كان عن 
مقصودنا زائداء نقطع المجاهل» ونرد المناهل» وننعطف مع منعرج اللوى حيئما 


)2( في ط: چسدك. 

(3) عثمان بن علي اليوسي» من تلاميذ العياشي» له إجازة منه» توفي سنة ه1084: التقاط الدرر» ص: 
169. 

(4) اللوثة: القوة والشدة: لسان العرب: لوث. 


- 158 - 


التوى» ونسلك بين كثبان الرمل في مثل حط النمل» ونتبع آثار الرواحل ولا نعد 
المراحل» وطبنا بذلك نفسا و لم نرقع لما سواه رأسا: 


[طويل] 
على مئل ذا فلك من ضاع عة ولس له فيو نصيب ولا مهم 
وحق عليه النوح إذ ضاعً سعية ‏ وليس له اسم في المعالي ولا رشم 
إذا رامهاصّدته عنها رياسة عفعل الذي من أجلو كيب الرسُم 


هذا ولم نزل في طريقنا نتذكر رحوعكم من الطريق» وعدولكم مع ذلك 
الفريق» فنتأسف على ذلك غاية» ونراه على تمكنكم في الرياسة أكبرا" آية» وما 
كان أحوحكم إلى اللحاق بنا والسير معنا لو كتب» ولو للقت بنا لقدناك قسراء 
وسننا© لك التوحيهات رطبا وبسراء وسقناك إلى الجنة بالسلاسل» ولخضنا بك 
مضايق يذهب فيها الشهم الباسل» و مم نزل إذا رأينا شيئا يستملح أو يستظرف 
نقول كلنا: ليت فلانا كان معناء وليت شعري ما الذي استبدل بعثرتنا» وعوض 
من عشرتناء أثلاثا أم ثلاثة ؟ أم أورثك ذلك وحاهة فبيست الورائت فإن كان 
رحوعك شفقة على من خخلفت وشوقا إلى من ألفت» فبيس ما ظننت بربك» وإن 
كان حوفا ما تلقى أمامك فبئس ما ظننت بربك. أتتوهم أن تأكل ونشرب 
وتجوع وتظما؟ أو نستظل وتضحى؟ أو نركب وتمشي على رحليك؟ كلا لو 
كنت معنا لخعلناك كما هو المعهود واحدا مناء بل رعا قدمناك على أنفسنا شفقة 
ومحبة» ولانتفعت دنيا وأخرى» وكان الفوز كما أحرى» وما أظن أن عزمك 
تقوى» وإلا ما أثر فيه كلام ذلك النذل الذي كلفت عحبته والشفقة عليه منذ 
أزمان. فقد حازاك ابن عمك على ما كنت توافقه عليه ثما هو خالف لرضى 
الموى» فساق لك الله على يديه ما يناسب ما كان ساق له على يديك. ولو كنت 
من يتأسف على ما فاته من الخير لمقته أشد المقت وحفوتها كل الجفاء ولكنت 
تنظر إليه نظر الموثور إلى ذي ثأره» والمكوي إلى موقد نار ولكنك عن هذا كله 


من الغافلين. وكأن بك تقول: لو رأيت أمورا قمت با بعدك» ومنافع وفيت 


(1) في 35 أعظم. 
(2) في ط: سناء 
(3) في ط: لجفوته. 


- 159 - 


فيهاا" عهدك لحمدت رحوعي. فأقول: كلا فإن الثقة بالله والاعتماد عليه لو 
حئت لحصل لك من الخير ما لا تكيفه. ولقيض الله لتلك المنافع من يقوم يما كن 
لم يرد أن يكون ذلك إلا كذلك. ومع هذا كله إن قمت بواحدة فلا بأس» وهي 
عمارة الخرييش» ولو بنفض الريش» وكثرة الكشيش©)» لئلا يفقد ما كان يعهده 
قبل ذلك» وعلى كل حال: 


[طويل] 


£ و 

فحقك إنشادُ مَدى الدهر نادما لبيتٍ صحيح|۴ قد روتة الأوائل 
ل 

وما كان بيني لو لقيعك سانا وبين الغفن للا ليال قلائل) 

3 £ 57 

ولو كنت قد أحببتنا لاتبعتتا وودغت لكن للمحب دلائل 


وما يوقد نار اشجانکې» ويثير رياح أحزانكم» ويكثر تأسفكم به على 
مرافقتناء وتلهفكم على عدم موافقتناء وتقول (يا لين اتخذت مع الرسول سبيلا يا 
ويل ليتني لم أتخذ فلانا خليلا!5: ما أنعم الله به علينا من المشي ف ركب قل ما 
يتيسر مثله قوة وكثرة وبحدة» حال من الأوباش» وكثرة من يغخدو في لاش؛ لا 
تكاد تسمع فيه صوت مخاصمة ولا منازعة» ولا ترى حينك فيه مراحعة. قد 
اشتمل على أهل البيوتات من الناس وذوي المروءة وأهل الحفاظ من تحار وفقهاء 
ورؤساء العشائر. وي الركب نحو من عشر مؤذنين» فإذا كان الثلث الأخير من 
الليل ارتج ال ركبا بأصوات المؤذنين وقراءة القرآن. فلا شغل لنا إلا مدارسة 
القرآن ومذاكرة الإخوان في علم الأديان. نختم كل ليلة ختمة من القرآن العظيم 
في حبائنا دون الحزب الراتب. وقد شفاني الله في هذه الطريق المباركة من جميع ما 
كان بي قبل ذلك من الأمراض الظاهرة والباطنة» وأعي بالباطنة الحسية» ولا نيأس 
من فضل الله في المعنوية» وقد أنعم الله علينا بنعم سوى ذلك لا تحصى» » وأيادي لا 
تستقصى» فله المنة والطول» ونساله المزيد. 


(1) في ط: بها. 

)2( الكشيش : الصياح؛ وكشت البقرة: صاحت: لسان العرب: كشدش. 
(3) في طة قديم. 

)4( البيت للحطيئة: العقد الفريد 258:1. 

(5) الفرقان: 27. 

(6) ساقط من ط. 


- 160 - 


وقد حضرن حين الكتب أبيات» فلا بأس أن أداعيكم ما لعلمي بأنكم 


تحبون ذلك» ولا غن لكم إن كتبتم أن تنتخبوا أبياتا» فأردت أن أؤسس" لكم ما 
تبنون عليه» وهي هذه: 


خليلي هل تأت الدروس 
وهل ادى منادي العلم بوس 
نأصبح بعد عزته ذليلا 
وهل غابت سعود بني أبيه؟ 
وهل جمحت عن المدان جردا 
أَجُْبنٌ قدعراهم أم راهم 
ولست رئيِسَهُم ولكن نفسي 
ألا فامٌتلئموا قروا ودومموا 
بحقك هم إذا عطشو قا 
فإن يلك هكذا فأبو سعيد 
وعالرٌياأباعمروفرار 


(2) هذا البيت متقدم على سابقه في ط. 


)3( الجرد: جمع الأجرد» وهو الفرس القصير الشعر؛ وذلك من علامات العتق والكرم: لسان العرب: 


جرد. 


إوافى] 


وعطلت اتحابر والمفروس 
وفرخ إذ وهت منه الأسوس؟ 
وبعد نضارة يعلوه بوس 
عاق مالما قر يسوس؟ 
يًخافوا التبل أم غاب الرئيس؟ 
خلال مقانبأ6 اميجا تجوس 
1 رەھ 08 
فليس لمثلكم يرضى الجلوس 
بماذا يفرح الع د البتيس؟ 
قدأهة القبيلة والقروس 
مفارزامعهم بيس الجليس 
إلمشلكم إذا جي الوطيس 


بقلي لا يزال له رسيس" 


(4) القرم: القرم من الرجال: السيد المعذلم. لسان العرب: قرم. 
)5( المقانب: المقنب من الخيل: ما بين الثلاثين والأربعين: لسان العرب: قنب. 
(6) الرسيس: رس الهوى في قليه: دخل وثبت: لسان العرب: رسس. 


-161- 


7 32 5 ر 0 50 د 
فإن عشنا فسوّف تطيبٌ فيها لنا ولكم بمائرجونفوس 
نقيع يمالأهل العلم سُوقا تروج ما" اليواقت والفلوس© 


وإن مضا فنذلك وعد صِدق 2 وعن د الله يحسعسَبٌالنفيسُ 


وما أنعم الله به علي أن أعطان من القدرة على المشي ما لم أكن أعهد من 
نفسي بعضه» وقد كنت تعلم حالي إن سرت إلى تزرفتا#» فصرت اليوم أسير 
مرحلة كاملة» وأما نصفها أو أزيد أو أقل فكثي ولا أشك" أنك لو حئت لكنت 


(نصيحة)5 0 


وزبدة الخبر ما قال صاحب اليكم: "من ظن انفكاك لطفه عن قدره فذلك 
لقصور نظره"6. والله الله يا أحي ي إصلاح نه نفسك» والزيادة على أمسك» 
وإعداد الزاد ليوم رمسك» ولا تركن إلى شيء دون الله ولا تتهمه فيما وعدك 
ولا تستهن به فيما أوعدك واقم رأيك» واستعص سعيك. ولا يغرنك انتتشار 
الصيت وارتفاع الجاه الدنيوي» فإن الرحل ليملا صيته ما بين المشرق و المغرب 
ولا يزن عند الله حناح بعوضة. ولا تمل إلى ما يجري على يديك من أمور هي ف 
بادئ الرأي صاخحات ومن الأشياء المهمات التي فيها صلاح الخلق» وهب أا 
كذلك» فإن الله يؤيد هذا الدين بالرحل الفاحرا. 


(1) في ط: به. 

(2) الفلوس: جمع فأس: عملة. 

(3) في ط: ترفت. وقد جمعت تزرفت بين قبائل شدتى؛ أنظر: اقتفاء الأثرء ص: 28» ه: 5. 

(4) في ط: ششك. 

(5) زيادة من ط. 

(6) الحكم» ص: 124. 

(7) في ط: المغرب والمشرق. 

(8) إشارة إلى الحديث النبوي الشريف: إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر: صحيح البخاري 1114:3. 
صحيح مسلم 105:1. 


-162- 


وإياك والاهتمام بالرزق» والخوف من الخلق» فإنهما أصل كل وهن في 
الدين» وضعف ف اليقين. فإن الأول يوحب الشك ف المقدور» وفتور في النفس» 
وكل زائد يي المعاش وتعب في لاش. والثان يثبط عن كثير من الخيرات» ويحمل 
على قبيح المداهنات» ويستعجل به المرء هما لا ينقضيء إلى غير ذلك من المفاسدء 
والاعتماد على الله كاف عنهما وناف عنك معرقماء مع التبرئ من الحول 
والقوة. وكن أعمى وأصم عن الأمور المستقبلة» وإفها لكذلك» واحعل زمامك بيد 
الشرع المحمدي الواضح فأينما قادك فانقد فإنك لا تلقى إلا الخير. ولا تظن أن 
أمرا أذن الشرع في فعله إيجابا بقع منه مضرة ولا أن أمرا مى عنه» ولو كراهة 
حلب خيراء وما بينهما محتاج إلى بصيرة نافذة» ومن م تكن له فالسلامة في الترك 
والإقلال. وهذه عجالة كتبتها وأنا متقدم أمام الركب» ولو اتسع الوقت لزدت» 
وفيها إن شاء الله كفاية. وعندك مما كتبناه أمثال ذلك وأفضل منهء إلا أن هذه 
تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا)!". والخير منتظر بأحد النظرء فقد حاء الفرح 
وزال الترح» وظهرت البشارات على ألسنة أهل الإشارات» وقم بالحق في نادي 
الصدق» ونادي في النوادي» لا بلسان قالبك ورمز حالك: يا أهل الهمم وحمالة 
الذمم» إياكم والعجلة» فإنما حجلة» وتثبتواء وعلى المنهج اثبتواء ليقضي الله أمرا 
كان مفعولاك ويخمد حربا كان مشعولا. وكن ابن وقتك» وحف من مقتك» 
واسبل الستر واكتم السر» وهلل وكبرء ولا تدب فإنه لا يحب ذلك منك ولا 
يرضى به عنك» وهذا كله كلام لا يفهم» وليست له -حقيقة فيستفهم» فلا تتعب 
نفسك في فهمى ولا تشتغل عدحه ولا ذمه. 


ولا تنسانا من صالح دعواتك في أدبار صلواتك» خصوصا أوقات الخلوات» 
والخروج إلى الفلوات. سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت» 
أستغفرك وأتوب إليك. اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم 
كثيرا دائما. 

وما كتبه إلي الأخ الصاح سيدي عثمان حوابا عن هذا الكتاب هذا النظم 
العجيب» المفتتح عا قبله من النثر الغريب» الدال على أنه أصدق حب وأخحلص 


حبيب) ونصه: من أحبيته حمق واتخذته تمق وصيرته "يري وحعلته أميري. م 
عله قط حاطري» ولا كل عنه ناظري» إن أمر ائتمر الفؤاد» وإن زحر انزحر 
(1) المزمل: 19. 


- 163 - 


المنقاد» أبو سال الأبجده سيدي عبد الله بن محمد الذي كنت له أطوع من نعل 
وأتبع من ظله ولا غرو إذ كان لي خير ندتم» وألف بين وبينه من له الحكم 
القددم» فكنا نتعاطى كؤوس حمر الوداد» ويحصل للقلوب من ذلك انتشاء حرج 
عن المعتاد واستمرت هذه الصبوة» ولم تعقبها سلوة» إلى أن رحل عن وبان مي 
ثم كتب من بعيد» بعد أن هم أن لا يكتب لأبي سعيد» ولو فعل ماهم به 


[طويل] 


أبا سالم أنت الْحَب إلى قلبي 2 وإن كنت دهري من عِتابكَ في حرب 

أتعرضُ حت بالخيال لدى الكرى؟ وتبخل حتى بالسلام مع الركب؟ 
لكنه شرفي بخطابه» ونوه باسمي في کتابه» فقلت وقد قيلت بعدما تصفحته: 
[بسيط] 


نفسي وأهلي فى لخيرٍ مكوب 
مبشر بضياء الوصّل بعد أجى 
يا ما أحيسن ذاك اللفظ أتسني 
فاق الشقيق كما مهديه عندي وقد 
تزهت طرفي في روض محاس نو 
وعاد فكري مسلوبًا بفكرته 
يحسبني العَمراة إن يعجم أخا قم 
وإنما كنت ذا نعماء وصل وما 
وخلتة نفسي من أهل النهوض إلى 


جاء الرسول به من عند حوب 
هجري وكلي له مش لترحيب 
فاق الشقيق وذا الأذئ وتقريب 
فجاد شوقا بدمع منة مصبوب 
وان قبل صحيحا غيرٌ ملوب 
كلا فلست بو ولا عطبوب 
لفت بؤس الحفا وعد مصحوب 
تصدير ثم بدا في الوقتٍ تذنيب 


آلامةنفي حشاي أي تعذيب 


(1) الغمر: صبي غر لم يجرب الأمور: لسان العرب: غمر. 


- 164- 


حلست من جسدي إذ ذاك بعد صن 


يا أيها الغمرٌ مزا" وافض لتجريب 


يا سيدًا فارق الأوطان معدا صرت نازلها يُدعى بمكروب 
خلفت عبدا حليف الشجو رن أسى 0 ياليكني معكم قرعت بوي 
أقسمتُ بالود لو كت رفيقكج لزال كري وذاك عين مطلوب 


عليكُم من سلا الله اة 


يا ذا الذي وصلة فور بمرغوب 


وكتب إلي أيضاء أطال الله بقاءى وأدام قي مراقي المجد ارثقاءى جحوابا عن 
قصيدق السينية بقصيدة بارعة» وصارعها في نادي البلاغة صارعة» إن لم تكن 
أفضل منها فلم تقصر عنهاء وقبلها أبيات تسحر الألياب» ونثر أحذ من الفصاحة 
باللباب› ونص ذلك: 
[طويل] 
أَمَنْ لسواةٌ التكرُ ومو له العُرّْف 2 وعمدنا من لايسُوعُلهالحذف 
ضميري مبني على ضّوودكم 
وكان مدى الأرمان عندي مُؤكدا 


5 الى بي في 3 
إذا انصرفت أسماء أمل ودادكم 


السري#© ابن السري» العبقري الفري» جالب المسرات» وطالب المبرات» 
وسالب المضرات» وعائب المعرات» خير أنيس في الوحشة» وأفضل حليس عند 
الدهشةا#» مفيد العلوم» ومبيد الحموم» سيدي أبو سال أبقاه الله والزمان له سام. 
بعد السلام التام» المعرف بالألف واللام يعم ذلك امقام المعظم في الترحال 
والمقام» فإذا سألت عن عروس الدروس» واستخبرت عن المجابر والطروس4 


ويعغجز عن إعرابه النطق والوصف 
ولا دل يعروةٌ هل منكم العقف 
فعثمان في الأسماء ليسَ له صرف 


(1) مز: ماز الشيء ميزا: فصل بعضه عن بعض: لسان العرب: ميز. 

(2) الخلنبوب: مسمار يكون في جبة السنان» وقرع لنلك الأمر ظنبوبه: تهيأ له: سان العرب:ظنب. 
(3) السري: الشريف: لسان العرب: سراء 

(4) الفري: يقال فلان يفري الفري؛ إنا كان يأتي بالعجب في عمله: لسان العرب: فرا. 

(5) في الأصل: الدهشفة» والدهش ذهاب العقل من الفزع: سان العرب: دهش. 

(6) الطروس: جمع طرس؛ وهي الصحيفة: لسان العرب: طرس. 


- 165 - 


واستفهمت عن العلوم هل وهى معقلهاء وعن شواردهاا" هل في القوم من يعقلها؟ 
فامع الحواب المنوط إن شاء الله بالصواب: 


[وافر] 


تسم شعت بع دكم عسروس 
دل رينهاالعهوذ شيا 
طوت ثوب السرور وجنبتشا 
فلم ججح الوصال لبتغيها 
أراوأها لتعطف م رت 
وق فما التمسع في حماها 
وكيف يسُومها الأذناب بثلي 
وعند إيابكم وا مزل رَبي 
ويذهبأ ما ما من بؤس بد 
وعن حرّب المحابر إن تسلني 
ولا مستبم م اإليهَها 
فكم رُسارياضّة خيل درس 
وكم قدنالمهاأجنادَ فكُر 
وكم نادت يال أوْس ذمُني 


وأفوٌ العلم أظلم إذتوارت 


روس واللحدادٌلهالبوس 
وأعقب تلكم النعماء بوس 
ودام نه االتجنبٌ والعبوس 
وإ يمحصل لعاشقها المسيس 
فذا البُؤْسِي) من عطلف يزوس 
ومَألفها مشالكُم الرؤوس 
يكون ما التمعٌ والجلوس 
وني حلل الجمال لكم تهيس 
فما في القرم بعدك من يسوس 


وقد وضع الصوارمٌ والتروس 


)1( في ط: شرادها. 

(2) الشين: خلاف الزين: لسان العرب: شين. 

)03( في 35 أرادوها. 

(4) البؤسي: البائس والمسكين: لسان العرب: باس. 
(5) ساقط من ط. 


- 166 - 


ومعقل درسِنا اذ قد بنيتم 
وذلك حينّ جا الإشمال مِنا 
وعند صباح وجهك كل سعد 
وئصلح ما وهى من أس عِلم 
وتلك موا م اتعليوا! حقا 
وكيف وأنت في ذا القطر بحر 
فمانل لناك ومافرات 
فلك ببغغيها ماءأجاج 
ومحر ذكاإئلك الزخار فيه 
وكسّبُ ين ججرك عين علم 
بقيت بقاء دهرلك لا بارى 


هوت منهُ العلا ووّهت أسوس” 


ر 
وفي يدو الأول والففؤوس 


وتشر في حالسو الطروس 


داز لمابرحبتتناكؤوس 


ومن فيضانكم يُروى الجليس 
وما المعزى لطنجة ما السويس!6؟ 
لشاربه الكرا رة والعغهبوس 
كنوؤٌ العلم والدر النفيس 


5 5 وق 0 و 
عم شعنت بعيدكم عروس 


ومن حجملة كتاب كتبه صاحبنا الأديب» الفقيه النبيه (الأريب)(5» سيدي أبو 
زيد عبد الر حمن بن الحسن» وكان معنا قي رفقتنا إلى الفقيه العلامة سيدي عثمان 
بن على» هذه القصيدة الطائية يلومه على التحلف عناء ويثير أشجانه على ما فاته 
من رفقتناء وهي هذّه: 


[طويل] 


(1) في ط: التعليق. 

(2) طنجة: مدينة بالمغرب قديمة على شاطئ بحر الزقاق (الأبيض المتوسط): معجم البلدان: طنجة.. 

)3( السويس: يئر بطريق مصر على ثلائة اميال من مدينة القلزم» ومن أعاجيبها أن معزها مرسلة في 
السكك. .. وهي سمان فائقة السمن» ومن أمثالهم: أكل لحم التيس وشرب ماء السويس مع العقل ليس: : معجم 
البلدان: السويس. 

)4( الكزازة: اليبس والانقباض: لسان العرب: كزن. 

(5) زيادة من ط. 


-167- 


سلامٌ على الإخوان والصحب والرهط 
زا وإياكم سلامة ديسا 
فإن تسألوا عن حالنا تعد دكم 
وصحة جسم واغتنام قراءة 
تركنا" المموم كلها من ورائنا 
ففي مثل هذا الحال ذو الجد غابط 
كسيينا خمان أن عناكةٌ 
فإن يك قدما قد أصاب فإنه 
على أنه يُدمي الان ندامَة 
فليتك لم ترجع وليت ابن عمكم 
فإن لقاء الاد غايشها القنَا 
لقد عاقگم عن أي كر فحقة 
تشجعتم قل اللقاء وعندما 
تألم كل الصحب لما أيهم 
وقالوا جميعا: ليحة كان واصضلا 
أَرَدكَ قول الإفك و الزور بعدمًا 


وآثرت من بعد المودةٍ قربحم 


يفوح شذاهٌ بالععابر والقسمْطا" 
ونيا من الأهوال والمكر والسخط 
فإنا بفضل الله في غاي ة الط 
بلا كلفةٍ ما بين صحبي ولا فرط 
فلا شغل غير الرفع والسوق والخّط 
ودن اترا دائِما هو في خ بْطٍ 
للوية الأثلاج والففك والقخط 
بإجماع أل الحق في هذه خط 
لما فاته قطعا إذا ما رأى خط 
أبا مالك ما كان في ذلك العَوْطٍ 
فلا" نفع من لقي في ذلك الشوْط 
على ها جى المجران والضربُ بالسوط 
أتاكَ أتاكَ ا لبن كالفأر والقط 
وأخبرقم عما لقيت من ال ضغط 
يفجا عنهُ ما يلاقي من غ طا 
عزمت فهذا العزمٌ خال من الربْطٍ 


(1) القسط: عود يتبخر به: لسان العرب: قسط. 

(2) في ط: تركت. 

(3) الخدن: الصديق: لسان العرب: خدن. 

(4) ملوية: الملاوي: الثنايا الملتوية التي لا تستقيم: لسان العرب: لوي. 
(5) الفاء ساقطة من ط. ١‏ 

(6) الغط: العصر الشديد والكبس: لسان العرب: غطط. 


- 168 - 


فكم عام قد ضمة الركب عامنا 
أَجَلهم مدي العلوم مُفيدنا 
خلاصة أبباء الزمانٍ جوادهم 
فلا زال ذا فضل عظيم وفيطةٌ 
ولا زال طوّد العلم فخمًا مُفخخما 
وف الركب أيضا عام ذو نبامة 
وذا أذ يُدعى الحطي ب" مُنظم 
به وبشيّخي قد سّلوْت أجبق 
إذا مط ذر المعالي قلاد 
ولو كنت معهم كنت لوهم وما 
وإنا لج والله مغ شقا 


وإ وإن شط بي الدارٌ عنكم 


ينا 


فكل يُونِ الكيل في العلم بالق ط 
أبو سام مهما تسل فطلَهُ يُعطٍ 
فأكرم بو من عام عامل مُعْطٍ 
عميمٌ على من جاء للعلم عط 
وبحرًا مُحيطا واسع القغر والشط 
يجيبك في كل العلوم ولا يبط 
له الخيرُ من كل الفضائل في حيط 
وصرت وإن شطت بي الدارٌ في رط 
فذلك بالإطلاق واسطةٌ السمط 
أراك وإن غبت عنهم تحط 
بكم عن قريب في هناء وني سط 


بجسمي فَرُوحي عنكم غيرٌ شط 


وكتب الفقيه الأحل سيدي عثمان بن على حوابا له عن هذه القصيدة ما 


النفر الغيرٌ المنفرء ومن السير معهم للذنوب مكفرء والتخلف عنهم من جملة 
الطفوات» والتربص دوهم معدود من الخفوات» إخحوان الود الملأاكث الخالص» 
وأحدان العهد الغير الناكث ولا الناقص» من حازوا حصال الكمال وحلوا 
بسماء۴ ابد لفضائل شى كحلوهم بأرض جحد سيدي أبو سالم وإحوته» وأبو 


زيد وأسرته» أمد الله الجميع بتوفيقه بالمصطفى ورفيقه: 


(1) أحمد الخطيب المراكشي: تقدمت ترجمته. 


[طويل] 


(2) الشطاط: البعد» وشطت الدار: بعدت: لسان العرب: شطط. 
)3( في 35 سماء. 


- 169 - 


من الاثم اليّران من ليس ذا صبْط 
عصابة أنس والألى مكنوا الحفا 
ألفتهم دون الجقامذ عرفع ټم 
أخْص بأضعاف التحية من له 
ذخجيرة أرباب حابر كلهم 
ميل ڏوي عي وله وإن 
وأمْدي ثناء ساطعا لمقام من 
أبو زيهنا مت بنان يميه 
أخال أبا زي عطوفا فيل ذا 
أصبّت أبا زيل برميك مقتلي 
وكيف ومعكم أبو جمزة الذي 
عرفناكَ يا مُويداة6 منظرمه وإن 
وإن الذي أهديت يا خير صاحب 
أيا من له أنيح قرب ووَطْلةٌ 
وَحَقَكُوْ ليس ال مرادٌُ فراقكم 


تح ثری على ذلك الرهط 
وإن کان كل منهم عة ذا شط 
وهم خُلصائِي في رضاهم وني سُخْطٍ 
وهم في بني الدثيا عِمَادي وهم قط 
وقذرهم لدي ليس بمُنحّط 
بقلي وڏ كل عن وصفه قطان 
أبو سال لازال في الخير ذا بسْطٍ 
يروموا قريصًا فهو أيضال) له معط 
بقوس الأسى رمّى فؤادي فلم يُخْطٍ 
صبورٌ حليم في المعارف ذو ضَبط 
تخط طروس الأصدقا أحسَنَ الط 
إلى أن رمى حشر الجوانح بالسوّط 
وإن كان ذاك الرمي منك على شَخط 
تجيء القوافي إن دعاها ولا تبط 
تلفت من خط بذالكُمْ ارط 
لقد فاق في حسن لآلئ في مط 
وخَلوا أخا الدنا وذي التأي في حَبْطٍ 


ولا مُنيق في ذا التخلف والشط 


(1) القط: القطع عرضاء ومنه قط القلم 5سان العرب: قطط-» والمقصود هنا القلم عموما. 
(2) في ط: قريضنًا منة فهو له م مط 

(3) سويد: تصغير الترخيم من أسويد؛ وهو تصغير أسود: لسان العرب: سود. 

)4( المرط: كساء من خز أو صوف أو كتان: لسان العرب: مرط. 


- 170 - 


ولو أن لي اياز لاخترت جتعكم وسَّيري في البيداء مع ذلك الرهط 
وألزمتُ نفسي حَرْفكم ياأحبيي 2 كم الحرف ذو الإعجام يلزمٌ بالنقط 
ولكن قضاء الله للعدٍ غالب فليس لهُإبرامٌ عقب ولا شرط 
عليكم أُمَيْلَ الود مرا تة هن المائم الحيرانِ منْ ليس ذا ضبط 
متشوقا إليه لما بينهما من الألفة وامحبة أبيات مفتتحة بنثر رائق» مشتمل على معن 
لائق» ونصها: 

من العائق عن الرفقة» الحاصل في أعظم ربقة» المبتلي بالبعاد» وإن لم يكن له 
من مراد» المكابد مشاق الأسف المؤدية لولا التجلد للتلف» المقاسي الروعة 
والقسوة واللوعة والسلوة؛ أبي عمرو عثمان» رزقه الله الأمن والأمان» إلى حبييه 
الأنخد» سيدي أي بكر بن حمد: 


أبا بكر أبَى كربي يزول 
وعيشي من وراك غير صّاف 
ولي حارم ذ راح المطايا 
رحلت وذا رحيلك كان جسا 
وين عجب مقامُك في فؤادي 
حبست وكان حظكم انطلاقا 
أبابكرأى القدَرٌ انتقامي 
أبا بكر ذمايبك عين حتفي 


أبا بكرلقاؤك يوم عيد 


إوافر] 
وهذا الحزن بعدك فيو طول 
ونوّمي خحائني سهالتقيل 
بشخ صكم وبا لجسم الذبول 
ومعى في حشاي ل الازول 
ومع هذا فس ك أناسَؤول 
كأنك مالك وأنا عقيل 
بسلكِكُمُ وق لي القويل 
ونفسُ الفحح لي منك القبول 
وقربكُم مارب في وول 


مت لقياكم ومق الوصّول؟ 


-171- 


عليك تي ةماقال جل أبا بكر بكم كربي زول 

وما كتبته لأهل دارنا ما نصه: بسم الله الرحمن الرحيم» (و)!؟ صلى الله على 
مولانا محمد وآله وصحبه (وسلم تسلیما). من العبسد الفقير إلى الله تعالى) 
المتمسك بأذيال أهل الله حالا ومالاء العبد الفقير إلي الله تعالى أبي سام عبد الله 
بن محمد بن أب بكر العياشي وسائر إخوته أسبل الله عليهم كثيفا6 ستره وسابغ 
رحمته» إلى من ححلفنا بخير في أهلينا من إخخواننا وعشيرتنا» خخصوصا عمنا ال کی 
وخحليفة وائدنا إذا غاب وإذا حضر» من يحق له علينا الإحلال والكبار» سيدي 
عبد الجبار بن أبي بكرء أعانه الله على ما فيه أقامه» وأسبل عليه كثيف ستره 
وأدامه» وأخونا الكبير ومعلمنا الأثين سيدي عبد الكرعم#» والأخ الأبد سيدي 
جمد والأخ الأسعد سيدي محمد واين العم امام سيدي عبد السلامء, والأخ 
الشقيق» » البر الرفيق» عبد الخالق» وابن العم الأرضى سيدي أحمد بن عبد الل وابن 
العم امختهد سيدي أبو القاسم وأولادف وعمنا الأحل سيدي يوسف وسائر 
أولادى سلام الله الأ ورضوانه الأعمى وب ركاته الشاملةق ونعمه المتواصلة» يغشى 
كل ذلك المبارك ناديكم» ليراوحكم وميه ووليه ويغاديكم. 

أما بعد فنحن والحمد لله كثيراء والشكر له غزيراء على أضعاف ما عودنا 
ربنا من البركات» وعهدناه من الخيرات والمسرات» لم تزل ألطافه تسايرناء وآلاؤه 
تسامرناء فطيبوا أنفسا من قبلناء فنحن في حمى رب كريم رحیم» يكون لنا حيث 
لا نكون» ويرعانا في كل حركة وسكون» ولا ينسانا وإن نسيناه» ولا يهملنا وإن 
أهملنا ما به أمر وتركناه» وما نتوقع من كرمه أعظمء وما نامله أفخحم. وقد كتبنا 
لكم قبل هذا كتابا من بلدا توات فأغين عن كتابة ما قبله من الأخبار. وأما ما 
بعده فقد رحلنا منها سابع جمادى الأولى ونزلنا ببلاد أوكرت بعد ثلاث وأقمنا 
كا يومين» وبدلنا يما حملين» وزدنا نحوا من عشرين مثقالاء وارتحلنا منها فسرنا في 
(1) زيادة من ط 
(2) نيادة من 
)4( عيد الكريم بن محمد العياشي: أكبر أبئاء الشيخ محمد بن أبي بكر» استجاز له أخوه الأصغر أبو سال 
له تأليف سماه: أنوار السعادة في الصلاة على صاحب الشفاعة: الجركة الفكرية بالمغرب على عهد 


السعديين 2: 508. 


(5) الوسمي: مطر أول الربيع. والولي: المطر في صميم الشتاء: لسان العرب: وسم. 
(6) في ط: بلاد. 


-172- 


بلاد لا يعرف ها شبيه فتشبه» ولا يغفل فيها القلب عن الاعتبار فينبه» ذات رمال 
ومهامه ومعاطش ومهاب رياح. وبلغنا القليعة بعد اني عشر مرحلة» وهي اسم 
على غير مسمى. ومنها قطعنا الحماد الذي تستمد منه الحمادات لطوله وعرضه 
ونحشونته» لولا أن الله تدارك به بالكلا لضاع الرحل» وهلك الركب والرحل؛ 
وقد ضاع لنا فيه جمل هو من أفضل إبلنا فيما نرى» ولقينا في كل ذلك من البرد 
شدة لم نعهد مثلها ف بلادنا؛ 
[طويل] 

بلى إفاتعفو الكلوم وإنما يُوكل بالأدئى وإن جل ما مضي 

ثم بلغنا مدينة وا ركلا بعد اني عشر مرحلة أخرى» وصادفنا فيه قوافل 
الأعراب حاءت تمتار تمراء وقدموا بغنم كثير» ومن غزير. فاشترى الناس من ذلك 
فوق الحاحة وتنعموا فيه أربع ليال. ثم ارتحلنا منه تاسع جمادى الثانية» وسلكنا ف 
أرض مرملة وبلغنا تكرت قاعدة وادي ريغ ومحل أمرائهاء وأقمنا يما أياما ثلاثة. 
ومن هنالك أحذت في شراء القمح لفراغ الزاد الذي قدمنا به من عندكي 
فوحدناها لا بأس كا في الأسعار» فالتمر رخيص حدا فيها وي واركلا أيضاء 
والزرع تسع آصع© بريال. ثم ارتحلنا منها وقطعنا الرمال الى تضرب بكثرقا 
لأمثال» ری رمال سوى أن الله لطن بنا لطلفا لا تكيفه العقول» رلك آنا مطرنا 
في تكرت بفضل الله ورحمته لا بنوء الحاحوزء فتلبد الرمل حي لا يكاد يظهر فيه 
موقع القدم» فقطعناها على أحسن حال ونزلنا بلاد سف بعد أربع» واشترينا منها 
ثلاثة من الإبل لظهور الضعف في إبلنا والثقل بالزائد في أحماها. 


وقد استفدت سفرا من نوازل البرزلي» وهو الأخير بثمن بخس. واستفدت 
أيضا مجموعا من تكرت اغتبطت به كثيراء فيه ابن الشاطا۶ على الفروق من 
تأليف الفقيه راشدا" في الخلال والخرام. 


)1( البيت لأبي خراشس الهذلي: العقّد الفريد 42:3. 

(2) آصع: جمع صاع» وهو مكيال لأهل المدينة يأخذ أربعة أمداد: لسان العرب: صوع. 

)3( قأعدم بن عبد الله بن محمد بن الشاط السدتي» فقيه مصنف» له تاليف منهاء أنوار البروق فى تعقب 
مسائل الفروق» وتحفة الرائنض في علم الفرائض» توفي سدئة 723 ه: لقط الفرائد» ص : 179. شجرة 
النور الزكية 311:2. 

)4( أثوار البروق في أنواء الفروق لشهاب الدين أحمد القرافي جمع فيه خمسمائة واربعين قاعدة من 
القواعد الفقهية: كشدف الظئون 186:1. 


-173- 


وعلى كل حال فنعم الله علينا قد غمرت كل مشقة» وقصرت عن" كل 
شقة» وكلنا أصاب هذه الطريق بشهد العافية» واستسهلنا وعرها وطوطا بالأمان 
من كل ناحية» نسأل الله الدوام ومتابعة الإنعام. ثم وصلنا إلى نفزاوة يوم الإثنين 
أول يوم من رحب. ومنها سرنا إلى عرام خمسة أيام» ووجدنا ال ركب التونسي قد 
حاز أمامنا. 

وأسلم سلاما تاما على ابن أختنا محمد بن محمد بن عبد الخبار ومحمد بن 
يوسف وأتراهما من أبناء إخواننا وأعمامنا. وأؤكد عليهما قى عمارة المسجد 
وحدمة العلم فإن الله كافيهما بذلك كل مهم. وإياكما والتسويف والاغتراں 
والركون إلى الأغيان فإن ذلك مما يذهب بمجة العلم ونوره» ويكسف بدوره 
سائر الحسد. وأو كد على أخينا سيدي محمد وأخينا سيدي أحمد أن ينبهاهما 
ويشدا من عضدها في عمارة المساحد» ولا تنسونا من صالح دعائكم عقب 
التدريس 


وأؤكد على محمد أن يجعل ذلك كالواحب عليه إثر القراءة قضاء لبعض ما 
لنا من الحق. وأوصيك (وإياي)۴ بتقوى الله ومراقبته وإخلاص العمل يكفي 
القليل منها. ولا تتكلف الأوراد والنوافل» فإن وردك التعليم والتعلم والمطالعة. ولا 
تخل نفسك من مطالعة كتب الشاذلية وغيرهم من أئمة التصوف ولو ورقة عند 
النوم أو قبلى ينام الإنسان وقلبه عامر بذكر الله وححبته. ولا تتهيب شيئا من 
العلوم أن تقراه أو تقرئه. وإن لم تحد من يطلب ذلك منك فاقرأ لنفسك. واحتهد 
ف الفقه وفينٍ الأصول والبيان ومطالعة الكتب والحواشي ولو بدون إقراء. واستمد 
العون من الله عدكء واسترشده يرشدك» وشاهده في كل أحوالك يكن معك 
بلطفه ف حالك ومآلك. وليكن حل اعتنائك وبجاهدتك يي حفظ لسانك» فإن 


)1( راشد بن ابي راشد فم فقيه مصذف» له كتاب الحلال والحرام وحاشية على المدونة توفي بفاس سنة 
(2) ساقط من ط. 

(3)أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الجبار» فقيه راوية» توفي سلة 1 ه: نشر المثاني 139:2. 
)4( محمد بن يوسف أعياش» قاضي الزاوية العياشية» ولد عم ابي سالم» شارك ك أبا سالم ي شيوخه توفي 
عام 1 ه: التقاط الدرر» ص: 280. 

(5) زيادة من ط. 

(6) في ط: الأعمال. 


- 174- 


الله قد كفاك ما سواه من اللخوارح. واعظم ما تستعين به على ذلك» بعد الجا إلى 
الله» استحضار عظمة الله ومراقبته» مع مطالعة محل ذلك من كتابي الإحياء © 


والقوت2. 

والله يتولاك ويرعاك ولا يخيب مسعاك» واستعن فيما ذكرنا من القراءة 
بالأخ الصاح سيدي عثمان» إن سلم من حبائل الشيطان وغوائل السلطان. وإنا 
لنرحو من کرم الله أن يجعل اهتمامه بالله حي يكفيه كل هم دونه فإن علامة 
إعراض الله عن عبده إعراض العبد عنه. ولا تاتف من القراءة عليه إن أنف هو من 
القراءة عليك» فكل منكما إن شاء الله أهل لأن يقرأ على الآخر ويقرئه» ولا فرق 
إذا حسنت النية. 

اح وکم الفقير إلى الله تعالی أبو سام عبد الله بن محمد بن أبي بكر كان الله 
ل آمين. 

[طويل] 

وأكمّل ما يرجو الفتى لحبيية من الله في دنيا وأخرى ويطلبة 
أخص به الإخوان كلا ومن غدا مدى دهرو والب في الله مركبةٌ 
ومُنوا علينا بالدعا فدعاؤكم ‏ أجل دعا نرتي و وأقرية 


وإنا لدعو الله يصلح حالكم وليس جزافا ما نقول ونكبة 


)2( الإشارة هنا 6 قوت ب لاي طالب المكي. 


-175- 


ذكر الرحيل!" من مدينة طرابلس 
حماها اللّه (يمنه وكرمه)ة 


وكان رحيلنا منها يوم السبت السادس والعشرين من رحب» وصادف ذلك 
مقاتل خرحت محتمعة» وذلك شأفهم إذا خرحوا للجهاد إرهابا للعدو. وكان يوم 
حرو جحها وخرو ج الحجاج يوما مشهودا. وتفاءل الناس بذلك لحصول الغنيمة» 
فكاذا" الأمر كذلك والحمد لله حق حمده. وف لليلة التي خرحنا صبيحتها دكن 
ليلا في حباء وه إلى الصباح» فجاء أصحاب الأمير فعرفوه وأحذوه» وكان 
مشهورا بالتلصص عندهې» معروفا بالسرقة) طالما راموا القبض عليه فلم يتمكنوا 

منه إلى أن أحذه الله على أيدي الحجاج. فأمر الأمير بخنقه فخنق على باب المدينة 
وترك هناك معلقا فكان نكالا لغيره. 


وحارج مدينة طرابلس وسائر عمالتها أكثر البلاد سرقة» وأعرابها أعلم 
الناس باستعمال الخيل في ذلك مع إقدام وهجوم بالليل إن تمكنوا من ذلك. يبيت 
الحجاج فيها طول ليلهم في ضجيج وعجيج» وصياح ونباح» وإيقاد نار حارج 
المنازل» وضرب بالمكاحل. ومع ذلك قل ما سلمت هم ليلة من سرقة شيء 
(والله من ورائهم محيط)50» والملتجي بحنابه محفوظ. 


(1) في ط: رحيطناء 

)2( زيادة من 55 

(3) في ط: وكان. 

)4( المكاحل: جمع مكحلة» وهي الوعاء (أسان العرب: كحل)» وهي هنا بمعنى البندقية ) عامية مغريية)» 
ولعلها سميت بئلك لاحتوائها البارود. 

)5( البروج: 0. 


-177 - 


ولما خرحنا على باب المدينة منعنا البوابون من الخروج طلبا للمكس!" زعما 
منهم أن معنا بعض أحمال ليست للحجاج. وقد صدقوا في زعمهم. إلا أنا أنكرنا 
ذلك صونا لمن التجأ إلينا من بعض من تعلق بنا من أهل البلد. ثم دحلت أنا وأمير 
الركب إلى باشة البلد فكلمناه ف ذلك» فأحسن وأفضل ي المقال» وصدق ذلك 
حسن الفعال» فبعث بعض خدامه إلى البواب أن لا يعترض© للحجاج فيما أرادوا 
إحراحه» وذلك دأبه مع الحجاج جازاه الله خيراء ألا يهتك هم حرمة ولا يضيم 
هم حانبا. وكانت العادة أن من اشتد عليه المغرم من الرعية وأراد الخروج من البلد 
والفرار لا يتركونه إلا إن كان مع ال ركب فلا يتعرض له فيذهب مع الركب» 
منهم من يكون في بعض الأحيان أضعافه. فلما دخلنا على الباشة تلطف في المقال 
وقال لأمير الركب: إن هذا بلدكم وأنتم لا تحبون حلاءهاء فنطلب منكم أن لا 
تتركوا واحدا من هؤلاء الفارين يذهب معكي» فإن ذلك يشق علينا ولا نريد 
التعرض هم معكم. فقال له أمير الركب: نحن لا تمنع أحدا التجأ إلى حرم رسول 
الل صلى الله عليه وسلم» فمن منعتموه قبل إن يصل إلينا فذاك» وإلا فلا عكننا 
ذلك. وخحرج معنا بقصد الوداع أخونا سيدي محمد ابن محبنا سيدي أحمد بن 
عيسى/6 وبات معنا ليلة. وكانت عادة الأ ركاب المبيت بتاحورا ويضيفوفكهم ضيافة 
حسنة. ولا تأخر الركب هذه السنة عن عادته استعجلوا السير و لم يبيتوا بتاحوراء 
وحاوزوها بأميال إلى موضع يقال له سدرات العشار على ساحل البحر. ثم ارتحلنا 
منه ومررنا عوضع يقال له وادي الرمل» وهو وادي مخصب من اعلام فيه 
مزارع» تخرج إليه ماشية أهل طرابلس وسواحلها أيام الربيع. ورعا أخرج إليه 
الحجاج إبلهم مع رعاتا إن طالت إقامتهم بطرابلس. ثم مررنا في يوسا أيضا 
بوادي المسيد» وهو مثل الذي قبله أو أحصب منه» وماؤه غزير لا ينقطع صيفا 
ولا شتا ويكثر قي أوقات السيل لأنه يجتمع إليه ماء حبال مسلاتة من أعلاها. 
وم نبت حى تحاوزنا هذا الوادي بأميال كثيرة» ووحدت تلك البلاد مخصبة غاية. 
وف تلك المرحلة تعرفنا برحل قدم معنا في الركب زعم أنه شريف» وأنه من أهل 


)1( المكس: الجباية: لسان العرب: مكس 

(2) في ط: : يتعرض. 

)3( أحمد بن عيسى اليربوعي الطرابلسي» تولى قضاء طرابلس بعد وفاة والده توفي عام 1047: التقاط 
الدرر» ص: 159. نشر المثاني 139:2. 

)4( وادي الرمل: واد متسع عذب الماء لا ينقطع ماؤه في شْتاء ولا في صيف» ومبدؤه من الجيل قاطعا 
إلى البحر: رحلة التيجاني» ص: 310. 


-178- 


المدينة المشرفة وأحد بوابي باب الرحمة من أبواب الحرم الشريف» وزعم أن 
الشريف زيد أمير الحرمين بعثه بكتاب إلى تونس للجمع أوقاف الحرمين الي كماء 
وعامله أمير تونس حمودا بإحسان غزير» وقدم مع ركب أهل تونس» فلما وصل 
طرابلس غضب عليهم زعما منه أنهم لم يقوموا بحقهء فجاء لركبنا فعظمناه غاية 
التعظيم لنسبه!» ووطنه الذي انتسب إليه» وكانت فيه دعابة» فحمله الناس على ما 
هو عليه ولا وصلنا إلى مصر تبين كذبه فيما زعم أنه من أهل المدينة. ثم ارتحلنا 
من هناك ومررنا تحت وادي ينوت» وهو واد يترل من حبال مسلاتة وعايه 
مزارع» إلا أن ماءه قليل يستقي منه الركب إن اضطرهم العطش إليه أيام الجحرء 
وهو على عين الذاهب» داخلا قي أصل الحبل قايلا. 


أخبرن الشيخ الأحل قاضي مدينة القدس محمد النفانٍ© التونسي أيام لقائي 
له بالقدس الشريف أنه حج يي صغره مع أخيه أبي الحسن النفاق60) وكان أمير 
الركب» فمروا ذا المكان في زمان القيظ فألجأهم العطش إلى بفر ف وادي 
ينوت فترلوا عليه قائلة)» ووافتهم هناك قفول قدمت من فزان حاحتهم مثل 
حاحتهم» فذهب الناس إلى البئر فترحوا ما فيها من الما فلم يشف بعض أوامهم» 
ورحع الناس مغمومين» فمن قائل نرتحل۴ هذا الوقت لندرك الماء قبل حلول 
الحلاك» ومن قائل نؤخحر إلى آخر النهار. قال لي الشيخ: فدحلت على أخحي 
فأحبرته بذلك وقلت له: إن الناس قد أشرفوا على اللاك واضطرب أمرهم في 
الرحيل» فمرهم بالرحيل لثلا يهلكوا. قال: فاغتم لذلك واستند في خبائه کالنائې 
فلما أفاق قال لي: ناد في الناس بالإقامة» وقل لهم يذهبون لسقي الماء. فقلت له: 
أبكَ الجنون؟ أنا أحبرك أنه لا قطرة في البئر والناس قد أشرفوا على اهلاك. فقال 


(1) كلمة غير واضحة في ط. 

)2( محمد ابن مالم النفاتي» حج مع أخيه ابي الحسن سنة 1049 وأقام هناك» تلد قضاء القدس سنة 
4 وبها توفي: : شجرة ة النور الزكية 1:. 

)3( أبو الحسن ابن الشيخ المفتي سالم النفاتي» قاضي الجماعة بتونس» الفقيه الإمام» حج سنة 1049 وهو 
أمير الركب» ومات بالونبع: : نشل المثاني 2 . شجرة النور الزكية 442:1. 

(4) في ط: ألجمهم. 

(5) في ط: تحل. 


-179- 


لي: افعل ما أمرتك. فقلت له: لست بأحمق» أنادي في الناس بالإقامة على غير 
ماء. فلما أبيت نادى خدعه الغلام وقال له: ناد في الناس بالإقامة والذهاب لسقي 
الماء. فلما معت ذلك استحييت وتغيبت. فأقام الناس وذهبوا إلى البئر فوحدوها 
قد امتلأت بالماء حى كاد أن يفيض من جواها!". فاستقى الحجاج وجميع القوافل 
حاحتهم والماء كما هو. قال لي الشيخ: فلما رأيت ذلك ذهبت إليه وقصصت 
عليه الخبر فال لي: إن لا أغفيت عندما أخبرتٍ بخبر الناس رأيت النبي» صلى الله 
عليه وسلې» > في النوم فقال لي: مر الناس بالإقامة» فعلمت أن الله سيجعل هم من 
أمرهم فرحا. قلت: ولا يستبعد ذلك في حق وفد الله وزوار نبيه» صلى الله عليه 
وسلم فإن لله بهم عناية» وهم منه أعظم وقاية. 

ولقدا" أخبرن عن أخيه هذا بأمور من حنس هذا في سفرته تلك» وفيها 
توق بقرية الينبع الى يترا الحاج وقبره إلى الآن ظاهر وعليه بناء حفيف۴ على تل 
مشرف على مترل الركب المغربي بالينبع. وكنا نزور قبل هذا ذلك احل ولا نعلم 

من دفن فيه حى أعلميئ به القاضي المذكورء والله يتخمدنا وإياه برحمته ويغمرنا في 
الدنيا والآخرة بجزيل نعمت آمين آمين. 

ولم نزل نسير يومنا ذلك في أرض مخصبة ذات غياض وشعوب متوعرة إلى 
أن بتنا تحت حبل النكازة أسفل العقبة» ووحدنا هنالك ماء طيبا غادرته السيول ف 
سد مبين أعظم بنای وبتنا في أنعم حال بين ماء و كلا وحطب» لولا ما شابه من 
سهر الناس خحوف السرقة» لكون انحل كثير الأحجار والأشجار بسفح حبل. 
وهناك تسوقنا أهل حبال مسلانة بزيت كثير طيب رخيص اشترى الناس منه 
حاحتهم. وزيت هذا البلد من أطيب الزيوت مذاقاء سيما ضرب منه يسمونه 
ضرب الماءء يعصرونه بالماء» ولا أدري كيف يصنعون بذلك» لا تكاد تيز بينه 
وبين السمن. 

ثم ارتحلنا من هناك وقطعنا الخبل» وهو منتهى الحبال قي تلك البلادء وهو 
آخر الخبل الذي لا نظير له في الدنيا طولا وعرضا وخحصبا وقرى متصلة وعمرانا 


(1) الجول: جدار البئر: لسان العرب: جول. 
(2) في ط: وقد. 
(3) في ط: ضعيف. 


- 180 - 


متراكبا!؟ وقبائل وافرة غالبها بربر. وأوله من البحر امحيط أطراف السوس 
الأقصى» ثم عتد كذلك إلى أن كر قبلي مراكش» وهو المسمى بحبل درن ثم عر 
كذلك إلى بلادناء ثم إلى أن يقارب البحر قرب تلمسان» ثم م يزل يسابر البحر 
وإن كان يبعد عنه ف بعض المواضع» ويسمى ف كل بلد باس إلى أن انتهى هنا 
بأطراف برقة. وقال صاحب تقويم البلدان: إنه عتد من أطراف السوس الأقصى 
من البحر الحيط إلى أن يبقى بينه وبين الإسكندرية خمس مراحل. قلت: وكأنه 
حعل بلاد برقة كلها والجبل الأحضر من لأن أرض برقة مرتفعة على ما يجاورها 
من بلاد فزان ونواحيهاء والبحر من الناحية الأحرى من العقبة الصغيرة» ويينها 
وبين الإسكندرية خمس مراحل. والظاهر ما ذكرناه أولاء وهو ما اققصر عليه 
غيره. فغرب هذا الجبل في كل البلاد بلاد مخصبة ذات أمار وعيون وأشجار 
وقبلته صحراء ذات نخيل ورمال من البحر الحيط من أطراف السوس الأقصى إلى 

وف هذا ا محل الذي قطعناه منه آثار أبنية كثيرة ف سفحه الذي يلى ساحل 
حامدٍ مدينة عظيمة يقال طا: مدينة لبدة)» قد حلت في العصور الأوائل وبقيت 
3 ورسومهاء قد أكل البحر كثيرا منهاء وفيها مبان عظيمة وهياكل حسيمة 
وتعاقيت عليها الأزمنة وما ثلمت» فخرى الأبنية ماثلة متقابلة على رؤرس الال 
مد البصرء بحيث يقضى الحدس أن كل ما كان داخلها كان مدينة واحلة إلى 
البحر. وترى أعمدة الرحام وغيره واقفة في وسط البحر قد أحاط ما الماء بحيث 
يرتاب أن البحر قد أكل كثيرا منها. ومن هذه المدينة ينقل كثير من أعمدة الرنخام 
إلى طرابلس وإلى مصر وإلى غيرهما من البلدان. ويقال إن بانيها املك دقيوسا» 


)1( في الأصل: عمران متراكب. 

(2) درن: جبل بالمغرب مشهورء ومبدؤه من البحر المحيط في أقصى السوس» ويمور مع المشرق مستقيا 
حتى يصل إلى نفوسة» ويتصل بعد ذلك بجبال طرابلس ثم يرق هناك ويخفى أثره: معجم البلدان :درن. 

ل کتاب تقول دم البلدان للملك المؤيد عماد اد الدين إسماعيل بن الأفضل علي الأيوبي الشهير بصاحب حماة 
7 لبدة: مدينة بين برقة وإفريقية» وقيل بين طرابلس وجبل نفوسة» وهو حصن من بنيان الأول بالحجر 
والآجر وحوله آثار عجيدة: معجم البلدان: لبد. 

(5) دقيوس: أو دقيانوس المآك» صاحب أصحاب الكهف» أنظر أخباره في: الكامل 274:1. 


- 181 - 


وبعد وفاته تملكتها امرأة مها رومية. وبعضهم ذكر أن النمرودا" لما بى دمشق 
بقى ثلاث سنين» وبعث ولده وأمره أن يبن مدينة بالمغرب» فبئن هذه المدينة 
وحلب إليها الماء من وادي كعام في بناء متقن يحار الناظر فيه» وأثر البناء وممر الماء 
باق إلى اليوم متصل من حرف الوادي إلى أطراف المدينة» إلا أن ماء هذا الوادي 
الآن قليل آحن. ويزعم أهل البلد أن ماء هذا الوادي كان حلوا غزيرا أيام عمارة 
المدينة. وكان ما يتواثر عند أهلها أنه إذا بدت فيه الملوحة فذلك علامة خخرادما. 
فلما بدت فيه الملوحة أخحذ أهلها في الانتقال منهاء واللّه أعلم أي ذلك كان. وقد 
ذكر العبدري هذه المدينة في رحلته» وذكر أنه وحدها خالية. والذي يظهر أنفا 
حلت قبل الإسلام إذ لم يذكرها أحد ممن ذكر فتوح إفريقية» والله أعلم بغيبه. 


غريية: 

أخبرني بعض أهل ذلك البلدا© أن الملك الذي بى هذه المدينة وقع موتان ف 
عسكره حي تفانوا ول يدر ما سببه» وأمرا6 بشق بطن واحد منهم فشق عن قلبه 
فوحد فيه دودة» فعلم أن ذلك سبب موقم فأمر بصب جميع الأدوية عليها واحدا 
فواحداء فلم تمت حى أخخرج زيتا كان عنده في قارورة حاء به من أرض الشاې» 
فصب عليها قطرة من زيت فماتت» فعلم أن دواء ذلك المرض أكل الزيت» فبعث 
إلى الشام وحاءه غرس الزيتون» فأمر بغرسه ف تلك الأوطان كلها من مسلاتة إلى 
سوسة وتونس وأعماطاء ومن تلك الساعة بقي الزيتون في هذه البلادء والله أعلم. 

وبعد إنزالنا بالجبل دخلنا بلدة ساحل حامد وبتنا بماء وهى بلدة كبيرة ذات 
نخل كتيرة ومزارع وسوان وزيتود) إلا أن نخل هذا الساحل كله رديء ره لا 
يدحر ولا بيبس إلا بعد إزالة النوى منه» فيبقى كقطع الجلد لا قوة فيه ولا حلاوة 
ولا طعمء لا تكاد تفرق بينه وبين حى الشجر. 

وف هذه البلدة استهل علينا شهر شعبان ليلة الأربعاء. وزرت ذه البلدة قبر 
الولي الصاح ذي الكرامات الكثيرة والمآثر الشهيرة» سيدي مفتاح» وهو على تل 
)1( النمرود ابن كنعان» أحد أشهر الملوك في تاريخ البشرية» زعموا أنه استمر في ملكه أزيد من أربعمائة 
سنة» وفى عهد بعث إبراهيم الخليل عليه السلام: البداية والنهاية 141. 


(2) في ط: تلك البلاد. 
)3( في 35 فامر. 


- 182 - 


مرتفع بساحل البحر بينه وبين البلد في مكان يعلوه البهاء» ويتفجر منه السناءء 
تسكن النفوس إذا حلت به وتطمئن به القلوب إذا نزلت بقربه. وختمت عند 
قبره سلكة كنت ابتدأتها قبل ذلك» وزرته بنية صالحة وإخحلاص قوي» وطلبت من 
الله عند قبره مسائل رأيت أثر الإحابة يى بعضها بالقرب» وإن لأرحو الله فيما 
بقي منها. وهذا السيد مما تؤثر عنه كرامات كثيرة» وحربت إحابة الدعاء عند 
قبره» فلا ينبغى لمن مر بذلك البلد أن يهمل زيارته. والذي نبهنا لزيارته وأعلمنا 
عكانته شيخنا سيدي محمد بن مساهل يي سنة أربع وستين» وحضنا على زيارته 
فزرناه إذ ذاك» ولم ندع بعد ذلك زيارته إذا مررنا ببلده. وقد قيل بأن قبره كان 
مخفيا!؟ فأظهره سيدي عبد السلام الأسمرء وكان قد أظهر قبورا كثيرة للأولياء 
بذلك الساحل» وأظهرت فرسه أيضا آحرين» وذلك أنه إذا ركب على فرسه رعا 
تمر عكان فتبحث برحلها في الأرض» فيقول هم الشيخ: احفروا فإن هنا قبر ولي 
فيجدونه. فظهرت بذلك مزارات كثيرة. وفقراء ذلك الساحل إلى الآن يعرفوفا 
ويقولون هذا من الذين أظهرهم فرس الشيخ» ولا بدع في ذلك فإن الكرامة في 
مكان مسجده» وعندما دخخلت الحرم يوم الحديبية. وإذا كانت بركة النسسبة 
للأنبياء عليهم السلام وللأولياء رضوان الله عليهم يظهر أثرها في العجماوات» فما 
بالك بالآدمى© الذي هو أشرف المخلوقات. فلا تقصروا إخوانئ من خدمة 
الصالحين وزياراقم وملاقاتهم فإن لذلك أثرا عجيبا في تليين القلوب وتسخير 
النفوس» والله تبار كا۴ وتعالى يجعلنا من امحبين لأهل ولايته ويحشرنا مع حزهم 
وفريقهم دنيا وأخحرة. 

ثم ارتحلنا من ساحل حامد ومررنا بقربه بوادي تارغللات» وفيه آثار سانية 
فيها قنوات تحمل الماء إلى المدينة المذكورة من عين يقال ها: عين كعان» وفيها 
صنعة عجيبة وأبنية غريبة بحجارة منحوتة عظيمة تحار فيها العقول» منها أحجار 
من أربعة أذرع فأكثر منقورة في وسطها نقرا متقناء والحجر في غاية الصلابة 
قريب من حجر الصوان. والحاصل أن من رأى ذلك استغرب أن تكون قدرة 
البشر واصلة إلى ذلك المقدار» وعلم أن دهرا أفئ أولائك الأقوام حدير بأن 
(1) في ط: مختفياء 

(2) في ط: في الآدمي. 

(3) ساقط من ط. 


-183- 


يستأصل شأفة الأنام. ثم نزلنا في ذلك اليوم بلدة زلتين» وهي مثل الي قبلها في 
النخيل والسواقي» إلا أنها أصغر منها فيما يظهر. وكان نزولنا حارج زاوية الولي 
الصاح الشهير التصريف» الغينٍ بشهرته عن التعريف» سيدي عبد السلام الأسمر 
وهو رحل من أهل المائة العاشرة» كثير الكرامات» عالي المقامات» من أحل تلامذة 
سيدي أحمد بن عروس نزيل تونس» والغالب عليه الجذب في أول أمره وآحره 
وله تصرف قوي. ويؤثر عند أهل البلد من تصرفاته آثار كثيرة يطول استقصاؤهاء 
وأخباره في قهر الحبابرة وفك الأسرى من أيدي الإفرنج في حياته وبعد مماته 
شهيرة» وهو من بلدة يقال ها الفواتر» وأمه مغربية دراويةا". و م تزل هذه البلدة 
الى هو منها مأوى الصالخحين وو كر العابدين من قدتم الزمان» تواتر عند أهل البلد 
أنما لا تخلو من سبعة من أكابر الصاللحين» قالوا وهم ظاهرون با حى الآن» وليس 
عليهم مت متفقرة الوقت» بل هم على هيئة العوام ف ملابسهم ومساكنهم 
وحرفهم؛ إلا أمُم قائمون على منهج الشريعة. وكل من رام أهل هذه البلدة بسوء 
يقصمه الل ولا يدحلها أحد فتجبر وتكبر إلا أذله الله. ويذكر عن أهلها كرامات 
كثيرة. وقد ذكر لي بعض الإخوان أن سيدي عبد الحفيظ قدم لزيارة أهل هذا 
البلد ومعه بشر كثير كما هو شأنه إذا خرج. فلما قرب من البلد نزل عن فرسه 
ومشى راحلا متواضعا إلى أن زار وحرج» فقيل له ف ذلك فقال: لو دخاتها على 
الخال الي كنت عليها حرجا من ال ركوب كهيئة المتبوع لخشيت على نفسي» أو 
كلام هذا معناه. وبلدة الفواتر (هذ) هي" بإزاء زاوية سيدي عبد السلا 
قريب منها بنحو فرسخ/5» وفيها مزارات كثيرة للأحياء والأموات. 


(1) نسبة إلى درعة. 
(2) في ط: الحالة. 
(3) زيادة من ط. 

(4) ساقط من ط. 

)5( في ط: من فرسخ. 


- 184- 


لطبفة: 


ومن لقيته من سكان هذه الزاوية سيدي أحمد بن محمد بوبحيب!0) وهو 
يحذوب سالك» والغالب عليه الجذب» وفيه حير كثير» قارب في عمره المائة) ومع 
ذلك فهو صحيح الذهن والبصر والبدن» وخحرج إلينا إلى مترل الركب. وسبب 
معرفيٍ به سيدي محمد بن محمد الحفيان» وكان أخحبرن قبل الوصول إلى بلده 
بكرامة وقعت له معه يي بعض -حجاته. وقد حج هذا السيد مرارا عديدة مع 
سيدي محمد الحاج صاحب بسكرة» وكان يثين عليه كثيرا. وقال لي: لو عاش ما 
تخلفت عن الح فقلت له: ألا حج معنا ؟ فقال لي: إنه لا مال لي وأنتم لا 
تشا ر کوني في دنياكم وكان هو يشاركين في دنياه. وقد حكيت لي عن هذا السيد 
كرامات» وشيخه سيدي أحمد الشريف البقال بفاس من تلاميذ سيدي مسعود 
الدراوي/©» لقيه لما حاء للحج ومر بمذه البلدة وقال له في رحوعه من الحج: يا 
بوبجيب أعلمنا بك الحبيب عليه السلام. 


لطيفة: 

أحبرن الشيخ بوجحيب أنه لما حج بقي أمام النبي» صلى الله عليه وسل وقال 
في نفسه: إن لا أذهب لزيارة حمزة ولا غيره» هذا يكفيئ. قال: فأحذتئن سنة 
فرأيته» عليه السلام» فقال لي: يا أحمد يا حبيي» عم الرحل عوض أبيه. قال: 
فقمت ي الحين وذهبت إلى زيارة سيدنا حمزة وحدي» وكان وقلت حوف» 
ولقيت هناك ثلاث رحال أحدهم الخضر عليه السلام. 


(1) أحمد بن محمد أبو مجيب» الولي الصالح نزيل زاوية عبد الكريم الأسمرء توفي عام 1064 ه: 
التقاط الدرر» ص: 159. نشر المثائى 139:2. 

(2) أبو سرحان مسعود بن محمد الدرواي» من أهل الأحوال والكرامات» توفى بفاس سنة 1011 ه: 
مرآة المحاسن» ص: 296.نشر المثاني: 84:1) التقاط الدررء ص: 39. ممتع الأسماع» ص:184. 


- 185 - 


لطيفة: 


أخبرن أيضاء وهو عندي صدوق»› قال: أخبرن الشيخ اللقاف1) أن الوزغ 
السقف» فأمر من قتله» قال: وشقوا بطنه فوحدوا فيها من الخضرة الي كان الشيخ 

وقد عقدت معه عقدا© أوة في الله وكتب لي خطه بذلك» نفعين الله وإياه 
ما آمين. 

ومن آخحيته فى الله أيضا ذه البلدة الشاب الزكى التقى النقى سيدي محمد 
بن أبي القاسم ابن سيدي علي الصوق من بلاد غريان» قدم هذه الزاوية مهاحرا 
لطلب6 العلم» و حده سيدي على تلميكث سيدي عیسی بومعزة. وهذا الشاب من 
رزق السعادة في محبة القوم واتباع طريقهم» وقد أخحبري بغرائب كثيرة من لقي 
منهم» ودلي على بعضهم ممن في سواحل تلك البلاد. نسأل الله أن ينفعنا وإياه كم 
(له)!6 سعيه آمين. 
الزاوية» من حفدة الشيخ سيدي عبد السلام قاصدا للحج مع ثلاثة من أولاده 
وأتباعه» وكان من عادتهم السماع بالطار المزنج» قل ما يتركون ذلك ف كل ليلة 
لا يكادون يت ركوننا من صوت الدفوف نحو الأربعة» مقتفين في ذلك آثار حدهم 
فإنه كان يسمع بالدف» إلا أنه كان» رضى الله عند ذا حال صادقة لا يقتدى به 
في ذلك» فحقهم السنة واحتناب مواقع الظنة. وليست الأحوال ما يورث» و لا 
مما يصح فيها التقليد» لأنما واردات من الحق تستعمل العبد عقتضى وقته استعمالا 
حبرياء فليس لغيره اتباعه في ذلك إن لم تظهر له موافقة المشروع. 


)1( تقدمت ترجمته. 
(2) ساقط من ط. 
(3) في ط: في طلب. 
(4) في ط: السيد. 
(5) زيادة من ط. 


- 186 - 


وما يحكى من ذلك عن الشيخ سيدي عبد السلام أنه مع ذات يوم بالدف» 
فلما نقره ”معه كل من حضر يقول: الله الله بحيث لا عتارون ف ذلك. قلت: هذا 
شاهد صدق في صحة “ماعه وصدق حاله مع الله. ومثل هذا له أن يسمع بأي 
شيء أراد من دف ومزمار لانقلاب ”مية الملاهي في حقه درياقاء فعادت المخالفة 
لمشروع بانعكاس الثمرة وفاقا. فسبحان الذي أخحرج (من بين فرث ودم لبنا 
حالصا سائغا للشاربين)"» ومن بين الزفر والزمر أحوالا سنية للمقربين. 

وقد أخخبرن بعض الإخحوان من أهل مسراتة© أن شيخنا سيدي محمد بن 
ناصرا© لما حج سنة سبعين حج معه بعض أهل هذه الزاوية» وكان يسمع بالدف 
على عادمم» فبعث إليه الشيخ فقال له: إن أردت مرافقتنا فاترك هذا السماع وإلا 
فاعتزلناء فاعتل بأن ذلك من عادة أسلافهم فلم يقبل منه الشيخ ذلك» ولح يزل به 
حي ترك السماع. 

ولم نبت يوم رحيلنا من زلتين إلى أول بلد مسراتة» ومن الخد ارتحلنا ونزلنا 
بزاوية الشيخ المحقق العام العلامة العارف بال الدال على الله صاحب العلمين» 
ومحقق النظرين» ومحصل المذهبين» ومرتضى الفريقين» مقتدى أهل العلم الباطن 
ومتبوع أهل الظاهر» وينبوع الأسرار في سائر المظاهر» قطب مغربناء وإمام أئمتناء 
سيدي أب العباس أحمد بن أحمد زروق البرنسي الفاسي» حقق الله إليه نسبتناء 
وخلص في محبته سريرتناء آمين. وكان نزولنا بزاويته صبيحة يوم الجمعة» وزرنا 
قبر الشيخ عا اقتضاه الوقت من أدب ووقار» وذل وانكسار» وصالينا الجمعة 
بالمسجد الخامع» وهو الذي كان الشيخ يصلي فيه» وخطب إمام المسجد من 
ورقة» وليته أحسن القراءة منهاء فإنه كان يتوقف حي في آيات من القرآن 
العظيم. وأسفت لذلك المكان مع شرفه بجوار الشيخ وكونه واسطة البلد كيف 


(1) النحل:66. 
(2) في ط: مسلاتة. 

)3( محمد بن محمد بن أحمد بن ناصر الدرعي» نسبة إلى درعة» من علماء المغرب» كانت له زاوية 
وأتباع» حج مرتين» له تصائيف فى الفقه» توفي سنة 1085ه: خلاصة الأثر 4ءء شجرة النور 
الزكية 453:2. الأعلام 63:4. ٠‏ 

(4) أحمد بن أحمد بن محمد بن عيسى البرنسي» أبو العباس زروق» فقيه محدث صوفي» من أهل فأس» 
قرأ بمصر والمدينة المئورة» تجرد وساح» توفي بتكرين من أعمال طرابلس عام 9 هد له عدة 
مصنفات في التصوف: شجرة انور الزكية 81 دوحة الناشر» ص: 48. الأعلام 011 


- 187 - 


يسند الأمر فيه إلى غير أهله» ويوضع في غير حله» ولللّه الأمر من قبل ومن بعد)!". 
وبعد الفراغ من الصلاة زرنا حلوة الشيخ» وهي أمام المسجد قريبا منه وها توي 
رضي الله عنه. ولم نزل نتردد إلى قبر الشيخ» رضي الله عنه» ذلك اليوم والذي 
بعده» نفعنا الله بذلك» وأنار لنا به في دحى الخطوب المسالك. 

ومن لقيته من أهل هذا البلد صاحبنا ومحبنا في الله حلم ضريح الشيخ 
ومتولي زاويته سيدي أبو العباس أحمد بن عبد الرحيم بن أحمدا» وحده هذا أحمد 
هو حلع الشيخ» وهو الذي بي المسجد الذي هو اليوم مصلى ضريح الشيخ. 
وتولى عمارته والقيام به ثم أولاده وأحفاده بعده إلى هلم حرا. والمتولي الآن هو 
سيدي أبو العباس هذا وابن عمه سيدي عبد الواحدء وهو أسن منه» وكلاهما لا 
يخلو من بركة. وهما ملازمان للصلاة بجوار الشيخ وقراءة وظيفته مع الفقراء 
النازلين بجواره» والكل محترمون بحرمته ليس عليهم مثل ما على غيرهم من 
الوظائف اللتورية لأرباب الدولة. 


(لطيفغة)۴ : 


وقد قرأت معهما وظيفة الشيخ غير ما مرة» وأخبراني بها عن سيدي محمد 
بن غلبون» وكان قد أسن وقارب الائة أو تحاوزهاء ومسكنه بقصر أحمد على نحو 
من فرسخين» ومع ذلك لا يترك صلاة الجمعة عسجد الشيخ ويحضر الوظيفة إلى 
أن مات وهو قد أدرك وأحذ عن حدم الشيخ وأحص أصحابه وتلاميذه سيدي 
أبي زعامة» وفيه يقول (الشيخ))» رضي الله عنه» مداعبا وممازحاء ومزاح الأولياء 
حق: يا بو زعامة» يا عنق الحمامة» أبشر بالسلامة» بوم القيامة. فهنيئا له أعظم 
البشارات على لسان أصدق أهل الإشارات. وقد أخحبرن يذه الحكاية السيدان 
المتقدمان كلامماء وأذنا لي في قراءة الوظيفة مدرحا فيها قولها: يا مولانا يا بجيب» 


1 الرو : 4. 
وفاته: التقاط الدرر» ص: 243. نشر المثانى 375:2. 
(3) زيادة من ط. ١‏ 
(4) زيادة من ط. 
(5) في ط: في يوم. 
(6) نشر المثاني 375:2. 


- 188 - 


من يرحوك ما يخيب»اقض ححاحتنا قريب» يا حاضرا لا يغيب»آمين الْمّ» بعد قوله: 
يا عام السر منا إِلم. 

وأخبران أنه لم يكن من كلام الشيخ وإنما زاده تلميذه الإمام الخروبي!" لما 
مر بزاوية الشيخ قاصدا للحج واشتكوا عليه من ظلم الأعراب فأمرهم بزيادته 
وإدراحه ف الوظيفة» واستمر الخال عليه إلى الآن. وكثير من الناس يظن أنه من 
كلام الشيخ» رضي الله عنه» والصحيح إن شاء الله ما ذكراه إذ لم بحد هذه الزيادة 
في النسخ الصحيحة المتصلة السند والرواية بالشيخ» ولم يذكره الخروبي يي كتابه 
كفاية المريد. وأصح الطرق الى روينا فيها هذه الزيادة طريق شيخ والدنا سيدي 
أحمد أذفال©» إلا أنه قال إا أخذها عن شيخه بركات الخطاب بالإحازة 
واحتهد في تصحيحها من النسخ بعد ذلك حسبما رأيته بخطه آخر نسخة من 
الوظيفة» رضي الله عنه آمين 


لطبفة: 


وقد أحبرن سيدي أبو العباس المذكور أن حده الأعلى سيدي أحمد الذي 
كان خحدتم الشيخ قال للشيخ في حياته: ألا نبي هنا زاوية ونتحذ ها أوقافا ؟ فقال 
له: يا أحمدء نحن لا تفوح رائحة مِسكنا إلا بعدما نتسوس تحت التراب. ثم بعد 
موته وكثرة الواردين والزائرين وانتشار صيته في مشارق الأرض ومغارهاء بن 
تلميذه المذكور المسجد بإزاء قبره وسكن عنده بعد موته بعشرين سنة. وقد وحدنا 
عند هؤلاء الإخوان حزء من شرح الرسالة للشيخ بخط يده رضي الله عنه. 

وممن لقيته هناك أيضا الأخ في الله صاحبنا الفقيه سيدي علي ابن عزازةا) 
وحده أيضا كان من أصحاب الشيخ» وليس في هذا البلد أمثل من هذا الرحل ف 


)1( أبو عبد الله محمد الخروبي الجزائري» عارف متفئن في علوم الفقه والدديث» له تصانيف عجيبة مثل: 
كفاية المريد» وشرح صلی الله على سيدئا محمد وآله وصحدية القطب أبي محمد عدد السلام ابن مشيش» 
توفي سئة 963 ه بالجزائر: دوحة الناشر» ص: 114. 

)2( أحمد بن محمد أذفال السوساني الدرعي» الفقيه المتصوف» ارتحل من موطنه درعة إلى فاس» وشد 
الرحال إلى المشرق حاجاء توفي عام 1023 ه: التقاط الدررء» ص: 266 الإعلام بمن حل مراكشس 
وأغمات من الأعلام 424:2. 

)3( علي بن عزازة» قاضي اأزاوية الزروقية» فقيه مالكي» لم يعين القادري تاریخ وفاته: التفاط الدرر» 
ص: 244. نشر المثاني 375:2. 


- 189 - 


بعض فروع الفقه. وكان قبل هذا متوليا للقضاء بهذا البلد ثم عزل. وقد آحيته في 
الله تعالى وأعطان ورقة بخط الشيخ رضي الله عنه من شرح الرسالة» واشترط علي 


3 


أن أثيبه عليها بدعوة على عرفات فوفيت له واللحمد لله. 


لطيفة: 


وقد وحدت عند صاحبنا هذا ورقة فيها زمام تركة الشيخ وعلة أولاده 
ونسائه ومن خحلفه من بعد وعدد متخلفه من كتبه وأمتعته. ولننقلها هنا بحروفها 
لما اشتملت عليه من الفوائد» منها استفادة عدد أولاد الشيخ وأين استوطنوا بعد 
فإن لم أحد ذلك بعد الفحص الشديد عنه» ومنها التأسي به في قلة ما خلفه من 
الدنيا مع كونه ذا أولاد ونساء في بلد يشق فيها العيش» ولا يعوزه ما يخافه هم لو 
شاء لانتشار صيته وخدمة الدنيا وأهلها لى ومع ذلك لم يخلف منها إلا ما ستراه 
ونصه بعد الافتتاح: 


بعد أن توفي إلى عفو الله الشيخ الفقيه العام العلامة الصاح العارف المحقق 
القدوة المتبرك به أبو الفضل أحمد بن الشيخ المقدس المرحوم أبي العباس أحمد بن 
محمد بن عيسى البرنسى الفاسى الشهير بزروق» غفر الله له ولوالديه» انحصر إرئه 
ف زوحته أمة الحليل ابنة أحمد المكرم أبي العباس أحمد بن الفقيه العدل أبي زكريا 
یی الغليان المسراي» وأولاده منها أحجد أبي الفضل وأحمد أبي الفتح وعائشة. 
وزوحته فاطمة ابنة أبي عبد الله محمد الزلاعية الفاسية» وولده منها الفقيه الشاب 
الطالب الأسعد أي العباس أحمد الأصغرء وابنه الشيخ الفقيه القدوة المدرس أبي 
إرثه في والدته أمة الحليل وشقيقه أي الفضل وعائشة المذكورين» وأخيه لأمه أحمد 
بن الشيخ الفقيه الأحل الأسعد الصاح أي علي منصور بن أحمد بن محمد البجائي 
لا غيرهم في علم شهوده؛ ثم توفيت عائشة المذكورة وانحصر إرثها في أمها أمة 
الجليل المذكورة وشقيقها أبي الفضل وأخيها لأمها أحمد بن الشيخ منصور 
المذكور. ثم توق أبو الفضل المذكور» وانحصر إرثه في والدته أمة الجليل وأخيه 
لأمه أحمد بن الشيخ منصور المذكورين» وأخويه لأبيه أحمد الأكبر وأحمد الأصغر 
المذكورين» لا غيرهم في علم شهودهم. 


- 190 - 


وكان من مخلف الشيخ أحمد المذكور نصف الفرس الشهباء كبيرة السن» 
شركة بينه وبين الحاج عبد الله بن عزازة التكيراني المسران بالنصف الثاني» مع 
برنوس أبيض» وحبة صوف بزر مختم مع ثوب بالغزل» وسبحة قفل كان أخذها 
الشيخ أحمد المذكور من الشيخ سيدي أحمد بن عقبة الحضرمي اليمئ» نفعنا الله 
بى آمين. مع أربعة عشر سفراء وكناش» فمن الكتب ف الفقه من مختصر ابسن 
عرفة!9 رحمه الله. وأسفار في الكبير مع حاشية الوانوغي۴ والمشدالي! على المدونق 
مع سفر فيه مختصر الشيخ خليل» والشامل للشيخ هرام» رحمهما الله مع شرح 
ابن عسكراة في الفقه للشيخ أحمد المذكور ألفه. ومن غير الفقه الديباج المذهب في 
التعريف برجال المذهب لابن فرحون©) رحمه الل ومعه تأليف للشيخ أحمد 
المذكور: القواعد في علم التصوف» ومعه شيء من علم الطب» مع سفر فيه 
قواعد للونشريسي!8» والمذكور شيء من علم الطب» مع سفر فيه الزرك شيا" 
والسبكي في أصول الفقه""» وبلوغ المرام"" لابن حجر والبلالي اخحتصار 


)1( أبو عبد الله محمد بن محمد بن عرفة الورغمي التونسي» الإمام الفقيه» حج سنة 2 له مؤلفات عدة 
منها مختصره فى الفقه» توفى سنة 803 ه: شرف الطالب» ص: 88. شجرة النور الزكية 326:1. 

(2) أبو عبد الله محمد بن أحمد الوانوغي التوزري» نزيل الحرمين الشريفين» الإمام المحقق» له طرر على 
المدونة» وكتب على قواعد ابن عبد السلام» مولده سئة 755 هء ووفاته بمكة المكرمة سنة 819ه: لقط 
الفرائد» ص: 1. شجرة النور الزكية 350:1. 

)3( أبو عبد الله محمد بن أبي القأمدم المشذالي اليجائي» فقّيه بجاية وخطيبها ومفتيهاء ألف تكملة حاسشية 
الوانوغي على المدونة» توفي ببجاية سنة 866 ه: وفيات الونشريسي» ص: 259. شجرة النور الزكية 
1. 

(4) تقدمت ترجمته. 

)5( عبد الرحمن بن محمد بن عسكر البغدادي» الفقيه الإمام؛من تصانذيفه: المعتمد» توفي سذة 732 ه: 
لقط الفرائدء ص: 186. شجرة النور الزكية 1 

)6( إبراهيم بن علي بن فرحون المدني» قاضي المدينة المثورة» له شرح على مختصر ابن الحاجب و 
الديباج المذهب في أعيان المذهب وغير نلك» توفي سنة 799ه: وفيات الونشريسي» ص: 133. شجرة 
النور الزكية 1 

)7( قواعد الطريق في الجمع بين الشريعة والحقيقة للشيخ شهاب الدين أبى الفضل احمد بن محمد البرنسى 
الفاسي المالكي الشهير بالشيخ زروق المتوفى سئة 889 ه: كشف الظلنون 1358:2. 

)5( أبو العباس أحمد بن يحيى الونشريسي التلمساني الفاسي» الإمام المفتي» من مؤلفاته المعيار» وله كتاب 
القواعد في الفقهء توفي بفاس سنة 914 ه: لقط الفرائد» ص:281. شجرة النور الزكية 397:1. 

(9) تقدمت ترجمته. 

(10) چ جمع الجوامع في أصول الفقه لتا ج الدين عبد الوهاب بن علي بن السبكي الشافعي المتوفى سنة 771 
هف وهو مختصر مشهور: كدف الظنون 595:1. 

(11) بلوغ المرام من أدلة الأحكام لابن حجر العسقلائي (ت 852 ه)» حقق هنا الكتاب وصدر في عدة 
طبعات. 


- 191 - 


الإحياء!؟ مع سفر به شرح التفتازاني© في أصول الدين» وا ليك لابن عطاء ال 

و المنهل الروي" ف علم الحديث وغيره. مع سفر من ملا" الحديث بخط الشيخ 
أحمد المذكور. وتأليف للشيخ عبد الرحمن الثعالبي مع إحازة له» وشيء من ابن 
حجرفي علم اللغة» رحمهم الله وسفر فيه تفسير القرآن» وكناشه حتوى على 
وظائفه وغير ذلك. 


وقد كان استوطن الشيخ أحمد المذكورا؟ الأكبر بعد موت أبيه ببلاد 
المغرب» واستقر آخر ذلك عدينة قسنطينة حرسها الله وأرسل مراسيل للإتيان 
بالمحلف المذكور بخط يده وثبت منها بالعدالة حسبما بيانه» كما (أذن)) بأن 
يوحه له ذلك مع من أمكن» وكان جميع ذلك تحت يد الشيخ منصور الممذكورء 
وامتنع من ذلك لعدم الأمن والأمين حى وصل الفقيه الطالب أبو العباس أحمد 
الأصغر المذكور في عام تاريخه لمدينة طرابلس حرسها الله تعالى. و م يأت عوحب 
يقتضي له قبض ذلك لأخيه فتوقف أصحاب الشيخ المذكورء فطلب الشاب أحمد 
المذكور أن يعطى ذلك في زمانه!©» يطلب نصيبه ونصيب والدته فاطمة المذكورةء 
لكونه وارثها ونصيب أحيه أحمد الأكبر المذكور فوافقوه على ذلك بعد ثبوت 
الإذن المذكور بأن يعطي ذلك لأخيه» حضر إلى شهيديه الفقيه أحمد المذكور 
الأصغر ناثبا عن نفسه وعن أحمد الأكبر. وأشهد أنه قبض جميع المخلف المذكور 
عدا نصف الفرس فإنه قبض ثمن ذلك» وهو ثمانية دنانير ذهبا مشحرة من الشيخ 
منصور المذكور قبضا تاماء وأبرأه بتاريخ أوائل ذي الحجة الحرام متم عام ثلاثة 
عشر وتسعمائة. انتهی . 


)1( ذكر صاحب كششف الظئون أن لكتاب الإحياء للغزالي مختصرات» أحمدنها وأجودها مختصر الشيخ 
مس الدين محمد بن علي بن جعفر العجلوني البلالي المتوفى سنة 812» شيخ خانقاه سعيد السعداء 
بمصرء وهو الراجح على غيره؛ وهو نحو عشر حجمه: كشف الظنون 1 

)2( الإشارة هنا إلى شرح العقائد في أصول اأدين لمسعود بن عمر التفتازاني: الدرر الكامنة 112:6. 

)3( الحكم العطائية لاشيخ تاج الدين محمد بن محمد بن عبد الكريم» المعروف بابن عطاء الله الإسكندراني» 
الشاذلي المالكي المتوفى بالقاهرة سئة 709 ه: كشدف الظنون 657:1. 

)4( اأمنهل الروي في علوم الحديث النبوي للشيخ الإمام بدر الدين محمد بن جماعة الكناني الشافعي 
المتوفى سنة 733 ه: كشدف الظطنون 2 1884. 

(5) كنا في ځخ» وهو غير واضح في ط. 

(6) ساقط من ط 

(7) زيادة من ط. 

(8) في ط: زمامه. 


- 192 - 


وصلى الله (وسلم!؟ على (سیدنا)# محمد وآله» (نقلت)۴ الرسم المذكور 
بحروفه من غير زيادة ولا نقصان مع وحود بعض التصحيف به ول أغير شيئا منه 
بل تركته كما وحدته» وم أكتب من الرسم الأصلي بل من رسم نقل منه» والله 
أعلم. 

ومن لقيته هناك من أهل الخير والصلاح سيدي فتح الله بخير من أحفاد 
سيدي عبد السلام» وهو تمن ترحی بركاته!» وو مه وسم خير قد نزل وحده 
بداره منقطعا عن الناس في يل على طرف البلد من ناحية البر. 

ولقيت هناك أيضا المحذوب الصادق سيدي أبا زكية» رحل متقشف لا يؤبه 
له۴» أرى أنه تمن لو أقسم على الله لأبره» وهو نازل وحده بساحل البحر بأهلف 
يرد عليه أهل الخير السائحون ف الأرض» يدخلون البادية من هناك على قدم 
التوكل قاصدين الحجاز الشريف» فمنهم من يرحع بعد أعوام» ومنهم من يبقى 
هناك ومنهم من لا يقفا له على خبر. وقد حكى من ذلك ومن أخباره معهم 
شيئا كثيرا. 

ثم ارتحلنا من زاوية سيدي أحمد زروق بعدما تنعمنا بزيارته وقراءة ما تيسر 

من القرآن عند قبره والمبالغة في الدعاء» وأودعنا الله عند قبره أنفسنا وأموالنا 
وأدياننا فرأينا بركة ذلك. وقد شاع بين الحجاج أن من مر بقبره وأودع الله عنده 
نفسه وماله لا يصيبه مكروه حي يرحع» ويفعلون ذلك إذا مروا به أو حاذوه في 
البحر فيجدون بركته. ولا بدع في ذلك ولا غرابة» فإن الله حفيظ لا تضيع 
ودائعى والأولياء أبواب اله فمن أودع الله شيئا عند باب من أبوابه فكيف لا 
يحفظه فيه (فالله حير حفظا وهو أرحم الرامين)!. 

وكان رحيلنا من هناك يوم الأحد الخامس من شعبان» ومررنا بقصر أحمد 
ضحى» وهو آخر العمران هناك ولا عمارة وراءه على طريق الحاج إلي 


(1) زيادة من ط. 
(2) زيادة من ط. 
(3) زيادة من ط. 
(4) في ط: بركته. 
)5( في 25 به 
)6( في 25 يوقف. 
(7) يوسف: 64. 


- 193 - 


الإسكندرية. وزرنا خارحه على تل مرتفع بساحل البحر قبر سيدي أبي شعيفة» 
ووحدت عند قبره سيدي أبو ت ركية» بل وحدئء واغتنمت دعاءه في ذلك المكان» 
وذهب بي إلى مزارة هناك في مغارة بساحل البحر يتعبد فيها الصالحون» لا يكاد 
يطلع عليها أحد إلا من عرفها لأا صغيرة مستقبلة البحرء يغلب على احالس يما 
الحضور إذ لا يرى إلا البحرء ولا يسمع إلا تسبيحه وتمجيده لربه» (وإن من شيء 
إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم)!" لغفلتكم عنه. ومن امتز ج تعظليم 
الحق وتسبيحه بلحمه ودمه وأنس بذلك ”مع تسبيح كل شيء إما بحاله أو مقاله. 

وقد أخخبرني صاحبنا هذا أن مفتتح هذه المغارة رحل من العباد امه سيدي 
فر ج» وهو الآن بالجزائر» وكانت قبل ذلك مغلقة لا علم لأحد اء وأخبرني عن 
أناس آخرين مروا به هناك من الأخيار» وهم الآن بالحجاز أحدهم سيدي أبو 
القاسم السوسي بالمدينة وسيدي علي التونسي. ثم ودعته هناك وكتبت له ورقة 
بخطي» تذكرة له وللاخوان قي صا الدعاء. وكنت أرى احتماعي معه في ذلك 
المكان إحدى كراماته لأ فارقته بالأمس عند قبر الشيخ» ولم أقض الوطر من 
لقائه. ومترله بعيد لا عكنى الذهاب إليه» فأتى به الحق إلى ذلك المكان من غير 
وأي 6 ولا عادة والله يعين العبد على قدر نيته. 

وقي ذلك فارقنا آخر العمران» ودخلنا برقة ومررنا ذلك اليوم عاء يقال له 
العريعر» وهو حلو طيب بين السبخة والبحرء ونزلنا آخر اليوم على ماء آخر يقال 
له أبو كدية مقابل بلد تاورغا بينها وبين البحر. وهذه البلدة منقطعة أول برقةء 
وفيها نخل كثير» وتمرها أطيب من تمر غيرها من بلاد الساحل أحود منه» وإن كان 
على وصفه من عدم ادخاره إلا بإزالة النوى وطيبه» والله أعلم» لبعده شيئا ما عن 
البحر ورطوبته ودخوله قليلا إلى الصحراء حيث تكاد اليبوسة تستولي على أبدان 
الحيوانات فضلا عن النبات. 


مستطيلق وعلى حوانبها بناء وقصور حالية وفيها نخيل متفرق كأنه رؤوس 


(1)الإسراء: 44. 

(2) أبو القاسم بن محمد المغربي السوسي نزيل دمشق ومفتي المالكية بهاء فيه واعية حافظ كانت وفاته 
سنة ثمان أو تسع وثلاثين وألف: خلاصة الأثر 145:1» الفكر السامي 329:4. 

)3( الوأي: الوعد: لسان العرب: وأو. ١‏ 


- 194- 


الشياطين لا ترى أوحش منه ولا أثقل طلعة على الحاج في ذهابه» سيما المعاود لما 
يستشعر بعده من المهامه والمفاوز" والمعاطش الى يحار فيها الدليل» كما لا آنس 
منه ولا أيهى منه في منظر الآيب لدلالته على انقضاء المفازة وقرب العمارة. ونخيله 
آخحر نخل يراه الذاهب وأول نخل يراه الآيب. وماء الهايشة ملح أحاج لا يكاد 
يساغ» يضرب به المثل في القبح» وليس في مياه برقة أقبح منه إلا مواضع قليلة لا 
يعتمرها الحاج» مع أن هذا أيضا لا يستقسي منه إلا من اضطره العطش أو 
كانت أيام الحر» وهو ماء راكد في مواضع كثيرة يحيط به القصب» وبعضه أشد 
قبحا من بعض. وبآحر المايشة واد من الملح يجري الماء على أرض من الملح فلا 
الماء يحمد ملحا ولا الملح يذوب ماءء وأظن ذلك لقوة ملوحة الماء ونداوة امحل. 
ولم نقطع ذلك المكان إلا بعد لأي!۴ و لأي. 


ثم نزلنا دور حسان) ومررنا الغد بحسان وهو ماحل منقور في حجر يجتمع 
فيه المطرء فإذا فرغ المجتمع بقي محله يرشح عاء قليل يحم في قعره» يبل به الظمآن 
فمه. وبإزاء هذا الماحل قرى خالية م يبق الآن إلا رسومها تسمى فيما مضى 
قصور حسان إضافة إلى بانيهاء وكان عاملا لبن أمية لما نقض أهل إفريقية العهد 
ف آخر خلافة بني مروان» بى هناك قصورا وأقام فيها نحوا من ثلاث سنين حى 
افتتحها بعد ذلك حسبما ذكر من أرخ فتوح إفريقية وسمي المكان باسمه إلي الآن. 

ثم بتنا آحر ذلك اليوم بقرب ساقية هناك هي أول عمالة سرت6©7) ثم منه إلى 
الزعفران» وهي أحساء في ساحل البحر ماؤها طيب وعليه كثبان من رمل أحمر 
تظهر من بعيد» ومن وراء الكثبان من ناحية البر قصور سرت» وهي ثلاث قصور 
تخزن فيها العرب ميرها. وكانت فيما قبل هذه السنة خالية» ووحدناها في هذه 
السنة فيها بعض العمارة تمن تركته العرب على خخزائنها حافظا ها. 


(1) في ط: المفاوز والمهامه. 

(2) في ط: يستقي. 

(3) اللي: الجهد والشدة: لسان العرب: لاو. 

(4) نسبة إلى حسان بن النعمان الغسائي الذي ولي إفريقية بعد استشهاد زهير بن قيس لبلوي سنة 76 ه» 
فغزا ملكة البربر الكاهنة فهزمته فأتى قصورا في حيز برقة فنزلها وهي قصور يضمها قصر سقوفه أزاج 
فسميت قصور حسان: فتوح البلدان 231:1. 

(5) أنظر ما جاء عن سرت في رحلة العبدري» ص: 85. 


- 195 - 


وبلاد سرت هذه من أحصب البلاد ذات مزارع كثيرة بالبعل» وعرها أهل 
رفاهية إلا أن الحور أحلاهم عن بلادهم وشتت #ملهم؛ إلا أن أمرهم كاد ينتظم 
في هذه الأواخر على يد أميرهم سيد روحه. ثم قي الغد بتنا وضع يقال له 
امكيرينة وبإزاءه بثر طويل. وق الغد مررنا ععطن يقال له المذينة تصغير مدينة» 
على ساحل الح ثم باحر يقال له "١‏ السلطان» ثم بتنا مقاب أخمر يقال له 
ميل و کب أبيه حل ال قالوا سبب تلقيبه بذلك أن أباه كان من أهل الخير 
ومن أهل النسبةء ونزل بأولاده ساحل حامد» وكان له عدة أولاد» فلما نشأ ولده 
هذا واشتغل عا لا يعنيه وظلم الناس» فمن اشتكى إلى أبيه قال في شكواه: إن 
سيدي عبد الله فعل بي كذا وكذاء فيقول أبوه توبيخا لولده: ليس بسيدكم وإغا 
هو سيد روحف فاستمر ذلك لقبا له ثم لإخوانه وأولاده من بعده. وأخوه عبد 
الرحمن هو رئيسهم الآن» وكلمته نافذة وأمره مسموع في عرب سرت وسائر 
عرب تلك النواحي إلى الخبل الأخحضر. وهم مستندون إلى الأمير عثمان في الظاهر 
مستبيدون برأيهم في الباطن» وهم حدار وعقار كثير بساحل محامد) وكبيرهم عبد 
الرحمن نازل فيه» وأبناء أخبيه عبد الله متفرقون في حلل الأعراب» فأما عبد القادر 
فهو مع عرب سرت» وأما أبو بكر أخوه فهو بحلله على الحابية ونواحيها مع عرب 
تلك الناحية. 


ثم ارتحلنا من هناك ونزلنا الأهر ضحى» وتسوقنا أولئك الأعراب بابل فق 
ماء خمسة أيام إلى المنعم» وتسمى هذه المسافة كلها عند الحجاج مقطع الكبريت 
تغليبا وإلا فالمسمى بذلك حقيقة موضع واحد. وق هذه المسافة مياه كثيرة إلا 
أا تقل (ق)© بعض الأحيان» وبعضها أحاج فيحتاط الناس بأخذ الماء الطيب. ثم 
مررنا ذلك اليوم اء يقال له العويجة» وبتنا بإزاء ماء آحر يقال له الشقة» وماؤها 
قبيح آحن ذو حمأة. ومن أمثال الحجاج: مائة دكية ولا شربة من الشكةا6. 


(1) زيادة من ط. 
)2( زيادة من 535 
)3( أثبتها العياشي بكاف معقودة. 


- 196 - 


ثم ارتحلنا منه ومررنا عزارع لأولاد سيدي ناصر؛ فقراء مرابطون من أهل 
سرت يطعمون الطعام" من ورد عليهم» ومعهم طرف من الديانة إلا أهم أضر 
كم حور الأعراب لأهم بين عرب سرت وعرب برقة» فقلما يسلم لهم وقت من 
غارة ما من هؤلاء أو من هؤلاء. غير أنهم الآن مستظلون بظلال أسمال من العافية 
ا ولي عبد الرحمن الحيالي الملقب سيد روحه على البلاد وقهر الأعراب وقويست 
شكيمته على أهل البادية» فأمنت السبل بعض الأمان» فرحع فقراء الأعراب إلى 
بلادهم» وعمرت البلاد بعض العمران» وتلك سنة الله في البلاد والعباد أن الولاة 
وإن حاروا خير من مرج الرعية يعدوا بعضهم على بعض فيعم الخراب الخواضر 
والبوادي» ويهذا السبب خلت أرض برقة كلهاء وهى مسافة شهرين» وكانت 
متصلة العمارة من الإسكندرية إلى إفريقية لا تكاد تسير فيها بريد ليس فيه أثر 
بناء ورسوم عمارة دائرة. وقد حاء الإسلام وغالبها عام ثم لم تزل عمارقها 
تضعف إلى أن حرج عرب هلال من مصر أواحر الرابعة وأوائل الخامسة فخربوا 
البلاد واستولوا على القرى فأفسدوها وخحلت البلاد من يومثذ. 

ثم مررنا في يومنا بسانية مقابل اليهودية حهرت7 في هذا الوقت» وبتنا ف 
سانية أخرى (وغدير ماء). واليهودية قرى كثيرة متقاربة فيها آثارا بناء حال 
متراكم يدل على أا كانت عمارة كبيرة. واشتهر على ألسنة الحجاج أنها مدينة 
كانت ملكتها يهودية في عسكرها كذا وكذا من الخيل. قلت وي الرسالة 
القشيرية عن بعض الفقراء أنه قال: دخحلت مدينة اليهودية!) بأرض المغرب وساق 
الحكاية إلم. ولعل" تلك المدينة هي هذه؛ إذ لا نعلم بأرض المغرب مدينة تسمى 
اليهودية غيرهاء والله أعلم يحقيقة ذلك. 


(1) ساقط من ط. 

(2) البريد فرسخان» وقيل ما بين كل منزلين بريد: لسان العرب: برد. 

(3) في ط: عمرت» وجهرت: : بمعنى عمرت؛ والمَجهُورة من الآبار: المعمورة عنبة كانت أو ملحة. 
وجهر البئرَ يجهرها جهراً 

نزحها: لسان العرب: جهر. 

(4) زيادة من ط. 

(5) في ط: أثر. 

(6) لم يرد ذكر هذه المديئة في الطبعة التي اعتمدناها من الرسالة القشيرية. 

(7) في ط: وهل. 


-197- 


ثم ارتحلنا غدا ومررنا بقصر العطيش وعاء يقال له الكحيلة وبتنا وراءه. ثم 
ارتحلنا من هناك ومررنا آخر النهار اء يقال له أم الغرانق» إلا أنه لا يكاد يساغ 
فلا فرق بينه وبين ماء البحر إلا اللون والرائحة. وبتنا أمامه قي سبخة مقطع 
الكبريت» وسمي هذا امحل مقطع الكبريت لأن في أعلى السبخة" معدن الكبريت 
في آبار كثيرة يحمل منها كالطين» ومن هناك يحمل إلى طرابلس و كذلك إلى مصر 
والإسكندرية» ويذهب منها مع الركب إلى مصر في كل سنة أحمال كثيرة لأن 
العرب الذين يحملون الكراء من مصر إلى طرابلس للحجاج فإذا رحعوا حملوا 
على ما فضل من إبلهم عن الكراء كبريتا ويتقدمون أمام الركب بيوم إذا شارفوا 
هذا احل» ثم يلحقون الركب في المنعم. وقد أصابتنا يوم نزولنا هذه السبخة ريح 
عاصفة حمراء قوية حدا أسقطت كثيرا من الأخبية» دامت إلى الصباح» ولم نوقد 
نحن» ولا كثير من أهل الركب» في تلك الليلة نارا ولا طبخت عشاء من قوة 
الريح» وعصمنا الأخبية بالحبال فما أغئ ذلك. 

ثم ارتحلنا من هناك ونزلنا بالمنعم» وهي أحساء بساحل البحر ماؤها طيب» 
عليها كثبان رمل يترل الناس وراءها فيمرون إلى الماء من بينهاء وقلما يخلو من 
عمارة الأعراب. وقد وحدنا على هذا الماء عربا من أهل سرت» وأميرهم 
بومغاث» وهم يزعمون أن لهم عادة على الحجاج يعطوئهم إذا مروا يهم فرسا 
لشيخحهي» وأن ذلك عادقم من حدهم سحيم. . ولكن الله أضعفهم ودمرهم فلا 
يستطيعون التعرض لل ركب» وقد سرقوا حملا من الركب فأخذ الحجاج جملا هم 
حي أتوا به. وقد أخبرنا شيخهم بومغاث أن سبب هذه العادة الي يزعمون على 
الحجاج أن ركبا لأهل تونس مر يحم وضاع لهم جمل فيه قيمة آلف ريال» قال: 
فوحده الشيخ سحيم بعدهم وأدخله في بيت قصور سرت و لم يجله حى رحع 
الركب» فأخرحه هم فوحدوه لم يضع منه شيء. ومن هناك التزموا له أن كلما 
قدم ركب من تونس حاعوه بفرس. فقلنا له: لسنا نحن من أهل تونس فلا عادة 
لكم علينا. وكفانا الله شرهم بضعفهم وقهر الخحبالي© هم فلا يرفعون يدا ولا 
يحيبون ندا. 


(1) في ط: السبخ. 
)2( في ط: الجبار. 


- 198 - 


ثم ارتحلنا من هناك وتيامنا عن البحر قليلاء وبتنا ليلتين في الطريق» وي الثالثة 
جئنا إلى الخابية» وفارقنا البحر من المنعم فلا تجتمع طريقنا معه إلى التميمي. وفي 
هذه الحابية آثار عمارة كثيرة وآبار عظيمة منقورة في الحجر» وبنيان هائل با حجر 
ا منحوت» وهناك رسم مسجد قلعم مد وو جحدنا في بعض -حجاراته تاريخ بنيانه 


لطيفة: 


قد أخبري شيخنا سيدي محمد بن مساهل عن بعض المشايخ أن الإامام 
سحنونا كان مدرسا كذا المسجد ثلاث سنين. وهذه المدينة هي مدينة برقة 
المذكورة ف كتب الفقه» وقيل إثما مدينة بالخبل الأحضر بالجانب البحري. وقد 
أخبرق صاحبنا سيدي عبد الله بن غلبون أنه رآهاء وأن رسومها تدل على عمارة 
قوية) وما آثار سور وأبراج ورخام كنير. وقال لي: إن بحا قبرا مشهورا يزارء 
ويزعم أعراب البلد أنه قبر نبي. فقلت له: الغالب أنه قبر صحابي» فقد نص 
المورخحون على أن رويفع بن ثابت77 , بن السكن الأنصاري النجاري» من الصحابة 
قد تون ببرقة وهو أمير عليها من قبل مسلمة بن مخلد. وقتل ببرقة أيضا من 
الصحابة زهير بن قيس البلوي(۴ ندبه عبد العزيز بن مروان إلى برقة فلقي الروم 
فقاتل حى قتل. وما ذاك إلا قبر أحدهاء فإن كثيرا من العوام يطلقون اسم النبي 
على الصحابي» وقد شاهدنا كثيرا منهم يعتقدو ن في أبي بكر وعمر أفهم من 
الأنبياء ويظن أن اسم البي والصحابي مترادفان. فلما أخبرثه بذلك فرح وقال لي: 
ئيس إلا كما ذكرت. 


(1) رويفع بن ثابت الأنصاري النجاري المدني ثم المصري» الأمير» له صحبة ورواية» حدث عنه بسر بن 
عبید الله وحنش الصنعائي وزياد بن عديد اللہ وأبو الخير مرئد اليزني ووفاء بن شريح وآخرون» نزل 
مصر واختط بها وولي طراباس المغرب لمعاوية في سئة ست وأربعين» فغزا إفريقية في سنة سبع 
ودخلها ثم انصرف» توفي ببرقة وهو أمير عليها لمسلمة بن مخلد في سنة 56 ه: سير أعلام الذبلاء 
33. 

(2) في ط: دفن. 

(3) عمل عبد الملك بن مروان بعد مبايعته على استعمال أخيه عبد العزيز على مصرء فولى أفريقية زهير 
بن قيس البلوى» ففتح تونس» ثم انصرف إلى برقة فبلغه أن جماعة من الروم خرجوا من مراكب لهم 
فعاثوا فتوجهوا إليهم في جريدة خيل» فلقيهم فاستشهد ومن معه سنة 76 ه ه فقبره هناك وقبورهم تدعى 
قبور الشهداء: : توح البلدان 231:1. البداية والنهاية 16:9. 

(4) في ط: يعتة 


- 199 - 


ولا رحعنا من الحجاز سنة أربع وسبعين لقيته ببلده مسراتة وقال لي: إن قد 
ذهبت بعدك إلى المكان المذكور وتأملت القبر وعليه كتابة وإمارات رعا تدل على 
صحة ما ذكرت. قال لي: وذكرت كلامك لبعض الأمراء في درقة ففرح بذلك 
وأمر بالبناء على القبر والتنويه به» والله لا يضيع أحر من أحسن عملا» ونية 
المؤمن أبلغ من عمله» فإن صح أن هذا القبر قبر الصحابي المذكور فتلك المدينة هي 
مدينة برقة المشهورة لا الخابية» والأمر في ذلك قريب فإن بين المدينتين نوا من 
خمسة أيا» فكلاهما يصح أن يقال بينها وبين كل من مصر وإفريقية شهر؛ إذ 
بذلك يعرفها الفقهاءء إلا أن الى في البل أقرب إلى مسمى المدينة لما بإزائها من 
المياه والأماكن المخصبة والمزارع | ثيرة» والغياض اللتفة من أنواع الأشجارء 
بخلاف الحابية فإها في صحراء من الأرض مقفرة61» والله أعلم بغيبه. 

ومسمى برقة على التعيين عند عرب البلد اليوم هي مسيرة ستة أيام من 
المنعم إلى سلوك» وفيها رسم أبنية كثيرة» وإطلاق برقة على ما سواها مجاز 
علاقته انخاورة» وهذا ما يقوي أن مدينة برقة هي الحابية. وبإزاء المسجد الذي بما 
قبر محوط عليه بالحجارة يزار» يقال لصاحبه سيدي يونس» وهو من عرب 
الفواحرا» وقد وحدنا ركب أهل تونس الذين مروا أمامنا قد أوقدوا عليه شعا 
كثيراء وبقيت منه بقية فأردنا أحذها للحاحة إليها ثم توقفت يي ذلك وبعد ذلك 
ظهر لي حواز أخحذه فبعثت إليه فوحدت الغير أخذه. ثم ارتحلنا من الحابية» وق 
آخحر ذلك اليوم تعاهد بعض الإبل داؤها القدتم من النفور والجفال عند قرب 
المترل» ولطف الله بالعباد. 


ثم ارتحلنا من هناك ومررنا عاحل كبير فيه بقية من ماء المطر» وبتنا على 
قرارة6) فيها ماء كثير غادرته الأمطار ثم ارتحلنا منها ونزلنا على سلوك ضحى» 
وهو آبار متعددة كآبار الحابية في صفتها ومائهاء وبإزائها أيضا رسوم بناء إلا أنما 


(1) إشارة إلى قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا) الكهف: 
30 

(2) في ط: من. 

)3( في 35 مغبرة. 

(4) في ط: رسوم. 

(5) في ط: الفراصد. ١ ١‏ اه 

(6) في ط: فزارة؛ والقرارة: ما قن فيه الماء. والقرارٌ والقرارة من الأرض: المطمئن المستقر: لسان 
العرب: قررء 


- 200 - 


قليلة بالنسبة إلى الحابية» وماؤها يقل في أيام الحر» وقد مررنا عليها سنة تسسع 
وسين في حمارة القيظ فلم نكد نروي منها إلا بعد عناء شديد وإقامة يوم وليلة 
أو ليلتين» وهذا المورد هو آخر برقة الحقيقية كما مر» وتسمى برقة الحمراءئء 
وهو" عرأى من الخبل الأخضر» ووحدنا عليه سوادا من العرب ينتظرون السوق 
مع الركب» وبتنا به ليلق» ومن هنالك© فارقنا من فارقنا من الأعراب القاصدين 
لمرسى ابن غازي» وهي مرسى حسنة بسفح الحبل الأحضر بينها وبين سلوك 
مسافة يوم وفيها عامل وعسكر لصاحب طرابلس» ويي تلك المرسى تصب أودية 
السمن والعسل والشحم والودك من الحبل الأحضر الذي لا أخصب منه ولا أكثر 
إداما فيما رأينا من البلاد» وتحمل كل ذلك السفن إلى طرابلس وحرية وما 
بإزائهما من البلد» ومن هذا الخبل غالب إدامهم ولحمانمي وقد دخلنا طرفا من 
هذا الجبل سنة تسع وحخمسين من شدة الحر» وتسوقنا طائفة من أهله عا قضينا منه 
العجب من السمن والغنم والإبل» وم نعهد مثل ذلك في بلد من البلاد ولا رأينا 
أرخص منه سعرا ولا أقل معرفة بالبيع والشراء من أهله» يؤحذ منهم زهاء القناطير 
من السمن بالثمن التافه من برا۴ أو عروض#» أو غير ذلك من الحوائج ولا 
يعرفون للدرهم قدرا» وكانوا إذ ذاك كنعمهم غفلاء ۾ يدخحل التجار بلادهم ولا 
صادرقم العمال عن أمواهي إذ لا حكم لأحد من العمال عليهم إلا أشياء قليلة 
يؤدونما ثي بعض الأحيان لصاحب أوحلة» وأما صاحب طرابلس فلم يكن له 
عليهم إذ ذاك حكي وأما الآن فهم تحت إيالته ويي أسر طاعته يؤدون الخراج 
ويدحل التجار من أهل طرابلس ومسراتة بلدهم لشراء الإبل والبقر والغنم 
والصوف والإدام» فبذلك حصل هم بعض الخبرة بقيم الأشياء ومقاديرهاء وعرفوا 
الدرهم والدينار» وأما قبل ذلك فكانوا كالأنعام (بل هم أضل سبيلا)(۴. 


(1) في ط: هي. 

)2( في ط: هناك. 

(3) البز: الثياب: لسان العرب: بزز. 

)4( العروض: جمع عرض؛ وهو المتاع: تاج العروس: عرض. 
(5) الفرقان: 44. 


- 201 - 


عرب هذا الخبل من أشد العرب كفرا ونفاقا"» لا يعلمون حدود ما أنزل 
الله على رسوله» ليس عندهم من الدين إلا اسم لا حرفة م بعد تنمية مواشيهم 
إلا النهب والغارة» قل ما مر يهم ركب سلم من أنشاب الحرب بينهم وبينه بسبب 
غدرهم وفتكهم عند اشتغال الناس بالسوق معهم وقد وقع لنا ذلك معهم مراراء 
وأغرب من ذلك أنهم لا يعرفون السرقة» فيحترس الناس منهم ارا حشية النهب 
والغارة» وبالليل ببيت الناس رقودا مطمتنين ولا تسرق م حاحة» وما ذاك و الله 
أعل إلا لانقطاعهم عن العمران وتوحشهم. والسرقة في الغالب إنما تعهد حيث 
يكثر العمران ويجتمع أحناس من الناس وتعمر أسواق ويوحد بيع و شراء» وأما 
هؤلاء فأعداؤهم بعيدون منهم لا يقدرون من منهم إلا على الغارة المرة بعد المرة. 
وفيما ينهم يأ بعضهم بعضاء فألقوا ذلك >" 

ونوادر هذا الحبل في رخماء الإدام وغفلة أهله عن قيمته وكثرة خصيف 
وبيعهم لبناتهم وأخواتهم وغير ذلك" أشهر من أن يذكرء وطول هذا الجبل نحو 
عشرة أيام من بحريه» وسبعة أيام من الناحية الأخرى» وأكثر شجر الناحية الي 
مررنا يها العرعر» حي إنه من شدة اشتياكه والتفافه لا ينفذ الناس فيه إلا في طرق 
معلومة وشعاب مسل وكة» ومن خالفها توعر وانتشب ي الغياض” بحيث لا يخلص 
إلا عشقة» سيما إن كان ذا دابة. ومع كثرة غاب هذا الحبل لا يوحد فيه الأسدى 
والحجاج يزعمون أن سيدي أبا محمد صا دعا عليه فأحلاه الله من هذا البلد لتلا 
يؤذي صعاليك الحجاج» وذلك إن صح غيض من فيض فيما لأولياء الله من 


الكرامات. 


(1) إشارة إلى قوله تعالى: (الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله وال 
عليم حكيم): التوبة :97. 

(2) ساقط من ط 

(3) الغياض: جمع غيضة؛ وهي الأجّمة. والعْيْضّة: مَغِيض ماء يجتمع فيّنبت فيه الشجر: لسان العرب: 
غيض. 


- 202 - 


وما شاهدناه يي عرب هذا الخبل من الغرائب ركويم على البقر وحمل 
اهوادج عليهاء وإناختها عند الركوب والترول مثل الإبل من غير مشقة عليهاء ولا 
عليهم في الإناخة لاعتياد الكل لذلك» ولله في أرضه عجائب وفي طباع الحيوانات 
غرائب. وكذلك الغنم لا يسوقوفا إنما يسير صاحبها أمامهاء قلت أو كثئرت» 
وهي تتبعه» فإذا أمهل في السير أمهلت» وإذا أسرع أسرعت» وإذا حرى حرت» 
ويأي أحدهم بالكبش إلى السوق وهو يتبعه مثل الكلب المعلم. 

ثم ارتحلنا من سلوك وتنكبنا طريق الخبل لوعرها وسوء خحلق أهلها 
وتلصصهم على الحجاج» وسلكنا طريق السروال عن عين الخبل» وهي مسافة 
سبعة أيام لا ماء فيها إلا ما غادرته الأمطار في قيعان الأرض» ولكن بفضل الله ما 
مرت علينا مسافة يوم إلا وحدنا من الماء فوق الكفاية» ثم طلعنا إلى سفح الخبل 
وتا هناك ثم ارتحلنا من هتاك ورانا ضحى لغرض عن لبعض أمراء الركب ف 
بعض الغرض» ويي قلب أكثر الناس من الإقامة مرض. 

ثم ارتحلنا والبل عن يسارنا ومررنا ضحى عاء يقال له النطاطيف؛ غدير 
كبير» واستقينا منه وبتنا عوضع يقال له الخروبة» وفيه ماء. ثم ارتحلنا وحثنا إلى 
وادي ”مالوس قبل العصر وو حدنا فيه غديرا كبيراء وبات الناس مبسوطين ناشطين 
ونحن ف كل ذلك لم نخل ليلة من سوق مع أعراب الخبل يقدمون منه متعرضين 
لا ركب» ثم ارتحلنا منه ومررنا ضحى عياه كثيرة ورييع أف في أودية منحدرة من 
الخبل نالت منه الإبل فوق الحاحة» وسرنا يومنا إلى الليل» وعند نزولنا حاءت 
قافلة من الأعراب تحمل ثرا كثيرا قدموا به من سيوى!؟ يريدون بيعه» وصادفوا 
حاجة الناس إليه» وأحذ الحجاج منه كفايتهم لصوم رمضان بأرحص سعرء وذلك 
فضل من الله ونعمة» (والله ذو فضل عظيم)۴۱. 

وتمر سوى من أحسن التمار لم نر من يوم خخروحنا من تافلالت ترا يشابه 
تمرها إلا هذا لونا وطعماء وهذا أنظف منه وأنقى لأن عادقم أنهم لا يحملونه إلا 


(1) سوى: سماها ابن مليح سيوة» وهي مدشر عظيم على ربوة مرتفعة: أنس الساري والسرب» ص: 37. 
)2( آل عمران: 174. 


- 203 - 


في قفاف من العزف!؟ تسع كل واحدة قريبا من نصف قنطارء ويجعلون ها معاليق 
تعلق بها على أقناب الإيل» فيحمل احمل منها (اني)© عشرء أو أكثر أو أقلء 
على حسب صغرها و كبرها وقوة الإبل وضعفهاء وتلك صنعة عجيبة يبقى التمر 
على حاله نظيفا ولا يحتاج مشتريه إلى غرائر للحملان» وليت أهل مغربنا يفعلون 
مثل ذلك. 

ثم ارتحلنا من هناك وجئنا ظهرا لقصر المخيلف ووحدنا فيه مياها كثيرة في 
مآحل» ووجدنا به حابيتين متلاصقتين مبنيتان۴ بالحجارة المرصوصة بناء متقناء 
وكل واحدة طوطا نحو المائة ذراع في مثلها وقد تعرضتا لأفواه الشعاب وجمعتا من 
الماء ما تبحر وكاد أن يتفجرء وأخحذ الناس منه حاحتهم وتوضؤوا. وهذا القصر 
من أعظم القصور الخالية الي بقيت رسومها في تلك البلاد» وفيه أثر مسجد 
ومئذنته باقية إلى الآن» وليس فيه ماء حى» ولو احتسب أحد من الولاة بحفر بثر 
فيه لكان فيه أعظم الأحر لأنه في حل بعيد من الماء من كل الجهات» وقل ما يسلم 
الحجاج في أيام الحر من شدة تقع لهم بسبب العطش في ذلك انحل أو قريبا منه. ثم 
تحاوزنا ذلك امحل ولم نبت إلى المغرب» واستهل لنا في تلك الليلةء وهي ليلة 
الخميس» شهر رمضان المبارك» وصامه من أراد صيامه» وأفطر من حاف أوامه 
وليس على كلا الفريقين ملامه. 

ثم ارتحلنا غدا ونزلنا أمام الغزيات» وهي قرية خالية مشرفة على واد كبيرء 
وفيها مآحن كبيرة. ثم ارتحلنا من هناك ونزلنا قرب التميمى ضحى ولم نصل إلى 
مورد التميمى لأن الله أغن عن مائه الأحاج ببحار من الغدير ف أعلى الوادي 
متصلة في صخور منقورة وبرك من صنعة الحبار بالماء الحلو معمورة وبات الناس 
يما وحاءهم المتسوقون من درنة بالطعام الكثير واللحم السمين» ودرنة مدينة على 
ساحل البحر يها مرسى» بينها وبين التميمى مسافة يوم ونصف من غريبه» وكانت 
حالية منذ أزمان إلى أن عمرها الأندلس قرب الأربعين والألف» ولم يزالوا يما إلى 
أن بطرواء فأنشبوا الحرب بينهم وبين أمير طرابلس» فأخرجهم منها صاغرين بعد 
وقعة قتل فيها مئون من أشرافهم» وهي الآن في طاعته» وفيها عامله المستولي عليها 


(1) العزف: ليف الدوم: عامية مغريية. 
(2) زيادة من ط. 
(3) كنا في خ وط. 


- 204 - 


وعلى عرب الخبل الحاج محمود. ومرسى هذه المدينة عجيبة تترل بها السفن الجحائية 
من الإسكندرية ومن طرابلس ومن بر الروم» سيما حزيرة كندية فإن بينها وبين 
درنة مسافة يوم في البحر لاما( في مقابلتهاء والمعاش في هذه المدينة متيسر كثير 
لجمعها بين البادية والحاضرة وهناك بلغنا حبر الوباء بأرض مصر والإسكندرية 
نسأل الله أن يكفينا شره وأن يدفع عن العباد ضره. 

ثم أقمنا بعد ذلك يوما هناك أزال الناس من أدرانهم واستراحوا في أبدامي 
والله يبلغ على ير. وكنت أفطرت يوم إقامتنا ولام بعض الإخوان على ذلك و 
قال: ما حملك عليه إلا الشهوة. فقلت له ما قال بعض المشايخ: إذا وافق الحق 
الشهوة فذلك الزبد بالشهد. و قال: إنك ممن يقتدى به فإذا رآك الناس أفطروا 
وأدى ذلك إلى هتك حرمة الشهر. فقلت: إن الله تعالى هو المحرم» ولم يحعل هذا 
الشهر حرمة في السفرء وحرمة الشهر» و الحمد للهء معلومة بين المسلمين لا يزيلها 
إفطار مفطر ولا يزيدها صوم صائم» ومن يقتدى به هو الذي ينبغي له الإفطارء 
وإن لم يتضرر بالصوم لأن كثيرا من الناس يعتقدون حرمة الإفطار أو قبحه 
فيحتملون من ذلك مشقة عظيمة حسبما شاهدت ذلك مرارا فى كثير من الأسفار 
المندوبة فضلا عن المباحة» فإذا رأوا من يعتقدون فيه الخير سهل عليهم الإفطارا 
وعلموا إباحته وأولويته لمن شق عليه الصوم» واستدللت بغير هذا من الأدلة. 

ثم ارتحلنا من هناك وت ركنا منهل التميمي عن يسارنا إلى أن وردنا عين 
الغزالة ظهراء وهي عين من الماء العذب فيه بعض ملوحة تصب في بحيرة منقطعة 
عن البحر يدور بها القصب من أكثر حهاتماء ويس في برقة كلها ماء يجري إلا 
هذا. ثم تحاوزناها بأميال فبتنا ف أرض طيّبة كلها منقسمة بتخرم الحرث وآثار 
البناء متصل بأطرافهاء وعن ينها شعاب تنصب من الحبل وكأما كانت مجاري 
السيل» ويقسمه أهل تلك الأرض على مزارعهم. 


(1) في ط: فإنها. 
(2) في ط: الفطر. 


- 205 - 


غريبة: 

وق الخد منه مررنا عن يسار الطريق ببيت منحوت في الحجر الصلد طوله 
عشرون ذراعا في مثلها وبداخحله بيت آحر نحو نصفه» وفيه غرف صغار كأنفا 
مخازن» وكل ذلك منقور في الحجر الصلد نقرا عجيبا مربعا كهيئة أحسن ما أنت 
راء من البيوت وباب مربع كأحسن الأبواب» وعند الباب حجرة واسعة منقورة 
في الحجر أيضا فتعجبنا من حسن صنعتها وإتقاففاء وتدبرنا قوله تعالى: (وتنحتون 
من الخبال بيوتا)"» وقد ذكر العبدري هذا البيت وأحاد وصفه©. 

َم سرنا يومنا ذلك وعدلنا عن طريق دفنة ينا وبتنا عوضع يقال له المدور» 
وفيه مآحل كثيرة تملوءة اء المطر» ثم ارتحلنا منه وبتنا مقابل دفنة» وهي منهل على 
ساحل البحر عر عليه الحاج بالصيف وعند قلة الأمطار» ثم ارتحلنا من هناك ومررنا 
عوضع يقال له الغريض وفيه مآحن ومزارع محروثة» وطلعنا سطح العقبة وبتنا بى 
ثم ارتحلنا منه وسرنا في سطح العقبة وهي أرض مستوية لا علم فيها إلا آثار الأبنية 
القديعة وبعض آثار المزارع» ونزلنا بفم العقبة الكبرى» ويي سطح العقبة قبر يزار 
يقال لصاحبه سيدي عزيز» وهو من عرب "مالوس يأتيه الأعراب بإبلهم وغنمهم 
فيمرون ها بين كومين هنالك۴» ويزعمون أن من مر ها هناك لا تصيبه آفة في 
تلك السنة» ويقتدي يم بعض الحجاج يي ذلك. 


لطيفة: 


أرض برقة منقسمة في عرف أهلها على أقسام» أوًا من حسان إلى ما وراء 
الأحمر بيومين يسمى سرت» ومن هناك إلى قرب المنعم يسمى برقة البيضاء ومن 
هناك إلى سلوك يسمى برقة الحمراى ومنه إلى التميمى يسمى الخبل الأخضرء ومنه 
إلى العقبة الكبرى يسمى البنطان» ومن العقبة الكبرى إلى الصغرى يسمى العقاب» 


(1) الشعراء: 149. 
(2) رحلة العبدري» ص: 82. 
)3( في ط: هناك. 


- 206 - 


ومن العقبة الصغرى إلى الإسكندرية يسمى العقبة الصغرى. وقد ذكر العبدري 
تقسيما غير هذا حار على اصطلاح أهل زمانه©. 

ثم ارتحلنا من فم العقبة وانحدرنا منها يي منحدر صعب مشرف على البحر» 
ثم نزلنا ذلك اليوم عاء يقال له بقبق» وهي أحساء كثيرة في رملة بيضاء في سفح 


غريبة: 

مررنا بهذا امحل سنة أربع وستين فوحدنا فيه سفينة للنصارى قد حرئت في 
ذلك امحل» وهو محل صعب على السفن يسمى حون العقبة» قلما تدخل فيه سفينة 
وتسلم» وبعد أن تحاوزنا ذلك انحل لحقنا نصران من أهلها وتزيا بزي المسلمين» 
وكان يحسن العربية فقال: إن من إفريقية حئت ي هذه السفينة الى حرئت وهى 
للمسلمين» وبقي معنا في الركب يحسن الناس إليه بالطعام والشراب حي وصلنا 
الإسكندرية ودخل إلى سفن النصارى» و لم يتفطن له أحد أنه نصراني حى وصل 
إل > وبقيت سفينتهم في ذلك انحل إلى أن أدركنا رسومها في هذه السنة. 

ثم ارتحلنا من بقيق ونزلنا مقابلة ماء يقال له القتبل» وفي الغد نزلنا على ماء 
يقال له خماس» وقريب منه خر يقال له الفوار» وهاتان المرحلتان كلتاهما فيهما 
آثار الأبنية المنصلة حدا حي لا يكاد يخاو ميل واحد من البناء والبقاء لله وحده. 


ثم ارتحلنا منه ومررنا عاء آخخر بقربه طيب يقال له حلق الضبع» وفوقه غدير 
كبير في اصل حبل صغير قل ما يخلو من ماء الغديرء وما نزلنا إلى موضع يقال له 
قبر العاصي فيه قبور معلمة بأحجار وحشب. ثم ارتحلنا منه ومررنا عماء يقال له 
العبدية» وهي بئر كبير مطوي بحجر ف سفح حبل يترل إلى البسيط الذي فيه ف 
منحذر صعب كان أحق باسم العقبة الصغيرة من المكان المسمى به إلا أن العقبة 


(1) ساقط من ط. 

)2( قال العبدري: " وبرقة الآن عند الناس اسم أرض لا اسم مدينة» والمغاربة يسمون بها ما ردت عين 
أقيان من غربي أجدايية إلى الإسكندرية» وذلك نحو من من أربعين مرحلة» وأما عرب تلك الأرض فإني 
رأيتهم لا يسمون بها إلا ما رد الحصوى ششرقا إلى أرض برنيق غرباء وهو الغابة» وما حاذاها من الساحل 
ومن القبلة ويسمون ما رد الحصوى إلى العقبة الكيدرة البطنان» ومنها إلى الإسكندرية» لا ينكرون إلا 
العقبتين» وذلك مسيرة عشرة أيام" أنظر: رحلة العبدر ي» ص: 87- 88. 


- 207 - 


لما كانت في حلب ذاهب في البر عينا لا غي لأحد عن المرور به اشتهر ا مهما 
وهذا إنغا هو على شفير البحر لا كر به إلا من سلك ساحل البحر» وبإزاء العبدية 
ماء آخر يقال له مطيريح مصغراء وهو آبار متعددة قريب ماؤها ثي بسيط من 
الأرض ذي قطف كثير يشرف على ذلك البسيط حاحب شبه حبل صغير فيه 
بيت منحوت في الحجر شبه الذي ذكرنا في البطنان» إلا أن هذا أصغر منه» وبعده 
ماء آحر يقال له مطروح مكبراء وكان فيه نزولنا ظهراء وسقى الناس إبلهمء 
وكانت قبل ذلك لا تشرب لكثرة العشب الرطب» والإبل إذا وحدت الكل 
الرطب لا تشرب ولو أقامت ما عسى» وما أذكر أن إبلنا شربت الماء الى من 
قبل دخوها إلى طرابلس حي وصلنا هناء وأغرب من هذا" أنا عددنا للإيل سنة 
مس وستين من يوم دخولنا مصر آيبين إلى أن حرجنا لبرقة وبلغنا الحايية تسعين 
يوما م تشرب ماء حى قرب الصيف ويبس العشب وصار هشيماء وكذلك هذه 
السنة لم نر شدة الحر والجذب في الأرض إلى هذا المكان» وأما قبل ذلك فقل ما 
يخلو لنا يوم من ماء مطر و كلا فوق الحاحة. وقدمت معنا غنم كثيرة من ابل 
الأحضر حلبها التجار إلى مصر فما كانت غنمهم تجوع ولا تعطش» وأنعم الله 
على الحجاج عرافقتهم لا تخلو لهم ليلة من شراء لحم بأرخص تمن سيما الي أصابها 
الحفاء© أو كلت عن المشي لسمنهاء فيشترى ذلك بثمن بخس. 


وبرقة في هذه السنة قد أنعم الله على وفده فيهاء دخلوها في فصل الرييع 
فصادفوا ماء ومرعى» وقل ما تخلو لهم ليلة من لحم وسوق» إما مع عرب 
يصادفونمم» وإما مع المنتجعين معهم أو التجار الذين انضافوا إليهم إذ لا يقدرون 
على المشي وحدهم فهم يتحينون قدوم الحاج حى يذهبوا في حفارته» (ولله العزة 
ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون)(۴. 


لطيفة: 


ولا اشتد الحر كانت الغنم لا تقدر على المشي قائلة فيسوقها أصحاها آخر 
الليل فإذا اشتد الحر قالوا يما حي يلحقهم ال ركب عند هبوب الرياح وبرد الهواء 
(1) في ط: ذلك. 
(2) الحفاء: رقة الحافر: لسان العرب: حفى. 
(3) المنافقون: 8. ١‏ 


- 208 - 


فيسيرون معه إلى المترل» ولما قربنا من العمران وتخوفوا أن يذهبوا وحدهمء اكتروا 
جماعة من الحجاج نحو العشرة يذهبون معهم عكاحلهم آخر الليل ويتقدمون» 
فأعطوهم شاة لكل واحدء فرعم بعض الناس أن ذلك لا يجوز وأنه ثمن الجا 
وحالفته في ذلك وقلت: إنما هذا كراؤهم يي تقدمهم معهم وحملهم السلاح معهم 
حشية أن يقتطعهم أحد قبل وصول الركبء والجاه إنما هو لل ركب لا لمؤلاء 
الجماعة المتقدمين؟ إذ لو لقيهم أحد لم ينفعهم جاه ال ركب وهم غائبون عنه إلا أن 
يقاتل عنهم من معهم من الرماة» وقد أفى الإمام ابن عرفة في بعض مرابطي 
إفريقية تمن كان يذهب مع القوافل بحواز أذ الجعالة منهم» وقال إن ذلك عوضا 
عما كان يعطله من منافعه أيام ذهابه معهم» وأحرة على خخطاه ومشيه لا على 
حاهه كما نص عليه غير واحد من أصحابى فهؤلاء أحدر بالجواز من ذلك. 

ثم ارتحلنا من مطروح ونزلنا دون ماء يقال له المدار» وبالغد وحدنا دونه 
غديرا في رؤوس الشعاب أخذنا منه حاحتنا ولم نمر بالمدار» ونزلنا العقبة الصغيرة 
آخر ذلك اليوم» وبتنا على سانية هناك( بعيد ماؤها م ينتفع منها بشيء إلا من 
وصل الخبال بالحبال واستعمل يي حذيمها يديه معا على التوال. وقي الغد ارتحلنا 
ونزلنا على ماء يقال له جميمة» وهي أحساء كثيرة في رملة بيضاء قريب ماؤها 
طيب طعمه من أحسن الياه» وأقام الناس يما يوما لسقي الاء وشرب الإبل» وبات 
الحجاج ليلتهم وظلوا يومهم يخوضون في أمر الوباء لما تحققوه في الإسخندرية 
وما بإزائها وي البحيرة ورشيد» وتحير الناس في أمره» فمن بين شديد الفزع مظهر 
املع يقول: نعطف من هنا ينا إلى أوحلة ونقيم ؛ يما حي يذهب الوباء» ولو فاتنا 
الحج» ونحج من قابل» وبئس ما رأى» ومن قوي القلب معتمد على الرب» يقول 
(لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المومنون)1!» فنحن 
بين إحدى الحسنيين» إما السلامة وحجة مبرورة» أو الشهادة و رحمة منشورة لأننا 
مضطرون إلى الدخول بقصد الاحتياز لا بقصد الإقامة» ولا طريق لنا إلا من 
هناك والإقامة وإن قوي عليها البعض فالخل لا يقوون. 


)1( في ط: هنالك. 
(2) في ط: بالإسكندرية. 
(3) التوبة:51. 


- 209 - 


ومال أكثر الناس مع صاحب هذا القول» وي أثناء ذلك أنشأت هذه 
الأبيات متوسلا إلى الله بأحب ما يتوسل به إليه أن يكفينا ما يتقى من الشرورء 
حصوصا هذا الأمر المذكور» وتقبل الله دعاءناء وكفانا شر ما أمامنا ووراءناء 
وتلك سنته!؟ فيمن التجأ إليه» ولم يجعل معوله إلا عليه» نسأل الله سبحانه وتعالى 
كما حعل بيننا وبين هذا الأمر أقوى خنة» أن يكفينا كل هول دون الجنة بحاه من 
توسلنا به إليه قي هذه الأبيات» وإنما الأعمال بالنيات» وإن لأرحو من كرم الله 
تعالى» كما تقبل توسلنا وبلغنا فيما طلينا منه سؤلنا وأظهر صدق إحابة دعوتنا في 
أنفسنا وأهلينا وأحبتناء وأعطى من حضر معنا منهم ومن غاب أحسن ما أمل من 
المنح والرغبات» فكذلك عن بحوده وإحسانه وعظيم امتنانه بإحابة دعوتنا وقبول 
رغبتنا يي دفع عوارض الوقت المؤدية - لولا في لطفه - إلى عظيم المقست» 
وتبديل أنواع الشرور بأصناف السرور» ويرد كيد من كاد المسلمين ف نمحر 
ويغرقه بسوء تدبيره في لج بحره» وينشر عافيته الدينية والدنيوية بين العباد» ويعم 
بالأمن والبركة كل البلاد» ويعلى منار السنة والجماعة» ويخمد نيران البدعة 
المشاعة» ويتولانا عا تولى به الصالحين من عباده» متوسلين إليه عن ذكر فى هذه 
الأبيات من أهل وداده. 

وها أنا أمد يدي قائلا: يا من لا يخيب سائلاء ولا عنع قائلا» يا من أملته 
راحياء وناديته مناحيا: 


[سريع] 


يا حي يا قيومٌ يا ذااللجلال ‏ صّل على محمد ذي الجمّال 
سَلم علي هو وارْضَ عن آله وص كبه أفضل صب وآل 


واغقِرٌ لهذ العو أوزَارَةُ 
و 

ركز لأعرناعلى دمره 

وبلغ الأمول مين حجة 


وتسر الأؤبة للأفلفيٍ 


)1( في 35 مدئة. 


وركوفي حال و وا مال 
وحطة في دين وديا ومال 
وزورة ماالمرام نشال 


عاقيةليس ها من زوال 


- 210 - 


وككنئ داو عمأبدا 
و اهمع بفضل منك مابيتنا 
باأطنطفى والرشل طُرا ومن 
إنارجوناك لتيل النى 
لا بِيما هذا الوباءالذي 
وطهر الأرض بفضلكَ ين 
فطَعَةٌ قد فاق طعْبّالقفا 
لكل لأناإلى 
يارب بالأسماء بالذات بال 
بكل ما أنزلت من كب 
باللوح بالقلم بالعرش بال 
يارب بالمخجار خير الورى 
بالصحب والآل وأزواججه 
بالعلاماء العاملينَ ن 
من سالك أو عابود زاههد 
مغل أويس القريا! ومن 
مغل الوه ومشايخه 


في الحمد والشكر وصدق الرضا 


حال إقامةٍ وحال ارتحال 
وین من موی على خير حال 
أحَييّكَةُ من النساء والرجال 
ودفع ما قد يُتقى من وبال 
ماما جل له بانتققال 
رجز يُنيق الخلق من النكال 
والضرب بالسيف وززق النصال 
سيدنا فهو سريع الزوال 
أملاك بالرشل بأل الكمال 
بكل ماأؤْدعْعهامِن مَقال 
محمو قل ةأمْل الوصال 
هذبت رامن ذميم الخجلال 
أو ودع أو عارفي ذي اتصال 
يهشي على منهاجه باعدال 
وصح ومن لهم خير تال 


والجلم والصير وأكل الجلال 


(1) أويس بن عامر المرادي القرئي ذو المناقب الشهيرة» توفي في وقعة صفين: شذرات الذهب 46:1. 
سير أعلام النيلاء 4. 

(2) أبو القاسم الجنيد بن محمد النهاوندي» ولد ونشأ في العراق» إمام متصوف» توفي سنة 297 ه: 
الرسالة القشيرية» ص: 340. شرف الطالب» ص: 46. 


- 211 - 


كالشيخ عبد القادر المرئضى 
وكالإمامالشافذليا© الذي 
بكل أصحبهما مَنْ مضى 
بالدوي بالدشوقي" بن 
بالحتتمي بالرفاعي|۴ گن 
بق ب ذا الوقت بأوتادو 
سكن وأمن روعة الناس من 
كم كرب ةفرجتهاعنتهم 
يارساحخطناوكن معنا 
وارحَمْ جميع الخلق وارأف يهم 
وقت تبرأاناإلى ربا 
عليك يارب اعتمادي فلا 
فل قشكي لله على ف له 
ثم الصلاة والسلامٌ على 


(1) تقدمت ترجمته. 
)2( أبو الحسن علي الشائلي المغربي» الإمام المتصوف» توفي بالحجاز سنة 656 ه: لقط الفرائد» ص: 
2 مرآة المحاسن» ص: 259. 
)3( الشيخ أحمد بن علي بن محمد البدوي» العارف الواصل» سكن والده المغرب فولد له صاحب الترجمة 
بفاس سنة 596 هھ ونشأ بها وحفظ القرآن» وقرأ شيئا من فقه الشافعي وحج أبوه به وبأخويه سنة ست 
وستمائة وأقاموا بمكة» ومات أبوه سئة 627 هء فرحل إلى مصر وبها توفي سنة 675 ه: شنرات 
الذهب 345:3. 
)4( إبراهيم الدسوقي الهاشمي الشافعي القرشي» شيخ الخرقة الدرهامية» صاحب الأحوال والمقامات» توفي 
سنة 676 ه: شئراتٍ الذهب 350:3. 
(5) أحمد بن علي بن أحمد» أبو العباس الرفاعي المخربي الأصل» ولد في المحرم سئة خمسمائةء وتخرج 
بخاله الشيخ منصور الزاهدء انضم إليه خلق من الفقراء وأحسئوا فيه الاعتقاد وهم الطائفة الرفاعية ويقال 
لهم الأحمدية والبطائحية» توفي سنة 578 ه: طبقات الشافعية 5:2. سير أعلام لنبلاء 142:21. 


الجيلي القطب يوم الال 
دعاإلى الله بغير اعهلال 
منهم ومن يأت بغير انتفصال 
في السهل منهم أو رؤوس الجبال 
في الشرق والغرب عدم المشال 
بالغرث والأبدال أشل النوال 
هذا الوباءيا شديدالمحال 
وقدغدا تفريجها كالحال 
عن اليمين أبدًا والشمال 
ولا دق وفدك أدى الوَبال 


من كل حول عندنا واحتيال 


أرجو سِواك وعليك اتكال 


والحم لله على كل حال 


مُحمدٍ خير كلام يقال 


- 212 - 


فذلك الجصن الحصين الذي ب وعفِ_وُرالمننبينَ ثقال 


ثم ارتحلنا من حميمة» ويي الغد أتى الناس إلى ماء يقال له العميديين» وهي 
آبار في صخر سافل البحر قد غطى الرمل كثيرا منهاء وعليها حصار مبئ بناء 
محكما ف غاية الإتقان كهيئة أبراج الإسكندرية» إلا أنه قد انمد منه حانب» ولقينا 
عليه أعرابا كثيرة معهم حاكم عرب البحيرة» وأخبرونا عن الإسكندرية أن الوباء 
قد خف فيهاء وأن البحيرة قد كثر فيهاء وأن مصر بفضل الله وحلمه وستره سالمة 
منه. وتقوى عزم الناس على أن يتنكبوا الإسكندرية ويتركوها يسارا ويذهبون إلى 
مصر» وذهب إلى الإسكندرية طائفة قليلة من الناس من هم يما أهل أو بضائع. 
وكتبت من هناك كتاب سلام واستغائة إلى القطب العارف بالله المجمع على 
ولايته واستقامته الشيخ أب العباس المرسي!) من جملة قصيدة توسلت فيها© إلى الله 
سكان الإسكندرية وأمرته أن يقرأها أمام وحهه الشريف» ثم يلصقها في الحائط 
يكين ا محراب فإن هناك أيضا قصيدة لي ملصقة كتبتها سنة أربع وستين» وسيأن 
ذكرها عند ذكرنا الدخحول الإسكندرية في الإياب إن شاء الله ولنذكر هنا هذه 
القصيدة وهى هذه: 
ملاذِي إذا ضاقَت لكربتها نفسي ٠‏ وغوثي أبو العباس سيدا مسي 
رئيس ذوي العرفان في كل بّلدة ووارث علم الشاذلي بلا لبس 
مجبعة ذخحري لكل مُلمة ومني في خوني وني وحُشتي ألسي 
فمن صح من أل السلوك انمساب ٠‏ إليه أيخشى صولّة الجن والإنس 
وان من حى لەمتطفل عليه وما تابعت ملْهجة القدسى 
)1( أحمد بن عمرء أبو العباس المرسي» فقيه متصوف من أهل الأنطس» استقر بمصر وبها توفي سدنة 
6 ه: الأعلام 138:1. 
(2) في ط: بها. 
(3) في ط: دخولنا. 


- 213 - 


عساة بفضل منديجِنبني إلى 
لقد حارٌ فخرا دان من بعده له 
تفرس فيه شيخ ومو صادق 
فقال أبو العباس لو جاءءٌ اموق 
ولأ لبه في لحفة وهل 
وقد قال فيه إنة الرجل الذي 
فأكْرِمٌ ما من قول بلقت به 
لناك اجات وة وجعكة 
ووجهت وهي نوه فطريقة 
فيا سيدي إن ريت زيارة 
وذاكَ ماي لو ظفرت ببعضه 
وكوكت لما عاقني عنك ماترى 
هنيئا لمن قد زار قبرك ميدي 
رضيت بما يقضي به الله مُذَعِنا 
فاي لست عن جماك بخارج 
فكيف أُراغٌ بعد قربك بالعدا 
فأنتَ رئيس الأولياء فكنلنا 
لشف لا له يذهب بشرما 


ويُبلغا مانرتجى من إقامّة 


)1( في ط: الندس. 


هداه ويحميني من الرجز والرجس 
وناهيك من فضل له بان للجس 
تفرس بر صادق القن والحدس 
يبول على ساو في غاية النجّس!" 
يخافٌ امرؤ بعد الوصول من النكس 
غدا كاملا بين الأئمة في الجئس 
إلى رتبةٍ من دونها رتبة الشمس 
ملاذي وإن قصرت في اليوم والأئمس 
شدذت عليها بالنواجد والضرس 
وتمريغ وجهي في ثرى ذلك الرمس 
فكان قضاء الله في ذاكَ بالعكس 
نابي مرقوما على صفحة الطرس 
وكان لأرض القبر بالوجه ذا س 
وإن شفني ما نالني عنكَ من حبس 
وإن كنت في أقصى المغارب ذا نخس 
من الناس طرا أو من اين بالّس 
بفضلك من شر الوبا أعظم الرس 
نخاف من الطاعون يُصبح أو يمسي 


بطيبة بعد الحج والشى للقدس 


- 214- 


ويرجعامن بعد ذا لبلاذزنا بأعظم أجر دون نقص ولا وکس( 
بجاو رسول الله أفضل من أتى 0٠‏ من الله بالتوحيد والصوم والس 
عليه صلة الله ثم ملامُةُ | يكونان لي في وحشتي غاية الأئس 


وتغرس وط القلب من حب خالقي وحُب الرسول المصطفى أطْيّب القرس 

ثم ارتحلنا من العميديين وعدلنا عن طريق الإسكندرية عينا قي أرض طيبة 
كثيرة آثار البناء جمة المرعى» وظهرت لنا عن اليسار على ساحل البحر قرية أبو 
صير وصومعة مسجدها إلى الآن ماثلة في المواء» وهي خالية» وبتنا في مقابلة 
الإسكندرية. ثم ارتحلنا من هناك وفارقنا من كان معنا من الأعراب الذاهبين 
للبحيرة ة ومعهم الأمبر يونس الدرازى» وكان ذهب مغاضبا لحاكم بلده إلى درنة 
ثم رحع وحاء معنا خحائفا من الطنادي!6؛ طائفة من السلالمة) ومعه كثيبة من 
إخوائهم البهجة والأبرادء فلما قابلنا) الخوش فارقنا الدرازي ومن معه. ثم قي الغد 
أتينا ضحى إلى وادي الرهبان ونزلنا به» وهو وادي كبير ذو رمل» وفيه فسلان! 
نخل» وماؤه كثير. ولا نزلنا واشتد الحر وكان الماء بعيدا منا فأردنا الذهاب إلى 
الماى ثم إنا بحثنا في الرمل بإزاء ححبائنا فوحدناه ثرياء ثم تابعنا الببحث نحو ذراع 
من شاء سقي الإبل وغالب الناس سقَوها هناك وكان ترولنا بهذا الوادي يوم 
الخميس الثاني والعشرين من رمضان. وهناك أنشأت أبياتا متوسلا إلى الله 
ومستغيثا به من في مصر من الأولياء ف دفع شر الوباء سيو لضيق القلوب وترادف 
الكروب من شأنه على الحجاج وعلينا معهم إذ لا شيء أحب إلى الإنسان من 
نفسه» فإذا أحس بأدن شيء يكون فيه إتلافها فلا تسأل عما يلحقه من ازع 
والفزع» سيما مثلنا تمن استولت الغفلة على قلبه وغلب عليه حب البقاءء ولم 


(1) الوكس: التقص: لسان العرب: وكس. 

(2) في ط: الدرائي. 

)3( الهنادي: قبيلة قم بمصر: معجم قبائل العرب القديمة والحديثئة 196:1. 

)4( في ط: فارقناء 

)5( لفسلان: : جمع فسياة؛ وهي الصغيرة من النخل» والجمع فسائل وفسيل» والشئلان جمع الجمع: لسان 
العرب: فسل 


- 215 - 


يشعر قلبه أن طلب البقاء في محل الفناء ضرب من الهوس» وما ذاك إلا من ضعف 
يقيننا ومحبتنا في الله ولو أحيبناه لأحيبنا لقاءه» فإن الطاعون» وإن كان رحزاء فهو 
شهادة» وحب الشهادة من الإعان» إلا أن الاستيناس بضوء هذا العالم وشدة ألفة 
الروح الى هي من العلم" العلوي بالبدن الذي هو من العلما* السفلي غلب على 
حب الشهادة الذي هو أثر الإعان الضعيف. فنسأل الله أن يقوي قلوبنا ويفرج 
بالتسليم لقضائه كروبنا حى لا يكربنا إلا ما فيه الإثم» ولا نفرح إلا برضوانه 
الذي هو غاية الغنم. اللهم طيبنا للموت واحعل فيه راحتنا يا أرحم الراحمين» 
وهذا مطلع القصيدة: 

[بسيط] 


0 


الحمذ لله حمْدَ من بلي فدعاة 
ثم الصلاة وأفضل السلام على 
محمد اللصطفى وآلو وعلى 
و رضي الله عن كل أئمضا 
أهل المذاهمب أر باب المواهب أ 
ممم توس كنا ذه يحفففا 
يا سادة الناس يا أهل الولاية يا 
إنالنقرع باب الله حافظا 
يا أيها الشافعي الحبر عبدكم 
ملك من بع االجارٌ فجاركم 
لك التصرف في هذي البلاد فلا 


والشكرٌ لله شكرٌ من إليِهٍ سعى 
أفضل من نمام الوافدينَ رَعى 
أصحابو وع من له تعا 
من أظهروا ديه وأجمدوا البدعا 
ل النفع والدفع غوث المرء إن جزعا 
من كل وء ويُولينا الذي تفعا 
من لا يُخَيبُ من في برهم طمعا 
بكم وما خاب من لابه قرعا 
إلى جماكم مخافة الردى نزَعَا 
من كل سوء بفضل الله قد معا 


يخيب عبد لغيث جودك انتجعا 


(1) في ط: العالم. 
(3) في ط: فزعا. 
(4) في الأصل: للإله. 


- 216 - 


فاحم أجر وأغث عبدا لبابكَ قد 
يا أهل مِصرَ قد اشتقنا زيارتكم 
وفيكم من رجا الله طائففة 
لو أقسمُوا لأبر الله عن عجل 
ألا اشْفعُوا فلع ل الله يرضغفه 
يا أيها السيد ارسي وتلميذة 
يا سادة الريف يا أهل البساطٍ ويا 
يا سيدي البدوي والدسوقي ويا 
إنا ناديكُمُ في كل اة 
كم كربة ضاق قلبأ المستجيرٍ يما 


صلى الإلهُ على اهادي وعثرته 


حَث الركاب ول يغبأ يمن دنا 
وقد معنا ما في أرضِكم وقّعما 
قد لازموا الصدق والتفويض والورعما 
قسمهُم وأزال الرجز والوجعا 
بفضلكم فلأنتم خيرٌ من شغعًا 
العَرّشي ومن نورةٌ بالنغر قد سعطعا 
أهل القرافة قد ناديتكم جمعا 
سيدنا الحتفي يا غوث من فزعا 
ومثلكم لنداء العد من سّمعا 
فَرَجتمُوها فعاد الضيق معا 


صلاة عبدٍ مق خاف الكروبً دعا 


وإنغا سمي هذا الوادي وادي الرهبان لأن فيه رهبان النصارى يتعبدون ف 
ديور أربعة» كل طائفة في دير» ولا يدخحل إليهم أحد من غير حنسهم» وليس هم 
زرع ولا ضرع» وأهل الذمة من النصارى الذين عصر يعاملوفهم ويبعثون إليهم 
بالنذور والصدقات من الطعام والكسوة» ولم نصل إلى محل هؤلاء الرهبان» بل 
بيننا وبينهم رؤية العين» ومن هناك تمر الطريق الي تأي من مصر إلى أوجلة» ولا 
قيأنا للرحيل حاء شيخ عرب البهجة وحذر أمير ال ركب من عرب هذا البلدى 
وأحذ الناس حذرهم منهم» وهم عرب سوي بل عرب السلالة كلهم لا حر 
فيهم» والسلالمة طوائف ثلاثة» الطنادي والبهجة والأفراد» وهم الذين يسكنون 
أطراف البحيرة إلى الإسكندرية إلى ما بين العقيق» وهم كثيرون» وانضاف إليهم 
كثير من عرب برقة وطرابلس ممن يفر من حور عمال طرابلس وممن يرغغب في 
سعة العيش من متفقرقم كالخوائس!؟ وبعض هوارة والفواخر وغير ذلك من 
طوائفهم» وهم تارة يذعنون ويدعون طاعة السلطان وتنام الأحكام فيخحف 
(1) في ط: الجوايس. 


-217- 


ضررهم» وتارة ينقضون (وينكنون)"» وقد ألقى الله العداوة يينهم في هذه الأواخر 
فيستحيش طائفة منهم على الأخرى بالترك» وتستعين يهم حى يكاد يجلوفهم من 
البلاد ثم ترحع الطائفة الأخرى إلى الطاعة وتستميل وجوه التند على الآخرين 
ويفعلون بم مثل ذلك» والترك لا يبالون عا أضعفوا وأوهنوا أي الفريقين لشدة 
شوكتهم على الحميع» والدولة الآن في هذا الوقت مع النادي» ومن انضاف إليهم 
من المغاربة وضعف أمر البهجة والأفراد» وقد فرح الحجاج عا نال هؤلاء الأعراب 
من التفرقة والضعف فإفهم في سنة مس وحمسين قد عارضوا ال ركب فيما بين 
العقبتين» وأمير الحجاج الحاج عمران» وعزموا على مُبهم» فلما علم الحجاج 
بذلك نزلوا وباتوا» فلما كان عند طلوع الشمس حاؤوا بخيلهم ورحلهم» 
وأحاطوا# بال ركب» فصبر الحجاج صبر الكرام وقاتلوهم أشد القتال» وققل 
الحجاج بعض خيل الأعراب وحرح كثير من الفريقين#» وكان في الركب جماعة 
من حجاج أهل تادلا نحو الأربعين صعلوكاء فصدقوا القتال» ولولاهم مع لطيف 
الله كاد الركب أن ينهب على ما أخبروناء فلما أيس العرب منهم وعلموا صبرهم 
على القتال انصرفوا عنهم وقالوا: ظنناكم تحاراء وهم كاذبون» ثم ارتحل الحجاج 
وكفاهم ا شرهم» ومن ذلك لوقت ل تنم عرب السلالة قائمة بوكة الرسول 
صلی الله عليه وسلې وسلط الله عليهم الترك يطردونهم كل مطرد» وقتلوا منهم 
مقتلة عظيمة مرارا متعددة» وهم الآن يهابون الركب بعض الفية لعلمهم أن مأ 
أصاهم إنما هو ببركة الحجاج» وقد حرت عادة الله تبارك وتعالى» وله أعظم حمد 
وأحل شكر في ذلك بأن لا يهمل من تعرض ركب الحجاج؛ وفد الله ووفد 
رسوله؛ فيترل يهم من البلاء عاحلا ما يتعرفون به بركتهم ويكفهم عن معاودة 
أمثال ذلك» وقد شاهدنا ذلك في قوم كثيرين من أهل برقة وإفريقية والمغفرب» 
ولولا فضل الله على الحجاج ورحمته مم بالانتقام تمن رامهم لتعطلت طريق الخاج 
منذ أزمان حصوصا حجاج المغاربة لضعفهم وقلتهم وبعد الشقة عليهم» فكم من 
قصر ومصر وإقليم يقطعونه بلا عسكر ولا عدة ولا عدد ولكن: 

[بسيط] 


)1( زيادة من 58 
(2) في ط: فأحاطوا. 
(3) في ط: الأعراب. 


- 218 - 


وقاية الله أفّت عن مضاعفة من الدروع وعن َال من الأفي!" 


نسأل الله تبارك وتعالى بحوده وإحسانه العميم وبركة نبيه الكريم أن يحمي 
وفد بيته عا به حمى بيته» وينصر زوار رسوله عا به نصر رسولهء وأن لا قط 
الطريق بيننا وبين تلك الأماكن المشرفة والبقاع المطهرة» فما دمنا نرى في كل سنة 
طائفة تمن قدم تلك المعاهد وورد من تلك الموارد» وتشرف برؤية البيت العتيق 
والمسجد الحرام» ووقف بالمشاعر ونسك المناسك العظام» وصلى بين قبره ومنيره» 
عليه السلام» وزار محله الشريف ومحل أصحابه الأعلام» فلا نشك أن مدد ذلك 
يسري في أدياننا وبلادنا وأبداننا وسائر متعلقاتنا. ولو انقطعت رؤيتهم» ونعوذ 
بالله من ذلك» لاخحتل النظام وانقطع الخخير بين الأنام. 


ولا ارتحلنا من وادي الرهبان انحدرنا مع الوادي على حانبه حي حاوزنا 
مقابلة وادي اليطرون» وهو وادي فيه معدن اليطرون ومنه يحمل إلى مصر وغيرهاء 
ثم تركنا الوادي عينا وعدلنا مالا وسرنا ف أرض مسترملة لا كلا فيهاء وبانت 
الإبل تلك الليلة م تأكل شيئا. وقي الغد ارتحلناء وقبل الظهر تراءى لنا بعض قرى 
الريف» فلما قربنا منها تأخر بعض الحجاج» فلحق به فارسان فساياه وا2 
بأحذى يظنانها!©» عبدا لسواده» فصاح ومععه الناس وتصايحواء فاحتمع الركب 
وأتبعهما الناس فلم يلحقوا بمما ورحعواء فسرنا إلى أن نزلنا مقابلة4) المصورية 
عشاى وظهرت لنا قرى الريف» وكان بعضها قريبا مناء فذهب سرعان الناس 
إليها يتجسسون الأخبار عن الوباى فأخبرهم أهل القرى بسلامة القاهرة 
وأحوازها منه» فبات الناس يي سرور كامل ونعمة شاملة» نسأل الله أن يكمل 
علينا ذلكا5, 


ولا كان آخحر الليل بعثنا بعض إخواننا وأصحابنا فتقدموا مع من تقدم إلى 
القاهرة ليرتادوا نا مزلا قرب الأزهر» لأن كثيرا من الحجاج ينرلون بطولون 
ليقربوا من الرملة محل سوق الدواب وما يحتاج إليه من أمور السفر» ومن كان ذا 


)1( البيت من بردة البوصيري (ضمن مجموع مهمات المتون)» ص: 56. 
(2) في ط: فسلبوه وهموا. 

(3) في ط: يظنونه. 

(4) في ط: مقابل. 

(5) ساقط من ط 


- 219 - 


تحارة يتزل بالوكائل. ونحن لا نعدل بقرب الأزهر مكاناء ونزول الوكائل لا يليق 
بنا لضيق يوقا ونحن جماعة كثيرة إذ لا يسعنا وأتباعنا إلا منزل واسع كثير 
المساكن حامعا للمرافق» وكتبنا له إلى محبنا وأخينا في الله الشيخ علي الدمشيي 
ليبذل مجهوده قي ذلك. 

ولا أصبحنا ارتحلنا وسلكنا بين القرى و لم نأحذ طريق البر لبعدها. وما كان 
يحمل الناس عليها قي غير هذا الوقت إلا فيضان النيل» فلا يتمكن المارون من 
السلوك فيما بين القرى من كثرة المياه» وقي هذا الوقت وحدنا البلد يابسا لا ماء 
فيه إذ لم يأت وقته» ثم مررنا بالمنصورية ثم بقرية وسيم ثم بغير ذلك من القرى» 
إلى أن نزلنا حارج أنبابة ضحى يوم الأحد الخامس والعشرين من رمضان اللوي 
هسين يوما من يوم خروحنا من بلد سيدي أحمد زروق آخر العمران من عمالة 
طرابلس» ولم تكن هذه المدة كلها مشياء بل فيها نحو الخمسة أيام إقامق» وخلص 
للمشي مس وأربعون يوما من مسراتة إلى مصرء و لم يعهد قطع هذه المسافة في 
مثل هذه المدة إلا في النادر» وأعاننا على ذلك مع تيسير المولى حل حلاله اعتدال 
المواء وطول النهار مع وحود الكلا وشبع الإبل» وكنا نقطع هذه المسافة قبل هذه 
تارة في شهرين وتارة في شهرين ونصف» ورعا مكثنا فيها إذا كان فصل الشتاء 
ثلاثة أشهر. ولا نزلنا بأنبابة تسارع الناس لشراء الفاكهة واللحم وطعام الحاضرة 
لبعد عهدهم بذلك. 

وأنبابة هذه مدينة على ساحل النيل ها أسواق ووكائل ومساحد على هيئة 
ما في القاهرة» وهي بالجانب الغربي يي مقابلة مدينة بولاق بالجانب الشرقي» 
وأقمنا ما يومنا ذلك في أرغد عيش شبعا ورياء وكيف لا ونحن على ساحل النيل 
الذي هو أشرف الأمار الأربعة الخارحة من الحنة» وأثر بركته ظاهرة للعيان فى 
مائه وترابه وقراه ومدائنه بحيث لا يوحد بلد أوسع مزارع وأكثر حصبا مع اتصال 
العمارة نحو الشهر من هذه بيد أنما ها مزيد اخحتصاص عضاعفة الوظائف الحورية 
على الرعية بحيث تملك رقاهقم فضلا عن أمواهم» ولا يجدون عن ذلك حيصاء 
عنعة أو فرار» حى أن أحدهم لو أراد أن يتخلى عن السبب ويترك الزراعة 
والفلاحة الم يتر ه» ولو فر لاتبعوه حي يأتون به أينما كان» حي استفاض عند 
العمال الفسقة أن ثلاثة لا تقبل منهم شفاعة شافع» فيعدون منهم من يريد أن 


- 220 - 


يتخلى عن الزرعة والفلاحة. (قاتلهم الله أن يوفكون)"» لا هم ينصفون ويخففون 
عنهم من المظا ل ولا هم يتركونهم يذهبون حيث شاؤوا يسيحون ف الأرض 
يرزقون كما ترزق الطير بالالتقاط من نبات الأرض وخحشاشها فتغدوا خماصا 
وتروح بطاناء اتخذوا مال الله دولا وعباد الله خولاء (والله من ورائهم محيط) © 
ولا حول ولا قوة إلا بالله. 

وقد ذكر المؤرخون أن مصر لابد أن تشتمل على طائفتين إحداهما في غاية 
العتو والاستكبار» والأخرى في غاية الذل والاحتقار©» وقد صدقوا؛ قد" كان ها 
فرعون وملأه فلم ينته دون أن قال: (أنا ربكم الأعلى)۴» وبنو إسرائيل إذ ذاك 
مستضعفون في الأرض (يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم)۴» ثم لم تزل كذلك» 
وإنا في زمننا بل قبله بأزمان لعلى مئل ذلك الوصف» فبشواتها وصناحقها وولاتما 
وحكامهاء بل وسائر حندها وعسكرها فيما يظهر لنا ليس فيها إلا من أعماه 
حب الدنيا وختم على “معه وقلبه فلا يرحمون ضعيفا ولا يوقرون كبيراء أينما 
بدت7 هم صبابة من الدنيا وثبوا عليها؛ إن كان صاحبها حيا تسببوا له بأدن 
سبب حى يأخذوا ماله» إما مع رقبته أو بدونما إن كان في العمر فسحة» وإن كان 
ميتا ورئوه دون بنيه وبناته» وأما رعيتها وفلاحتها فلا تسل عما يلاقون من اللحند 
من الظلم وما هم فيه من الإهانة والاحتقار تضرب ظهورهم وتؤخذ أموالهم ولا 
مشتكى لهم إلا الله» ومن تحاسر منهم واشتكى ضوعف عليه العذاب الأليم. 

قلت: ولعل (ذلك)۴ لأحل هذه الدقيقة يكثر فيهم الصالحون لأن نفوسهم 
ميتة» قد تربوا على الذل والاحتقار» وزالت الرئاسة وحبها من قلويمم» بل لم 
تسكنها قط فإذا وفق أحدهم لعمل الطاعة والتفت أدن التفات لإصلاح حالف لم 
ببق مانع بينه وبين ذلك لأن أكبر الموانع وأعظم الآفات حب الرئاسة. ومن حال 
في أرياف مصر واستخبر أهلها علم صحة ما ذكرناء ومن لم يحل فليطالع الأخبار 


(1) التوبة:30» المنافقون: 4. 
)2( البرو 30 20. 

)03( في ط: الاستحقار. 

(4) في ط: لقد. 

(5) النازعات: 24. 

)6( القصص: 4. 

(7) في ط: تبدو. 

(8) زيادة من ط. 


-221- 


ف الكتب المؤلفة في ذلك» كطبقات سيدي عبد الوهاب الشعراني» رضي الله عنه 
وغيرها يرى مصداق ذلك. وأخبار مصر وظلم الولاة يما وغش الباعة وحيل 
المتسببين ومكر العاملين أعظم من أن تحصى» ولا غرض في تتبع ذلك» ومن أراده 
فليسأل من وردها يخبره ببعض البعض من ذلك» وأيضا حل ذلك لم نشاهده وإغا 
يجري على ألسنة الناس من أهلها وامحاورين يما وبعض الواردين عليهاء وغاليها لا 
يخلو من كذب ومغالاة» فترهنا أقلامنا أن نكتب ما لا نتحقق علمه ولا يغلب 
على الظن صدقه» سيما إن حلا عن فائدة دينية أو دنيوية» بل كان جحرد ملاحةل) 
أو مفاكهة. 

وبالجملة فمصر أم البلاد شرقا وغرباء لا تستغرب شيئا تما يحكى عنها من 
خير أو شر» ومصداق ذلك ما حدثنيه بعض أصحابنا من التجار في سنة أربع 
وستين قال: لما دحلت© مصر في حدود الخمسين سكنت يي بعض الوكائل» 
وكان من قدر الله أن احتمعنا في محل واحد جماعة منا فلان وفلان تجار وفلان 
طالب علم» وفلان تمن ميل إلى طريق/6 الفقر» وفلان وفلان من أهل امحون» ذكر 
كلا بأسمائهم» قال: فإذا أصبحنا تفرقنا كل واحد يغدو لحاحته فإذا حن الايل 
جمعنا المترل فنتحدث عا رأيناء فيقول التاحر: ما رأينا مثل هذا البلد ف التجارة 
فأهلها كلهم تحار» ويحكي من ذلك حكاية ما شاهد» ويقول الفقيه مثل ذلك 
والفقير مثل ذلك وذو ا حون مثل ذلك وما ذاك إلا لكثرة أحناس الناس فيها فمن 
طلب حنسا وحد منه فوق ما يظن» فيظن أن غالب أهل البلد كذلك. 


وبالجملة فأهلها هم عقول راححة» وذكاء زائد» فمن استعملها في الخير 
فاق فيه غيره» ومن استعملها في غيره فكذلك» وقد ذكر ابن خخلدون في کتابه: 
كتاب منتهى العبر" أن بعض ملوك المغرب سأل بعض العلماء من حج عن مصر 
فقال له: أقول لك فيها قولا وأختصرء من المعلوم أن دائرة الخيال أوسع من دائرة 


(1) في ط: ملح. 

(2) في ط: دخلناء 

(3) في ط: لطريق. 

)4( قال ابن خلدون في رحلته: " وحضر صاحبنا قاضي العسكر بفاس» الفقيه الكاتب أبو القاسدم البرجي 
بمجلس السلطان أبي عئان» منصرفه من السفارة عذه إلى ملوك مصر وتأدية رسالته النبوية إلى الضريح 
الكريم سنة ست وخمسين وسأله عن القاهرة فقال: أقول في العبارة عنها على سبيل الاختصار: عن الذي 
يتخيله الإنسان فإنما يراه دون الصورة التي تخيلها اتساع الخاطر عن كل محسوس» إلا القاهرة فإنها أوسع 
من كل ما يتخيل فيا *: رطة ابن خلدون» ص: 6 


- 222 - 


الحس» فغالب ما يتخحيله الإنسان قبل رؤيته إذا رآه وحده دون ما يتخيل» ومصر 
بخلاف ذلك؛ كل ما تخيلت فيهاء فإذا دحلتها وحدقا أكثر من ذلك. وسثل آخر 
عنها فقال: كأن الناس فيها قد حشروا إلى المحشر لا ترى أحدا يسأل عن أحدب 
كل واحد ساع فيما يرى فيه خلاص نفسه. 

وقد أخبري شيخنا سيدي أبو مهدي عيسى الثعالبي أيام كنت أتردد معه إلى 
مجلس شيخنا شهاب الدين الخفاحي!؟ فقال لي: من لدن دحلت هذه المدينة ما 
رأيت أحدا عشي ف أزقتها وأسواقها على مهل وسكينة وتؤدة» بل كل من تلقاه 
تراه مشمرا حادا ف سيره» إن كان راکبا فراكباء وإن كان ماشيا فماشيا فكذلك. 
فتأملت ما ذكر لي فوحدته صادقاء وسبب ذلك و الله أعلم أمران» أحدها الرغبة 
والحرص المستكن في القلب فيحمل الإنسان أن لا يفوته شيء من أغراضه» وهو 
يظن أنه لو توان ف مشيه لفاته غرض مع كثرة الأغراض وتزاحم الأشغال 
والآحر كثرة الزحام في الأسواق» فكل سوق دخلته تقول هذا أكثرها زحاماء فإذا 
حرحت منه لآخر وحدته مثله أو أشدء وقد شاهدنا الناس في بعض الأسواق تارة 
يقفون هنيئة لا يقدر أحد على أن يتحرك عينا ولا شالا من غير أن يكون هناك 
حاصر هم من أمام إلا الزحام» ورعا رفع بعضهم صوته بالتكبير فیکبرون حى 
يظهر فيهم* بعض تحرك فيندفعون مثل السيل إذا احتمع في مكان ضيق» فيدفع 
بعضه بعضا حى ينفجر من حهة» فسبحان خالقهم ورازقهم وعالم نيام 
وضمائرهم» (يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون) (لا إله إلا هو رب العرش 
العظيم)» ( رب السماوات والأرض وما بينهما)۴» (العزيز الحكيم)١.‏ 


وأخبار مصر وما فيها من العجائب وجميع ما يحتج إليه من أحواها مستوق 
ف التواريخ فلا نطيل بكثير منه» وأحسن كتاب حامع في ذلك مع الاختصار 
كتاب: حسن الحاضرة في أخبار مصر والقاهرة للجلال السيوطى فإنه مفيد حدا 


)1( شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر الذفاجي» المصري الحنفي» فقيه محدث» ولد سنة 98979ه» تولى 
منصب قاضي القضاة يمصر» توفي سنة 1069 ه: خلاصة الأثر 331: 1» فهرس الفهارس 377:1. 
(2) في ط: لهم. 

(3) القصص: 69. 

(4) النمل: 26. 

لله الشعراء: 4 الصافات: 5»> ص: 66. 

(6) البقرة: 129. 


-223- 


ومن أحاد مطالعته لم يفته من أخخبارها إلا المعاينة وأشياء قليلة من العوارض 
المشخصات. 

ولا نزلنا بأنبابة رددنا إبلنا مع بعض أصحابنا وما لا نحتاحه من الأثاث إلى 
قرية المنشية وما بعض أصحابنا من الفلاحين» وقد تعرضوا لنا بالمنصورية» وتلك 
عادة الفلاحين عند قدوم الركب يتعرضونه ويتخذون الأصحاب ليودعوا عندهم 
الإبل ويتركوها عندهم أمد الإقامة طلوعا ورحوعاء وهم كما قيل: الخرص على 
الأمانة دليل!2 الخيانة» فلا ترى أعجب من تلطفهم ولين خطاهم عند نصب شبكة 
الخداع للمغتر من الحجاج فيحلفون بالإعان المغلظة على أداء الأمانة وبذل 
اخهود في النصيحة حي يركن إلى قوم ولو من حرم مراراء ثم عند المفاصلة 
قلما ينفصل معهم أحد بطيب نفس» و من أمثال الحجاج: المال المودع بع وانتفع» 
فالعاقل من باع ما فضل عنه من إبله أو ضاع» وم احتاج اشترى. ولكن رزق 
يسوقه الله للفلاحين من قدم الزمان لا مطمع لأحد ف قطعه» ففي كل مرة تقول: 
مي رحعنا لا نودع عند أحد» فإذا عدنا استترلونا بخلب بارق* من وعدهم 
الكاذب حى نقع في حبائلهم ونتورط في مخالبهم الي يعسر الخروج منها بدين 
سالم وعرض مصون. 

وعندما رحع الفلاحون بالإبل رحع معهم إلى قرى الريف غالب من خخاف 
الوباء من الحجاج فإنا لما نزلنا أنبابة حرج للقائنا من سبقنا في البحر من أصحابنا 
المغارية» وأخحبرونا أن الوباء في محال قليلة عصرء إلا أنه قليل» ومات منه جماعة من 
أهل مراكش القادمين في البحرء فلأحل ذلك رحع إلى الريف من تخوفه وحن 
اعتمدنا على الله وقلنا: (حسبنا الله ونعم الوكيل)» وما حاف ذو حد إذا هو 
حسبلا 

ثم في الخد من يوم نزولنا بأنبابة» وهو السادس والعشرون من رمضان قطعنا 
النيل إلى مصرء ووحدنا النيل ف غاية ما يكون من النقصان» قد انحسر الماء عن 
بقاع كثيرة ف وسطى فكأنه واد من أودية المغرب الكبار. ولما نزلنا عرسى بولاق 
جمعنا أمتعتنا واكترينا لحملافا إلى الأزهر ثلاثة من الإبل. 


)1( في ط: بدل. 
)2( في ط: به رق. 
)3( آل عمران: 173. 


- 224 - 


عحجبييةه : 


وتما يتعجب منه ما يحمله الحمالون عصر على إبلهي» فمن ذلك أنا قطعنا 
معنا عا كانت تحمله إبلنا تسعة عشر أو عشرون» فحملوا كل ذلك على ثلاثةء 
وقد سخر الله تعالى الإبل لهم ونزع الرحمة من قلوهم عليهاء يحملون عليها 
القناطير المقنطرة من الأمتعة وأحمال الحطب والتبن وغير ذلك حي لا يظهر من 
الجمل إلا رأسه» ثم يدخحلوفا السفينة كذلك وينيخوفا فيها بأحماما على ظهورهاء 
ثم يخرحوفا منها كذلك وقد ألفت إبلهم ذلك» وأما إبلنا فلا يدحل منها جمل إلى 
المركب إلا بعد عناء شديد ووثاق وثيق وضرب عنيف وإدارة الرحال ها بعضهم 
يجملهاء وبعضهم يضركا. ولقينا هناك صاحينا الشيخ علي الدمشيي» فجزه الله 
خيرا على صدق محبته وخلوص مودته. 


لطيفة و علي 3 


والشيء بالشيء يذكر» ذكر الشعراني في طبقاته» عن بعض الصالحين نحن 
يسكن في بعض قرى مصر» أنه كثرت إذاية أهل القرية الى هو يما له فعزم على 
الخروج منهاء فاكترى حمالا لحمل أمتعته» فأن حمل فجعل يلقي عليه كل ما 
كان من الأمتعة» فلما أكثر عليه قال له الشيخ: إنك قد ثقلت على هذا الجمل. 
فقال له صي هناك: يا عم إن الجمل يحمل أكثر من هذاء فتفكر في نفسه و قال: 
هذا خطاب من الحق لي» فإذا كان الجمل» وهو من الحيوانات العجم لا يعقل ولا 
يرحو ثواباء يحمل أكثر من هذاء فكيف لا أتحمل أنا أكثر من هذا من إذاية الخلق» 
فحط أمتعته ورحع» فسمع منشدا: 
[بسيط] 
إن الجمال التي بالحمل قد عُرفت202 تأنى العياء ولو مُست من الققب 


- 225 - 


ذكر دخولنا إلى القاهرة" (حفظها الله وأمّتها)2 


ثم دخلنا | إلىا؟ القاهرة ضحى» وم بد دارأ للكراء بقرب الأزهر مع شدة 
رغبتنا في ذلك فطرحنا أمتعتنا بوكالة قايت باي بباب الأزهر الغربي» وجعلنا 

نتطلب دارا للسكين» » فما وحدناها إلا آخر النهار عحل يقال له البردبكية» وحدنا 
هناك دارا واسعة فيها عدة مساكن» إلا أنما بعيدة عن الأزهر بنحو من أربعمافة 
حطوة قريبة من مشهد الحسين» رضي الله عنه» واكتريناها بثلائة وسبعين نصفأء 
ونقلنا إليها أمتعتنا. 

ووحدنا الوباء بالقاهرة كما بلغناء إلا أنه خفيف2) يُصّلى في الحامع الأزهر 
كل يوم على نحو من عشرة» ومن علم حال مصر وما عوت فيها أيام سلامتها من 
هذا العارض یری هذاء مع وجود الوباء» كلا شيء» وقد حكى لي بعض 
الأصحاب أن ن الوباء وقع عصر مرة فكثر الموت حى كان يدفن في اليوم الواحد 
أربعون!6 أله فهمٌ الباشا وأتباعه بالخروج من مصر والفرار لا شاهد من كثرة 
الموت» فلما فشا حبر إرادته الخروج طلع إليه رحل مسن من أهل التجربة والرأي 
فقال له: بلغي أنك تريد الخروج» فما الذي يخرحك؟. فقال©: هذا الموت الذريع 
الذي وقع في الناس. فقال له: وأي موت هناء ابعث ! إلى شيوخ الحومات صر 
يعدوا لك كم من حومة عصر» فبعث إليهم» فعدوا الحومات فوحدوها أربعين 
لاء فقال له ذلك الشيخ: ألم أقل لك أي موت هناك إنما هذا ميت من كل 
حومة» فهو إما عبد أو صبي أو امرأة. فلما مع الباشا ذلك َف عليه الأمر 


(1) في خ: مصر. 
)2( زيادة من 55 
(4) في ط: ضعيف. 
(5) في خ: أربعين. 
(6) في ط: قال. 


- 227 - 


ومن لقيته من مشايخنا قي ذلك اليوم الشيخ عبد الحواد الطريئ » ووجدناه 
قد أسن» وهو مع ذلك ملازم لباب خلوته في احامع كما هو شأنه رضي الله عنه. 
ولقيت أيضاً في ذلك اليوم شيخنا الحمام علم الأعلام؛ وشيخ مشايخ الإسلام» أبا 
إسحاق إبراهيم الميمونف 22 وقد اتر ارم فيما عدا عقلفى وأحذت السن من قواه 
ما ظهر أثره 3 قوله وفعله» ومع ذلك قد متع بسمعه وبصره وبنضارة وجه على 
كبره» دخلت عليه بعد العصر فوحدته يُصّحّح مع بعض الطلبة تأيفا له في مباحث 
تتعلق بقوله تعالى: (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم)!6) الآية» مع آي أخحرى 
أتى فيه بالعجب العجاب» وهّشّ رضي الله عنه للقائنا وبش وطش(6 مزن ترحيبه 
عاء الحبة ورش» وبالغ في التحفي والسؤال عن الأحوال» وأقسم أن لو كان ف 
مترله سعة لما نزلتم إلا عندي إلى أوان الارتحال» وعزم علينا أن نفطر عنده تلك 
الليلة مع جماعة من الإخوان» ففعلنا وبتنا تلك الليلة بالجامع الأزهر لاما ليلة سبع 
وعكشرين) وټ الحقيقة كل الليالي بذلك المسجد كليلة القدر لأنه معمور بائذ کر 
والتلاوة والتعليم آناء الليل وأطراف التهار لا تنقطع منه العبادة ليلاً ولا مار 
صيفا وشتای فهو عدم النظير في مساحد الدنيا بأجمعهاء حاشا المساحد الثلاثة لما 
ها عند الله من أعظم المزايا وأرفعهاء وإن حص هو هذه الفضيلة» فغير مستنكر 
وحود مزية في المفضول ليست في الفاضل» إذ الفضل بوحود التفضيل لا بوحود 
الفضيلة» ولو سلم ذلك ففي الفاضل من الفضائل ما يكون فضيلة المفضول الذي 
اختص ها بالنسبة إليها كحلقة ملقاة في فلاة من الأرض» فبتحقيق هذه القاعدة 
تنحل إشكالات كثيرة في التفضيل بين الأشخاص والأزمنة والأمكنة وغير ذلك. 


ثم قي الخد من يوم دخولنا حضرت بعد صلاة الصبح مجلس الشيخ امحقفق 
العلامة المدقق الشيخ عبد السلام ابن شيخ الإسلام أبي المداد إبراهيم اللقان) 


(1) عبد الجواد بن إبراهيم الطريني» فقيه مشارك؛ كان ملازما للتدريس حسن التقرير» توفي عام 107 3 
هة التقاط الدررء» ص: 156. نشر المثاني 133:2 . شجرة اأنور الزكية44:1. 

)2( إدراهدم بن محمد بن عيسى برهان الدين الميموني» فقيه محدثء» من مؤلفاته: 3 تهذئة الإسلام ببناء بيت 
الله الحرام” توفي سئة 1079 ه: خلاصة الأثر 1: 46.التقاط الدرر» ص: 181. صفوة من انتشرء» 
ص:259. 

(3) هود: 117. 

(4) في ط: أيات. 

(5) طش: طشت السماء رشت: ڏسان العرب: طششس. 

)6( عبد السلام بن إبراهيم بن إدراهيم اللقاني المصدري» شيخ المالكية في عصدره» توفي عام 1078 
ه:التقاط الدرر» ص: 172. صفوة من انتشرء» ص: 261 الأعلام 3 355. 


- 228 - 


يقرئ شرح النقاية!؟ للجلال السيوطي. والشيخ عبد السلام هو وارث علوم أبيه 
والفذ من أصحابه الذي ليس له شبيه» إلا أنه غلب عليه حب الانفراد والنفور من 
العباد» فمن قائل: إن ذلك منه تنسك وزهادة ومن قائل: بطالة وملالة 
والصحيح, إن شاء الله الأول» فلا يدرس إلا في الشهور الثلاثة» رحب وتالييه 
وغالب تدريسه فيها الحديث وما أشبهه. ونما استفدته منه أن المؤمن» ولو كان 
عاصياء إها يحضر خروج روحه ملكان أبيضان منيران هينان لينان» وأنهما يحولان 
بينه وبين الأسودين» وإن كان فاسقاً. واستفدت منه أن الوباء» أعاذنا الله منف 
يحدث في الجسم سمية منها يكون موت صاحبه» ولو برئ في ذلك الوقت فإن موته 
مين كان» ولو بعد مائة سنة) إنما يكون بتلك السمية الباقية في البدن» وهذا عندي 
ما ينظر فيه» إن ورد حَمّن يحب التسليم له فيسلم» > وإلا فالإنسان قد كوت مقتولاً 
أو بشرب سم أقوى أثراً من ذلك الأرل أو بغرق أو حرق أو هدم وبعيد أن 
يكون سبب موت أحد هؤلاء السمية الباقية ف البدن من وباء متقدم دون هذا 
السبب الظاهر الذي قرن الأثر المضاف إليه بالموت عادة وحسا وشرعاء إذ يقال: 
قل فلان فلاناً فيقتص منهء اللهم أن يرد ذلك مرفوعاً فيع لأن العقل لا يميله» أو 
يكون ذلك حاص بالأمراض الحادثة في البدن من تغيّر أمزجة وتعفين أخلاط» وأن 
سبب ذلك السمية الباقية6 فهذا أقرب من العموم. 


وزرنا في يومنا ذلك شيخ القراء بالقاهرة ورئيس أهل التجويد بلا مدافعةءٍ 
الشيخ سلطان» ودعا لناء وكانت فى خلق رضي الى عنه شدة لا يترك أحداً 
بل يده غالبا وإن أ أحد في طلب الدعاء انتهره» وعضي ويت ركه» ولا يتحمل 
للطلبة الذين يقرؤون عليه أدن غلط يقع منهم» بل يبالغ في التقريع والتوبيخ» بل 
رعا زاد إلى الشتم» رالناس يحتملون ذلك منه لتحقيقه وانفراده بذلك» مع تقشفه 
وورعه وصبره على ملازمة وظائف العبادة حل نمار فأوقاته مُقَسّمة بين صلاة 
وتلاوة وتدريس وفتياء والحدة تعتري حيار هذه الأمة ومن أخلاق المؤمنين» إلا أن 


(1) الثقاية مختصر في أربعة عشر علما مع زبدة مسائلها لجلال الدين عبد الرحمن بن أبى بكر السيوطي 
المت توفى سنة 911 ه»ء ثم شرحه وسماه إتمام الدراية» فرغ من تأليفه ثالث ربیع الأول سنة 873 ه: 
كششدف الظطنون 1970:2. 

(2) في ط: الأشهر. 

(3) ساقط من ط. 

(4) الشيخ سلطان بن سلامة المزاحي المصري» رئيس أهل التجويد والإقراء بالقاهرة توفي عام 1075 
ه: التقاط الدرر» ص: 164. صفوة من انتشر» ص: 257. 


- 229 - 


الشيخ رضي الله عنه أفرط فيها إلى غاية لا يحتملها له إلا من علم حقيقة حال 
وكان معه أيضا زيادة تعظيم ومحبة للعلماء. والمغارية» لما في أخلاقهم من 
الشكاسة» لا يكادون يصبرون على القراءة عليه» فأكثر الملازمين له أهل بلده لما 
حبلوا عليه من سعة الخلق وتحمل الأذى والصبر الذي لا يوازيهم فيه أهل قطر من 
الأقطار» فمن أضاف منهم كف الأذى» وما أقله» إلى هذا اللق الذي حيلوا عليه 
من حمل الأذى» استكمل جماع الخلق الحسن» (وربك يخلق ما يشاء ويختا)"» 
وله في كل خلق وخلق حكمة يعلمهاء وهو الذي قسم الأحلاق كما قسم 
الأرزاق» ( فتبارك الله أحسن الخالقين)©. 


ثم حضرت بعد العصر من ذلك اليوم درس الشيخ موسى القليي المالكي!, 
وكان يقرئ الحامع الصغير للجلال السيوطي بباب رواق الحنفية» ومن جملة ما 
قرا في حديث: أكا عبد یق من سيده فمات ۴۲ إلى قوله: ولو مات شهيدا. أن 
العبد إذا أبق فمات قي قتال الكفار . كان شهيداً من حهة قتله» وعاصياً من حهة 
إباقته. ثم قال عترلة من شرب حمراً فشرق فمات فإنه شهيد لغصته» عاص بشرب 
الخمر ه كلامه. وهذا الأخير عندي غير مقبول لأن الشهادة رتبة شريفة» وهي 
من الرحص الي ترحص الله ها لعباده المؤمنين» فأكرمهم ها زيادة في ثواهم على 
ما حملوا أنفسهم من المشقة المتلفة لأنفسهم في مرضاته» والعاصي بفعله لا يترخحص 
له ولا سعي له في مرضاة ربه حي يرضيه بالشهادة. نعم» إذا كانت المعصية بغير 
ما وقع به القتل كالآبق» أو من زنا أو شرق في سفره فهذا قد يقال فيه شهيد من 
حهة» عاص من جحهة لأن الجهة منفكة» فجهة قتله غير حهة عصيانه. وأما إذا 
كان سبب القتل في نفسه معصية كشرب حمر فيغص يماء أو مكين امرأة من زنا 
بها فتموت منهء فبعيد أن تحصل ها رتبة الشهادة» أليس الغريق والحريق وذو الهدم 
والمبطون وغير هؤلاء كلهم قد ورد أفم شهدا فلو أن أحدهم رمي بنفسه في 
البحر عمدا فغرق» أو في النار فاحترق» أو تناول سما أو داء معلوما فمات لا 


(1) القصص: 68. 
(2) المومنون: 14. 

)3( أبو عمران موسى القليوبي المصري» الإمام الفقيه العلامة» تصدر للإقراء والإؤتاء» ذكر ابن مخلوف 
أنه لم يقف على تاريخ وفاته» ويبدو جليا أنه أخذ الترجمة تقلا عن العياشي: شجرة النور الزكية 441:1. 
(4) في ط: قرر. 

(5) جاء في صحيح ابن خزيمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ثم إذا أبق العبد لم يقبل له صلاة 
حتى يرجع إلى مواليه: صحيح ابن خزيمة 69:2. 


- 230 - 


يقال فيه شهيدٌ اتفاقء وكذلك هذا تناول معصية كانت سبب حتفه» أنى له 
الشهادة» اللهم إلا أن يكون الحترق مثلا تمن قام نار يريد إطفاءها ولا يعلم أنما 
تحرقه» فغلب حي احترق» أو أراد إنقاذ غريق وهو يظن من نفسه القدرة على 
ذلك» فغلب وغرق» أو غير ذلك من الوحوه الي يكون فيها أصل الفعل الذي 
وقع به القتل مباحاً فهذا شهيد بلا كلام. وشارب الخمر» وإن لم يقصد به 
إتلاف نفسه فهو معصية واحدق وما ترئّب عليه من القتل معصية أخرى سيبها 
معصية» وإن لم يكن القتل مقصوداً فان العصية لا يتوقف كوفها معصية على 
القصد إليها ونية أنما معصية» فإن الطاعة هي الي تتوقف على النية دون المعصية» 
فيؤاخذ يما عاحلاً ويعاقب آحلاً نواها أم لح ألا ترى أن من تعٌمّد ضرب إنسان 
ولم يرد قتله ولا قصده فمات منه فإنه آم آحلاء ويقتص منه عاحلا لأن السبب 
الذي نشأت عنه المعصية معصية كشرب الخمر في مسالتناء فهو معصية ونشأت 
عنه معصية أخرى وهي قتل نفسه» إلا أنها ليست مقصودة له فلا ينفعه عدم 
القصد ولا يدرأ عنه الإثم. ولو سَلّمنا أن إثم القتل مندفع عنه لكونه غير مقصود له 
فمن أين له الشهادة الي هي أشرف مقام حص به الله من حاهد فل سبيله» ثم من 
صبر ضر أنزله به مولاه حى لقي ربه وهو راض عنه. نعم | ن معت هذا 
المغخصوص بأثر الغص» وطالت حياته حي تاب من فعله توبة صادقة؛ ثم تاب 
بإثرها من تلك المعصية» لا يبعد أن يقال هو شهيد بغصته» ولو قيل إنه مرتمك! 
في المعصية بعد توبته لبقاء أثر ما تسبب فيه» كما قال إمام الحرمين في الخارج 

من المغصوب تائبا لما بعد ذلك. والصحيح صحة توبة هذا المقصوص إن ل عت 
بإئرها كتوبة الخارج من المغصوب على الصحيح. 

وإنغا أطلت الكلام في هذه المسألة لأن بعض الإخوان عارضئ ف هذا الرد 
فأبديت ما عندي من الأدلة لينظر فيها ذوو الألباب» ولا أدّعي أنما سالمة من 
مناقضة أو معارضة» إلا أنما عندي أرحح مما يعارضها وأثبت مما يناقضهاء والعلم 
عند الله تعالى. 


(1) في ط: المرتيك. والمرتمك والرامك: المقيم لا يبرح : لسان العرب: رمك. 
)2( أبو المعالي عبد الملك بن ابي يعقوب يوسف الجويني» إمام الحرمين» فقيه محدث» جاور بالحرمين 
مدة» وتوفي هدنه 8 ه: شذرات الذهب 358:2. شرف الطالب» ص: 58. 


- 231 - 


فلما كان يوم" تسعة وعشرين من الشهر ختم المشايخ دروسهي فحتم 
الشيخ عبد السلام اللقان بعد صلاة الصبح» وعادهم في الختم أن يحضر يوم الختم 
أنحب تلامذة المدرس وكبراء إخوانه» فإذا فرغ المدرس قرأ القارئ آيات من القرآن 
بقراءة مطربة) ومنهم من يقرؤها بالقراءات السبع» وبعد فراغه ينسشد منسشد 
بصوت رخيم قصيدة من إنشاء بعض التلامذة فيها مدح النبي» صلى الله عليه 
وسم ؛ والترضي عن مؤلف الكتاب المقروى والدعاء للشيخ الذي يدرسه ئم يقوم 
وسلم» وأصحابه وتابعيهم بإحسان» ثم برضي عن المشايخ أرباب المذاهب» كل 
ذلك بنثر بديع ولفظ فصيح» ثم يقرأ الفاتحة ويهدي ثواها إلى حضرة البي» صلى 
الله عليه وسلم» > وإلى كل من ذكر بعده» ويبالغ في الثناء عليهم إلى أن يصل إلى 
الشيخ المدرس فيدعو له وللحاضرين بأبلغ دعاء بقلب حاضر وصوت جاشضع)» 
ويؤمن الحاضرون على دعائه ثم يختم. وبعد هذا يقو أملٌ انخلس كلهم 
ويصافحون الشيخ ويدعون له ويدعو لم ثم بعد صلاة العصر ختم الشيخ موسى 
القليي المالكي وفعل أصحابه كفعل أصحاب الشيخ عبد السلام من القراءة 
والإنشاد والدعاء تقيّل الله منهم. ويحضر عند الختم جمع عظيم من الناس وأهل 
الفضل والمجاذيب» ويغلب على الظن إحابة دعواتمم ونيل رغباقم لتوفر دعاويهم 
وتظافر حممهم» ثم بعد العشاء الأخخيرة خحتم ولد شيخنا المرحوم بكرم الله تعالى 
الشيخ عبد القادر بن حلال الدين المحلي 0 وكان أبوه رضي الله عنه يقرئ التفسير 
في الأشهر الثلاثة قراءة -حسنة -جامعة لأنواع الفوائد مشتملة على تقرير فنون من 
العلو وقد حضرت قراءته مرة فيما مضى فسمعت أمراً عجيباً وطرازا من التقرير 
غريباء ثم ويي إلى رحمة الله في هذا الشهر المبارك قبل قدومنا بأيام قليلة» وحلس 
ولده هذا 2 موضعه اعام درس أبيه) و كان هو المتولي لو ظائف أبيه من بعده 
تحطابة وتدريساء وقد حضر عليه بجلسه يوم الختم غالب علماء الأزهر وتكلم 


(1) في ط: في يوم. 

(2) في ط: يترضى 

(3) في ط: يهتدي. 

)4( يقصد الشيخ عبد السلام اللقاني. 

)5( يقصد الشيخ عبد الباقي بن عبد الباقي بن عبد القادر المحلي الحذبلي الدمشقي» الشهير بابن فقيه فصة, 
الإمام المحدث» ولد سنة 1005 هه وتوفي سنة 1071 ه: خلاصة الأثر 283:2. فهرس الفهارس 
450:1 -451. 


- 232 - 


بكلام لا بأس به على ما أخبرن به بعض أصحابناء و م أحضر تلك الليلة لبعد 
مترلنا من المسجد مع ما لحقي من الكسل بسبب الصوم وقبح هواء البلد. 


لطيفة: 


تظافرت أقوال المنجمين رو ( المعدلين بالقاهرة في تلك الأيام بأن الهلال يُرى 
ليلة ثلاثين» فيكون الشهر تسا وعشرين) وقالوا: إن قوسه إحدى عشرة أو اثني 
عشرة درحة» ومعلوم أنه إن كان كذلك يظهر إن لم يستره غيم» وانتشر ذلك يي 
الناس واعتقدوه حى قيل إن الباشا طلب من قاضي العسكر الحنفي أن يحكم 
بذلك فأبى» حزاه الله خيراء وقال: لا أحكم حى يُرى الملال» فلما كان قبل 
المغرب طلع قاضي الشافعية» وهو المعد لذلك» مع عدوله إلى رأس المئذنة» وكان 
الصحو التام» فارتقبوا مح انتشر الظلام» فلم يروا شیئا فأوقدوا المصابيح في 
المنذنة كما هو عادتهم في ليالي الشهر كلهاء فعلم الناس أن الخد من رمضان» 
فگذب الله أقوال المنجمين المتخرصين على الغيب» (والله يحكم لا معقب الحكمه 
وهو سريع الحساب)©. وصام الناس يوم الثلاثين. 


وق ذلك اليوم لقيت برواق المغاربة قاضي الالكية الشيخ عمر فكرون» 
وهو رحل مسن أصله من سوسة طالت إقامته عصر» وله خبرة نامة بفروع 
الذهب» وله شرح على المختصر الفقهي فن أربعة جحلدات» إلا أنه ليس بذلك على 
ما أحبرن به الثقة تمن رآى وهو رحل يحب الفخر والثناء عليه وعلى مؤلفاته. 
وسرنا معه بسيره في ذلك» جيرا لخاطره لما رأينا من حسن إقباله علينا وانبساطه 
معناء وأنشدنا أياتا كثيرة ما دار بين الشيخ المقري رحمه الله وأهل عصره من أهل 
مصر) وأطرفناك) بحكايات وأخبار غريبة وهو على كبر سنه مقع وسامع يي 
مخاوراته ومسمع» وهو مع طول توليته القضاء في هذه المدينة على سيرة إخوانه من 


(1) في ط: : من. 

(2) الرعد: 41. 

)3( عمر فكرون» التونسي» قاضي المالكية بالقاهرة» له شرح على المختصر للشيخ خليل في أربع 
مجلدات» لم تذكر المصادر تاریخ وفاته: التقاط الدرر» ص: 244. 

(4) في ط: وأطربنا. 


- 233 - 


القضاة تي هذه الديار» وحاطم لا فی» بل هو من أسهلهم وأقركم إلى الصواب 
على ما يُحكىء وإل الله المشتكى. 

وقد حرجنا آخخر يوم من رمضان عشاء لزيارة القرافة الصغرى» وكان يومنا 
كثير الحرء فزرنا قبر الشيخ خحليل!2» رضي الله عنه» وقبر شيخه الشيخ عبد الله 
المنوق©» وهما في مكان واحد بقركما تربة الأئمة اللانيين» وزرنا قبر ابن عمنا 
سيدي محمد بن عبد الخبار» رحمه الله وكان توي عصر سنة هس وستين وألف» 
وم تد لقبره إلا بعد تامل شدید» ثم زرنا غالب من كان بتربة المحاورين من 
الصالخحين» و سمي هذا المكان تربة امجاورین لانه قريب من الجامع الازهر› وبه 

. . £ ھم ما 

يدفن غالب أهله واججاورین لى بل الأماكن القريية من المتامع كلها تسمى حارة 
الجحاورين؛ إذ لا يسكنها في الغالب إلا العلماء والغرباء والفقراء» وقل أن تحد بإزائه 
دار متجر أو أحد أرباب الدولة لضيق الحل› وهم يريدون السعة والقفرب من 
القلعة الي هي محل الباشا وأكابر دولته. 

وبعد الفراغ من زيارة تربة اتخاورين زرنا قبر السلطان المرحوم الملك المعظم 
المهاب العدل المعدود من الأولياء الأتقياء» كما ذكر غير واحد من الأئمة 
السلطان قايت باي( رضي الله عنه وأرضاه ونفعنا بیر کات وعلى قبره بناء عظيم 
وبإزائه مسجد متقن ومحلات لسكئ الفقراء ولقيم القبر» وهو لا يخلو من عمارة. 


5 
لطفة؛ 


عند رأس القبر حجر مبنٍ عليه بناء حسن فيه أثر قدمين شاع عند الناس 
أنهما قدما النبي» صلى الله عليه وسليى > وهناك حجر آخخر فيه أثر قدم يقال إثما قدم 
الخليل» والناس يزوروثما ويذكرون أنما من الذخائر الى ظفر يما السلطان قايت 
باي أيام سلطنته فجعلت عند قبره رحاء بركتهاء ولا يبعد ذلك فقد كان ملكا 
عظيماً عدلاً موقراً مهاباً محا | إلى الخلق» ذا سيرة حسنة في الرعية واحتهاد ف 


)1غ( ضياء الدين خليل بن إسحاق الجندي» فقيه مالكي صاحب المختصر المشهور» كانت وفاته في حدود 
6 ه: وفيات الونشريسي» ص: 127 ٠.‏ شجرة 5 الور الزكية: 321:1. 

)2( الشيخ عيد الله المنوفي» ذقيه مالكي» توفي سذة 749 ه: النجوم الزاهرة 230:10. 

)3( أبو النصر سيف الدين الظلاهري» الأشرف قأيت باي» (815- 901 ھ)» من ملوك الجراكسة 
بمصر»ء تلقب بالملك الأشرف» شهدت مدة حكمه عددا من المعارك والحروب: الأعلام 188:5. 


- 234- 


عبادة ربه» إلا نّا م نر من نص على أنه ظفر بشيء من هذه الآثار من المؤرخين؛ 
بل قد ذكر جماعة من حفاظ الحدثين أن ما استفاض واشتهر خمصوصاً على ألسنة 
الشعراء والداح من أن رحل النبي» صلى الله عليه وسل > غاصت في الحجر لا 
أصل له ولم يذ كر أحد أن أثر الخليل» عليه السلا موحود تي غير حجر المقام. 

قلت: وبالمدينة المشرّفة ومكة والقدس آثار يقال إنها آثار بعض أعضاء البي» 
صلى الله عليه وسلم» من قدم ومرفق وأصابع؛ والله أعلم بصحة ذلك» ولكن لم 
يزل الناس منذ أعصار يتبركون يما من العلماء والصلحاءا"؛ ويقتفي الآخر منهم 
الأول فلأحل ذلك لما دحلنا إلى مزار السلطان المذكور صب القيم على الأثرين 
شيئا من ماء الورد» فغمسنا فيه أيدينا ومسحنا به على أوجهنا ورؤوسنا وأبداتنا 
رحاء البركة بحسن النية وجميل الاعتقاد لأن المنسوب إليه ذلك عظيم» ورائحة 
النسبة مع حسن النية كاف في ظهور الأثر وحصول المرام. ولم يزل الناس يتعرفون 
البركة وإحابة الدعاء في الأماكن المنسوبة إلى الأنبياء والأولياء والعلماءء ولو لم 
تصح النسبة» فما بالك عا تسب إلى سيد الوحود» فالكل في الحقيقة إليه منسوب» 
إذ هو أصل الموحودات وسر المشهودات» فأي محل كان مظهراً بعض كمالاته 
بالفعل والقول» أو عجرد النسبة مع أصل النسبة الحقيقية مته البركة وغثيته 
الرحمة» يدرك ذلك بالذوق ار ويتعرفه بالبصيرة النورانية أصحابف والله 
المسؤول أن عدنا عدده الساري في أسرار محققى أتباعه» وينظمنا في زمرة حزبه 
وأشياعه» صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطيبين والطاهرين. 

ولم نستكمل مرادنا في الزيارة ذلك اليوم لشدة الحر وضعفنا بالصوم مع 
كثرة الزحام بالمقابر» فإن عادة النساء عصر أن يخرحن ليلة العيد ويومه إلى المقابر 
ويبقين هنالك برهة من الزمان» وتلك عادة مذمومة في سائر الأيام» فما بالك ييوم 
العيد فإنه يوم أكلي وشرب وفرح وسرور» وزيارة القبور تذكر الآحرة وثثير في 
القلب حزنا فتنافيا» ولذلك قال بعض الأئمة: إن الأولى ترك زيارة القبور أيام 
العيد إلا أن يكون بنية المواصلة وإدحال السرور على أهل المقابر من المسلمين 
خصوصا أقاربه. 


(1) في ط: الصالحين. 


- 235 - 


ولا كان يوم العيد» وهو يوم السبت» بكر الناس للصلاة وهم يصلون في 
المساحد ويبكرون بالصلاة يصلوما عند الإشراق أول ما تحل النافلة» وصلينا 
بالجامع الأزهرء وحطب الخطيب خخطبة حسنة حلها في أحكام زكاة الفطرء 
واستوعب فروعها على مذهبهم» ومن جملة ما ذكر فيها أنما لا تلزم إلا من له 
فضل على مترل وم ركب وخادم ولباس يليق به» وأنما تقسم للأصناف الثمانية إن 
وحدوا. 

ولا فرغ الناس من الصلاة وتوابعها حعلوا يتزاورون» ووقف المشايخ لزيارة 
الناس» فجئنا إلى الشيخ عبد السلام فزرناه ودعا لناء ثم إلى الشيخ سلطان كذلك» 
ولقينا غالب أصحابنا من طلبة الأزهر هنالك في المسجدء ثم دخلنا لزيارة شيخنا 
الشيخ إبراهيم اليمون» رضي الله عنه» ومترله قرب الجامع» وقدم لنا طعاماً حستاء 
وکا جماعة» وهذا خلاف المعتاد من أهل مصرهء وإنما يتكارمون بينهم بشراب 
البن الذي يسمونه القهوة» ونحن لا نعرفهاء وليست عندنا بطعام ولا دواء ولا 
شهوة» والكلام فيها من حيث الحكم بالإباحة وعدمها طويل عريض معلوم شهير 
نظماً ونثرأء وأكثر العلماء مائلون فيها إلى الإباحة» وترشح قوطم بفعل أكثر 
الصوفية» مع تورعهم ف المطاعم والمشارب» زاعمين أنما تعين على السهر في 
العبادة» ويستعين كا الطلبة كثيرا في المطالعة الليليةت ولا شك أنها تزيل ما يحصل 
ف الرأس من تدويخ بسبب السهر أو لو المعدة صباحاً» فإذا شرا الإنسان وحد 
ف أعضائه نشاطاء وأحس بخفة في رأسه» وهذا في الغالب لمن اعتادماء وهي 
مُحتمُّفة اتفاقاً وهاضمة» وصحح بعض العلماء أما تحرم على من طبعه السسوداءء 
وتكره لمن طبعه الصفراءء وهي نافعة لصاحب البلغم وغيرها من أنواع 
الطعومات» كذلك يحرم تناول ما يضر منها على من علم أنه يضره» ولا يكون 
ذلك موجياً للحكم يتحرعها. والحاصل أن الشاربين ها فريقان: فريق يشربوفا في 
أماكن مُعَدَّةَ لذلك مزحرفة قلما تخلو من لهو وحضور من لا يحل حضوره من 
الجواري والمرد» فهؤلاء الحامل لهم على شرا اتباع الأهواء والتلذذ عا قارفا من 
الأمور المذمومة» فلا يبعد أن يقال إنما في حق هؤلاء محرمة» لا لذاقاء بل لما قارما. 
وفريق يشربوفا في مساكنهم أو حوانيتهم» أو يشتروفها في السوق ويشربوهال"» 
ويشربونما من غير حلوس مع الفريق الأول» فهؤلاء الخامل لهم عليها الفهم لماء 


(1) في ط: يشربونها في السوق. 


- 236 - 


حى إهم رعا يتضررون ضرراً خفيفاً بت ركها كما يتضرر من أف الحجامة 
بتركهاء ومن أف شرب العسل المسهل بت ركه وغير ذلك من الأمور الي يعتادها 
الناس» ويحملهم عليها أيضاً تحصيل المنافع المتقدمة من الاستعانة على السهر ومن 
إزالة التدويخ صباحاً» وغالب ما يستعملوما مع طعام خفيف من كعك أو كسر 
خيز» فيكفيهم ذلك إلى وقت الغذاء هذا كله مع خفة الموتة؛ إذ يفلس واس 
يشرب من ذلك ما يكفيه» مع تيسرها ف أي وقت أرادهاء ولا يتاج فيها إلى 
أكبر مثونة ولا مقارنة إدام أو ملح أو إبزار أو حضر أو غير ذلك ما يحتاج إليه 
غالب الأطعمة» ويزاد على ذلك وهو أكبر منافعها عندهم أنها تقوم مقام الْقَرَى 
للضيف» > بحيث لا يستحي أحد في تقدعها للباشا فمن دونه» ويقوم ذلك عندهم 
مقام ما يتكلفه المرء عندنا من أطعمة كثيرة تبلغ قيمتها ف بعض الأحيان دينارا 
فأكثر ودرهم واحد قوم مقام دينار لا يكرهه أحد» بل لو قدم إليه أي طعام لم 
تكن معه فإنه لم يقدم شيئاء وإن قدمت هي كفت. 


أحبرني شيخنا الملا إبراهيم بن حسن الكوران" أن شيخنا الإمام صفي 

الدين القشاشى 2 كان يقول: مما أنعم الله به على أهل الحجاز هذا البن لأفم 
ضعفاء فقراء ف الغالب» والناس يقدمون عليهم من الآفاق» والإنسان لا بد له من 
طعام يقدمه لمن دحل عليه» ولا قدرة هم على تكلف ذلك لكل أحد يدخل 
عليهم. وهذه القهوة حفيفة المؤنة) والناس راضون با غنيهم وفقيرهمى ورئيسهم 
ومرؤوسهم» فكانت صيانة لوحوه الفقراء عند ورود أحد عليهم» فلا ييعد أن 
تكون مستحبة عند أهل الحجاز لأن اتخاذ الإنسان ما يصون به عرضه مطلوب 
شرعا. قال ذلك في معرض المزاح وقد سئل عن حكمها. 


قلت: وكلام هذا الشيخ» مع حلالة قدرهى وجمعه بين العلم الظاهر والباطن 
وكلام غيره من أئمة الطريق ما يتقوى به قول من قال بإباحتهاء لأن المسألة إذا 


)1( أبو إسحاق إبراهيم بن حسن الكوراني الكردي» فقيه متصوف» جاور بالمديذة المنورة وبها توفي عام 
1 هه له مؤلفات كثيرة أثارت جدلا واسعا دين العلماء والفقهاء: التقاط الدرر» ص: 255. إتحاف 
الأخلاءء ص: 122-121. 

(2) تقدمت ترجمته. 


- 237 - 


كانت ذات قولين» وكان الصوفية مع إحدى الطائفتين» ترحح قوشم لا حالة لما 
رزقوا من صدق الإلام ونفوذ البصيرة مع تأبيد الله هم عند اشتباه المأمور» فيميلون 

مع الحق أين ما مال لرفضهم دواعي الهوى» نص على ذلك غير واحد من الأثمق 
وقد شاع وذاع عند كثير من الناس ذكر غير واحد ممن تكلم عليها أن أول من 
أحدثها وأخرجها من أرض اليمن الشيخ الولي الصالح المتفق على ولايته سيدي 
علي بن عمر الشاذلي اليمي وأمر أصحابه بشرها ليستعينوا بذلك على السهر في 
العبادة ثم م يزل أمرها يفشو شيئاً فشيئا ومن بلد إلى بلدء ! إلى أن آل إلى ما آل 
بحيث عمت البلاد المشرقية وكثيرا من المغربية» فيحمل منها في كل سنة من بلد 
اليمن إلى كل أفق من الآفاق» شرقاً وغرباء آلافا من الأحمال» فتدفع فيها أموال 
قلما تدفع في غيرها من التجارة» فيبلغ الحمل منها في مكة إذا رخص فوق 
العشرين ريالة» وعصر إلى الخمسين» وق البلاد الشاسعة» كإفريقية وبلاد الروم من 
القسطنطينة وغيرها فوق77 المثين. 


5 
لطيفة: 


لكل حواد كبوة» ولكل صارم نبوة» رأيت عكة كلاماً للإمام ابن حجر 
المينمي المكي© ني إباحة القهوة بالغ فيه بالثناء عليها وذكر محاسنهاء وكان من 
جملة ما ساقه مساق الاستدلال على أنها مباحة» وأا من شراب الصالحين ومعينة 
على العبادق أن كثيراً من السلاطين والولاة والحكام قد بالغوا ف إرادة قطعها 
والنداء عليها في الأسواق أن لا تشرب» وإراقتها والزحر عنها بأنواع الزحرء ومع 
ذلك لم ترد إلا شهرة وشيوعا ف البلاد» فدل ذلك على أا من شراب الصالحين» 
وأا قد همل نظر مخرحها ومبدعها فلا يقدر أحد على قطعهاء أو كلاما هذا معناه 
لطول العهد به. 

قلت: وهذا الاستدلال ساقط فإن الدحان الذي شاع في الآفاق أكثر 
العلماء على تحرعه. وهو الصحيح إن شاء الله لما اشتمل عليه من المفاسدء ولا 


(1) في ط: من. 
)2( أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي المصدري» فوّيه محدثء ولد سئة 899 هء له مصنفات عدة 


منها الفتح الميين في شرح الأربعين» توفي سئة 974 ه: خلاصة الأثر 2. فهرس الفهارس 
911 


- 238 - 


منفعة فيه أصلاًء واتفق عليه أرباب القلوب شرقاً وغرباً على التنفير منه وكراهته» 
ولم يزل الأمراء مجتهدين في قطعه. ومع ذلك فلا يزداد إلا شهرة» بل الخمر الحرم 
بالكتاب والسنة والإجماع قد اشتهر في كثير من الأمصار وعمت البلوى به غالب 
الأقطار» فالاستدلال بالشيوع وعدم قطع الولاة والحكام على الإباحة لا يخفى 
ضعفه وبطلانه على من له ادن معرفة وتمييز بين صحيح الأدلة وباطلهاء فكيف 
بذلك الإمام اللهم إلا أن يقال لما لم يقتصر في الاستدلال عليه وضم غيره إليه 
فكأنه م يعتمده دليلاء بل ذكره مقويا للأدلة ومستأنسا به وهو الظلاهر من 
كلام ومع ذلك فلا يخفى ضعفه؛ فإن ادعى على الموى» سيما في الأواخحرء 
غالب مع ميل النفوس إلى المطلوب وضعف داعية الردع من الطالب. ومن أحسن 

ما رأيته من الأسئلة والأحوبة ف شأن القهوة نظما ما اشتملت عليه هذه الوحادق 
فأقول: وحدت بخط شيخنا الإمام أبي مهدي عيسى بن محمد الثعالبي بعكة المشرفة 
ما نصه: كتب العلامة رضي الدين محمد بن إبراهيم الحلبي الحنفي المعروف بابن 
الحنبلي!! للشيخ علي بن محمد بن عراق© سكل عن القهوة: 


[رمل] 


أيها السامي لكلعا الذروئين 
والعلي القذر علماوكذا 


يمجوار المصطفى والمروكين( 
ومُو في بذل الندا رحب اليدين 


33 o 
أفنشى في تهوة قد ظلمت حيثما شيب تعاطيها بشين‎ 
من ا ة6 هالنامهيكةٌ واققراف لأقاوييل ومين‎ 


ومراععاةأمروررشهدت فعلّهافي ا لحان كلها القلتي 


(1) رضي الدين محمد بن إبراهيم بن يوسف المعروف بابن الحنبلي الحلبي» فقيه مؤرخ» توفي بطب سدنة 
1ه: كشدف الظئون 292:1. الأعلام 005 

)2( الشيخ أبي الحسن علي بن محمد بن عراق الكناني المتوفى سنة 3ه » فقيه مؤلف» له كتاب: تنزيه 
الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة: الكواكب السائرة 197:2. كشف الظنون 494:4. 


)3( وردت القصيدة في كتاب: الكواكب السائرة 198:2- 199. 
)4( النيران: الشمس و .القمر. 
)5( التله: الحيرة: لسان العرب: تله. 


- 239 - 


وحكى شُرافا أهل اللا 
أودعو ذا الطرس ما يرجو الفى 
فأحابه الإمام ابن عراق!0: 


أيهاالسامي سُمو الفرقدين 
يا رضي الدين يا بجرالتدا 
جاءئ نكم نظامٌ قد حكى 
قلت فيوإن ذي القهوة قد 
وعطمع وم حرام رن 
وطلبت الحكم فيهابعدما 
وجوبي أفاجل ولا 
وعلى ذي الأمر إتكارٌ الذي 
وإذا ر ستطعة دون أن 
والعداني من جماها وشي في 
والصفافي شُربها مع فة 
ثم ناجوا رهم بجاح الدجا 
فابعناء الأمر فيهاهكذا 
ذا جوابي واعتقادي أنه 


ه. 


)1( وردت القصيدة في كتاب: الكواكب السائر 199:25. 


فالعداي بين كين الفرقتين 


أودعوا فاليأس إحدى الراحتين 


إرمل] 


وإمام العلم مُفتي الفرقتين 
من رجاكم راح لوء اليدين 
في نصوح اللفظ مسبوك اللجين 
خلطوها ية وبين 
وبرقص وبصفق الراحَينْ 
قدرأيمم رأي عين 
يقتعضي ما قلثم ترم غين 
شائها حتى تصفى دون رين 
ينع الأصل ففعل منه زين 
وصفها الذكور شَيْن أي شين 
أخلصوا التقوى وشّدوا المكزرين 
مخشوع ودموع اأقلتين 
قدحكاةعن وَل دون مَيِنْ 
في اعتدال كاعتدال الكفتين 


- 240 - 


قلت: والإمام ابن عراق مشهور فضله وعمله وورعه» وهو صدر ي علماء 
الخرمين علما وعملاء وحوابه فى المسألة هو الحق إن شاء الل وإلى مثل ذلك تميل 
أحوبة كثير من الأئمة في جميع الأمصار الي هي فيهاء ورعا رأينا مين يبالغ 2 
التنفير عنها من الأئمة المتعمقين ف الورع تركا لا لا بأس به» حذراً ما به إلباس 
كما هو شأهم في غيرها من المباحات الى هي من الفضول. 

وما كتبته يوم عيد الفطر لشيخنا الإمام أبي إسحاق إبراهيم 
بيوم العيد: 


يم الميمون مهنا 


[طويل] 


سلامٌ عليكم أيها الأوحذ الصدز 
ومن" أشرقت شرقا وغربًا علومُة 
ومَنْ إن يُقَسْ أهل العلوم به عدوا 
يدل على هذا ذكاء وفطئة 
إلى غير هذا من خصال حيدق 
فأكرمٌ بإبراهيم أفضّل من علا 
إمامي أي إسّحاق خير مشايخي 
أيا شيّحَ الإسلام الذي عر مثلّهٌ 
هنيئا لك العيد السعيدٌ ومثلكم 
فلا زلت ذا أمر يسرك دائما 
وأبقاك ري كزلة لبادو 


وعافاكَ في أهل وجسّم وكل من 


)1( في ط: قد. 


ومن شرفت قدرا بعشريفه مصر 
فكان له في نشرمًا الصيتُ والأجرٌ 
جم السَّهى في جنبه وهو الِدرٌ 
وعم ولم والهابة والصَبْرُ 
ميواها وما قَديْتُ منها ُو الرَرُ 
لأَعْلى مقام قد أحاط به الفخر_ٌ 
علا قدرّةٌ في عصرو من له القدرٌ 
علوت مقامًا شامخا دوئة النسرٌ 
تُهنى به الأعيادٌ والعامٌ والشهرٌ 
ويعلو مُحياك المهابة والبشر 
يطوفُ مام مَس ا لجل والفقرٌ 


يلوذ بكم من شر ما لَب الدهر 


- 241 - 


فلما د حلت عليه ناولتها له فأعطاها لولده فقرأها عليفى فأحسن الثناء ودعا 


بلعاء كثير وحزى یر وتعاطاها أولاده وتلامذته فاستحسنوها وتلقوها بالقبول» 
وما ذاك إلا لما حبلوا عليه من حسن الأخلاق وطيب الأعراق» وإلا فليست 


هنالك وليس قائلها بأهل لبعض ذلك. 
وتما كتبته ف ذلك اليوم إلى الشيخ العلامة الفقيه الفهامة الشيخ موسى 
القليي المالكي رضي الله عنه: 
إوافى] 
أسسيدنا أباعئ ران أي يُحبك بالسماع القلبٌُمِني 
وكنتةأود زؤيتكم وأدعو إالهيى أن يقر بذاك غين 


لرؤيتكُم وزال الصيرُ عني 


وحين أتيت مصرك زا شوقي 


فجعك طاليافي يوم عيد 
ولست بطالب نيا فمالي 
ولك طالب ذؤقاوسرا 
ومثلك من أنال الْرتجى من 
وصّتدقني بل القصّدٍ ثور 
فلازلتم مؤزمل كل راج 


نوالك بل ألم بل أهني 
وللدئيا التي ثردي وتضني 
وعلما ص لح يُغني ويقني 
أثى ينعی وصق حس فن 


بوجهك إذا خرجّت ضحوك ين 


وللهفان ذئت محل أن 
فذهبت بالقصيدة إليه مع أمير ركبنا سيدي محمد» وكان له به معرفة ومحبّة 
أكيدة» فتلقانا ببشر وانشراح صدر ووحه كأنه شقة البدر» وبالغ يي التأنيس 
والأكرام والبر والاحترام» وهي رضي الله عنه» من أئمة المالكية المشهورين بحسن 
السيرة وطيب السريرة» شهير صيته بين علماء الأزهر وأرباب الدولة» وهو من 
أحل تلامذة أبي الحسن الأحهوري المتصدرين للإقراء والإفتاء في حياته» وله 


)1( أبو الحسن علي بن حسين بن عمر الأجهوري المصري» شيخ المالكية بالقاهرة» ولد عام 55 هه 
وتوفي عام 1066 ه: خلاصة الأثر 3:157.الثقاط الدررء ص: 138. 


- 242 - 


خحبرة تامّة بفروع المذهب ومشاركة حسنة في غيرها من العلوم» أطلعي على 
مؤلف له في الشمائل والسير لا بأس به» وانفرد بالاختصاص بالكشف عن علم 
الأوفاق وأسرار الأسماء والحروف بحيث لا يشارك في ذلك وله أحذ وسلوك في 
طريق القوم على منهج صاحب كتاب الجواهرا» وقد تلقن وأخذ طريق الأسماء 
الخلوتية عن الشيخ محمد بن علي الشبراملسي#» عن الشيخ أحمد الخامي!» عن 
الشيخ صبغة الل عن وحيه الدين العلويا5» عن الشيخ محمد الغوث صاحب 
كتاب اللتواهر. وأسماء الخلوة أربعة عشر مذكورة في غير هذا الحل. 


غريبة : 
ف يد الشيخ أمر حراحات كادت أن تتلف ما يده فلما سألناه أو سانا 
غيره من أصحابه عن سبب ذلك فأخيرنا أن شيخنا أيا الحسن الأحهوري جاءه 
بعض طلبة المغاربة يستفتيه في طلاق وقع بينه وبين زوحته» فرام أن يترّخّص له في 
ارتحاعهاء فأب الشيخ» رضي الله عنه» من ذلك فاحتقدها عليه المغربي وأ رها 
حيفة سوء في نفسه» فلما كان ذات يوم حاء مشتملا على خنجر والشيخ في 
احلس يدرس» فلم يشعر به حى ضرب الشيخ بخنجره» فترامى عليه من حضر من 


الطلبة يقونه ؛ بأنفسهم فجرح مله منهم ووقى الله الشيخ من كيده وجرح ي 
رأسه حرحاً كان السيب في ذهاب عينيه» رضي اله عتيه کان الشمخ موسى من 


حملة من حرح» فقبض على ذلك المغربي وضرب ضربا شديدل فأراد الولاة قتله 


)1( يقصد كتاب: الجواهر الخمس للشيخ أبي المؤيد محمد بن خطير الدين» أله بكجرات سنة 2956 ورتب 
على جواهر؛ الأول في العبادة» الثاني في الزهد» الثالثت في الدعوة» الرابع في الأذكار» الخامس في عمل 
المحققين من أهل الطريقة: كشف الظنون 614:1. 

)2( أبو الحسن علي بن علي أبو الضياء الشبراملسي المصري» فقيه شافعي» توفي عام 1086 ه: 
خلاصة الأثر 1:3 التقاط الدرر» ص: 8. صفوة من انتشر» ص: 262. 

)3( أحمد بن علي بن عبد القدوس الشناوي المدئي» الملقب بالخامي» ذزيل المدينة المثورة عارف 
متصوف» توفي سنة 8 هھ: : نشل المثاني 1-.-. 

(4) السيد صبغة الله بن روح الله بن جمال الله البروجي» الشريف الحسڍئي النقشبندي نزيل المديئة 
المنورة» متصوف عارف» ارتحل إلى الحجاز وحج في سنة خمس وألف» توفي سنة 1015 ه: خلاصة 
الأثر 243:2- 244. ١‏ 

)5( وجيه الدين العلوي: : من علماء الهند» له كتب أكثرها حواشي» منها حواشيه على “تفسير البيضاوي" 
و"المختصر“ ولد في بلاد كجرات بالهند» وبها تعلم وأقام ومات سنة 998ه: الأعلام 110:8. 


- 243 - 


فمنعهم الشيخ من قتله» ثم قتله الله بعد مدة بأثر ما حصل له من الضرب في 
امجلس. 

وبعد ذلك ما كان الشيخ يترك أحداً من المغاربة يدخل عليه إلا كان معه 
أحد من أصحابه ممن يعرفه» و م يزل شياطين الإنس والحن يضمرون العدارة 
والسوء لأهل العلم» وينصر الله أولياءه عليهم عقتضى صادق وعد (و کان ما 
علينا نصر المؤمنين)!!» وينجيهم من كيدهم» ويحميهم من شرهم بحماية (ثم نجي 
رسلنا الذين آمنوا كذلك حقا علينا تُنجي المؤمنين)©. 

ثم لمزاحمة الأشغال وضيق الوقت» مع بعد مترل الشيخ لكونه شال باب 
الناصر م أترغ للقاء الشيخ موسى إلا مرتين أو ثلاث فلم آخذ عنه شيت (وكان 
أمر الله قدرا مُقذّور )!6 وقد أخحذت طرفا من | إحدى رسائله في علم الأوفاق عن 
بعض أصحابه. 

وما كتبته أيضاً يوم عيد الفطر لقاضي المالكية الشيخ عمر فكرون الذي 
تقدم ذكره هذه الأبيات: 


[طويل] 


عليك سلامٌ طَيبُ النشر مِن شّخص2 يُحبك يا 


لِئْن حار قومٌ بالقياس فضئلا 


بك الْأَزْهَرٌ العموز قد راق حسنةٌ 


وغَذرًا لكم فيمًا كت مِن الذي 
لقذ زادَي حبالكم ومّودة 


£ 7 5 َء 
أدرت علييا قهرة أدبية 


شيخ الشبُوخ أبا حفص 
لقد حَرَئها يا سيدي أنت بالنص 
وحار كمالا جابرا خلل النقص 
وعلمُك فيه النقّشُ في وسّطٍ القص 


يعد کمالا قد جمعت ومن يحص 


مجالسة في حُسنها عاذلى أغقص 


تكادٌ لما الأروَاحُ تعلنٌُ بالرقص 


)1( الروم: 47 
)2( يوذس: 103. 
(3) الأحزاب: 38. 


- 244 - 


وأعليْتَ ذكري بعدما كان خاملا 2 وأغليت قَدرِي بعدما کان ذا رخص 

تهنيك؟؟ بالعيد الذي أنت عِيدهُ فلا زلت فيه للكمّالات ذا قعص 

بقيت لأهْل الغب كهفا ومَلجنا وذمت على جمع الفضائل ذا حرص 

وهذه الأبيات من السهل الممتنع والسحر الخلال الذي يستلب عقل 
المستمع» لسلاستها و حسن مساقها وتناسب اتساقهال وقد غرت عليهامنه 
فأغرب علي بعضها فتقلته إلى محل هو أولى بها من هذا كما ستقف عليه في ترجمة 
شيخحنا أبي حفص العلمي" المقدسي» ولا عتب على المرء فيما يفعله يي شعره من 
تبديل وتغيير» أو نقل من محل إلى محل ممن م جد لبنات صدره كفؤأًء فلا حرج 
عليه في فسخ نكاحهن وتزويجهن من أكفاء كرام ينلن عنده غاية المرام . 


5 
لطفة: 


قد كان بالقاهرة شاب من أصحاب شيخنا أب الحسن الشبراملسى يلقب 
بالزين» مشهور بحسن التصرف ف العلوم الأدبية وحودة قريمة في التخيلات 
الشعرية» ول يقيّض لنا الاحتماع به لضيق الوقت» وتفاوضت مع بعض أصحابنا 
امغاربة تمن أقام عصر برهة في شان وكان له به معرفة» وذكر في أن له في فن 
الحَمّى يد بيضاء وذكاء يحرق الرمضاء وقال لي: إن شئت فاكتب إليه شيا بهذا 
الغرض حى يبك فتعلم حاله وتختير مقدار تنبهه وحودة قريحته» فكتيت له معمى 
في اسم رضوان» اقتصرت فيه على أنواع من العمل التحصيلي» وهو هذا: 
[بسيط] 
5 يا من يعّمي علي في مقا دو باسّم الحبيب وما التصريح من غرض 
تُعنفوان الموى لا عُنفَ فيو على 2 ميم بعد تقدأول ال مرض 
ناز بقلبي وضوء لا اتقهاء له فيه وإن زال ران القلبُ من عرض 
(1) في ط: أهنيك. 
(2) في ط: القلعي. 
)3( وردت الأبيات في الثغر اليأسم» ص: 346. 


- 245 - 


وكبت له ایض في اسم زيل 
[بسيط] 


يام له بصرٌفيأي مافقن ٠‏ وليس يِ صر إلا ضاحجك السن 
إن زمّنابومازال ذكركم فيووحقكٌويُئُنٌبلامّن 


فبعثت إليه بهذا الْعَمّى والذي قبله مع صاحبنا المذكورء فلم يرحع | إلى من 
عنده بشيء حى أف الرحيل» فكل أمري إذ ذاك بينه وبين مشتهاه قد حيل» ولا 
أدري هل وصل إليه الحَمَّى فتعامى» أو لم يصل إليه» ولو وصل لا تحامى. 

وم أزل أتردد مدة إقامي بالقاهرة وإناخة الرحل© ععاهدها الباهرة إلى 
شيخحنا إبراهيم الميمون» وطلبته ف القراءة) فاعتل بضيق الوقت وضعف البدن من 
أثْر الصوم وشدة الجر وقبلت عذره قي ذلك وحضرت یوما قراءته مع بعسض 
طلبة الأتراك في تفسير البيضاوي!6, وقرأ قراءة -حسنة. وشيخنا هذا ممن انفرد 
بتحقيق فن ال معان والبيان ف هذه الديار» بل وف غيرها على ما شهد به الاختبار 
وصدقته الأخبارء مستحضرا لقواعد الفن وأصوله» مُحَقَعَاٌ لفروعه وفصوله قلما 
يورد عثاً من الأبحاث المتعلقة بذلك إلا وقال: أصل هذا البحث لفلان» وقد ألف 
في المسألة فلان» وقد عارضه فلان» والتحقيق مع فلان. منصوراً ذلك باليراهين 
الساطعة والأدلة القاطعة أخبرن في سنة أربع وستين» وقد حرى ذكر هذا الفن 
بين يديه فقلت له: هل يشتغل في هذه الديار أحد الآن بقراءة شراح المفتاع4 
فقال وشد بلحيته: ما أشاب هذه اللحية إلا التوفيق بين شرحي السيدا والسعد© 
على المفتاح» وكان ذلك بحيث القلوب من الأكدار صافية» وبرود الاشتغال 
5 الإشارة هنا إلى كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل في التفسير» لأقاضي الإمام ناصر الدين ابي 


سعيد عبد الله بن عمر البيضاوي الشافعي المتوفى سنة 692 ه: كدف الذنون 186:1. 

(4) يقصد مفتاح العلوم لسراج الدين أبي يعقوب يوسف بن أبي بكر بن محمد بن علي السكاكي المتوفى 
سنة 626 ه: كشدف الظنون 1762:2. 

(5) يقصد شرح السيد الشريف علي بن محمد الجرجاني المتوفى سنة 816 ه على مفتاح العلوم: كشف 
الظنون 1763:2. 

(6( هو شرح سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني المتوفى سدنة 791 ه لمفتاح العلوم للعلامة سراج 
الدين أبي يعقوب يوسف بن أبي بكر السكاكي المتوفى سذة 6 ه: كتدف الظنون 1763:2. 


- 246 - 


المختصرات. فقلت له: وأي كتاب ترى لطالب تحصيل هذا الفن الاشتغال به؟ 
فقال لي: لا أشك أن دُرر هذا الفن كانت منتثرة في تآليف الأقدمين فقصّرت عن 
تناو ها أيدي المنتحلين» »> فلما حاء صاحب المفتاح جمع من تلك الدرر كل يتيمة 
علت قدراً وغلت قيمة» وأضاف إليها مما ارتضاه شيئا كثيرأء ولم يغفل من الحتاج 
إليه إلا شيئا يسيراء فتنافس من بعده في شرح كتابه وحل مقفلات عباراته» 
فاختلفت أنظارهم» وتباينت مذاهبهم» ثم اخحتصره القزويي .0 وأوضح ختصره 
الإيضاي فكثر شار جوم لما جاء اللا سعد الدين؛ قدّس الله سره ورفع في الملا 
الأعلى قدره» ضرب تلك التآليف كلها بعضها ببعض» واستخرج من زبدها بعد 
التمحيص خالص المحض» فأودع ذلك يي كتابه المطول» فهو نتيجة آراء المتقدمين» 
وزبدة أنظار فحول المتأحرين» فالمبرز في هذا الفن اليوم من يحقن أبحائه ويدقق 
النظر في أنظاره» وقد أكثر الناس من الحواشي عليه والحواشي على الخواشي» 
والشرح الأطول للملا عصام الدين امع لغالب التكث الي تضمنتها تلك 
الحواشي مع زيادة تحقيق وتبيين وتدقيق» فهذا زبدة معن كلامه» رضي الله نه 
وهو مما يدلك على أنه صيرق نقود هذا الفن وإمام أهل هذه الصنعة بالتحقيق لا 

بالظن» فكيف لا وهو المرحوع إليه ثي بيان مشكلاته وحل مغلقاته. 


وما يدل على ما ذكرنا من انفراد شيخنا بتحقيق هذا العلم أي كنت رأيت 
قبل هذا بأرض المغرب عند أخينا الفقيه النبيه سيدي عبد الله محمد المنقوشي» حدد 
الله عليه ملابس غفرانه» وأحله دار رضوانه» مجموعا بخط مشرقي كان في الأصل 
ملكا للشيخ ياسين الحمصي© مشتملاً على أسئلة وأحوبة في فنون شُتّى» ومن 
جملتها سؤال مكتوب في أوله: سؤال من الشيخ الإمام العام الحقق آي العباس 
شهاب الدين أحمد الغنيمي۴» رضي الله عنه» للشيخ العلامة الدراكة الحقق أبي 
إسحاق إبراهي هيم الميمون» ثم ساق الجواب إلى آخره معزو للمسؤول المذكورء 
مشتملاً على قين وتدقيق» فكنت اوقت أنا وصاحبنا المذكور يي كون اجيب 


)1( جلال الدين محمد بن عبد الرحمن بن عمر القزوينى الشافقعى المتوفى سدئة 739 ه؛ له تلخيص 
المفتاح: كشف الظنون 1764:2. 00 (١‏ 

(2) ياسين بن زين الدين بن أبي بكر الحمصي الشافعي» نزيل مصرء له مشاركة في الفقه والأدب واللغة» 
ألف عددا من الحواشي» توفي سنة 1 ه: خلاصة الأثر 491:4. 

(3) أحمد بن محمد بن علي» شهاب الدين الغنيمي» فقيه حنفي من أهل مصرء له عدة شروح وحواش على 
الأصول» توفي سنة 1044ه: خلاصة الأثر 312:1. صفوة من انتثدر» ص: 161. الأعلام 237:1. 


- 247 - 


المسؤول هو شيخنا هذا لما علم من حلالة الشيخ الغنيمي وقوة عارضته ف العلو» 
سيما المعقولية مع تقدم زمانه» بحيث يكون شيخنا في عدد تلامذته» ولم يزل في 
نفسي من ذلك شيء إلى أن لقيت الشيخ أمتع الله ببقائه» وحرى في الخلس ذكر 
ما شابه ذلك» فسألته عن السؤال والجواب» فقال لي إن ذلك صحيح. فقال: إن 
الشيخ الغنيمي رضي الله عنه كان يحل كثيراء وكان مع تبحره في العلوم وحودة 
قريحته في الفهوي إذا وقع فل محل تدريسه بحث أو إشكال ما ينحو منحى هذه 
العلوم» كتب إلي بذلك فأحيبه عا عندي» فيستحسن ذلك وهذا شاهد صدق 


فيما نسبناه لشيعحنا من التحقيق» إذ كل ما يُنسب إلى التحقيق في غالب العلوم 
اليوم عصر يتبجح بكونه من تلامذة الشيخ الغنيمي» وشيخنا إليه يرحع الغنيمي في 
حل المشكلات. 


وقد حكى لي شيخنا حكايات كثيرة من أخبار الشيخ الغنيمي وذهابه إلى 
الروم ورحوعه» وما وقع له من احن» وذكر أنه اختلط في آخر عمره» رضي الله 
تعالى عن جميعهم وأرضاهم وعنا بهم وأتحفنا برضاهم آمين. 

ولا كادت أيام الإقامة أن تنقضي و ركب الحجاز أن .عضيء ابتدأ شيخنا 
الميمون قراءة مختصر السعد» وكانت قراءته بصحن داره يحضره أكابر الطلببة 
والقارئ بين يديه ولده» فلازمت جحلسه تلك الأيام القليلة» فحضرت عنده الخطية 
بكماهاء ولم يفتئ منها حرف» قرأها في ثلاثة مالس قراءة حسنة أكثر فيها من 
الفوائد العجيبة والنقول الغريبة. 


5 
لطفة؛ 


حكى لنا في جحلس تدريسه أن الشيخ العلامة سعد الدين لما أف كتابه 
المطول» وكان كما ذكر في الخطبة على حال ضيق من معيشته وقلة ذات اليد مع 
شدة الاحتياج إلى ما يقيم به أوده» ذهب بالكتاب إلى الأمير المذكور رحاء أن 
يحصل من انيه ما يستعين به على دهره وکان عند الأمير وجه له خخبرة ذا 
العلم» وهو من خواص الأمير» فخحشي العلامة سعد الدين إن قَدَّم الكتاب للأمير 
مع حضور الخوحة أن يصرف وحه الأمير عنه ويطعن في كتابه لما علم ما يكون 
بين أرباب الصنعة الواحدة فجعل يرتقب غيبة الخوحة بسفر أو مرض أو موت» 


- 248 - 


إلى أن حصل للخوحة عارض مرض!» اغتنم العلامة ذلك ودخل على الأمير 
وأحضر الكتاب بين يديه» ففرح الأمير به وقال: أرسلوا إلى الخوجة ليحضر الآن 
حبق ينظر في هذا الكتاب» فسقط في يد العلامة لما كان يخشى من حانبه من 
الطعن عليه والإزراء بكتابه» فلما حاء ونظر الكتاب طار به فرحا وبالغ في الثناء 

عليه وعلى مؤلفف وقام وقيّل يد الشيخ وقال للأمير: لو لم يكن يل سلطنتك من 
المفاخر وا مناقب إلا قدوم هذا الشيخ لحضرتك وكون هذا الكتاب برسمك لكفاك» 
وقد كنت هممت أن أطلب منكم الإحازة ف الذهاب إلى هذا الشيخ والأحذ عن 
ومن سعادة دولتكم أشخصه الله إلينا. قال: فجاءت المنن من حيث تخشى انحن» 
وبالغ الأمير في تعظيمه والإنعام عليه 

قلت: وقد حصلت للإمام سعد الدين آخراً حظوة عظيمة ورياسة كبيرة 
عند أمراء العجم بأصبهان وخراسان وسائر بلاد عراق العجى فصارت عتبته ملتأم 
أكابر علماء تلك الديار» وشّدّت إليه الرحال» وصارت له دنيا عريضة بعد أن 
كانت حاله أولا علي الضد من ذلك» وتلك سنة الله تعالى في حملة العلم الشريف» 
وإن ضيق عليهم أولاً فمآل أمرهم» سيما إن خلصت منهم النيات فيما حملوا 
وعملوا عا علمواء إلى التعظيم والتوقير وحسن الخال في الخال والمال. 


لطيفة: 


وما سبمعته منه أيضاً في مجلس تدريسه أن العلامة ناصر الدين البيضاوي» 
قدس الله سره لا ألّف تفسيره المشهور وأكمله» ذهب به إلى السلطان ببغخداف 
فم قي طريقه بقرية فيها بعض مشايخ الصوفية فترل عنده وأضافه» وجلس 
فتحدث معه إلى أن قال له: أين قصدك؟ قال: إلى بغداد. قال: وما تريد منها؟ 
قال: إن صنفت تفسيرا أبذلت الجهود في تنقيحه وقذيبه» ولي بنات قد أدركن» 
فاحتجت إلى تحهيزهن ولا مال لي فأردت أن أذهب إلى الملك عسى أن يحل لي 
من عنده ما أستعين به في جهازهن. فقال له ذلك الشيخ: بم فسرت قوله تعالى: 
(إياك نعبد وإياك نستعين)؟ © قال: فسرناه بأنا لا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا 


(1) في ط: من مرض. 
(2) الفاتحة: 5. 


- 249 - 


بك. فقال له: فكيف تستعين بغيره؟ فأثّر كلامه في قلب العلامة وتتبّه ورحع من 
حيث حاءء ولم يذهب إلى بغداد» فمن أحل ذلك وضع الله القبول على كتابه 
فأقبل عليه العلماء من كل جهة يأحذونه عنه» وحصل له نفع كبير. 


لطفة؛ 


سألت شيخنا الميمون مي انقطعت الخلافة العباسية من مصرء إذ لم أر من 
ذكر ذلك مع البحث عنه في مظانه» فقال لي: لما دحل بنو عثمان مصرا أمر 
السلطان سليم بقتل من فيها من الخافاء وأرباب الطوائف؛ كالمشايخ الرفاعية 
والبدوية» لأن الغوري للا حرج لقتاله أحرج معه الخليفة والعلماء والصلحاء 
يستنصر يهم عليه فلما دحل قتل كثيرا منهم حى اجحاذيب. قلت: وقدذكر 
الشيخ عبد الوهاب الشعران أن السلطان سليماً ما دحل مصراً قتل كثيراً من فيها 
من احاذيب وأرباب الأحوال وذكر عن بعض أهل الأحوال أنه کان يخير بلك 
قبل وقوعه» (وكان أمر الله قدرا مقدور)(0 (قل فمن يعلك من الله شيئاً إن أراد أن 

يهلك المسيح ابن مرم وأمه ومن في الأرض جميعاً ولله ملك السماوات والأرض 
وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير)!©. 

ولله في ذلك سر لطيف يعلمه أهل البصائر» زائد على امتنانه على أوليائه 
عرتبة الشهادة ونيل السعادة) وقد حلف هؤلاء المشايخ بعد قتلهم من هو في مثل 
حاهم ومقامهم وثابت على أقدامهم» فلم تنقطع؛ والحمد لل الوراثة المحمدية ولا 
الخلافة الباطنية عوت من مات» ولیس لا تبن يد الله هادم» فقد ذكر سيدي عبد 
الوهاب الشعران ف كتابه لواقح الأنوار ممن بقي ممصر بعد قتل وفك جماعة 
كثيرة تقر بهم عين كل مؤمن بطريقهم» متبع لفريقهم من صحابة وبجاذيب 
أصحاب أحوال وتصريف عظيم» وإذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل 


العظيم)!6. 


(1) الأحزاب: 38. 
(2) المائدة: 17. 
(3) الجمعة: 4. 


- 250 - 


لطبيفة: 


لما سقط جانب من البيت الحرام في سنة تسع وثلاثين واحتيج إلى تحديد 
بنائهه كتب إلى مصر استفتاء في أمور كثيرة تتعلق بالبيت العتيق وإنقاضه وتحديد 
ما سقط منه وبنائه من أصله ومن يتولى بناءه وبأي مال يئ وهل يبادر إلى ذلك 
أو ينتظر إذن السلطان» إلى غير ذلك من أمور كثيرة تتعلق بال سجد الجرام 
فتصدى شيخنا اميمون للجواب عن ذلك فأَلّف كتابه قتئة الإسلام ببناء بيت الله 
الخراء!» فاستوعب فيه الكلام على تلك المسائل» وأضاف إليها أمثال أمثاها من 
الفوائد المتعلقة بذلك من النكث التاريخية والتحقيقات الفقهية» فجاء كتاباً حافلا 
بيجانب كبير من العلوم شاملا ناولنيه» رضي الله عنه» وأحازنيه ووهبئ طرفاً كبيرا 
منه نحو النصف» وقال لي: لو تعددت النسخ بيدي لوهبتك نسخة كاملة» وقد 
كتبت له على ظهر نسخته تقريضا حسنا من جملته هذه الأبيات!©: 


[بسيط] 


4 


لله روضّة علم أبكت كما 
رة جفونك فيه ا واقتطِف قرا 
قد جعت موجبات الماح إذ جمعت 
نظمّت في سلكها ما كان متتشرا 
جلت محاسنها عن أن تعد ولو 
لله در هام حال خقَها 


جزاة رب الورى خيرًا وصّيرةٌ 


وطيبّت بشذاها اللبيت والحرّمًا 
من دوجها وانتشق زهرا بما ابتسمًا 
ما كان من درر في غيرها انتقسمًا 


في غيرها من للآلي ا 1 4 فانحَظم 


أفنيِّتَ في عَدها القرطاس والقلمًّا 


شاد ها من بناع الدين ماانم لما 


بحرمة اله طول الدهر مُحتّرما 


قال لي» رضى الله عنه» لما فرغت من تأليفى وأكملته في سنة أربعين» قلت: 
اللهم إن أتقرب إليك بحرمة بيتك الحرام بهذا الكتاب» فاحعل مما تثيبن به عليه 


)1( قال العياشي: وهو كتاب دديع حافل جمع فيه كل ما له تعالى باأبيت الحرام مما تتشوف النفوس إلى 
السؤال عنه, وڊٽاء على أسلوب عجيب» أده في البناء الأخير سئة 1039ه» وملكني طرفا منه: (اقتفاء 
الأثر» ص: 5) ومن هنا الطرف توجد نسخة على الميكروفلم بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم: 117. 
)2( وردت القصيدة في كتاب: أبو سالم العياشي المتصوف الأديب» ص: 329. 

(3) ساقط من ط. 


- 251 - 


وتعجله لي في الدنيا أن تيسر لي حج بيتك الحرام في هذه السنة» قال: وليس لي ف 
ذلك الوقت مال أحج به وأنا ذو عيال» فلما قرب وقت الحج بينما آنا ذات يوم 
إذ بعث إلي الأمير رضوان أمير الركب فقال: أريد من فضلك أن تحج معنا هذه 
السنة وعلي سائر ما تحتاج إليه من المئونة في سفرك أنت وأولادك. فعلمت أن الله 
تقبل دعائي» فتجهزت للسفر بأولادي ونسائي وکل من معي» فهيأ لي الأمير كل 
ما يحناج إليه في السفر من الإبل وانحاف وغير ذلك بحيث بلغت النفقة من عنده 
في حجن نحو ألفي قرش. قال: وحج في تلك السنة الشيخ الحقق أبو الأمداد 
إبراهيم اللقان المالكي» رضي الله عند وكان يحب كثيراء فلما قدمنا مكة حاء 
العلماء إليه يهرعون للسلام عليه والتماس ب رکته» فكان إذا سل عن شيء مما 
يتعلق بالبيت أو الحرم يقول م: سلوا مولانا هذاء ويشير إلي» ويقول: إن له يي 
ذلك تأليفاً عجيباً. 

قال: فلما وصلنا إلى المدينة المشرفة دخلت المسجد النبوي يوم الجمعة 
فوحدت الزحام فجعلت ألتفت عيناً وثمالاً هل أرى موضعا أحلس فيه» وكان 
الشيخ اللقاي» رضي الله عنه» سبقئ إلى المسجد فلما رآ أشار إلي فجفت إليه 
ففسح لي ينه وبين ولده الشيخ عبد السلام» وأحلسي بإزائه» فلما اط مأن بنا 
الس سألته الدعاء لي ولأولادي أن يسلمنا الله ويبلغنا إلى بلدناء فقال لي: أما 
أنت فترجع سالا وأولادك وأما أنا فأموت. فقلت له: يا سيدي هذه حضرة 
الرسالة ادع الله أن يبلغك إلى أهلك. فقال: هذا حرحت. قال لىي: وكنت أرى 
ذلك كرامة له ومكاشفة منه رضي الله عنه. ولما اشتد به المرض في الدرب» وكان 
لا يستطيع الركوب» حاؤوه عحفة ليركب فيهاء فلما رآها تذكر ما كان يقول له 
بعض أهل الجذب عصرء وكان يقف عنده في مجلس تدريسه ويقول له: يا إبراهيم 
إذا حججت وركبت في محفة فإنك تموت» فارتاع عند رؤيتها لذلك وم عكنه 
إلا ال ركوب للمشقة الي لحقته» وكان مرضه يبس الطبيعة. قال: ولا مات ف الليل 
انقض من السماء كوكب عظيم أفزع الناس فكبرواء فبينما نحن كذلك إذ “معنا 
قائلا يقول: مات الشيخ اللقان رضي الله عنه آمين. 


- 252 - 


لطفة:؛: 


لما حئت لوداع الشيخ الميمون عشية يوم الأربعاء كتب بعض أقاربه": (لا 
إله إلا الله في رق» وكتب بإزائه: محمد رسول الله وفصل ما بينهما عقص حي 
بقي منه شيء قليل» فأمرن أن آذ إحدى القطعتين» وأحذ الشيخ الأحرى 
وقطعناها ما بيننا نصفين» وقال لي: تحفظ على القطعة الى عندك» وأنا على الى 
عندي» فإن اسم الله واسم حبيبه إذا تفرقا لا بد أن يجتمعا بفضل الله تعالى. قلت: 
وكان هذا تلميح من قوله تعالى في الحديث القدسي: لا أذكر إلا ذكرت معي 8. 
فإذا احتمعت البطاقتان احتمع من هما عنده» وهو المقصود. 

وقد صدق الله العظيم تعالى في ذلك في واقعتناء فرحعنا من الحجاز بعد 
جحاورة سنق ووجدنا الشيخ»› > والحمد لل سالا قي نفسه ولم أحد قريبه الذي 
كتب ذلك» وكان فعل ذلك حرصاً على حياة الشيخ ورجاء أن يعيش حي نرحع 
من الحجاز؛ لما كان يتخوف من هجوم الجمام لكبر سنه» مع كثرة الأمراض 
الوبائية إذ ذاك عصرء و لم يتوف ذلك على نفسه» وي مثل ذلك قيل: 

[متقارب] 
وقبلك داوى الطييب ال مريض فعاشَ المريض ومات الطبيب 6 


وممن لقيته عصرء شيخ الإسلام» وعلامة الأعلام» وإمام الحققين ورئيس 
النظار المدققين» حائر قصب السبق في الفنون كلهاء المتضلع في فرعي الفنون 
وأصلهاء الشيخ أبو الحسن علي الشبراملسي الضرير» ذهبت لزيارته فوحدته في 
المسجد المسمى عسجد المغاربة بإزاء داره يقرأ عليه هناك كتاب المواهب اللدنية 
للإمام القسطلان» وحضر جحلسه أعيان تلامذته وقرأ قراءة حسنة» وقرر تقريرات 
عجيبة في حديث: أول ما خلق الله نور محمد صلی الله عليه وسلم» إل الحديث» 
وقرّر وحه انقسام ذلك النور وكيفيته» مع أن الحقيقة الواحدة لا تنقسم» وليست 


(1) وقع هنا اضطراب في الطبعة الحجرية للرحلة العياشية» فقد ورد بعد هذا مقتطفات من الخلعيات لأبي 
الحسين الخلعي التي سترد في الجزء الثاني من الرحلة؛ قبل أن يعود النص إلى مساره الطبيعي. 

(2) جاء في مجمع الزوائد: ”عن ابي سعيد» عن رسول اله صلی الله عليه وسلم» أنه قال: أتاني جبريل 
فقال: إن ربي وربك يقول: كيف رفعت ذكرك. قال: الله أعلم» قال: إنا ذكرت ذكرت معي: مجمع الزوائد 
8 

(3) نسب البيت في العقد الفريد لأبي العتاهية: العقد الفريد 140:3. 


- 253 - 


ھر £ 
الحقيقة المحمدية إلا قسمًا من تلك الأقسام» والباقي إن كان منها فقد انقسمت» 
إن كان غيرها فما معن الانقسام. 
وحاصل حوابه أن معن الانقسام زيادة نور على ذلك النور المحمدي» 
فيو حذ ذلك الزائد» ثم يزاد عليه نور آخر» ثم كذلك إلى آخر الانقسام. 


قلت: وهذا حواب مقنع بحسب الظاهر» والتحقيق» > والله أعلم» وراء ذلك 
وذلك إغا يد ركه على الحقيقة من عرف معن قوله تعالى: (الله نور السماوات 
والأرض)!!» ومعن قوله» صلی الله عليه وسلمء لما قيل له: هل رأيت ربك8#؟. 
فقال: نور أن أراه» كما في بعض الروايات بفتح همزة أن» ونونه كلمة استفهام» 
أو نورائ بياء النسب آخحره كما في بعضها. وتحقيق ذلك على ما ينبغى ليس مما 
يدرك ببضاعة العقول» ولا ما تتسلق عليه الأوهام والأفهام» وإنما يدرك بكشف 
إلى وإشراق حصة من أشعة ذلك النور في قلب العبد» فيدرك نور الله بوره 
فيكون الحق في الحقيقة هو إدراك المدرك لنوره بنوره» ونسبة الإدراك حينشذ إلى 
العبد جحاز. وأقرب تقرير يعطي القرب من فهم معن الحديث أن يقال: لما كان 
النور المحمدي هو أول الأنوار الحادثة الي تحلى يما النور القدتم الأزلي» وهو أول 
التعينات لوحود المطلق الحقاي» وهو مدد لكل نور كائن أو يكون» فلما أشرق 
النور الأول في حقيقته فتنورت» بحيث صار هو نورا كما دل قوله» عليه السلا 
في دعاء الأنوار: واحعلن نور!©» أشرق نوره المحمدي على حقائق الموحودات 
شيئاً فشيئاً؟ فهي تستمد منه على قدر تنورها بحسب كثرة الوسائط وقلقها 
وعدمهاء وكلما أشرق نوره وفاض على نوع من الحقائق ظهر النور في مظهر 
الانقسام» فقد كان النور الحادث أولا شيئا واحداء ثم أشرق 52 حقيقة أخحرى» 
فاستنارت بنوره تنوراً كاملا بحسب ما تقتضيه حقيقتهاء فحصل في الوحود 


(1) النور: 35. 

)2( جا في صحيح مسام: حدثنا محمد بن بشارء حدثنا معاذ بن هشام» حدثنا أبي» وحدثني حجاج بن 
الشاعر» حدثنا عفان بن مسلم» حدثنا همام» كلاهما عن قتادة عن عبد الله بن ت ق شقيق» قال: ثم قلت لأبي ذر: 
لو رأيت رسول ا صلی الله عليه وسلم؛ لسألته. ذقال: عن أي شيء كنت تسأله؟. قال: : كنت أسأله حل 
رأيت ربك. قال: أبو ذر: قد سألت فقال: رأيت نورا: صحيح مسأم 1 

(3) إشارة إلى قوله صلى الله عليه وسلم: اللهم اجعل لي في قلبي نوراء وفي لساني نوراء وفي سمعي 
نوراء وفي بصري نوراء ومن فوقي نوراء ومن تحتي نوراء وعن يميني نوراء وعن شمالي نوراء» ومن 


بين ديدي نورا» ومن خلفي نوراء واجعل في نفسي توراء وأعظم لي نورا: صحيح مسام 1. مسند 
أحمد 284:1. 


- 254 - 


الحادث نوران: مفيض ومفاض» ويي نفس الأمر ليس هناك إلا نور واحد أشرق 
ي قابل الاستنارة فتنور» فتعددت المظاهر والظاهر واحد. 

ثم كذلك كلما أشرق في محل ظهر بصورة الانقسام» وقد يشرق نور 
المفاض عليه يضا بحسب قوته على قوايل أخحر» فتتنور بنوره» فيحصل انقسام آخر 
بحسب المظاهر» و كلها راحعة إلى النور الأول الحادث إما بواسطة أو بدوفا. 

وهذا غاية ما يكن أن تصل إليه العبارة في هذا التقرير» ومثلي في قصور 
باعه وعدم تضلعه من العلوم الإلهية» | إن زاد ف التقرير شي على إعانه» ولولا 
تأييد الحق» حل وعلاء ما كنا نقوى على أقل من هذاء و(الحمد لله الذي هدانا 
لهذا وما كنا لنهتدي ولا أن هدانا الم( 


وأقرب مثال يضرب لذلك لذلك؛ إذ بالمثال تتضح الأشياء بعض الوضو ح» 
نور المصباح الذي ليس في البيت الكبير إلا هوء فتصبّح منه مصابيح كثيرة 
ويصبح بعضها من بعض» فليس هناك في الحقيقة إلا نور المصباح الأول وقد 
انقسم إلى مصابيح كثيرة» وهو ف نفسه باق على ما هو عليه م ينقص منه شيء. 

وأقرب من هذا المثال إلى التحقيق وأبعد عن الأفهام نور الشمس المشرق 
في الأهلة والكواكب» على القول بأن الكل مستنير بنوره» وليس ها نور من 
ذواتماء فقد يقال بحسب النظر الأولي: نور الشمس منقسم في هذه الأحرام 
العلوية» وف الحقيقة ليس هناك إلا نورهاء وهو قائم يما نم ينقص منه شيء وم 
يزايلها منه شيء» ولكنه أشرق يي أحرام أحر قابلة للاستنارة» فاستنارت. 

وأقرب من هذا للفهم ما يحصل في الأحرام السفلية من إشراق أشعة نور 
الشمس على الماء وقوارير الزحاج» فيستنير ما يقابلها من الحذرات بحيث يلمح 
فيها نور كنور الشمس مشرق بإشراقه» ولم ينفصل شيء من نور الشمس على 
محله على ذلك الحل. ومن كشف الله حجاب الغفلة عن قلبه» وأشرقت الأنوار 
المحمدية على قلبه بصدق اتباعه له صافية بصفاء انه بالله ورسوله من شبه 
الباطل» أدرك الأمر إدراكا آخر لا يحتمل شَكَاً ولا وهماً. 


)1( الأعراف: 43. 


- 255 - 


نسأل الله تعالى أن ينور بنور العلم الإلمي بصائرناء ويحجب عن ظلمات 
اجهل سرائرناء ويغفر ثنا ما احترأنا عليه من الخوض فيما لسنا له بأهل» بل نحن 
عن أهله ععزل» ولم نطف قط بساحته فضلا عن المترل» ونسأله أن لا يؤاخذنا عا 
تقتضيه العبارة من تقصير يي حق ذلك الحناب فاشي عن القصور في مقام العرفان 
ونزول منازل الأحباب. 

ولقد أحاد كل الإحادة صاحب منارات السائرين إلى اشر ا | قرر معيئ 
کون النور احمدي أصل الموجودات» ولأحله خلقت مع جیئه آخرأء وضرب 
لذلك مثلاً قربا من للأفهام ببزر الشجرة مع الشجرة والثمرة» فجعل النور 
المحمدي لذي هو الأصل› كالبزر والعالم كله شجرة» واللطيفة المودعة في ذلك 
النور سارية في ميع أحزاء الشجرة من أوراق وغصون وأزهار فبه قامت» ولولاه 
ما وحدت» ثم الحقيقة الحمدية الموحودة بصورقا آخخرا عترلة الثمرة هي عين 
اللطيفة البزرية السرية في عوالم الشجرة على أن ظهرت آخرا على أكمل وحه مع 
عوارضها المشخصة: فهي نمر الوحود بأسره ولولاه ما غرست الشجرة ولأحلها 
كان غراسهاء وعي أصلها. 

وقد حعل صاحب الكتاب المذكور هذا المثال أصلاً بن عليه فصول كتابه 
كلهاء وهو حسن جدا مفيد في باب إلا أن فهمه يعسر على غير أهله. 


وقد أطلت الكلام في هذه المسألة لكوفها من غرر الفوائد» لم نر من وفاها 
حقهاء فنسأل الله تعالى أن يتجاوز عن قصورنا وتقصيرناء ويجعل إلى حنة رضوانه 

على أكمل حال غاية مصيرنا. 

وكلام شيخنا الشبراملسي في هذه المسألة هو الذي فتح لنا الباب في هذه 
المسألة» وبيركته فتح لنا ما فتح من فهم هذه المسألة. وشيخنا هذا من أفراد علماء 
القاهرة علما وعملا وزهدا وورعاء وتلامذته من أنحب طلبة الحامع الأزهر» وعليه 
المعول في كشف معضلات العلوم العقلية والنقلية» وليس عصر من يعادل الشيخ 
سلطان ف فن القراءات إلا هى بل كان شيخنا أبو بكر السجتان يفضله عليه في 


)1( الإشارة هنا إلى كتاب: منارات السائرين ومقامات الطائرين» للشيخ نجم الدين أبى بكر محمد أبى بكر 
عبد الله بن محمد بن الشاهانوري الرازي: كشف الظئون 1823:2. 


- 256 - 


8 - 2 £ 2 12 12 
القراءات ويقول: هو اتم منه تحقيقا وأكثر تدقيقاء إلا أن الشيخ سلطان أشهر منه 
في الناس» وأما أهل التحقيق فيميلون إلى الشيخ علي أكثر. 
وقد كان شيخنا أبو بكر يقرأ عليه إلى أن حرج من مصر) مع أنه كان من 
أترابه ورفقائه ي القراءة على شيخ الإقراء عصر» الشيخ عبد ال رحمن اليمئ» رضي 
الله عنهم. 


لطيفة 
3 


أحبرني شيخنا أبو بكر السجتان أنه كان ملازماً كثيراً للشيخ علي 
الشبراملسي» ما بينهما من الألفة واخبّة. قال لي: وما سمعته قط اغتاب إنسان 
صغيرا أو كبيراء حايلاً أو حقيرا حى المشتهرين بالظلم من الولاق إن جاء أحد 
يشتكيهم لا يزيد على الدعاء لهم بالهداية» وهذه منقبة شريفة لا تكاد توحد في 
زماننا إلا شذوذاء وهي ثما يدل على كمال الشيخ في طريق العرفان» ودوام 
مراقبته لله في أقواله وأفعاله» ونور الولاية ظاهر على وجحهه» وسيمياء العارفين بادية 
عليه حشرنا الله في زمرته. 

وتمن لقيته من فقهاء الأزهر المعمور شيخنا عبد الجواد الطريئ» وهو رحل 
مسن أدرك أكابر العلماء بالأزهر» وله سند عال ومشاركة في كثير من العلوم» 
وقد أطلعن الله على جملة من رسائله في مسائل كثيرة غالبها يتعلق ععاني بعسض 
الأحاديث» وقد أحاد في كثير منهاء وقد كتبت له على بعضها تقريضا حسناء 
وقد توق» رحمه الله زمان حوارنا بالحجاز سنة ثلاث وسبعين وألف. 

وممن لقيته عصر الشيخ علي الصوي" الساكن بسطح الجامع الأزهر» وهو 
رحل منفرد فْ بيت لم يتزو ج قط وله مخالطة بالفقهاء وبعض استحضار قي الفقى 
وهو من تُرحى بركته» وكان يتمَنّى احج مع كبر سنه» ويبحث عن علم السيميا 
وأسرار الأسعاء كذلك» وله نيّة صالحة ف ذلك وسألئي عن شيء من ذلك فقلت فقلت 
له: يا شيخ» إن طريق مشايخنا معشر الشاذلية عدم استعمال الأسماء والأذكارء 
طلبا لفائدتما العاحلق بل ولا الآحلة ف الغالب» وإن كان حاصله في ضمن ذلك 


(1) علي الصوفي المصري: صاحب أحوال ومقامات: نشر المثاني 379:2. 


- 257 - 


والكفاية بالله أولى من التعلق بالآثار» والحج م يفرض عليك لضعفك وقلة ذات 
يدك ومن أصول القوم أن لا يتكلف الإنسان ما كلفيّه. وأقر بصواب ما ذكرت 
له ولم ترحع نفسه عن مآربه» ثم م الل عليه بالحج في هذه السنة بأن حرك له 
قلب بعض الولاة» فأحذه معه رحاء بركتى وقام وتكفل بكل مؤنه واللّه يعامل 


العبد على قدر نيته) وينمع أولياءه ولو على يد أعدائه والفضل ما شهدت به 
الأعداء. 


أخيرني هذا الشيخ أن بعض من ينتحل علم الأسماء أخيره أنه كان يستعمل 
دعوة آية الكرسي ويشتغل يها على طريق أهل ذلك الفن» فجاءه روحان وقال: 
آتيك كل يوم بألف شريفي ذهباً بشرط أن تنفقها كلها ولا ييقى عندك درهم 
واحد. فقال له: لا أقدر على هذاء فإنه أمر لا يكاد يخفى» وأخاف على نفسي إن 
ظهر ذلك علي من أرباب الدولة» فلو كنت تأتيئ كل يوم بشريفي واحد أو اثنين 
أو عشرة ففيها الكفاية. فقال لي: لا بد من الألف على الشرط المذكورء وإلا 
فلا. ولم يزل يراحعه في الاقتصار على الكفاية حى أبى عليه فيئس منه وترك قراءة 
الدعوة. 

قلت: وهذا من أعظم دليل على حمق الراغب في الدنياء فإن الله قد تكفل له 
بالكفاية على وحه يرضاه له على قدر حاله» ويعلم فيه صلاحه إن رضي (ولو 
بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن يرل بقدر ما يشاءع)» فلو أعطى ما 
فوق اللائق بحاله لم يستطع؛ ألا ترى أن هذا لما رد إلى حال لا تليق إلا بالملوك 
ومن يحاكيهم لم يقدر على ذلك لأنه فوق طورہ ولو استغيى بالحال, الذي أقامه 
الله فيهاء فإنه أعلم بشؤونه» لاستراح. ولكنه أراد أن يدبر لنفسه حالاً ظَنَّ أنه 
أولى به» وهو على خلاف مراد الله به فنبهه الله عا أراه على أن ما كان يظنه من 
أن كثرة المال هو اللائق حاله» وكسر في الرأي وغلط في التدبير» لعجزه ه عن القيام 
به. وهذا رحل ملطوف به» ولولا للف الله به لقبل ذلك» فيكون فيه حتفه قريبا» 


ولكنه نظر عا آناه الله من نور العقل والحكمة > فعلم أن ذلك لا يتم له لأنه على 
حلاف مقتضى الحكمة الإطية. 


- 258 - 


وممن لقيت» وقد ذهبت لزيارتهء الخليفة من أولاد سيدي محمد بن عنان» 
وهو من بقية أهل الخير» وهم ولاية حامع المقسمء وبه يجتمع أتباعهم للذكر 
وقراءة وظائفهم» وهم من الطوائف المشهورة كصرء وحدهم سيدي محمد ابن 
عنان!؟ من أكابر الصالحين الجامعين بين العلم والعمل» عرف به سيدي عبد 
الوهاب الشعران في الطيقات» وبالغ في الثناء عليف وذكر من أحواله وكراماته 
شيئاً كنيرأء ولم يزل الخبر في أنباعه إلى اليوم. ولهذا الخليفة ولد صاخ مقتف آثار 
أسلافه الكرام» لقيته يجامع المقسمء وأنس ودعا وأتى بطعام» وله معرفة بطريق 
القوم وأخبار الصالحين» وذكر لنا من بركات ذلك المسجدى وأنه من بناء 
الصحابة» وأنه ليس عصر أصح قبلة منه ومن حامع عمرو بن العاص» رضي الله 


حنة. 


قال: وقد ص بعض الأئمة على أنه لا يجوز للمصلي الاحتهاد ثي القبلة إذا 
كان بأحد هذين المسجدين. قلت: ولح أرّ في شيء من التواريخ أن حامع المقسم 
من بناء الصحابة» ويبعد ذلك بكون هذا المسجد في طرف القاهرة من ناحية 
باب الناصرء والقاهرة معلوم أنما من بناء العبيديين» ليست من بناء الصحابة. اللهم 
إلا أن يكون ما بنته الصحابة حارج البلد. وعلى كل حال فهذا المسجد معروف 
البركة) مشهور الذكر عصرء يؤثر أنه لا يلازم أحد الصلاة فيه مدة إلا ويجتمع 
بولي من أولياء الله ينفعه الله به. وم يزل أهل الخير يقصدون هذا المسجد للصلاة 
فيه والدعاء والاعتكاف» وقد ذكره سيدي عبد الوهاب يي كثير من تاليفه رضى 
الله عنه. 

وبإزاء المسجد قريبا منه مسجد لسيدي أحمد الزاهدا» رضى الله عنه» ذكر 
سيدي عبد الوهاب» رضى الله عنه» في الطيقات» أن سيدي احمد الزاهد قال: من 
صلى في مسجدي هذا ركعتين أخحذت بيده يوم القيامة(۴. ولأحل هذه النفعة 
العظيمة قصدت هذا المسجد العظيم إلى أن صليت فيه ركعتين هذه النية. 


(1) الشيخ سيدي محمد عنان» من الزهاد العباد» توفي سنة 922 ه: لواقح الأنوار في طبقات الأخيار» 
ص: 445 - 450. 

(2) الشيخ احمد بن سليمان الزاهد» عالم عامل» مات سنة نيف وعشّرين وثمانمائة» ودفن بمسجد: لواقح 
الأنوار فى طبقات الأخيار» ص: 395 - 398. 

(3) أنظر: لواقح الأنوار في طبقات الأخيار» ص: 396. 


- 259 - 


من أصحاب الشيخ الشتاوي» رضي الله عنه» ولح يتيسر لقاؤه إلا ف ذلك اليوم 
فدعا لي وودّعين» وهو ممن له نحيرة ة بأصول القوم» سيما طريق صاحب ابلجواهر 
الخمس»› > فإنه تمن يرحع إليه فيها بتلك الديارء رضي الله عنه. 


ولا بلغ شهر شوال نحو النصف» حرج احمل الخروج الأول» وذلك يوم 
يُؤتى بكسوة الكعبة المشرّفة من دار الصنعة» فتضرب سحابة على باب القلعة 
فيحضر السناحق كلهم والولاة والأمراء والحكام والقاضي» كل واحد مع أتباعه 
ولكل واحد مجلس معلوم في السحابة المضروبة» ومحلس الباشا ثي الوسط وعن عين 
مجلس القاضي» وكلما أتى واحد من الأمراء وأرباب الدولة حلس في خلسه 
المعهود له» وقريهم من الباشا بحسب قركم في مناصبهم؛ فإذا تكاملوا وأحذوا 
بجالسهمء وصقت الخيل عن عينهم صا كل طائفة مع حنسهاء إل أن سيم 
وآخر من يخرج الباشاء فتخر ج أمامه طائفة من عسكره. بعضهم إثر بعض علي 
ترتيب معلوم وقانون مضبوط. وآخخر من يخرج معه طائفة الشاوشية على أرحلهى 
عليهم حلود النمر» وعلى رؤوسهم طراطير طويلة من اللمطء ها ذيول معكوفة 
بين أكتافهم» وعلى حباههم صفائح من الفضة مستطيلة مع الطراطير إلى فوق 
مموهة بالذهب تلمع لمعاناء فإذا حرج هؤلاء حرج الباشا بإثرهم راكيباء > فإذا 
وصل إلى السحابة قام الكل له واضعين أيديهم على صدورهم حى يجلس» 
وكذلك يفعل من تقدّم للحلوس من الأمراء مع من بأ بعلي فإذا حلس الباشا 
خرط متقن وشباييك ماد انوا ع الأصباخ» وعليها كسوة ة من رفيع الديباج 
المعخوص بالذهب» ورقبة الجمل ورأسه وسائر أعضائه محلاة بجواهر منظمة أبلغ 
نظم» وعليه رسن محلى عثل ذلك. والجمل في غاية ما يكون من السمن وعظم 
الحثة وحسن الخلقة) مخضب حلده كله بالجناء يقوده رحل» وعن عينه وشماله 
آخر» ويتبعه جمل آخر على مثل صفته» ثم يؤتى بالكسوة المشرفة ملفوفة قطعاً 
قطعاء كل قطعة منها على أعواد شبه السلاليم معدة لذلك» يحملها رحال على 
رؤوسهم والناس يتمسحون كا ويتبركون. 


- 260 - 


ويُؤتى بكسوة باب الكعبة منشورة على الأعواد» وتُسْمَّى البرقعء كلها 
مخوصة بالذهب» حن لا يكاد يظهر فيها خيط واحده بصنعة فائقة وكتابة رائقة 
3 يمر بكل ذلك بين يدي الباشا والأمراء ويقومون ها إذا مرت مم تعظيماء 35 
يخلع على الذين صنعوها عحضر ذلك الجمع» ثم يذهب مما كذلك حملتها وعرون 
كما وسط السوق والناس يتمسحون ما حى يبلغوها إلى المشهد الحسيئ» تدشر في 
صحن المسجد وتخاط هناك. ۰ 

وا تفرق الجمع من ذلك الميدان الذي أمام القلعة» خرحت من هناك مع 
بعض أصحابنا لزيارة بعض المشاهد بالقاهرة» فكان مما زرناه المشهد العظيم 
امحتوي على جماعة من أهل البيت رجالا ونساء أشرفهم السيدة نفيسة الطاهرة 
إليها ينسب المشهد وا يعرف وعليها بناء عظيم» وبإزائه مسجد كان الإمام 
الشافعي يصلي به التراويح في رمضان» رضي الله عن جميعهم. وبيوت تسكن قلما 
تخلو من زائر وراغب إلى الله تي كشف كربه. وقبرها معروف بإحابة الدعاى فهو 
ترباق لنيل كل مراد» كقبر ابن عمها موسى الكاظم ببغداد» وهي السيدة نفيسة 
بنت الأمير حسن بن زيد بن علي بن الحسين» دخحلت مصر مع زوحها إسحاق ن 
حعفر الصادق» وكان الإمام الشافعي يصلي ها التراويح قي رمضان» رضي الله عن 

وزرنا أيضاً قبر الإمام الذي لا ينبغي لأحد دخل مصر أن يهمل زيارته» إذ 
هو صاحب التصريف التام حصرء رئيس الأئمة وشيخ مشايخ الأمة» محمد بن 
إدريس الشافعي» رضي الله عنه وعليه بناء عظيم ومسجد وخانقاه» وقوم من 
الفقراء يسكنون هناك وقيم المشهد لا يفارقه ليلا ولا نماراء وهو من المشاهد 
الكرعة والمآثر العظيمة» له أوقاف كثيرة» ويتخذ عند قبره في كل ليلة سبت مولد 
يجتمع فيه ناس كثيرون يضيق م المسجد وأفنيته» ما بين فقراء وأمراء ورحال 
ونساءء يبيتون طول الليل بين ذكر بجماعة وقراءة قرآن وصلاق لا يفقرون إلى 
طلوع الفجرء وذلك دأهم أبداً في كل ليلة سبت. ولا يخاو ذلك ابجمع من جماعة 
من الصالحين» فقد ذكر سيدي عبد الوهاب الشعران أن جماعة من الأولياء 
يحضرون كل يوم لزيارة الإمام الشافعي» رضي الله عنه» وهو حقيق بذلك 
وحدير) فإنه با حل الذي لا يدرك عليما وعملا وحالا وفتوة وحسن أخصلاق 
وزكاء أعراق ونصرة للدين وحماية لى باذلا قي ذلك نفسه وماله وحاهه فقد 


- 261 - 


اتفق العلماء على أنه ليس في أصحاب إمام الأئمة مالك» رضي الله عنه أثبت ولا 
أعلم ولا أفقه من الإمام الشافعي» كما اتفقوا على أن ليس في مشايخ الشافعي 
أجمع للحصال المذكورة من الإمام مالك بن أنس» رضي الله عن جميعهم. وما علم 
من تعظيم كل واحد منهما للآخخر وثنائه عليه» يدل على أنهما عَالِمًا الأمة وناصرًا 
السنة» وشيخا المشرقين والمغربين» وقمرا سماء الكتاب والسئّة المنيرين» فالعلماء في 
كل قطر من بعدهما عيال عليهماء فهما فرسا رهان» وقطيا فلكي الإنتقان. وإن 
انفرد الإمام مالك» رضي الله عنه» بفضيلة السبق ورتبة الأستاذية وسكي المدينةت 
دار الحجرة والسنة إلى أن مات فللامام الشافعي أيضاً مزايا كثيرة ومآثر شهيرق 
استحق بها أن يشتهر ويذكر» ويحمد في دين الله ويشكر. 

نسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقنا محبتهما وتعظيمهما ومحبة سائر الأئمة 
امحتهدين والعلماء المهتدين» خصوصاً شريكاهما في تقرير المذاهب وحيازة 
التشريف اسم الأئمة بالغلبة» وذلك من أعظم المواهب» الإمام الأعظم أيا حنيفة» 
وناصر السنة أحمد بن حنبل» فكلهم على هدى من رهمء ومهتد حقا من اهتدى 
يې فرضي لله عنهم وعن سائر العلماء أجمعين» وحعلنا لمنامجهم السديدة من 
حيار المتبعين. 

وقد زرنا أيضاً قبر الإمامين الشاعخين الحمامين الحاملين لراية مذهب الإمام 
مالك» السالكين في ذلك أحسن المسالك» راوية المذهب عبد ال رحمن بن القاسمل 
وحاميه وناصره أشهب» رضي الله عنهماء وقبراهما متجاوران» وبإزائهما قور 
كثيرة لمشايخ الأمق رضي الله عنهم. 

وزرنا أيضاً شيخ المشتهرين بحب الله وأمير المؤمنين فل الشوق إلى الخضرة 
القدسية» لسان الحبين» أبا حفص عمر بن الفارض» رضي الله عنه» وعليه بناء 
ومسجد عليه أثر المهابة ورقة الصبابة. 


2 Ê 
وزرنا أيضا قبور السادات بي الوفا» مناهل الصفاء ومشايخ العارفين.‎ 


(1) عبد الرحمن بن القاسم العتقي» فقيه حافظء صحب الإمام مالك عشرين سئة وتفقه به توفي بمصر 
سنة 191 ه: شجرة النور الزكية 88:1. 

)2( أبو عمر أشهب بن عبد العزيز المصري» فقيه مالكي» توفي بمصر سنة 4 هت: شجرة النور 
الزكية 89:1. 


- 262 - 


وزرنا أيضاً الإمام تاج الدين ابن عطاء الى والإمام شرف الدين 
الأبوصيري» وغيرهما من المشايخ. وطلعنا إلى قبر الشيخ أي عبد الله الملغاوري» 
وهو على حرف الخبل» مشرف على القرافة كلهاء فاستقبلنا من هنالك من با من 
المشايخ» وقرأنا الفاتحة لساكنهاء وتوجهنا إليهم» ونسأل الله أن ينفعنا عحبتهم. 


وفضل القرافة وما اشتملت عليه من المزارات أشهر من أن يذكر وأظهر من 
أن يشهر» وقد ورد غب الاثار أا بقعة من الجحنة) ولذلك أمر عمر بن الخطاب 
رضي الله عنه» بحعلها مقبرة للمسلمين» قائلا: لا أعلم تربة الجنة إلا مقابر 
المسلمين» » فرضي الله عنه» ما أصدق فراسته وأحل إمامته. 

وقد زرنا في ذلك اليوم المسجد المنسوب للأمير العدل أحمد بن طول ون 
وهو من أقدم مساحد القاهرة» وله بركة» وقد قيل إن موسىء عليه السلام ناحى 
ربه ف ذلك المكان» وكان يعرف بحبل يشكرء وقد ذكر ابن حلكان وغيره أن 
البي» صلى الله عليه وسل هو الذي عَيّن له في النوم المكان الذي بن فيه قبلته©. 
وهو على شكل المسجد الحرام» وق وسط صحنه قبة فيها ماء للوضوء والشرب 
على شكل البيت كما زعمواء إلا أن هذا المسجد أصغر من المسجد الحرام بكثيرء 
وبخارج المسجد زيادة كثيرة» كان حجاج المغارية يترلون فيها بإبلهم وأخبيتهم 
أيام الإقامة» وكان يي ذلك رفق بالضعيف الذي لا يقدر على كراء امازل ثم 
منعوا منها في هذه السنين الأخيرة بعد الستين» وقي حسن الحاضرة أن هذه الزيادة 
كانت أولا في المسجداة. 


ومن يوم خروج احمل شمر الناس عن ساق الحد في التجهيز للسفر باتخاذ 
الزاد وشراء الإبل وكرائهاء وأزيحت العلل» وكان الناس قبل ذلك في سعة من 
أمرهم. وقد الحمالون من الصعيد والأرياف» وكثر طالبو الكراء واختلفت 
رغبات الناس» فمن قائل على الكراء» ومن قائل على الطلوع بإبله» فمن أراد 


(1) أحمد بن طولون: صاحب الديار المصرية والشامية والثغور» كان المعتز بالله قد ولاه مصر ثم استولى 
على دمشق والشام أجمع وأنطاكية, ہنی الجامع المتسوب اليه الذي بين القأدرة ومصر في مدئة تسع 
وخمسين ومائتين» وهذه الزيادة حكاها الفرغاني في تاریخه» وذكر القضاعي في كثاب الخطط أنه شرع في 
عمارته مدنة أربع وستين ومائتين وفرغ منه في سنه ست ومدتين ومائتين» توفي نة 270 ه: وفيات 
الأعيان 1. شذرات الذهب 1: 157. 

(2) أنظر: الانتصار لواسطة عقد الأمصار 11. 

(3) حسن المحاضرة 199:2. 


- 263 - 


راحة بدنه وتعب قلبه والخصومة آناء الليل وأطراف النهار اكترى» ومن 0 أراد 
سلامة قلبه ودينه والمخاطرة عاله اشترى إبله. 


ثم يأ عرب الدرب للكراء على حمل الفول من مصر على المويلح» فيشتري 
من عندهم كل من يطلع بإبله على ما يحتاج من العلف إلى المويلح» » إذلاتقدر 
الإبل على حمل زادها وحمل زاد أربايما ذهابا وإيابا. ومن أراد المخاطرة فلا يكتري 
شيئاء ويشتري في كل بندر ما يحتاج إليه» إلا أنه رعا يقل في بعض الأحيانء 
فيُشترى في بعض امحال غاليا. وغالب الأوقات يكون الأمر متقاربا في الشراء 
والكراء» ورعا كان الشراء أرحص من الكراء» ولا يكتري أحد عند عرب الدرب 
للفول حى يأني شيخهم إلى أمير الركب» ويتقاطع معه ثي الكراء ويعطون له 
حملاء هناك عصر لئلا يغدرواء ومع ذلك رعا غدروا في بعض السنين» فيغلى الفول 
ف بعض البنادر. 

فإذا كان اليوم الحادي والعشرون من شوال حرج المحمل الشريف من 
القاهرة» وهذا اليوم هو يوم حرو ج الحمل الكبير الذي هو من أيام الزينة» ويجتمع 
له الناس من أطراف البلدء ويؤتى بكسوة ة البيت من موضع خحياطتهاء وتحعل في 
ا حال الي تحمل فيهاء ويجتمع الأمراء والصناحق والحند جميعا على الهيأة المتقدمة في 
الخروج الأول» إلا أن هذا أتم احتفالا وأكثر جمعاء فإذا تكامل جمع الأمراء على 
الوحه المتقدم» وصفت الخيل والرماة» ورج الباشاء حيء مجميع ما يحتاج غليه 
أمير الحج من إبل وقرب ومطابخ وخيل ورماة وغير ذلك من الأسباب الي تخرج 
من بيت المال» فيحضر جميع ذلك ف الميدان» كل طائفة ها أمير مقدم عليهاء حي 
الطباحين والفراشين والسقائين» ثم يؤتى با حمل الشريف على جمله المذكور أو 
يقوده سائسه حى يناول رسن الجمل للباشاء فيأحذه بيده ويناوله لأمير الحجاج 
عحضر القاضي والأمراء ومعاينتهم» ثم يناوله أمير الحج لسائسه» فيذهب به. 
وذلك كله كالشهادة على الباشا بأنه مكن للأمير احمل وكل ما يحتاج إليه أمير 
احج من ذهابه إلى إيابه» وعلى أمير الحج بأنه تسلم ذلك» ويشهد على ذلك 
القاضي والأمراءء ويكتب بذلك إلى السلطان. 

فإذا مر احمل بين يدي الباشا وذهب» حيء بالإبل عر بها بين يديه عا عليها 
من القرب والمطابيخ والآلات» كل طائفة عقدمهاء فإذا مرت الإبل كلها حيء 
بالمدافع» وهي خمسة تحرها البغال. ثم حاء الرماة الرحالة من ورائها فيممرون. ثم 


- 264- 


تأي الخيل فتمر» فإذا مر جميع ذلك بين يدي الباشا حاء أرباب الوظائف» كل 
طائفة مع مشايخ الصوفية بشيخهم ولوائهې» رافعين أصواتهم بالذكر» كالقادرية 
والرفاعية والبدوية والدسوقية» حى السعاة ينون بشيخهم. فيمرون بين يدي 
الباشا ويعطيهم ما تيس فإذا لم يبق أحد ممن عر بين يديه حلع الباشا على أمير 
الحج حلعة» وعلى كل أمرائه الذاهبين معه» كالكيخيا والدويدار وغيرهمك2 ثم 
يودغه وينصرف. 


غ عر بال وسار 0 المدينة والناس مشرفون من الديار 


أخبرنا أن بعض تلك الديار المشرفة على الشوارع قد ُكرى من أول السنة 
ولا يسكنها مكتريهاء ولا يترا إلا في ذلك اليوم قصد التفرّجء وفيما سوى ذلك 
من الأيام تبقى معطلة أو يسكنها غيره. 


وبالجملة» فهذا اليوم عندهي من أعظم أيام السنة» ولا ثاني له إلا يوم كسر 
النيل عند وفائه» ويقرب منه أيضا يوم قدوم الحاج» فهذه الأيام الثلائة هي الي 
حتفل ها عندهم غاية الاحتفال ويهتبل أتم الاهتيال. 
فإذا حرج المحمل من الميدان الذي على باب القلعة إلى فضاء الرملة» بهي 
الكثير من الخيل هناك للتعب» ولا يذهب معه إلا المعينون للسفر معه. والرملة 
فضاء واسع حارج قلعة التبل» وفيه تباع الإبل والخيل وسائر الدواب» وبه يوحد 
غالب ما يحتاحه الحاج من الأثاث والأمتعة» وتنصب فيه أيام الموسم أراحي 
متعددة لتدشيش الفول» يديرها الرحال بأيديهم مع كبرهاء وقد أعطوا قوة على 
م يطحن الرحلان أرادب متعددة في يوم واحد» فتكون بالرملة هبر من الفول 
شش» كل هبر تزيد على المائة إردب» ومن هناك يكيل غالب الحجاج فوهي 
وسر هدا ف 2 الرهم کرت لجال يشو به» فلا يراه صاحبه إلى 
مكان المشترط معهم» وهو المويلح في الغالب. 


- 265 - 


وقي الرملة كثير من حلق المعجبين يلعبون هناك في سائر الأيام» كأنواع 
المشعوذين وأصحاب القرود ومن ضاهاهم من أصحاب اللعب بأنواع الحيوانات» 
كالدب والحمير والتيوس والكلاب. 

وبالجملة فأهل مصر هم ذكاء زائد وحيل غريبة» قد سخرت هم أنواع 
الحيوانات» فقليل من أصناف الحيوانات ما لا يوحد عندهم مسخرا مذللاء 
فسبحان الذي خلق لابن آدم ما ف الأرض جيعاء (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم 
في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير من خخلقنا تفضيلا)!". 

وبطرف الرملة مسجد السلطان حسن» وهو مسجد حسن لا ثانى له ي 
مصر ولا في غيرها من البلاد ف فخامة البناء ونباهته وارتفاعه» وإحكامه واتساع 
حناياه وطول أعملته الرخحامية وسعة أبوابه كأنه حبال منحوتة» تصفق الرياح في 
أيام الصيف بأبوابه» كما تفعل في شواهق الخبال» وفي أحد أبوابه سارية رخامية 
لطيفة يقال إنهُا من إيوان كسرى» وفيها نقوش عجيبة يقال إن على صورقا 
وضعت أبواب المسجد. قال المقريزي: لا يعرف ببلد الإسلام معبد من معابد 
المسلمين يحكي هذه المدرسة في كبر قالبها وحسن هندامها وضخامة شكلها. قال: 
وذرع إيوانها الكبير خمسة وستون ذراعا في مثلهاء ويقال إنه أكبر من إيوان 
كسرى بخمسة أذرع. وقد وحدنا ركنا منه قد افد فكنه طرف حبل قد سقط 
فملاً ما تساقط ۰ من الشوارع وال رجاب الي پازا رو ساسم كدو ارم 
الشوارع والرحاب تتعاد للبناء ثانيا ٠‏ اذا کان هذا أحرة جمع النتقض فما بالك 
بأحرة البناء. 
الجانب المهدوم» وبالوا في إتقان صنعته ورفع بنائه ليناسب البناء الأول» فكان كما 
قيل: 

[بسيط] 


4 


يا بارقا [من] بأعلى الرقمتين بدا لقد حكيت ولكن فاتك الشنب©) 


(1) الإيىراء: 70. 
(2) الشنب: ماء ورقة يجر على الثغر؛ وقيل: رقة وبرد وعذوبة في الأسنان: لسان العرب: شئب. 


- 266 - 


فرحم الله أفاضل الملوك الذين درجواء والذين من الخلف على منهاجهم 
فجوء لقد خحلدوا من المآثر الدينية ما أوحب خلود الثناء عليهم ووصول الدعاء 
ممن بعدهم إليهم. ولم يزل أهل المشرق إلى الآن هم فضل اعتناء ببناء اللساحد 
والخانقات» ويبالغون في تعظيمهاء يتأنقون في ذلك ويبادرون على إصلاح ما وهى 
منها. وأما أهل مغربنا فلا تكاد ترى في مدائنهم مسجدا عظيما قد أحدث» بل 
ولا مهدما قد حدد, أو واهيا قد اصلح؛ بل لو سقط شيء من اكبر مسساحدهم 
فاحسن أحوطم فيه إن كان مبنيا برخام أن يعاد بآحر وحص» وإن كان بحصّصا 
أن يعاد بطين» بحيث تحد المسجد كأن مرقعة فقير هندي من كل لون رقعة» وإلى 
الله المشتكى. 

وما أرى ما حل عغربنا من الوهن إلا بسبب أمثال هذا من عدم تعظيم 
شعائر اللّى ولو في الأمور الظاهرة» فضلا عن الباطنة» وقد قيل: إذا أراد الله خلاء 
بلد بدأ ببيته ثم يتبعه ما سواه» وإذا أراد عمارته فكذلك. 


ثم يسار با محمل على هيئته وتعبئته حي يترل ذلك اليوم بالعادلية ارج باب 
القصرء فيقم هناك إلى اليوم الثالث والعشرين!"» فيرحلون من هنالك إلى البركة. 
ويخرج أمير الحج وجميع عسكره. ويخرج مع الركب من المشيعين ومن العساكر 
والأمراء أضعافهم» فتنصب الأسواق هناك ويخرج غالب الباعة والمتسببين» بحيث 
يوحد هناك ما يحتاج إلى السفر بأرخص من سعر مصرء ويقيمون هناك إلى آخخر 


اليوم السابع والعشرين© 


وأما ركب المغاربة فلا يخرج منهم إلا من قصده الذهاب مع المصري مؤثرا 
ي أيام الصيف. وإغا لد ذلك غالبا صنفان من الناس: أهل القوة الذين لهم 
كفم مرف ولا شلك أن هذا ازل طم م الس ارا إذا رطا تفس عل 
بذل الدينار والدرهم للجمال والعكام۴ والسقاء والطياخ وقائد الإبل وغيرهمم. 


(1) في الأصل: العشرون» والصواب ما أثيتناه. 
(2) في الأصل: العشرون» والصواب ما أثيتاه. 
العرب: ٤‏ 

م 


- 267 - 


والنصف الآخحر الفقراء الذين لا إبل هم ولار أمتعة» فيسترفقون عند المصري يلماء 
المسبل في أوقات من الليل وعند الرحيل نمار مع ما ناهم من أهل الثروة من 
التصدق وبفضل الأطعمة. إلا امم يكابدون مشقة عظيمة ثي المشي والسهر ليلا 
وټ النهار يشتغلون بالسعي على ما يقوتهم» فلا يكادون ينامون إلا قليلاً. وأما 
المدسوقة والباعة والحمالون من فلاحي مصر فلهم قوة وفرط صبر على مكابدة 
أعظم من ذلك» فبالليل يسيرون وبالنهار يعملون في البيع والشراء والسقي والطبخ 
وعلف الإبل وإصلاح أقتابها ومداواة حراحانماء فلا يكادون ينامون حن القليل. 

وقد أخبرنا أن بعض من اعتاد السفر في درب الحجاز من الحمالين أنه لم ينم 
من يوم حرج من مصر إلى أن رحع إلى مصر مائة يوم» وهذا كانحال عادة» فإن 
صح فهو من اغرب الغرائب» ولعله كان لا يضطجع للنوم على هيأة القاصد 
لذلك» بل يغفي إغفاءة تارة على ظهر بعير» وتارة في وقت انتظار حاحة أو فراغ 
من أكل أو ما يضاهي ذلك فإن كان مثل هذا فلا يستبعد. 


- 268 - 


ذكر خروجنا من مصر إلى درب الحجاز 


وما 2 أخيار الدرب من حقيقة ومجاز 


کان ارتحالنا من مصر بكرة ة يوم الخميس السابع والعشرين من شوال» 
اغتناما لشمول بركة الدعاء النبوي: اللهم بارك لأمي في بكورها يوم الخميس0. 
ويي ذلك اليوم حرج معظم المغارية» ورج أميرهم» وكان خروج أصحابنا بالإبل 
على القرافة الصغرى» وتأحرت أنا لبعض أغراض» فخرحت على باب الناصر. 
والطريق كلها من مصر إلى البركة كأكما سوق واحد من كثرة الذاهب والجحائي» 
وكثرة الباعة لأنواع الطعام على الطرقات. ونزلنا قبل الظهر بالبركة الي هي محل 
نزول ال ركب المصري في فسيح من الأرض على شط بركة واسعة مد البصرء 
يتموج فيها ماء النيل العذب الفرات» تنصب فيها الأسواق الحافلة بشط البركة 
والقهاوي المزحرفة والفساطيط المونقة» ويخرج غالب أهل مصر لوداع الهاج 
والتفرج هناك والتتره في بساتين ومقاصر على شاطئ النيل المنصب إلى تلك 
البركة» وف حانبها الغربي قرى متعددة في أحدها مسجد لسيدي إبراهيم 
المتبولي!©» حسبما ذكره الشيخ الشعران في الطيقات» فذهبنا لزيارة ذلك المسجدى 
وعند نزولنا أذ المصري في الارتحال» وتلك عادته في الرحيل في اليوم السابع 
والعشرين» ورحع المشيعون له من هنالك» وأكثر المتسوقين في ذلك الوم وم 
يبت عندهم إلا القليل» وبات هنالك من عَيّن لحراسة الركب من الجندء لأن 
العادة من يوم خروج الركب المصري إلى العادلية ثم إلى البركة» يعين للحروج 
طوائف من العسكر يترلون في نواحي الطريق من مصر إلى البركة ئلا يتتهب أحد 
أو يغار علي لاتصال المارة من مصر إلى القاهرة» ليلا وثماراً. ولا ترحع العساكر 
من هناك حى ترتحل الأركاب كلهاء ولم يخرج آخر المصري من الدار إلى قرب 
المغرب. 


)1( المعجم الكبير 286:10. 
)2( لواقح الأنوار في طبقات الأخيارء ص: 403. 


- 269 - 


وبات الركب المغربي هناك يتملون من رؤية النيل وشرب مائه» ويتمتعون 
بشميم عواره!؟» وطيب غذائه وقد مزحوا حلاوة مائه» يتمتعون عرارة ماله» من 
شدائد الدرب يتوقعون. وبات الناس يثيرون الرواحل وينيخوفاء ويشدون عليها 
أقتابما ويرخوفاء ويرتبون الأمتعة في الغرائر» وقد شقت منهم خحوف هجوم 
الرحيل المرائر» وحملوا ما قدروا عليه من زلال ماء النيل» ولثقل الأحمال والشفقة 
على الخمال لم نحمل منه إلا القليل» وتلك الليلة عند الحجاج أخرى الليالي 
المشهورة» وبالقصر وعدم انشراح الصدر مذكورة» كان الدرب أمامهم عدوا لا 
يرحم وبحر لا يقتحم» يترقبون مزاولته عند الصباح» ومبادرته بالكفاح. وإنه 
لكذلك لورلا ألطاف الله الخفية فيما هنالك. 

ولا كان أمر الناس في هذه السنة متفقاء وأميرهم إلى كثير من الخيرات 
مستبقاء نادى مناديه عشاء ألا يرحل أحد حى يصلي الفجرء ويضرب الطيل 
فيزول الحجر. وبعد صلاة الصبح من يوم الجمعة أخذ الناس في الارتحال وأثيرت 
الرحال» واستقبل يها مطلع الشمس ووحهة الصلوات الخمس»› ودع اشاي 
أصحاهم وفارقوا أحبايمي فودعنا هنالك صاحبنا وأحانا في الله الشيخ علي 
الدمشيي» وهو رجحل من أهل الخيرء م نر صر أصدق منه لحجة ولا أهدى مححةءٍ 
ولا أوق ذمة» فهو في الخلق الحسن وحده أمة» وكان ثقة أميناً يرا ديا فاضلاً 
سخياً ورعا تقيأء يبيع الكتب بالأزهر وتلك معيشته» وتكفل لنا بالدعاء أيام 
غيبتناء وقد رأينا بركة دعائه في مسيرنا. 

ثم سرنا ذلك اليوم فى أطيب هواء لا حر ولا قرء لا مخافة ولا سآمة» قد 
جعله الله علينا برداً وسلاما. وقد تأحرنا بجماعتنا ضحى فظهرت لنا بالبيداء حيل 
قليلة ”موا أن يقتطعونا دون ال ركب فلما رأيناهم قيأنا لمقانلتهم > فرأوا الحد منا 
فتجنبوناء وكفانا الله شرهم. ٠‏ ثم نزلنا الدار الجمراء عند العصر» ووبجذدكنا انحر 


المصري في المترل» وكنا أيام إقامتنا عصر» بل ومن قبل ذلك» قد أَمّسًا أمر الحر ف 
الدرب» كثيرا ما استقبلنا فيه حارة القيظ وأوان اشتد الس مع صعوبة المسالك 


وكثرة المهالك» وحد السبر وكثرة الشر» فجعلنا لا ناتقي أحدا من تسم فيه 
الخير إلا استودعناه اللعاء أن بيسر الله علينا» فوحدناء وله الحمد والشكر» بركة 


دعائهم» فلم نر قف طریقنا بفضل الل ما يسوؤنا. 
)1( العوار: شجرة خضراء: لسان العرب: عور. 


- 270 - 


ثم ارتحلنا من هناك ونزلنا عجرود عند المغرب» وماؤه يضرب به المثل في 
لقبح» واشتهر بذلك مع وحود ما يضاهيه كثيرا في مياه الدرب» إلا أنه كان أول 
ماء يرده الحاج قبل أن يألف مشاق الطريق» مع اعتياد الناس قبل ذلك لاء النيل» 
ووحود فضلة منه» لا يكادون يسيغون منه حرعة إلا وعمت من بطوتهم بالرحعة) 
وق هذا المورد حصنان متقاربان مبنيان بأوثق بناء» يترك الناس فيها ما استتثقلوه 
من الأزودة والأمتعة إلى الرحوع» وكثيراً ما تعطب المتين من الإبل ف هاتين 
المرحلتين» لحد السير وثقل الأحمال» إذ لم يخفف منها شيء والإبل قد ألفت الراحة 
عصر ويغلب عليها السمن» وكثير من الناس لا يشفقون عليهاء فيحملوفها فوق 
طاقتهاء ولا يرخون عليها في المشي لما يتوقعون من خوف اللصوص على من 
تأحر» فكل واحد يريد أن يتقدم وقد لطف الله بنا لكوننا ف جماعة لا بأس ماء 
نتأخر في الغالب على الركب» فنسير بإبلنا على مهل» وينضم إلينا من ضعف من 
الناس أو تأر لغرض» فكان لنا في ذلك وللناس خير كثير» فلم يبق لنا في الدرب 
كله جمل. 

وقي أحد الخصنين اللذين هناك بثر كبيرة يسن دائماً بالبقر» ويخرج الماء من 
البندر إلى برك ثلاثة حارحه» اثنتان صغيرتان» والثالئة كبيرة» وصورها هكذا: 


وعمق كل واحدة نحو العشرة أذرع» ودور الكبيرة نحو الثلاثين ذراعا ف 
تصفهاء وكنا خدشينا ألا نجد في البرك ماي لأ اركب المصري يشريه في الغالب» 
کلف ول يكثر الاس السقي منه لعزمهم على ورود ماء النابعة وا مشي على 
طريقها. 

ون الخصنين المذكورين عسر لا يفارقهما أبدأء وكذلك غيره من البناد في 
كل سنة يأ قوم فيذهب الذين كانوا فيه وهم حراية من بيت الال على ذلك 


- 271 - 


ولولا لطف الله بالعباد بوحود هذه البنادر يل الطريق» لما قدر أحد على سلوكهاء 
مع كثرة مخاوفها وقلة مرافقهالء ولكن الله سلم» (إنه عليم بذات الصدور)!". 


ee 


سميم : 


قد ظفرت عصر برسالة للشيخ محمد البكري» وأظنه شيخنا محمد بن الشيخ 
زين العابدين» ذكر فيها منازل الحج ودياره ذهابا وإياباء وحقق قدر ما قي كل 
مرحلة من الساعات والدرج والدقائق» وصعوبتها وسهولتهاء بنثر بليغ وعبارات 
رائقة» وذكر في كل مزلة شعرا يتعلق بأحوااء فأردت أن أقتطف منها ما يكون 
في أذن هذه الرحلة شنفاء إذ كلامى بالنسبة إلى كلامه لا يعد معه صنفاء ولا 
كانت المنازل الي ذكرها قد لا تتفق مع منازلناء ومراحله تزيد أو تنقص عن بعض 
مراحلناء لم أذكر قي كل مرحلة ما يناسبها من كلامه» فأخرت ذلك إلى آخر 
مر حلتين») أو ثلاثة أو أزيدى فاخترت لإدراج كلامه المراحل الى فيها البناد لأا 
في الغالب متفقة» فإذا حاء ذكر بندر من البنادر ذكرت من كلامه ما يتعلق 
بالمراحل الي قبله» ليكون ذلك أسهل لطالعته وأبقى لرونق كلامه من التقطيع 
وكثير التوزيع» فلنذكر الآن من كلامه ما يتعلق بالمراحل الي قبل عجرود» فأقول: 
قال الشيخ البكري» رضي الله عنه فأول المنازل البركة المباركة» الي توحدت في 
مشارق أنوارها ومشارع شوارع أقطارها عن المشاركة» وقصرت عن أوصاف 
محاسنها ذوي اللسن» وجمعت بين الماء والخضرة وقدوم الوحه الحسن» فهي مخضرة 
الأكناف» بديعة الأوصاف» قد صدحت أطيارهاء ونفحت بالنسائم أزهارهاء وجا 
الخيام منصوبة ومرفوعة» والخيرات لا مقطوعة ولا منوعة» مع وقوف شارافا على 
الأقدام» يستمد بضوئها في الليل من له على القدوم إقدام» كأنه في حنح الليل نحم 
الثريا إذا اقترنت بالنشرة أو الإكليل إذا قارن الزهرة» ويها سوق تساق إليها بدائع 
البضائع الي يحتاج ها المسافر في كل الوقائع» ما قصد نحوه قاصدء إلا وعاد منه 


(1) الملك: 13. 
)2( البركة: موضع على بركة من برك النيل» وفيه محل اجتماع الركبان: أنس الساري والسارب» ص: 
69. 


- 272 - 


موصولا بالصلة والعائد» وكان هذا النعيم المقيم مسامرنا قي الذهاب والإياب إلى 
أن رحعنا إلى بركة الحج ثانيا ولقينا الأحباب": 


قال الشاعر: 

[بجزوء الرحز] 
برك والح جترى انخلازمًالكن عج6 
وبرج دا يحكلبي وملا رة لاذه همه با 
فهانسيم راق بلطف ويشفي الوصب 
والفيرٌ فوق بابهها يشذوبأواع الطرب 


50 1 1 1 8 برک 5 


تل غالقل ب الأربْ 


واس يوقولإا وق با 


وبعدما كملت الركائب» واحتمع بعد التفريق بحائد النجائب» وانقضى مقام 
المقيل» ونودي ف ذلك المكان الرحب بالرحيل» وحمل احمل الشريف» وفارق 
المربع والظل الوريف» وسار الرآكب سير السيل» وتسابقت العيس لهات امثير 
كأنما الخيل» حى وصل إلى قرب البويب المعروف بالتصغير» و الحقيقة هو باب 
الدرب ومفتاح السيرء فاحتمع مل الركاب في ذلك المكان» ورحع المودع في حبر 
كان» فاستراح الناس والبهائم» واستيقظ بسهر الليل كل نائم ثم أطعمت الجمال 
العلائق» وقطع الحجاج من تلك المخطة العلائق. ومدة السير إلى تلك المرحلة ثلاث 
ساعات مكملة» ثم نادي منادي الرحيل» فسار الركب إلى أن أصبح مقاربا للبئر 
الموانع» وبه تقطير ابأحمال وضبطها ف سير الركوب واحتياج لمشي من تعبه إلى 
الراحة وال ركوب فيا له من يوم تقطر فيه الدموع» ويطول فيه الوقوف والوقوع» 
وتشرب فيه الفقراء كاسات الردى لشدة ما يحصل ها من حور انود واعتداء 


(1) عادت هنا ط للمسار الطييعي لنص الرحلة العياشية. 
(2) وردت الأبيات في الترجمانة الكبرى التي ينقل صاحبها فقرة كاملة من الرحلة العياشية: الترجمانة 
الكبرى 217 - 230. 


-273- 


الاعتداء» فما من فقير إلا ويحتاج إلى غي يشفعه» وإلى عادل من ظلامته ينصفه 
قال الشاعر!: 
[المديد] 
قد تيبا إلى محل المصانع فاصنع الخير فيه إن كنت صانع 
وانفع الناس في كثير ميل عل تلقى خيرا كثيرا ونافع 

واعلم أن عدة درج المسير إلى هذه المترلة ست ساعات على التحرير. ثم قام 
دليل الركب للمسير وأمر الناس من تقطيع أزمة الحمال بالتقطير» فسرنا طول ليلنا 
إلى الإسفار» واسترحنا بالوصول إلى عجرود عن مشقة الأسفار» فوصلنا إلى بندر 
عجرود» وماؤه ملح أحاج غير مورود» فأتانا أهل بندر السويس وعطفوا علينا 
انعطاف الأغصان ف الميل والميس» وأهدوا إلينا الأحطاب للمشاعلء» والأغنام 
للم كل. وعدة درج هذه المرحلة المبهجة سبعة وثمانون درحة. ه كلام الشيخ 
البكري رضي الله عنه. 

فلنر حع إلى ذكر مراحلنا وحيث انتهى سيرنا فأقول» والله المستعان وعليه في 
جميع الأمور التكلان» إنه خير معين» آمين» آمين» آمين: ثم ارتحلنا من عجروداةا 
قاصدين للنابعة» وعدلنا عن طريق الحاج الى فيها المصانع عيناء» والمصانع سواري 
مبنية ف سبخة لا يظهر فيها أثر الطريق» فجعلوا تلك الأعلام المبنية ليستدل يما 
على الطريق» وحعلوا في رؤوس الأبنية حجرأ مستطيلا خارحا إلى ناحية الطريق 
ليستدل به الماشي ليلاء ورعا عَلقوا على بعض الأعلام مصابيح بليل» وبين كل 
علم وعلم نحو من فرسخ أو أقل» حى انتهوا يما إلى رأس وادي الرمل. وعلى هذا 
الطريق يسلك الحاج المصري دائماء وكذا المغريء إلا في أوان الجر وحوف 
العطش فيعدلون إلي النابعة عن60 طريق الصاني حي يظهر لنا البحر» وتقرب منا 
مدينة السويس حداء حى يكاد الإنسان أن يتين من هو بخارحهاء وهي مدينة 
صغيرة ذات أسواق ومساحد ووكالات مستطيلة على شاطئ البحر الماح الذي 
يأني من اند وهناك يقف بين حبال شاخة. وبينه وبين البحر الرومي نحو من 


(1) أنظر: الترجمانة الكبرى ص: 218. 
)2( عجرود: منها يحمل ركب الحجيج الماء: أنس الساري والسارب» ص: 70. 
(3) في ط: على. 


- 274 - 


مرحلتين» وتي هذه المدينة ترسى السفن الي تأني من حدة ومكة واليمن وفيها 
السلع الي لا تحصى والبضائع الي لا تستقصى» ومن هناك تحمل إلى مصر في البر. 
فلما تحاوزنا واه" المدينة وخحلفناها وراء ظهورناء والبحر عن عينناء نزلنا بعد 
الظهر بالنابعة؛ وهي واد كبير ذو رمل فيه أحساء كثيرة تزيد على الماثة» بل أين ما 
حفرت مقدار وقفة أو أقل وحدت ماء حلوا باردا في غاية الحلاوة كأنه ماء اليل 
فلرعا يتوهم أنه أحسن منه. وسقى الناس منه إبلهم وأخذوا من الماء حاحتهي 
ووحدنا الأعراب الشعارة الذين يحماون الفول مع المصري قد نزلوا هناك وتلك 
طريقهم دائماء ومعهم جملة من الخيل الدرب©) وكانت هذه المسافة قبل ذلك 
يتدرك يما أقوام من العرب» ثم إفهم نافقو!© وذهبوا إلى ناحية غزة» وتدرك يما 
آخرون» فخاف الناس في هذه السنة منهم» فكفى الله شرهم. 

ثم ارتحلنا من النابعة وسلكنا بين حبال في أودية من الرمل» وكان الحواء باردا 
والماء عذبا والناس ماشون على مهل متبسطون ف غاية البسط» وكنت أقول 
لأصحابنا ممازحا: من عد هذا اليوم من أيام الدرب فقد ظلمه لأنه خالف الدرب 
في سائر أوصافه» فإن طريق الدرب معروفة بالماء القبيح والحر والخوف» وهذا 
اليوم بخلاف ذلك. ولم نبت تلك الليلة حي توسطنا وادي الخروب4) حيث تلتقي 
طريق النابعة وطريق المصانع» وسممي الوادي بشجرة من الخروب كبيرة في أصل 
الوادي. 

ثم ارتحلنا من هناك وسرنا في الوادي مدة» ومررنا بالعقبة المشرفة على التي 
وهي عقبة فيها بعض صعوبة إلا أنها قد سويت وبنيت بناء متقنا حي صارت 
طريقا لاحبا(» ونزلنا منها إلى أرض التيه بعد طلوع الشمس» وهي أرض مقفرة 
موحشة طويلة عريضة معطشة قد امتدت فيها الطرق امتداد السطور ق الطروس› 
لم يلحقها على قدم العهد دروس. 

وهذا امحل من امحال الي تعظم فيها المشقة أيام الحر» وقد تتلف فيها أنفس 
كثيرة بالعطش» وقد وقع لنا مثل ذلك في سنة تسع وخمسين؛ ارتحل الناس من 
(1) الوجاه: هو وجاهك› أي حذاءك من تلقاء وجهك: لسان العرب: وجه. 
(2) الخيل الدرب: الت تي ألفت الركوب والسير؛ أي عودت المشي في الدروب: لسان العرب: درب. 
(3) ناققوا: أنفق الرجل إنفاقا إذا وجد نفاقا لمتاعه: لسان العرب: نفق. 


(4) سماه ابن مليح واد الخروبة: أنس الساري والسارب» ص: 70. 
)5( اللاحب: الطريق الواضح: لسان العرب: لحب. 


-275- 


عجرود ظهراً» ولم يعروا على النابعة» فبتنا ليلتين بلا ماء إلا ماء عجرود الذي لا 
يتجرعه الظمآن ولا يكاد يسيغه» فلم نصل إلى أرض التيه حى اشتد الحر في اليوم 
اثالث وقل الماى ومات بعض الإبل» وحعل الناس يعصرون ما في بطون الإبل من 
الفرث ويشربونه» ويي ذلك قلت: 


[متقارب] 
ومأنس بالق هيرمابو تفاكاالحجيجٌ صّدى وولُوها 
وإن يسفغغيفوا يُغفاثوا بماء عجرود کال" يشوي الوجُوما 


وأما في هذه السنة فلم يل الناس فيه أذى لوحود الماء العذب. ودخاناه على 
أول النهار و لم نبت حئ قاربنا بندر النخيل» > وق الخد أتينا النخيل صباحاً ووحدنا 
الركب المصري قد بات به» وصادفنا هناك سوقاً كبيرة فيها كثير من أنواع 
الفواكه الشامية أتى با أهل غزة؛ مثل التفاح واللوز وغير ذلك» وهناك بندر 
حصين فيه بثر ماؤه عذبة كبيرة لا تترح© أبداء يُسقى منها بالبقر إلى برك خارج 
الحصن» وهي ثلاثة مثل البرك الي في عجرود. إلا أن هذه أعظم منهاء وقد وحدنا 
الماء فيها فاضلاً عن الركبٌ المصري» وأخذ الناس منه حاحتهم» وكان أمره قد 
أهمنا قبل ذلك لأنه من المواضع الب يصعب7؟ فيه الماء؛ إذ ليس فيه إلا فر 
واحدة فإذا شرب المصري ما في البرك وقعت الزْحمة على البئر» فلا يصل الناس 
إلى الري إلا بعد حرج شديد ومشقة فادحة. فلما حن الليل ورحل المصري كله 
حرج أصحابنا المغاربة وعسكروا خارج ركبهم إرهابا للعرب لأنهم قد استقلونا 
فظهرت طم في الركب قوة نار وكثرة رحال» وكنا قبل ذلك رعا يظهر بعض 
السراق بالليل» فمن ذلك اليوم لم نر سارقا بالليل ولا محاربا بالنهار يفضل ال 
وأسكن الله قلوهم الرعب. 

وما من الله به على ركبنا في هذه السنة أن قل فيه الفلاحون الذين يكثرون 
اللغط والرحمة في الركبء» وقد كانوا فى غالب السنين يكرون في الركب المغربي 


)1( المُهل: النحاس المذاب: (لسان العرب: مهل)» والإشارة هنا إلى قوله تعالى: ) وإن ستغيثوا يغاثوا 
بماء كالمهل يشوي الوجوه بيس الشراب وساءت مرتفقا) :الكهف:20. 

(2) لا تنزح: لا تنفد: لسان العرب: نز ح. 

)3( في ط: يضعف. 

(4) في ط: فيها. 


- 276 - 


فرارا من حور عساكر المصري عليهم» فيكثر صخبهم وخصوماتهم؛ فلا يكاد 
ينضبط للركب المغربي أمر من كثرتمم فيه؛ إذ يرحلون في غير إبان الرحيل» ويتبع 
الآخر منهم الأول من غير تأن» سيما ف محل الضيق والخوف» ولا يبالون عا أتلفوا 

من أنفسهم وأموالهم نحشية التأخر والمزاحمة على القرب من أول الركب لغلية 
الجبن والخوف» إذ لا يعرفون في بلادهم قتالا ولا مدافعة عن الأنفس والأموال» 
لكوم رعايا إن شتموا مروا وإن ضربوا فروا. وكلما نقص الله من جهدهم 
وحرأقم وبسط أيديهم زائد في ألسنتهم حيث لا يخافون» فيبالغون في الشتم 
والسب حى لا يكاد سامعهم علك نفسه» فإذا رأوا من هم بضرب حضعوا 
وقالوا: عافية يا مغربي عافية» ويقولون: المغاربة مجانين لا يعرفون إلا الضرب» 
وكان الضرب عندهم أبعد بعيد يصدر من شخص عاقل» ولعمري إنه لكذلك في 
حق كل مسلم لمسلم» ولكن الغريزة الغضبية» سيما من م تذلله الأحكام وم 
تكسر من سورته شدة الأيام» لا يعلكها | إلا الأقوياءء وهي لا تتتهي دون أبلغ 
عقوبة تمكنهاء نسأل الله أن يكفينا شرها ويسخر لنا أمرهاء إنه سميع بجيب. 

وما أعان على جمع كلمة الركب المغربي في هذه السنة أيضاً ذهاب كثير من 
أهل الدثور من المغاربة مع المصري تفاديا(" من شدة الحر بالنهار» ولم يبق في 
الركب المغربي إلا أهل المروءات من الناس وأهل الخير وذو الحفاظ» وتعمر الركب 
بالآذان والصلوات ورفع الأصوات بالذكر والصلاة على البي صلى الله عليه 
وسلم» وألف الله بين قلوب أهله» فلا يرحلون بليل ويترلون قبل الليل» واتفقت 
كلمتهم؛ وقد كانت الأركاب قبل ذلك لقلة الاتفاق» يقولون: شيخها جمصل» 
يعنون برغاء الجمل» يرتحلون لا بإذن الشيخ» فأول من يسمع رغاء بعير يظن أن 
الناس يرتحلون فيقوم إلى بعيره» فإذا رآه الذي يحنبه قا ثم كذلك» حى يرتحل 
الركب من غير إذن شيخ ولا مشورته» ورعا يرتحلون وسط الليل فيتمكن 
اللصوص من الإيقاع عن تأخر أو انفرد عن الركب» ويحصل من ذلك ضرر 
عظيم» ولا يكون ذلك إلا من كثرة الأحلاط وغلبة الأحانب على المغارية فإذا 
انفردوا كهذه السنة كان أمرهم جميعاء فمن رأى ركبهم وهو نازل» يظن أنه 


)1( في ط: اتقاء. 


- 277 - 


قليل» وعنك الرحيل تظهر كثرته وقوته سيما إن حصل فزع ويادر الناس إلى 
السلاح وقيؤوا للكفاح» سرت المنائف رؤيتهم» وأكجته نحدقف.!": 
[طويل] 


ثقال إذا لاقوا خفاف إذا دوا قيل إذا عُدُوا كثيرٌ إذا شذوال* 


تتمة فيما ذكره الشيخ البكري 4# رحلته من عجرود إلى النخيل: 


ثم سرنا إلى النواظر ورأس الوادي المنصرف67» وهو وادي بكثرة الرمال 
والكثيان قد عرف ليس به ماء ولا مرعى» وإغا عيون الناس لمضيق أرحائه ترعى» 
قال الشاعر): 
[رمل] 
نزل الركبٌ بوادٍالصرف | وعلى لقا كم مال طرف 
نعما الله الذي جتتالة وبججميغائمههعنائٌ صرف 
ثم سرنا إلى واد القباب/5» وهو واد فسيح الرحاب» يم به قلوب الأحباب» 
ويتذكر به عهد زينب والرباب» لاسيما احتماع الأصحاب في مواطن البعد 
والاغتراب» قال الشاعرا: 
[رمل] 
شاقتا واي القباب الرتققى في ام4 ونر فسيمٌ في الا 


3 5 5 54 £ 9 
فوصلناة وقدقلاعسى بعهدَةُن أن إلى وادي قبا 


(1) في ط: رقيتهم. 
(2) البيت لأبي الطيب المتذبي: شرح ديوان المتنبي» ص: 98) و فيه: كثير إذا اشتدوا قليل إذا عدوا. 
(3) المنصرف: موضع بين مكة وبدرء بيئهما أربعة بُرد: معجم البلدان: المنصرف. 

(4) ورد البيتان في الترجمانة الكبرى» ص: 218. 

(5) القباب: موضع بنجد على طريق حاج البصرة: معجم البلدان: القباب. 

(6) ورد البيتان في الترجمائة الكبرى» ص: 219. 


- 278 - 


وميقات المسير إليه عشر ساعات على التمام. وبعد إقامتنا به إلى وسط 
النهار تهيأنا للقيام» م نادى المنادي بالرحيل» فسرنا إلى رأس وادي تيه بي 
إسرائيل20) وهو وادي واسع الفضاء يعتبر فيه بأحوال من مضى» ليس فيه ماء ترده 
الأنام» ولا ظل سوى ما ظلل بي إسرائيل من الغمام» قال الشاعرا6: 


لا تسلكن بوادي اليو مُتفردا بلا دليل ترّی وقع الردى فيه 
فما يعت كلامًا من أخ مِقَة في الناس إلا وقال:احدّرٌ من اليه 


ومدّة المسير إليه عشر ساعات حَرّرها أهل الميقات» ثم سرنا إلى قلعة محل 
احمية وتعجبنا من كثرة الفواكه الشامية؛ من سفرحل ورمان وعنب على 
اختلاف ألوان» والخيرات الكثيرة» وما يحتاج إليه الحجاج من الذخيرق 
والفساقي! المملوءة بالماء البارد المعَدَّة للغادي والوارد» قال الشاعرا6: 


[وافر) 
إل نفل الم صي يدا ترى فيها اى وار كإقي 
ولا كشك الظماء 3 لفقم ماء فساقيها مة مقيم با لفساقي 


ومدة المسير إليه ست ساعات مُحَرَّرة ومس من الدرج مقدرة انتهى كلام 


الشيخ البكري. 


فلنرحع إلى ما شرطناه من تعداد المراحل على سيرنا فنقول» والله المستعان 
وهو حير معين فإياه نعبد وإياه نستعين: ثم ارتحلنا من التخيلء ونزلنا برا 
الصعاليك» ويُسَمَّى بئر البارود» وهو بثر كبيرة طويلة مطوية بحجر وبناء متقن في 


)1( تيه بني إسرائيل: هو الموضع الذي ضل فيه موسى بن عمران عليه السلام وقومه» وهي أرض بین 
أيلة ومصر وبحر القلزم وجبال السراة من أرض الشام» ويقال: إنها أربعون فرسخا في متلهاء والغالب 
على أرض التيه الرمال» وفيها مواضع صلبة وبها نخيل وعيون مفترشة قليلة: معجم البلدان: التيه. 

)2( إشارة إلى قوله تعالى :(وظلانا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم 
وما ظلمونا ولكن کانوا أنفسهم يظلمون): البقرة: 56 

)3( ورد البيتان ذ فى الترجمانة الكبرى» ص: 219. 

)4( الفساقي: جمع فسقية» وهي النافورة. 

(9) ود يتان أي الترجمانة الكبرى» م 189 

(6) في ط 


- 279 - 


أصل وادي» وبجانب البئر أثْر بناء وير كتين» إلا أنه لا عمارة عليه وماؤه بارد إلا 
أنه قبيح لا يكاد الشارب يسيغه» وسقى منها بعض الفلاحين الإبل. 
ومانت في الركب تلك الليلة امرأة موسرة من أهل تونس» وكانت ها محفة 
رفيعة تحمل فيهاء فلما ماتت أوسعوا في حفر قبرها ودفنوها عحفتهاء وذلك غلو 
وبدعة وتضييع مال فإن امحفة ها مال وقيمة. وحضر أمير ركب تونس وكبراؤهم» 
ثم ارتحلنا منه ونزلنا بأول سطح العقبة وقد مررنا ظَهرًا عوضع يقال له 
عرقوب البغلة» وهي عقبة فيها بعض صعوبة إلا أا قد سويت وبنيت واتخذ على 
حانب الطريق مسجد صغير غير مسقف» وذلك من عمل الأمير رضوان ال مولي 
لإمارة الحاج أزمانً طويلة قربية من ثلاثين» وأو سنة ست وسستين أو قريب 
مر الطرقات وحقر بعض الآبار وتجديد بعض ارک شجزاه لله حيراء فلقد كانت 
له ِمّة عالية في تخليد المآثر» فكم بالغ في الثناء عليه كل لسان» وأعلن بالدعاء له 
كل إنسان: 
[رحز] 
وإفماالمرء حريث حس فک حَديناً حسنًا ن وى 
وبتنا في سطح العقبة» وكانت ليلة باردة ترّمّلنا في ثيابنا فلم تغن شيئاً كأنا 
بتنا قي بعض جبال المغرب» وذلك من فضل الله علينا وعلى الناس» فإ الموضع 
وإن كان يي بعد بلاد الشام» وهي باردة» فالفصل فصل حر لا طمع للمسافر فيه 
في أقل من ذلك من البرد» وقد عاتبنا من لم يجرب الطريق من أصحابنا وقالوا: 
كنتم تخوفونا بالحر حي تركنا يابنا عصر. فقلنا هم: ستردون فتعلمون. وإن 
ثم ارتحلنا من السطح وأخذنا فل نزول العقبة بعد طلوع الشمس» وهي عقبة 
كؤودء صعبة المبوط والصعود» ول لا وهي عقبة أيلة المشهورة» إلا أن الط بق ما 


منحوتة قد سويت في أكثر الأماكن الصعبة وبنيت صافاتًا ببناء متقن. ولا كان 


(1) البيت لابن دريد: العقد الفريد 194:1. 


- 280 - 


امحل معروفاً بتلصص الأعراب وحرابتهم تيأ الناس وأخذوا حذرهم وأخرحوا 
أسلحتهم خوفا من عدوانهم؛ فإن الغالب أفم لا بد أن يتعرضوا للركب في هذا 
ا موضع لصعوبته» وتقدّّمت طائفة من الحجاج عدافعهم أمام الركب وتأخرت 
طائفة» (وكفى الله المومنين القتال وكان الله قويا عزيزا)90. ول نرَ كما سارقاً ولا 
غائرأ» ونزلناها على مهل» وبعد أن نزلنا من المنحدر الصعب جعلت الطريق تلتوي 
ف شعاب كأها أزقة يكثر فيها المخاوف والمتالف» فيرى البحر من بعيد فيظن 
قريباً. 


ولا وصلنا إلى البحر تأخرنا لدفن بعض الأشراف مات بعد الترول من العقبة 
مطعوناء وشي أقاربه من حور الولاة إن أوصلوه إلى البندر» فدفن هناك رحمة الله 
علينا وعليه» ووصلنا إلى البندر عند الظهرء وفيه حصن حصين في قرية على شاطئ 
البحر قي سفح حبل» وها آبار كثيرة» وفيها نخيل وسوق كبير يحضره أهل غزة 
وتأتيه الأعراب بالإبل والغنم والسمن والعسل والعلف للدواب» ووحدنا المول 
فيها رخيصاً أرخص مما اكتري عليه من مصرء وبتنا ياء وبات المصري هناك 
وأوقد بالليل نيراناً كثيرة وضرب المدافع ورمى امحارق في الوا وها منظر عجيب 
وأسلوب غريب كأنّهها شهب النجوم يرمى يا من الأرض إلى السماء فتراها في 
الخو طالعة حى ترى من هام شوامخ اللتبال دوفاء ثم تنعطف راحعة كأفا 
تعبان» ثم يسمع لها صوت وتخرج منها شرارات من النار» فإذا اتقتطعت تلك 
أتبعها يأخرى» وخروحهن فيما نرى من نار زرقا كأنما نار الكبريت تشتعل 
اشتعالاً قوياً فتطلع منها تلك الشهب» ولا نعلم صنعة ذلك» وهي من الغرائب» 
والرمي با وبالمدافع عادة المصري في كل مترل أقام فيه إذا أراد الرحيل. 

ثم ارتحل في الغد وأقمنا بعده» و لم نر في مبيتنا وإقامتنا ما يسوؤنا من سارق 
ولا غيره» وقد سألنا هناك وبحثنا عن أثر القرية الى كانت حاضرة البحرا هل 
بقي من رسومها شيء؛ فقد ذكر المفسرون أنها أيلة» فلم بحد من يشفي لنا 
خبرهاء وقد ذكر لنا بعض الناس أن بأعلى الوادي أثر بناء كثير يشبه أن يكون 


)1( الأحزاب: 25. 

(2) في طة أعالي هام. 

)3( يشير إلى قوله تعالى: «إواسألهم عن الآرية التي كانت حاضرة اأبحر إذ يعدون في السدبت إذ تاتيهم 
حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تاتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون»: الأعراف: 16 

)4( أيلة: مدينة بين الفسطاط ومكة على شاطى بحر القلزم: معجم البلدان: أيلة. 


- 281 - 


مدينة» ولعلها هي» وقد أخحبرنا كثير من متسوقة الأعراب الذين هنالك أن وراء 
الخبل الكبير المشرف على القرية بلدة فيها نخل وماى إلا أنما خالية» وعكن أن 
تكون هي فَإنا قريبة من البحر» والعلم عند الله. 


تتمة 4 ذكر كلام الشيخ البكري من النخيل إلى العقبة. 


قال: ثم سرنا من النخيل إلى وادي القريض المشهور» وهو وادي ينبت به 
الشوك عوضا عن الزهور» فكم آذى بشوكه أقدام» وعطل من له على المشي 
إقدام» ولا سيما الفيحاء» لاتساع أرضه وزيادة في فضائه في طوله وعرضى قال 
الشاعر: 

[سريع] 

في وادي فيحاءاة كه سّائر منغيّر نمل ثبت الكعب 

قد صاز كالإغجام من شوكه يرقصُ من قرص/© على الكفب 

وسيرنا اث عشر ساعة كاملة محررة في الميقات متواصلة. ثم سار الركب إلى 
بئر العلائي في التجريد» وهي محطة بئرها معطلة وليس ا قصر مشيدا۴» ويقرهفا 
حدرة منحدرة وأشجار أثل منتشرة» وبحانبها فسقيتان ليس كما منفعة» فما ورد 
عليها حيوان ظمآن إلا وقام عند رؤيتها بالأربعة. قال الشاعر#: 

[رمل] 

إلى بر العلائي قد أا ورگا بانج اح وبال اء 

شكرّنا للدليل وقددعاقا إلى شيء يرل للعلاء 

ومدة المسير إليه اثنا عشر ساعة بالتحرير» وبعدها الحد إلى سطح العقبة ف 
المسير» وهو سطح واسع الأكناف متسع الخوانب والأطراف» لا يوصل إليه إلا 
(1) زيادة من ط. 
(2) في ط: رقص. 
)3( شیر إلى قول تعالى: ل فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة 
وقصر مشيد : ال 5 


- 282 - 


بالاستطاعة» لأن مدة المسير اثنا عشر ساعة. ثم سرنا إلى العقبة (وما أدراك ما 
العقبة)!!) فكم ها من حذرات ومضيق وحبال في شكل الحمرة والبياض» وهي 
عقلة ف الطريق» وصعود واقباط» وعلو وانخطاط. 

قال الشاعر©: 


[رمل] 
عقٍات يشلك الاس ما بقلوب م تزلمرتيجة 
قد تطظاهابوئتو مين المنرىنها رسيا 
نخحمذثالهالني خلصا وأرَحْناهِن عقابالعقِة 


' فقطعنا تلك الحذرة الكبرى» ثم سرنا إلى وادي بشاطئ البحر» وأحطت به 
حبرا ويحانب البحر مغائر ماؤها عذب فرات» وآبار تُسقى منها الناس بسائر 
الجهات» ورأينا نخلاً زاهية وقلعة حصينة عالية» فأقمنا بتلك المترلة ثلاثة أيام ونحن 
في زيادة إنعام وذبح أنعام» وقد وردت الفواكه من غزة وأعماهاء فنصبت للبييع 
ورخصت الأسعار» ورفعت البواقي على أحاها. وبقلعتها يوضع البضائع ودائع 
إلى الإياب» ومدة المسير تسع ساعات في الحساب» انتهى ما ذكره الشيخ البكري. 

ولنرحع إلى ذكر المراحل على حسب سيرنا فأقول: ثم ارتحلنا من العقبة 
وسرنا في مسلك ضيق بين البحر والحبل لا كر فيه إلا جمل إثر جمل كأنه متن 
الصراطء إلا أنه غير مستقيم» وقلما يخلو هذا امحل من لصوص يتعَرضون لل ركب 

فنشتد إذايتهم وتعظم نكايتهم» ولكن ذلك في الرحوع أكثر ول نر في يومنا هذا 
بأساً. ونزلنا عوضع يقال له ظهر الحمار على بسيط من الأرض أحرش مرتفع 
يطلع إليه من مسلكين لا يخلوان من صعوبة» وتحته على ساحل البحر أحساء 
كثيرة في وسط حدائق نخل» وماء ذلك امحل كله طيب» وقد يسَمى ذلك الحل ف 
زماننا هذا حفائر النخل» وقلما يخلو من عمارة بعض ضعفة الأعراب» سيما ف 
وقت حذاذا6 النحل» ويكون فيها في ذلك الوقت رطب جيد. 


(1) البلد: 12. 
)2( وردت الأييات في الترجمانة الكبر ى» ص: 220. 
(3) جذاذ: جذذ: قطع: لسان العرب: جذذ. 


- 283 - 


ثم ارتحلنا منه و-حلفنا البحر عيناء وسرنا يومنا في صعود إلى نحو العصرء 
فوصلنا إلى موضع يقال له شرفات بي عطية. وبنو عطية هم عرب هذه البلاد 
كلها في هذا الوقت» ويقال لهذا المكان أيضاً عش الغراب. 


تزعم العرب أن الإبل تنفر في هذا المكان» ويقولون إا تسمع صوت 
صقب ناقة صالح وأنّه ني ذلك الخبل» وأن هناك الصخرة ة الي دحل فيها لما 
عقرت أمه» فالإيل إذا وصلت إلى ذلك امحل تسمع صوت العشار فتنفرء ولا 
أدري من أين طم ذلك» وهو بعيد إذ ليست هذه ديار نمود الذين عقروا الناقة» 
وهم قوم صالح عليه السلام. ثم انحدرنا من الشرفات إلى محل الترول» ويُسَمَى أبو 
العظام۴» وبه يرل المصري» ونزلنا به وتسوقنا بعض نساء العرب بلبن وغسيره 
وأحبرونا أن من وراء الجبل الذي على يسارنا ماء حار وأرض مقصبة؛ ورعا 
عطش ال ركب في ذلك انحل فيأتيهم العرب عاء يبيعونه. 

ثم ارتحلنا من هناك وسرنا يومنا قي هبوط منحدرين مع الوادي لا نفارقه إلى 
أن نزلنا في المكان المسَّمَّى عغائر شعيب» عليه السلام عند العصرء وأدركنا هناك 
أواخر المصري كما هو شأننا في كل دار» وهي أحساء كثيرة في مضيق بين حبلين 
فيها نيل وماؤها طب جداً حلو خفيف نافع وتسوقنا ها أعراب مدين بأحمال 
كثيرة من العنب الجيد الأسود» وهو ف غاية الحلاوة» وجاؤوا برمان كثير 
واشتری الناس العنب أولا بدرهمين» ثم صار بعد ذلك رطل ونصف بدرهم» 
ووقعت بين الأعراب فتنة عند نزولنا مهارحة» فقتل واحد وارثت۴ آخر 


وبين ا موضع الذي نزلنا به ومدين) مسيرة نصف يوم» وهي بلدة على 
ساحل البحر كثيرة الفواكه والياه الغزيرة» وسكاما أعراب أهل بادية» وكانت 


(1) الصقب: ولد الناقة: لسان العرب: صقب. 

)2( ماه أبن مليح أم العظام: أنس الساري والسارب» ص: 71. 

)3( ارثت ت: الرثية: انحلال الركب والمفاصل: لسان العرب: : رثنت 

(4) مدين: تقع على بحر القلزم» وبها البئر التي استقى منها موسى عليه السلام لسائمة شميب» ومدين اسم 
القييلة» وهي في الإقزيم الثألث» طولها إحدى وستون درجة وثلث» وعرضها تدع وعشرون درج وهي 
مدينة قوم شعيب: : معجم البادان: مدين. 


- 284- 


قبل ذلك مدينق وأخبرونا أن أثر البناء باق فيها إلى الآن وعلى يسار متزلنا 
حارج المضيق مغارة يقال إن فيها كان شعّيبٍ عليه السلام يأوي بغنمه» وبإزائها 
بئر كبيرة معطلة» وبجانبها بركة» ويقال إن هناك كانت البئر الى سقى منها 
موسى عليه السلام غنم شعيب عليه السلام» ويي ذلك الوادي دوم طويل كأنه 
نخل» وعريش كتير في الوادي» وهو محل مخافة قل ما يخلو من لصوص أعراب. 
ثم ارتحلنا من هناك ونزلنا بعيون القصباال وهو ماء حار في مضيق بين 
حبلين في محل كتير القصب والديس» وق أعلى الوادي غل وأرض صالحة 
للحرث قل ما يخلو ذلك امحل من أعراب نزول بف فيكثر الخوف ويعظم ضررهي 
سيما عند نزول الليل» فطلع أمير ال ركب ومعه الرماة حي حاؤوا على الوادي 
بقوا هناك حى استسقی الناس كلهم وأحذوا حاحتهم من الماع وروت الإبل 
فرحعوا بعد العشاء. وعلى شفير الوادي عند مترل الركب مسجد مبن بالحجارة 
المنحوتة ومنبر بإزائه. ثم ارتحلنا منه ونزلنا إلى ساحل البحرء ولم نزل نسايره إلى 
بندر المويلح» ونزلناه بعد العصر» وماؤه كثير» وفيه آبار كثيرة وبساتين حسنة 
ونخل» وهناك حصن كبير فيه فيه عسكر وأمير» ويخزن فيه الميرة والفول كثير» وعلى 
بابه سوق كبير يوحد فيها غالب احتاج وفيه مقا كثيرة من دلاع وبطيخ وغير 
ذلك» وبه مرسى -حسنة تترل ها السفن القادمة من سويس والقادمة من حدة ومن 
القصير“› وکان اهوای يوم نزولنا فيه ويوم إقامتناء بحريا باردالء وبالجملة من يوم 
حرو حنا من مصر ! ل وبل م نر حرا شديدا ولا مشقة فادحة ولا موقا موحش 
ولا عطشا مولا م نزل نتعرّف من الله الخير والبركة وغاية الرفق واللطف في 
أنفسنا وأموالنا ودوابناء نسأل الله أن يكمل علينا بالخير. 
[متقارب] 


كما اخسن الله فيمامطى كذلك يسن فيمابقيا] 


)1( عيون القصب: مورد فيه روضة قائمة» ذكروا أنها لسيدي سلامة» يقصدها الزوار: أنس الساري 
والسارب» | ص: 71. رحلة العبدري» ص: 161. 

)3( اويل قصبة على شاطیئ البحر: اس الساري والسارب» ص: 71. 

(4) القصير:مرسى المراكب» وهو أقرب موضع في بحر القلزم إلى قوص: معجم البلدان: القصير. 

)5( البيت للإمام علي بن أبي طالب: ديوان الإمام علي» ص: 135. 


- 285 - 


ذكر المنجمون أن الشمس إذا كان رحوعها الصيفي في أول الليل أو ما 
يقرب منه يكون العام بارداء وإذا كان في آخر الليل أو أول النهار يكون حارا. 
وذكر لي بعض الإخوان يعصر أن المقومين ذكروا أن هذا العام معتدل حسن» ونحن 
لا نعتمد يي ذلك إلا إلا على فضل الله وبركة رسوله وحم الصاحين من عباده 
المؤمنين ودعاء إخواننا الحاضرين والغائبين؛ والله تبارك وتعالى طف بنا ويصلح 
أحوالنا يحاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. 


کا تزوفا باسیح يوم امع اا ف خر بن شوال» وخر ا موق عشرين 


وعلى شاطئ البحر قرب مترل ركب »على مرقب» قبر سيدي محمد والد 
الشيخ عبد الكريم الفكون القسمطين© وعليه بنا وقد زرناه وتبَرّكنا به. وأقمنا 
هناك يومين أحدهما مع المصري والآخر بعد ارتحاله» وهناك أحذ الناس فوهم الذي 
اكتروا على حمله عرب بن عطية من مصرء ولم يضع لأحد منه شيءا#» فحزن 
الناس منه هناك ما يحتاحونه قي الإياب إلى العقبة» وأكروا على الباقي إلى ينبع» 
والذين يكرون من هناك في الغالب عرب بلي» وبلادهم من هناك إلى قرب الينبع 
حيث بلاد ججهينة. 

ومن من الله علينا بلقائه هناك رجحل من الصالحين من أهل الحذب اسمه 
الشيخ محمد العبدلي» وأصله من ريف مصرء دنا عليه صاحبنا الشيخ أجمد 
الحذوب المصري» وأخميرنا أن هذا الشيخ في هذا المكان أزيّد من عشرين سنة 
فذهب معنا إلى زيارته فوحدناه على سور الحصن وهو يجمع تراباً بكانا يديه 
فكلّمناف ودعا لنا دعاء كثيراً وقال لنا: ح ركوا معي في هذا التراب» فمن حرك 
حصلت له بركة» فامتثلنا أمره. وهو رحل قد طعن ف السن ليس عليه إلا قميص»› 


(1) في ط: يرفق. 
)2( عبد الكريم بن محمد الفكون القسنطيني» أو القسمطيئي» أديب من أعيان المالكية» كان يلي إمارة ركب 
الجزائر ة في الحجء من كتبه: "شرح نظم المكودي“ و 'حوادث فقراء الوقت» و "رسالة في تحريم الدخان"» 
توفي عام 3 ه: اقتفاء الأثرء ص: 163- 164. نشر المثاني 2 صفوة من انتشرء ص: 
251 .الأعلام 56:4. 
(3) في ط: شيء منه. 


- 286 - 


وهو حلوق الرأس» كلما احتمع عليه ناس قر منهې» ورا هرول في هروبه مسن 
الناس» » ثم عاودت إليه آخحر اليوم وزرته أيضاً وأقمنا بالموبلح يومين. 
تتمة: قال الشيخ البكري» رضي الله عنه» ف ذكر المراحل الي من العقبة إلى 
المويلح: ثم سرنا إلى مرحلة يقال ها ظهر الحمار» وهي محطة عالية كثيرة الأوعار 
يصعد إليها من عقبتين» واليمن أوسع من اليسرى في المسلكين» قال الشاعر": 
[كامل] 
صَعدُوا على ظهر الجمار لعلهج أن ببلفرا بصعودهم كل الأمّل 
تعبا اليما من الطريق وطولها ومديدها واجعث من بعد الرممل 
حت الجمال به شلّت©: يا هل تى تقبل به عُذْرَ الحمارأوالجمّل 
ومدة المسير إليها ثمانية من الساعات محررة عند أهل الميقات. ثم سرنا إلى ما 
بين الخرفين» وهو مكان كأن الخبال قد قسمت به شطرين» يحترز منه أن يقذف 
باجا ف أيام السيل إلى البحر الملح الأحاج» قال الشاعر ملغزاً فيدا6: 
[وافر] 
وخسة أخْرّف في اللفظ قرا فإ صحفتها صَحط بحري 


82م 


وإن اسقط مام فيئقى ثلاثة خرف من أل ألفين 

ومنها إلى الشرفة) وهي بطول السير متصفة» تتعب فيها الجمال ولو رحلت 
بلا رحال» لما فيها من الأوهاد والطلوعات الشداد» وحلف جباها قبيلة ب عطية 
المعروفين بالسرقة والأذية» قال الشاعراة: 


)1( وردت الأبيات في الترجمانة الكبر ى» ص: 221. 
(2) في ط: ثلت. 

)3( ورد البيتان في الترجمانة الكبرى» ص: 221. 
)4( كذا في خ خا ط. 

)5( وردت » الأبيا في الترجمانة الكبر ى» ص: 221. 


- 287 - 


وأما اليس فاجعّلها ببجس الحفظمُصَ صر 

8 إن و 0 بار وإله o.‏ وه 3 
ومدة المسير هس عشرة ساعة من غير ريب» وبعده المغار المعروف عغار 

شعيب» وهو غار تتبرك به الناس وترى فيه الحظ والإيناس» وبه الماء العذب 


والتحليل» وشجر المقل والأثل والظل الظايل» قال الشاعر": 


[خفيف] 
قدوّصّلا إلى مغارشييب فرأيناالمجيالة كالأَنهَانز 


فاستّقينا من مائه واشتفيتا 
وذكرنابغاروغارثور 


خيرم من أكزل الإلة عة 


وظفركا بغي ةالأو نازر 
£ 
من حوى للصديق والمختار 


اني اين إِذْ هما في القان/6 


ومدة المسير نمان عشرة ساعة مُحَرَّرةَ عند أهل الصناعة» ثم منها إلى عيون 


منتشرةٌ) قال الشاعرا: 


و 
وعيون الماع فيها قد جرت 
فجلسنا في صفاء حولهها 


وتشوقنا لش مُطذْرب 


القصب» إذا نظر إليها العاحز أذهيت عنه الوصب» لأن حضرقا نضرة والأشجار 
كما منتظمة و 


[رمل] 


واستراح القلبُ بعد التصّب 
كسيول القَيث بين القصب 
وظفناع دما بللأرب 


(1) وردت الأبيات في الترجمانة الكبرى» ص: 222. 

(2) تضمين لقوله تعالى: (إلا تفصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إِذ 
يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا 
السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم): التوبة: 40. 

)3( وردت الأبيات في الترجمانة الكبر ى» ص: 222. 


- 288 - 


ورأينا جاورا لتلك العيون نسوة من العرب يوصفن بحسن العيون» ويتعاحين 
وجناقن الأزهار» فكان قطع المفاوز والأوعار كالمنتزهات في الرياض والأزمارء 
قال الشاعر قي بدوية ا“عها ساكتة(0: 


[طويل] 

بوحىىأفدي ظبي ةبّدوية ‏ الما وجّنة فيها الأزاهِرٌ ابعة 

إذا رمت منها أن تكلمنى غدت كلمن الحاظها وه ساكنة 

ومدة المسير إليها أربع عشرة ساعة وثلائة من الدرج» يتعب 2 سيرها من 
ركب ومن درج. ثم ارتحلنا منها إلى بندر المويلح المشهورء ورأينا بساحله المراكب 
من السويس والطورا*» فيا له من بندر فاق البنادر» يأيٍ إليه الوارد والصادر» وبه 
جملة من الكروم الي تذهب برؤيتها المموم» وعخازن القلعة تودع الودائع» وإلى 
سوقها تساق نفائس البضائع من نمار تحليها العرب» وزلابية!© عجينها كاللجين» 
فإذا قليت أشبهت الذهب. 
بحذوب» غيل إليه مهجة() القلوب» وله أسرار ظاهرة ومكاشفات ياهرة» يعتمّده 
عند الاضطرار» لباسه حبّة من صوف» ورأسه في غالب الأوقات مكشوف إن 
نطق تكلم على الخواطر وإن صمت نطقت عليه ألسنة الناس بالثناء العاطر 
ويكسوه المارة العدد فيقبلها ويعطيها لمن وحدء لأن من رآها عليه يطلبها فيدفعها 
إليه» وهذا شأن الكرام الذين قطعوا علائق الدنيا على الدوام» فأقمنا يمذا البندر 
ثلاثة أيام» وبعدها طوينا المضارب والخيام» ومدة المسير ثلاث عشرة ساعة وهس 
من الدرج في علم الصناعة» انتهى كلام الشيخ البكري» رضي الله عنه» فلترحع 
إلى ذكر المنازل بحسب سيرنا قى هذه السنة فأقول: 


(1) ورد البيتان في المصدر السابق. 

(2) طور سيناء: اسم جبل بمصر يقع قرب أيلة: معجم البلدان: طور سيناء 
(3) في ط: زلافية. 

(4) ساقط من ط 


- 289 - 


ارتحلنا من المويلح يوم الاثنين ومررنا بالموضع المسمى بدار أم السلطان» وم 
نترل فيه وتحاوزناف وسلكنا في المضيق الْسّمّى بشق العجوز"» ونزلنا على شاطئ 
البحر قريباً من متزل الركب المصري» ووحدنا هناك شرذمة من الأعراب يبيعون 
العلف» وعن يسار مترلنا حبال سلمى و كفافة. 


ثم ارتحلنا من هناك يوم العنصرةا» ومررنا صباحا بقبر سيدي مرزوق 
الكفاقي!) على ساحل البحرء عليه أعواد قد عَلّم بها عليه» والناس يتبَرّكون به. 
ونزلنا ذلك اليوم ببندر الأز !© عند العصرء وبه ثلاثة آبار كبيرة حكمة البناء 
وماؤها غزير إلا أنه زعاف يصلح للإبل ولضرورة الناس من غسل وأشبهه ولا 
يسيغه إلا المضطرون» وعلى يسار البندر بعيداً عن الآبار حساء محفور ف أرض 
ليس عطوي» ماؤه أحسن من ماء الآبار إلا أنه قليل ولا يعرفه الكثير من الناس» 
وهذا البندر قليل الجحدوى لقبح مائه وقربه من المويلح ومن الوحهدا©» وها أتم منه 
منفعة فليس فيه كبير فائدة» وقد انمد ما في داخله من البيوت وتثلم بعض صوره 
والخلاء أقرب إليه من العمارة: 


[طويل] 
إذا ميش فيكن ل ولا جنى ٠‏ عدي لبن شجرات” 
ثم ارتحلنا من الأز !» ومررنا بين حبلين» وسرنا في مضايق وعقاب صغار 
إلى أن وصلنا المكان المسمى اصطيل عنتر عند العرب» وفيه ثلاثة آبار محكمة البناء 
حجر منحوت» وماؤها حلو إلى الغاية إلا أنه ضنين أنزحته الدلاء بسرعة» وبات 
الناس ليلتهم يتربضونه تربضا ولأيا بعد لأي ما كفاهم للشرب» ولم ترد منه 
الإيل. 


(1) شق العجوز: موضع صحرا: أنس الساري والسارب» ص: 1 

)2( كفاف4: جبل على يسار الطريق كما حدده العبدري. رحلة العبدر ي» ص: 161. 

(3) العنصرة: هو اليو م الرابع والعشرون من حزيران» وفيه ولد زكرياء بن يحيى عليهما السلام. 

(4) ذكره ابن مليح في رحلته: أنس الساري والسارب» ص: 71ء 

)5( سمأة ابن مليح بئر الأزلم: اس الساري والسارب» ص: 1 

(6) الوجه: قصبة بين جبال خارجة عنها الآبار: أنس الساري والسارب» ص: 72. . رحلة العبدري» ص: 
31. 

(7) الببت لابن صارة الشنتريئي الأندلسي: لمح السحر من روح الشعرء» ص: 166. 

(8) في ط: الأزلام. 


- 290 - 


ثم ارتحلنا منه ومررنا بوادي الأراك» وهو واد واسع يأنٍ من ناحية الشمال 
والبحر عن ينه قريبا منه» وفيه كثير من شجر الأراك الأحضر الناعم ثم تحاوزنا 
منه إلى مضايق بين فدافدا" من أحبل ذات حدور وصعود فجئنا عشاء لبندر 
الوحه عند الاصفرار وفيه حصن حصين يي حرف واد كبير يخرج من بين حبلين 
والناس يتهيبون الترول ف أصل الوادي إذا كان وقت السيول فيرتفعون عن حبى 
الوادي. ويي الوادي عدة آبار بعضها حسن عهماتين!؟» وبعضها ععجمتين» والي 
فوق البندر أحسن من الي تحته. وداخل البندر بئر تسقي بالبقر وتصب ف ثلاث 
برك ارج البندر لصق حائطه» إحداهما من بناء الأمير رضوان في خر أيامه؛ 
والثنتان من بناء تملوكه الأمير غيطاس عام تولى إمارة الحاج بعد مولاه» والبرك 
الثلاث ملاصقة لسور البدر وصورقا: 


رضوان 


أوسطها للأمير رضوان» وهى الكبرى. وي أعلى الوادي بين الجبلين ماء 
يسمى الزعفران» وماؤه طيب إلا أنه قليل» فإذا كثر الزحام على الآبار طلع إليه 
أهل الخرأة من الناس» ورعا هجمت عليهم العرب هناك فيقع بينهم قتال» إلا أن 
الموضع قريب من البندر فيغاتون. 

واستقى الناس ما احتاحوا إليه من الماء» وأوردوا إبلهم وبالغوا في حمل الماء 
لأنهم استقبلوا المياه القبييحة والمسافة العويصة الى ليس في الدرب أصعب منها؛ 
لتوالي المياه القبيحة فيها وبعد العمارة وشدة الحرب لقرها من بلاد الحجاز» بل 
غالبها منه» وسوء أخلاق عرها. وخزن الناس في بندر الوحه ما يحتاحون في 
الإياب من طعام وعلف» وكذلك يفعلون في كل بندر مروا به من مصر في 
الغالب» وآكد المواضع للخزن هذا لأن الركب في الإياب قد يسبق الملاقي الي من 
مصر إلى هذا انحل فيغلى فيه الفول والطعام غاية حي تعجز عنه الأنمان في بعض 
(1) الفدافد: جمع ذدفدء وهي الفلاة التي لا شيء فيها: لسان العرب: فدد. 
(2) ساقط من ط. 
(3) يقصد أن بعضها حسن وبعضها خشن. 


- 291 - 


الأوقات» ولأحل اشتغال الناس بالخزن وكراء الحوامل!! لطر ح الأمتعة تأخخر رحيل 
الناس من هذا البندر إلى أن متع النهارا©. وف هذا البندر طائفة من العسكر كغيره 
من البنادر وهم أمير» وهو آخر البنادر الي في طريق الدرب وليس بعده عمارة إلى 
الينبع الذي هو أول عمارة ببلاد الحجاز على طريقنا. 


سمه ” 


قال الشيخ البكري» رضي الله عنه في ذكر المراحل من المويلح إلى الوحه ما 
نصه: ثم سرنا من المويلح إلى دار السلطان الي هي لعرب البادية أوطان» ونزلنا 
بوادي سلمى وكفافة» وحصل مزيد الأمن بعد المخافة» وخلف حبلها الغربي 
البحر الأصيل» وبجانبه القصطل البري منتظم كالنخيل» وحفائر مائها عذب بارد 


يشرب منه الغادي والوارده قال الشاعرا: 


[خحفيف] 


إه ووي سلقى ته هيج ٠‏ حيث فو قر الول الْسمى 
صاحب السرً والمعارفي مرو ق الكفافي طاب روحًا وجسمًا 
وإذا جت قِرَةُ ففأدب ‏ وتوسل بجاهوثم سلما 
فأقمنا بتلك المرحلة الإقامة المعتادة» وحصل لنا ببركة الشيخ مرزوق في 
الرزق الزيادة» ومدة المسير كاف تمام» وعددها معروف من غير إيهام. 


ثم سرنا إلى بندر الأزلم» ولا يرغب فيه من بحقيقته يعلم» فماؤه ملح أحاج» 
ما شربه إنسان إلا احتاج إلى العلاج» فأقمنا به من غير إقبال» ورحلنا منه يعد 
الزوال» ومدة المسير إليها ست عشرة حررة» وهس من الدرج مقدرة. 


(1) في ط: المواصل. 
(2) متع النهار: ارتفع وبلغ غاية ارتفاعه قبل الزوال: لسان العرب: متع. 
(3) وردت الأبيات في الترجمانة الكبرى» ص: 223. 


- 292 - 


ثم سرنا إلى مرحلة تسمى اصطيل عنتر» وقد اخحتفى ها العربان للأذى 
وتستر» والمسير إليها بين +حبال صاعدة» وحدرات وأوعار متقارية ومتباعدة» وها 
آبار عذبة» يود كل ظمآن شربة» قال الشاعرا: 
[محزوء الكامل] 
إن ججت للإم هل لا تغفلبوعاالزول 
واخذرين الققرب الذي بجاله با ورل 
واعم - فيك -أنه صعب ولكتن أقول 
قدسُمي الإأصطبل ين عرب بهش بههالجيول 
ومدة المسير إليها ثلاث عشرة ساعة قي العدد صحيحة الضبط والسند. ثم 
سرنا منه إلى وادي الأراك» وهو واد ليس لانفراد محاسنه اشتراك» وبعده دخلا بين 
حبال وأوعار» ومضيق واحجار» وحدرات طوال وصعودات وتلال» حي نزلنا 
FF 2‏ م 
بيندر الوبحه المبارك» وصار حصنه متقاريا متدارك فراينا به الابار الخائية وحفائر 
الماء العذب بقربه غير ححالية» فأقمنا به إلى قبيل العصرء وقد زال من الناس الخصرء 
قال الشاعر: 
[رمل] 
قد دخ كناب ,ودوّالوجوالذي فيه قوت كل عام يختزن 
وشْرينا من هياوعنيت ٠‏ شربُها يُجلو عن القلب الحرّن 
همذ الله الذي أشعفا ورأياذلكالوجةالحسن 
ومدة المسير إليها سبع عشرة وثلثي ساعة بالإجماع؛ حَرّرها أهل العلم 
والاطلاع» انتهى كلام الإمام البكري رضي الله عنه. 


)1( وردت الأييات في الترجمانة الكبرى» ص: 223. 
)2( في ط: قدر قوت. 


- 293 - 


رجوع وانعطاف: 


ثم ارتحلنا من الوحه بعدما وقع احتلاف بين مشايخ الركب في الرحيل 
والقيلولة» فتبع الآحر منهم الأول» وارتحل الناس جميعا. ولا تحاوزنا البندر وغاب 
عن أعينناء ظهر بعض الحرامية لآخر الركب ورموهم عکحلت فتصايح الناس» 
فدفع الله كيدهم ولم نر أحداً منهم قبل ذلك. ثم بتنا تلك الليلة دون الأكره» وف 
الغد مررنا بالأكره ظهراء وهو واد كبير تأتيه السيول من بلاد بعيدة» يذكر أن 
سيل المدينة المشرفة يصل إليه» وماؤه قبيح جداً إلا أن يكون عقب سيل فيحسن» 
وفيه آبار كثيرة وأشجار ملتفة» والآبار الحفورة في ذلك اليوم أحود من القديعة. 
فأحذ الناس من مائه ما اضطروا إليه وسقوا إبلهم» وتحاوزوه بنحو فرسخين فباتوا. 

وت الخد مررنا بالموضع المسمى بثر الدركين! ظهر وهو مترل الحاج 
الصري» وإنا سمى بذلك لأنه بين درك أعراب مصر وأعراب الحجاز» فإن ما 
بعده من عمل الحجاز وفي درك أعرابه. ول نبت ذلك اليوم إلا بقرب العقبة 
السوداءا» وتلك المرحلة واليَ قبلها يشتد فيها الحر» وهي أرض سهلة مطمئنة 
ليس فيها جبال إلا ما يتراءى عن شال المار قم والبحر يتراءى عن عينه» وفيها 
غياض من شجر الطلح» وهي من أنواع الكل الذي ترعاه الإبل كيرا إلا أن 
الناس لا يتركون الإبل للرعي فإن امحل مخوف تغير فيه أعراب بلي وجحهينة) 
وغيرجما. 

ثم ارتحلنا ونزلنا من العقبة السوداء عند طلوع الشمس» وهي عقبة صغيرة في 
أرض سوداء ذات أحجار وأشجارء ويقال إنُا أول أرض الحجاز» ولا يبعد ذلك 
فإن من هنالك تخالف الأرض ما قبلها وتباين الخبال ما سواهاء ويشتد شبهها 
يجبال الحجاز السود» ويتقوى الحر وتسترمل الأرض. فسرنا محاذين للبحر إلى أن 
نزلنا الحوراء ضحى» وقال الناس فيها وتفرقوا بين تلك الأشجار على ساحل 
البحر» ومياهها حفائر على ساحل البحر يحيط يما ديس كثير وفيه ملوحة قليلة 
والقريب العهد بالحفر أحود من غيره» وكلما طال في القِرّب حبث» والإكثار منها 


(1) ماه ابن مليح: بين الدركين: أنس الساري والسارب» ص: 72. 

)2( العقبة السوداء: : تقع برأس الوادي: أنس الساري والسارب» ص: 72. 

)3( بلي: قبيلة من قضاعة» والنسب غليهم بلوي: أسماء القبائل وأتسابهاء ص: 52. 
)4( جهينة: أمدم قبيلة: أسماء القبائل وأنسابهاء ص: 75. 


- 294 - 


يورث إسهالاً مفرطاً كماء الأكره والأزلم وعجرود» فلما وردت الإبل وأحذ 
الناس حاحتهم من الماء ارتحلوا ظهرا وطلعنا مع واديها الكثير الأشجار من أراك 
وغيره إلى أن ارتفعناء فعدلنا عينا إلى الوادي المسمى على ألسنة الحجاج وادي 
العقيق» ولا مناسبة بين الاسم وَالْسَّمّى > بل تسميته بوادي العقوق أنسب لشدة 
حرأة أعرابه على السرقة» فهم من أجر! الناس على ذلك ومن أمثال الحجاج: لا 
رحال إلا رحال الحورای ولا جمال إلا جال الدوراء» ويعنون بالدوراء الرحعة.» 
يعن لا يعد صابراً من الحمال إلا من صبر في حال الرحوع من الحجازء إذ هو 
آخر السفر ومحل قلة العلف. 


ولم نبت تلك الليلة إلى أن توسطنا الوادي» ثم ارتحلنا منه أول يوم من بيز 
وحئنا إلى وادي النبطا وقت الظهرء وفيه آبار أزيعة محكمة الا بالحجر 
المنحوت» وماؤها عذب حلو غزير في الغالب» وغزارة مياه أودية الدرب إا 
تكون بحسب كثرة المطر وقلته» فإذا حمل الوادي» ولو مرة يى السنة» غزر ماء 
سائر السنة» وقد نزل الناس ممذا الوادي إلى أن سقوا واستقواء فارتحلوا بعد العصر 
وتراءت هم حرامية فوق ابخبل وتصايح الناس واحتمعوا ففروا أمامهم. 

ثم سرنا هنيئة ونزلنا قريباً منه بنحو فرسخ» ثم ارتحلنا غداً وسلكنا في وادي 
النارا» وهَبّت علينا ريح غربية كانت أول النهار باردة ووسطه وآخره موما لقي 
الناس منها شدة» ول يروا أشد منه قبله» ولا يرونه إن شاء الله بعده. وأللنأ لحر 
الناس إلى القيلولة قهرا من غير اتفاق منهم على ذلك» فكل من وحد صخرة أو 
شجرة التجأ إليهاء وأناخوا الإبل و لم يحطوا عنها الأحمال» فكانت القيلولة أشد 
عليهم من السير» فلما استراحوا قليلاً وأبى الحر أن يخف ارتحل الناس وساروا في 
”موم وحر شديد لا يزيد مع العشي إلا شدة» وجئنا إلى النضيرةاة محل نزول 
المصري عند غروب الشمس» ويحاوزناه وسرنا إلى العشاء وقطعنا ثلاأثامن 
الوعرات السبع المسماة على ألسنة الحجاج بسبع وعرات!). 


(1) سماه ابن مليح ماء النيط: أنس السار ي والسارب» ص: 72. 
(2) ذكره ابن مليح في رحلته: أنس الساري والسارب» ص: 72. 
)3( الخضيرة:: يقصد قرية خضرة؟ وهي من أعمال المدينة: كتاب أسماء جبال تهامة»ء ص: 189 ٠.‏ معجم 


البلدان: خضرة. 
)4( سبع وعرات: تقع بين جبال برأس وادي الثار لا ماء بها: أنس الساري والسارب» ص: 72. 


- 295 - 


ثم بتنا والحر لا يزيد إلا شدة فأشفق الناس من ذلك لقلة الماء. وهذا الوادي 
قد طابق الاسم فيه الْسّمّى» قلما تدلو سنه من شدة تقع للحجاج فيه بحر أو 
عطش أو محاربين» وهو واد كير ضيق بين حبلين لا سعة فيه من النبط إلى 
الخضيرة» فإذا متع النهار واشتد الحر حجبت التبال عنه الواء البحري فينعكس 
غرييا أو شرقياً صاعداً من الوادي أو منهبطا فيصير سعوماً محرقاً ولا ماء هناك من 
النبط إلى الينبوع» فرعا أتلف الناس فيه عطش مهلك ورعا أحدث ذلك ”مية من 
الأبدان بقبح المواء مع حرارته» فتموت المئون بل الآلاف من الخلق في أسرع مدق 
ويأحذ الرحل الماء فلا يضعه من يده حي عوت» ووقوع ذلك كثير» إنما هو في 
الإياب وف الركب المصري أكثر» وقد حضرنا لطف الله الذي لا يكيف» وغمرتنا 
مواهبه الى لا تخصى» > فلم نر ثي هذه السنة بأسا مع شدة هذا الحر وإفراطه فلم 
عت أحد. ثم ارتحلنا من هناك قبيل الفجرء وقطعنا ما بقي من الوعرات فنظر الله 
إلى وفده نظر رحمة» فانقلب الهواء بحريء وخرحنا إلى متسع من الأرض حالت في 
أرجائه أرواح معتدلق فازطفت حمرة الحر بعض انطفای ولولا ذلك غلك الناس؛ 
فقد قل ماؤهم وتأخر بعض الإبل من شدة العطش» فخرج عليهم اللصوص بعدما 
قر بنا ا EG‏ إليهم» SE‏ کروا اكمل وروا لل إلى 
ار ا امت 
السلطان زيد. 

وقد أخخبر بعض من طلع مع وادي الينبوع أن عمرانه متصل نحو ثلاثة أيام» 
والقرية الي يترل2 يما الركب هي آخر القرى الي من ناحية البحر وليس بعدها 
إلا ينبوع البحر الذي هو المرسى» وغالب أهل القرى يأتون إلى هذه القرية الي 
إليها البضائع والسلع ذوات الأغان» ويجلب إليها من الثمار والفواكه والحبوب 
والفول شيء كثير. وكان نزولنا ما في أول وقت حذاذ النخل» وأكلنا ما رطباً 
حيدا وبتنا ها ليلتين ريئما أصلح الناس من بعض شأفهم وأخذوا من العرب 


)1( الينبوع: وصقه ابن مليح بكثرة اأنخيل والعمارة والأسواق: أنس الساري والسارب» ص: 272 
(2) ساقط من ط. 


- 296 - 


أكريتهم الي بعثوها من المويلح» وكان الكراء منه إلى هنا بسبعة قروش ونصف» 
ومن مصر إلى المويلح سبعة قروش وثلث. وأدركنا المصري هناك وبتنا معه ليلة ثم 
ارتحل وبتنا وراءه ليلة أخرى» وهناك وحدنا أحبار مكة والمدينة وسائر بلاد 
الحجاز وتعرفنا حبر رخصها وغلائهاء وخصبها ويبسهاء ومن هناك تحلب الميرة 
إلى المدينة؛ فإن السفن الخالبة للطعام من مصر ما كان منها إلى المدينة يرسي بينبع 
البحر» وما كان منها لمكة يتجاوز إلى حدة» فإذا وصل الطعام إلى الينبوع حمل منه 
إلى المدينة» تحمله أعراب تلك الناحية من بي سالم وحهينة ويتد ركون بالطريق من 
هناك إلى المدينة» وقد حزن الناس هنا أيضا من الفول والزاد ما يحتاحونه في 
الإياب. وأكبر حبال تلك البلاد حبل رضوى» وهو المشرف على بلاد الينبوع)» 
وليس هو الحبل الصغير الذي يحانب اليتبوع» بل هو الحبل الكبير المشرف عليه 
وإلى هذا البلد كانت غزوة العشيرة من غزواته» صلى الله عليه وسل ومسجد 
القرية الآن هو مسجد العشيرة المعدود في المساحد الي صلى فيها صلى الله عليه 
وسلم. قال السيد السمهودي ما نصه: ومسجد العشيرةاة معروف ببطن ينبع8) 
وهو مسجد القرية الى يترها الخاج المصري. ولابن زبالةة) أن البي صلى الله 
عليه وسلم» صلی ف مسجد ينبوع بعين بولا50. 

قلت: وعنده أيضا عين حارية لكنها لا تعرف كذا الاسم» ه. 

وقد دنحلنا هذا المسجد وتوضأنا من هذه العين» وكان نزولنا تحت القريق 
وجعلنا خباءنا تحت المزارة الي على التل المرتفع» وقد تقدم أنهالأبي الحسن 
النفاي. وق الينبعا» أيضا قبر الحسن المثلث فوق القرية ولم نصل إليه ليعدى 
وزرناه من بعيد. وفي هذا البلد موطن طائفة من الأشراف» ومنهم شرفاء بلدنا 
القاطنين بسجلماسة. 


)1( في 355 العسيرة. 

(2) في ط: الينبوع. 

(3) وفاء الوفا 457:3. 

(4) ابن زبالة: إخباري نسابة» له من الكتب: كتاب أخبار المدينة: الفهرست 158:1. 
(5) وفاء الوفا 458:3. 

(6) في ط: الينبوح. 


- 297 - 


مامه سم 


قال الشيخ البكري» رضي الله عنه» في ذكر المراحل من الوحه إلى اينيع" ما 
نصه: ثم سرنا من الوحه إلى مفرش النعام» ثم إلى حدرات وآكام وأماكن يرى 
منها البحر الأحاج» وشدة تلاطمه بالأمواج» ثم إلى حدرات كبيرة المقدار كثيرة 
الصخور والأوعار» ونزلنا في مرحلة يقال ها بركة أكره» وهي أرض يما حفائر 
ماء تكره ماؤها من المذاق» من تقيد بشربه حصل له الإطلاق» فهي مرحلة لا 
[سريع] 
يام نأك ىأكرهفي سرو أفتير بهل القصي واللمة 
لاتكروالمكروةفي أكرة فا لمكاره فت الجة 
ومدة المسير إليها تسع ساعات بتمامهاء وثلث ساعة ثابتة في أحكامها. ثم 
سرنا منها إلى مرحلة يقال ها الحنك» وها من بين القرى اسم مشترك» بين فضاء 
واسع الخال ومراعي أعشاب للجمالء إلا أنما خالية من الماء للواردء والإقامة يما 
إا هي على طريقة السير المعتاد» ومدة المسير إليها أربع عشرة ساعة من الزمان 
حررها أهل الإتقان. ثم سرنا منها إلى العقبة السوداء المشتهرة» وقطعنا مفاوزما 
ونزلنا بالحوراء النضرة» وهي مرحلة رملها غزير وحاطبها كثير» ويها شجر الأراك 
الأخضرء والماء من حفائر رملها يتفجرء قال الشاعرا6: 
[كامل] 
جما إلى المؤوراء وم محطة فيهالأراكُ نزاهة للرائي 
ناتيت خلى!) قف مها متأملا وانظ رز لرمل مُغمّر باكاء 


واأغنم زماكا مُقبالا بسعوده فيه اجتماعٌ الشمل بالحوراء 


(1) في ط: الينبوع. 

)2( ورد البيتان في الترجمانة الكبرى» ص: 225. 
)3( وردت الأبيات في الترجمانة الكبر ى» ص: 225. 
(4) في ط: خلا. 


- 298 - 


ومدة المسير إليها في حمل الأعداد» حررها أهل الإرشاد. ثم سرنا منها إلى 
مفازة تبط وهي حد عربان حهينة في الشيل والخط وبطرقها مضايق و حدرات 
وحبال راسيات شامخات وشجر أثل كالنخيل وحفائر ماء عذب يشفى العلل 
قال الشاعر : 

[متقارب] 

وفي أكرو والق بعدمًا مرارة ماءتريدٌالقساوة 

فجئنا إلى نط نشكر الما فاتعشنا ماڑها ولط للاوَة 

ولاصررناعلىغيرمها فعَقناصِ .ينا باللاوة 

ومدة المسير إليها عدد كان» وهي عشرون ساعة من غير اختلاف. ثم سرنا 

منها إلى هراهير© الراعي» وهي مكان تحمد فيه المساعي» وهي حبال سود فوق 
اکال وک أيضاً بالأباطح كما یتال ثم إلى وادي يُسَمَّى وادي النار» وهو 
واد بين حبال وعر وغبار. ثم برا بالخضراء. وقيل المخضيرة بالتصغير» » وهي من 
أعمال بندر ينبوع في المسير» قال الشاعرا6: 

[كامل] 

أنظر إلى الخضراء واغعتم بسطها تلقى ربامائرهةللرايي 

فلرب حشاش شكى من ههه قدزال عن ةلمم بالخضراء 

ومدة وصولا إليهافي المسير [اثنا عشر ساعة بالتقصير]) 

ثم ارتحلنا منها واستقبانا ذلك الوعر» ورأينا أول الوعرات قد ظهر» وهي 
سبع وعرات كبيرة أصعبها الأولى والأخيرة. بين كل وعرة فضاى وبعده عقلة في 
الطريق» ويليها شق حبل هائل ومضيق. ثم أنخنا ال ركاب ببندر ينبوع» وهو أول 
بلاد الحجاز في الذهاب وآخرها في الرحوح» به حدائق ويل وعيون بين زروع 
تسيح وتسيل» وكان به سور منيع وحامع مفرد و سيع) وبيوت فسحة الرحاب» 
)1( وردت الأبيات في الترجمانة الكبرى» ص: 6 . 
(2) في ط: طراطير. 


)3( ورد البيتان في الترجمانة الكبرى» ص: 226. 
(4) بياض في خ وطء والزيادة من الترجمانة الكبرى. 


- 299 - 


فآل أمرها إلى الخراب» وبه الآن سوق للحجاج يأحذون منه الذخيرة عند 


الاحتياج» وبه أفران وحيتان كبار» وعشش!؟ تسقى فيها القهوة من أيدي الجوارء 
قال الشاعر©: 


[رمل] 
ناب درُيبوعوما فييُبهمن رياض وعُيون 
وشُقة من يلاح هد يَمرََنَ الصب من تل اعون 
فارئجل عنهن واذمَب وانقصِح فإذااة خالفت أذْهبْت العيون 

وجميع تلك الأسواق خارحة عن المساكن» ويعم نفعها الساكن والظاعن؛ 


فنصبنا بهذا البندر الخيام» وأقمنا به ثلاثة أيام» ومدة السير إليها سبع عشرة ساعة 
ف العدد محررة ف ميقاما صحيحة السند» انتهى كلام الشيخ البكري رحمه الله . 


رجوع وانعطاف: 


ثم ارتحلنا من ينبوع» وسرنا يومنا ف رمال ليست بالقوية وأشجار قليلة إلى 
أن نزلنا عوضع يُسَمَّى السقائف» ويقال له دار الوقدة)» يقدون فيها الشمع 
الكثيره يستصحبه الناس معهم من مصر لذلك ويبيعونه قي الركب» ويجعلونه على 
أقتاب الحمال بالليل» فترى الركب كله كأنه من أعظم المساحد المسرحة 
مصابيحها في أحد المواسم» وشاع عندهم أن الصحابة في غزوة بدر أوقدوا هنا 
نيراناً كثيرة فنحن تشه بمم. وتلك غفلة منهم وخطأ من وحهين: أحدها أن 
وقوع الأمر بإيقاد النيران إغما كان في غزوة الفتح يمر الظهران© كما هو معروف 
في كتب السير» وأما بدر فلم يقل فيها أحد ذلك. وثانيها: لو سلم أن ذلك وقع 


(1) عشش: العشة من الشجر: المفترقة الأغصان التي لا تواري ما وراءها ( لسان العرب: عشش))» و 
المراد بها هنا المكان المتخذ من أغصان الجر كمسكن. 

(2) وردت الأبيات في الترجمانة الكبرى» ص: 6. 

(3) في خ وط: فإن» والصواب ما أثرتناه. 

(4) وقف عليها ابن مليح في رحلته: أنس الساري والسارب» ص: 72. 

)5( الظهران واد قرب مكة وعنده قرية يقال لها مر تضاف إلى هنا الوادي» فيقال: مر الظلهران» وبمر 
الظهران عيون كثيرة ونخيل: معجم البلدان: الظهران. 


- 300 - 


فيها فقد كان لإرهاب العدو وإظهار قوة المسلمين وكثرة عددهم» فحيث لا عدو 
فلا معن له. 

ولا شلك أن الفرح بنصر الله أولياءه على أعدائه والاستبشار بالأماكن الي 
أعرّ الله فيها الإسلام أمر مطلوب مستحسن» ما لم يؤد ذلك إلى حظور» مشل 
اعتقاد أن الوقود سنّة متبعة» بل رعا ظن بعضهم أا من أفعال الحج» فلتعظم بغير 
ذلك من فرح وسرور وصدقة وعبادة وإعلان بشكر. وقد حاءن كثير ممن لا شع 
عنده يستفتون ويقولون: لا شمع عندنا فهل يلزمنا شراؤه من هو عنده؟ ظائين أن 
ذلك من مناسلك حجهم وشعائره» وكم مثلها من بدعة محدثة یری الاس غا من 

القربات» نسأل الله أن عيتنا على سنة البي المستقيمة الى" (لا ترى فيها 
ول ی 


ا لشن کت ل ار 
وق زعم كير من الاج اف سو 


لطيفة 
: 


وقد ذكر الإمام ابن مرزوق4 في شرحه على البردةا ما نصه: ومن الآيات 
ببدر الباقية ما كنت أسمعه من غير واحد من الحجاج أنمم إذا احتازوا بذلك 


ا موضع يسمعون كهيئة طبل ملوك الوقت» ويرودن أن ذلك لنصر أهل الإعان. 
قال: ورعا أنكرت ذلك» ورعا تأولته بأن الموضع لعلّه صلب فيستجيب فيه حوافر 


(1) ساقط من ط. 

(2) طه: 107. 

(3) في ط: الآخر. 

)4( محمد بن محمد بن أحمد» ابن مرزوق التلمسائي» فقيه حافظ› حج سئة 861 ه› ولقي في رحلته 
عددا من الأعلام مئهم ابن حجر» توفي سنة 901 ه: لقط الفرائد» ص: 275. شجرة النور الزكية 
1 نيرس الفهارس 525:1. 

)5( الإشارة هنا إلى قصيدة البردة الموسومة بالكواكب الدرية في مدح خير البرية للشيخ شرف الدين ابی 
عبد الله محمد بن سعيد الدولاصى ثم البوصيرى المتوفى سنة 694 هھ وهی 262 بيتاء عليها عدة شرو ح 
منها شرح ابي عبد الله محمد بن أحمد بن مرزوق التلمساني الذي سماه: الاستيعاب لما فيها من البيان 
والإعراب» وله شرح آخر سماه: إظهار صدق المودة فى في شرح قصيدة البردة: كشف الظنون 1331:2. 


- 301 - 


الدواب. وكان يقال لي: إنه دهس رمل غير صلب» وغالب ما يسير هناك الإبل» 
وأخفافها لا تصوّت في الأرض الصابة» فكيف بالرمال؟ قال: ثم لما من الله تعالى 
بالوصول إلى ذلك الموضع المشرف نزلت عن الراحلة أمشي» وبيدي عود طويل 
من شجر السعدان» الْمسَمَّى بأم غيلان» وقد نسيت ذلك الخبر الذي كنت مې 

فما راعين وأنا أسير ف الماحرة إلا واحد من عبيد الأعراب الجمالين يقول: 
تسمعون الطيبل! فأحذتن» لما سمعت کلامه قشعريرة بينة» وتذكرت ما كنت 
أحبرت به وكان ثي الحو بعض ريح فسمعت صوت الطبل وأنا داهش ما أصابئي 

من الفرح أو الهيبة أو ما الله أعلم به» فشككت وقلت: لعل الريح سكنت في هذا 
الذي في يدي وحدث مثل الصوت» وأنا حريص على طلب التحقيق يذه الآية 
العظيمة» فألقيت العود من يدي وحلست إلى الأرض» أو وثبت قائماً أو فعلت 
جميع ذلك» فسمعت صوت الطبل “ماعا محققاء أو صوتاً لا أشك أنه صوت طبل 
وذلك من ناحية ...204 ونحن سائرون إلى مكة المشرفة» ثم نزلنا ببدر فظللت 
أسمع ذلك الصوت يومي أجمع, المرّة بعد المرّة قال: ولقد أخصبرت أن ذلك 
الصوت لا يسمعه جيع الناس. انتهى. 

وقال الإمام المرحان رحمه الله تعالى: وضربت طبلخانة النصر ببدر فهي 
تضرب إلى يوم القيامة» نقله عنه السيد السمهودي في تاريخه الكبير والصغير©. 

قلت: وقد كثر كلام الناس في هذه المسألة» وإذا ذكر من يوثق به كابن 
مرزوق وغيره أنهم جمعوه فالصحيح أن بعض الناس يسمعه دون بعض. 

وقد مررت ببدر سبع مرات وأنا في كلها ألقي البال لذلك فلم أسمع شيا 
أتحققه وف هذه المرّة معنا بعد ما قربنا من البندر صوت طبل محقق» فإذا هو طبل 
بعض أمراء الركب كان متأخرا وراءناء وتحققنا ذلك بحلوسنا حي مر بنك وكثير 
من الناس عن م يتحقق ذلك زعم أنما الطيلخانة المذكورة. وقد سألت عن هذه 
المسألة محقق زمانه شيخنا سيدي أبا بكر السجتان!۴» رضي الله عنه» فقال لي: 


(1) بياض في خ وط مقدار كلمة. 

(2) يقصد خلاصة الوفا ووفاء الوفا للسمهودي. 

)3( أبو بكر بن يوسف السجتاني» أو السكتاني» عالم فقيه رحالة» رحل إلى المشرق ثلاث مرات» جاور 
بمصر والحجاز» وسافر إلى القدس» صحده العياشي في رجوعه إلى المغرب» توفي سنة 1063 ه: 
اقتفاء الأثر»ء ص: 15. 


- 302 - 


كنت حريصاً على تحقيق ذلك وقد مررت ببدر نوا من سبع وعشرين مرة فلم 
أمعع شيئا أتحققه والعلم عند الله. 

قلت: وهذه المسألة مثل ما شاع على ألسنة الحجاج أنهم يرون الأنوار 
مشرقة من يوم قرم من ينبع" ويقولون: إن وادي النار امه وادي النور لأحسل 
رؤيتها منه» فحرف الناس التسمية. وقد ألقيت البال لذلك فكلما قالوا: إنهم رأوا 
الأنوار نظرنا فإذا هو بروق تخفق في بلاد بعيده» وتحققنا ذلك بظهوره مرّات 
كثيرة ف غير ناحية المدينة» وتارة في ناحيتهاء ويتصل حفقانه حي يقرب إلينا 
فنتحقق أنه برق» أو تظهر إمارات أخر تحقق ذلك» مثل رؤية غيم متراكم 
وصوت© رعد. 

وأرض الحجاز معروفة بكثرة البرق» وكثير من الحجاج يصمّمون على أا 
أنوار ولو ظهرت الإمارات» ولو كان من غير ناحية المدينة. وقد سألت أيضا 
شيخنا أبا يكر السجتاني» رضي الله عنه» عن هذا فقال لي: كنت أتأمل ذلك كيرا 
فلم ار شيا تما يزعمه الحجاج إلا البرق» نعم قال لنا رضي الله عنه: الذي لا 
يُمترى فيه إنه نور البي» صلی الله عليه وسلم حقيقة» وإن كانت جميع الأنوار 
من نوره» ما عايتاه مرارا ونحن جحاورون بالمدينة المشرفة ف الحرم الشريف» فإنا 
خلس أحياناً مارا حي يستفيض من ناحية الحجرة ما يخالف ضوء النهار» فيخشي 
الحرم الشريف كله فيراه الناس. قلت: ولعل هذا الذي ذكر شيخناء رضي الله 
عنه» خاص أيضاً به وبأمثاله من تنوّرت بصائرهم فاستنارت بنورها(6 أبصارهم 
فيشاهدون الأنوار المعنوية محسوسة» وإلا فكثير من الناس لا يشاهدون ذلك (والله 
يختصُ برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم)©. 

وقي آخخحر المضيق الذي ب بين الرمل والخبل عريش إلى الآن» يزعم الناس ئه 
موضع العريش الذي بني للبي صلى الله عليه وسلم يوم بدرء وأن ذلك موضع 
الوقعةا وليس به. 


(1) في ط: ينبوع. 
(3) في ط: بها. 

) 4) البقرة: 104. 
(5) في ط: الواقعة. 


- 303 - 


ونزلنا بدراً ضحی» بعدما مى النهار» وهي قرية حسنة ذات نخيل وماء 
عذب» فيه بركة كبيرة تكفي الأ ركاب كلها ومادّتا من عين هناك وعلى ذلك 
البلد أنوار تلوح» ورياح النصر تغدو وتروح» وينشرح فيه الصدر والقلب» 
ويتجلى فيه بصفة الجمال لكل مسلم الرب سبحانه وتعالى» ومعالم النبوة ةلا 
تخفى» ومواطن أقدام الرسول» صلى الله عليه وسل > وأصحابه لا تعفى. 

وقد ظهرت على أهل هذا البلد بركة الرسول معلنين بذلك» فأسعارها -ي 
الغالب- أرخص من غيرهاء مع صغرها وانقطاعها عن البلاد» وأهلها محفوظون» 
آمنون مطمئنون» مع سوء أخلاق عرب صبح امحاورين طم. 

وكان نزولنا حارج البلد بينه وبين الحبل» بالقرب من مقابر الشهداء» وقد 
زرناهم في حلهم» وعليهم حدار قصير حيط بقبورهم. وبالقرب منهم قبور 
السادات الأشراف الرّدينيّة من أهل اليمن» نزل أسلافهم بهذا البلدء وهم أتباع في 
طريق القوم وبجلس ذكر» وكبيرهم اليوم السيد الغيث وقد زرته ودعا لي. 

وزرنا المسجد الْمسّمَّى عسجد الغمامة» وهو موضع العريش يوم الوقعة بيد 
كما نص عليه غير واحد. 

وانشرحت صدورنا بالمشي في أزقة القرية وبين بساتينها المشرقة النضرة 
كأما نخلهاء من شدة حضرته ونعومته وإشراقه عراحين الثمار المصفرة والمحمرة 
بينها أغصان شجرة طوبى» ولم نأل حهداً ما سرنا في أرحائها وحلنا في أقطارها 
عسى أن تطأ أقدامنا في موطئ قدم أحد أصحاب الرسول» ولو تحققنا موضع قدم 
واحد منهم لكان لثمه بالوحه غاية الم والسول. 

وقد بتنا ببدر تلك الليلة» وكانت العادة أن الركب الشامي يترل علينا هناك 
بالليل فلم يترل وتأخر. 

وقد حزن الناس ببدر أيضاً ما يحتاج إليه من طعام وعلف مما يحتاج إليه من 
بدر إلى المدينة المشرفة وإلى الينبع!" في الإياب» وكان خزيننا نحن عند رحل اسعه 
الشيخ حسن بن عليان» والغالب عليه أنه من أهل الخير. 


(1) في ط: الينبوع. 


- 304- 


مامه أ 


قال الشيخ البكري في ذكر المراحل من ينبع إلى بدر ما نصه: ثم سرنا من 
ينبع إلى دهناء!؟ في فضاء ورمال وآكام وجبال حي وصلنا إلى الأبرقين» وهي 
كناية عن حبلين مفترقين أحدها رمل صاعد والآخر من وعر وحلامد» وبينهما 
ترن الطبول الحربية لنصرة حير البرية» فيسمعها من كان أهلا للسماع», ويحخجب 
أهل الزيغ والابتداع. ثم دخلنا قرية بدر وحنين ال حماها الله من كل شين وها 
حسر طويل وعيون بحري بين حدائق ونخيل» وها مسجد العريش» وقيل مسجد 
الغمام وموضع حوض المصطفى عليه الصلاة والسلام ول النصرة خيوش 
الإسلام على أهل الأنصاب والأزلام» وهي الغزوة العظيمة المقدار الي يما شاهمت 
وحوه الكفارء فيا ها من غزوة ما تلت فيها الملائك وضاقت ها على أعداء الدين 
المسالك» وأخحزى الله أهل الشرك والغواية» واستشهد من المسلمين من سبقت له 
العنايةق وخرج فيها أصحاب رسول اله صلى الله عليه» وسلم للجهاد» وقتل أبو 
حهل رأس أهل العناد» فبلغت الشهداء من السعادة أوق نصيبى وقلبت أعداء الله 
قي القليب» ووحدوا ما وعدهم ركم من العذاب الأليم» » (والله يهدي من يشاء إلى 
صراط مستقيم)2) قال الشاعراة: 
[بسيط] 


يا أهْل بذر لقد طابّت مآئ ركم وقد علا قدركم في أرق عْالدرّج 
فزكم بغفران أوزار وخسن تا على المدى نشرةُ من طب الأرج 

يكفيكمٌ في علاكُمْ قول مادحِكمْ ١‏ هم اهل بدر فلا بشن من حرج 
فيا ها من ليلة بتنا ما وقد أشرق بدرها وما قدرهاء أذهبت عن العيون 


امجوع لاشتغالها برؤية القناديل والشموع» وأما الشموع فقد ملأت الأرحاء 
بالنور» ومحت بضوتها ظلم الديجور» وقد دقت طبول الأفراح» وزالت عن القلوب 


(1) الدهناء: رمال في طريق اليمامة إلى مكة لا يمرف طولهاء وأما عرضها فثلاث ليال» وهي على أريمة 


(2) البقرة: 211» النور:44. 
)3( وردت الأبيات في الترجمانة الكبر ى» ص: 227. 


- 305 - 


الأتراح» وأحضر السكر المادا» وأذيب في الماء للوارد» وملئع به البواطي والخلل؛» 
وسقي به جميع الطوائف وأهل العمل» فشرب كل منهم أو نصيب» فكانت ليلة 
من صفائها أقصر من جحلسة الخطيب» وقضينا الأوطار من مشاهدها المبتهجة. 
ومدة المسير إليها نمان ساعات واثن عشر درحة انتهى كلام الشيخ البكري رضي 


ب 
الله عنه. 


رجوع وانعطاف: 


ثم ارتحلنا من بدراة» وهَبّت علينا ريح باردة استمرت ذلك اليوم وغد 
وتحاوزنا السبيل الأول الذي بالزوةا6 ظهرا. ثم مررنا على سبيل محسن عشاء 
وبتنا. 

وقي الخد مررنا ضحى بقرية تسمى مستيرة)» وفيها بئر كبيرة مطوية بالحجر 
المنحوت. إلا أن الرمل قد غلب عليهاء وحوها عمارة قليلة» وجا قبر يزار» عليه 
بناء اسم صاحبه الشيخ يجى» قالوا إنه شريف من أهل اليمن» وق الروضة قيّم 
يأخذ صدقات ذلك الشيخ. وسرنا يومناء ونزلنا برابغ!6 بعد المغرب وبتناء ووحدنا 
به بركة كبيرة قد بنيت هناك مملوءة ماء» أعانت الناس في سقي الإبل وفيما 
يحتاحون إليه في إحرامهم من غسل ثياب واغتسال. وهي قرية فيها نخل وآبار 
كثيرة» في واد يأي إليه السيل من بعيد. وتزرع فيه مقاني كثيرة» ودحن وذرة. 
وهو من أخصب أودية الحجاز. 

ثم اشتغل الناس بغسل الثياب والاغتسال للإحرام وشراء النعال» توحد هناك 
معدّة للمحرمين إلا أا غالية» ولح يتيسّر الرحيل إلا بعد الزوال. فرحلنا وحرحنا 
عن القرية» وبرزنا إلى البرية» وصلينا الظهر جماعة» ثم ركعي الإحرام ثم أحرمنا 


(1) الماد: الناعم اللين: لسان العرب: ماد. 

)2( بدر: ماء مشهور بین مكة والمدينة أسفل وادي الصقراي» ديئه ودين الجار وهو ساحل البحر ڏل وبها 
)3( الزوة: يقصد اليؤواء» البزواء وهو موضع في طريق مكة قريب من الجدفة: معجم البلدان: 
البزواء.رحلة العبدر ي» ص: 164. 

)4( مسكدرة: لعلها سكارة» وهي قرية من نواحي مكة: كتاب أسماء جبال تهامة» ص: 13. معجم البلدان: 
الخوار. 

)5( رابغ: واد يقطعه الحاج بین البزواء والجحفة دون عزور: معجم البلدان: رابغ. 


- 306 - 


ملين بالحج مفرداًء محافظين على استحضار النية» والمتابعة على التلبية والنية إلى 
ذلك امحل أقرب للمقصود» وتابعنا السير ملبين صارحين كا فرحين مستبشرين 
آمنين مطمئنين!)» وحاوزنا الرمال ال يتيه فيها الركب في بعض الأحيان بين 
العشاءين» فلما خرحنا إلى الأرض الصلبة أنخنا وبتنا إلى الصباح» ثم ارتحلنا وأحذنا 
بطن هرشى# الي يقول فيها الشاعر: 
[طويل] 

خُذوا بن هَرٌشى أو تاها فنا كلا جات هرّشى هن طريق/6 

ومررنا بقديد» وهي قرية غالب أبنيتها حيشان» وفيها فول وفواكه باع 
ولا ماء بما إلا ما يستقى من بعيدء وسألنا عن موضع مناة الذي بالمشلل حذو 
قديد» هل يعرفه أحد فلم يحد أحدا يعرفه» والحمد لله الذي هدم رسوم الطواغيت 
حي لا يبقى أحد يعرف حي أمكنتهاء وقد أد ركتنا القيلولة بحانب قديد فقلنا 
هناك إلى أن زالت الشمس فارتحلنا ومررنا بأرض ذات مزارع كثيرة ومقاثي» إلا 
أن زراعتها إنما هي إذا حاء السيل» وأكثر المقاثي في بلاد الحجاز إنما ررع على 
ماء المطر في الأماكن الي يستنفع ها الماع وقد أخيرنا أن كثيرا منها ينبت في البرية 
من غير استنبات» وها ذُلاّع حید رخيص» ويسمونه بلغتهم حبحب! #» ولا يكاد 
يتقطع شتاء ولا صيقاً إلا في السنة الجذية. 


ثم صلينا العصر بالموضع المسَمّى بعقبة السكر» وأكثر الناس» صصوصاً 
المصارية» يحلبوت السكر من مصر بالقصد ليشربوه هناك ويؤثرون في ذلك أثرا لا 
أصل له» يزعمون أن رمل ذلك الحل قد انقلب للصحابة سكرا فشربوه» وهي 
عقبة في حبل صغير فيها رمل يتعب الإبل» وقد سوي البناء في حانبها والتقطت 
أحجارها وبي مسجد صغير بأحد حانبيهاء وبينها وبين خليص7 نحو من ثلاثة 


(1) إشارة إلى قوله الله عز وجل من قائل: (فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا 
بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزئون : آل عمران: 170. 

(2) هرشى: هضبة لا تذبت شيئا:: كتاب أسماء جبال تهامة» ص: 23. 

(3) ورد البيت بلا نسدة في الروض المعطار» ص: 592. 

(4) قديد: اسم موضع قرب مكة: معجم البلدان: قديد. 

(5) الحبحب: البطيخ. 

)6( عقبة السكر: موضع بعد خليص: اس الساري والسارب» ص: 276 

(7) خليص: حصن بين مكة والمديئة: معجم البلدان: خليص. 


- 307 - 


أميال» فبلغنا إلى حليص عند المغرب ونزلنا به» وفيه عين ماء بحري وأبنية وقهاوي 
والوضوء إلى أن حرج الماء إلى بركة عظيمة تحت القرية لم أرّ أحلى منهاولا 
أعظم» يغرق فيها من لا يحسن العوم» ويخرج الماء من البركة إلى مزارع قريبة من 
البلد. وبات الناس بجحانب هذه البركة في أرغد عيش بسبب الماء الخلو الغزير 
وسقوا واستقواء وتوضأوا بلا كلفة في ذلك ولا مشقة. 

ثم ارتحلنا غداً بعد الفجر ومررنا في غيظة كبيرة ذات أشجار ملتفة من أَثْل !0 

٠. 7 .‏ . شه . . 
وغيره» وف حلاها فدادين يزرع فيها الان والدحن" وغير ذلك وسرنا حى 
مررنا بالثنية ال يهبط منها إلى عستفان(» والطريق فيها مبنية ملتقطة أحجارهما 
كعقبة السكرء إلا أن هذه أطول منها وأسهل» وبأحد جانييها مسجدء فلما 
خحرحنا من العقية وصلنا إلى قرية عسفان قريبا من الظهر» وفيها سوق وآبار 
متعددة من جملتها البئر الي يذكر أن ؛ النبي» صلى الله عليه وسلې» » تفل فيهاك 
وماؤها حلو غاية» فشربنا منه تبركاً بآثاره صلی الله عليه وسلم ولم نترل بقرية 
عسفان بل صلينا الظهر في مسجدها وسرنا ومررنا بالأرض المسماة برقة!6 وهي 
أرض طيبة فيها مزارع ومقائي» وصلينا بها العصر» ثم مررنا بالسبيل الذي بآخرها 
وصاينا يما المغرب» وسرنا إلى أن ذهب هزيع من الليل» ونزلنا قبل الوص ول إلى 

وادي العميان» وسمي بذلك لكون الفقراء يتعرضون فيه للركبان طلبا للصدقة. 


ثم ارتحلنا منه صبحا وحثنا مر الظهران ضحى» وهو المسمى بوادي 
الشريف257 وهو واد كبير فيه قرى متعددة ذات غيل وبساتين وعيون تحري» 
وأعظمها القرية الي يتزل ها الحاج» وفيها سوق وعين كبيرة وبساتين مونقة» 
وحدنا الثمار يما مزهوة فالقلوب بالنظر إلى نضارتما من الأحزان ججلوة» مع ما 


(1) الأثل: شجر يشبه الطرفاءء إلا أنه أعظم منه: لسان العرب: أثل. 

(2) الدخن: حب الجاورس: لسان العرب: دخن. 

(3) عسفان: قرية جامعة بها منبر ونخيل ومزارع على ستة وثلاثين ميلا من مكة؛ وهي حد تهامة: معجم 
البلدان: عسفان. 

)5( برقة: : موضع ع بالمدينة من الأموال التي كانت صدقات رسول الله صلی الله عليه وسلم وبعءعض ننقاته 
على أحله منهاء وقيل إن نلك من أموال بدني النضير: : معجم البلدان: برقة. 

)6( كذا سماه ابن مليح: أنس الساري والسارب» ص: 76. 


- 308 - 


الإبل وتغذى الناس وحصل الإيناس. 


قال الشيخ البكري» رضي الله عنه» في عد المراحل من بدر إلى هنا ما نصه: 
ثم سرنا من بدر إلى قاع البزوة» وتُسُمَّى طرف النجحان, ثم إلى عالح وحبل 
القرود ومكان يسمى ودان» 35 نزلنا بسبيل محسن المشهور» وتتزهنا ف خحضرة 
وسر حه المعطور» قال الشاعر(": 


[خفيف] 
قن شكا لي بعض انين يوما ظمَاً الماء قلت: ذا غير ممن 
كيف تشكُو الظمًا وتر ع منة وهذًا السبيل اخسن مُحسر*؟ 


ومدة المسير إليه ثمان عشرة من الساعات» وعشرون درحة محررة بالميقات» 
ثم سرنا منها إلى بستان القاضي ونسينا بقرب الديار تعب السير الماضي» ثم نزلنا 
برابغ محل اليقات» وجحرّدنا عن لبس المخيط بصدق النيات» وأحرمنا بالعمرة 
والحج عملاً بقوله: الحج والعمرة والنج". وأهللنا بالتلبية لعلام الغيوب» وسألنا 
الله تعالى غفران الذنوب» ورأينا حفائر ماء تنبع» ومزارع بطيخ يتنو ع» ومسجدا 
قددم الأثر» ويسمى بالجحفةا6 كما ورد في الخبن وهو محل إحرام المصطفى زاده 
الله شرفاء قال الشاعر»: 


[طويل] 


تجردت لما أن وصلت لرابغ ولبيت للمؤلى كما حصل الندا 


(1) ورد البيتان في الترجمانة الكبرى» ص: 8 

)2( ورد الحديث برواية: عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل الحج 
العج والئج» فأما العج فالتلبية» وأما انج فنحر اأبدن» رواه أبو يعلى: :مجمع الز وائد3: 224. 

(3) الجُحفة: كانت قرية كبيرة نات منبر على طريق المديئة من مكة على أربع مراحل» وهي ميقات أهل 
مصر والشام إن لم يمروا على المدينة» فإن مروا بالمدينة فميقاتهم نو الحليفة» وكان اسمها مهيعة» وإئما 
سميت الجحفة لأن السيل اجتحفها وحمل أهلها في بعض الأعوام: : معجم البلدان: الجحفة. 

)4( ورد البيتان في الترجمانة الكبر ى» ص: 228. 


- 309 - 


وقلت إلمي عندك الفورٌ بالغِتّى ‏ وإن فقي قداأتِت مُجردا 
ومدة المسير إليها ست عشرة تمام» وعشرا" من الدرج ثابتة الأحكام. ثم 
سرنا إلى اخرينات» ونزلنا بطارف قديد الذي لا يحل في حرمه للمحرم المصيد. 
وأرحاؤه واسعة الخال كثيرة الوعر والرمال» إلا أنما تشر بقرب البلاد» وهي 
مواطن الأبحاد» قال الشاعر©: 
[حفيف] 
قدنركابطارف لقييدٍ 2 ودخ اجمالكانرجوالجماية 
قفضل على ميد وفود منك يرجُو دفع العا بالعِنيَة 
ومدة المسير إليها سبع عشرة من الساعات» مُحَرَّرة بالميقات. ثم سرنا إلى 
عقبة السويق» وهي عقبة عالية الرمال في الطريق» ثم منها إلى خليص الشهيرة» وها 
فسقية من الماء كبيرة يخرج منها إلى الرمية!» ويختزن فيها من اللصوص أصحاب 
النفوس الخسيسة. ثم حرجنا من مدرج عثمان إلى قرية عسفان وها البئر الي تفل 
فيها سيد اليشر» وهي بئر من شرب من مائها زال عنه الضررء قال الشاعرا: 
[رمل] 
إن 7 عفان 5 تسامت رنفعمة وعلَت قَدُرا على كل القرّى 
ومابمزر الني الصطفى خير من صّلى وصام وقرا 
فإذا جت لما فكن مخسنا فعسّى تحسب من أهل القرى 
ومدة المسير إليها زاي ي العدد معلومة ي المدد. 


ثم سرنا إلى حبل غار العميان الذي يجتمع فيه الفقراء بقصد الإحسانف 
ونزلنا بالوادي وهو فاية سير البوادي» وهو واد حصيب يُرى فيه طالب الترامة 


(1) في ط: عشرون. 
)2( ورد الييتان في الترجمانة الكبرى» ص: 8. 
(3) في ط: الرية. 

(4) زيادة من ط. 

)5( وردت الأبيات في المصدر السابق» ص: 228. 


- 310 - 


أو( نصيب) أغصانه زاهية وقطوفه دانيق وأطياره ناطق وحداوله دافقة 
ومزارعه تنبت من كل زوج جمیج» ويفوح من أزهارها كل عرف أريج» وهي 
زائدة الابتهاج» وعلى كل حديقة سیا ج» فلو رآه مصري من الناس نسي الروضة 
والمقياس» وبه عشش تسكنها عرب النوادي» وبأرضه ينبت شجر الكادي» قال 


الشاعر: 
[سريع] 


كم فيه من فاغية© قد ركلا 
3 14 

وكوثمر وزروعببه 

تلت لخلى حي شاهدتةٌ 


هل داز ليلى قد تدائت لسا 


أريجة قد عط _رّاللنادي 


ويوزفُر الفلَ والكادي 
واللاء فيويتعش الصادي 
ولاح لي نوز السا بّادي 


فققال لي أنك بالوادي 


ووصوله خمس عشرة ساعة في المسيرء وخمس من الدرج بالتحرير. ثم سرنا 
إلى سبيل اللجونحى المعروف» ورأينا حنان مّكة دانية القطوف ثم مررنا عساحد 
ميمونة بالعمرة» إنما هى مساحد عائشة لأنها أحرمت من هناك بالعمرة» وأما قبر 
ميمونة فقبل ذلك بأميال» وقد اقترن بسماء سموها كوكب الثريا بالزهرة 
ولاحت لنا أعلى الديار ومشاهد المساعد والآثار» ووصلنا ثنية كداءل وبعدها 
المعلى© الي يما مشاهد أهل الهدى. وكنا عند خخروحنا من عدم الوصول خائفين 


(1) في ط: أوفر. 

)2( وردت | الأبيات في الترجمانة الكبرى» ص: 230. 

)4( سبيل الجوخى: ذكر ابن مليح أن نوائل للقهوة ب بهذا المرضع أ أيام الحج: أنس الساري والسارب» 
ص: 76. 

د الدال ال مكة علد ذي لوی يقر شعي التاقمين: و دار لی ل ا عليه وا 
إلى المحصب» فكأنه ضرب دائرة في دخوله وخروجه ؛ بات بذي طوى ثم نهض إلى أعلى مكة فدخل 
منها وفي خروجه خرج من أسفل مكة ثم رجع إلى المحصب. وأما كدي مصغرا فإنما هو لمن خرج من 
مكة إلى اليمن: معجم البلدان: كداء. 

(6) المعلى: من مقابر المسلمين بالبقيع: الجواهر الثمينة 514:2. 


- 311 - 


حي تلقتنا هوانف البشائر بقوله: (لتدخخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين)(0 
فد حلنا من باب السلام» وشاهدنا البيت والمقام وطفنا طواف القدوم» وذهبت 
عنا الطهموم» وجئنا إلى حل الصفاء وسعينا ف طلب الوفاء ولا نم سعينا بالطواف 
وحفتنا من عناية الله الألطاف» أقمنا عكة بالإحرام إلى سابع ذي الحجة الخرام. 


رجوع وانعطاف: 


ولا قضينا الوطر من الوادي» وبدت لنال من أعلام القرب الهوادي» أراد 
بعض الناس من شدة القيلولة» وقوي شوق الآخرين فشدوا الحمولة» وكنا ممن 
قوي عزمه على المسير» ورأى أن مقاساة الحر في حنب ما يطلبه يسير» فسرنا 
يومنا ونسمات الوصال قدب عليناء وبشائر التلاقي تترادف إليناء ومررنا بسر ف 
وبه قبر أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها وفيت هذا الوادي» وكان من غريب 
الاتفاق أن بى يما صلى الله عليه وسلم وكان تزوجها عكة وهو محرم ف عمرة 
القضية» وبن يما بسرف في رحوعه» وعلى قبرها بناء ومسجد قد تقدمت حوانبه 
فزرناها من حارج البناء معظمين لحرمتهاء راحين حسن بركتها. 


3 2 #2 .1 
عنها بي بالمكات الذي حرمت منه بالعمرة مع أخنيها عبد ار حمر بأمر الني 
صلی الله عليه وسلې 52 حجة الوداع» ومن 55 المكان يحرم الناس بالعمرة في 
المواسم وغيرهاء وهو أدن الحل حي صار يطلق على المكان اسم العمرة تسمية 
وصلوات)6؛ أي أماكن صلوات» أو ميت الأماكن بالصلوات تسمية للشىء 
(1) الفتح: 27 
(2) ساقط من ط. 
(3) سرف: على ستة أميال من مكة من طريق مرء وقيل سبعة وتسعة واثنا عشر» وليس بجامع اليوم» 
وهناك أعرس رسول اله صلى اله عليه وام بميمونة مرجعه من مكة حين قضى نسكه» وهناك ماتت 
)4 عبد الرحمن بن أبي / بكر الصديق: : من الزهاد الشجعان» شهد مع قريش بدرا وأحدا مشركاء وأسام في 


هدنة الحدييية» وله المشاهد الجميلة في نصر الإسلام» توفي سنة ثلاث وخمسين: شذرات الذهب 59:1. 
شرف الطالب» ص: 21. 


(5) الحج: 38. 
- 312 - 


ثم تحاوزنا إلى المكان المسَمّى بالزاهر» ويسمى حنان مكة» وبه آبار وأشجار 
وحضرات» وبه قبر يذكر أنه قبر الصحابي الإمام المشهور عبد الله بن عمر#) 
رضي الله عنهماء فقد صح أنه مات عكة بعد الحج» فقيل إنه دفن خخارجها بوصية 
منه كراهية أن يدفن في البلد الذي هاحر من فمن قائل إنه بهذا الوادي» ومن 
قائل إنه بالوادي الذي بطرف الحصب#» وهو الذي شهره كثير من الناس» إلا أنه 
ليس هناك قبر يُنسب إليه» وقد زرناه في هذا المكان بحسن النية» وأكثر اأناس 
اغتسل هذا المكان لدحول مكة اقتداء عن قال إن هذا هو ذو طُوى7 الذي بات 
به صلى الله عليه وسلم واغتسل فيه» واستحب أكثر العلماء الاغتسال فيه 
والتحقيق ما عليه كثير من المؤرخين أن ذا طوى أمام هذا وليس بينه وبين مكة 
واد آحر» وهو الوادي الذي وراء قعيقعان) وبأسفله الموضع المسمى بالشبيكةا6 
حيث الثنية السفلى الى يخرج منها الحاج بأعلى هذا الوادي هو ذو طوى وأسفله 


)1( أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب» الفقيه الزاهد» كان من زهاد الصحابة وأكثرهم أتباعا 
للسئن» توفي سنة 4 هل عُمر ستا وثمانين سنة أفتى في و4 فى سسدتين منهاء وڏما مات أمرهم أن يدفنوه ليلا ولا 
يعلموا الحجاج لئلا يصلي عليه» ودفن في نات أناخر» يعني فوق القرية التي يقال لها العابدة» وبعضهم 
يزعم أنه في الجبل الذي فوق البستان على يمين الخارج من مكة إلى المحصب: شذرات الذهب 841:1. 
شرف الطالب» ص: 22 

)2( المحصب: : موضع فيما يبن مكة ومنى وهو إلى منى أقرب: معجم البلدان: المحصب. 

(3) ذو طُوى: موضع عند مكة: معجم البلدان : طوى. 

(4) قعيقعان: قرية فيها مياه وزروع:: كتاب أسماء جبال تهامة» ص: 29. 

)5( الشبيكة: بين مكة والزاهر على طريق التنعيم» ومنزل من منازل حاج البصرة بينه وبين وجرة أميال: 
معجم البلدان: الشييكة. 


- 313 - 


ولم نغتسل نحن بالزاهر فقد أحذنا ماءنا في القِرّب إلى أن جئنا ذا طلوى 
وأنخنا الرواحل حي اغتسلنا غسلاً خفيفاً كما هو سنة المحرم» وصلينا العصر هناك 
وسرنا عامدين مكة المشرفة ودخلنا من باب المعلى» وهو التنية العليا التي دحل 
منها صلى الله عليه وسلم المسماة ة بكداء بالفتح» > وقد بالغ الولاة في حفر هذه التنية 
وتنقيتها من الأحجار حي صارت كأحد الأزقة» ومع ذلك ففيها صعوبة» ومنها 
يشرف على مقبرة مكة المسّمَاة بالحجونا"» وهي إحدى المقابر الي تضيء لأهل 
السماء كما تضيء الكواكب لأهل الأرض كما ورد في الأحاديث2. 


)1( الحجون: مقدرة أهل مكة تجاه دار أبي موسى الأشدري: معجم ما استعجم 427:1. 


- 314 - 


دكر د خولنا مجه المشرفة زادها الله تشريفا وتعظيماً 


دخلنا مكة عشية يوم السبت خامس يوم من ذي الحجة وأول يوم من 
السمائم كفانا الله شر حرهاء ودخل الركب المصري قبلنا قي اليوم الرابع» ودخل 
الركب الشامي ف السادس وبعضه في السابع؛ وكانوا لقوا من الحرامية شدة في 
الطريق حي كادوا أن يتعوقواء ودفعوا للأعراب مالا كثيرا وا من مائةألف 
بعدما انتهب من ركبهم كثير وقتل أناس. ثم دحل ركب العراق يوم الثامن بعدما 
رحل الناس إلى مئ» ولا نزلنا من التنية أنخنا الركاب اجون" وسط المقبرة 
للضرورة وحططنا الرحال بين القبور إذ لم نح مکانا سوى ذلك والأركاب قد 
ملأت خيامهم السهل والوعرء وم يسلم | إلا أماكن القبور المبنية أو امحوط يها 
والله يغفر نا ما اقتحمنا من ذلك» واستأنسنا بقول من أحاز ذلك من الأئمة 
مطلقاء وبقول من أحازه في القبور الداثرة مع الضرورة الملجئة لذلك. 


وبعدما حططنا الرحال وجمعنا الأثقال حان وقت الاصفرار وقوي الشوق 
قرب المزار» فقال البعض: لو تأخرنا حي تغيب الشمس وتحل النوافل فلا يقع بين 
الطواف وركعتيه أمر فاصل» فعصى داعي الشوق منا أوامره» وم يعبأ عا أبدى 
هم من حجة ظاهرة» فقلت لم: إن الخطب سهل في ذلك فلم تضق فيه 
المسالك؛ فإنا لا نفرغ من الطواف حى تمل النافلة» فلا يقع الفصل إلا بصلاة 
ال مغرب الفاضلة) والفصل ٠‏ عثل ذلك مغتفر» فما هو إلا كمن دعا بعد الطواف 
واستغفر» مع أنا لو صليناهما قبل المغرب م يكن ذ فيه كراهة» ولم نأت أمراً تطلب 
عنه التراهة لفرضية طواف القدوم» والركعتان تابعتان له كما هو المعلوم. فذهينا 
نۇم البيت الخرام» وائقين بنيل كل مرام» و حئنا إلى المسجد وقد حان الغروب 
وكادت تطير من الفرح القلوب» فدخلنا فرحين مستبشرين من باب السلام 
وشاهدنا البيت العتيق الذي تزيح أنواره كل ظلام» وقد تولت© أستاره وأشرقت 
(1) الحَجُون: موضع بمكة عند المحصب» هو الجبل المشرف بحناء المسجد الذي يلي ثيعب الحرارين إلى 


ما بين الحوضين اللذين في حائط عوف: معجم ما استعجم 426:1. 
(2) في ط: تدلت. 


-315- 


أنواره» وقد شمر البرقع عن أسافله» حي لا يكاد الطائف يناله بأنامله» يفعلون 
ذلك به من أول ما تقدم الرفود. ولا يطلقون الأستار حي تعودال) وقد قلت 52 
هذا المعين وأبديت فيه تشبيها غريب المبئن2: 


إل 
فكأنةلمابدامشفمرا ٠‏ ولط افون به جمعاأخدقرا 
ملكأ مام ناهِض للقاء من قد زاره وله إلي4وتشوق 
فبادر الغلمان رفع ذيوإله | حت إذا رجَعُوا جميعا أطلقوا 


ومن رأى أكابر ملوك عند قيامهم» وتشمير الغلمان لفاضل الذيول عن 
عينهم وشالمى علم غرابة هذا التشبيه وحسن موقعه» وأنه واقع في موضعه» وعلم 
ما يبنه وبين من شبهه هند وليلى» وأنه لم يجد وصفا و م يُحسن قولا. فلما وقعت 
عليه أبصارناء وافتضح ما أكنت من الشوق إليه أسرارناء اقشكَرّت حلودنا من 
هيبته» وذهلت العقول من عظمته ؛ فلم ترد علي أن يسنا وسلمنا وهلا 
فقصدنا باب بني شيبة للدحول منه» و لم نحد عينا ولا خمالا عنه» وتيمّمنا الحجر 
الأسود فقبلناه» وطفنا طواف القدوم وأتهمناه» و لم نبال عا نالنا في تقبيل الجر من 
الازدحام» والمورد العذب كثير الزحام. 


وبعد الطواف وقفنا بالملتزم» وشربنا من ماء زمزم ودعونا الله تعالىى» 
فحانت صلاة المغرب وقدمناها على ركعي الطواف تحريا للخروج عن وقست 
النهي مع قلة الفصلء » فلما فرغنا من الصلاة صَلْينا ركعي الطواف وأيّانا الجر 
الأسود وخرحنا لقَضاء شعيرة السعي من باب الصفاء وبدأنا عا بدأ الله ب تبارك 
وتعالى) فوقفنا على الصفاء ثم أتينا المروة في زحام كتير قي السعي لأنه من أسواق 
البلد العظيمة فيتضّرّر الساعي بذلك كثيراء ولو قيض الله الأمراء لنع الناس من 
التسوق فيه أيام الموسم لكان في ذلك نفع كثير. وما كدنا نفرغ من السعي إلى 
قرب العشاء فدخلنا المسجد وصلينا العشاء» ثم رحعنا إلى مترلنا بالحجون ملبين» 
(1) جاء في رحلة ابن بطوطة في هذا الشأن: وفي اليوم السابع والعشرين من شهر ذي القعدة تشمر أستار 
الكعبة زادها الله تعظيما إلى نحو ارتفاع قامة ونصف من جهاتها الأربع؛ صونا لها من الأيدي أن تتتهبهاء 
ويسمون ذلك إحرام الكعبة» وهو يوم مشهود بالحرم الشريف» ولا تفتح الكعبة المقدسة من ذلك اليوم حتى 


تنقضي الوقفة بعرفة: رحلة ابن بطوطة 186:1. 
)2( وردت الأبيات في كتاب: أبو سالم العياشي الأديب المتصوف» ص: 507. 


- 316 - 


وبتنا به حي طلع الفجرء وتوضأنا وجئنا لصلاة الصبح بالمسجد الحرام» فطفنا 
وصلينا وبقينا بالمسجد حي حلت النافلة» وطفنا واكترينا مترلا بقرب باب إبراهيم 
أحد ؛ أبواب الحرم الشريف من عند صاحبنا الشيخ محمد القرامسي بائني عشر 
ريالا» ونقلنا إليه أكثر حوائجنا وما نحتاحه لخرنه حى نرحع من عرفة. ولقينا في 
ذلك اليوم شيخنا العلامة الماهر الفهامة أبا مهدي عيسى بن محمد الثعالبي ابلحعفري 
المقرئٌ اجاور حرم الله و حرم رسوله فو حلته قي غاية الضعف من مرض كان به 
قبل ذلك شفاه الث وعافاه. 


وبتنا قي المترل الذي اكتريناه ليلتين لقربه من المسجد اغتناما للطواف بالليل 
فإن الطواف بالنهار كالمتعذر من شدة الحر» مع ما لا بد منه من الأشغال» وت ركنا 
الخباء والإبل فإتلك الليالي)" عزنا بالحجون» يبيت فيه بعض أصحابناء ولقوا 
من أذى السراق بالليل شدة؛ فإهم يهجمون على الناس هجوماً ويعظم أذاهم في 
أيام الموسم لقلة الحكم بتهاون الحكام وإرخاء العنان لهم في ذلك» وقد قيل إفغهم 
يأحذون منهم حعلا على ذلك في أيام الموسي فإذا أي إليهم بسارق أدخلوه 
الخبس على أعين الناس» فإذا حن الليل أخرحوه. وأما في غير الموسم ففي تلك 
البلاد الحكم التام الذي لا يوحد في بلد من البلاد» ويعتلون في أيام الموسم 
باختلاط الناس من جميع الآفاق» وتعدد الحكام؛ إذ لكل ركب حاكم» ويقولون 
لو أطلقنا اليد قي الحكومة على كل سارق رعا وقعنا في بعض خدام أمراء 
الأ ركاب فيؤدي ذلك إلى اهر ج في أيام الموسم» وتلك حجة ضعيفة. 

فلما كان اليوم الثامن خرحنا من مكة ضحى وجثنا إلى حل الإبل والأحبية 
بالحجون» ونزلنا هناك حي زالت الشمس وارتحلنا لأنّهِ السنة» وحثنا لن وقت 
صلاة الظهر» ومررنا عسجد العقبة ودخلناه» وصلينا ودعونا الله تعالى» وكان 
نزولنا عن فوق مسجد الخيف بسفح ثبير» وصاينا الظهر في مسجد اليف جماعة 
وحلسنا فيه ننتظر صلاة العصرء فلما أذن المؤذنون وأقيمت الصلاة أحرمنا مع 
الإمام» وكنت عند إرادة الإحرام أختلج في خاطري أن الإمام لعله حنفي يصلي 
بالإتمام» ولا أدري عاذا أحرم» قلت: أحرمت عا أحرم به الإمام من قصر أو إتمام» 


)2( لجسل ا ا لسان العرب: جعل 


- 317 - 


وكان الإمام كما ظننا حنفياً وأتم الصلاة» فلما فرغنا أمرت بالإعادة كل من صلى 
معه من أصحابنا ونوى التقصيرء فأعادوا. 

وبتنا تلك الليلة ع ولم يبت ها إلا المغاربة وقليل من غيرهم» و كثير مسن 
الناس ذهبوا إلى عرفات» وذلك دهم منذ أزمان» فقد قال الحطاب: وهذه 
السنق أعينٍ المبيت عي هذه الليلة قد أميتت منذ أزمان. وقد ذكر فلك كنير من 


المر تحلين» كابن رُشيد© والعبدري۴ ومن بعد ھا وذكروا أن الخوف عنع من 
المبيت هناك بعد ذهاب الأركاب. 


وقد من الله على المغارية بإحياء هذه السنة في كثير من السنين ولم يفتنا في 
حجة من الحجات ولله الحمد فلما رأى بعض المغاربة كثرة من ذهب إلى 
عرفات من الناس أخذوا يرتحلون وقالوا: لعل هذه الليلة هي ليلة عرفة» ولعدم 
علمهم بأن ذلك دأهم كل سنة ظنوا أن الذاهبين إنغا ذهبوا إلى عرفة في ذلك اليوم 
لبلوغ الخبر إليهم بسبقية رؤية الحلال» فقالوا الأحوط أن نذهب إلى عرفة لنحصل 
به الوقوف إن كانت هذه ليلته. فقلت هم: إن وقوفكم ها الليلة على الشك لا 
زئ لأنكم م تقفوا بثيّة نما عرفة» فهو كمن صام يوم الشك احتياط أ فلا 
يجزئه» ولسنا عأمورين باتباع الشك في مثل هذاء سيما الشك الذي لا مستند له 
مثل هذاء وإنغا هو تحويز عقلي» فقد حاء الناس من أقطار الأرض مسير تسعة أيام 
من كل حهة ولم يخبر أحد برؤيته» فمنهم من أقام معنا ومنهم من ذهب» ومن 
رأى مثل رأينا بات هناك حى أصبح. 

وارتحلنا عند طلوع الشمس ومررنا بالمشعر الحرام واستقينا منه ما نحتاج من 
الماء للغسل والشرب» وسرنا حى نزلنا بنمرة. وكان حرو جنا من بين المأزمين!5 
وكنًا فيما قبل ذلك من السنين رعا مررنا بالطريق اليِمئى من وراء الخبل حى نأي 


)1( محمد بن عبد الرحمن الحطاب الأنصاري» من فقهاء المالكية» له شرح على مذتصر خليل» توفي مده 
3 ه: لقط الفرائد» ص: 299. 

(2) ملء الميبة» ص: 87. 

)3( رحلة العبدري» ص: 15. 

(4) نمرة: ناحية بعرفة نزل بها النبي صلى الله عليه وسلم» وقيل نمرة: : الجبل الذي عليه أنصاب الحرم 
عن يمينك إذا خرجت من المأزمين تريد الموقف حيث ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة 
الوداع: ؛ معجم اليادان: : لمرة. . معجم ما استعجم 4 

)5( المأزمان: : موضع بمكة بين المشعر الحرام وعرفة» وهو شعب بين جبلين يفضي آخره إلى بطن 
عرنة: معجم البلدان: المأزمان. 


-318 - 


غمرة» وتلك الطريق أسهل وأوسع وأبعد عن الزحمة» إلا أن فيها طول ولشدة الخر 
قي هذه السنة آثرنا هذه لقصرهاء وقد قال بعض العلماء إن البي صلى الله عليه 
وسلې > ف ذهابه مر على تلك وف إيابه مر على هذه ولا أستحضر الآن من 
ذكره. 

ثم ضربنا الخيام للقيلولة حارج ثمرة» وتلك السنة ة فلما زالت الشمس 
اغتسلنا للوقوف؟ وصلينا الظهر والعصر جمعا بعد خطبة بديهية© ارتحلتها مقتصرا 
فيها على ذكر الحتاج إليه تما استقبلنا من المناسك غير متكلف للسجع» قصد إقامة 
تلك الشعيرة لأنا م نصل مع الإمام في المسجد للزحام والحر الكثير. 

ثم ارتحلنا وذلك يوم الأربعاء» وذهبنا إلى عرفات ووقفنا شامي القبة الي 
على الخبل من ورائها مستندين للجبل الصغير الذي فوقه. وبعد ماأخصذنا في 
الاستغفار والدعاء وحن واقفون على إبلناء واشتد الحو ثم من الله بسحابة صبت 
على الواقفين سجلا من ماء كسرت سّورة الحر وابتلت منها الأرض والثياب» 
وانطفت جرة الحر وأعقبها نسيم بارد بقية اليوم» و لم نزل واقفين في محلنا حي 
حاء الخطيب وذهينا إ إلى محل الخطية لاستماعهاء فلم نتمكن من “ماع حرف منها 
لكثرة الأصوات واختلاطهاء وازدحام الخلائق على اختلاف لغاتها وتباين مطالبهاء 
فطلعنا إلى حبل الرحمة!© حيث القبة المنسوية لادم عليه السلام» ووقفنا فيه ساعة 
ثم جتنا إلى الصخور الى قيل إنها موقفه عليه السلام وليس به فوقفنا كما ساعة 
ولم نزل كذلك ننتقل من موضع إلى موضع رحاء بركة الواقفين حى غابت 
الشمس ونفرت امحامل والأمراء بعساكرهم» ونفر غالب الناس معهم» وتأخّرنا 
بعدهم هنيئة لأخذ الجزء الواحب من الليل ف ذلك المكان إيشارا للسنة وإلا 
فالنافرون عند الغروب لا يخرحون من الحل حى يتحقق دخول الليل» ومن لا 
يبالي من اللجمالين كثير منهم نفروا قبل الغروب» واستقينا الماء من عرفات للشرب 
والوضوء عزدلفة إذ لا ماء في محل المبيت منها. ثم نفرنا في أخريات الناس وم َر 


(1) ساقط من ط. 

(2) في ط: بديعية. 

)3( قال ابن بطوطة: بين منى وعرفة خمسدة أميال» وكذلك بين منى ومكة أيضا خمسدة أميال» ولعرفة 
ثلاثة أسماء وهي: عرفة وجمع والمشعر الحرام» وعرفات سيط من الأرض فسيح أفيح تحدق به جبال 
كثيرة» وفي آخر بسيط عرفات جيل الرحمة وفيه الموقف وفيما حوله والعلمان قبله بنحو ميل وهما الحد ما 
بين الحل والحرم: رحلة ابن بطوطة 187:1. 


-319 - 


بفضل الله زحاماً ولا ضيقاً حي خرحنا من بين المأزمين بعد مغيب الشفق» وعدلنا 
عينا واستندنا للجبل ونزلنا وجمعنا الصلاتين وبتنا والتقطنا الجمار» فلما غاب القمر 
أخحذ السراق يرموننا بالأحجار من الحبل لقربنا منه"» وكان ظنهم أنهم يخرحوننا 
من الرحال بذلك فيصادفوا فرصة» فكفانا الله شرهم» وبتنا عترلنا حى طلع الفجر 
وتوضأنا وصلينا وارتحلنا غير مغلسين؛ لأن ضوء الفجر لم يستبن لنا حي انبهر 
حدا وارتفع لأننا تحت الجبلء وجئنا إلى المشعر الخرام وقد كادت الشمس أن 
تصفر فوقفنا به قليلا داعين ومكبرين. 
ثم سرنا فأنخنا بالماء الذي عنده للسقي» لأن الماء عن لا يوحدء وهناك 
ت ركت الرحل وتقدمت مع بعض الإخوان راحلا إلى مكة عسى أن ندرك البيت 
مفتوحاء وسرنا حي حقنا وادي النار وأسرعنا به» وهو أول ما تحاذي البركة 
الخربة الي على يسارك إن مررت بطريق الأركاب وأنت ذاهب إلى من حي 
تأحذ في الطلوع إلى من وترتفع بك الأرض» وكذا عرفه أعلم أهل عصره 
بالمناسك» خليل المكي#» حسبما نقله عنه البلوي۴ في رحلته إذ سأله عن حده. 
ولم نسرع فيه في ذهابناء وإن قال به بعض العلماء لأنه لم يتمكن لنا ذلك 
ونحن راكبون» و لم يتيسر الترول فمضينا كذلك على الطريق الكبير الي تشق مى 
حي أنينا جمرة العقبة ورميناها بسبع حصيات من أسفلهاء وملنا إلى الخلاقين الذين 
هناك وحلقناء وكان أهمين أمر الحلق لأن الحلاقين في ذلك اليوم حصوصا أول 
الوقت» يكثر الزحام عليهم فلا يستوعبون الرأس بالحلق ولا يحسنونه» ويكتفي 
منهم أكثر الناس بذلك» فإذا حلقوا ناحية من الرأس وبعضها قالوا: يكفيك هذا 
قد أحلات طلا ارغ لآخر استكثاراً في الأحرة» فيصدقهم كثير من الناس يي 
الاكتفاء بذلك» وقد من الله علينا برحل من أهل مصر عليه سيما الخير» فحلق لنا 
كما ينبغي ودفعنا له أحرته. ثم ذهبنا كذلك ونحن نخاف أن لا ندرك البيت 
مفتوحاء ولا شيء أهم عندي من ذلك حي دخلنا المسجد الحرام فوحدنا البيت 
مفتوحاً فقصدناه وقدمنا دخوله على الطواف خحشية أن يفوت فلا يمكن تدا ركه 


(1) في ط: منها. 

)2( خليل المكي المالكي» إمام المالكية بمكة المكرمة» توفي سدنة 0ه : الوفيات 222:2. 

)3( ذكر البلوي في رحلته لقا ءه بأبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عمر المكي المالكي 
المشتهر بخليل» وأكد استفادته “في مناسك حجه تققها ومعاينة بين يديه"» ولم ترد إشارة العياشي في رحلة 
البلوي: تاج المفرق 11 


- 320 - 


فيسر الله دخوله بلا كلفة ولا مشقة ولا سوء أدب» ولم ندفع أحرة في ذلك 
لأحد» فوحدنا به بعض زحام وصلينا إلى حوانبه الأربع» وغلبنا الحر من شدة الخر 
فيه لكثرة ة ازدحام الناس» ودعونا الله تبارك وتعالى فيه عا أطلق ألسنتنا به من خير 
الدنيا والآخحرة» ودعونا لإخواننا ومن خحلفناه ف الرحال وكفانا مئونتها حي فزنا 
كذه البغية. 

ثم هبطنا و لم تطل مدة فتحه بعد هبوطنا وإغا يفتحونه في هذا اليوم لتعليق 
الكسوة الجديدة وإزالة العتيقة وليس بيوم دخول عام وإنما يدل القيم وأمير 
الحاج المصري وأتباعهما المعنيين يل ذلك ولا ينصب سلم للدخول وإنما يدخخل 
من تكلف الصعود ععين أو بخفة أعضاء وعلى الباب أحد نمُدَام الأمير بنع الناس 
من الدخحولء إلا أن الناس يكاثرونه» فإن منع من حانب دخلوا من جانب آخرء 
ورعا يتعامى عن البعض» ويحصل لكثير من الناس في ذلك المكان سوء أدب من 
ضرب وشتم بالألفاظ يره المكان منهاء فالأولى عدم الدحول إلا لمن تيسر له ذلك 
عفوا صفوا من غير إيلا4 وقد من الله العظيم بدخوله بعد ذلك مرات متعددة بلا 
كلفة ولا مشقة ولله الحمد حمدا كثيرا. ثم بعد الخروج شربنا من ماء زمزم وم 
نسع لأنا سعينا إثر طواف القدوم كما هو السنة. 


لطبفة: 


وكثير من العوام يظن أنه يلزمه سعي آخخر إثر الإفاضة» وبعض المتفقهة أفى 
من لم ينو فرضية طواف القدوم بإعادة السعي اقتداء بظاهر قول المختصر: ونوى 
فرضيته» وإلا فدم!). والتحقيق أن شروط السعي وقوعه إثر طواف» أي طواف» 
وكونه فرضا إنما هو واحب يجبر بالدم ولا يلزم منه بطلان السعي» ومع الفرضية 
كونه يتوقف عليه صحة السعي لا كونه فرضا في نفسه» وهذا القدر يعلمه كل 
من له أدق معرفة بالمناسك» وإذا كان كذلك فلا إعادة على من سعى إثر طواف 
القدوم, ولو لم يستحضر نية فرضيته إذا كان عاما بذلك» فإن نية اللإحرام كافية 
في الحج لأنه عبادة واحدة» ولا يشترط فيه ! إفراد نية لكل جزء منه» كالصلاة 
وتمبيز الفرائض من غيرها أمر مختلف فى كونه شرطأ في صحة الصلاة ة أم لاء والحج 


(1) مختصر خليل» ص: 81. 


- 321 - 


أوسع من الصلاة» ولا إعادة عليه أيضا لو حهل فرضية طواف القدوم لأن 
الشرط كما تقدم هو وقوعه إثْر طواف» وهذا واقع إثر طواف» فإن كان عالما 
بالتلازم بينهما فلا دم أيضا إذ ذلك القدر هو المعبر عنه بالفرضية» وإلا فدم. هذا 
ما حققه بعض المشايخ وأدلة ذلك يطول سردهاء وكثير من المتفقهة لا يحقق 
المسألة هذا التحقيق ويشغب على الناس بإلزامهم الإعادة ويقول: لا بد من إفراد 
نية لطواف القدوم إنه فرض وإلا بطل السعي» والعجب كيف يجعلون نية الفريضة 
شرطا في صحة السعي ولا يجعلونه شرطا في صحة الطواف ذي النية» فتكون نية 
الفرض في ركن شرطا لركن آخر لا له» والشرط إذا لم يؤثر عدمه في محله كيف 
يؤئر في محل آخحر» فشد يدك على ما ذكرنا من التحقيق» ولا تلتفت إلى من طريقه 
التقيد بظواهر ألفاظ المختصرء والله تعالى أعلم. 

ولا فرغنا من الطواف وتوابعه ملنا إلى ظل المسجد وحلسنا للاستراحة» وقد 
تعبنا غاية في يحيئنا لأنا أسرعنا المشي والوقت وقت حر. 


و اس 
٠‏ 


صفة البيت العتيق» زاده الله شرفاً: من داحله بيت مربّم» ونقص من الركن 
الذي عن ين الداحل مقدار السلم نحو ثلاثة أذرع» يصعد منه إلى السطح 
وأرضه مفروشة بالمرمر الملون الجرّع» مكسو الحيطان والسقف بكسوة على هيئة 
الكسوة الخارحة في الصنعة والكتابة» مخالفة ها في اللون» فإن الخارحة سوداء كلها 
والداخخلة بياض فق حمرة) وفيه مصابيح كبيرة معلقة» بعضها من الذهب وبعضها 
من البلار الأبيض الصايي المكتوب يلون أزوردي» وله ثلائة أعمدة من حشب 
مصطفة في وسطه ما بين اليمين والشمال» وكل عمود منها قد سمرت عليه ألواح 
من عود من أسفله مقدار وقفة» وهذه صورته: 


- 322 - 


والخشب المسقف به الذي عليه اللوح ذاهب من ناحية الباب إلى الجهة 
المقابلة له» أحدها رأسه على رأس السلم وهو قرا دار البيت» وليس بينه 
وبينه إلا مقدار ما يصلى فيه» والثان بينه وبين الباب» والثالث عند الباب. وقد 
أمعنت النظر فيه وإن كان ذلك سوء أدب يغتفر ذلك لمن لم يكن قصده التفرج 
وأراد الوقوف على حقيقة الأمورا"» والله يغفر ويتقبل. 

ثم رحعنا إلى مين ونحن على أشد ما يكون من العياء والتعب» وجاسنا مرارا 
في الطريق وتوضأناء من البركة الي بين مكة ومئ» وجثنا لمسجد العقبة وحلسنا 
فيه ساعة وصلينا فيه الظهرء وقد احتلف يي صلاته» صلى الله عليه وسلي الظهر 
يوم النحر؛ فقيل بحكة وقيل عين؛ وهو قول الأكثر. وهذا المسجد هو المكان الذي 
بايع فيه الأنصار» رضي الله عنهم» بيعة العقبة©» فهو من المساحد المنسوية إلى 


(1) في ط: الأمر. 

(2) بيعة العقبة: ذكر صاحب الكامل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خرج في الموسم الذي لقي فيه 
النفر من الأنصار» فعرض نفسه على القبائل كما كان يفعله» فبيئما هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج 
فدعاهم إلى الله وعرض عليهم الإسلام... فأجابوه وصدقوه وقالوا له: إن بين قومئاً شرا وعسى الله أن 


- 323 - 


البي» صلی الله عليه وسلې المتبرك ها وهو معدود من الأماكن الى يستجاب 
فيها الدعاءء وهو في الشعب تحت حمرة العقبة بيسير على يسارك وأنت ذاهب من 
مكة إلى مى. 

ثم حثنا إلى منازلنا عين» وكان نزولنا وراء المسجد قرب الغار الذي نزلت 
به سورة المرسلات على النبي» صلى الله عليه وسلم» وخبره مذكور في الصحيح» 
وقد بین على بابه محوط شبه مسجد صغير والناس يقصدونه للصلاة فيه والدعاي 
وهو في أصل جبل ثبيرا" بينه وبين مسجد الخيف رمية بحجرء وكان نزولنا قي هذا 
امحل إيثارا لقرب هذا المكان وقرب المسجد مع كونه أنظف وأوسع وأقرب للجبل 
الذي يشرف منه على من كلهاء وهو أستر وأمكن للإنسان في حاحته والناس 
يتحامون القرب من الخبل تقية من أذى السراق» فيستجير بعضهم ببعض» ويفرون 
إلى الدحول في غمار الناس ولا يبالون عا ناهم في ذلك من وطء الأقدام وتقطيع 
الحبال وتفن الأرحاء وانتشار الروائح الكريهة» ونحن استسهلنا أمر السرقة في 
حنب هذه المضار» وكان مترلنا أنظف المنازل وأحسنها وأبعدها عن الأذى 
وأهجهاء وقد ذبح في مئ» في ذلك اليوم والذي بعده» من الغنم والبقرء ما 
أحسب الغي والفقير» وكفى الوارد والمستوطن» وامتلأت الطرقات وأفنية المنازل 
باللحم والحلد والساقط والأكارع» فلا ترى أحدا يأخذهاء بل بقي كثير من الغدم 
غير مسلوخ إلى أن ارتحل الناس من هناك لم عسه الناس» فمن ع الفقراء من يأحذ 
نحوا من عشرة من الغنم فيبيعون لحومها بأرحص ثمن وييبسون ما قدروا عليه؛ 
ضيافة الله الملك الحق الذي لا يقدر أحد على كفاية حلقه» فقد ورد من آفاق 
الأرض أصناف من الخلق لا تحصىء أغنياء وفقراء» فأكل الكل من ضيافة مالكهم 
وتزودوا ما قدرواء وفضل ما أعجز الطير والوحش والموام» فوحدت به عدة كثيرة 

من الغنم قد بيست حلودها على الحومها وعظامها لم تمس إلى أن صارت مفل 
الخشب من يبسهاء والمرحو بل المحقق من كرم الملك الومٌّاب ذي الطُؤْل» كما عم 
وفده بالضيافة الحسوسة الي صيرت الفقير كالغين في أيام الضيافة» كذلك أو 


يجمعهم بك» فان اجتمعوا عليك فلا رجل أعز منك» دم انصرفوا عنه» وكانوا سبعة نفر من الخزرج» فلما 
قدموا المدينة ذكروا لهم النبي ودعوهم إلى الإسلام حتى ذشًا فيهم» حتى إنا كان العام المقبل وافى الموسم 
من الأنصار اثنا عشر رجلا فلقوه بالعقبة وهى العقبة الأولى فبايعوه: الكامل 610:1. 

(1) ثيير: من أعظم جبال مكة بينها وبين عرفة» سمي ثبيرا برجل من هذيل مات في نلك الجبل فعرف 
الجبل به: معجم البلدان: ثيير. 

(2) في ط: البقر والغئم. 


- 324 - 


أعظم منه ضيافته المعنوية بالمغفرة وقبول الدعاء» وأحزل المثوبة لعباده فوق ما يخطر 
بالبال وما ينال بقياس ومثال» فما أسعدنا به من رب کرم منعم متفضل وهاب 
حواد محسن متطولء لا إله إلا هو ملك الملوك ورب الأرباب» ولا يهلك على الله 
إلا هالك» نسأله سبحانه أن يعمنا بفضله وكرمهء ويتحفنا برضوانه» ویعاملنا 
بإاحساته آمين. 

وبتنا عن تلك الليلة في نعمة كاملة ورحمة من الله شاملة ثم في الغد عمرت 
الأسواق وكثر الإنفاق وخرحت البضائع ذوات الأنمان وصنوف التجارات» 
وتزاحم الناس على الشراء رجاء بركة ذلك المكان» وأكثر التجار يقولون: إن من 
اشترى شيئا من من وحعله في تحارته وحد بركته وظهرت له ثرت ولا يبعد ذلك 
فإنه موسم شريف ومحل بركة يأتيه الناس من كل فج عميق (ليشهدوا منافع هم 
ويذكروا اسم الله إن أيام معلومات على ما رزقهم من يمة الأنعام)!؟ وقد عمهم 
الله فيه من أمر دنياهم وأخراه.!© بغاية الإنعام. 


ولا زالت الشمس خرحنا لرمي الحمار مبتدئين بالأولى الي تلي مسجد 
الخيف» ثم بالوسطىء ثم ذات العقبة» واشتد الحر وم نطل في الوقوف إثر الأوليين 
القدر المذكورء فوقفنا طاقتنا مجتهدين في الدعاء وبعد الفراغ من الرمي حجنت 
لمترل أولاد شيخنا تاج الدين!6 فوحدت عندهم شيخنا سيدي عيسى النعالبي» 
وحلست عندهم برهة حي صليت العصر وأحضروا طعاما حيداء وأخذنا منه 
حاحتنا. 

ولأهل مكة» حصوصا الأكابر من أهل الوظائف؛ كالعلماء والأمراء والتجار 
وأكابر البلد» منازل عن يترلوكا أيام الموسم متقنة البناء» غالبها مشرف على 
السوق» فيها غرف عالية ومطابخ ومرافق» و رعا نزلوها في بعض الأحيان في 
فصل الربيع» فصل التفرج. ومترل شيخنا تاج الدين المالكي هذا من أحسن 
المنازل» له مصطبة مونقة بحانب الطريق ها شبابيك» بينما نحن يما حالسون إذ مر 


)1( الحج: 5 
)3( تاج 50 بن ) أحمد بن إبراهيم المكي» قاضي مكة» خطيب أب عالم» له عدد من الرسائل في العقائد» 
توفي سنة 6 خلاصة الأثر 1 :470. ٠‏ شجرة 5 النور الزكية 41 


- 325 - 


أمير مكة الشريف زيدة ف موكيه وله شارة حسنة معه طائفة من الأشراف 
والجند ذاهبا ترمى الجمار» قد ظلل على رأسه عظلة كبيرة من حرير كأنها قبة 
حباء يحملها فارس بجانبه) يسايره وهو يي ظلها والناس يحيونه عن اليمين 
والشمال» فالعوام يقولون في تحيتهم: نصرك الله يا زيد» والخواص يقولون: السلام 
عليكم» وهو يرد على كل من حياه من وضيع وشريف ولا يهمل أحدا ويسشير 
برأسه إلى كل من حیاہ وذلك لشدة تواضعه» رضي الله عن وهو رحل مر 
اللون يض اللحية “مح الوح ضرب من الرحال إلى النحافة أميل» وأثى من 
حضر املس عليه كثيرا في سيرته وعقيدته وأثن عليه شيخنا أبو مهدي. 


وهذا الأمير من أحسن أمراء عصره سياسة وحسن تدبير» ولم تزل الإمارة 
في أسلافه منذ أعصار متطاولة» وأسلافه هم المشهورون بآل أبي غمي» وهو بطن 
من أبي حسن» وإخخوائهم بنو حسين لهم إمرة المدينة وولاية الحجاز الآن بأطرافه 
من أطراف اليمن إلى أقصى بحد مما يلي البصرة ثم إلى خيبرا مما يلي ناحية الشام 
م إل تيع كلها للأمير زيد بن سن وأسلاقه وليس لبي حسين ف ولاية الدية 
ف هذا الزمان إلا الاسم فقط وبعض تصرف من تحت يد الأمير زيد. 

وكان هذا الأمير فيما مضى على معتقد أهل بيته كاعتقاد الزيدية» ثم باينهم 
ورحع إلى معتقد أهل السنة وتمذهب عذهب الإمام أبي حنيفة» رضي الله عن 
وحسن اعتقاده في علماء السنة» وبالغ في تعظيمهم وكف أهل بيته عن كثير نما 
كانوا ينالون من أهل السنة» ومنعهم من إظهار معتقدام» ا 
ذات يوم ولاموه على رجوعه عن مذهبهم فقال مم: ألا يكفيكم مين أ 
أحبركم و لم ام ركم على الرحوع عما أنتم عليه؟ إنما هو دين لا ب ا ف 
اعتقاد ما هو الحق واتباح ما رایت وتبين لكم ما تین لي فبنبغي أن ترجعوا إلى 
الحق واهدى وإن لم تروه ف: (لكم دينكم ولي دين)ا۴» فمن ذلك اليوم أيسوا 
منه. وقد استفاض على الألسنة أنه من الأولياء لما يرون من إحابة دعوته وكثرة 


(1) الشريف زيد: زيد بن محسن بن حسين بن حسن بن ابي نمي» أمير مكة» ولد فيها سنة 1014» ووليها 
سدئة 1 هه وحسلت سيرته» حدثت ت في أيامه فتن تمكن من إخمادهاء واستمر في إمارته إلى أن توفي 
بمكة سنة 1077 ه: خلاصة الأثر 176:2 .تاريخ أمراء المدينة المنورة ص: 345. الأعلام 60:3 -61. 


(2) خيبر: بينها وبين المديئة ثمائية برد: معجم ما استعجم 523:2. معجم البلدان: خيبر. 
)3( الكافرون: 6. 


-326 - 


عبادته وشدة تواضعهء وإن كان في تصرفات عماله لا تخلو من حور في الأموال 
كما شأن ولاة العصرء وقد أخبرني من أثق به أنه كان ذات يوم دعا بعض عماله 
ليذهب إلى خليص في أيام الموسم فيجلس فيها مع طائفة من عسكره ردعا 
للصوص وتأمينا للسبل كما هو شأنه في سائر الطرقات أيام الموسي فاعتذر العامل 
بأنه مريض» ولا مرض به» فألح عليه في ذلك فقال: إن مريض لا أقدرء فقال له: 
إن كنت صادقا فشفاك اللفى وإن كنت كاذبا فأماتك الله قالوا: وكان ذلك 
صبحا فلم يأت الظهر حي مات ذلك العامل. وأمثال هذا من إحابة دعواته كثير 
حين كانت أعراب الحجاز تقول: نخاف من دعوة زيد أكثر ما نخاف من سيفه. 

ومن محاسنه أنه لم يقتل قط أحدا من أهل بيته مع كثرهم وكثرة خروحهم 
عليه وسعيهم بالفساد في ملكه» ولكن كل من أحس منه ذلك يقول له لا تسعك 
بلادي» فيخرحه من مكة؛ فلا يزال يحارب مع الأعراب ويسعى في إفساد المملكة 
حى يذهب ما بيده من الأموال فيرحع إليه صاغرا حي أيسوا من القيام عليه 
فأذعنوا له» وكثير من العوام يقولون إنه قطب لأنه مكث ي ولاية مكة أكثر من 
ثلاثين سنة. قالوا: ولا عكث ثلاثين سنة فى ملك مكة إلا القطب» ولا أدري من 
أين هم ذلك» والغالب أن الله تعالى لا عكن من حرمه الأمين وبلد نبيه المكين هذه 
المدة المتطاولة» مع حسن دقاعه عنه وكفاية أعدائه» إلا من عنده مكانة وله به 
عناية» مع ما من الله به من حسن الاعتقاد والإكثار من العبادة والطواف بالليل في 
غمار الناس حيث لا يعرف» وكثير من الناس رعا وموه بالبخل. وقد أحبرن 
شيخنا أبو مهدي أنه على حلاف ذلك وأنه يعتمد بصدقاته ومعروفه الأحفياء من 
العلماء والأتقياء من ليست له وظيفة معلومة» ويبعث طم وإلى الفقراء من معروفه 
بليل» بحيث لا يشعر بذلك إلا خواص أصحابه. وأما أهل المناصب والوظائف فلا 
ينهم من معروفه إلا القليل فيسمونه لذلك بالبخل. 

ومن محاسنه تورعه عن سفك الدماء مع شدة بسالته بحيث تضرب به 
الأمثال في الشجاعة في حروبه» وأكثر ما يعاقب بالمال» إلا ف حد من الحدود. 
وكثير ما يقع من عماله ما يخالف الشرع في الباية ويبالغون في ظلم الرعية» و م 
ير في أحواله ما يغمص عليه إلا هذا. وأما ثناء الناس عليه فأكثر من هذا كله 
وأهل الحجاز يرون أنهم تحت حناح العافية وف ظل الأمان ما دام حياء ويفدونه 
بآبائهم وأمهاقم» نسأل الله تبارك وتعالى أن يطيل بقاءه» ويشيد في الدارين بناءى 


- 327 - 


ويسم عزه لحماية حرمه الأمين بحاه البي المكين» صلى الله عليه وسلم وعلى آله 
وصحبه اجمعين امين. 

ولا كانت الليلة الثانية من ليالي مين بالغ أهل مصر والشام في إيقاد المصابيح 
واتخاذ المصانع منها وصور الأشجار والأحبية» وأكثروا الرمي بالمدافع والبنادق 
وا مخارق المرتفعة في الج وفعل مثل ذلك السلطان زيد وي ذلك نزهة للأبصار 
وتسلية للأفكار» وجحال للاتعاظ والأذكار» والقبول والإنكار» مترل مع أصناف 
العباد» وحشر إليه عمار البلاد فهو أحمل الأندية» ومبانيه أحسن الأبنية» تشرق 
بالنهار فصوصه الونقة'" وبالليل مصابيحه المشرقة» وما يناسب ذكره هنا ما قلته 
ونحن في هذا المكان عى سنة أربع وستين وألف©: 


2 


[بسيط] 


لنا عليك مخض الفضل حق رى للألرَّمَتَك أو تقضي لي قي 


م وُذ ماك الملك مغفرة 
غرسُت في قلبي الإبمانً من صِكّْري 
فاط علي مى الأرزاق أكثرٌ مسن 
غرقت في بحر جهلي ورجوت قدا 
مدت نوك كف الفقر من على 
فاخي من النار والأغيإر أجْمَعها 
أمدّني منك بالسر الخفِي وكن 
وكن مجيبا دعائي أنت أكرمٌ من 


باه أهد خير الخلق قاطبة 


لا ذز الرثب في صحفي ولا قي 
يا ذا التفضّل ماغرسكَة فائق 
ما قد سألتكَةُ يا باط الرؤق 
عفرك قذي من أجة القرق 
حتعفي بعيذق الفنى عن ساني لحان 
رقي فإنك قد أمرت بالعِتق 


عليه أزكى صلة اللك الحق 


وقد طلعنا إلى فوق مترلنا بسفح الحبل نشرف منه على منازل الحاج كلهاء 
وبقينا هناك في ليلة مقمرة مطربة مزهرة كأما مار مشمس قد شابه زهر الرباء 


(1) في ط: فساطيطه. 
)2( وردت القصيدة في الثغر اأباسم»› ص: 212. 


-328 - 


نتمتع برؤية تلك العجائب ونستمطر رحمة الله من كل حانب» وصلينا هناك" 
المغرب والعشاي ولم نترل من ذلك امحل حي ذهب هزيع© من الليل» وبتنا تلك 
الليلة في أرغد عيش بارد وأصفى سرور وارد» لولا تشويش السراق علينا برسي 
الأحجار بعد مغيب القمر» وذلك في حنب ما حصل لنا من النعيم ليس ضرر. 
وبالحملة فليالي من غرر في أوحه الزمان» ومواسم فرح وسرور لأهل الإهان؛ 
ومناهل رحمة ومغفرة من الله ورضوان» ومحال بركة وعافية وأمان يتجلى فيها 
الحق لوحده بصفة الجمال حزاء لرضاهم» قبل ذلك يتجلى الجلال» فهناك 
يستصغر المرء ما قاسى في طريقه من الشدائد في حنب ما حصل له من النعيم 
والفوائد» وتي وصف هذه الليالي وما قبلها قلت من جملة أبيات في قصيدة لي 
مدحية أوطًا!: 


[جحزوء الكامل] 


حيث القبابُ ايض تل 
بينَالحصب واخَجُو 
ومنها: 
وهال مكل اقترد 
فاقصِدذهُ ين باب السلا 
ټل وطُْف واركح وير 
قفا بال صفاوبمووة 
وازجغ ززم ئف ما 
واشرف عليك الاج مر 


ينأنثشيخلدى الحرم 
10 5 ا 1 ار ف 1 0 
نف فنك دزياق السقم 


دلله رم الج رة 
موأ ركك افلم 
لسغي بفد ازم 
والسقي ينها العم 
وط الجوائح من َّرم 


سه وؤ ق ال ر 0 


)1( في ط: هناك. 

(2) في ط: حجيع. 

)3( وردت القصيدة في: الثغر الباسم» ص: 234. 
(4) الدرياق: الترياق لسان العرب: درق. 


-329 - 


نفروا تق ودهمالسعا 
سات بأعضفةق المطضِي 
متلأوا اللسيطة بالقنا 


بيطا وخضرا بين حم 


, جنتع 5 که : ا :3 
فال 4 2 5 و الهم 0 
£ 00 
والأرض في داج ي الظل م 
ء وذالك بالشمع ا طرمٌ 
لليف من أْكى العم 
فح المعلم شنم 
عرفات فيي اَم 


مشر للخلابق ممُزدحم 


ل د بخخجي لم 1 الجيم 
في لف موقتف وشمم 

و 0 ر 5 . 5 م 
3 كال سحاب إذا انسجم 


حت إذا اللل انصرم 


د مشفل سملل إن هجِم 
ي ذُرى الأباطح والأخم 
ب كأفنْ بيض الععم 


- 330 - 


بُشرى لمن يمي الجما وم برا وأراق دم 


0 
نقموم ل اغيرة فعلةُ يوم تزل ب ووالهقدم 
ياححخسن عيش ناعم يُؤذي القلوب إذا انصرم 


واجغل بعحكة آخرال ‏ لعهد ا مكانالمسمَلمٌ 
وارخل بعزم فوطي سبةفالوفق من عزم 


ثم شرعت بعد هذا في ذكر المدينة ثم مدحه صلى الله عليه وسلم وكلها 
منسجة ت ركنا ذكرها بتمامها لطوهًا. 

فلما أصبحنا في اليوم الثالث أذ الناس في الرحيل متعجلين» «إفمن تعجل 
ف يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إم عليه لمن اتقى 414 وكثير من الناس رمى 
ف ذلك اليوم والذي قبله قبل الزوال» حهلا منهم» ولم يرتحل الأمراء حي زالت 
الشمس وذهبت المحامل السلطانية وتعجل الناس كلهم» وتلك عادهم و لم يبق إلا 
ركب أهل العراق» وكلمنا أصحابنا المغارية فأبوا الاستعجال لشراء القماش عكة 
ظنا منهم أن بتأخير يوم يفوت غرضهم» ولم يشعروا أن ما فاقم من ٹواب هذه 
الليلة وإحياء هذه السنة أعظم مما يدركون من الغرض العاحل» مع أنه لا يفوتم 
ولو تأحرواء ولم يسعفنا في ذلك إلا أمير ركبنا سيدي محمد بن محمد الحفيان 
بنفسه وتعجل أصحابه» وصاحبنا الفقيه الأحل القاضي سيدي أحمد الخطيب 
المراكشي» وأناس© قليلون ممن رغب في الخير نحو من ثلاثة أخبية» واحتمعنا في 
موضع واحد وبتناء ولا رحعنا ذلك اليوم من رمي الحمار صت العصر بالمسجد» 
ولقيت بالقبة الى في وسط المشيخ سليمان بن الشيخ عبد العزيز الحبيشي من مدينة 
الأحساء بالموصل» وتكلمنا معه فوحلته له مشاركة حسنة قي كثير من العلوم» 
وحصلت بين وبينه ألفة» و لم يزل يتعاهدن ف أيام الإقامة عكة» وأهدى لي من 
نار بلدهم» وهو أحود الثمر» وقد عقدت معه عقد أخوة في الله» وكتب لي بذلك 
خحطه» نسأل الله أن ينفعنا يما. ثم بتنا تلك الليلة وم نر ما يسوؤنا من سارق أو 
غير والله يختم بخير. وهذا المسجدء أعيئ مسجد الخيف» يُسَمَّى مسجد علي» 


(1) البقرة: 201. 
)2( في 35 أذس. 


- 331 - 


قيل إن علي بن ابي طالب رضي الله عنه أول من بناب وهو موضع مترل النبي 
صلى الله عليه وسلم وأصحابه في حجة الوداع» وطول هذا المسجد من احراب 
إلى الباب الذي يقابله أربعمائة قدم» وعرضه ثلانمائة وأربعون» وبوسط المسجد قبة 


مثمنة كل نمن منها أربعة وعشرون قلماً من خارحه» ورأيت في بعض التواريخ أن 
في حل هذه القبة كان فسطاطه عليه السلام. وصحن هذا المسجد كبير إذ المسقف 
من مقدمه نحو أربعة من الصفوف» ومن سائر الجوانب غير مسقف» وقد رأيت 
قبل هذا في إحدى سواري هذا المسجد مكتوباً ما أظن أن صورته هذا: 


أيها الغائبون بالك جُودوا ‏ لريب بدلغيوةإن قدمُم 
كان من قبل ها هنامفل ماقد کشم حاضرا كما قد حضرئم 
وتحته مكتوب ما نصه: 
[خفيف] 
قد حضرنا بذا المكان وغبتم وشهذنا بو كما قد شهدتم 
وذكرناكم بكلجميل فاذكرونا ماله إن حضرثكم 
ووحدت في سارية أخرى بيتا مفردا وهو: 
[رمل] 
إن في اب ام 1 ١.‏ ا لعا و ين و .0 
وقد صدق قائله إلا أنه تشم منه رائحة التشيع» > وأن هذا النهر خحاص هم 
رضي الله عنهم» وعن والاهم دون غيرهم من الصحابة وصالحي الأمة رضي الله 
عن جميعهم» وحعلنا تمن أحسن من تابعيهم آمين. 
ولا زالت الشمس من اليوم الرابع ارتحلنا من من ورمينا الجمار بلا زحمة؛ إذ 
م يبق عن إلا نحن وركب أهل العراق. ثم سرنا حى نزلنا الخحصب ولم حصب 
أحد سوانا بل كثير من الناس لا يعرفونه وتعجبوا من نزولنا هناك وصاينا 
با حصب الظهر والعصر والمغرب والعشا وبعده أخذنا في الرحيل فأصابنا مطر 


- 332 - 


وابل ول عكنا المرور وسط مكة للزحمة والظلمة» فعدلنا ذات اليمين إلى كداى 
ومررنا وراء الخبل حى نزلنا أسفل ذي طوى با حل المسمى بالشبيكة ليلة الاثنين» 
وهناك يترل الركب المغربي» وبتنا هنالك ثم تركنا هناك خباءنا وإيلنا وبعض 
أصحابناء ودخلنا إلى مكة ونزلنا بالمكان الذي اكتريناه قرب باب إبراهيم» وأقمنا 
يومين. ثم ذهبنا للعمرة وأحرمنا ها من التنعيم لتعذر الجعرانة!') من شدة الجر وقلة 
الرفيق» وأتينا ها ليلا وفرغنا من سعيها عند طلوع الشمس. فلما كان يوم الأربعاء 
احتمعت بالشيخ جال الدين اندي بالمدرسة الداودية» جمعحين به شيخنا 
وصاحبنا الشيخ علي باحاج اليم بعدما سألته عمن هو اليوم في الحرمين أفضل 
هذه الطائفة النقشبندية» فدلئ على الشيخ همال الدين وعلى رحل آحر من 
أصحاب الشيخ تاج الدين» إلا أن الشيخ جمال الدين أكثر منه عبادة وزهادة 
وإقبالا على الطريق» وكنت كثير التشوف إلى لقيا أحد من هذه الطائفة لما كنت 
أرى من محاسن أصحاها وحدهم واحتهادهم في الكتب المؤلفة في طريقهم. فلما 
احتمعت بالشيخ جمال الدين أحذت عنه طريق السادات النقشبندية ببيته» وذلك 
ظهر يوم الأربعاء المذكورء وشيخنا هذا من أعبد أهل زمانه» مقبل على شأنه 
مراقب للحق في سره وعلنه): منقطع بالحرمين الشريفين لعبادة ربه» لا مال ولا 
أهل إلا أصحابه المشتغلون بالطريق على يديه» وهم سيما ويهجة لا تخفى على ذي 
بصيرة» وطريقهم طريق حد واحتهاد» قريب فتحهاء كثير حيرهاء بعيدة عن الرياء 
والسمعة, إلا أا تحتاج كغيرها من الطرق إلى مرشد عارف ناصح» وسنذكر بعد 
هذا نبذة من اصطلاح أهلها لغرابتها عغربنا. 

وقي يوم الأربعاء المذكور ذهبت إلى شيخنا زين العابدين الطبري!6 فوحدته 
بداره وسلمت عليه» ورحب بي كثيراً وعزيته في أخيه شيخنا أبي الحسنقل 


)1( الجعرانة: الموضع الذي أحرم مذه رسول الله صلی الله عليه وسلم لما رجع من الطائف بعد ذتح مكة» 
وهو موضع مشهور على بريد من مكة: الزهور المقتطفة من تاريخ مكة المشرفة» ص: 168. 

)2( جمال الدين النقشبذدي» عالم متصوف» توفى بالمدينئة المنورة سنة 1076 ه: ااتقاط الدرر» ص: 
7. نشر المثاني 2: 151 ١‏ 

)3( علي بن أحمد اليمني الشافعي» باحاج» عالم رواية» جاور بمكة لطاب العلم أعواما: اقڌفاء الأثر» ص: 
140. 

(4) في ط: إعلانه. 

)5( زين العابدين بن عبد القادر الطبري الحسني المكي الشافعي» إمام المقام الإبراهيمي» كانت وفاته بمكة 
سنة 1078 ه: خلاصة الأثر 2 التقاط الدرر» ص: 172. 

)6( الإشار 5 هنا إلى أبي الحسن علي الطبري الذي تقدمت تر جمڌه4. 


- 333 - 


وواعدنئ يوم السبت لتلقين الذكر ولباس الخرقة» واعتذر بكثرة" الأشغال بولايته 
الفتوى مضافة إلى إمامة المقام» مع شغل البال بأيام الموسم» فلما كان يوم السبت 
لقيته بالمسجد الحرام بإزاء باب السلام» ولقنن وأحاز لي الخرق الثلات: القادريةا 
والسهروردية!6 والكبروية)» وقد كان أحازنيها أيضا قبل ذلك» وضاق الوقت 
عن!5 كتب أسانيدهاء ولنا بحمد الله أسائيد تتصل ها من طرق أخرى 

وف ليلة الخميس دخلت المسجد الحرام بنية الاعتكاف» وبت به تلك الليلة 
و يتيّسّر لي أداء حق الاعتكاف من كثرة الطواف والذكر والتلاوة» لأن الصوم 
أضعفن» وي ذلك اليوم حدثت لنا نية ابمحاورة بالحرمين الشريفين» فأشغل ذلك 
البالك وسبب ذلك أن كنت كثيرا ما أئمى ذلك وأهذي به ثي سفري» وأرغب 
إلى الإخوان قي الموافقة» وكانت موافقتهم عندي أبعد من كل بعيد» إلا أن أذكر 
ذلك وأكثر منه ذكر من أحب شيئا واشتغل قلبه به وإن أيس منه» وكان أخي 
سيدي عبد الرحمن هو السبب يي سفرنا هذا العام قد عزم على ذلك من بلادنا 
وكتمه ولم يظهره لناء فلما كنا عكة أعلن أمره وخدع أخاه سيدي أبا بكر بن 
محمد حى أدخله الحجرء فلما صليا فيه وأخذ في الدعاء» وضع المصحف ف حجره 
و قال: أقسمت عليك بكتاب الله في بيت الله إلا ما تركتئٍ أحاور في هذه السنة 
ووافقتيي» فلم يمكنه إة ذاك إلا مساعفته مع تحمل المشقة الفادحة في ذلك تعظيما 
ورعاية لحق ما أقسم به عليه» فلما تين أمره وحدت السبيل إلى إظهار ما كنت 
أقوله» وسَرَّنٍ ما فعل» (فأسرها يوسف في نفسه و م يبدها لهم)» فقلت للأخ 
سيدي أ۴ بكر: إنه لا عكن ترك أخينا وحده ولا بد من أحد مجلس معد إما أنا 


(1) زيادة من ط. 

2( نسبة إلى عبد القادر الجيلاني الذي تقدمت ترجمته. 

)3( نسبة إلى السهروردي» شهاب الدين يحيى بن حبش» العلامة الفيلسوف» ناظر فقهاء حلب فلم يجاره 
أحد فطلبه الظاهر وعقّد له مجلسا فبان فضله» فقربه الظاهر واختص به» فشنعوا وعملوا محاضر بكفره 
وبعقوها إلى السلطان» وخوفوه أن يفسد اعتقاد ولده» فكتب إلى ولده بخط الفاضل يأمره بقتله» فلما لم يبق 
إلا قله اختار لنفسه أن يمات جوعا ففعل نلك فى أواخر سنة 586 بقلعة حلب وعاش ستا وثلاثين سنة: 
سير أعلام لنبلاء 207:21. البداية والنهاية 5:13. 

(4) نسبة إلى نجم الدين الكبرى» أحمد بن عمر الخيوقي البغدادي المتوفى سنة 618 ه: هدية العارفين 
90:1. 

(5) في ط: على. 

(6) في ط: لم. 

(7) يوسف: 277 

(8) في ط: أباء 


- 334 - 


أو أنت» وقد علمت أنه لا عكنه الجلوس لكثرة التعلقات» فاقتضى الحال أن 
أحلس معه» وشق ذلك كثيرا على إخواننا وجميع أهل رفقتنا لأل المفارقة وقلة 
ذات اليد وأنا في خلال ذلك ذاهل من الفرح وألم الفرقة) (مرج البحرين يلتقيان 
بينهما برزخ لا يبغيان)!22 وأقول: إن يك هذا من عند الله كضه. 


واعتقدت أن الخير الكثير فيما احتار الله من ذلك؛ لكثرة استخارن 
واستغائي ودعائي من قبل ذلك وحملنا إخواننا الذين معنا من ذلك مشقة عظيمة» 
بل وكذلك الغائبون» نسأل اله أن قل منهم ذلك» وبنقل به ميزان صاخ أعمان 
وأعمالهم» وهم شركاء في الأحر وأعوان على الخين والله تبارك وتعالى» لسعة 
حوده وكرمه وكثرة مواهبه وحبه للتفضل كما لا يقبل العمل المشترك فيتركه 
لشريكه استغناء عنه وإظهاراً لصفة العزة والخلال» كذلك لا يقسم بين الشركاء 
فيما تعاونوا عليه من البر والتقوى والسعي في مرضاته» بل يعطي كل واحد أحره 
كاملا موفوراً ويزيدهم من فضله©» إنه كان (بالمؤمنين رحیما)۴۱؛ إظهاراً لصفة 
الرحمة والفضل والكمال» فله الحمد على ما أولى» والشكر على ما به تولى» فهو 
الملك الذي لا أحد يدانيه في عظيم نواله» أو يشاكله في إتقان أفعاله» فسبحانه من 
رب ما أكرمه؛ وإله ما أعظمه بيده الخير وهو على كل شيء قدير. 

وقد أصابتئ حُمَّى في بعض تلك الأيام فاحتجمت فعافان الله منها. وكانت 
تلك الأيام الي أقمناها عكة أيام حر واخحتناق الطواء» وكان ذلك والشمس في برج 
السنبلة» وأشد ما يكون الحر بالحجاز في السنبلة والميزان» ونسأل الله أن يثقل عا 
قاسينا منه الميزان. 


وټ يوم الجمعة لَقَِيت شيخنا الشيخ عيسى التعالبي عترله بباب حزورة 
وتلقيت منه الذكر على طريق السادات النقشبنديةت رضي الله عنهم» » وألبسيي 
الخرّق الثمانية الي ضّمّنها الشيخ أحمد بن أي الفتو ح۴ رضي الله عنه كتابه 


(1) الرحمن: 17 - 18. 

(2) إشارة إلى قوله تعالى:( ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور): فاطر: 30. 

(3) الأحزاب: 43. 

)4( إشارة إلى قوله تعالى: (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشّاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من 
تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير): آل عمران: 26. 

)5( أبو الفتوح أحمد بن عبد الله بن أبي الفتوح الطاوسي الحنفي الصوفي» له كتاب: جمع الفرق لرقع 
الخرق» وهي ثمانية خرق: فهرس الفهارس 914:2. 


- 335 - 


المسمّى: جمع الفرق لرفع الخرق» وهي ثمانية» وهو لبسها من شيخنا صفي الدين 
القشاشي المدن» رضي الله عنه» وقد قيدت في مسودان عقب الإلباس ما نصه: 
لبست الخرق الثمانية الي اشتمل عليها كتاب!؟ أحمد بن أبي الفتوح من يد شيخنا 
مسند العصر و علامة الدهر» سيدي أبي مهدي عيسى بن محمد اللتعفري الثعالبي 
رضي الله عنه عتزله ساب حزورة أحد أبواب المسجد الحرام» وأحازن ها عن 
الشيخ الأحل قطب وقته شيخنا أحمد بن محمد المدني القشاشي» عن الشيخ الكامل 
العارف أبي العباس أحمد بن علي الشناوي2»؛ عن السيد غضنفر بن حعفر الحسيئ) 

عن الخطيب الكازروني جد هبة الله بن عطاء الحسيي الحسي > عن حده أحمد بن 
ای لفت ےر قال ذا و كيه المد الفقير | إلى الله تعالى أبو سام عبد الله بن 

م کنب الشيخ بط بده بأمر هذا ما نصه! الحمد لله صح ذلك وكتبه العبد 
الفقير عيسى بن محمد الحعفري المالكي وفقه الله. قلت: واللخرق الثمانية ها وسائط 
تمانية متصلة بالبي عليه السلام؛ الواسطة الأولى: أبو العباس الخضر عليه السلام. 
الثانية: نبي الله إلياس عليه السلام. الثالثة: أبو بكر الصديق رضي الله عنه. الرابعة: 
أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. الخامسة: باب مدينة العلم علي بن 
أبي طالب رضي الله عنه. السادسة: ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله 
سنه . السابعة: سيد أهل الصفة أبو الدر دا۶ رضي الله عنه. الثامنة: قطب العارفين 
أبي البيان تباء بن محمد بن محفوظ القرشي رضي الله عنه ألبسه النبي صلى الله عليه 
وسلم في اليقظة عياناء ولكل واحد من هذه الوسائط طرق متعدّدة بسط أسانيدها 
ی 
إحازة مشعملة على إسنانها قلدكنبها ماتا وتصها: باس اله لن ار 
الحمد لله الذي خلق آدم على صورته وكرمه بخلافته» وأحرى تلك السنة بين 


(1) في ط: كتب. 

)2( أحمد بن علي بن عبد القدوس الشدناوي المصري» عارف متصوف» له عدة مصنفات في التصوف» 
كانت ولادته سنة 975 ه بمصرء وتوفي بالمدينة المنورة سنة 1028 ه: خلاصة الأثر 1 

)3( أبو الدرداء الخزرجيء الزاهد هد الیم أسلم بعد بدر» وولى قضاء دمشق لمعاوية في خلافة عثمان» 


-336 - 


أنبيائه وأوليائه» وقدم إحسانه على منته» وأخر شكره على نعمته» و(هو الأول 
والآخر والظاهر والباطن)"» ولا مؤخر لما قد ولا مقدم لما أخرء ولا معلن لما 
أبطن» ولا مخفي لما أظهر» وسمت همم أوليائه عن الركون إلى الأكوان عاراء 
وتعلقت سنام بات تل باراء فدارت عليهم بكرة وعشية كؤوس امبّة من كوثر 
حبويمم داراء كلما حن عليهم الليل حعل قلويمم من شوق لقاء الخايل ناراء 
وتفيض أعينهم من الدمع مدرارا ليلا وفاراء ويشتغلون بذكره سرا وجهاراء 
ويتمتعون عناحاة الحبوب إعلانا وإسرارا» ويطوفون حول سرادقات الوحدة 
أفكاراء لا يزال منهم في كل زمان من يعرف في وحهه نضارة العرفان» وهو 
عطشان وحيران» له في فضاء العشق والوله طيران» غاية مطلوبه ثهقاء ال رحمن» 
واية مقصوده رضاء المنان» فيظهر في أقطار الأرض آثاره» ويظهر في الآفاق 
أنواره. لسانه ناطق بالحق» وهو داع إلى رب الخلق ليخرحهم من الللمات إلى 
انور ويقركم ويييهم» إن الله الغفور» والصلاة والسلام على من هو خير خلقه 
وأحبابه» وخاتم أنبيائه وأصفيائه» وهو رسول الرحمة وصاحب الشريعة الغراء 
والطريقة الزهراء والحنيفية البيضاى وعلى خحلفائه الأربعة وأصحابه الكرام البررة. 
أما بعد: فإن الدعوة إلى الله العلام من أوثق دعائم الإسلام» وأكرم مناهج العمل 
والإحسان.» على ما ورد في الخبر عنه عليه الصلاة والسلام: والذي نفس محمد 
بيده إن أحب عباد الله الذين يحبيون الله إلى عباده ويُحَبّبون عباد الله إلى الى 
وكشون في الأرض بالموعظة والنصيحة©. كما قال تعالى: (قل هذه سبيلي أدعوا 
إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعين)1» وأتباعه إنما يكون برعاية أقواله وأفعاله 
وأحواله. ثم إن أنحانا العالم الشيخ عيسى بن محمد المالكي دخل بتُوسّط العيد 
المفتقر إلى رحمة الله الملك القيوم؛ محمد المعصوم العمري/ غفر الله تعالى ذنوبه 
وستر عيوبه» في سلك إرادة الشيوخ النقشبندية الذين هم أحقاء للاقتداء» وأخذوا 
الوسيلة لا أنهم أدرحوا النهاية في البداية» والتزموا متابعة السنة» وحنبواعن 
ارتكاب البدعة» كثر الله سوادهم» ودمر سبحانه حسادهې» وكان شيخه والده 


(1) الحديد: 3. 

)2( ورد الحديث برواية: إن أدب عباد الله إلى الله الذين يحبون الله ويحبون الله إلى الناس» والذين 
يراعون الشمس والقمر والنجوم والأظلة لذكر الله: السنن الكبرى لليبهقي 379:1. 

(3) يوسف: 108. 

(4) الشيخ محمد المعصوم» متصوف عارف» ولد سنة 1007 هء وتوفي سنة 1099 هب أنظر تر جمته 
وأخباره في: تهذيب المواهب السرمدية في أجلاء السادة النقشندية» ص: : 114. 


- 337 - 


القطب الربان والحد للألف الثان» قدوة الأولياء وامحققين» ووارث علوم الأنبياء 
والمرسلين» الشيخ أحمد ابن الشيخ عبد الأحد قدس الله تعالى سرهماء وشيخه 
ومعلم طريقه مريد الدين الرضي الشيخ محمد الباقي وشيخه مولانا خحواحكى 
الأمكنكى!؟» وشيخه مولانا محمد درويش©» وشيخه مولانا محمد الزاهدةة) 
وشيخه قدوة الأحرار عبيد الى وشيخه مولانا يعقوب الخرحى» وشيخه قبلة هذه 
الطريقة وإمامها يماء الحق والدين المشتهر بنقشبند»» وشيخه ومعلم طريقته وآدابه 
الأمير كلال!5: وشيخه مولانا محمد بابا» السماسي7» وشيخه علي الراميتى 
المشتهر بعزيزان(©» وشيخه محمود أنحيرا الفغنوي!؟» وشيخه مولانا عارف 
الروي وكري""» وشيخه رئيس هذه الطريقة عبد الخالق الغجدوانيٍ!!9» وقد ربى 
بالروحانية هذا الرئيس الشيخ النقشبندي وشيخه الإمام الربان الشيخ أبو يعقوب 
يوسف الطمدان» وشيخه شيخ الطريقة أبو علي الفارمدي2؟ الطوسي» وشيخه 


)1( الشيخ محمد خواجكي الأمكنكي» »> الشيخ العارف» توفي سئة 1014 هه أنظر ترجمته وأخباره في: 
تهذيب المواهكب السرمدية في أجلاء السادة النقشندية» ص: 106. 

)2( الشيخ الدرويش محمد» من أئمة القوم وفضلائهم» أنظر ترجمته وأخباره في: تهذيب المواهب 
السرمدية في أجلاء السادة النقشذدية» ص: : 103. 

)3( الشيخ محمد القاضي الزاهدى من أئمة الصوفية» له كتاب: سلسلة العارفين وتذكرة الصادقين» أنظر 
ترجمته وأخباره في: تهذيب المواهب السرمدية في أجلاء السادة النقشندية» ص: 101. 

)4( الشيخ محمد بهاء الدين نقشبندء أنظر ترجمته وأخباره في: تهذيب المواهب السرمدية في أجلاء السادة 
النقشندية» ص: 74 - 86. 

)5 الشيخ مدید أمير كلال» ولد في قرية سوخار» أنظر ترجمته وأخباره في: تهذيب المواهب السرمدية في 
أجلاء السادة النقشندية» ص: 71. 

)6( في 6 خ وط باباد السماسلي» والتصويب من تهذيب المواهكب السرمدية في أجلاء السادة التقشندية. 

)7( الشيخ محمد باباد السماسي» الشيخ العارف» ولد في سماس» أنظر ترجمته وأخباره في: تهذيب 
المواهكب السرمدية في أجلاء السادة النقشندية» ص : : 70. 

)8( الشيخ علي الراميتني» من شيوخ الطريقة اأنقشرندية توفي سدنة خمس عشر أو إحدى وعشرين 
وسبعمائة: تهذيب المواهب السرمدية في أجلاء السادة النقشذدية» ص: 67. 

)9( محمود الأنجير فغتو ي»› المرشد العارف» أنظر تر جمته وأخباره في: تهذيب المواهب السرمدية في 
أجلاء السادة الذقشذدية» ص : : 66. 

(10( الشيخ عارف الريو كري» ولد في قرية ريو کر› أذذ عن حضرة العزيزان: تهذيب المواهب 
السرمدية في أجلاء السادة التقشندية, ص: : 65. 

1 0 الإمام عبد الخالق الغجدواني» عارف عالې أنظر ترجمته وأخباره في: تهذيب المواهب السرمدية في 
أجلاء السادة الذد تشندية» ص:56 - 65. 

(12) الإمام الكيير د شيخ الصوفية اپو علي الفضل بن محمد الفارمدي الخراساني» الواعظء ولد سدئة 
۰:7 وسمع في رلته من أبي عبدالله بن باكويه وأبي منصور عبد القاهر البغدادي المتكلم وأبي 
حسان المزكي وطائفة» روق عنه عبد الغافر بن إسماعيل وعبد الله بن علي الخركوشي وأبو الخير جامع 
السقا وآخرون. قال عبد الغافر: هو شيخ الشيوخ في عصره المنفرد بطريقته فى التذكيو التي لم يسبق إليها 
في عبارته وتهذيده وحسن أدائه ومليح استعارته ودقيق إشارته ورقة ألفاظه ووقع كلامه في القلوب» 


-338 - 


قطب الزمان الشيخ أبو الحسن الخرقان!!» وشيخه ومربيه روحانية الإمام الأحل 
حعفر الصادق» وشيخه وحده من قبل الإمام قاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق» 
وهو من كبار التابعين ومن فقهائهم السبعة المشتهر فيما بين التابعين» وشسيخته 
سلمان الفارسي الذي شَرّفه الرسول عليه الصلاة والسلام بد بتشريف: سلمان منا 
أهل البيت©. وشيخه مع درك فضيلة صحبة خير البشر عليه وعلى آله الصلوات 
والتسليمات أمير المؤمنين أبو بكر الصديق» وشيخه وإمامه أفضل الأنبياء وقدوة 
الرسل محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبارك» (أرسل رسوله باهدی ودين 
الحق ليظهره على الدين كله)!6 ه. ثم تقييد عقب هذا بخط الشيخ محمد المعصوم 
ما نصه: بعد حمد الله والصلاة فقد أحزنا له دامت بركاتف أن يبلغ عنا طريقة 
هؤلاء الأكابر إلى الطلاب بطريق السفارة وأداء الأمانة» ووصيناه سلمه الله تعالى 


أن ير اعي حقوق الشرع من الأصل والفرع ممتثلاً لأوامر الله تعالى وتنب نواهيه 
سبحانه) متابعاً سنن رسوله» صلی الله عليه وسلم وعلى آله متأتبا بآداب 


الصوفية حق الآدابي وأن يشتخل بالله تعالى اشتغالا با باطنياً معرضاً عن غير ال 
تبتيلام زاهداً في الدنيا راغباً في المُقبى (والسلام عل من انيح الطدى )51 


صحب القشيري وأخذ في الاجتهاد البالغ» وكان ملحوظاٍ من الإمام بعين العناية موفرا عليه منه طريقة 
يتغالى فيه وكان ينفق على الصوفية أكثر ما يفتح عليه به توفي سنة 477 ه: سير اعلا الا 
565:18. التحبير في المعجم الكبير 21:2. 

)1( أبو الحسن علي بن أحمد الخرقاني البسطامي من قرية خرقان بالتحريك» قال السمعاني: هو شيخ 
العصر له الكرامات والأحوال» توفي يوم عاشوراء سنة 425 ه: سير أعلام النبلاء: 421:17. تهذيب 
المواهب السرمدية في أجلاء السادة النقشندية» ص: 55 

)1( أبو عثمان المغربي» الإمام القدوة ف شيخ الصوفية أبو عثمان سعيد بن سلام المغربي القيرواني نزيل 
نيسابور» سافر وحج وجاور مدة ولقي مشايخ مصر والشام, وكان لا ينلهر أيام الحج. قال الحاكم: : خرجت 
من مكة متحسرا على رؤيته» ثم خرچ منها لمحنة وقدم يسابور فاعتزل الئاس أولاء م كان يحضر 
الجامع. وقال السلمي: كان أوحد المشايخ في طريقته لم نر مله في علو الحال وصون الوقت امتحن يسيب 
زور نسب إليه حتى ضرب وشهر على جمل ففارق الحرم» توفي سئة 3 ه: سير أعلام الذبلاء: 
320:16 

(2) مجمع الزوائد 130:6. 

)3( التوبة: 253 الفتح: 8» الصف: 9. 

(4) المزمل: 8. 

)5( طه: 47. 


- 339 - 


ثم بعد أن نقلت هذا من خط الإمام كتبت عقبه ما نصه: الحمد لله يقول 
الفقير إلى الله تعالى أبو سالم عبد الله بن محمد بن أبي بكر العيّاشي» أحذت طريق 
السادات النقشبندية وتلقنت الذكر على طريقه من شيخنا العلامة المتقن الفيّامة) 
سيدي أبي مهدي عيسى بن محمد الخعفري المالكي بالسند المذكور قبل هذ 
وذلك بعد صلاة يوم" الجمعة الثامن عشر من ذي الحجة خاتم عام اثنين وسبعين 
وألف» وذلك عترله بباب حزورة أحد أبواب المسجد الحرام مره الله بذكره 
آمين. ثم كتب شيخنا بعقبه ما نصه: الحمد لله صح ذلك» وكتبه العبد الفققير 
عيسى بن محمد الجعفري وفقه الله. 

وأما سند شيخنا جمال الدين اندي هذه الطريقة العلية فهو عن شيخه 
الإمام العارف الهمام السيد آدم الحسيئ اجاور بالمدينة المشرفة» وها توف وقبره 
الآن مشهور يزار بجانب قبة أ مير المؤمنين عثمان بن» عفان رضي الله عنه» وهو 
أخذ الطريق عن الشيخ أحمد بن الشيخ عبد الأحد قدّس الله أسرارهم آمين» 
بالسند المتقدم. وأحذت هذه الطريقة العلية عن قدوة المحققين» ورئيس علماء 
المتقين» الشيخ بدر الدين الهندي وذلك بالخرم النبوي قرب باب الوفود من أبواب 
الروضة المشرفة» وهو أخذها عن الشيخ محمد المعصوم بسنده المتقدم. 

قلت: ما ينبغي أن يتنبه له في السند لتقم ما ذكره الشيخ أبو الححسن 
الكاشفي في كتاب الرشحات بعد أن ساق السند المتقدم إلى أبي علي الفارمي» 
قال: وهو من الشيخ أبي القاسم الك ركان وانتساب الشيخ أبي القاسم في علم 
الباطن إلى حانبين أحدهما إلى الشيخ أي الحسن الخرقان» وهو عن أبي يزيد 
وولادته بعد وفاته بزمان» فتربيته من روحانيته» وكذلك تربية أبىي يزيد من 
روحانية الإمام حعفر فإنه قد ثبت بالنقل الصحيح أن ولادة أبي يزيد بعد وفاة 
الإمام حعفر رضي الله عنه. قال الشيخ أبو طالب المكي: إن امام حعفر نسبتين» 
نسبة من والده عن أسلافه الأكرمين» والنسبة الثانية للإمام حعفر من حده لأمه 


5,2 رات عين الحيا وهو فارسي في مناقب مشايخ النقدبندية ورسوم طريقهم ضمنا لحسين بن علي 
الواعظ الكاشفي اليبهقي» المشتهر بالصفي المتوفى سنة 903 ه: كششدف الظنون 903:1. 

)3( الشيخ أبو القاسم عبد الله بن علي بن عبد الله الطوسي الطابرائي الكركاني» كان شيخ الصوفية 
والمشار إليه بالأحوال والمجاهدة» سمع حمزة بن عبد العزيز المهلبي وعبد الله بن يوسف الأصبهاني وأبا 
بكر الحيري» وبمكة من محمد بن أبي سعيد الإسفراديني» توفي في ربيع الأول سنة 9 ه: سير أعلام 
الذبلاء: 405:18. 


- 340 - 


قاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق» رضي الله عنهم» وله نسبة الباطن من م سلمان 
الفارسي» قال: ثم النسبة الثانية للشيخ لأبي القاسم الك ركان إلى الشيخ أبي عثمان 
المغربي!/» عن أبي علي الرودباري» عن الخنيد» عن السري عن معروف. ولمعروف 
نسبتان أحدتماء وهي لداوود الطائي» وهي معروفة) والأخرى لعلي بن موسى 
الرضي عن أسلافه» انتهى باختصار. 


وما ذكر من أنحذ الفارمذي عن الك ركان هو الذي ذكره غير واحد. 
وظاهر كلام الشيخ تاج الدين بن عثمان أنه أخذ عن الخرقاني والك ركان معا إلا 
أن انتهاءه على يد الكركان» فعلى هذا فأبو علي الفارمذي أخذ عنهما معا. وأبو 
القاسم الك ركان له طريقان أحدها عن الخرقاني عن روحانية أبي يزيد عن 
روحانية حعفر» وهو الذي ف الإحازة المتقدمة وعليه اقنصر صاحبهاء وإنما اقتصر 
عليهاء والله أعلم لأن تربية الأزواج المقدسة أبلغ لأنها في مواطن القرب الحقيقي 
والقرب العياني) ولا تحصل ! إلا لأكابر أهل السلوك الذين صفت أسرارهم 
وأشرقت أنوارهم» (يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله 
لنوره من يشاء)2). وأما أهل الحجب الكثيفة الظلمانية فليس هم إلا تربية الأحياء 
الذين يسايرونما في مدارج أطوارهم ويعالجونمم عراهم أنوارهم» وعدونهم على 
خدر صفاء أسرارهم وإزالة أستارهم. الطريق الأخرى لأي القاسم عن أبي عثمان 
المغربي لا انقطاع فيهاء وهي أنسب لما عند علماء الظاهر في أسانيدهم إذ هو 
المعروف الحقق» وأما التقاء الأرواح فأمر غيي مرحعه إلى الكشف الحقيقي» ولا 
علم به إلا لصاحبه» فإذا تحقق طريق أبي علي الفارمذي تحقق سند حجة الإسلام 
الغزالي في طريق القوم أيضاء إذ الموحود بأيدي الناس والمنصوص عليه عند كتير 

من أهل الطريق أن شيخه هو أبو المعالي إمام الحرمين» وهذا لا حفاء فيف إلا أنه لما 
أحذ عنه العلوم الظاهرة فهو من أحل تلامذته» ولم يشتهر أبو المعالي بسلوك طريق 
القوم كون الغزالي إنما دحل في طريق القوم وأخحذ في ت زكية النفس وسلوك مناهج 


)1( أبو عثمان المغربي» الإمام القدوة شيخ الصوفية أبو عثمان سعيد بن سلام المغربي القيرواني ذنزيل 
نيسابورء سافر وحج وجاور مدة ولقي مشايخ مصر وشا وكان لا يظهر أيام الحج. قال الحاكم خرجت 
من مكة متحسرا على رؤيته» ثم خرج منها لمحنة وقدم نيسابور فاعتزل الناس أولا ثم كان يحضر الجامع. 
وقال السلمي كان أوحد المشايخ في طريقته لم نر مثله في علو الحال وصون الوقت امتحن بسبب زور 
نسب إليه حتی ضرب وشهر على جمل ففارق الحرم» توفي سنة 373 ه: : سير أعلام النبلاء: 6 -.- 

(2) النور: 35. 


- 341 - 


أهل الطريق بعد موت شيخه أي المعالي بأزمان حسبما صرح به هو بنفسه في 
كتابه: المنقذ من الضلال!؟» وصرح به غير واحد ممن عرف به. 

وإذا كان كذلك فشيخه في طريق القوم هو الإمام أبو علي الفارمذي كما 
ذكر الأسنوي في طبقاته# أنه لما اعتزل الناس وترك الاشتغال بالعلوم الظاهرة 
اتصل بالشيخ أبي علي الفارمذي وصار يحضر جحالسه» وذكر ذلك أيضا سيدي 
عبد الوهاب الشعران. وقد ذكر الغزالي في الإحياء الشيخ أبا علي الفارمذي 
وصرّح بالسماع منه» وماعه هو من أب القاسم الكر كاني في حكاية ذكرها في 
كتاب الرحاء والنوف» قال ما نصه: "معت الشيخ أبا علي الفارمذي» رجه ال 
يصف لي وحوب حسن أدب المريد لشیخه» وأن لا يكون في قلبه إنكار لكل ما 
يقوله» ولا في لسانه جادلة عليه. فقال: حكيت لشيخحي أي القاسم الك ركان مناما 
لي فقلت: رأيت أنك قلت لي كذا. فقلت: لم ذاك؟ قال!: فهجرن شهراً وم 
يكلمئ. و قال: لولا أنه كان في باطنك تحويز المطالبة وإنكار ما أقوله لك لما 
حرى ذلك على لسانك في المنام» وهو» كما قال» إذا قل ما يرى الإنسان ف منامه 
حلاف ما يغلب في اليقظة على قلبه". فهذا صريح ف أذ أي حامد عن أي 
علي» وي أذ أبي حامد عن أب القاسم رضي الله عنهم. 

وممن صرح بأخذ أبي علي الفارمذي عن الك ركان صاحب منارات 
السائرين! إذ قال: إن أبا علي الفارمذي حاء إلى أبي القاسم القشيري ليأخذ عن 
فدله على أبي القاسم الك ركان لعلمه أنه أتم منه حالا وأقوى على تريته. وقد طال 
ما بحثت عن طريق الإمام حجة الإسلام وسنده في طريق القوم لما لاح لي ما 
ذكرت أولا فيما اشتهر من أن شيخه في الطريق إمام الخحرمين» ثم رأيت شيخ 
مشايخنا سيدي العربي الفاسي في كتابه مرآة امحاسن!# بعدما ذكر ما في الطريق 
المذكورة من الانقطاع أشار إلى نحو ما ذكرناء فتحققت حيئئذ أن لحجة الإسلام 
في طريق القوم شيخا غير إمام الحرمين إلى أن حصلت» وما ذكرنا عن الأسنوي 


(2) أنظر: طبقات الشافعية 271:2. 

(3) زيادة من ط. 

)4( إحياء علوم الدين 155:4. 

)5( مئارات السائرين ومقامات الطائرين للشيخ نجم الدين أبي بكر محمد أبي بكر عبد الله بن محمد بن 
الشاهانوري الرازي: كشدف الظنون1823:2. 

)6( أنظر: مرآة المحاسن» ص: 265. 


- 342 - 


والشعران من أحذه عن الك ركان فتطليت إسناد الك ركان وعمن أخذ فلم أحده 
حي حصلت على طريق ساداتنا النقشبندية وشرح أحوال مشايخها فظفرت بذلك 
مستوق»› فاتصلت الطرق بحمد الله اتصالاً ينشرح به الصدر ويطمكن له القلب من 


غير عارض مخدش فيه وله الحمد وله المنة على ما ألم والشكر على ما علم. 


لطفة؛ 


ولا كانت طريق ساداتنا النقشبندية -مع نفاستها وظهور محاسنها ولطيف 
أسلويما وجحريانما مع الكتاب والسنة -قَلَمًا توحد يي أرض المغرب» بل لا يعرفها 
أهله حى بالاسم لبعد مشايخهاء فلم تصل تآليفهم إليه» ولا دحل هذه البلاد أحد 
من أهلها فيما نعلم» مع اكتفاء أهل المغرب منها وعن غيرها من الطرق بالطريق 
الي بان رشدها واتضح أمرها وأمنت غائلتهاء واستقامت أصوطاء وحرت مع 
ظواهر الكتاب والسنة فصوطاء طريق القطب الجامع؛ ومس المحافل والمجامع 
الإمام أبي الحسن الشاذلي!" وأتباعه أئمة المدى والحق وأصحاب الإخحلاص 
والصدق» رضي الله تعالى عن فريقهم» وحعلنا من سالكي طريقهم» ولعمري» وما 
عمري علي كيّن» ما طريق ساداتنا النقشيندية منها بيعيد» وما أصوها إلا كأصوها 
[طويل] 
فإن لايك هاأوتكنهفإنه أخوماغذته أمه بلبااف) 
ومن تأمل رشحات النقشبندية وحكم الشاذلية لم يحد بينهما اختلافا إلا ف 
بعض الاصطلاحات الراحعة إلى الأعمال الظاهرة» وأما الأعمال القلبية والمنازلات 
العرفانية فلا فرق أصلاً. 


رأيت أن أذكر في هذه اللطيفة بعض أصول طريقهم وكيفية سلوكهم مع 
الاختصار ليستفيد ذلك من طلبه» وقد اقتطعت من كلام الشيخ تاج الدين بن 


)1( أبو الحسن الشاذلي: علي بن عبد الله الحسني» من أقطاب التصوف» توفي في طريقه إلى الحج مدئة 
6 ه: شرف الطالب» ص: 72. شجرة النور الزكية 267:1. 
(2) البيت لأبي الأسود الدؤلي: الديوان» ص: 162. 


- 343 - 


عثمان ومن كلام الكاشفي ما يكون فيه إشارة إلى المقصود وعوناً على المراد 
فأقول: قال الشيخ تاج الدين في بعض رسائله ما نصه: فصل في طريق الوصول إلى 
الله تعالى على طريقة السادة النقشبندية إما عحض الصحبة» أو بالذكر أو بالمراقبةت 
وطريق ذكر هذه السلسلة أن تذكر الكلمة الطيبة» أعين: لا إله إلا الله محمد 
رسول الله حبس النفس» وتراعي العدد الوتر» وإذا حاوز العدد إحدى وعسشرين 
مرة وم يظهر للذكر أثر فهذا دليل على عدم قبوله فليشرع قي ابتداء الذكر من 
أصله» وأثر الذكر هو أنك ف زمان النفى تنفى عنك وحود البشرية» وي زمان 
الإثبات يظهر فيك أثر من آثار تصرفات الحذبات الإهية والأثر متفاوت بحسب 
الاستعدادات. ثم قال بعد كلام: وكيفية الذكر أن تجعل اللسان ماتصمًا بسقف 
الفم وتلصق الشفة بالشفة والأسنان وبالأسنان وتحبس النفس وتشرع في كلمة لا 
مبتدئا يما من السرة» وتصعد ها إلى حانب الدماغ» فإذا وصلت إلى الدماغ ملت 
بإله إلى حانب اليمين» وبإلا الله إلى حانب اليسار» ورميت وما على القلب 
الصنوبري بقوة بحيث يظهر أثرها وحرارقا ثي سائر البدن» ويل عحمد رسول 
الله من حانب اليسار إلى حانب اليمين» أي تأن ها بينهما وتقول بعد ذلك أيضاً: 
إهي أنت مقصودي ورضاك مطلوي» يعن وهذا الذكر مع توحه القلب على وجه 
يظهر أثره في القلب ويؤثر منه» ويكون ذلك كله بحيث لا يظهر على ظاهره ولا 
يشعر به من كان بقربه» ويي حبس نفسه يذكر مرة أو ثلاثا مراعيا للوتر. وقال 
حضرة الخوحة نقشبند» قدس سره فى معن الكلمة الطيبة: إن لا إله إلا الله معناه 
نفى الإلة الطبيعية» وإلا الله إثبات المعبود بالحق» ومحمد رسول الله معناه أنك 
أدخلت نفسك في مقام فاتبعون» وبعض أكابر هذه السلسلة قال في معن الكلمة 
الطيبة: إن البتدئ يتصور في لا إله لا معبود» والمتوسط يلاحظ لا مقصود 
والمنتهي لا موحود إلا الله تكون ملاحظة لا موحود إلا الله كفراً. وقيل معناه لا 

متصرف في الملك والملكوت إلا الله» وينبغي الاحتهاد في مداومة الذكر لا تتركه 
في حال ولا في وقت ولا في قيامك ولا قعودك ولا قي حريتك ولا يي نومك وإن 
حصل لك في الذكر أو في جحالسة الشيخ كيفية فافرضها كالخط المستقيم > فإن 
تخيّل هذا المع وشغل الخيال بأمر واحد فمد الجمعية. وقال بعض الأكابر: إذا 
تغيرت شعرة من بدنك بواسطة الحال وتأثرت ينبغي لك أن تتبع تلك الشعرة حي 
يحصل التعطل» كما قال بعض الأكابر: الشغل هو عدم الشغل وعدم الشغل هوا 
الشغل. وقال المولى سعد الدين الكاشفي: إن الشيخ عبد الكرم اليم سألي 


- 344 - 


وقال: ما الذكر؟ فقلت له: لا إله إلا الله. فقال: ما هذا ذكرء هذه عبارة. فقلت 
له: أفد أنت. فقال: الذكر أن تعلم أنك لا تقدر على وحدانه. وقال سيد الطائفة 
الخنيك: التصوف هو أن تحلس ساعة متعطّلاً عن ملاحظة شيء. وقال شيخ 
الإسلام: في ملاحظة ذلك يحصل الوحدان بغير تفتيش» والرؤية بغير نظر. 
ومقصود الطائفة العلية الصوفية مشاهدة الحق كأنك تراه وملكة الحضور يسموما 
مشاهدة الحق» ويكون بالقلب» وأما الرؤية فتكون بعيئٍ الرأس» والفرق بين الرؤية 
والمشاهدة أنك ف الرؤية لا تقدر أن تبعدها عن نفسك وف المشاهدة أنت بالخيار. 


الطريق الثانية للسادة النقشبندية في سبب الوصول وحصول المعرفة» وهى 
أسهل الطرق وأقركا التوحه والمراقبة» وهو أن ذلك المعن المقدس الذي بغير كيف 
ولا مثال المفهوم من الاسم المبارك أعن الله بغير واسطة» عبارة عربية أو عبرانية 
أو فارسية أو غيرهاء تلاحظه وتحفظه ف يالك وتتوحه يجميع قواك ومداركك 
إلى القلب الصنوبري وتداوم على هذا الأمر وتتكلف في ملازمته حي تذهب 
الكلفة من البين» و يصير هذا الأمر ملكة لك. وقال بعض الأكابر النقشبندية: إن 
المعيى المقصود إن عسر عليك فخيله» فصورة نور بسيط حيط بجميع الموحودات 
العلمية والعيني واحعله ف مقابل البصيرة» ومع حفظ ذلك توحه إلى القلسب 
الصنوبري بجميع القوى والمدارك إلى أن تقوى البصيرة وتذهب الصورة ويترتب 
على ذلك ظهور المعن المقصود. 

وقال حضرة الخوجة عبيد الله أحرار!: إن المراقبة من المفاعلة» فلا بد من 
التراقب من الخانبين» فعلى هذا لا بد للمراقب أن يكون مراقبا لاطلاعه على 
اطلاع الحق سبحانه على جميع أحواله ويداوم على ذلك ويكون مراقبا لاطلاعه 
على موحده بلا فتور وتشتت خخاطر. والطريق الآحر أن يكون مراقبا لقابه 
الصنوبري ولا يترك الخواطر تحل فيه حى تتيسر له الربطة بقلبه الحقيقي من غير 
ملاحظة معن المفاعلة» وطريق المراقبة أعلى من طريق النفي والإثبات» وأقرب 
للجذبة الإلهية من غيرهاء ومن طريق المراقبة عكن الوصول إلى الوزارة والتصرف 
ف الملك والملكوت» وعكن ها الإشراف على الخواطر والنظر إلى الغير بنظر الموهبة 


)1( عديد الله الأحرار: ولد في شاش سنة 806 ه» وتوفي سنة 895 ه: أنظر تر جمته وأخباره في: 
تهذيب المواهب السرمدية في أجلاء السادة النقشندية» ص: 92 وما بعدها. 


- 345 - 


وتنوير باطنه» ومن ملكة المراقبة يحصل دوام الجمعية ودوام قبول القلوب» وهذا 
المع يسمى جمعا وقبولا. 

الطريق الثالثة: الطريق الرابطة بالشيخ الذي وصل إلى مقام المشاهدة و تحقق 
التجليات الذاتية» فإن رؤيته عقتضاهم الذين إذا رأوا ذكر الله تفيد فائدة الذكر 
وصحبته عوحب» هم حلساء الله تتتج صحبة المذكور» وإذا تيسرت صحبة مثل 
هذا العزيز ورأيت أثره في نفسك فينبغى أن تحفظ ذلك الأثر الذي تشاهده فيك 
بقدر الإمكان» وإن حصل لك في ذلك المعى فتور راحع مصاحبته حي يرحع لك 
ببركة ذلك الأثرء وهكذا تفعل مرة بعد أحرى حي تصير تلك الكيفية ملكة لك 
وإن لم يظهر من صحبة ذلك العزيز أثر ولكن حصلت به محبة وانحذاب فينبغي أن 
تحفظ صورته في الخيال وتتوحه للقلب الصنوبري حي تحصل الغيبة والفناء عن 
النفس» وإن وقفت عن الترقي فينبغي أن تحعل صورة الشيخ على كتفك الأعن في 
خيالك وتعتبر من كتفك إلى قلبك أمرا ممتدا وتأي صورة الشيخ على ذلك الأمر 
الممتد وجحعله في قلبك فإنه يرحى لك بذلك حصول الغيبة والفناء» انتهى كلام 
الشيخ تاج الدين. 

ولا كان رأس هذه الطائفة العلية» وإمام هذه الطريقة السنية» هو الشيخ عبد 
الخالق الغجدواي» رضي الله عنه ثم من بعذه الشيخ ياء الدين نقشبندي» وبه 
اشتهرت وإليه انتسبت» رأيت أن أذكر هنا بعض أحوال الشيخ عبد الخالق وبعض 
وصاياه مع اني عشرة كلمة المأثورة عنه وعليها مبى طريق السادات النقشبندية 
رضي الله عنهم» وقد ذكر هذه الكلمات أهل هذه الطريقة في رسائلهم وبالغوا في 
شرحها وإيضاح معانيهاء فلنقتصر على ما ذكر أبو الحسن الواعظ الشهير بالصفي 
الكاشفي في كتاب رشحات عين الحياة عند ذكر ترجمة الشيخ عبد الخالق 
الغجدوان» ولنسق كلامه بتمامه لما اشتمل عليه من الفوائد فأقول: قال رضي الله 
عنه ما نصه: المخوحة عبد الخالق الغجدوان» قدس الله سره هو الخليفة الرابع من 
الخلفاء الأربعة للخوحة يوسف الهمدان!؟ قدس الله سره» وهو رأس هذه الطبيقة 
الشريفة ومنبع طريق الخوحكان قدس الله أسرارهم» مول ده ومدففنه موضع 
العجدواتن من ديار بخارى على ستة فراسخ منه والده عبد الجميل»› وكان معروفا 


)1( يوسف الهمداني: إمام عارف» ولد في همدان سنة 440 هھ وتوفي سئة 535 ه: تهذيب المواهب 
السرمدية في أجلاء السادة النقشندية» ص:54. 


- 346 - 


بعبد الحميل إمام» وكان من أولاد سيدنا ومولانا الإمام مالك رضي الله عن 
وكان عالما بعلوم الظاهر والباطن» وكان ساكنا موضع ملاطية الروم» وأمه كانت 
من أولاد ملوك الروم» ونقل أن عبد الجميل إمام صحب الخضر عليه السلا 
وكات بشره الخضر بقرب وجود الخوجة عبد الخالق واه عبد الخالق» وعيد 
الجميل إمام بسبب الحوادث حرج من ديار الروم مع التعلقات إلى ما وراء النهرء 
وحاء لبلاد بُخارى وسكن في قرية الفجروان واشتغل في بخارى بتحصيل علوم 
الظاهر عند الشيخ صدر الدين» وهو كان من كبار علماء الزمان» وكان ذات يوم 
يقرأ في تفسير القرآن» فلما وصل هذه الآية (ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إن هلا 
يحب المعتدين)" سأل من الأستاذ كيف حقيقة الذكر الخفى وما طريقه لو يذكر 
بالجهر أو بتحرك الأعضاء يطلع عليه الناس» ولو يذكر بالقلب فالشيطان يطلع 
عليه عوحب الشيطان يحري من ابن آدم مجرى الدم. فقال الأستاذ: هذا علم لدي» 
وإن أراد الله يلقيك أحدا من الأولياء يلقنك الذكر الخفي فبعد هذا كان الخوجة 
عبد الخالق منتظراً هذا النفس الشريف حى حاء الخضر عليه السلام فلقنه الوقوف 
العددي. وذكر في كتاب فصل الخطاب© أن طريق الخوحة عبد الخالق حجة على 
جميع الفرق ومقبول لحم لأنه كان على الدوام على طريق الصدق والوفاء وتباعة 
الشرع وسنة المصطفى وجحانبة البدع ومخالفة الهوى» وكان يخفي طريقه على 
الأغيار ويداوم على الذكر الذي وصل إليه من الخضر عليه السلا والمنضر عليه 
السلام كان قال له: أنت ولدي. وكان طريق تعليم الذكر له من الخضر عليه 
السلام هكذا أنه كان أمر الخضر عليه السلام للحوحة عبد الخالق أن يدخل في 
الغدير ويغطس ويذكر في القلب لا إله إلا الله محمد رسول الل ففعل كما أمر 
وداوم عليه وحصل له القبول ببركة الدوام» وفتح له أبواب الفقتوح ثم جاء 
الخوحة يوسف افمدان إلى بخارى فصحبه ما دام قي بخارى» و بعد حصول 
الصحبة فهم الخوحة عبد الخالق أن الشيخ يوسف أيضا ذكر الباطن» فالنوحة 
حضر عليه السلام شيخ تعليم الذكر له» والخوحة يوسف شيخ الصحبة. أما الشيخ 
يوسف وأصحابه فكانوا يذكرون بالخفي والجهر أيضاء وأما أمر الشيخ للخوحة 
عبد الخال بذكر الجهر لأنه كان مأمورا من الخضر عليه السلام بالخفى» بل قال: 


)1( الأعراف: 55. 
)2( كتاب فصل الخطاب في المحاضرات» للحافظ الزاهد محمد بن محمد الحافظي من أولاد عديد الله 
النقشبذدى البخاري المعروف بخواجه النقشبندى: كشدف الظنون 1260:2. 


- 347 - 


كن كما أمر الخضر عليه السلام. وذكر يي بعض تحريرات الخوحة عبد الخالق أنه 
قال حين كنت بين اثنين وعشرين كان وَصَّى الخضر عليه السلام للخوحة يوسف 
اهمدان بترييي) فما فارقت حخحدمته وملازمته حي كان ف بتخارى» وكنت 
مستفيضا منه على ساعة وححة» فبعدما رحع الشيخ يوسف إلى خراسان اشتغل 
النوحة بالرياضة وامحاهدة» و كان يخفى أحواله من الناس» وحصل الولاية حي 
كان يصلي الصلاة عند الكعبة المشرفة ويرحع في الوقت» وف بلاد الشام احتمع 
عنده المريدون والتلامذة وبئ با الخانقات!"» وأقام فيها بدعوة الطالبين الصادقين 
إلى الحق. وله رسالة في آداب الطريقة©» كتبها لولده الشريف الشيخ أولياء 
الكبير» وفيه فوائد كثيرة وعوائد جليلة لا بد منها للمريدين الصادقين سأكتبها 
تيمنا وتبركا. 


رشحة686: 


يا بي أوصيك بتحصیل العلم والآداب وتقوى الله وكن تابعاً لآثار السلف 
الصالحء > وكن ملازما للسنة والجماعة» واقراً الفقه والحديث والتفسير» واحتنب 

عن الصوفية الجاهلين» وصل الصلوات الخمس بالجماعة بشرط أن لا تكون إماماً 
ولا مؤذناء ولا تطلب الشهرة» ففي الشهرة آفات» كن كأحد من الناس ولا تتقيد 
عنصب ولو كان محمودا؛ كالقضاء والفتوى» ولا تكن كفيل أحد ولا وصيه) ولا 
تصحب اللوك وأبناءهم والمردٍ والنساء والمبتدعة والعرام» ولا تبن الخانقات فيه 
ولا تسمع النغمة إلا قليلاء لأن من كثرة السماع يتوَلّد النفاق ووت القلب» ولا 
تنكر على أصحاب السماع لأن أصحابه كثيرون» وقلل الكلام والطعام والمنام؛ 
وفرٌّ من الناس كما تفر من الأسدى والتزم الخلوة» وكل الحلال واحتب 
الشبهات» ولا تنكح إلا بالضرورة فعسى أن يغلب عليك طلب الدنياء وي طلب 
الدنيا يذهب دينك ويعانك» ولا تضحك كثيراً لأن كثرة الضحك تيت القلب» 
ولا تنظر إلى أحد بالتحقير» ولا تزين ظاهرك لأن تزين الظاهر من علامة إفلاس 


)1( الخانقات: جمع الخانقاه وهو رباط الصوفية معرب مولد» استعمله المتأخرون: المساجد في الإسلام؛ 
ص: 89. 

)2( وردت الرسالة في كتاب: تهذيب المواهب السرمدية» ص: 57 وما بعدها. 

)3( تهذيب المواهب السرمدية» ص: 57. 


- 348 - 


الباطن» ولا تحادل مع الخلق ولا تسل من أحد» ولا تأخحذ لأحد بخدمة» واخدم 
المشايخ بالمال والحاه والبدن» ولا تنكر على أفعالهم لأنه لا ينجى منكرهم؛ ولا 
تغتر بالدنيا وأهلهاء وينبغي أن يكون قلبك محزونا ومغموماء ويدنك مريضاء 
وعينك باكية» وعملك حالصا ودعاؤك بتضر ع) ولياسك حلقاء ورفيقك الفقير» 
ويضاعتك الفقه» وبيتك المسجدب ومؤنسك الحق تعالى. 


و شحة: 

ومن كلماته القدسية هذه الكلمات الثمانية عليها بناء طريقة النوحكان 
قدس الله اسرارهم وهي هذه: هوش دردم» نظر بر قدم» سفر در وطن» حلوة در 
انحمن» يا د كرد» باز كشت» نكاه داشت» وسواها حسبان وغرور. 

ل كلمات أخرى: وقوف زمان» 
وقوف عددي» وقوف قلي» كلها إحدى عشرة كلمة. ولا كان الخوحة عبد 
الخالق رأس هذه الطريقة لا بد أن أبين اصطلاحه بين الإجمال والتفصيل» (والله 
يقول الحق وهو يهدي السبيل)(". 


5 


رشحة: 


هوش دردم©: يعي لا تكن غافلا في خرو ج النفس» بل أخرج النفس مع 
الحضور. و قال: مولانا سعد الدين الكاشغري: ينبغي للطالب أن يكون حاضرا 
من انتقال تفس إلى تفس مع الل ولا يكون غافلاً وساهياً. وقال سيدنا ومولانا 
[عبيد الله أحرار]): أهم المهمات في هذه الطريق حفظ النفس» وقال: من لم 
يحفظ النفس يقال له فلان فقد نفسه. وقال الخوحة كاء الدين نقشيند قدس سره: 


(1) الأحزاب: 4. 

)2( جاء في كتاب تهذيب المواهب السرمدية: هوش بمعنى العقل» ودر بمعنى الظرفية» ودم بمعنى اأنفس: 
تهذيب المواهب السرمدية» ص: 60. 

(3) في ط: خرج. 

(4) ما بين معقوفتين زيادة من تهذيب المواهب السرمدية. 


- 349 - 


إن معن هذه الطريقة على النفس ينبغي لك أن تحفظ النفس وقت الدخول 
والخرو ج» بل أن تحفظ ما بين النفسين. 
[بسيط] 


4 


يا واقفاً عند شط البحر مُتحبسا البحرٌ معسعٌ والشر في الطرفف 
لا تتظرن إلى موج الحوادث بل معالخضممدالأنشاس فالفف 


وقال مولانا عبد الرحمن الخامي!؟ ف أواخر شرح الرباعيات: قال الشيخ أبو 
الجناب نحم الدين الكبرى في رسالة فواتح الجمال©: إن الذكر حار ف نفوس 
الحيوانات بأنفاسهم الضروريات» لأنه وقت بروج النفس ودعوله يخرج حرف 
لاء بلا مضدهاء وهو إشارة إلى غيب الطوية) والهاء الذي في لفظ الله هو هذا 
الاي والألف واللام للتعريف» واللام الثاني للمبالغة» فينبغي لك أن تكون حاضرا 
هذا الذكر بأن يكون هوية الحق سبحانه ملحوظا لك في وقت التلفظ مذا الحرف 
حى تصير ملكك» وإذا صار ملكك لا يزول أبداء وإن ترد زواله. 


5 


شعر: 
[بسيط] 


3 


غيب الموية في هاء العنفس فا أنفاس تأسيسها بالماء فاعرفها 
قف فيه حال الرجاء اليأس ذا عجب يا عارف الحق ما كنت مُنتبه ا۴ 


ولا يخفى عليك أن غيب الطوية الي ذكره سيدي ومولاي عبد ال رحمن 
الجامي اصطلاح أهل التحقيق عبارة عن حقيقة الذات ولا تعين فيه» يعن بشرط 
الإطلاق الحقيقي الذي لا تقييد فيه بوحه من الوحوه بل بقيد الإطلاق أيضاً» وف 
هذه المرتبة لا يتعلق به علم» وإدراك وكذه الحيثية هو مجهول مطلق. 


)1( عبد الرحمن بن أحمد الجامي» عارف متصوف» ولد بجام من قصبات خراسان» واشتغل بالعلوم 
العقاية والشرعية فأتقنها ثم صحب مشايخ الصوفية وتلقن الذكر من الشيخ سعد الدين كاشغري» توفي سنه 
8 شذرات الذهب 360:4. 

(2) أشار إليها صاحب كشف الظئون بقوله: فواتح الجمال رسالة فارسية للشيخ أبى الجناب أحمد بن عمر 
الخيوقى المعروف بنجم الدين الكبرى المتوفى سنة 618 ه: كشف الظنون 1292:2. 

(3) البوت مكسورء وكذا ورد في خ و ط. 


- 350 - 


رشحة: 

نظر بر قدم": يعي ينفي أن يكون نظر السالك يى وقف» كلماشى على 
ظهر قدميه حي لا يقع نظره عن اليمين والشمال» ولا يحصل له التفرقة وتشتيت 
الطبع» ويحتمل أن يكون فيه إشارة إلى سرعة سير السالك في قطع مسافة الوحود 
الموهوم) يعني كلما ينتهي نظر السالك يضع قدمه عليه كما قال محمد الروع: 
أدب المسافر أن لا يجاوز همه قدمه©» إشارة إلى أن أهل هذا السير والسلوك» كما 
قال مولانا عبد الرحمن الخامي ف مدح الخوحة ياء الدين نقشبنداة: 


يخل عن نفس دون الحضور وم تسبق نواظرةٌ الأقدامً في السفر 
وذا لسرعة سير فيه قد ركرزرت فما تخلف رجلاهٌ عن التنظر 


رشحة: 

سفر در وطن#: وهو أن يسلك السالك في الطبع البشري» يعن ينتقل من 
الصفات البشرية إلى الملكية» ومن الدميمة إلى الحميدة. قال مولانا سعد الدين 
قدس الله سره: إن الخبيث» وإن توحه إلى لطيف» لا يزول منه خبائثه حي ينتقل 
من صفاته الخبيثة. ثم اعلم أن أحوال المشايخ في سفر الظاهر مختلفة» فبعضهم 
احتاروا السفر في البداية وأقاموا في النهاية» وبعضهم أقاموا في البداية وسافروا في 
النهاية» وبعضهم سافروا في البداية والنهاية» وما أقاموا أبداء ولكلهم نية صحيحة 
الأعمال بالنيات كما شرح حاطم في ترجمة العوارف© بالتفصيل» لكن طريق 
الخوحكان يختاروا السفر حي يحصلوا المرشد» فإن وحدوا المشرد في بلدهم لا 


)1( جاء في كتاب تهذيب المواهب السرمدية: بر يمعنى على» والمعنى المراد انه ينبغي لاسالك أن يكون 
نظره إلى قدميه عند المشي: تهذيب المواهب السرمدية» ص: 59. 

)2( طبقات الصوفية 1.1 

)3( ورد البيتان في: تهذيب المواهب السرمدية ص : : 60. 

)4( أي السفر في الوطن: تهذيب المواهب السرمدية» ص: 61. 

(5) عوارف المعارف في التصوف» للشيخ شهاب الدين أبى حفص عمر بن محمد بن عبد الله السهروردى 
المتوفى سنة 632 ه: كشف الظلنون 1177:2. 


- 351 - 


يسافرون ويختارون خدمته وملازمته حى يحصل الحضور والشهود بطريق الدوام؛ 
يعن لا يزول حضوره يي وقت الاشتغال بالتدريس والاشتغال بالدنيا» ثم يصير 
سفره و-حضره على السوية. وقال سيدنا ومولانا: إن السفر لا يورث للمبتدئ إلا 
التفرقة» فينبغي للطالب إذا وحد الشيخ أن يكون ملازما لخدمته ولا يفارق 
صحبته إلا بعد التمكين» وإذا حصل له التمكين يكون سفره وحضره على النية 


[بسيط] 
ما أحسنّ الضحك الجاري بغير قم ورؤيةٌ غاب عنها هيكل البصر 
كن قاطنًا ظاهرً والسر مرتجل فالسيرٌ من دون رجل أحسن السفر 

وقال مولانا عبد الرحمن الجامي قدس سره في أشعة اللمعات في شرح هذا 

اتنه سفر دوراست كان يزيراي صورت ارتوراست 
معناه: ال المرآة المصقلة يظهر فيها صور الأشياء المقايلة بلا احتياج إلى 
الخركة لأن صفاءها ذاي» فما يقابلها ينطيع فيهاء وهكذا قلب الإنسان إذا أزالت 


منه تعلقات الأكوان وإرادات الطبع البشري يظهر له الصفاء والصقالة يستغيي عن 
السير والسلوك. 


رشحة: 
حلوة در انحمن: سئل الخوحة بماء الدين نقشبند قدس سره: ما بناء 
طريقتكم؟ قال: الظاهر مع الخلق» والباطن مع الحق 
[طويل] 


بقلبك كن بالحب منطبعا وكنْ2 بظاهرك المشهود في زي أجتبيا٠‏ 


(1) ورد البيتان في: تهذيب المواهب السرمدية ص: 61. 


-352- 


كما قال تعالى: (رحال لا تلهيهم تخارة ولا بيع عن ذكر الل)#. وقال: 
نسبة الباطن في هذا الطريق وقع بوجه أنه يحصل الجمعية في الملا» وصورة التفرقة 
أكثر ثما في الخلوة. وقال الجمعية في الصحبة والسهرة في الخلوة وق الشهرة 
الألفة» والخير ف الجمعية» واللجمعية قي الصحبة بشرط أن تكونوا قانتين بينكم. 

وقال الخوحة: وها كبير الخلوة أن يكون اشتغالك واستغراقك يى الذكر 
بحيث أن لو تدخخل في السوق لا تسمع أصوات أهل السوق لاستيلاء الذكر. وقال 
سيدنا ومولانا: لو يذكر أحد بالحد والاهتمام يصل في خمسة أو ستة أيام ! إلى أن 
يسمع جميع الأصوات والحكايات ذكر اش ويسمع أيضا كلام نفسه ذكر الله. 


5 


رشحة: 


ياد كرد: عبارة عن ذكر اللسان أو القلب. قال مولانا سعد الدين 
الكاشغري إن طريق تعليم الذكر أن يذكر في قلبه أولاً: لا إله إلا الله محمد رسول 
الل وينبغي للمريد أن يحضر قلبه على مقابلة قلب الشيخ ويغمض عينه» ويطبيق 
الفم والنفس مع السن» ويلصق اللسان بعرش الفم» ويحبس النفس ويذكر بالقلب 
لا باللسان بالتعظليم رالقوة وعوافقة الشيخ» وقي ذكر الحبس يراعي عدد الوتر يذر 
مرة أو ثلاث مرات حي يظهر أثر حلاوة الذكر في القلب. وقال سيدنا ومولانا: 
الذكر طرد الغفلة» فإن حصل لك ف صحبة الشيخ حصل خلاصة الذكر وزبدته 
وإن لم يحصل في الصحبة فاذكر الله بالطريق المذكور» ولكن لا يضيق نفسك فوق 
الطاقة» وينبغي أن تكون متوحهاً في أثناء الذكر إلى القلب الصنوبري الشكل حي 
لا تحىء الخواطر من الدنيا والآخرة» وكن ذاكرا هذه الطريق أن يبتدئ بكلمة لا 
من تحت السرة وترفعه إلى الدماغ» وبكلمة إله من الدماغ إلى الكتف الأهن» 
وتضرب إلا الله مع الحركة على القلب الصنوبري الشكل حى تصل حرارته إلى 
الأعضاء كلها وبالنفي تنفي وحود المحدثات وتطالعها فانياء وبالإبات تثبت 


)1( ورد البيتان في: تهذيب المواهب السرمدية» ص: 62. 
(2) النور: 36. 


- 353 - 


وحود الحق بنظر البقاء والمقصودية» فاذكر هذا الطريق مع ملاحظة المع المذكورء 


ولا تفارق الذكر وقتا من الأوقات حى يثبت التوحيد ويستقر الذكر في القلب. 


رشحة: 

باز كشت(!: هو عبارة عن رحوع السالك بعد الكلمة الطيية بقوله في 
القلب الإلطى أنت مقصودي ورضاك مطلويء لأن كذه الكلمات تنتفى الخواطر 
كلها من الخير والشرء فيكون الذكر خخالصا لوحه الل وإن كان مبتدثاء ولا يحد 
الصدق في قلبه» ولا يترك هذه الكلمات ويقول تقليداً للمرشد لأن المقلد يصير 
محققاء وآثار الصدق يظهر بالتدريج. وقال مولانا علاء الدين الذي كان من 
أصحاب مولانا سعد الكاشفي: وكان شيخي علمي الذكر وأمرن ممذه 
الكلمات» وكنت لا أحد في نفسي صدقاً على وفق هذه الكلمات» وكنت 
منفعلء وذات يوم كنت في هذا أتفكر ورحت عند الشيخ > فقال الشيخ: تروح 
عند الشيخ بماء الدين عمر» فرحنا عند الشيخ وجلسنا. فقال الشيخ جاء الدين: إنه 
قال الشيخ بماء الدولة. إن لم جد الطالب إخلاصا في الباطن ينبغي أن يذكر هذه 
الكلمات مع الذكر حي يظهر الصدق في باطنه ببركة هذا الذكرء فلما خرحنا من 
عند الشيخ قال شيخي: إنه رحل من أهل الحذبة لا يعرف طريق الإرشاد لأنه ما 
كان وقت إظهار هذا المع لأ قبل السماع كنت منفعلاً ومحترقاء وبعدما ممعته 
زال من الاحتراق والاضطراب والقلق. 


$ شحة: 
نكاه داشت©: 0 الحواطر في أثناء الذكر. قال مولانا 
E‏ ا قال مولانا قاسم الذي هو من كبار أصحاب الشيخ 


(1) باز بمعنى الرجوع» وكشت... المراد بها عندهم أنه ينغي أن يرجع في النفي والإثبات: تهذيب 
المواهب السرمدية» ص: 63. 

(2) نكاه بمعنى الحفظ وداشت... يريدون بها أن يحفظ السالك به على ملاحظة على ملاحظة النفي 
والإثبات: تهذيب المواهب السرمدية» ص: 63. 


- 354- 


مولانا وسيدنا أنا أحفظ الخواطر من طلوع الفجر إلى الضحى على وحه لا يكون 
للقوة المتحيلة أثر. قال أهل التحقيق وأرباب البقاء بعد الفناء: إن زوالا" المتخخيلة 


أمر عظيم ولو كان ساعة. ولبعض الكمل: يتفق هذا أحياناً. 


ود شحة: 

ياد داشت: وهو من حضور القلب مع الله تعالى على سبيل الدوام مع 
الذوق والوحدان» وقال بعضهم: هو حضور بلا غيب» وعند المحققين: المشاهدة 
ال هي عبارة عن استيلاء شهود الذات بتوسط الحب الذاي كناية عنه. 

قال سيدنا ومولانا في شرح الكلمات الأربعة: ياد كرد» يعن ذكرك مع 
التكلف» وباز كشت: يعني رحوع السالك ! إلى الحق سبحانه وتعالى» بعد ذكر لا 
له إلا الله محمد رسول اش فهذه الكلمات: إطي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي» 
ونكاه داشت: يعي حافظة هذا الرحوع بلا تلفظ اللسان. ياد داشت: يعي 


رسو حه قيه. 


5 


رشحة: 


وقوف زمانن» قال الخوحة يحاء الدين نقشبند قلس سره: هو عبارة عن أن 
تكون واقفاً على أحوال نفسك إن كان موافقاً للشريعة مرضياً لله فاش كره وإلا 
فاستغفره. وقال مولانا يعقوب ابر نوي ۳ قدس سره: أمري شيخي في حالة القبض 
بالاستغفار وف حالة البسط بالشكر. وقال: رعاية هذين الحالين عبارة عن 
الوقوف الزمانئ. وقال الخوحة ياء الدين نقشبند قس سره: مبئ طريق السالك في 
الوقوف الزمان على الساعة حي يكون السالك واقفا على نفسه أنه يرج 
بالحضور وبالغفلة» والوقوف الزمان عند الصوفية عبارة عن محاسبة الأحوال. وقال 


(1) في ط: زوال. 
)2( الشيخ يعقوب الجرخي» متصوف عارف» ولد في جرخ» ثم رحل إلى هراة ومصرء أنلر ترجمته 
وأخباره في: ڌهذیب المواهب السرمدية في أجلاء السادة النقشذدية» ص: 90. 


- 355 - 


تفهم وتحسب أن كل الأوقات والأفعال كانت» وترحع إلى الابتداء وتعمل بطريق 
المبتدي. 


رشحة: 

وقوف عددي» هو عبارة عن رعاية العدد قي القلب لاحتماع الخواطر 
المنفرقة» وينبغى للطالب أن يراعى العدد الوتر يذكر مرة أو ثلاث مرات أو همس 
مرات على هذا القياس إلى إحدى وعشرين مرة. قال الخوحة علاء الدين العطار 
قلس سره: ينبغي أن يذكر السالك مع الحضور والشهود» ولو كان مرة واحدق 
والتكثير ليس بشرط وإن حاوز العدد في ذكر القلب عن إحدى وعشرين مرة 
ولم يظهر له الأثرء والنتيجة فهو دليل على بطلان العمل» واثر الذكر أن ينتفي 
وحود البشرية في ذكر كلمة النفي وي الإثبات يظهر أثر من تصرفات الحذبات 
الإلطية. وقال النوحة نقشبند قدس سره: الوقوف العددي أول الدرحات من 
درحات العلم الذي يحتمل أن يكون معناه بنسبة المبتدئ مطالعة هذه الآثار 
وتصرفات الحذبات الإلمية كما قيل» فإنه حال موصل إلى مرتبة القرب ويكشف 
له فيها العلم اللدي» وبنسبة أهل النهاية أن يقف السالك على سريان الواحد 
الحقيقي في الأشياء كما هو واقف على سريان الواحد العددي في جميع الأعداد 
الحسابية 


[طويل] 
تعدد هذا الكون والكفرة التي تلوح خيال كالسراب مَحلها 
ومام إلا واحدٌ جل ذكرهةٌ لنايتجلى في المظاهر كلها 

وقال بعض الأكابر: 

[بسيط] 

من واحد العد كل العد منعشي 2 نراه قد قدمٌ التفصيل والجُمَلا 


وإن يكن ليس منها فهو مُشِؤها 2 هذا بإجماع أل الكشف والعقلاً 


- 356 - 


ولا يخفى عليك أن العلم اللدن علم يفهمه أرباب القرب بالتعليم الإلمي لا 
بالدلائل العقلية والشواهد النقلية» كما يدل عليه الكلام القدم في حق النضر عليه 
السلام: (وعلمناه من لدنا علا » والفرق بين علم اليقين والعلم اللدن أن علم 
اليقين عبارة عن إدراك نور ذات الله وصفاتف والعلم اللدي عبارة عن إدراك المعان 
وفهم الكلمات من الحق سبحانه بطريق الإهام. 


ود شحة : 

وقوف قلبي: وهو محمول على معنيين» أحدهما أن يكون الذاكر حاضراً 
واقفاً باحق سيعحانه. قال سيدنا ومولانا: الوقوف القلبي عبارة عن الحضور 
والشهود جناب قدسه على وجه لا يكون له إرادة والنفات إلى غير الله تعالى. 
الشهود والوصول والوحود والوقوف القلى» وثانيهما أن يكون الذاكر في أثناء 
الذكر متوحها للقلب الصنوبري الشكلء وهو قي الجانب الأيسر محاذيا لقدي 
الأيسرء فلا يفارقه يذهل على الذكر ومفهومه. وقال الخوحة نقشبند قلس سره: 
إن حبس النفس ورعاية العدد ليسا بشرط ف الذكر لكن الوقوف القلى بكلا 
المعنيين شرط فيه. 

[بسيط] 
لبيضّةٍ القلب كن كالطير مُحتضنا 2 فيي التي تلذ الأحوال أجمعهًا 


فلما قرب أحله أمر بإرشاد الناقصين أربعة نفر كلهم كانوا في مرتبة الإرشاد 
والهداية على الترتيب» كما سأذكرهم إن شاء الله تعالى. انتهى ما أردنا اقنطافه من 
كلام السادات النقشبندية وفيه كفاية قي التشويق إلى سلوك طريقهم لمن وحد 
مرشدا أو صحبة» والموالاة لهم فلها نفع عظيم والله بكل شيء عليم؛ » واغتفرت ما 
ف هذا الكلام من الطول لأحل ما اشتمل عليه من الفوائد الي لا توحد في غيره» 
وقصدي إن شاء الله من كتابة هذه الرحلة أن تكون ف ديوان علم لا كتاب ”مر 
وفكاهة» وإن وحد الأمران فيها معا فذلك أدعى لنشاط الناظر فيها» سيما إن 


(1) الكهف: 64. 


-357- 


كان صاحب تلوين» وأما صاحب التمكين فلكل شيء عنده موقع ونفع لا يوحد 
ف غيره» والله المسؤول أن يلهمنا رشدنا ويخلص لوحهه فيما نأي ونذر قصلناء 
فهو سينا ونعم الو كل وبالإحاية اعام سائلة تفيل وم يسع الوقت رة 
إقامتنا عكة مع شدة الخر لاستيعاب الأماكن الفاضلة الي تزار عكة شرفها الل 
وأذكر بعضهاء إن شاء الله عند ذكرنا الجاورة عكة. 


ولم نزر في هذه المدة إلا الدار الي ولد فيها النبي» صلى الله عليه وسلمء وقد 
اتخذت الآن مسجدا ومزاراً عظيما يجدمع إليه الوفود من كل حانب أيام المولد 
النبوي. 

قلت: وقد علم من كتب السير ما وقع من الاختلاف في مولده صلى الله 
عليه وسلم هل هو عكة أو بالأبواء» وعلى أنه عكة فقيل بالشعب» وقيل بالمحصّب 
إلى غير ذلك من الأقوال. 

ولا أدري من أين أذ الناس تعيين هذا امحل بالخصوص» اللهم إلا أن يثبت 
أن تلك دار والده أو حدم صلَى الله عليه وسلّم > فيترحح القول بأنه في مكة في 
قضية عادية» وهي أن ولادة الإنسان في الغالب في مترل والده. وإن أريد بالشعب 
شعب أبي طالب الذي انحاز إليه مع بني هاشم وبي المطلب في قضية الصحيفة » فلا 
يبعد ذلك لأن هذه الدار قريبة من الشعب من أسفله. 

1 والعجب أنهم عينوا حلا من الدار مقدار مضجع. وقالوا له: موضع ولادته 
صَلَى الله عليه وسلم! ويبعد عندي كل البعد تعيين ذلك من طريق صحيح أو 
ضعيف» لما تقدم من الخلاف في كونه في مكة أو غيرهاء وعلى القول بأنه فيها 
ففي أي شعابما؟ وعلى القول بتعيين هذا الشعب ففي أي الدور؟ وعلى القول 
بتعيين الدار فيبعد كل البعد تعيين الموضع من الدار» بعد مرور الأزمان والأعصارء 
وانقطاع الآثار. 

والولادة وقعت في زمن الجاهلية» وليس هناك من يعت بحفظ الأمكنة» سيّما 
مع عدم تعلق غرض لحم بذلك» وبعد بحيء الإسلام فقد علم من حال الصحابة 
وتابعيهم ضعف اعتنائهم بالتقيد بالأماكن الي لم يتعلق ها عمل شرعي» لصرفهم 
اعتناءهم» رضي الله عنهم لما هو أهم» من حفظ الشريعة» والذب عنها بالسنان 
واللسان» وكان ذلك هو السبب يي حفاء كثير من الآثار الواقعة في الإسلام» من 


- 358 - 


مساحده عليه السلام ومواضع غزواته» ومدفن كثير من أصحايف مع وقوع ذلك 
ف المشاهد الجليلة» فما بالك عا وقع في الجاهلية» لا سيّما ما لا يكاد يحضره أحد 
إلا من وقع له» كمولد علي ومولد عمر» ومولد فاطمة -رضي الله عنهم جميعهم 
فهذه أماكن مشهورة عند أهل مكة فيقولون: هذا مولد فلان» هذا مولد 
فلان» ويي ذلك من البعد أبعد من تعيين مولده صلى الله عليه وسلم» لوقوع كثير 
من الآيات ليلة مولده صلى الله عليه وسلم فقد يتنه بعض الناس لذلك بسبب ما 
ظهر من الآيات» وإن كانوا أهل حاهلية. وأما مولده فمن ولد ف ذلك العصر 
نكاد العادة أنه تقطع بعدم مرف إل أن بره حبر عن صاحب الواقعة بتنبهه أو 

وحاصل الأمر أن هذه أماكن اشتهرت بين الناس فتزار بحسن النية رعاية 
لتعظيم قدر من أضيفت إليه» فيستحضر الزائر في قلبه عظمة من ُسبت إليه 
الأمكنة» وعصمة تلك النسبة» ولا يشغل قلبه بصحة النسبة وضعفها لوحودها ف 
الخارج ولو عدمت ي نفس الأمر» فرعاية تعظيم الموحودة على الألسنة له أثر كبير 
في الحلب والدفع» نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من يعظم حرماته وشعائره 
تعظيماً يوافق أوامره. 


وما زرناه أيضاً مولد فاطمةت رضي الله عنهاء في دار خديجة رضي لله عنها 
والتعيين أميل إلى صحة هذا المكان أكثر من غيره. وزرنا أيضاً مولد على رضي الله 
عنه» وزرنا أيضا دار أبي بكر» رضي الله عنه» وغالب هذه الأمكنة اتخذت مساحد 
ومزارات» وبقرب دار أبي بكر» رضي الله عنه حجر في حدار فيه كأثر المرفق يقال 
إن مرفق البي صلى الله عليه وسلم غاصت فيه لما استند إليه والناس يتمسحون به 
ويتبركون» وقد تمسحنا به وتبركنا بالنية المتقدمة والله ينفعنا بذلك. وكثير من 


هذه الآثار الشريفة والمشاهد المنيفة قد تطاولت عليها الأعصار ووحد التنصيص 
على اشتهاره في القرون الماضية من كتير من المؤرحين والمرتحلين» مع العلم بعدم 
اشتهارها في القرن الأول والثائ وما بقركماء فتزار بالنية المنقدمة وبنية بركة من 
دخلها وتبرّك يما من المسلمين من لدن تلك الأعصار إلى الآن» وقد علم احتلاف 
الأئمة في القدم والحديث في تتبع هذه الآثار والمشاهد التي لم يرد يما خير صحيح 
عكة والمدينة والقدس» وميل أكثرهم» سيما المالكية أثمتنا إلى عدم التقيد بذلك ا 
علم من شدة حرصهم على الاتباع. فقد ورد أن عبد الله بن عمرء رضي الله 


-359 - 


عنهماء ارتحل إلى المسجد الأقصى فلما دخله لم يزد على أن صَلَّى فيه ركعتين 
ودعا ورحع من يومه» ولم يقف إلى الصخرة ولا إلى غيرها من الآثار والملشاهد 
الكائنة هناك مع كثرنماء إذ م يصح في الحديث إلا إتيانه للصلاة به» فاقتصر على 
ما صح عنده» ولم يعرج على غيره» والكل إن شاء الله مصيب» وتحقيق الكلام في 
هذه المسألة يطول» وفيما ذكرنا إشارة إجمالية تُغٍ المتأمّل عن التفصيل» ورعا نلم 
ببعض المباحث المتعلقة بذلك عند ذكرنا إن شاء الله مشاهد المدينة مشاهد بيت 
المقدس إن ساعد القدر. 


- 360 - 


ذكر الخروج من مكة المشرفة إلى المدينة المنورة 
زادهما الله شرفا 


ولا كان يوم الأحد الوق عشرين من ذي الحجة أذ المغارية في الرحيل من 
مكة بعدما قضو ۴ أوطارهم واشتروا تحارقم» وهم أول الأركاب الواردة من 
الآفاق حرو حا من مكة» فلا يخرج قبلهم إلا بعض قفول أهل المدينة المشرفة» 
فطفنا طواف الوداع ضحى» وودعنا مشايخنا وأصحابناء وخر جنا إلى مترل الحاج» 
وهو الشبيكة. 


لطفة: 


لما عزمت على البحاورة بالحرمين واطمأن القلب هاء لم أحد عند الوداع 
والخرو ج من مكة من الاشتياق والتأل لمفارقة البيت والاحتهاد ف الدعاء ما كنت 
أعهد ثي نفسي في غير هذه المرة عند الخروج ولشاهده من غيري» لعلمي بأني 
مقيم في البلد وناو الرحوع إليها من المدينة» فلم أحد ما يجد غيري من الراحعين 
إلى بلادهم فقلت في نفسي: لعل ما يجده المودع الراحع إلى بلاده بسرعة من ألم 
الفراق والتعطش إلى المشاعر العظيمة واحتهاده في الدعاء» مع الإقبال على التضرع 
بكليته» يوازي عند الله أعمال اجاور والمقيم عكة طول السنة إذ لا يحصل هم في 
الغالب ذلك» وقليل عمل مقرون بتلك الأحوال السنية الي تحصل للمودع يعدل 
عند الله كثير عمل من ذلك ولا يبعد أن يكون الأمر كذلك. ثم ارتحانا مسن 
الشبيكة» وهي الثئيّة السفلى الى بأسفل مكة» ومنها حرج صلى الله عليه وسلم. 


(1) في ط: أفاضوا. 


- 361 - 


لطيفة: 

قال ابن رشيد في رحلته: "وذكر بعض أثمتنا أن الخروج إلى عرفات من 
الثنية السفلى أيض"011, فروي عن الحافظ أبي محمد علي بن أحمد الأندلسي © قال: 
"كداء الممدودة هي بأعلى مكة عند المحصب» احلّق رسول الل صلی الله عليه 
وسلم» من ذي طوى إليهاء أي صعد إليها. وکدئ بالضم والتنوين» بأسفل مكة 
عند ذي طوى بقريب من شعب الشافعين عند قعيقعان» حلّق رسول الل صلی 
الله عليه وسلې » من ذي طوى إليها؛ أي صعد إليها» و کدی بالضم والتنوين» 
بأسفل مكة عند ذي طوى بقريب من شيعب الشافعيين عند قعيقعان» حلق رسول 
الله صلی الله عليه وسلم > منها إلى الخصب» فكأنه» صلی الله عليه وسلم» ضرب 
دائرة فو وله وخروحدء بات» صلی له عليه ولم بي طرى» م فيض إل 
أعلى مكة فدحل منهاء وني حرو حه ! فى أسفل مكة ثم رحع إلى ا لحصب"۴. قال 
أبو محمد الأندلسي الظاهري: أخبرنا بذلك أحمد بن محمد العذري عن كل من 
لقي عكة من أهل المعرفة .عواضعها من أهل العلم بالأحاديث في ذلك6. 

قال ابن رشيد: وإنغا سلك النبي» صلى الله عليه وسل هذا الطريق ملحقا 
شبه دائرة لأنه لا حصل التيامن في الترول والدخول إلى مكة والخروج منها إلا 
كذلك» فتأمله» والله أعلم۴. انتهى كلام ابن رشيد رمه الله حسبما نقلته من 
نسخة عليها حطه وإحازته لتلميذه؛ صاحبه عبد المهيمن الحضرمي” رحمه الله 
تعالى» رأيت هذه النسخة عكة المشرفة عدة أسفار» وذكر في آخرها أنه 


(1) ملء اليب ص: 82. 

)2( أبو محمد علي ابن أحمد بن سعيد ابن حزم الإمام»الأندلسي القرطبي» الفقيه الحافظ المتكلم الأديب» 
الوزير الظاهري صاحب التصائيف» ولد بقرطبة سئة 384 ه» وتوفي سنة 456 ه: سير أعلام الذبلاء 
8 . وفيات الأعيان 323 . 

)3( ملء العيبة ص: :82 -83. 

)4( أبو العباس أحمد بن عمر بن اس العذري الأندلسي» الإمام الحافظ المحدث» ولد سنة 2393 وحج به 
أبواه وهو حدثء فقدموا مكة في سئة408 هه فجاو روا ذمائرة أعوام»صنف دلائل النبوة وكتاب المسالك 
والممالك وغير ذلك» مات سنة 478 ه: سير أعلام الذبلاء 567:18. 

(5) مل العيبة, ص: 83. 

(6) تسه 

(7) عبد المهيمن بن محمد بن عبد المهيمن بن محمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن محمد الحضرمي 
أبو محمد» مولده بسبتة عام ستة وسبعين وستمائة» ولي الكتابة والإنشاء للسلطان المريني أي الحسن» 
وتوفي بتونس ثاني عشر شوال عام 9ه في الطاعون: : نفح الطيب 465:5. الأعلام 41:4. 


- 362 - 


استخرحها من مسوداته بعد عشرين سنة من رحوعه بسؤال عبد المهيمن المذكور 
منه ذلك. قال: بعدما كنت أغفلت ذلك وأعرضت عنه لقلة من يرغب فيه. فإذا 
كان الناس في زمانه لا يرغبون يي مع فوائد المرتحلين» سيما مثله في ضبطه وإتقانه 
وكثرة جمعه» فما بالك ي زماننا هذا الذي عم فيه الفساد وغلب على بضاعة 
العلماء» ولا يسمع من فوائد الرحلة إلا ما كان أسماراء وصارت حلة الأدب فيه 
أطماراء فالمشتغل مجمع ذلك مثلي» أو من هو على شكلي» ليس في الرأي ذا 
إصابة» إن لم يجعل ذلك عوضا عن البطالة. 

قلت: وما نقله ابن رشيد عن ابن حزم الظاهري من خرو حه عليه السلام 
إلى عرفات من کدی لم أرَ من ذكره من أهل السير والحديث» مع شدة تتبعهم 
لأفعاله» صلى الله عليه وسلم > في حجته لما جمعت من معالم الشريعة وقواع دهاء 
وحضور جمع من المسلمين لم يجتمع مثله قط في حياته» صلى الله عليه وسلم 
ومثل هذا لا يكاد يخفى من أفعاله في ذلك الجمع العظيم» فقد حفظ من أفعاله» 
صلی الله عليه وسلې في تلك الحجة الخفي والجلي» حي مباله» عليه السلام» في 
الشعب قبل الوصول إلى مزدلفة» فكيف يخفى هذا على أئمة الحديث والسير» بيد 
أن الحافظ أبا محمد بن حزم مقر في مجمع الغرائب على سعة اطلاعه ووفور علمه 
وكثرة حفظه الذي لا ينكره له موافق ولا مخالف» فقد ذكر بعض الأئمة أن أبا 
محمد بن حزم ساق حجة الوداع في كتابه الذي أفرده لحجة الوداع مساقا لا يكن 
أن يسوقها كذلك حي بعض من حضرها لكثرة ما جمع» ومبالغته في التتبع للطرق 
وجمع الروايات وترجيحهاء وهو أهل لذلك. 

والمذكور عند سائر المْحدّثين أنه» صلى الله عليه وسل لم يزل نازلا 
بالأبطحا؟ من يوم دخول مكة إلى أن ارتحل ذاهبا إلى من يوم التروية» ويبيعد أن 
يرتحل من الأبطح وينحدر إلى مكة, ثم يخرج من كدى ثم يصعد إلى كداء فيترل 
منها إلى الأبطح» فيذهب إلى من من غير حاحة أكيدة لما في ذلك من المشقة 
الفاد-حة الحاصلة من تحليقه بأمكنة متعددة حي يعود إلى المكان الذي ارتحل» ومثل 
هذا ليس من الأفعال الميبلية» ولو فعله» صلى الله عليه وسل لكان فيه أقوى دليل 
على مشروعيته وتأكيد العمل به» ولسأله أصحابه عن السر في ذلك لخالفته 
للعادة مخالفة قوية» ولو كان ذلك لنقل نقلاً مستفيضاً وصار من أفعاله المطلوبة» 


(1) الأبطح والبطحاء: المحصب: ملء العيبة» ص: 82. 


-363 - 


وليس هذا مثل إدارته ناقته في محل لخفة الإدارة» وقد تكون لغرض اقتضاه الخال 
مثل قصد العدول إلى ناحية» أو إرادة تكليم أحدء فدارت الناقة لأحل ذلك 
وذلك كثير ما يقع للإبل» ومع ذلك فقد نقل» فليتأمل ما ذكرناء والله تعالى أعلم. 


وكان ارتحالنا من الشبيكة قبل الظهر» ومرض أخونا سيدي عبد ال رحمن» 
وكان ابتداء مرضه عكة. وتعب في الطريق من شدة الحرء ونزلنا من الظهر المسمى 
بوادي الشريف بعد العصر بقليل» ووحدنا أكثر الناس قد سبقونا إلى المترل» وبقي 
طوائف من الناس عكة يأتون أرسالا إلى نصف الليل» وبتنا هناك. وق الغد ارتحل 
الناس بعد طلوع الشمس وسرنا يومنا على الطريق المعهودة» وم نقّل حى نزلنا 
بعسفان بعد المغرب. ثم ارتحلنا وحئنا إلى خليص قبل الظهر في حر كثير مات منه 
أناس ومرض آخرون» وقيّل الناس فيه» ثم بدا هم ف المبيت لدفن من مات» وف 
حر ذلك اليوم حاء إلينا مشايخ الركب وكبراؤه بالرحيل لثلا بحاور» وبالغوا قي 
الحث والاعتذار» ورددناهم بأمر محتمل» وهم لا يشكون آنا قبلنا كلامهم» وكاد 
أخونا سيدي عبد ال رحمن الذي كان سببا في البحاورة أن عيل إلى قوطم لما حصل له 
من المرض وما رأى من إلحاحهم علينا وإقسامهم» فلم أر رأيه في ذلك ومست 
على امحاورة لأن حرحت من مكة غير مودع وداع مفارق» ولو ذهبت كذلك 
إلى المغرب لبقيت حسرة في قلي ما شاء الله ولكن الله بفضله وحوده أتم نعمته 
علينا وأسبغ آلاءه المترادفة إلينا من غير حول منا ولا قوة» فله الحمد والشكر» وهو 
رب العالمين. 


ثم ارتحلنا من خخليص ومررنا بقديد في الضحى الأعلى» و م يقل الناس ذلك 
ايوم لأ لهواء فيه بعش رطوية: ومررنا بالسبيل الذي هناك قبل العم وفيه ماء 
قليل وحوله ناس من الأعراب يبيعون العلف والحبحب والرطب» يأتون بكل ذلك 
من القرية الي بإزاءه» وبينه وبينها عدة أميال على كين القادم من مكة» ولم نبت 
ذلك اليوم حى قاربنا الرمل الذي دون الجحفة, ثم ارتحلنا منه غدا وجثنا إلى رابغ 
عندما اشتد الضحى ونزل الناس به قائلين» ثم بدا هم في المبيت خوفا من العطش 
بالبزوة إن باتوا بعد ليلتين» فلما صلينا الظهر برز الناس إلى حانب الوادي الغربي 
وكانوا ف النهار متفرقين ف القهاوي والأحنة» ونزل بتعضهم أعلى الوادي 
وبعضهم أسفله» واحتمعوا عند المبيت إلى محل عكنهم منه التبكير. 


- 364- 


ثم ارتحلنا من رابغ» وبالغ الناس في حمل الماء حوفا من العطش لكون البزوة 
معروفة في أبام الشتاء» فضلا عن أيام ار بذاك وقد أخبرنا شيخنا سيدي محمد 
ال أهلكت كثيرا من الاس» ركان ذلك ي أيام ارت ولال ما بقع قي ما 
امحل من العطش اتخذ فيه سبيلان للماء جحلب إليهما من نحو مرحلةء أحدهما يسمى 
سبيل محسن» إضافة لبانيه و حبسه الأمير مسن( والد ريد بن حسن أمير مكق 
وهو الذي يلي مسيترة» والآحر لولده زيد» وهو الذي يلي بدرا» وقد قسما 
المسافة ما بين بدر ومسيترة إثلاثا في التقدير» إلا أنهما قل ما يوحد فيهما ماء 
ليسارة ما يحمل إليهما من الماء لبعد الشقة. 


ومررنا عستيرة ظهراء و لم يقل الناس لكون المواء فيه بعض البرودة» وساروا 
يومهم ذلك حى العشاء ونزلوا قرب سبيل محسن. ثم ارتحلنا من هناك ومررنا 
بالسبيل الآخر ظهراء وما قيل الناس أيضاء وحئنا لبدر قبل غروب الشمس بقليل 
الليلة» فلما أصبحوا أخحذ الناس فى رفع أزودقهم المدخحرة هناك ووحدوا يدر رطبا 
كثيرا بأرحص قيمة وأخذوا منه ما اشتهواء ولا لم يرتحل ال ركب صبحاً ظنوا أنهم 
لا يرحلون إلى آخحر النهارء ويبرد المواءع» وبينما هم في اشتغاهم قبل الظهر بقليل 
في أشد ما يكون من الخر إذ ضرب شيخ أهل تونس طبله وارتحل الناس بلا 
مشورة» واشتد الحر عليهم ما بين تلك الحبال» ولم يصاوا إلى الصفراء© حى وقع 
الموت ي الإبل والناس» فمات ناس وإبل كثيرة من شدة الخر» وكان من طف الله 
بنا أنا لما اشتد الخر عدلنا إلى قهاوي على يسار الطريق وأنخنا إبلانا خارحهاء 
ودخلناها وحلسنا فيها ساعة حي استرحنا واستراحت الإبل» وتوضأنا وصاينا 
الظهر والعصر»ء ثم سرنا آخر الناس كلهم فلم يضع لنا حمل ولا رحل يي ذلك 
وال تذهب إلى حديدةا» ثم ارتحلنا منه وجحئنا الجديدة وقت الخداء واشتد الجر 
ونزل الناس يما لخزن أمواهم وأحماهم وما يفضل من زاد وعلف إلى أن يرحعوا من 


)1( محسن بن الحسين بن الحسن» أمير الحجاز بين سنوات 1019 و1037ه ولد سذ4 984 وتوفي سدئة 
8ه: خلاصة الأثر 309:3. تريخ أمراء المديئة المنورة» ص: 341. 

)2( الصفراء: قرية كثيرة النخل والمزارع: کتاب أسماء جبال تهامة» ص: 13. 

)3( جديدة: قرية قرب المدينة: أنس الساري والسارب» ص: 91. 


- 365 - 


المدينة» وتلك عادة الركب المغربي والمصري» بل غالب المصري يبعثون أحماهم 
وأثقالهم من بدر إلى الينبع مع الأعراب والفلاحين الذين لا غرض لم ف الزيارة» 
إذ لا قصد لم إلا ثي الكراءء وليس في بلاد الحجاز مكانا أشد حرأ من هذه 
الخيوف فيما علمنا. ووحدنا هناك بركة عظيمة بجديدة بناها أمير الاج الشامي 
ذات ماء غزير قد صنعت وراءناء وما كنا رأيناها قبل ذلك» أعانت الناس ف سقى 
الإبل وملء القرب» ولولا هي لأفناهم وإبلهم العطش؛ لأن ماء القرية الي يتزل يما 
الحاج وحدناه قد غار» ورحع الناس إلى البركة فسقوا واستقوا وعزموا على 
الرحيل» ثم بدا هم المبيت لكثرة الموتى والمرضى» ترى الرحل عشي في حوائجه 
فتغيب عنه ساعة ثم يقال لك: قد مات» وذلك» والله أعلم من شدة الحر وكثرة 
شرب الماء» مع التعب المفرط» فتنفرط قلوهم؛ والله يعافينا. وف هذه القرية مسجد 
حامع ببناء متقن بحري العين من تحته من بناء الأمير رضوان» رحمه اللها0» وكم له 
ف طريق الحج من مآثر ومعالم تدل على علو مته. 

ثم ارتحلنا من حديدة وحئنا وقت الغذاء للنازية!» ووحدنا بأوطا سبيلا فيه 
ماءء وتنا لمسجد الغزالة۴» وهو من المساحد التي صلى فيها النبي» صلى الله عليه 
وسلې» > وهو الْمسَّمّى عند المؤرخين عسجد عرف الطيبة) وأناخ الناس فيه حى 
أفطرواء ثم سرنا صاعدين مع الوادي حى أنينا بئر الروحاء قبل الظهر وأنخنا فيه 
ساعة واستقينا منه ماء قليلا لأن بثره طويل وماؤه ضنين» وهو حلو وحوله بركة 
عظيمة قد تعَطّلت» وبقرها مسجد وثيق البناء صحيح» ولو قيض الله لذلك 
الموضع من يعمره لكانت فيه إعانة للحجاج؛ (ولكن الله يفعل ما يريد)©. وقد 
ذكر السيد السمهودي قريباً من البثر مسجداً من مساحده» صلى الله عليه 
وسلما» ولا أدري هل هو البي الآن أو غيره» وقد تأملت فيما قرب من البئر فلم 
أرَ أثر مسجد غير هذا. ثم سرنا منه واشتد الخر وحعلت الإبل تدخل ف الشجر 


)1( الأمير رضوان بن عدد الله الغفاري» أمير الحاج المصري» قال المحبي: وله الآثار الحسنة في طريق 
الحاج المصري والحرمين وكان حسن السيرة مكث نيفا وعشرين سئة أميرا على الحاج» كانت وفاته س4 
6 ه: خلاصة الأثر 165:2. 

(2) النازية: عين ماء: كتاب أسماء جبال تهامة» ص: 34. 

(3) يقع مسجد الغزالة كمأ حدده السهودي ‏ في آخر وادي الروحاء مع طرف الجبل على يسارك 
وأنت ذاهب إلى مكة: وفاء الوفا 433:3. 


(4) البقرة: 253. 
(5) وفاء الوفا 432:3. 


-366 - 


وتطلب الظل وتمتنع من المشي» ولو ضربت فيسير الناس ساعة ثم يقفون» ومات 
أناس آخرون» و لم نترل حي قربنا من شرف الروحاء وهو المكان المسمى الآن 
قبو ر الشهداء قبا العشاء بقلي . ولما قرب الفجر ميت بنا قافلة أها المدينة اله 
بقبور الشهداء قبل العشاء بقليل. ولا قرب الفجر مرت ب هل المدينة الي 
حاءت من مكة وهم يسيرون ليلا. 


ثم ارتحلنا بعد طلوع الفجر وحثنا لقبور الشهداء عند طلوع الشمس» وقد 
ذكر بعض الناس أن قبور الشهداء الذين يسمى يم المكان قوم قتلوا هناك ظلما!". 
وقد ذكر أيضا السمهودي مسجدا من مساحده عليه السلام بشرف الروحاء#» 
وهناك مكان محوط عليه بحجارة شبه مسجد يزوره الناس» وأظنه هو. وقي شرف 
الروحاء آثار آبار معطلة وبنيان داثر» وقد كانت في القدم هناك قرية و لم يبق الآن 
كا شىء من ذلك وقد وحدنا هناك سبيلا آخحر مبنيا تحدد وراءنا فيه بعض ما 
وحوله ناس من الأعراب يبيعون الماء والعلف» وأخبرنا أن وراء الحبل بلدا خال فيه 
آبار وبعض نخيل» وأظنه السقياء فما قريب من شرف الروحاء. 

فلما حاوزنا شرف الروحاء وجدنا قافلة المدينة ال مرت بنا ليلاً نزت 
أمامنا وتحاوزناهم حي جتنا الموضع المسمى بالعريش» فأناخ الناس حي أفطروا 
وساروا ثي يوم حار عازمين على دخول المدينة المشرفة في ذلك اليوم» ولم يعباً 
الناس ولا إبلهم عا لقوا من شدة الحر في ذلك اليوم لشدة الفرح الذي استولى 
على المرح» وإذا عمرت القلوب بالمسرات ذهلت الأحسام عما تلاقي من 
المضرات» وإذا تنغمت بروح القرب الأرواح» لم تبال عا حصل من المشقة 
الأشباح» وأي مسرة أعظم من الدنو من دار الرسول؟ وأي لذة أهنا وأمرا من 
تنشق نسيمها الذي هو غاية المئ والسول» فلعمري لقد انتعشت الجسوم بعدما 
ذبلت» وطلعت هموس الأفراح بعدما أفلت» وانبسطت أنوارها من القلوب إلى 
الوحوه فأشرقت» وسرى إحلاها وإكبارها من الأفئدة إلى الرؤوس» وأطرقت 
وظهر آثار النشاط والمرح في الركائب» فأسرعت وخحفت من دون حاد ولا سائق 
وأوضحت» وكان ما يلفحها من ”موم الرمضاء نسيم السحر» وكان عرفها 
السائل مع الأعناق بليل المطر» لا تلوي إلى ممرة حضراء» ولا تألوا ما أسرعت في 


(1) أنظر: وفاء الوفا 429:3. 
(2) شرف الروحاء» يقع على ميلين من السيالة قبلهاء ويسمى مسجد الشرف» وبين السيالة والروحاء أحد 
عشر ميلا: وفاء الوفا 428:3. 


- 367 - 


مومات براع وعندما شاهدت من صنيعها الغريب» ترغعت فوق الأكوار 
وأنشدت!0: 


[طويل] 


خليلي ما للعيس في مسيرها تعدو 
أن لماعلمًايقيابأنها 
لذلك ) تجرَغإحرأصابها 
فلا تعجبوا من علويهاباقترابها 
ففضل رسول الله في الكونٍ ظاهِر 
وأنواز أرض جلها قد تلألأت 
دئت فدكت أعلامّهافبًّدانا 
عليها من الرحمن أزكى ئحية 
تكاذُ من الأشواق أروا الما 
ولولا الذي قد عاقها من جُسومنا 
وكنا نظن القرب يذهب بعضَ ما 
ولم لا وءان الوضل محكم ذكرها 
تاح لناالرحمنْ فيهاإقامة 
بجاو حبيب الله أفضل من به 


عليه صلاة الله ما دام وصلةٌ 


ومن قبل أعيّت من يسوق ومن حو 
لقب رسول الله قد أصبحَت تعدو 
كما جعت بالأمّس إذ مسها الجهد 
وليس لما بالدار من قل ذا عهد 
أقرت به العجماء والحجَرٌ الصلدٌ 
أحسّت ها الأبصارٌ والعظمٌ والجلد 
من الشوق في الأحشاء ما لم يكن يبدوٌ 
تدوم دوامامالآخحروحد 
تطيرٌ وإ تجرَغ وأن ها كد 
لطارّت ولكن الجسومٌ لما تيد 
ها فإذا بالقرب زادَ لماالوجد 
غدا نايخا ما كان يقرؤة البعد 
بخير إلى أن يحوي اللجسد اللحد 
توسل من مغنو اللجد واليد 


مو ا : 
يزيدٌ له شوقى إذا ذكرت نجد 


وما قلته 2 ذلك اليوم أيضا وحن سائرون وبأجنحة الشوق طائروة» 
والناس بين قاتل: لا نبيت الليلة إلا إلى المدينة» وقائل: بل نبيت وغدا ندحلها 


)1( وردت القصيدة في: الثغر البامدم» ص: 82. 


- 368 - 


سكينة وهواي مع القائل الأول» وأعرضت عن النان وما تأولء» فأنشدت 
مرتحخلاء وكنت من المبيت دوا وججلا(0: 
[طويل] 
هنئيالقلبى هذه داز يدي دنت فدنت كل المسرة من يد 
وقد كنت أقصى الغرب أطلبُ وقفة ٠‏ من الله قبل الوت في خير مشهلٍ 
وأرجُو وصالا مذ سنينَ كثيرّة فها أنذا أرجوة في اليومأوغد 
جديرٌ من قد نال ما نلتُ أن رى له جلسة من فوق هامّةٍ فرقد 
لأعلام دار المصطفى هذه التي نشاهِدُها من ربوةٍ فوق فرق 
كأن ثراها مسك داري والحصى ‏ 0 فراقِدٌ درفني قلادةعسجد 
إذا عايتئت أعلام طيية مُقلتى ترح جسمي كاهتزاز 1 لهند 
وم تزل ذلك اليوم في أرغد عيش» وإن كان لأحل الشوق غير خال من 
الطيش» لا تسمع الآذان إلا الحبيبة مسكن الحبيب» ولا تشاهد الأعين إلا مشاهد 
تحن إليها بنسب قريب» والزوار في كل واد يهرعون» وإلى الارتقاب فوق كل 
مرقب يسرغو 0ن ليشاهدوا بعض تلك القباب فتمتع العين قبل تع الجسم 
بالدخول من الباب» وأول مكان ترى منه قباكا وأسوارهاء وتشاهد منه بالبصر 
والبصيرة أنوارهاء الخبل المسمى عفرح. إذ لا يبقى بعد الصعود إليه هم مبرح» 
فتسار ع الناس عند الدنو منه صعوده. وتباشروا برؤية مترل الرسول وشهوده فلم 
يتخلف عن الصعود إليه إلا من لا قدرة له عليه» وف ذلك قلت هذه الأبيات 
00 78 5 - 
ذاكرا لبعض العا م الى هي للقرب من أصدق الايات: 
[كامل] 


يا صاحبى تلت المنى فامش ودنوت من دار الرمُول الأطه 
جي متیر من ار : ٍ 


)1( وردت القصيدة في: اأثغر البادم» ص: 82. 
(2) دارين: قريب في بلاد فارس على شاطئ البحر» وهي مرفأ سفن الهئد بأنواع الطيب» فيقال معدك 
دارين وطيب دارين: معجم ما استعجم 538:2. 


- 369 - 


وبدت معالم طيية لك فاستمع 
هذامفرح كاهو وكأنة 
وأمامّةٌ البيداء يسطع نوها 
وعلى ينك قد بدا عِيرٌ رى 
وأنخ ركايّك بالْحرس إِنهٌ 
واحد الركاب مع العقيق مُنعما 
ياحخذاأنراأ ينا 
وإذا تيت لحرةغرية 
ودنا النقا ودا المصلى فاغتبط 
واترّلك قباء عن يمينك واجعلن 
واصمد تُجاهك يعترضكك مُهنيا 
مابعد ذا إلا الدغول لطيية 
يهديك للحرم الأمين شذاهٌ من 
وعن الصلاةٍ على الني مُسَلما 
واعلم بأنك إن وقفت مُصليا 
في روضةٍ من جن مُتقلبا 


تغشاكَ من رمات ربك تفحة 


أوصافها من صادق لك مُخبر 
ياقوت ة رمت بذائب عبر 
لبصائر الروار هل من مُبصير 
بالقرب كالثور العقير الأعففر 
مارك و فو فير 
عينيك في ذال المكان اليّر 
ونه" جبل جيل افر 
صيغت جوانبها يسك أذْقَرٍ 
وعلوت غاريّها علو شمر 
القرب من أمثلٍ المفساخرٍ وافخ ر 
ميلعًا فويتك في الجناب الأ سر 


بطحان دور مناخة والقصر 


باب السلامٌ أدخلة دون كصبر 
مهما قربت لدارو لا تفر 
ما بين روضة سُيدي والمبر 
هي أرضّهافي طاهر ومُطهر 
تحظى يما دُنا ويوم الحشر 


(1) إشارة إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد: هذا جبل يحبنا ونحبه» على باب من أبواب 
الجئة: المعجم الأوسط 315:6. 


- 370 - 


فلأنت بينهما يقينا واقف 
فإذا وقفت أمام وجونيه 
فهناك تستجلى البصيرة إن صفت 
فعرى العولِمَ كلها بجمّانها 
أصل الوجودٍ ومنبعٌ بع الجودالذي 
نورٌالإلهو بها ستارٌعبهادةٌ 
حموذ كل الخلق أحّمد حامد 
صلى عليه الله حير صلاتةٍ 


مابين ج:ةعدنه والكوثر 


حياك بالرضوان منهالأكئّر 


أصل الجمال بدا بأعظم مظه ر 


وجلالها حضرت بأقدس مخضر 
عمَالمظاهِرَ في هيع الأعصر 
نيا وأخرى ذي الحا الأزمّر 
و محمد بحقامحَمٌ وٍأشهر 


والآل والأصحاب أكرم معشر 


ولا تحاوزنا حبل مفرح غلوة!؟ أو غلوتين» وصلنا إلى منتهى أبعد الحرمين» 
وهو حرم الشجر الذي هو بريد قي بريد» وحده طرف البيداء الي يما الهموم تبيد 
وقطعناها بفرح وسرور ونشاط وحبور» وحئنا وقت العصر إلى ذي الحاليفة وقد 
نسي كل إلف من شدة السرور أليفه» وهي البطحة المباركة المكينة وميقات 
ساداتنا أهل المدينة» وفيها الرس الذي أمر البي» صلى الله عليه وسلم 
بالتعريس فيه فنحن في ذلك نقتفيه» فأنخنا بجا حى تطهرنا وصلينا الظهرين جماعة» 
وذلك في أقل من ساعة» وآثرنا الركاب نحثها حثاء وتيممنا المدينة ولم نطق دوا 
لبتاء وأغنانا التمتع عسارح العقيق عن مساءلة الخل والرفيق» فوصلنا الخرة الغربية 
عند المغرب» وكان مرأى ومسموع لنا مطرب» ولم نترل مع ركب أصحابنا 
المغاربة إيثارا للدنو من الحرم والمقاربة» فعدلنا بعدما تحاوزنا بُطحان ذات اليمين» 
ودرنا مع سور المدينة الأمين إلى أن أتينا باب البقيع» وحللنا في حمى أهلها المنيع» 


(1) الغلوة: قدر رمية بسهم: لسان العرب: غلاء 

(2) نو الحليفة :تصغير حلفة وهي ماءة بين ڊني جسم بن بكر بن هوازن ويين ڊئي خفاجة العقيليين رهط 
توبة» يدنه ويين المدينة ستة أميال وقيل سبعة» كان منزل رسول الله صلی الله عليه وسلم إذا خرچ من 
المدينة لحج أو عمرة» فكان ينزل تحت شجرة في موضع المسجد الذي بذي الحليفة اليوم» فإذا قدم راجعا 
هبط بطن الوادي» فاذا ظهر من بطن الوادي أناخ بالبطحاء التي على شفير الدار الشرقية, فعرس حتى 
يصبح فيصلي الصبح: معجم ما ادتعجم 464:1. 

(3) المعرس: مسجد ذي الحليفة على سستة أميال من المدينة» كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرس 
فيه ثم يرحل لغزاة أو غيرها : معجم البلدان: المعرس. 


- 371 - 


ودخلنا منه بعد العشاءء وأذهلنا الالتذاذ بذلك عن طلب العشاء ونزلنا برباط 
سيدنا إ“ماعيل بن حعفر الصادق!؟ مستجيرين بحماه من كل سارق وطارق إلا 
طارقا يطرق بخير» أو زائر يهي بانتهاء السير» فألقت عصاها واستقر ها النوى؛ 
كما قر عيناً بالإياب المسافر» وقد تيممنا بالنزول بحوار هذا السيد الحليل والإمام 
الأصيل» عظيم من عظماء أهل بيت الرسول» كريم يبلغ بجواره الم والسول. 


(1) إسماعيل بن جعفر بن سليمان بن على بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب» أبو الحسن» كان من 
وجوه دلى هاشم وافاضلهم» وتوفى دبغداد سنة210 ه: تاریخ بخداد: 6: 260. 


-372- 


ذكر دخولنا" المدينة المشرفة 
على ساكنها أفضل الصلاة والسلام 


كان دخولنا للمدينة المشرفة ليلة الخميس الثانية من حرم فاتح عام ثلائة 
وسبعين وألف» وبتنا تلك الليلة بالرباط المذكور» فمنا من زار ومنا من تأخخر إلى 
الصباح» لأن الحرم الشريف بعد صلاة العشاء يغلق ولا يكون له إلا قرب الفجر 
انفتاح. وكنت فيمن أخَر الزيارة لشغل البال» وضيق الوقت ومزاحمة الأشغال. 
فلما كان قبل الفجر بقليل اغتسلت وذهبت إلى المسجد الأثيل» وصليت في روضة 
الحنة» وعظمت علي من الله اة وزرت أكرم نبي وأفضل رسول» وسلمت عليه 
وعلى صاحبيه الفائزين من قربه بأعظم مأمول» وصليت الصبح بذلك الحرم 
وكرعت في مناهل الفضل والكرم. ثم رحعنا إلى محلنا ومحط رحلناء وأخصذنا في 
أهبة ا حاورة» وانقطعت بيننا وبين أصحابنا في ذلك المحاورة» وما كان شيء أهم 
إلي ولا أشد علي من إقسامهم علي بالبي» صلى الله عليه وسل بين يديه على 
ترك اججحاورة لديه» كنت أتخرّف منهم ذلك قبل الوصول» وففيت من توهم ذلك 
منهم أشد النهي مخافة التورط في سوء أدب يعسر الانفكاك منه بعد الخصول» 
فسلم الله : من ذلك ووقانا شر ما هنالك» وأذعنوا للتفرقة بعدما علموا من الخبرء 
وما يغين الحمد لولا مساعدة ابحد. 

وأقمنا يوم الخميس ويوم الجمعة» وي ليلة السبت نزل الركب المصري ليلا 
وأقام أصحابنا المغاربة معه في المدينة يوم السبت» وبلغ الله أمنيتهم في إقامة ثلاثة 
أيام صحيحة بالمدينة وأربع ليال» فقرت أعينهم بذلك» وكانوا تخوفوا إزعاج 
المصري إياهم عن الإقامة» كما هو شأنه في غالب السنين» فلا يقيمون إلا يوما 
واحدا. وقي هذه السنة أشغلهم عن ذلك ما وقع بينهم من الاختلاف» فقد حاءت 
كتب من مصر بعزل الأمير إبراهيم وتولية أبي الشوارب مكانه وأبى الأمير 


(1) ساقط من ط. 


-373- 


المعزول أن ينقاد لحكم العزل حى كادت أن تكون فنة» (ولكن الله سلما 
فاستسلم للأمر الوارد» وسلم احمل الأمير عبدان» وكان حج معه وأقام هو 
بالمدينة إلى أن توثي ما بعد شهر أو أزيد» ورحع أولاده وخخدامه ومن كان معه إلى 
مصرء وكانوا يرون أنه مات مسموما ودفن بالبقيع» فتمت نعمة الله عليه ببركة 
حسن طويته» وكانوا أرادوا إهانته بالعزل» فكان له سبب الفوز بأكرم الترل» 
فأهله الله للموت بالمدينة» وتلك منقبة عند الله مكينة. 

ولا كان صبيحة يوم الأحد تيأ الركب المغربي للخحرو ج» وخحرج أصحابنا 
ضحى وودنتاهم باجا أمام الوحه التبري» وم ترد معهم ورأيت. أن ذلاك مر 

ثق في الوقت» وأن التوديع أمام وجه النبي» صلى الله عليه وسل > أدعى التصول 
لرا وي ؛ ولرؤيته» صلى الله عليه وسل ما يلاقي الكل منا من فراق الآخبرء 
كل ذلك طاباً الحصول مرضاة الله ورسوله» فعسى نفحة من نفحات حوده الى فی 
ضمنها خير الدنيا والآخرة تب علينا وعليهم. وقلت عند وداعهم بعد قضاء الحق 
الواحب من السلام عليه صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إن هؤلاء إخواننا 
نسبا وديناء وقد علم الله ما بيننا ويينهم من الألفة والمودة» وما حملنا على فراقهم 
طلب دنيا ولا حاه» بل حب بحاورتك» ولا طافت أنفسهم بتخلفنا عنهم أيضا إلا 
لإحلال قدرك فهم يي كفالتك يا رسول الله حي يصلوا إ إلى أهليهم سالين 
غامين» كما أن في حوارك دنيا وآخرة حى نلقاك على الحوض مطمئنين آمنين. 
وقد كمل الله رغبتنا فيهم وفيناء فبلغوا على أحسن حال» وأقمنا على أجمل المراد 

حي أقر اله أعين الكل بعد ذلك بالاجتماع في أوكانناء فنسأل الله أن يتم نا 
البقية بالسلامة والعافية ديناً ودنيا وع علينا بالعود إلى تلك البقاع الشريفة 
والموت ها على الملة الحنيفة. 

ولا حرج أصحابنا وودعناهم وأيسوا منا كما أيسناهم» حَدّدنا التيات 
وأخلصنا لله قدر الطاقة الطويات» واطمأنت القلوب» وانزاحت بفضل الله 
الأحزان والكروب» ورجعنا إلى الزيارة بقلوب من سوى ما هي بسببه فارغة» 
وترادفت علينا أنعم من الله سابغة. وفي صبيحة يوم الاثنين خرحنا لزيارة أهسل 


البقيع؛ رضوان الله عليهم. وتتبعنا الأماكن المشهورة هناك. وکا 2 الأيام الي 
أقمنا قبل ذلك إا نزورهم جملة لاشتغالنا بأسباب الانفصال والاتصالء فلما 


(1) الأنفال: 43. 


- 374 - 


اطمأنت بنا الدار» وبلغنا الأوطارء أتيت الديار من أبواكا» وقصدنا المسيبات من 
جهة أسباكاء فخرج معنا الناسك الزاهد أقدم المحاورين في تلك الديار هجرة 
وأكثرهم لما فيها من المشاهد خبرة الشيخ محمد الفزاري المالكي وأوقفنا على 
المشاهد كلهاء وأرانا حليها وخفيهاء ودعونا الله عند كل مشهد عا نرحو قبوله لنا 
لإحواننا ولأحبابنا الذين حلفناهم ف بلادناء ولمشايخنا وذرياتنا نسأل الله أن يعود 
بير كة ذلك علينا وعليهم في دنيانا وآحرتنا. وقد استوق السيد السمهودي في 
تاريخ المدينة ذكر المشاهد الظاهرة بالبقيع أحسن استيفاء» فليراحعه من أراد 
تحقيق ذلك ولنذكر نحن بعض المشاهد ممن زرناه» وإلا فمقيرة المدينة لا مقبرة 
على وجه الأرض أشرف منها بالإجماع» فهي خارحة من الخلاف الذي في 
تفضيل المدينة على مكة؛ إذ لا تعلم مقبرة على وحه الأرض مثلها دفن فيها من 
سادات هذه الأمة وأفاضلها من الصحابة» حصوصا الخلفاء وأزواج النبي» صلى 
الله عليه وسلې > وأولاده وأكابر أهل بيته وسادات التابعين وتابعيهم بإحسان» فهم 
أول زمرة تحشر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم» فيهم خلفاؤه وأعمامه 
وعماته وبناته وولده إبراهيم وأزواحه وأكابر أهل بيته والجم الغفير من أصحابه 
وأنصاره وأولادهم وأتباعهم» فلا يشك مسلم أن ليس ف أمة البي» صلى الله عليه 
وسلم» أفضل من الزمرة الي تبعث من المدينة. وقد روي عن الإمام مالك» رضي 

الله عنه» أنه قال: دفن بالمدينة أكثر من عشرة آلاف من الصصحابة!©) وكار شهداء 
اح وليس ف غزواته» صلی الله عليه وسلم» أكثر من هذه الغزوة شهيدا» ا 

شهداء الخندق» ويها شهداء الخرةل» وليس فيمن استشهد ثي الفتن بعد الني» 


(1) في ط: بركة. 
(2) أنظر: وفاء الوفا 307:3. 

(3) وفاء الوفا 300:3 

(4) كانت غزوة الخندق في شوال سنة خمس» وكان سببها فيما قيل أن نفرا من اليهود حزبوا الأحزاب 
على رسول الله فخرجوا حتى قدموا على قريش بمكة» فدعوهم إلى حرب رسول الله كما دعوا إلى حربه 
غطفان من قيس غيلان» فخرجت قريش وقائدها أبو سفيان بن حرب» وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن 
حصنء فلما سمع بهم رسول الله وبما أجمعوا له من الأمر ضرب الخندق على المدينة» وكان الذي أشار 
على رسول الله بالخندق سلمان رضي الله عنه: تاريخ الطبري 90:2. شذرات الذهب 11:1. 

(5) كانت وقعة الحرة سنة 3 هه وناك أن اهل المدينة خرجوا على يزيد» فجهز لهم مسلمة بن عقبة» 
فخرجوا له بظاهر المديئة بحرة واقم» فقتل من أولاد المهاجرين والأنصار تلاثمائة وستة أنؤس» وعددا من 
الصحابة رضوان الله عليهم» وئلك لثلاث بقين من ذي الحجة» وهجر المسجد النبوي فلم رصل فيه جماعة 
أيأماء ولم تمتد حياة يزيد بعد نلك ولا أميره مسلم بن عقبة: شنرات الذهب 69:1. 


- 375 - 


صلی الله عليه وسل أكرم منهم شهادة» وكم فيها من مآثر ومشاهد يعلم بعضها 
بالنظر في تآليف من ألف في فضلها. 


ذكر المشاهد التي زار بمدينته عليه السلام 


فأول ما يلقاك من المشاهد إذا حرحت على باب المدينة المسمى يباب البقيع 
قبة فيها صفية بنت عبد المطلب!2 على يسارك وأنت ذاهب في الزقاق الذي في 
وسط البقيع إلى ناحية المشرق» وإن ملت إلى اليمين مع سور المدينة فهناك مسجد 
صغير قيل إن فيه موقف البي» صلى الله عليه وسلم» حين خرج يستغفر لأمل 
البقيع» وقيل: هو زاوية دار عقيل بن أبي طالب الي دفن فيهاء وفيها دفن كثير 

من أهل البيت. روى خخالد بن [عرفطة] قال: كنت أدعو ليلة إلى زاوية دار عقيل» 
فر بي حعفر بن محمد فقال لي: أعن أثر وقفت هنا؟ فقلت: لا. قال: هذا موقف 
نبي الله بالليل إذ خر ج يستغفر لأهل البقيع» قال المراغي: وقد أخحبرن غير واحد أن 
الدعاء هناك مستجاب68, 


فإذا مررت كذلك تحت سور المدينة يميا إلى أن توازي قريباً من زاوية سور 
المدينة الذي فيه مشهد السيد إتعاعيل فهناك عن يسارك القبة الكبيرة المائلة في 
المواء وفيها مشهد العباس ومشهد الحسن بن علي» ومشهد أمه» رضي الله عنهم 
على المشهور» ومشهد زين العابدين" ومحمد الباقر» وحعفر الصادق» وكثير من 
أهل البيت. وبين هذا المشهدٍ وزاوية إدار عقيل مشاهد متعدّدة إلى حهة المشرق» 
منها مشهد أمهات المؤمنين» يُروى أن فيه أمهات المؤمنين كلهن عدا خديحة 


)1( صفية بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمية أم الزبير عمة التبي صلى الله عليه وسلم. 
تزوجها الحارث بن حرب بن أمية أخو أبي سفيان فولدت له ثم خلف عليها العوام بن خويلد بن أسد بن 
العزي فولدت له الزبير بن العوام والسائب عبد الكعبة ثم لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسلمت صفية 
لما ألم حمزة شقيقها وليس في إسلامها اختلاف بخلاف إخوتها وهاجرت إلى المدينة مع ولدهاء»وعاشت 
صفية إلى خلافة عمر فماتت تت ودفنت بالبقيع ولها ثلاث وسبعون سنة :رواة الآثار 99:1.الإصابة 743:7. 
)2( عقيل بن أبي طالب الهاشمي» هو أكڊر إخوته وآخرهم موتا وهو جد عبد الله بن محمد بن عقيل 
المحدث» شهد بدرا مشركا وأخرج إليها مكرها فأسر ولم يكن له مال ففداه عمه العباس» خرج عقيل 
مهاجرا في أول سذة ثمان وشهد مؤتة» توفي في زمن معاوية: سير أعلام النبلاء 1 . 

)3( وفاء الوفا 3 

(4) زين العابدين: على بن الحسين بن علي بن ابي طالب الهاشمي» ولد سنة تمان وثلاثين بالكوفة» وتوفي 
سنة 94 ه: شذرات الذهب 104:1. سير أعلام اأنبلاء 386:4. 


- 376 - 


وميمونة» وهو في قبلة المشهد المنسوب لعقيل. ومنها المشهد المنسوب لعقيل وفيه 
قبر ابن عمه أبي سفيان بن الخرث. روي أن عقيل بن أبي طالب رأى أيا سفيان بن 
الحرث يجول بين المقابر فقال: يا ابن عمي» ما لي أراك هنا؟ قال: أطلب موضع 
قبر» فأدحله داره» وأمر بقبر فحفر في قاعتهاء فقعد عليه أبو سفيان ساعة ثم 
انصرف» فلم يلبث إلا يومين حي ويي وذفن فيه. 

ومنها مشهد يقال إن فيه بنات النبي» صلى الله عليه وسلم» > ما عدا فاطمة) 
رضي الله عنهن» وهو قريب من مشهد عقيل» ولا شك أن من مات من أهل بيت 
البي» صلی الله عليه وسلې » ف حياته يدفنه قرب قبر عثمان بن مظعون" لما ورد 
فل الأحاديث الصحيحة أن النبي» صلى الله عليه» وسلم لا مات عثمان بن مظعون 
وضع عند رأسه حجر وقال: أعلم به قبر أي وأدفن إليه من مات من أهلي. 
وهذا المشهد قريب من ذلك. 


ومنها مشهد سيدنا إبراهيم بن النبي» صلی الله عليه وسلې» فيه قبره وقبر 
عثمان بن مظعون» فقد جاء في الحديث أن أول من دفنه رسول الله صلى الله 

عليه وسلمء بالبقيع عثمان بن مظعون» فلما توق ابنه إبراهيم يم قالوا: يا رسول الله 
أين نحفر له؟ قال: عند فرطنا عثمان بن مظعون. وف الحديك ما يدل علي أن 
نات النبي» » صلی الله عليه وسلم» » حداف فقد روى العلعران عن ابن عباس + مانت 
مظعونا"» والثابت ف الصحيح أن البي صل الله عليه وسلم م يمضر موت ابعه 
رقية لغيبته ف بدر) وأنه -حضر ابنته أم كلثوم وزينب. قال السيد السمهودي: 
وأصل المروي في الطبران وارد في أحدها. ثم قال: والظاهر أنمن جميعا عند عثمان 
بن مظعون لقوله» عليه السلام» لما وضع الحجر عند رأس عثمان بن مظعون: أعلم 
به قبر أحي وأدفن إليه من مات من أهلي!7» رواه ابن ماحة والحاكم. 


(1) عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب الجمحي» من الصحابة» وأول من مات بالمديئة من المهاجرين: 
السئن الكبر ى 412:3. 

(2) المعجم الأوسط 169:4. 

(3) سئن البيهقي الكبرى 412 :3. 

(4) وفاء الوفا 270:3. 

(5) المعجم الأوسط 41:6. 

(6) وفاء الوفا 273:3. 

(7) سنن البيهقي الكبرى 412:3. 


- 377 - 


وف ذلك المشهد أيضا قبر فاطمة بنت أسدا" أم علي» رضي الله عنه» كما 
حققه السيد واستدل لذلك بأحاديث ثم قال: وهذا [كله] © صريح في مخالفة ما 
عليه الناس اليوم قي المشهد المنسوب إليه۴. قلت: والمشهد المنسوب إليها اليوم في 
فم زقاق أقصى البقيع من شرقيه» بل ئيس من البقيع على ما حقق». وي هذا 
المشهد أيضا قبر عبد الرحمن بن عوف» رضي الله عنه فقد روي عن حميد بن عبد 
الرحمن قال: أرسلت عائشة إلى عبد الرحمن ابن عوف حين نزل به ال موت أن هلم 
إلى رسول الله» صلى الله عليه وسلمء وإلى أخويك. فقال: ما كنت مضيقا عليك 
بيتك» إن كنت عاهدت ابن مظعون أينا مات دفن إلى جنب صاحبها. وف هذا 
المشهد أيضا سعد بن وقاص» رضي الله عنى روي عن ابن دهقان قال: دعان 
سعد بن أبي وقاص فخرحت معه إلى البقيع وخرج بأوتاد حى إذا حاء موضع 
زاوية دار عقيل الشرقية الشامية أمرن فحفرت حى إذا بلغت باطن الأرض ضرب 
فيها الأوتاد ثم قال: إن هلكت» فدطم على هذا الموضع يدفنوني فيه فلما هلك 
قلت ذلك لولدم فخرجنا حي دللتهم على ذلك الموضع فوحدوا الأوتاد فحفروا 
له هناك. وقي هذا المشهد أيضا قبر عبد الله بن مسعود» فقد روى ابن سعد ف 
طبقاته أن ابن مسعود قال: ادفنون عند قبر عثمان بن مظعون"©. وق المشهد أيضاً 
قبر خنيس بن حذافة السهمي" زوج حفصة قبل النبي» صلى الله عليه وسلم فقد 
روي أنه دفن عند عثمان بن مظعون» وفيه أيضا قبر أسعد بن زرارة رضي الله 
عنه. قال السيد السمهودي بعد ذكره لا تقدم مبسوط بأدلته: فينبغي السلام على 
هؤلاء كلهم عند زيارة مشهد سيدنا إبراهيم ومعه فاطمة بنت رسول الله صلى 


)1( فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي وهي أول هاشمية ولدت هاشميا وهاجرت إلي النبي 
عليه السلام» وماتت وشهدها ابي صلی اللہ عليه وسلم: فضائل الصحابة 555:2. سير أعلام النبلاء 
118:2. 

)2( زيادة من وفاء الوفاء 

)3( وفاء الوفا 274:3. 

(4) قال صاحب كتاب التحفة اللطيفة: مشهد فاطمة اينة أسد أم علي وجعفر وعقيل وهو شامي مشهد 
عثمان من جهة الشرق هكنا يذكر» والأقرب أنها عند عثمان بن مظعون» وأن الذي بهذا المشهد قبر سعد 
بن معاذ الأشهلي: التحفة اللطيفة 42:1. 

)5( وفاء الوفا 278:3. 

)6( طبقات ابن سعد 159:3. والعياشي ينقل هنا من تاريخ السمهودي: وفاء الوفا 2/8:3. 

)7( خئيس بن حنافة السهمي» كان ممن شهد بدراء زوج حفصة قبل الذبي صلی اللہ عليه وسلم: تاریخ 
الطبري 2 . 


- 378 - 


الله عليه وسلم» على القول بأنها بالبقيع» وهو الأرحح؟ انتهى. قلت: وقد تقدم 
أا في قبة العباس مع ابنها الحسن وذريته» وهو الأولى إن شاء الله تعالى. 

ومنها مشهد أمير المؤمنين عثمان بن عفان كوضع يسمى حش كوكب8 في 
أقصى البقيع من ناحية المشرق» عليه قبة عظيمة هائلة قد حدد بناؤها ف هذه 
السنين القريبة العهد» رضي الله عنه» وقي قبلته خارحه محوط من خحشب مخروط 
فيه قبر شيخ مشايخنا (السيد)۴ آدم الحسيئ النقشبندي رضي الله عنه. ومنها 
مشهد ينسب الخليمة السعدية مرضعة البي» صلى الله عليه وسلم» شامي! مشهد 
عثمان إلى حانب الطريق عليه قبة لطيفة» وي خارحه من قبلته دكة محوط عليها 
بأحجار فيها قبر شيخنا صفي الدين القشاشي» رضي الله عنه» وهو الذي اتفذ 
هذه الدكة لدفن أصحابه وكان أصحابه قبل ذلك يدفنون حارج قبة إبراهيم بن 
البي» صلی الله عليه وسلمء وهناك قبور كثيرة من مشايخهم أصحاب سلسلة 
الغوث» رضي الله عن منهم الشيخ الشناوي» وشیخه السيد صبغة الله الحسييئ» 
وكثير من أصحافم. ولا رأى الشيخ» رضي الله عنه» في ذلك المكان من الضيق 
المؤدي ! إلى الدفن على الأموات قبل ذهاب أحسادهم اتخذ هذه الدكة قي انحر 
البقيع» »> وكان فيها مدفنه» رضي الله عنه. ومنها مشهد الإمام مالك بن أنس» 
رضي الله عنه» إذا خرحت من باب البقيع كان مواحها لك على ين زقاق البقيع 
الذي يشق وسطه» وإلى جنبه قبة يقال إا لنافع مولى ابن مت وقيل لنافع 
القارئ» وقيل لبعض ولد عمر بن الخطاب رضي الله عن جيعهم. ومنها المشهد 
المنسوب لفاطمة بنت أسد بأقصى البقيع» وقد سبق عدم ارتضاء السيد ل ذلك. 


)1( وفاء الوفا 280:3. 

(2) حش كوكب: موضع بالمديئة دفن فيه عثمان رضي الله عنه» والحش البستان» وكوكب الذي أطبيف 
إليه رجل من الأنصار» وقيل من اليمن» وكان عثمان ين عفان رضي الله عنه قد اشتری حش كوكب 
ووسع به البقيع» فكان أول من دفن فيه: معجم مأ استعجم 01 

(3) زيادة من ط. 

(4) في ط: مرضعته. 

(5) في ط: في. 

(6) في ط: فيه. 

(7) نافع بن أبي نعيم القارئ» مؤدب مالك بن أنس» توفي هدنه 9 شرف الطالب» ص: 34. 


-379 - 


قال عند ذكره هذا المشهد: والظاهر أنه مشهد سعد بن معاذ الأنصاري!!» رضي 
الله عنه آمين. 


ومن المشاهد الى هي قريبة من البقيع» إلا أنما ليست فيه» مشهد سيدنا 
إسعاعيل بن حعفر الصادق الذي كان نزولنا فيه حسيما ذكرناه أولاء وهو كبير 
يقابل مشهد العباس في المغرب» وهو ركن سور المدينة هناك وبي قبل السور 
فصار بابه من داحل المدينة» والمشهد الذي بجانب المشهد لزين العابدين» وعرصة 
المشهد داره والبئر الذي بين الباب الأول والمشهد بثره وقد ذكر أنه يتداوى ها. 
قلت: وهناك بثر أخرى في الرحبة الواسعة الى هي خارج المشهد يقال إا هي 
الي يستشفى عائها. 


لما قدم ركب أهل العراق!© وكان غالبهم روافض» بل كلهم كانوا يكثرون 
زيارة مشهد السيد إ“عاعيل» رضي الله عنه» كغيرها من مشاهد أهل البيت» 
وكانوا يأتون إليه أفواحا قلما ينقطع زائره منهم أيام إقامتهم بالمدينة» وقد تقدم أن 
نزولنا كان في الرواق الذي في باب المشهد فبينما نحن ذات يوم حالسون إذ 
حاءت طائفة منهم فيهم بعض من يشار إليه منهم» فزاروا وسلمواء وكان من 
جملة سلامهم أن قالوا: السلام عليك يا سيدنا إسماعيل» وبالغوا في تعظيمه إلى أن 
قالوا: نشهد أنك على دين أخيك موسىء يعنون موسى الكاظم» رضي الله عن 
ونشهد أنك غير مخالف له متبع لطريقه. في هذيان كثير» وسبب ذلك والله 
أعلم» أن الرافضة قبحهم الله منهم طائفة تقدم إسماعيل على أخيه» ويقولون إنه هو 
الإمام بعد أبيه» وأنه أحد الأئمة الإثنا عشر المعدودين عندهي يعتقدون فيهم 


(1) سعد بن معاذ الأنصاري» من كبار الصحابة» توفي في السنة الخامسة للهجرة: ششذرات الذهب 11:1. 
سور أعلام اأنبلاء 1 

(2) قال محمد كبريت الحسيني: وفي غضون (شهر محرم) يكون قدوم الركب العراقي» فينزل في مراحه» 
وهو شُمال الغريض من شرقي المدينة, ويكون له سوق هنالك» وتعمر به هاتيك المسالك: الجواهر الثميئة 
549:2. 

(3) في ط: : عن غيره. 

)4( أبو الحسن موسی الكاظم بن جعفر الصادق» من كبار الأئمة والفقهاء» ولد سنة 128 ه» وهو أحد 
الأئمة الإثني عشر المعصومين على اعتقاد الإمامية» حبسه هارون الرشيد في دولته ومات في حبسه سنة 
3ه: شذرات الذهب 304:1. ١‏ 


- 380 - 


العصمة» وهذه الطائفة تُسَمَّى الإسماعيلية» وكثير منهم بأرض اليمن الآن لهم 
مذاهب ينتحلوفاء وآراء ف العقائد يعتقدوفاء ومن سوى هؤلاء من الروافض 
يعتقدون الإمامة لأخيه موسى الكاظم» رضي الله عنه» ويعتقدون أن أحاه لا 
ينازعه ف ذلك ويرون أن السماعيلية كاذبون عليه مفترون في ادعائهم الإمامة له 
ولأحل ذلك يترهون إسماعيل عن مخالفة أخيه» رضي الله عنهماء ومن علم أحوال 
هؤلاء الأئمة من أهل البيت وأسلافهم وأولادهم رضي الله عنهم» وعلم ما كانوا 
عليه من تعظيم السنة ووفور العلم وتعظيم أصحاب حده» صلى الله عليه 
وسلم» علم براءة ساحتهم من كذب هؤلاء الأرحاس وافترائهم عليهم أحاديث 
(ما أنزل الله كما من سلطان)" ولا حاء بها في سنة نبيه من بيان. 

ولما حرحت الطائفة المذكورة من المشهد وحاؤوا إلى البئر الخارحة وقفوا 
عليها وتر هوا ودعوا وقال هم كبيرهم: إن هذه البئر هي التي دحل فيها الإمام 
حعفر الصادق» رضي الله عن فغاب عن أعين الناس إلى الآن» وهم يظنون أنه قد 
مات» أو كلام هذا معناه. وقضينا العجب من حمقهم وقبح اعتقادهم قي الذي آل 
كم إلى تتريههم عن الموت» وذلك معتقد الروافض بأجمعهم في الإمام الثاني عشر 

من أعتهم» وهو محمد بن حسن العسكري!©؛ رضي الله عنه» يعتقدون أنه إلى الآن 
حي وأنه هو المهدي الذي يخرج ف آخخر الزمان الموعود به قي الحديث الصحيح 
أنه علا الأرض عدلا كما ملقت حورا#. قلت: والعجب كل العجب من متابعة 
بعض أهل التصوف في ذلك هم حسب ما نقله سيدي عبد الوهاب الشعراني عن 
بعض مشايخه وأنه احتمع به وأخبره عقدار عمره» وأنه حاوز السبعمائة سنة إذ 
ذاك» بل في كلام بعضهم ما يشير إلى أن الشيخ محي الدين ب يقول بذلك ولولا 
الإطالة لنقلت كلامهم يي ذلك والعلم عند الله. 


فإن صح عن هؤلاء الأئمة أنهم قالوا ذلك فنحن ممن يعتقدهم وييجزم 
بصدقهم فيما يقولون لأنهم خيار الأمة» إلا أنا نكل العلم إلى الله تعالى في فهم ما 


1) يوسف: 40. 
98 الإمام محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي الذي تلقده الرافضة بالخلف وبالحجة وبالمهدي 
وبالمنتظر وبصاحب الزمان» وهو خاتمة الإثنى عشر إماما عندهم» ويلقبونه أيضا بالمنتظرء كان عمره لمآ 
عدم تسع سئنين» وكان ذلك سنة 265 ه: شذرات الذهب 150:1. 

(3) المعجم الكبير 133:10. 
(4) يقصد الشيخ محي الدين بن عربي الحاتمي الأندلسي. 


- 381 - 


ورد عنهم في ذلك إذ ليس في الشريعة قاطع يدل على كذب الروافض في هذه 
المسألة بخصوصهاء وإن كانوا كاذبين في غيرهاء وموافقة بعض أئمتنا الصوفية هم 
في ذلك من حهة الكشف لا يقدح في كمال منصبهم لعدم القاطع ف كذهم ولا 
يدل أيضا على صدق الروافض فيما سوى ذلك» فيما تبين كذهم فيه وافتراؤهم» 
فإن موافقة احق للمبطل في حزئية لا دليل على بطلائما لا يدل على صدق المبطل 
فيما سوى ذلك ولا على كذب الصادق فيما سوى ذلك. وقد وافق كثير من 
الأئمة الحققين أهل الكشف الصادق وآراء الفلاسفة ف حزئيات مما ادعوه لم يقم 
الدليل على بطلانها كما وافق في كثير منها أيضا حم غفير من الحققين من علماء 
الظاهر أهل الكلام» فلا يشكل عليك ما تحده في كلام أئمة الطريق» رضي الله 
عنهم» موافقا للفلاسفة تارة» وللروافض تارة فذلك لا يقع ف كلامهمء غالباء إلا 
فيما لم يقم دليل على بطلان قوطم فيه» وإن فرض فيما سوى ذلك وما أبعده من 
حلالة منصبهم» > فهو مؤول قطعاء فشد يدك على ما قررناء وهذه فائدة ساق الله 
تقريرها في هذا ا محل و م تخطر قبل ذلك تنا ببال. 

ومنها مشهد على يسارك وأنت مار في زقاق البقيع يقال إنه لأبي سعيد 
الخدري!؟» رضي الله عنه» وقد ذكر السيد السمهودي المشاهد الي ذكرنا كلها 
إلا هذا المشهد والمشهد المنسوب لحليمة!» فلم يذكرهما ولا أدري هل حدث 
بناؤهما بعده أو لم يتضح له صحة نسبتهما لمن ذكر» مع أن السيداة قد ذكر أيبا 
سعيد فيمن دفن بالبقيع فروى عن عبد ال رحمن بن أبي سعيد قال: قال لي أبي: يا 
ی إن قل كيرت وهب أسحان سامون فخا ياعي» لالت یلم ات 

إلى البقيع» فجئت أقصى البقيع مكاناً لا يُدفن فيه فقال يا بني | إذا هلكت 
سه فإذا ثبت أن قبره في أقصى البقيع فلا يبعد أن يكون هذا قبره. 
وأما قبر -حليمة فلم أرّ أحدا ذكر أا دفنت بالبقيع» والله أعلم. وعلى كل حال 
فيزار كل مشهد له نسبة إلى منتسب إلى الله أو إلى رسوله» ولو لم تصح نسبة 
المشهد إليه فإن جرد النسبة أثرا في حصول البركة كما قررنا قبل هذا. 


)1( أبو سعيد الخدري: سعد بن مالك» من أعيان الصحابة وفقهائهم» شهد الخندق وبيعة الرضوان 
وغير هم توفي سنة 4هالإصابة 78:3.: شذرات الذهب 81:1. 

(2) حليمة بنت أبي ذؤيب» مرضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم» توفيت قبل فتح مكة: الكامل 356:1. 
)3( وفاء الوفا 307:3. 


- 382 - 


ee 


صميم 

قد بقي من المشاهد الي ذكر السيد" أنها تزار بالمدينة ثلاثة ليست في 
البقيع ا أحدها مشهد مالك بن سنان والد أبي سعيد» وهو من شهداء حك 
رضي الله عنهم» ومشهده ه غربي المدينة بلصق السور من داحله» وعليه قبة قليهة 
البناء ومحله من سوق المدينة القددم. روي عن ابي سعيد» رضي الله عنى أنه قال: 
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلې > من نقل من شهداء أحد إلى المدينة أن يدفنوا 
حيث أدركواء فأدرك أبو مالك بن سنان عند أصحاب العباء؛ أي الذين يبيعون 
العباء في طرف الخناطين» ولابن زبالة: فوافوه بالسوق فدفن عند مسجد أصحاب 
العباء» وهنالك كانت أحجار الزيت6. ثانيها مشهد النفس ال زكية» وهو محمد بن 
عبد الله بن الحسن ابن الحسن بن علي بن ابي طالب» رضي الله عنهم» وهو أخو 
السيد إدريس أول أهل البيت قدوما إلى المغرب» وعامة شرفاء المغرب من نسله إلا 
شرفاء سجلماسة فإنهم من نسل النفس الزكية. استوطن أسلافهم الينبع فقدم 
حدهم منه إلى المغرب يي السابعة» والله أعلم. ومشهده بناء ف حوف مسجد كبير 
شرقي سلع» وي قبلة المسجد منهل من عين الأزرق» وهذا هو المستفيض بين أهل 
المدينة. قال السيدا“: "ذكر سبط ابن الجوزي أن كثيرا من الناس كان قد بايعفى 
فخرج بعد حبسه لأبيه وأقاربه» فجهز إليه المنصور عمه عيسى بن موسى ف أربعة 
آلاف» وذكر قتله عند أحجار الزيت» أي عند مشهد مالك بن سنان» وأن حسده 
دفن بالبقيع» > و کان معه ذو الفقار؛ سيف علي» ثم انتقل إ لى الرشيد» فعلى هذا 
فقبره بالبقیع» والمستفيض ما تقدم والله أعلم. 

وثالثها: مشهد سيد الشهداء حمزة» رضي الله عنه وهو بأحد وسيأن 
ذكره عند ذكرنا لزيارته. فهذه المشاهد المعروفة بالمدينة» فينبخي لزائرها أن يزورها 
ولم على أصحاهها ويتوسل بهم إلى الله قي بلوغ مآربه. 

ولما كان يوم الثلاثاء سابع الشهر ارتحل الركب المصري من المدينة بعد إقامة 
ثلاثة أيام يبماء وكان الحرم الشريف في أيام إقامتهم لا تكاد تسمع فيه صوت قارئ 
(1) أنظر: وفاء الوفا 335:3. 
(2) وفاء الوفا 307:3. 


(3) وفاء الوفا 335:3. 
(4) وفاء الوفا 310:3. 


- 383 - 


ولا مؤذن لكثرة ة اللغط والصحب ورفع الأصوات وازدحام الناس ثي المسجده لا 
ينقطع ذلك ليلا ولا ثماراء لان أبواب الحرم الشريف لا تغلق ماداموا هناك 
ويُكثرون بالليل إيقاد الشموع في المسجد ويجتمع إليهم صبيان أهل المدينة يقرؤون 
هم موالد وقصائد في مدح البي» صلى الله عليه وسلم» وهم محدقون يمحم 
ويسمون ذلك مولد النبي» صلی الله عليه وسلمء يستعدون له من بلادهم بالشمع 
والحلواء» ويدفعون للصبيان أحرة على ذلك» ويقع على أرض الحرم من الشمع 
المذاب شيء كثير لأحل ذلك فيلتقطونه ويجمعونه ويرحعون به إلى بلادهم تَبركا 
به» فتجد منهم في المسجد بالليل جماعات كثيرة على هذا النمط فيكثر لذلك 
الصياح في المسجد واللغط الذي لا ينبغي» لا سيما مع ما ينضاف إلى ذلك من 
ولاول النساء وبكاء الأطفال واختلاط النساء بالرحال. وبالجملة فعوام المصريين 
من أبعد الغوغاء عن إصابة الصواب لولا أن مسجد رسول الل صلى الله عليه 
وسل لا تكدره الدلاء لكانوا حديرين بالمقت بسبب ما يحصل منهم من سوء 
الأدب وسيئ الأقذار في الحرم الشريف. 


أعجوبة : 


حكى لي بعض الحاورين أنه وحد ثل بعض المواسم رحل مع امرأة في الحرم 
الشريف» فحملا إلى الحاکې فشهدت البينة أا زو حته» وقيل له: ما ملك على 
ما فعلت؟ فقال: إنه لا ولد لناء فرحوت أن تحمل المرأة ببركة هذا الحرم» فعذر 
بجهله» و م يُعَاقب. 

وكانت عادة المصريين ليلة رحيلهم من المدينة أن يجتمع أمراؤهم وكراء 
أهل امدينة والأغوات في صحن المسجد ليلاً ويوقد نمع كثر على سك كبار 
من فضة وُشيت بذهب» و تحضرا© جماعة من المنشدين وينشدون قصائد في مدحه 
صلى الله عليه وسلم؛ ويتثر عليهم من اللوز والسكر والأزهار وأنواع الخلاوي؛ 
ويدار عليهم بالأشربة اللذيذة إلى أن عضي هزيع من الليل» وهذه عادة أمرائهم 


(1) حسك: مفردها: حسكة؛ شمعدان: عامية مغربية. 
)2( في 35 يحضر. 


- 384- 


وأمراء الشاميين في ليلة الرحيل. و لم يفعل المصريون شيا من ذلك في هذه السنة لما 
وقع من الاحتلاف والعزل بين أمرائهم كما تقدم شرح ذلك. 
وبعد رحيلهم من المدينة بثلاثة أيام نزل الركب الشامي ليلة السبت» ولقوا 
من الحر في الطريق شدة عظيمة كالذي وقع للمصري قبلهم أو أشد فماتت منهم 
جملة كثيرة ف الطريق» وجملة بعدما وصلوا إلى المدينة. وأقاموا بالمدينة الشرفة 
عشرة أيام وتمتعوا عشاهدة تلك البقاع» ونصبت الأسواق» واتسعت الأرزاق» 
وقسمت الصدقات» وكثرت الارتفاقات. وبالجملة فلا ينتفع أهل المدينة ب ركب 
انتفاعهم بأهل الشام فإنهم يقدمون بتجارات كثيرة وطعام وزيت وأشربة يبيعوها 
ف المدينة عند قدومهم ويدخرون ما بقي إلى الإياب فيبيعون كل ذلك بالمدينة. 
ولأهل المدينة عند قدومهم عادة مذمومة» وهي أنه لا تبقى مخدرة من النساء 
شريفة كانت أو وضيعة إلا خرحت تباشر البيع والشراء بنفسهاء وهن على 
الرحال في ذلك الوقت إناوة يؤدونها هن يبتعن ها ما أحبين من اللائق يمن» من 
طيب أو شبهه» ورعا لا تقنع إحداهن من زوحها | إلا بالخمسين دارا فما فوقهاء 
ا ل ا 
ى السوق على العادق فدفع ها عشرة دنائير ذهباء فاستقلتها وذهبت من شدة 
فرظ رمت يا ف ال حا وأتلفتها عليه فال لها أمثلي يخرج إلى السوق هذا 
القدار» فلم بعلك من أمره إلى أن ذهب وتسلف مسين ديناراً فدفعها ها» وهذه 
حسرة عظيمة وذل للرحال الذين حعلهم الله قوامين على النساى فلا ينبغي لذي 
هة أن يرضى بذلك» بيد أن نساءهم يبالغون في الستر الظاهر بحيث لا يبدو من 
المرأة ولا مغرز إبرة» حي من أطرافهاء يلبسن الخفاف السود ويتبرقعن ويسدلن 
من أزورهن ما يكون كاية في الست إلا من يكثرن من الطيب عند الخروج 
فيو حد عرف الطيب منهن من مسافة فيكون ما سترنه ظاهراً أبدينه باطناء وهذا 
فسر بعض العلماء قوله» صلى الله عليه وسلم: رب كاسية ف الدنيا عارية 2 
الآحرة» لأن الحكم في الآخرة إنما هو للحقائق» ومن هذه صفته من النساء» وإن 
اكتست في الظاهر فهي في الحقيقة عارية لأن حقيقة التعري إبداء ما حقه أن 
ينفى» كما أن التستر إخفاء ما لا ينبغي أن يظهر» ولا حفاء أن عطر المرأة مسن 
أعظم زينتها وألذ ما يُشتهى منهاء وقد أمرت بإخفاء ما هذا سبيله من أوصافهاء 
فإذا ظهر منها ذلك فهي في الحقيقة عارية وإن اكتست» فإن من العورات ما لا 


- 385 - 


تواريه الكسوة ولا يُواريه إلا تركه رأساً أو الخلوة؛ ككلام المرأق فالصحيح أنه 
عورة» وكذلك عطرهاء فلا يواريه إلا تركه» ولذلك حاز ها الطيب المؤنث» وهو 
ما ظهر لونه وخحفي ريه لأن اللون تستره الثياب» بخلاف الريح فلا يستره إلا 
الترك رأساء أو عدم الخروجء فليتأمل. 

وقد من الله على الحجاج الشاميين بطول إقامتهم قي المدينة وإدراك فضيلة 
الصلوات الكثيرة قي المسجد النبوي» واستقصاء زيارة الآثار الشريفة لمن شاء منهم 
الذهاب إلى المساحد المنسوبة إليه عليه السلام والآبار ال شرب منها وتوضأء 
وتلك منقبة عظيمة» خصوصا الصلوات في المسجد النبوي» فقد روى الإمام أحمد 
والطبران في الأوسط ورحاله ثقات» عن أنس بن مالك: من صلى يي مسجدي 
أربعين صلاة» زاد الطبرائ: لا تفوته صلاة» كتب له براءة من النار وبراءة من 
العذاب» وبرئ من النفاقا". ولفظ الصلاة وإن كان شاملا للفرائض والنوافل» 
(فالظاهر من الحديث خصوص ذلك بالفرائض» بدليل زيادة الطبران» لأن الفوات 
فيها أظهر» ولا يبعد إلحاق النوافل) المؤقتة بأوقات معلومة بماء كالوتر و ركعي 
الفجر» وإن ألحقت ها الرواتب أيضاء والضحى والتهجد» خصوصا عند من لا 
یری التحديد بينهماء كمالك رضي الله عنه» اتسع الفضل ورحي حصول ذلك 
الفضل لن أقام يوما واحدا وحافظ على تلك الصلوات في المسجد النتبوي؛ 
كحجاج المغرب فإفهم في بعض السنين قد لا يقيمون إلا يوما واحداء فليتنبه هذه 
الدقيقة وليحافظ عليها من قصر إقامته بالمدينة ليحصل له هذا الفضل العظيم الذي 
فيه سعادة الدنيا والآخخرة. 

ثم حرج الركب الشامي من المدينة على وحل عظيم من العرب الذين .كرون 
كم في طريقهم» وكانوا قد أوقعوا بال ركب وقعة شنيعة في ذهايهم قرب تبوك 
وأحذوا مئين من إبل الركب وأموالا لا تحصىء وقتلوا أقواماء وسبب ذلك أنه 
كانت هم إتاوة على الركب يي كل سنة يأحذونما من أميرهم» كما هو شأن 
أرباب الدرك في كل طريق يعطوفًا من بيت المال» وف هذه السنة عزل الأمير 
الذي كان يأن بال ركب كل سنة» واستبدل به غيره ممن لا يعرف حال الطريق 
وأعراهاء فلما حاءته شيوخ العرب أرباب الدرك لأحذ ما كان هم عادة من عند 


(1) المعجم الأوسط 525 :5. مسند أحمد 155:3 
(2) ما بين قوسين زيادة من ط. 


- 386 - 


السلطنة) ۽ منعهم من من ذلك وأغلظ مم في القول» وظن أن قوة عسكره تحميه منهمء 
ولم يعلم أن من قبله من الأمراء ما تحملوا لم ذلك إلا لعجزهم عن مقاومتهمء 
فراحعوه في ذلك وناشدو فصمم على الامتناع» فلما أيسوا منه شتوا الغارة على 
ال ركب فدافعهم قليلاء فامزم» فنهبوا من الركب شيئا كثيراء فلما رحع لم يخرج 
من المدينة حي بعث نحيبا إلى الشام ليأتيه المدى وواعدهم موضعا معروفا 2 
الطريق» ومع ذلك التزم للأعراب أزيد مما هو عادهم» فسلم الله تعالى الركب 


ولا خر بحت الأركاب من المدينة وصفا الو منهم و#مدت الأسواق واتسع 
المسجد على أهله وزال الزحام من الطرقات والمزارات» تفرغنا لزيارة المشاهد 
والتطواف على الآثار المباركة ولقاء المشايخ. 


ذكر المساجد التي تزار بالمدينة لنسبتها إليه صلى الله عليه وسلم: 


فمنها مسجد قباء"» وهو المسجد الذي سس على التقوى في أصح 
الأقوال» وقيل هو مسجد صلی الله عليه وسلې كما ورد ف حديث» وجمع بأنه 
يطلق على كل منهماء خخرحنا لزيارته يوم السبت الحادي عشر من حرم» واخترنا 
زيارته في هذا اليوم لا ورد ثي الصحيح أن رسول الل صلى الله عليه وسل » كان 
يأ مسجد قباء كل سبت راكباً وماشياً» وكان عبد الله يفعله» يعن ابن عمر. 
وورد يي تل هذا السجد آنل كثيرة عنما ما وي عن سمس رضي ا م أ 
قال: لو كان مسجدنا هذا بطرف من الأطراف الضربنا إليه أكباد الإبل!6. و 
زيد بن أسلم» رضي الله عن أنه قال: الحمد ل الذي قرب منا مسجد قباء» ولو 
كان بأفق من الآفاق لضربنا إليه أكياد الإبل. وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله 
عنه: لأن أصلي في مسجد قباء ركعتين أحب إلي من أن آنْ بيت المقدس مرتين» 


(1) مسجد قباء: يقع على ميلين من المدينة المنورة: الجواهر الثمينة 379:1. 
)2( صحيح البخاري 001 
(3) الطبقات الكبرى 245:1. 


- 387 - 


لو يعلمون ما يي قباء لضربوا إليه أكباد الإبل!". وعنه عليه السلام: الصلاة في 
مسجد قباء كعمرة©. إلى غيرها من الأحاديث والأخبار. 


وكان خرو جنا إليه بكرة بعد صلاة الحنفي» ووصلنا إليه عند طلوع 
الشمس» ووقفنا قريبا منه قليلا ريئما حلت النافلة» فدخخلنا وصلينا في مصلاه عليه 
السلام» وهو إلى حرف الأسطوان الذي في الصف الموالي محراب المسجد عن كين 
المصلي فيه» وهناك أماكن أخر ذكر أنه عليه السلام صلى فيهاء منها قي رحبته» 
ومنها في زاويته الشرقية من الصف الأول. وقد ذكر السيد السمهودي ذلك كله 
وبينه أحسن بيان۴. وخارج المسجد من قبلته موضع يسمونه مسجد علي. قال 
السيد: لعله مسجد دار سعد ابن خيئمة فقد ورد أنه عليه السلام اضطجع فيها 
وتوضاً من المهراس الب فيها. قال: وى قبلته أيضا دار كلثوم بن الحد! الذي 
نزل عليه صلى الله عليه وسلمء لما قدم قباء». قلت: ولعلها موضعه» مسجد 
صغير آحر لم جحد من يسميه لناء وقريبا من مسجد قباء كناسة كبيرة من شرقيه 
يقال إنها مسجد الضرار. 


ولا خرحنا من المسجد دخلنا الحديقة الي فيها بثر أريس» وشربنا من مائهاءٍ 
وسيأن ذكرها في الآبار. وقد زرناء والحمد له مسجد قباء وصلينا فيه مراراً 
متعددة نحو العشر. وق حارج المسجد من ناحيته الغربية رباط كبير مليح مب 
بالحجارة المنحوتة» فيه بيوت كثيرة يسكنها الغرباى وله أوقاف» ومقدمهم القيم 
بأمر الرباط صاحبنا الشيخ صالح بن أحمد اليمئ رضي الله عنه. 


ومنها مسجد الجمعة7)» وهو يي طريق قباء على نحو ميل أو أقل من مسجد 
قباى عن عين الذاهب من المدينة إليها على الطريق الي تمر بين النخل» ومن مر 
على طريق الحرة الغربية فهو عن يساره فقد روي أن النبي» صلى الله عليه وسليى 


(1) فتح الباري 69:3. 

(2) المعجم الكبير 210:1. 

(3) أنظر: وفاء الوفا 158:3. 

(4) وفاء الوفا 159:3. 

)5( كلثوم بن الهدم: ابن امرىء القيس بن الحارث الأنصاري» شيخ الأنصار ومن نزل عليه النبي صلی 
الله عليه وسلم أول ما قدم المدينة بقباء وكان قد شاخ توفي قبل بدر: سير أعلام النبلاء 242:1. 

(6) وفاء الوفا 159:3. 

(7) مسجد الجمعة هو الذي صلى به الذبي أول جمعة بالمديئة وهو في بني سالم ببطن الوادي على يمين 
السالك إلى مسجد قباء ويقال له مسجد الوادي ومسجد عاتكة: التحفة الأطيفة 39:1. 


- 388 - 


لما حرج من قباء في هجرته أدركته الجمعة في بي سالم بن عوف في بطن الوادي» 
وهو أول جمعة صلاها عليه السلام بالمدينة!. وهذا المسجد اليوم ثي منخفض من 
الأرض قد أحاطت به حدائق النخل من أكثر حهاته» وفي شماله أطم خراب قيل 
إنه محل عتبان بن مالك رضي الله عنه» وفيه أثر مسجد صغير غير مسقف يقال 
إنه المكان الذي صلى به النبي» صلى الله عليه وسلم» من بيته. ومسجد الجمعة في 
مستبطن الوادي الذي يحول بينه وبين قومه إذا سال. ومنازل قومه ف غري الوادي 
على طريق الحرة. 


ومنها مسجد الفضيخا۴» وهو مسجد صغير شرقي مسجد قباء على شفير 
الوادي على نشز من الأرض مرضوح بحجارة سودا» فقد روي عن حابر بن عبد 
الله رضي الله عنه» قال: حاصر البي» صلى الله عليه وسلمء بن النضي فضرب 
قبته قريبا من مسجد الفضيخ»› وكان يصلي في موضع مسجد الفضيخ ست ليال» 
[فلما خُرّمت الخمر خرج الخبر إلى أبي أيوب ونفر من الأنصار» وهم يشربون فيه 
فضيخاً فحلوا وكاء السقاء فهرقوه فيه فبذلك سمي مسجد الفضيخ]. وقيل 
غير ذلك ويعرف الآن عسجد الشمس. قال السيد: ولا سوه 
التسميةا؟. 


ومنها مسجد بن قريظة قرب حرهم الشرقية على باب حديقة هتاك وعنده 
نحراب بيات مالي الحديقة من دور بن قريظة وأطم الزبير بن باطيا القرضي داحل 
ف المسجل ف ففي الصحيح أن النبي» صلى الله عليه وسلم بعت | إلى سعد بن معاذ 
لَكّا نزل بنو قريظة على حكمه» فلما كان قريباً من المسجد قال» عليه السلا 
للأنصار: قوموا إلى سيدكم". وليس المراد مسجد المدينة» لأنه عليه السلام لم 


(1) وفاء الوفا 167:3. 

(2) عتبان بن مالك بن عمرو ممن شهد بدرا وجاءه النبي إلى بيته فصلى فيه توفى بالمدينة في ولاية يزيد 
بن معاوية: مشاهير علماء الأمصار 22:1. 

)3( يقم مسجد الفضيخ شرقي مسجد قباء على شفير الوادي» ويعرف بمسجد الشمس: التحفة اللطيفة 
41. 

(4) ينقل العياشي هنا عن السمهودي» أنظر: وفاء الوفا 169:3. 

(5) في خ وط: وسمي مسجد الفضيخ لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بفضيخ» وهو فيه 
فشر به واأتصويب من وفاء الوفا 3 :169. 

(6) وفاء الوفا 171:3. 

(7) صحيح مسلم 1388:3. 


- 389 - 


يكن كاء بل مسجد بن قريظة كما أشار إليه الحافظ ابن حجر قال: وأخخطأ من 
زعم أن لفظ المسجد غلط. 

وهذا المسجد كبير عليه حضيرة من حجارق قريب من القامة» وي زاويته 
الغربية الشمالية دكة كبيرة هي موضع منار المسجد قبل انمدامه» فقد روي أن 
البي» صلى الله عليه وسلم» صلى ف بيت امرأة من الحضرء وأن المكان الذي صلى 
فيه هو موضع هذا المنار. ومنها مسجد مشربة أم إبراهيم عليه السلام!؟» فقد روي 
أنه عليه الصلاة والسلام صلى في مشربة أم إبراهيم» وسميت بذلك لأن مارية 
ولدت إبراهيم ابن البي» صلى الله عليه وسلم » فيهاء وكان النبي» صلی الله عليه 
وسلم» أسكنها هناك» وهي من أموال مخيريق الي هي من صدقاته» صلى الله عليه 
وسلم» وهذا المسجد مالي مسجد بن قريظة قريب من الحرة الشرقية. 


ومنها مسجد بني ظفر من الأوس شرقي البقيع بطرف الحرة الشرقية 
ويعرف اليوم مسجد البغلة» فقد روي أن النبي» صلى الله عليه وسلم > صلی في 
مسجد بني ظفر» وأنه أتى بني ظفر في مسجدهم فجلس على الصخرة ة الي ف 
المسجد ومعه عبد الله بن مسعود ومعاذ بن جيل وناس من أصحابه» وأمر الي 
عليه السلام» قارئا فقرأ حي أتى على هذه الآية: (فكيف إذا حثنا من كل أمَّة 
بشهید)(۴» الآية. فبكى» الحديث. 

وعند هذا المسجد آثار في الحرة من حهة القبلة يقال إنها أثر حافر بغلته 
صلی الله عليه وسلم!". وهناك أيضاً أثر على حجر كأنه أثر مرفق يذكر أن البيي» 
صلی الله عليه وسلې اتكأ عليه ووضع مرفقه الشريف عليها» وعلى حجر آخر 

قلت: وقد من الله بزيارة هذه المساحد المتقدّمة كلها في يوم واحد» حرجنا 
من المدينة صباحا ومررنا عسجد الجمعة ومسجد عتبان بن مالك وحثنا إلى 


(1) مشربة أم إبراهيم: أكمة بين النخيل حوط عليها بلبن» والمشربة البستان» قيل: كان بستانا لمارية 
القبطية» وفيه ولدت إبراهدم بن الرسول عليه السلام» وقد أقيم عليه مسجد: الجواهر الثمينة 436:2. 

(2) مسجد بني ظفر شرقي البقيع ويعرف بالبغلة لما قيل إنه كان في جهة القبلة أثر حافر بغلته: التحفة 
الأطيفة 40:1. 

(3) النساء :41. 

(4) الجواهر الثمينة 533:2. 

(5) نفسه. 


- 390 - 


مسجد قباء ثم خرحنا إلى مسجد الشمس ثم إلى مسجد بي قريظلة ثم إلى 
مشربة أم إبراهيم» ثم إلى مسجد البغلة» ولم نرحع إلى المدينة إلا قرب العصر. 
وكنا مع جماعة من إخواننا انخاورين يدلونا على الطريق إلى هذه الأماكن؛ ومررنا 
يومنا ذلك يحملة من الآبار» كبئر بصة» وبئر أريس» وبئر غرس» وسيأني ذكر هذه 
الآبار عند ذكرنا للآبار المنسوبة له صلى الله عليه وسلم. 

ومنها مسجد الإحابة©» وهو لبن معاوية بن مالك من الأوس» وهو مالي 
البقيع» قريب منه على يسار السالك إلى العريض» بإزائه تلول هي آثار قرية بني 
معاوية. ففي صحيح مسلم من حديث عامر بن سعد عن أبيه أن رسول الله صلى 
الله عليه وسلم» أقبل ذات يوم من العالية حي مر عسجد بني معاوية» دحل ف ركم 
ركعتين» وصلينا معه» ودعا ربه طويلا ثم انصرف إلينا فقال: سألت ريي ثلاثا 
فأعطان ثنتين ومنعن واحدة؛ سألته أن لا يهلك أَميَ بالسنة فأعطانيهاء وسألته أن 
لا يلك أُمَّ بالغرق فأعطانيهاء وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيهاا؟. 


وعن سعد ابن أبي وقاص أنه كان مع النبي» صَلَّى الله عليه وسلم > قمر 
عسجد بني معاوية فدخل فركع فيه رکعتین» ثم قام فناحى رب ثم انصرف. وعن 
محمد بن طلحة بلغي أن البي» صلى الله عليه وسل > صلى يي مسجد بني معاوية 
على بين امراب نحوا من ذراعين. قال السيد: فليتحر ذلك مع الدعاء قائما©. 
قلت: وقد زرنا هذا المسجد والحمد لله مرارً» وصليت فيه ودعوت الله ها أرحو 
إحابته لنفسي ولإخحوان وأشياخي والمسلمين. 


0 الفتح” والمساحد الي في 3 قبلتى وتعرف اليوم كلها عساحد 
شال و شرق وو اراد مجك الفح جد طلا ويقال له ایا سے 


(1) مسجد قباء: وهو على ثلاثة أميال من المدينة» وصح أنه كان يزوره كل سبت راكبا وماشيا ويصلي 
فيه ركعتين» وفي حظيرة بصحنه محل مبرك الناقة» وفي قباته دار سعد بن خيثمة عند الباب المسدود, 
ودار كلثوم بن الهدم» وهي إحدق الدور قبلته» وبئر بئر أريس تجاهه: التحفة اللطيفة 41:1. 

(2) مسجد الإجابة: وهو مسجد بني معاوية بن مالك بن عوف من الأوس» شمالي اليقيع على يسار السالك 
للعريض› وسمي بذاك لدعائه فيه بتلاث دعوات فأجيب في اثنتين: التحفة الاطيفة 38:1. 

(3) صحيح مسلّم 2216:4. 

(4) وقاء الوقا 177:3. 

(5) مسجد الفتح الذي دعا النبي فيه يوم الخندق على الأحزاب وصلى فيه فاستجيب له وحوله مساجد 
تعرف بنلك وبغيره كأبي بكر وعلي وسلمان: التحفة الاطيفة 41:1. 


-391 - 


الأحزاب» والمسجد والأعلى. وي مسند أحمد رحاله ثقات» عن حابر بن عبد الله 
أن البي» صلی الله عليه وسلم» دعا في مسجد الفتح ثلاثا: يوم الاثنين» ويوم 
الثلاتاع» ويوم الأربعاء» فاستجيب له يوم الأربعاء بين الصلاتين» فعرف البشر في 
وحهه. قال حابر: فلم يترل في أمر مهم غليظ إلا توخحيت تلك الساعة فأدعو فيها 
فأعرف الإحابة!). وروي أنه عليه السلام مر عسجد الفتح الي على الجبل وقد 
حضرت صلاة العصر» فرمى فيه فصلى فيه صلاة العصر. وروى أنه عليه السلام 
دعا ف مسجد الفتح يوم الأحزاب حي ذهب الظهر وذهب العصر وذهمب 
المغرب» وم يصل بينهن» ثم صلاهن جميعا بعد المغرب. قال أبو غسان: وسمعت 
غير واحد ممن يوثق به يذكر أن الموضع الذي دعا عليه رسول اللى صلى الله عليه 
وسلم» من الحبل هو اليوم إلى الأسطوانة الوسطى الشارعة قي رحبة المسجد©. 
قال السيدا: ومحل ذلك اليوم ما يقابل حراب المسجد من الرحبة لتوسطه؛ فإنه 
كان على ثلاث أساطين بين المشرق والمغرب» فمسقفه رواق واحد كماهو 
اليوم» لكن غيرت أساطينه» وذكر الدعاء الذي ينبغي أن يدعى به يي ذلك 
الموضع. قال: وتسمية هذا المسجد عسجد الفتح لأن الاستجابة وقعت به وحاء 
حذيفة بخبر رحوع الأحزاب ليلا به» فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم 
والمسلمون قد فتح الل عز وحل» هم ونصرهم وأقر أعينهم. . وأما المساحد الي ف 
قبلته فقد روي عن معاذ بن سعد أن رسول الله صلی الله عليه وسلې > صلی في 
مسجد الفتح الذي على الجبل وفي المساحد الي حوله. قال السيد“: وهو ظاهر في 
أنما ثلاثة غير فأحدها الذي يلى المسجد الأعلى يعرف عسجد سلمان 
الفارسي۴» وثانيها يلي قبلة هذا المسجد يعرف عسجد علي بن أبي طالب9, 
رضي الله عنه» وثالئها في قبلة الثاني على طرف حبل سلع جانحا لجهة المشرق» 


ويعرف عسجد أبي بكرا» وهو أصغرها في باب المعروف منها بعلي ماحل» يترل 


(1) مسند أحمد 322:3. 

(2) وفاء الوفا 183:3 

(3) أنظر: وفاء الوفا 183:3. 

(4) وفاء الوفا 189:3 

)5( يقم مسجد سلمان الفارسي في قبلة مسجد الفتح: التحفة الأحليفة 1 

)6( يقع مسجد علي في قبلة مسجد الفتح جدده ضغدم المنصوري سئة ست وسبعين وثمائمائة: التدفة 
الطيفة 40:1. 

(7) يقع مسجد أبي بكر الصديق بوسط حديقة العريضية المتصلة بقبة العين الزرقاء شمالي المصلى: 
التحفة الأطيفة 39:1. 


- 392 - 


إليه بدرج» وأهل المدينة يخرحون إلى هذه المساحد لقصد التفرّج ف أيام كتيرة» 
وهم يوم معلوم في السنة يخرحون إليها بالأحبية والأطعمة الكثيرة فيبيتون يما في هو 
وطرب» وهو يوم النصف من شعبان» وقد خرجنا مرة لزيارة المساحد فوح دنا 
الأعلى “ بملوءاً نساء ولم نتمكن من الدخول إليه» وهن بط بخن فيه أنواع 
الأطعمة ونساء المدينة هن عوائد مذمومة في الخروج إلى التتره والتفرّج في 
البساتين والأماكن المنفسحة) ويُسَمُون ذلك القائلة» فيقولون: نقيل اليوم في 
الموضع الفلاني. وخروج الرحال لذلك أكثر فتكلف المرأة زوحها في ذلك من 
نفقة ما لا قدرة له عليه. ومن الأماكن الي هي في عداد المساحد ويتعين ين التبرك يما 
والصلاة فيه: كهف سلع» وهي لب حرام فقد جاء أن النبي» صلى الله عليه 
وسلم» حلس به وكان يبيت به ليالي الخندق. وقال السيدا": والظاهر أنه المراد عا 
ف الأوسط والصغير للطبران من أن معاذ بن حبل حرج يطلب البي» صلى الله 

عليه وسلې» فدل عليه في حبل ثواب» فخرج حي رقي حبل ثواب» فب صرته في 
الكهف الذي اتخذ الناس إليه طريقاً إلى مسجد الفتح» فإذا هو ساحد. قال: فهبط 
من رأس الخبل وهو ساحدء فلم يرفع حى أسأت به الظن» فظننته قبضت روحه 
فقال: حاءن حبريل هذا الموضع فقال إن الله تعالى يقرؤك السلام ويقول لك: ما 
تحب أن أصنع بأمتك؟ قلت: الله أعلم. فذهب ثم جاء إلي فقال: إنه يقول: لا 
أسوؤك ف أمتك. فسجدت بأفضل ما نتقرب به إلى الله؛ السجوداع 

قال السيد: حبل ثواب ل أقف له على ذكرا©» لكن وصفه الكهف عا ذكر 
ظاهر في إرادة الكهف المذكور بسلع على بين المتوحه من المدينة إلى مساحد 
الفتح من الطريق القبلية بقرب شيعب بني حرام» فإن عن : كينه هناك محرى وسائلة 
تسيل من سلع إلى بطحان» فإذا دخلها صعد يسيراً في المشرق كان الكهف عن 
عينه وأعلى منه في المشرق وكهف آخر لكنه صغير حدا فالأول هو المراد» وإذا 
توحه من هذه السائلة طالب مساحد الفتح كان شعب بن حرام على عينه» وهو 
شعب متسع به آثار مساكنهم وأثر مسجدهم الكبير الذي زاد عمر بن عبد العزيز 
ق بنائه واحتلف في صلاته» صلى الله عليه وسلم هذا المسجد بناء على أن تحوهم 


(1) وفاء الوفا 192:3. 
(3) وفاء الوفا 192:3. 


- 393 - 


عن هذا الشعب كان في زمنه عليه السلام بإذنه. وروي أنه إنغا كان في زمن عمر» 
رضي الله عنه» انتهى. 

قلت: وأثر المسجد اليوم باق بأسفل الوادي» إلا أنه لا بناء عليه وإنما عليه 
حظير صغير» وهو لا يعرفه كثير من الناس ولا يؤبه به» وكذلك الغار المذكور 
يعرفه كثير من الناس ولا يقصد للزيارة» وقد زرته والحمد لله وسبب معرفي به 
أنا لما معنا معجم الطبران الصغير على شيخنا التعالبي بالروضة النبوية ما بين القبر 
والمنبر» فعند معاعى هذا الحديث أخخبرنا عكان الغار ودلنا عليه وأخبرنا أنه حرب 
إحابة الدعاء في ذلك امحل»› فقصدته مع صاحبنا سيدي يعيش الدراوي» وكان من 
انخاورين» وأتيناه من فوق حبل سلع حى انحدرنا إليه من شرقيه. وأما مسجد بي 
حرام" فررئه مراراء إلا أن أولا كنت لا أعرف نسبته إليهم وإنما أصلي فيه إذا 
مررت به لزيارة مساحد الفتح. 

ومنها مسجد القبلتين©» وهو لبن سلمة» وسمي مسجد القبلتين لأن القبلة 
حولت فيه. قال السيدا#: والأرحح أن تحويل القبلة كان عسجد القبلتين» والببي» 
صلى الله عليه وسلم» يصلى به. وليحيى عن محمد بن الأخنس قال: زار رسول 
الل صلی الله عليه وسلې أم بشر بن البراء من بني سلمة في بني سلمة» فصنعت له 
طعاما قال: فحانت الظهر فصلى رسول الل صلى الله عليه وسلم بأصحابه في 
مسجد القبلتين الظهر» فلما أن صلى ركعتين» أمر أن يو حه إلى الكعبة فاستدان 
صلی الله عليه وسلې » إلى الكعبة واستقبل الميزاب» فهي القبلة الي قال الله: 
(فلنوليتَُك قبلة ترضاها)©2 فسُمّي ذلك المسجد مسجد القبلتين. 

قلت: وهذا المسجد غري بطحان وسلع» قريب من العقيق في مكان مرتفع» 
والطريق إليه ف آكام سود من الحرة وشعاب» ول أزره إلا مرة واحدة» وصليت 
ما كتب» وعليه بناء وثيق ليس بقربه شيء من العمارة» وقريب منه حديقة فيها 
بثر ماء وأرض تزرع. 


(1) مسجد بني حرام: : يقع بسفح جبل سلع عن يمين سالك مساجد الفتح: التحفة اللطيفة 39:1. 
(2) سمي مسجد القبلتين لتحويل القبلة به في أدذناء الظهر وهو بالعوالي: التحفة الاطيفة 41:1. 
(3) وفاء الوفا 196:3. 

(4) البقرة: 144. 


- 394- 


ومنها مسجد السقيا الآن ذكرها في الآبا وليست السقيا الي بينها وبين 
المدينة مرحلة» بل محل آنحر بالحرة الغربية» وهذا المسجد على يسار الذاهب إلى 
المدينة من العقيق ف الحرة الغربية على طريق الحاج عندما يقرب من المساكن 
ويشرف على المدينة» فقد روي أن البي» صلى الله عليه وسلم» عرض حيش بدر 
بالسقياء وصلى في مسجدها ودعا هنالك لأهل المدينة أن يبارك لهم ف مدهم 
وصاعهم» وأن يأتيهم بالرزق من هاهنا وهاهنا. قال السيدا": وقد تطلبت المسجد 
بكذا امحل فرأيت رضما© على روبية هناك» فأرسلت له بعض العمال ليحفر عن 
أساسه فظهر تربيعه وبقية محرابه ومن حدرانه أزيد من نصف ذراع في دوره 
سيضة بالفضة فقي على أساسه الأول . 


خصوصاً أيام الوس ان ازى المصري رعا وصلوا بالزول فى بعض السنين إلى 
تلك الناحية. 


ومنها مسجد ذباب(» ويعرف اليوم عمسجد الراية» وهو على جحبل صغير 
قريب من سلع من شرقيه قريب من ثنية الوداع على يسار الداخل إلى المدينة من 
طريق الشام» فقد روي أنه عليه السلام صلى على ذباب» وعن أبي سعيد الخدري: 
ضرب البي» عليه الصلاة والسلام قبته على ذباب؛ يعن في غزوة الختدق» 
والأرحح أن الخندق كان من ناحية ذباب. قال السيد»: وقد رأيت لذباب ذكرا 
في أماكن كثيرة كلها متفقة على وصفه بأنه الجبيل المذكور بحيث لا تردد عندي 
فيه. قال!7: ولعل اشتهاره عسجد الراية لقول الواقدي في وصف اصطفافهم على 
الخندق: وكان يزيد بن هرمز في موضع ذباب يحمل راية الموالي» وصفهم 
كراديس© بعضها خلف بعض إلى رأس الثنية؛ يعي ثنية الوداع. 


)1( وفاء الوفا 200:3. 

(2) الرضم: حجارة أو صخور بعضها على بعض: لسان العرب: رضم. 

)3( مسجد ذباب أو ڏو باب» سمي پام الجبل الذي عليه مسجد الراية: اأتحفة الأطيفة 39:1. 

)4( وفاء الوفا 203:3. 

(5) نفسه. 

)6( كراديس: جمع كرثوس»؛ وهي الخيل العظيمة» وقيل: القطعة من الخيل العظيمة: لسان العرب: 
كردس. 


- 395 - 


2 
ذكر جبل أحد وما به أو بطريقه من المساجد النيوية 
وذكر مشهد سيد الشهداء حمزة ومن معه من الشهداء 


حرت عادة أهل المدينة» شرفها الله» بزيارة قبر سيدنا حمزة» رضي الله عنه 
كل يوم ھیس› > ورعا باتوا هناك ليلة الخميس ف أغلب الأحوال. وقد تحرجنا 
لزيارته والحمد ف مراراً متعددة مع أصحابنا الخاورين» وكنا نخرج بعد صلاة 
الصبح مع الخنفي» وكان يسفرا" في صلاته ولا نرحع إلا بعد الضحى عند اشتداد 
الحر» ومن أسرع المشي يرحع في أقل من ذلك ولا أعلم لاختيارهم الزيارة في 
يوم الخميس سيبل إلا أن يكون ما ورد من أن الأموات يعلمون بزائرهم يوم 
الجمعة ويوما قبله ويوما بعده. فلما كان يوم الجمعة يضيق المشي فيه بسبب 
الاشتغال عقدمات الصلاة وزيارة البقيع» ويوم السبت لزيارة قیاع لم يبق إلا وع 
الخميس. وزيارة أحد والشهداء به من السنن المأثورة» قفي صحيح البخحاري أن 
ابي عليه الصلاة والسلام صلى على قتلى أحد بعد نمان سنين© كالمودع للأحياء 
والأموات. وق حديث اي داوود: خرحنا مع رسول الل صلی الله عليه وسلم 
نريد قبور الشهدای حى إذا أشرفنا على حرة واقماة» فإذا تدلينا منها فإذا قبور 
الشهداء. فقلنا: يا رسول الله أقبور إنحواننا هذه؟ قال: : قبور أصحابنا. فلما حئنا 
قبور الشهداء قال: هذه قبور إخحواننا". وروي أن رسول الله صلى الله عليه 
وسلم كان يان قبور الشهداء بأحد على رأس كل حول فيقول: سلام عليكم عا 
صبرتم !6 (فنعم عقبى الدار)©. وكان إذا واحه الشعب قال: سلام عليكم عا 
صبرتم (فنعم أحر العاملين)!”. وروي أن فاطمة) رضي الله عنهاء كانت تزور قبر 
عمها حمزة رضي الله عنف ترمه وتصلحه» وقد علمته بحجر. وروی الحاكم عن 
علي أن فاطمة كانت تزور عمها حمزة كل جمعة فتصلي وتبكي عنده ۴. وروى 
البيهقي أن البي» صلى الله عليه وسلم» زار قبور الشهداء بأحد فقال: اللهم إن 
(1) يسفر في صملاته: أي ينتظر حتى الإسفار» وهو أن يصبح الفجر لا يشلك فيه: لسان العرب: سفر. 
(2) صحيح البخاري 451:1. 
(3) حرة واقم: اقم أطم من آطام المدينة تنسب إليه الحرة وفيها سقاية موئسة: معجم ما ادتعجم 436:2. 
(4) سئن أبي داوود 218:2. 
(5) مصذف عبد الرزاق: 533 
(6) الرعد: 24. 


(7) الزمر: 74. 
(8) وفاء الوفا 322:3. 


- 396 - 


عبدك ونبيك يشهد أن هؤلاء شهداء» وأنه من زارهم وسلم عليهم إلى يوم القيامة 
ردوا عليه!/. 


والمشهور أن الذين أكرموا بالشهادة يوم أحد سبعون رحلاً أفضلهم 
وسيدهم حمزة بن عبد المطلب. وروي أن مصعب بن عمير دفن معه ف قر 
واحد» وأن عبد الله بن ححش معهما. قال السيدا6: والصحيح أنه ليس معه 
أحد في قبره» وأن مصعبا وعبد الله دفنا بقربه» فيسلم على الثلاثة في مشهد حمزة. 
والمشهد عليه قبة عالية متقنة» وبابه مصفح بالحديد وحوله بناء متسع فيه بثر وفيه 
أخلية للوضوء متصلة بالسطح. قال السيد©: والقبر الذي عند رحلي سيدنا حمزة 
والذي بالصحن ليسا من قبور الشهداء. 

وق حارج المشهد بئر أخرى كبيرة» وبإزائها صفة مسجد وتحته ماحل ماء 
يهبط إليه بدرج» وباب المشهد في سائر الأيام مقفل لا يفتح إلا يوم الخميس» يأ 
القيم من المدينة بالقصد لذلك» ولأهل المدينة موس کر في شهر رحب يحتفلون 
فيه لزيارة حمزة والشهداء» رضي الله عنهم يأ الناس إليه من أقطار الحجاز من 

مكة واليمن والطائف والينبع» فيحشر هنالك خلائق لا يحصون يقاربون ما يجتمع 
ف موسم الحج. ويخرج أهل المدينة بأولادهم ونسائهم ويخرحون معهم المضارب 
الحسان والخيم الكبار» ويخرج أمراء المدينة وعسكرهاء وتنتصب الأسواق العظيمة 
هنالك يخرحون من أوائل رحب» ويتلاحق الناس كل على قدر حاله» فيتكامل 
خروحهم في اليوم الثاني عشرء وهو اليوم المشهود عندهم ويوم الزينة» فلا ييقسى 
بالمدينة إلا أهل الأعذار ومن شاكلهم» ويحصل هنالك يي تلك الليلة من أنواع 
اللهو والطرب واللعب أشياء» والرمي بالمدافع وامحاريق» ويبيت الناس طول ليلتهم 
ويومهم في القراءة والزيارة حول القبر» ويوقد هنالك من الشمع شيء كثير. 
وأصحاب شيخنا القشاشي هم التولون لوظيفة القراءة حول القبر لا تنقطع القراءة 
الليل بأجمعه والنهار بتمامه» وكبيرهم شيخنا الملا إبراهيم» رضي الله عنهم لا 
يفارقهم في ذلك المحل. وكيفية القراءة أن تجتمع جماعتهم كلهم فيبدأ أحدهم فيقراً 


(1) تفسير القرطبي 160:14. 
(2) التحفة اللطيفة 43:1. 
(3) وفاء الوفا 334:3. 

(4) وفاء الوفا 309:3. 


- 397 - 


حزء ويستمع الباقون» فإذا فرغ من حزبه أحذ الذي يليه في القراءة والآحرون 
يستمعون» ثم كذلك سائر الليل والنهار. 


لطيفة: 


حكي لي أن بعض الفقهاء بالمدينة كان ينكر على أهل المدينة خروحهم إلى 
أحد في رحب ويقول طم: إن ذلك من البدع المذمومة لما يحصل في ذلك من 
أنواع اللهو والسرف في المطاعم وغيرها والتكلف في النفقات واللخروج من المدينة 
بالأهل والأولاد والخيم الشبيه بشد الرحال» بل هو مع ما ثي ذلك من التشبيه 
عواسم الحج في الميئة واعتقاد القربة واعتياد يوم في السنة» إلى غير ذلك من الأمور 
الى لا توافق ظاهر الشرع. وكان ذلك الفقيه لا يخرج معهم إذا خرحواء ويشدد 
النكير عليهم يل ذلك» فبينما هو ذات يوم من الأيام الي ميا الناس فيها للخروج 
حالس في الروضة أو قريبا منهاء إذ غلبته عيناه» فرأى النبي» صلى الله عليه وسلم 
وهو يدخحل ويخرج من الحجرة ويقوم ويقعد كفعل متهيئ لسفر وأثاث السفر 
معدة بين يديه فقال له: يا رسول الل ما هذا الذي أرى؟ أتريد الانتقال عنا 
والخروج من المدينة؟ قال: لا إا نريد الخروج لزيارة عمنا حمزة مع أهل المدينة» أو 
كلام هذا معنا فاتبه الفقيه من تومه وفيا للحروج مع الاس فعجبوا من ذلك 
وسألوه. فأخيرهم بذلك. ولا بدع فإن للنبي» صلی الله عليه وسلې » تعلقا معنويا 
وموافقة روحانية لأمته في سائر شؤونهم وتقلباقم فيهتم عا يهتمون» ويفرح ما 
يفرحون به» ويسوؤه ما ساءهم» فما بالك بأهل مدينته الطيبة المطيبة» وكل ذلك 
رحمة منه هم ورأفة يكم وحناناء ولا عنعه من ذلك كون بعض شؤوكم قد يلابسها 
ويخالطها حلاف المسموعء فقد كان» صلى الله عليه وسلم في حياته معهم على 
هذا الخال وفيهم المسيء وا خحسن. والطائع والعاصي» بل المؤمن والمنافق» فيعلم 
حاهلهم ويرشد ضام ويرفق بالشرس؟ الأحلاق منهم حي ينقادوا» ولم تحمله 
إساءقم ولا عصيان بعضهم» بل نفاقه على مفارقتهم والتخلي عنهې» إذ لو تخلى 
عنه. وسل السيء بافلائن رحدل اللي ف ملاعب وم يال لذ سم با 
فكذلك حاله أيضاء > صلی الله عليه وسلې مع أمته بعد موته» وقد قال: سيان خير 


(1) في ط: الشرر. 
- 398 - 


لکې وماني خير لكما". الحديث. فهو معهې» صلی الله عليه وسلې في كل 
أطوارهم وتقلباهم عدده الرباني وسره الحقان» فيستغفر لمسيئهم؛ ويشهد حسنهې» 
وتستوهب من الله الزيادة لا يخفى عليه شيء من أحواله ولا يغفل عنهم طرفة عين 
في كل شؤوفم» فلا تستبعد حضوره؛ صلی الله عليه وسلم» بروحانيته في محافل 
المسلمين وموا مهم ومحال احتماعاقم» على أي حال كانواء فلو فارقتهم 
روحانيته الشريفة طرفة عين لضلوا عن سواء الطريق ولحوت يمم الضلالة فى مكان 
سحيق» فسبحان من من به على عباده» وجعله برزخا بينه وبين ¿ أهل وداده» فما 
أرأفه بنا من إله إذ جعله رسولا إلينا ورحمة عليناء نسأله سبحانه أن لا يخلينا من 
مدده طرفة عين آمين. وتفهم من هذا ما يحصل من الاحتماع لعظيم قي حال 
بعض الصالحين واشتماله على بعض المناكر» ومع ذلك يحضره الأولياء وأرباب 
القلوب من الصالحين» فيشاهدون حصول مدده لكل زائر» وسريان سره في سر 
كل حاضرء وذلك كمولد سيدي أحمد البدوي© عصرء ومولد الإمام الشافعي 
وعند سيدي ابي مدين» وسيدي ابي يعزى/» وسيدي أي العباس السبيِ بأرض 
المغرب» وعند مولاي عبد السلام بن مشيش© يوم المولد النبوي وغير ذلك من 
الأماكن الشهيرة المنسوبة لكثير من الأولياء شرقا وغربا فقد ذكر سيدي عبد 
الوهاب الشعران في كثير من تآليفه عن جماعة من أهل الكشف» رضي الله عنهم 
مې يشاهدون النبي» صلى الله عليه وسلي » في مولد سيدي أحمد البدوي» رضي 
الله عنه» وأنه يحخضره كل سنة مع اشتماله على أمور كثيرة لا تنبغي!©. 


لطيفة أخرى: 


أخبرني شيخنا أبو مهدي عيسى الثعالبي عن بعض مشايخه أن سيدي عبد 
الوهاب الشعران»› رضي الله عنه» عزم مرة على التخلف عن مولد سيدي أمد 


(1) كشف الخفاء 442:1. 
)2( تقدمت ترجمته. 

)3( أبو يعزى ينور بن عبد الله» المتصوف العارف» نسبت إليه عدة كرامات وخوارق» توفي مدئة 
1ه: شرف الطالب» ص: 63. أعلام المغرب العربي 211:2. 

)4( أبو العباس أحمد السبتي» الفقيه المصئف» ولد بسبتة سذة 524ه)و توفي بمراكش سنة 601 ه: 
شرف الطالب» ص: 68. شجرة النور الزكية 264:1. 

)5( تقدمت ترجمته. 

(6) أنظر: الطبقات الكبرى» ص: 263. 


- 399 - 


البدوي» وأن لا يذهب إليه لما يقع هنالك من المناكرء فلما عزم على ذلك وقرب 
الوقت رأى في المنام سيدي عبد العالي حدم الشيخ سيدي أحمد وخليفقه من 
بعده» فقال له مباسطا: يا عبد الوهاب» لا تنقطع عن زيارتنا ونحن نطعمك 
ملوحية» والملوخية عند أهل مصر والريف من أشهى الأطعمة الي لا كبير مؤنة 
فيهاء فلما استيقظ عَرَّم على المشي وذهب» فكان من الأمر الغريب الدال على 
صدق الرؤيا أنه ليلة وصوله لمكان الشيخ اتفق أنه لم يطبخ أحد تلك الليلة في 
الزاوية كلها ولا قي القرى الي حوها إلا الملوخية» فكانت طعامه وطعام أهل تلك 
الناحية كلها في تلك الليلة!). والحكايات الدالة على أمثال هذا كثيرة من انتصار 
أولياء الله لمن أذى من حضر محالهم أو انتهك حرمتهم» ولو كان من أوذي ممن 
يستحق ذلك يي بادي الرأي» ومع هذا كله فلا يتخذ هذا ذريعة إلى الاستهانة 
بإقامة الحدود على من وحبت عليه في تلك المحال وإلى التغافل عن إزالة المأناكر 
الواقعة هنالك لمن قدر عليها وإلى التعامي عن ذلك» بل التنبه لذلك والاشتغال به 
من له عليه قدرة من أفضل القربات لن حسنت نيته» ولا عنع من ذلك ما يقع 
لبعض من تعاطى ذلك من الأمور ال هي كرامة لذلك الولي» فإن ذلك في الغالب 
لا يقع إلا لمن لم تكن له نية صالحة في النهي عن المدكر وقصد بذلك إظهار نفسه 
أو تنقيص ذلك الولي» فإن فرّض وقوعه لحسن النية فهو ما يزيده عند الله قربة 
ويقيم حرمة عبده المنسوب إليه المكان» ولله في ذلك أسرار خفية لا تخفى على 
أهل القلوب الصافية» وإلى مثل هذا التقرير كان يجنح شيخنا علامة الوقت سيدي 
عبد القادر بن علي الفاسي» رضي الله عنه» فيمن يأوي إلى قبول الصالحين من 
الجناة» وقد يكون على أحدهم حد من الحدود لا ينبغي إثماله» وإن خرج من 
امحل كان في ذلك هضم لحرمة الولي واستهانة بقدره عند العامة» فليخلص من 
ابتلى بذلك علمه لل وليصدق الله في أمره فإن الله حاعل له من ذلك مخرحا. 


رجوع وانعطاف إلى ما كنا يصددده: 


فقد طال بنا الكلام في هذه المسألة» ومع ذلك فهي من غرر المسائل الي قل 
أن توحد في كتاب» فنقول: من الأماكن الى ينبغي زيارقا في أحد قبور الشهدایى 


(1) أنظر: الطبقات الكبرى ص: 262. 


- 400 - 


سوى قبر حمزة ومن معه» وأماكنهم ليست معلومة العين على التحقيق» > لكنها 
معلومة الجهة. فأمّا مصعب بن عمير وعبد الله بن ححش فيسلم عليهما في مشهد 
حمزة كما تقدّم» وأما سهل بن قيس من بني سلمة فقبره دبر قبر حمزة شاميا بينه 
وبين الخبل. وأما عمرو بن الحموح!" وعبد الله بن عمرو بن حرام» ففي الموطا 
أنهما في قبر واحد مما يلي السيل6. قال الواقدي: مع عمرو بن الجموح في القبر 
حارحة بن زيد وسعد ابن الربيع والنعمان بن مالك وعبد ابن الحسحاس. قال أبو 
غسان: وقبرهم ما يلي المغرب من قبر حمزة نحو خمسمائة ذراع. قال السيد#: وقد 
تأملته فوحدت ذلك بالربوة الي غربي المسيل الذي هناك وجحرى العين بقريهم من 
القبلة. وقد روي أن أبا أعن مولى عمرو بن الجموح معهم أيضاء وكذا خلاد بن 
عمرو بن الجموح» فيسلم على هؤلاء الثمانية هناك. 

قال: وأما بقية الشهداء فلا تعرف قبورهم» والذي يظهر اما بقرب الموضع 
المذكور وقرب قبر حمزة» رضي الله عن جميعهم: وأماؤهم مذكورة عند أهل 
السير. وفضل حبل أحد على الحملة معلوم مشهور» فقد قال» عليه السلا إنه 
يحبنا ونحبدا وكان يأتيه وقال: إنه على باب من أبواب انق وترابه يستشفى به. 
قال الزركشي: ينبغي أن يست من منع نقل تراب الحرم تربة حمزة» رضي الله 
عن أي المأخوذة من المسيل الذي به مصرعه لإطباق الخلف والسلف على نقلها 
للتداوي من الصداع6. قال السيد": وتربة صعيب أولى بذلك. وللطيران أن 
رسول الله قال لأحد: هذا حبل يحبنا ونحبه» على باب من أبواب الحنة» وهذا عير 
حبل يبغضنا ونبغضه على باب من أبواب الناراة. 


(1) عمرو بن الجموح: استشهد في وقعة أحدء قال مالك: كفن هو وعبد الله بن عمرو بن حرام في كفن 
واحد: سير أعلام اأنبلاء 254:1. 

)2( عبدالل بن عمرو بن حرا م الأنصاري» شهد بدرا واستشهد بأحد: معجم الصحابة 36:1. سير أعلام 
النبلاء 324:1. 

)3( الموطأ 470:2. 

(4) وفاء الوفا 335:3. 

)5( صحيح البخاري 1059:3. 

(6) الجواهر الثمينة 472. 

(7) وفاء الوفا 233:3. 

(8) المعجم الأوسط 315:6. 


- 401 - 


وعيرا؟ حبل كبير على يسار ذي الخليفة وأنت خارج من الل وهو 
يقابل أحد إلى ناحية مكة من المدينة» وأحد إلى ناحية الشام. قلت: وحدئُئٍ من 
أثق به عن بعض مشايخه أنه كان يقول ف وجه بت صلی الله عليه وسلې» » لأحد 
وبغضه لعير أن أحدا من ناحية الشام» وهي مساكن اليهودء وهو أعدى عدو له 
وأحد حائل بينه وبينهم» ولا أحب إليك ممن يحول بينك وبين عدوك وإن عيرا 
من ناحية مكة» وهي وطنهء صلی الله عليه وسلې» ومسقط رأسه ومحل البيت 
الخرام» وهو أحب البلاد إليه عليه السلام كما دل عليه حديث إنك لأحب يلاد 
الله إلي» ولولا أي أخرحت منك ما خرحت» ولا حال عير بينه وبين محبوبه 
أبغضه إذ لا أبغض ممن يحول بين المرء وبين ما أحبه. 


قلت: وي هذا التوحيه نظر لاشتراك الحبلين في الحيلولة بينه وبين أعدائه 
فقد سوى الله بين اليهود والذين أش ر كوا في عداوة المؤمنين فقال تعالى: (لتجدن 
أشد الناس عداوة)© الآية. وقد علم أن مضرة المشركين لأهل المدينة أقوى من 
مضرة اليهود مع الاشتراك يي العداوة لضعف اليهود وقتلهم وذلتهم!) وأكبر 
ضررهم كيدهم بالقول» بخلاف المشركين فقد غزوا المدينة مرارا عديدة. قال 
السيد: وسمي أحد لتوحده وانقطاعه عن حبال أخرى هناك أو لما وقع من أهله 
من نصر التو حيد. ولا اسم أحسن من اسم مشتق من الأحدية بخلاف عير الذي 

هو اسم الحمار المذموم أحلاقا. واللحب 2 أحد من الجانبين حقيقة كما صححه 
النووي وغيره. ولذا كان من حبال الحنة إذ المرء مع من أحب» ولا مانع من وضع 
الحب فيه كما وقع التسبيح من الحبال. وقد خخاطبه صلى الله عليه وسل مخاطبة 
من يعقل فقال لما اضطرب: أسكن أحداتا. ولا ينكر وصف الجماد بحب الأنبياء 
كما حنت الأسطوانة لمفارقته» صلى الله عليه وسليى حي "مع القوم حنينها. ونما 
ينبغي لزائر أحد أن يأكل شيئا من نباته» فقد رُوي عن زينب بنت نبيط» وكانت 
تحت أنس بن مالك أنها كانت ترسل ولائدها فتقول: اذهبن إلى أحد فأتيني من 
نباته فإن لم تحدن | إلا عضاها فأتينن به فإن أنس بن مالك قال: معت رسول ا 


(1) عير: جبل جنوب المدينة يقع في مقابلة أحد وبينهما المدينة:: كتاب أسماء جبال تهامة» ص: 33. 
الجواهر الثمينة 492:2. 

(2) المائدة: 82. 

(3) في ط: ذلهم. 

(4) وفاء الوفا 317:3. 

(5) شرح الزرقاني 280:4. 


- 402 - 


صلی الله عليه وسلمء يقول: هذا حبل يحبنا ونحبها. قالت زينب: فكلوا من نباته 
ولو من عضاهه۴. 

قال: فكانت تعطينا منه قليلا قلیلا فنمضغه. ه. قلت: وقد أكلنا من نباته 
بعدما توقفنا في ذلك لكون جوانبه القريبة دانحلة ف حريم الشجر فلا يقطع نباتماء 
ولأحل التبرك قلدنا ف ذلك من يبيحه من العلماء» وهو مذهب النفية. 


لطيفة 
3 


قد وضع البحث بين الطائفة المالكية ونحن بالمدينة عما يقطع من نبات الحرم 
لمنتفع به للأكل كالكبيزاة وغيره» فإنه يؤتى به ويباع في الأسواق» فهل يحل 
للمالكي ومن لا يرى حواز ذلك شراؤه وأكله؟ فكنت أميل إلى الجواز إذا كان 
القاطع لذلك والبائع له من يرى حواز ذلك في مذهبه لأنه فعل ما يسوغ له شرعا 
لأنا نقول بإصابة كل جحتهد وإن كنا نرى أن غيره أصوب» والممنوع عندنا إا 
هو قطعه» فلو وحد الإنسان شيئً منه مقطوعا بنفسه من غير أن يكون له سيب ف 
صيد انحرم الذي هو ميتة لظهور الفرق بين الصيد والنبات. والإجماع على حرمة 
صيد الحرم والخلاف ي نبات حرم المدينة» ولو فتح باب الامتناع من الشراء منهم 
لادی ذلك إلى فساد كبير وحرج في المعاملات بالامتناع عن ذبائحهم والشراء 
منهم والبيع هم لوقوع الخلاف بين الأئمة في فروع كثيرة من الذبائح والصيد 
وأبواب الرباء فيمنع البعض ما يجيزه غيره» فلو كنا لا نشتري إلا تمن يتقي الربا 
على مذهبنا ويشترط ف الصيد والذييحة واللقطة ما نشترطه لأدى ذلك إلى ضيق 
وحرج وتضليل بعض الأمة لبعض» وهو بعيد من نظر الشارع؛ فلما صح لنا 
الاقتداء به في الصلاة صح لنا أيضا في غيرها ما يقع فيه الارتباط بين الفعلين فإن 
البيع حقيقة متوقف حصوطا على وحود فعل فاعلين من بائع ومشتر» فلا يشترط 
في صحة البيع إلا كون فعل كل واحد منهما موافقا للمشروع في مذهبه ومعتقدى 
(1) صحيح البخاري 1059:3. 
(2) عضاهه: العضاه من الشجر: كل شجر له شوك: لسان العرب: عضه. 
(3) الخبيز: ذبات معروف: لسان العرب: خبز. 


- 403 - 


وكذلك صلاة المأموم متوقفة صحتها على وحود فعل فاعلين هما المأموم والإمامى 
فإذا فعل كل منهما ما تصح به الصلاة قي مذهب إمامه صحت الصلاة ولا يلزم 
كون الإمام فاعلا لما تصح به الصلاة في مذهب المأموم على المذهب المشهور. 
وتحقيق هذه المسألة سنذكره إن شاء الءله في الرسالة الى عزمنا على جمعها في 
مسألة اقتداء المالكي بحنفي يصلي في الحجرء وسميناها: رفع الحجر عن الاقتداء 
بإمام الحجر. 

وبعد أن كتبت هذا رأيت في نوازل البرزلي ما يدل على احتناب مثل ذلك 

من الورع» وتشتد فيه الكراهة عند بعد المأحذ» ونص ما ذكر: وقد سثل 
اللخمي© عن تناول ما اختلف فيه الفقهاء؛ كشافعي رأى مالكيا عُصّبّ طعاما 
فنقله» أو عقد عقداً فاسداً في عين وخلطها وقال: ملكت ذلك على مذهي؛ > فهل 
ملكه ملكا صحيحاً لا شبهة عليه فيه أم لا؟ وهل يجوز للشافعي أن يعامله بالشراء 
منه والأكل له أم لا. فأحاب: لا ينبغي لمن قلّد الشافعي أن يفعل ذلك وهذا ما 
يتأكد فيه الور وإن قلد مالكيا في هذا وأمثاله فلا بأس ب وإن كان شافعياً 
فقلد المالكي في هذا. ولعل هذا ما تشتد فيه الكراهة لبعد المأخحذ فيه» البرزلي» 
فظاهره أن العزعة في هذا أرحح من الرخصة إلا أن يقول إن هذا مما تعارض فيه 
الحظر والإباحة فالورع تر که ھه. 

قلت: فقد ظهر من قوله لا ينبغي» ومن قوله: مما يتأكد فيه الورع أن ذلك 
سائغ لا ممنوع» وهذا كله إذا لم نقل بحواز التقايد للمذاهب المخالفة مع القول 
بصحتهاء وأما ما قلنا به» وهو قول حم غفير من المحققين منهم عز الدين بن عبد 
السلام فقد ارتفع الإشكال واتضح المقال. 

ومن فضائل خد ما رُوي عن حابر» رضي الله عنه» مرفوعاً أن موسى 
وهارون عليهما السلام أقبلا حاحين فمرا بالمدينة فخافا من يهودء فخرحا 
مستخفین فترلا أحداء فغشي هارون اموت فقام موسى فحفر له ولحده ثم قال: يا 
أخي أنت تموت. فقام هارون فدخل في لحده فقبض فَحَنًا عليه موسى التراب. قال 


(1) في ط: به. 
)2( أبو الحسن علي بن محمد اللخمي القيرواني» فقيه حافنلك له تعليق على المدوئة سماه التبصرة» توفي 
مدئة 8 ه بسفاقس: شرف الطالب» ص: 58 شجرة النور الزكية 173:1. 


- 404 - 


السيد: وهناك شيعب شيعب يعرف بشعب هارون يزعمون أنه بأعلا» وهو بعيد جدا!. 
وبأعلى سل بناء اتخذه بعض الفقراء قريباً. قلت: وقد شاهدت هذا البناء يوم 
طلوعنا إلى الخبل في الرحبية» وهو صورة مسجد قريب منه موضع معد لاء المطرء 
وهو ف ثب الخبل ف ماد حال مشرفه على اده الشرفة وما وها من البقاح؛ 
فيه نزهة للناظرين خحصوصا وقت طلوعنا إليه في فصل الربيع» وبعض الناس 
يُسَمُونَ تلك القبّة في هارون. وقد أخبرن بعض الناس أن بانيها رحل كان يتعبد 
هناك واسعه هارون فسميت بهء ولم تزل إلى الآن يتعهدها الناس للعبادة والخلوة 
وما أولاها بذلك فقد وحدت بقلى عند الوقوف كا والصلاة هناك ما لا مزيد 
عليه من الخلاوة والتلذذ بالعباد وكيف لا ومستقبل القبلة فيها يكون الحرم 
النبوي بين يديه والقبة الشريفة بين عينيه وبقاع المدينة المشرفة كلها تلقاءه ومكة 
تحاهه. حى إنه ليخيل إليه أنه مشرف على الحرمين الشريفين وما بينهما وما فيهما 
من الأماكن المشرفة. وعلى كل حال لم أر مكانا ينشرح فيه الصدر ويصفو القلب 
من الأكدار وتتجلى فيه عظمة الربوبية وحلالة النبوءة كهذا المكان. ويقرب منه 
في ذلك حبل حرا وحبل ثور عكة كما سيأن عند ذكرنا هما. 

وكان طلوعنا لخبل أحد يوم الأربعاء الثاني عشر من رحب» وكان ذلك 
عند یلال من مرض» فحصل لتا من التعب ما )| ئَرَ مثله قبله ولا بعده» ولكن بعد 
طلوعنا إليه ووصولنا إلى امحل المذكور لم جس بشيء من ذلك لاستلذاذنا لذلك 
المنظر هي وال الس وف أصل الحبل غار يزعمون أن النبي» صلى الله عليه 
وسلې» اختفى في ولا يصح ذلك ففي مسند أحمد عن ابن عباس رضي الله عنه: 
وحال المسلمون حولة نحو احبل و لم يبلغوا حيث يقول الناس الغارء إنما كان تحت 
اراس ه. وف أعلى الشعب عند مضيقه من حيث يشرع في الصعود للجبل 
ا موضع المسَمّى بالمهراس» وهي مواضع منقورة في ابخبل بين صخور عظيمة يجتمع 
فيها المطر فل ما تخلو منه» وقد وحدنا يما مياهاً كثيرة وحلسنا هنالك برهة في ظل 
بارد وماء مسكوب وشربنا من مائه» وتوضأناء ومنه غسل حرحه» صلی الله عليه 


(1) وفاء الوفا 319:3. 
(2) في ط: الحرم. 
)4 ساقط من طء 


- 405 - 


وسلم» يوم أحد كما في الصحيح". وقد أحذت من نبات ذلك الحبل المبارك 
وأزهاره ضغنا أكلنا بعضه وأصحبنا بعضه معنا إلى بلادنا. وتحت المهراس بقايل 
موضع يقال إنه موضع الصخرة ال مض» صلى الله عليه وسل > ليعاوهاء ولیس 
طلحة نحته رضي الله عنه. وقال ابن هشام يي السيرة: بلغي (عن عكرمة) 2 عن 

ابن عباس أن رسول الاق > صلی الله عليه وسلې ۾ ييلغ الدرحة البينة في 
الشعب()؛ أي فليست هي الصخرة المذ كورة. 


ومن المساحد الي تزار بأحد المسجد اللاصق بأحد على عينك وأنت ذاهب 
في الشعب للمهراس» وهو صغير منهدم. قال السيدا: والناس يسمونه مسجد 
الفسح ويقولون: إن فيه نزلت (يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا)#© الآية. 
ويقال إن النبي» صلى الله عليه وسلي صلى فيه الظهر والعصر يوم أحد بعد 
انقضاء القتال. وعن رافع بن خديج أن النبي» صلى الله عليه وسلم » صلى ي 
المسجد الذي بأحد يي شعب الخدار على عينك لازق بالجبل. قلت: وبين هذا 
المسجد وبين مشهد حمزة في البيداء الى هناك مسجد صغير مب بالحجارة المنحوتة 
مرتفع عن الأرض أقل من قامة يصعد إليه بدرج غير مسقف ولا مرتفع الحيطان 
يقال له مسجد الثنية» واحدة ثنايا الإنسان» يقال إن فيه كسرت رباعيته صلى الله 
عليه وسلم. وحوله كان نزولنا بخبائنا لما رحنا مع أهل المدينة المشرفة في الرحبية 
وبتنا هنالك في أرغد عيش وألذه» فيا ها من ليلة لو بيعت بجميع العمر لكان البائع 
مغبوناء بل ولو وزنت بليال الشباب لرححت به» ولو كان الموزون يما درا ثمينا. 
وهذا المسجد لم يذكره السيد السمهودي رضي الله عنه. 


ومن المساحد الي تزار بأحد مسجد ركن حبل عينين الشرقي على قطعته 

من الخبل» وهذا الحبل ف قبلة مشهد سيدنا حمزة» رضي الله عنه» وهو الحبل الذي 
كان عليه الرماة يوم أحد. وموضع المسجد هو المكان الذي طعن فيه حمزة) رضي 
الله عنه. وقد روي عن حابر» رضي الله عنه» أن البي» صلى الله عليه وسلم > صلی 


)1( صحيح البخاري 1063:3. 
)2( زيادة من ط. 

)3( في الرحلة: الذبي. 

(4) السيرة النبوية 35:4. 

(5) وفاء الوفا 204:3. 

(6) المجادلة: 11. 


- 406 - 


الظهر يوم أحد على عينين الطرف الذي بأحد عند القنطرةا". قال السيد: يعني 
بالقنطرة قنطرة العين الي كانت هناك قدعا6. 


ومن المساحد بأحد أيضاً مسجد الوادي على شفيره شامي جحبل عيسنين 
قريب من المسجد قبله يقال إنه مصرع مزة» رضي الله عنهم وأنه مشى بطعنته من 
الموضع الأول إلى هذا فصرع. . وقد روي أن حمزة» رضي الله عنه» لما قتل أقام ف 
موضعه تحت حبل الرماة نم أمر به النبي» صلى الله عليه وسل فحمل من بطن 
الوادي» ويسمى هذا المسجد أيضاً عصلى رسول الله صلى الله عليه وسلماة. قال 
السيدا: وتسميته بالمصلى إما لكونه موضع مصلى الصبح على ما حاء في غزوة 
د أ صلى ال عليه وسلء» صلى بأسحايه امس وضع لوطل رئ ول اع 
السلاح» يعن قبل القتال» وإما لما ورد من صلاته» صلى الله عليه وسلم» على 
حمزة. 


ومن المساحد أيضاً مسجد طريق السافلة۴» وهي الطريق اليم الشرقية إلى 
مشهد حمزة» رضى الله عنه» يقال إنه مسجد أبي در الغفاري رضى الله عنه. 
وروی البيهقي في شعب الإيكان عن عبد الرحمن بن عوف» رضي الله عنه» أنه 
كان برحبة المسجد فرأى النبي» صلى الله عليه وسلم» خارحا من الباب الذي يلي 
المقبرة فخحر ج على ثره فدخل حاتطا من الأسواق فنوضا م صلى ركعتين فسجد 
سجدة أطال فيهاء وأن الي صلی الله عليه وسلې» قال له(: إن حبريل» عليه 
السلا بشرن أنه من صلى علي صلى الله عليه ومن سلم علي سلم الله عليه 
وف بعض طرفه ذكر السجود فقط وقال: فسجدت لله شكراً. قال السيدا بعد 
نقله لما تقدم: والأسواق قريبة من محل هذا المسجد فلعله مسجد السجدة 


المذكورة. 


(1) أنظر: الطبقات الكبرى 39:2. 

)2( وفاء الوفا 206:3. 

(3) المصلى: في الأصل اسم لموضع الصلاة» ثم صار بالغلبة علما على مصلى العيد: الجواهر الثميئة 
١ .2‏ 

(4) وفاء الوفا 130:3. 

)5( يقع مسجد السافلة في شرقي الطريق إلى مسجد السيد حمزة:؛ ويقال إنه مسجد أبي ذر الغفاري: 
الجواهر الثمينة 2 501. 

(7) شعب 5 012 

(8) أنظر: وفاء الوفا 421:3. 


- 407 - 


اجار يقال إن ايء صلی ال عليه وساي حلس فيه للاستراحة بعد ال روع 
من أحد» و لم يذكره السيد رحمه الله. 


ومن المساحد الي ينبغي زيارتها والصلاة فيها مساحد مصلى الأعياد الي 
صلى النبي» صلى الله عليه وسلمء > العيد فيهاء وقد ورد أنه صلى العيد ف أماكن 
متعددة» والمشهور منها الآن ثلاثة كلها غربي المدينة حارج باب المصري بين 
الموضع المعروف بالمناخة» وبطحان أحدهاا؟ يسمى مسجد مصلى العيد©» والآخر 
ينسب لعلي» رضي الله عنه» والآخر لأبي بكر رضي الله عنه. قال السيد©: ولعل 
سبب نسبتهما إليهما كوفهما صليا فيه العيد؛ أبو بكر في خلافته» وعلي لما حصر 
عثمان» رضي الله عنه» وإلا فيبعد أن يصليا في غير مصلى النبي صلى الله عليه 
وسلم. وروي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم» حرج إلى المصلى 
يستسقي فبدأ بالخطية ثم صلى وقال: هذا مجمعنا ومستمطرنا ومرعانا لعيدنا 
ولفطرنا وأضحانا. فلا بين فيه لبنة على لبنة ولا خيمة» وقد حمل بعضهم قوله 
عليه السلام: ما بين بي ومصلاي روضة من رياض الكنة» على مصلى العيد 

فتتسع الروضة وفضل الله أوسع. وعن أبي هريرة رضي الله عنه» كان البيي» صلى 
الله عليه وسلې إذا قدم من سفر فمر بالمصلى استقبل القبلة ووقف يدعو. 

وحق هذا المسجد أن يقدم ذكره أول المساحد ولكن اقتضى الخال تأخيره 
إلى هنا. وهذا آخر القول ثي المساحد المعلومة العين بالمدينة وأطرافهاء وقد زرناها 
كلها والحمد ل خخصوصاً ما كان منها بطريق أحد أو بطريق قباى فقد تعد 

بحيئنا إلى الحلين مرارت كثيرة» فنمر على ما كان بالطريق منهاء وقد تبعت السيد 
رحمه الله في ذكر ما ورد من فضائلها وتعيين أماكنها وأساميها القبهة وهو 
القدوة ف ذلك وكلامه المعول» وهو حدير بأن يقتدى به في ذلك» فقد جمع من 
ذلك وحرر ما لم يحرره غيره رضي الله عنه. 


[2) ين مسجد مصلى الميد غربي المديئة: التحفة اللطيفة 41:1. 
(3) وفاء الوفا 1313 


(4) المعجم الكيير: 147:1. 
- 408 - 


ذكر الآبار التي ورد أن النبي؛ صلى الله عليه وسلم؛ تفل فيها 
أو شرب أو توضأ فاكتسبت بذلك فضلا على غيرها" 
مصارت مقصودة بالزيارة والاستشفاء بمائها 


وم نذكر منها إلا ما زرناه وشربنا من مائه» وهي سبعة أوا: شر أريس» 
كجليس» نسبة إلى رحل من اليهود اسه أريس» وهو الفلاح يلغة أهل السّشام8. 
وي الصحيح خببر خخروج رسول الله صلى الله عليه وسل وأن أباموسى 
الأشعري خرج في أثره حي دخخل بثر أريس وتوسط فيها وكشف عن ساقيه» وأن 
أبا بكر حاء ثم عمر ففعلا مثل ذلك ثم حاء عثمان وبشر شر اللجميع بالجنة) الحديث 
بطوله©. وق الصحيح أيضا أن حا البي» صلی الله عليه وسلې > کان ف يد أبي 
بكر ثم في يد عمر ثم في يد عثمان حين سقط منه في بثر أريس فلم يوجدا». واما 
ما اشتهر على الألسنة أن النبي» صلى الله عليه وسلم» > تفل فيهاء فقد قال العراقي!5 
2 تخريج أحاديث الإحياء: لم أقف له على أصل. قال السيد: ومن الغريب قول 
العز بن جماعة فى منسكه: قد صح أن البي صلى الله عليه وسلې > تفل فيها 
وهذه البئر في حديقة غري مسجد قباء قريب منه وماؤها غزير يسقى منه إلى 
بر كة يي الحديقة. وټ هذه الخديقة أنواع من الفواكه والأشجار» ويا عنب كثير 
قلما يدحل أحد للزيارة في وقت العنب إلا ويشتريه ويأكله فيه حي ظن بعض 
العوام أن ذلك من القربات. وأهل المدينة يقصدون هذه الحديقة للقائلة© فيها 
والتفر ج» وقد حعل لائها نفقا من أسفلها على وحه الماء حى يصل ماؤها بالبئر 
الي يقال ها العين الزرقاء» وهي في حديقة أخرى قريبة من بثر أريس» وهي بشر 
(1) ساقط من ط. 

(2) وفاء الوفا 339:3. 

(3) صحيح مسلم 4: 1868. 

(4) صحيح البخاري 2202:2 

)5( العراقي: عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحيم المعروف بالعراقي» الحافظ الكيير» ولد سنة 725 
بمصرءعرحل إلى بيت المقدس ومكة والشام فأخذ عن شيوخ هذه الجهاتء وتصدى لأتصنيف والتدريس» 
ومن جملة مصئفاته: : تخريج أحاديث الإحياء» والألفية في علم الحديث وشرحهاء توفي سنة 806 ه: 
البدر الطالع 354:1. 

(6) وفاء الوفا 346:3. 

(7) ساقط من ط 

(8) يقصد القيلولة؛ وهي الاستراحة نصف النهار: لسان العرب: قيل 

(9) في ط: مت. 


- 409 - 


كبيرة قد أمدت مياه آبار متعددة» منها بئر أريس» فصارت متبحرة يشخب" فيها 
ميزابان عظيمان من مياه غيرها من الآبار» فاتخذت ها أسراب تحت الأرض إلى أن 
حرحت إلى بطحان ثم إلى غري المدينة فقسمت حداول» فأدحل منها إلى المدينة ما 
احتيج إليه فأظهرت داخل المدينة في مناهل مُتَعَذّدة وبين ها بناء متقن يهبط إليها 
في نحو ثلاثين درحة محكمة البناء متقنة الوصف واسعة الممشى منها يستقي 2 أهل 
المدينة كلهم لشرهم والذي رأيت منها ثلاثة مواضع أحدها شرقي المسجد بينه 
وبين باب البقيع في المكان المسمى الآن بالحرة والآخر خارج باب السلام في 
الناحية الغربية عند سوق المدينة بالبلاط» والآحر شامي المسجد بعیدا منه إلى ناحية 
باب الشامي. وأما حارج المدينة فأخرحت في محال متعددة أيضاًء ثم م تزل تقرب 
من وحه الأرض قايلاً كلما انحدرت في أرض المدينة إلى أن خرحت على وحه 
الأرض قريباً من الغابة شرقي مسجد رومة» بينه وبين أحد وعليها هنالك مزارع؛ 
وقد رأيت حدولاً منها قريباً من مسجد الراية في طرف ذباب يهبط إليه في نحو 
ثلاث در ج» وهذه العين المباركة من أغزر العيون وأحلاها ماء» والذي ما حل 
انتفاع أهل المدينة. ومنها كل السبيلات الموقوفة بالمدينة» ومنها تملأ الدوارق الي 
توضع في الحرم الشريف للشرب» وهي لا تكاد تحصى كثرة فما أعظم بركتها 
وأوسع نفعهاء ولقد شاهدت من يستشفى عائها فيشفى» وقد حمانا بعض مائها 
للاستشفاى وله در القائل©: 
[طويل] 

لن قيل في زرق العيون شآمة فعندي أن اليمنَ في عَينها الررقاء 

وتسميتها بالعين الزرقاء من لحن العامة» وصوابه عين الأزرق» لأن مروان 
الذي أحراها لمعاوية كان أزرق العينين لقب بالأزرقا#» وكان إحراؤه هذه العين 
بأمر معاوية لما ولاه المدينة» وكان لعاوية» رضى الله عنه» اهتمام بذلك» فأحرى 
بالمدينة وما حوها عيونا كثيرة قد درت كلها وم يبق إلا هذه العين البا ركت وقد 
اعتئ بشأنئها من قبل السلطنة» فلها أوقاف معلومة وحرايات تأنَ من عند 
(1) يشخب: يسيل: سان العرب: شخب. 
(2) في ط: يستسقى 
(3) الدوارق: مقدار لما يشرب يكتال به: لسان العرب: درق. 


(4) ورد البيت بلا نسبة في: الجواهر الثمينة 302:1. 
(5) الجواهر الثمينة 302:1. 


- 410 - 


السلطان» وها أمير معلوم وله خدام يتفقد أحوالها على مر الأزمنة ويصلح ما وهى 
منهاء ولولا ذلك لدئرت كغيرها من العيون. 

قال الواقدي: وكانت بالمدينة على زمن معاوية صواق كثيرة» وكان يجد 
بالمدينة وأعراضها مائة ألف وسق وخمسين ألف وسق» ويحصد مائة ألف وسق 
حنطة ه. فهذا الذي كان يجد معاوية وحدى فما بالك عا كان لغيره من الرعايا 
ووجحوه الناس» فقد كان للصحابة) رصي الله عنهې وأبنائهم في ذلك الزرمان 
ضياع وقرى ومزارع كثيرة بالمدينة وما حوطاء وما أظن هذا العدد الذي كان 
أقطارهاء ما عدا بحد فإن يما زراعات كثيرة» وهذا تعلم نسبة زماننا هذا إلى 
الأزمنة الماضية ف سعة الأرزاق وكثرة الخلق» مع أن اهتمامهم ف ذلك الوقت 
بالدين كان أكثر من اهتمامهم بالدنيا» فأنت ترى كيف انبساطها عليهم» وأما 
الآن فالاهتمام كله بالدنيا» ول يبق من الاهتمام بالدين إلا ما نسبته إلى الاهتمام 
بالدنيا نسبة الفلك الأعظم إلى الجزء الذي لا يتجرأء وهذا أعظم دليل على قرب 
انقراض الدنيا واستبدال عمرانا بالخراب وأثمارها بالسراب» فإن عمرائما إغا هو 
بأسباب الدنيا والدين!» وأنت ترى ما آل إليه أمرعما معاء فنسأل الله تعالى 
الخروج من الدنيا بلا محنة ولا بدعة آمين2. 


عر د( 4 


قلت: قال السيد: ومن الغرائب ما ذكره الميورقى) ف فضل الطائف عن 
شيخ الخدام بدر الشهابي أنه بلغه أن ميضأة وقعت يي عين الأزرق بالطائف 
فخر بحت بعين الأزرق بالمدينة!6ة) ه. 


(1) في ط: البنين. 

)2( ساقط من ط. 

)4( أحمد بن علي العبدري الميورقي» له كتاب: بهجة المهج في بعض فضائل الطائف ووج» توفي 
بالطائف سنة 678: وفاء الوفا 401:3. 

(5) وفاء الوفا 401:3. 


- 411 - 


ولعل هذه الحكاية وأمثاها هي السبب في اعتقاد كثير من حَهلة الحجاج أن 
العين الزرقاء أصلها من مكة» وأنما هى الي حاءت إلى مكة من ناحية عرفة من 
حبال وراءه» ويقولون إنه لما هاحر النبي» صلى الله عليه وسل من مكة تبعته 
فهي الي ظهرت عر الظهران ثم بخليص ثم ببدر ثم بالخيوف كلها إلى أن وصلت 
المدينة» ويصممون على ذلك حى إن رأيت بعض من هو معدود من الفقهاء 
يعتقد ذلك فقلت له كما قال الإمام أبو بكر بن العربي» رضي الله عنه» في مسألة 
الصلاة على النجاشي حيث قال بعضهم: رفع له حي رآه النبي» صلى الله عليه 
وسلمى والآية" الظاهرة على يديه غنية عن انتحال ما لا أصل له وبطلان كون 
هذا العين من مكة أوضح من أن يذكر فإن لم يكن في زمنه» صلى الله عليه وسلم 
بعرفة ولا عكة ولا بالمدينة (عين)© تذكر على هذا النعت ولا ما يقرب منه؛ وإغا 
أحريت هذه العيون بعد ذلك بأزمان. 

الثانية: بثر البْصة!» بضم الموحدة وتخفيف الصاد المهملة» ما هو الدائر على 
ألسنة أهل البلد. وقال الجحد صاحب القاموس: إنه بالتشديد» كأنه من بص الماء 
بصاء رشح". قال: وإن روي بالتخفيف فمن وبص يبص وبصا وبصة كوعد يعد 
وعدا وعدة إذا بلغ» أو من وبص لي من المال أي أعطان. فقد روي عن أبي سعيد 
الخدري» رضي الله عنه» قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم» يأ الشهداء 
وأبناءهم ويتعاهد عياطهم فقال: فجاءن يوما فقال: هل عندك من سدر أغسل به 
رأسي فإن اليوم الجمعة. قلت: نعم. فأخرحت له سدرا خرحت معه إلى الْبْصةت 
فغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم» رأسه وصب غسالة رأسه وصراقة شعره 
ف البصة. 

وهذه البثر قريبة من البقيع على طريق قباء في حديقة نخل على طرف 
بطحان» وماؤها أخضرء وهناك بثر أخرى صغيرة» قال المطري/6: والناس يختلفون 
فيهما أيتهما بثر البصة» والصغرى هي الى تلي أطم مالك بن سنان والد أبي سعيد 
الخدري. ورحح السيد أنما الصغرى حاكيا عن غيره في الأطم المذكور أنه الذي 


(1) في ط: الآيات. 

(2) زيادة من ط. 

(3) البصة: تقع بالقرب من البقيع على يسار الطريق السالكة إلى قباء: الجواهر الثمينة 277:1. 
)4( القأموس: فصل البا 4 

(5) في ط: المطرزي. 


- 412 - 


يقال لبئره البصة. قال: والكبرى لا تنسب للأطم لبعدها منه. وقد ابت بقرب 
الصغرى مسجد واتخذ ها درج يترل فيها إليها» وقد شربنا من مائها مرارا 
وتوضأنا واغتسلنا والمنة لله وحده. 


الثالثة: بئر بضاعةا» بضم الموحدة على المشهور» وحكى كسرها وفتح 
الضاء المهملة© وأهملها بعضهمء وبالعين المهملة ثم ها غربي برها إلى حهة 
الشمال» فعن أبي سعيد الخدري» رضي الله عنه» قيل لرسول الله صلى الله عليه 
وسلم» إنه يستقى لك من بثر بُضاعة» وهي يطرح فيها ما يكره من النعن» قال: 
لماء لا ينجسه شيءا. وتي رواية: إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه. وعن 
سهل بن سعد: بصق الڼي» صلی الله عليه وسلې في بثر بضاعة وسقيته بيدي 
منها. وعن سول أيضا: بثر بضاعة قد بصق النبي» صلی الله عليه وسلم» > فيه" 
فهي يتنشر ها ويتيمن. قال ابحدا: في الخبر أن النبي» صلى الله عليه وسل أتى بثر 
بضاعة فتوضأ من الدلو وردها إلى البئر وبصق فيهاء وكان إذا مرض المريض في 
أيامه يقول: اغسلون من بثر بضاعة فيغسل فكأنما نشط من عقال. وقالت أسمعاء 
بنت أبي بكر: كنا نغسل المرضى من بتر بضاعة ثلاثة أيام فيتعافون. قلت: وقد 
كنت أيام مرض بالمدينة أبعث إلى مائها فأغتسل به فأحد الراحة» والبئر في حديقة 
كبيرة ذات نخل أقرب أبواب المدينة إليها باب الشامي عن عين الخارج منه قليلاً 
وحوطًا مسجد وبركة ماء. 


الرابعة: بثر حاءا» بفتح الموحدة وكسرهاء وفتح الراء وضمهاء وبالمد فيهما 
وبفتحهما والقصرا فيعلى من البراح» وهي الأرض المنكشفة» وقيل: بثر أضيف 
إلى حاء من حروف اجاء» وهو اسم رحل وامرأة ومکان» و حبر ها في الصحيح» 
وأا كانت مستقبلة المسجد» وكان رسول الل صلى الله عليه وسلى يدحلها 


)1( بئر بُضاعة: : تقع شمال المدينة» وعندها مسجد: الجواهر الثمينة 275:1. المغاذم المطابة» ص: 31. 
(2) في ط: المعجمة. 

)3( السنن الكبرى 257:1. 

(4) المعجم الكبير 122:6. 

(5) المغائم المطابة في معالم طابة30» وفيها: البضة. 

(6) بئر حاء: تقع وسط حديقة قرب البقيع» طولها عشرون ذراعاء وعرضها ثلاثة أذرع: الجواهر الثميئة 
1 المغانم المطابة, ص: 36. 

(7) في ط: وقصر. 


- 413 - 


ويشرب من ماء فيها طيب» وهي اليوم يي حديقة صغيرة قريب" من سور المدينة 
ثماليه بينهما الطريق» وأقرب أبواب المدينة إليها باب البقيع» وهي بينه وبين باب 
الشامي. قال السيد: والظاهر أن بعضها اليوم داحل السورا۴» وقد دخلتها والحمد 
ل مراراء واستصحينا شيئً من زرع تلك الخديقة اللسقي ماعا 

الخامسة: بئر رُومة(6: بضم الراء وباهمز ودونه» وق الحديث: نعم القليب 
ليب الري» فاشتراها عثمان قتصدق ها وورد أيضاً: نعم الحفيرة حفيرة مزق» 
يعني رومة. وعنه صلى الله عليه وسلم: من يشتري رومة فله مثلها في الجنة# 
وكان الناس لا يشربون منها إلا بالثمن(©» فاشتراها عثمان فجعلها شف وکانست 
لرحل من غفار أو مزينة» أو ليهودي امه رومة» فنسبت إليه» وهي بثر حاهلية» 
روي أنه استقى منها لتبع لما نزل بقناةه وهي بأسفل العقيق قرب مجتمع الأسيال» 
ولم أزر هذه البئر إلا مرة واحدة لبعدها والطريق إليها على مساحد الفتح» 3 
يعدل يساراً إلى ناحية مسجد القبلتين» > ثم بكر تحته أسفل منه قاصدا العقيق» فهي فهي 
هناك وبقريها مزارع. ولا حرحنا لزيارتهاء وكان ذلك عقب مطر» فوحدنا العقيق 
قد سال سيلا عظيما فحال طرف منه بيننا ويينها» فخضناه حي وصلنا. ومعظم 
سيل الوادي من غربيه. 

السادسة: بئر غرس7©» بضم فسكون. وقال المحد: بفتح وسكون» وض بطه 

بعضهم بالتحريك كشجر» وهي بثر شرقي قباء على نص ميل من مسجدها إلى 
حهة امال وقد ورد أن راا غلاما لي صلى الله عليه وسكي > كان يستقي 
من بئر غرس مرة ومن بثر السقيا مرة. ولابن حبان ف الثقة" عن أنس أنه قال: 


(1) ساقط من ط. 

)2( وفاء الوفا 370:3. 

(3) بئر رومة؛ تقع غربي المدينة» وهي في براح واسع من الأرض: الجواهر الثميئة 274:1. المغائم 
المطابة» ص: 40. 

)4( نص الحديث كما ورد في صحيح ابن خزيمة 121 :4:حدثنا إبراهيم بن محمد فلهئا حدثنا يحيى بن 
أبي الحجاج حدثنا الجريري بتمامه حدثني القشيري قال تم شهدت الدار يوم أأصيب عثمان وأشرف علينا 
فقال يا أيها الناس من أنشددكم الله والإسلام هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس 
بها بئر مستعذب إلا رومة فقال من يشتري رومة فيجعل دلوه فيها كدلاء المسلمين بخير له منها في الجنة 
قالوا الهم نعم قال فان شتريتها من خالص مالي وأنت تمنعوني أن أفطر عليها حتى أفطر على ماء البحر. 
(5) في ط: بثمن. 

(6) بئر غرس: بينها وبين مسجد قباء من جهة المشرق نحو نصف ميل: الجواهر الثمينة 272:2. 

)7( يقصد كتاب الثقات للحافظ ابي حاتم محمد ابن حبان المتوفى نة 354 ه: معجم المؤلفين 173:9. 


- 414- 


إيتون اء من بثر غرس فإن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب منها 
ويتوضاً. ولابن ماحة بسند حيد عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه 
وسلم: إذا أنا مت فاغسلون بسبع قرب من بثر غرس". وكانت بقبای وكان 
يشرب منها. وثي رواية: لم تحلل أوكيتهن» وكانت البئر لسعد بن خيتمة. وروي 
أنه عليه وسلم توضأ منها وأهرق بقية وضوئه فيها. وروي أيضا أنه قال: رأيت 
الليلة أن أصبحت على بثر من الحنة فأصبح على بئر غرس فتوضاً منها وبزق فيهاء 
وأهدي له عسل فصبه فيها. وقد حعل لا درج يترل إليها منها وحوها حديقة 
ويجانبها مسجد وقد زرقا مرة والحمد لله. 

السابعة: بئر اليسيرة#» من اليْسر ضد العسرء وتعرف الآن ببشر العهن» 
بكسر فسكون» وهو لغة الصوف الملون» وهي معروفة بالعوالي مليحة حدا منقورة 
في الخبل وعندها سدرة. فقد روي أن رسول اللى صلى الله عليه وسلم حاء بن 
أمية بن زيد فتوقف على بثر لهم فقال: ما اسمها؟ فقالوا: عسيرة. فقال: لاء ولكن 
اسمها اليسيرة» وبصق فيها وبرك فيها. وروی ابن سعد في طبقاتها» عن عمر بن 
أي سلمة أن البي» صلى الله عليه وسلمء سماها اليسيرة» وأن أباه أبا سلمة غسل 
بعد موته بين قرنيهاء وقد زر ما والحمد لله وشربت من مائهاء وهي ل عوالي 
المدينة قريب من مسجد بن قريظة» وعلى بايا حديقة كبيرة حسنة ملك لبعض 
المغاربة. فهذه الآبار السبعة هي المشهورة اليوم عند أهل المدينة» وقد نظمها الزين 
المراغي فيما أنشد عنه السيد في بيتين وهما(6: 


إذا رمت آبارٌ النئ بطيية فعدثها سبع مقالا بلا ومن 
أريس وغرس رومة وبضاعة كذا بْصة قل بير حاء مع العمهن 
قلت: وبقى بئران آخران يتبرك بمماء أحدها بثر السقياء فقد ورد أن عليه 
السلا كان يستعذب له الماء من يئر السقيء والسقيا هذه ف آخر مترلة النقا على 
(1) سنن ابن ماجة 471:1. 
(2) بئر اليسيرة: بئر بالعالية متقورة في الجبل» وتعرف ببئر العهن: الجواهر الثمينة 280:2. 
)3( الطبقات الكبرى 241:3. 


(4) يقع مسجد بني قريظة شرقي مسجد الشمس بعيد عنه بالقرب من الحرة الشرقية: التحفة اللحليفة 41:1. 
(5) وفاء الوفا 396:3. 


- 415 - 


يسار السالك إلى بئر علي» وهي بالحرة الغربية» وحوطًا بركة عظيمة لورود الحاج 
أيام نروطم هناك. والثاني بثر زمزم» وهي قريبة من السقيا على عين الطريق حسى 
زعم بعضهم أا بئر السقياء وهي بثر مليحة في حديقة نخل حوطا بركة وبنائ 
وسمميت زمزم تشبيها ها بزمزم في التبرك هما ونقل مائها للآفاق» وقد زرتها والحمد 
لله وكانت إذ ذاك ملكا لبعض أصحابنا المغاربة الحاورين» فأطعمنا من تمر 
حديقتها وسقانا من مائها. وقد عد السيد» رحمه الله آبارا متعددة سوى هذه ثم 
قال: فمن ذكر أنها سبعة فقط قصور منه". وقد اقتصرت أنا على ما شاهدت 
منها وشربت من مائه. 

ومن المواضع الي يتبرك ها بالمدينة تربة صعيب» فقد روي أن النبي» صلى 
الله عليه وسلې أتى بن الحارث فإذا هم روبيى. فقال: مالكم يا بن الحارث روبي؟ 
قالوا : أصابتنا يا رسول الله هذه الحمى. قال: فأين أنتم عن صعيب. قالوا: يا 
رسول الله ما نصنع به؟ قال: تأخذون من ترابه فتجعلونه في ماء فيتفل عليه 
أحدكم ويقول: : باسم الله تراب أرضنا بريق بعضنا شفاء لمريضنا بإذن ربنا. ففعلوا 
فت ركتهم الحمى©. قال طاهر بن يى العلوي عقب روايته ذلك عن أبيه: صعيب 
وادي بطحان دون الماحشونية) وفيه حفرة ما يأحذ الناس من وهو اليوم إذا وى 
إنسان أحذ منه. قال ابن النجار: وقد رأيت أنا هذه الحفرة والناس يأخذون منها 
وذكروا امم قد حربوه فوحدوه صحيحاً. قال: وأخذت منه أيضاً. قال السيد بعد 
ذكر ما تقدم: وهذه الحفرة موحودة يأثرها الخلف عن السلف وينقلون ترايها 
للتداوي. وذكر المحداة أن جماعة من العلماء ذكروا أهم حربوه للحمى فوحدوه 
صحيحا. قال: وأنا سقيته غلاما لي مريضا من نحو سنة تواظبه الحمى فانقطعت 
عنه من يومه. وذكر هو كالمطرزي» أن ترابه يجعل في الماء ويغتسل به من الحمى. 
قال السيد: فينبغي أن يفعل أولا ما ورد ثم يجمع بين الشرب والغسل. 

قلت: وقد وصلت أنا إلى موضع هذه الحفرة وأخذنا من تراما واستصحبناه 
معنا لبلادنا بقصد التداوي» وقد نص غير واحد على حواز نقله للتداوي كماء 
زمزم للتبرك» وم يزل عمل الناس على ذلك قديعا وحديثا. وقد ذكر الاستشفاء 


(1) وفاء الوفا 395:3. 


(2) معجم ما استعجم 834:3. 
(3) يقصد الفير وزآبادي محمد بن يعقوب المتوفى سنة 887» صاحب المغائم المطابة. 


- 416 - 


Ê £ ۶ £‏ 
أيضا مم ١‏ بتر اب مذ زه وقد استشفيت انا ايا م بالمدينة بتر بة 
صعيب فحصلت بركتها وله الحمد. 


ذكر بعض أودية المدينة التي تسيل 
إذا كثرت الأمطار فيخرج أهل المدينة للتنزه بها 


فمنها وادي العقيق!"» وهو أيضا من المواضع المباركة الي ينبغي زيارقا ففي 
الصحيح عن ابن عمر قال: ”معت رسول الله صلى الله عليه وسلم» يقول: بوادي 
العقيق أتان الليلة آت فقال: صل في هذا الوادي المبارك!©. وروي أيضا مرفوعا: 
العقيق وادي مباركا۴. وروي أن عمر» رضى الله عنه كان إذا انتهى إليه إن 
وادي العقيق قد سال قال: اذهبوا بنا إلى هذا الوادي المبارك وإلى الماء الذي لو 
حاءنا حاء من حيث حاء لتمسحنا به. وقال فيه عليه السلام: هذا الوادي يبنا 
و نحبه. 

والعقيق وادي كبير غربي المدينة وراء الحرة الغربية يأن سيله من أماكن 
بعيدة ورعا دام شهرا فأكثرء وأسفله مما يلي الحرف هو المسمى بالعرصة إلى غربي 
رومة» وما فوق ذلك إلى البقيع يسمى العقيق. والمشتهر في زماننا بالعقيق من غربي 
رومة إلى ذي الحليفة» وي العقيق بين عروة الي أكثر الشعراء من ذكرها في 
تشيبهم» وفيها يقول السري بن عبد الرحمن الأنصاري»: 

[خفيف] 
كفثوين إن مت في درع أزوى واستقوا لي من بكر عُروة ماء 
سخنة في الشتاء باردة في الصيا 2 ف سرب في الليلة الظلماء 


(1) وادي العقيق: يقع على ثلاثة أميال من المدينة وقيل على ميلين منها: الجواهر الثمينة 349:1. 
)2( صحيح البخاري 556:2. 

)3( صحیيح البخاري 556:2. 

(4) ورد البيتان في: الجواهر الثميئة 353:1. 


- 417 - 


وعروة المنسوبة إليه البئر عروة بن الزبيره رضى الله عنه فإنه هو الذي 
حفرها وبئ هنالك قصره بالعقيق» وهو منقسم إلى أصغر وأكبر. قال عياض ": 
البقيع صدر العقيق» وهما عقيقان أدناهما عقيق المدينة» وهو أصغر وأكبر» فالأصغر 
فيه بئر رومة» والأكبر فيه بئر عروة. والعقيق الآخر على مقربة منه» وهو من بلاد 
مزينة» ومعي عقيقا لأن سيله عق في الحرة» أي شق وقطع. وقيل عي بذلك الحمرة 
موضعه. وقد روي أن عمر» رضي الل عنه لما أقطع الناس العقيق وقف يي موضع 
بئر عروة بن الزبير ال عليها سقايته وهو يقطع الناس فقال: أين المستقطعون فنعم 
موضع الحفيرة» فاستقطعه ذلك حوات بن حبير الأنصاري ما قطعه تلك الناحية 
فاشترى غروة موضع قصره وبياره بعد وقد صدقت فراسة عم رضى الله عنه 
في هذه البئر كما هو شأنه في كل ما يتفرس فيه. فهذه البئر من أغزر الآبار ماء 
وأحلاهاء ولذلك أكثر الشعراء من ذكرها في أشعارهم وفيها يقول بعضهم من 
حملة قصيدة: 

ألا ليت شغري هل إلى الرمل عَودة 2 وهل لي بتلك البانتين لام 

وهل فلة من بكر عُروة عنيّة ‏ أداوي بماققبابرهأوام 


ولشعرائهم الأقدمين فيه أشعار كثيرة مذكورة في كتب الأدباء. وقد حطصرت 
بحافتيهى وطبخحت الأطعمة الكثيرة مع سرور وهو وطرب» وأقاموا بهيوماأو 
يومين» وقد سال مرة سيلا عظيما منع الرفاق والواردين من مكة للرحبية عن 
الوصول إليها إلا بعد مدة» وقد حضرتين أبيات ونحن على شاطئه مع جملة من 
أصحابنا أوطاا6: 


[بسيط] 


4 


جرى العقيق ودمعي كالعقيق جرى فلا تسل سائلي عما هفاك جرى 


(1) أنظر: وفاء الوفا 11:4. 
(2) البيتان للشيخ عبد السلام بن يوسف: الجواهر الثمينة 352:1. 
)3( وردت الأبيات في كتاب: أبو سالم المتصوف الأديب» ص: 320. 


- 418 - 


الوجذ أورّى زنادا في الحشا فى 
أذكرني جريّهُ جري السوابق في 
وظله والتسيم في جوان ا" 
أذكرئ زممسا عند الذين يهم 
قومي وهلي ومن ألبست بينهم 
قد استبدلت منهم نفس المشوق سوى 
أكرم بذا بدلا قد فاز آخذه 


(ومن جملتها هذه)0: 


سال العقيق ودمهي 


2 أبيات . 


ومنها وادي بطحان» وهو الوادي المتوسط بيوت المدينة» ودور الأنصار 
غالبها على حافتيه شرقا وغرباء وهو بعر من شرقي قباءء ثم يعر كذلك إلى أن عر 
غربي سور المدينة إلى طريق المصلى حي يخرج إلى غربي لع وقرب مساحد 
الفتح» ثم كر كذلك إلى أن يلتقي مع العقيق بالغابة حيث مجتمع الأسيال» فقد 
روى البزار عن عائشة مرفوعا: بطحان على ترعة من ترع الخنة). وقد سال مرارا 
ونحن بالمدينة» فخر ج الناس للتفرج فيه. 


(1) في خ وط بجوانبه» والصواب ما أثبتنا 

)2( زيادة من طء ويقصد الأبيات التي استحضرهاء 
(3) بطحان: وادي في وسط المديئة: وفاء الوفا 133:2. 
)4( التأريخ الكيير 2: 51 


به الفؤ اڈ فسال الدمع مبعدرًا 


بين الكثائب في ايدان مُعتجرا 


أكربني فسرى الأحزان حين سّرى 


أفاخر الشهب في وسط الدجا سحرا 


شرخ الشباب نظيفا طييا عطرا 


طيب جاورة المختار من حضرا 


لو أنه في الشراء أدفع العمرا 


[بجنت] 


سال كمشل العقيق 
وأدميغي كاالحريق 


وك 0 ن 1 رفي ق 


- 419 - 


وعلى حافتيه منازل كثيرة لأهل المدينة قد حعلت لمم بشبابيك ومجالس إلى 
ناحية الوادي» وعليه قنطرة كبيرة قرب المصلى» وقل ما يخلو أعلاه من ماء يسيل 
به بخلاء يقوى إذا كثرت الأمطارء ويقل إذا قلت. 

ومنها وادي قناة» وهو أعظم أودية المدينة سيلاء فإن سيله يأ من الأماكن 
البعيدة فيروى أن ثبع نزله فلما شخص منه قال: هذه قناة الأرض» فسمي بهل". 
ويسمى أيضا بالشظاق وي القاموس أنه عند المدينة يسمى قناة. 

ومن أعلى منها عند سد نار الحرة يسمى بالشظاة. وقال المدائي: قناة وادي 
يأ من الطائف ويصب ف الأرحضية وقرارة الكدرا ثم يأي بئر مَعُونة0 ثم عر 
على طرف القدوم۴ بل أصول قبور الشهداء بأحد ثم ينه ينتهي إلى مجتمع السيول 
برٌغابة. وقال ابن زبالة: سيل قناة إذا استجمعت يأن من الطائف» وهو أحد 
فحول أودية العرب» فيأن من المشرق وحي يصل السد الذي أحدثته نار الحرة 
وانقطع هذا الوادي بسببه ثم انخرق سنة تسعين وستمائة فجرى الوادي سنة على 
ما بين الخبلين» وسنة أخرى دون ذلك ثم انخرق بعد السبعمائة» فجرى سنة أو 
أزيد ثم انخرق سنة أربع وثلاثين وسبعمائة بعد تواتر الأمطارء فحفر واديا آخحر 
غير مجراه الذي هو على مشهد سيدنا حمزة قبليه وقبلي حبل عينيين. وبقي المشهد 
وعينيين في وسط السيل نحو أربعة أشهر لا يقدر أحد على الوصول إليهما إلا 
عشقة» وكان أهل المدينة يقفون على التل الذي خارج باب البقيع فيشاهدونه. 
ولو زاد مقدار ذراع في الارتفاع وصل إلى المدينة ثم استقر في الوادي بين القبلي 
والشمالي قريبا من سنة. 

قلت: وقد سال ونحن بالمدينة سيلاً عظيماً بقي مدة يجري إلا أن م يتفق 
لي الخروج إليه لبعده مع عائق المرضء إلا أنا لما حرجنا لزيارة سيدنا حمزة في 


(1) معجم ما استعجم 377:1. 

(2) القاموس: فصل الهمزة. 

)3( قرارة الكدر: : تقع بناحية معدن بني سليم قريب من الأرحضية وراء سد معونة» وبين المعدن وبين 
المدينة ثمانية برد: الطبقات الكبرى 31:2. 

)4( بر معونة: ماء لبني عامر بن صعصعة: معجم ما استعجم 1245:4. 

)5( القدوم: اندم باد بالحجاز قرب المدينة: : معجم اليادان: القدوم. 

(6) زغابة: زعابة؛ زعم ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم» لما فرغ من حفر الخندق أقبلت 
قريش حتى نزلت بمجتمع الأسيال من رومة بين الجرف وزعابة» وفي بعض النسخ زغابة» وكلا الاسمين 


- 420 - 


الرحبية أد ركنا فيه بقية ماء. وهذا الوادي هو الذي ورد في الصحيح في استسقائه 
عليه السلام أنه سال شهراء وأهل المدينة خر حون إلى موضع أعلاه من ناحية 
المشرق وراء الحرة فيقيمون فيه الأسبوع أو أكثر. وقد ذكر السيد» رحمه الل من 
حملة أودية المدينة وادي رانونا ووادي مذينب» ووادي مهزورا". وهذه الأودية 
ترحع كلها إلى بطحان أو إلى قناة» بل إلى بطحان على ما يظهر من كلام السيد. 

قال الزبير بن بكارا©: ثم يلتقي العقيق ورانونا واد آخر وذي صلب وذي 
ريش وبطحان ومعجب ومهزور وقناة بزغابة وسيول العوالي هذه يلتقي بعضها 
وقاص وذلك أعلى وادي لضم سمي به لانضمام السيول واحتماعها به. قال 
الزبير: ثم تمضي هذه السيول. فذكر الأماكن الى عر يما من بلاد العرب إلى أن 
يصب ف البحر عند حيل يقال له أراك. وقال المطري: إن مصبه في البحر من 
ناحية أكره في طريق مصر. قلت: وهو الوادي المسمى اليوم بالأكره بينه وبين 
الومحه مرححلة. 


(1) وفاء الوفا 168:3. 

(2) الزبير بن بكار: أبو عبد الله الزبير بن أبي بكر بكار بن عبد الله بن مصعب بن تابت بن عبد الله بن 
الزبير بن العوام» من أهل المدينة» إخباري نسابة:تولى قضاء مكة مدة توفي سئة 256 ه: شئرات 
الذهب 133:1. الفهرست 160:1. 


- 421 - 


ذكر مواضع نزولنا بالمدينة وإقامتنا بها وتنقلاتنا لأحوال لنا 
إلى يوم خروجنا منها إلى مكة (نفعنا الله بحق سكنها)" 


كانت مدة إقامتنا بالمدينة المشرفة سبعة أشهر ونصف لأنا دخلناها كما 
تقدم في الليلة الثانية من محرم» وكان خحروحنا منها إلى مكة ثي السابع عشر من 
شعبان» وكنا نسكن أولا ف حل نزولنا بجوار مشهد السيد إ#عاعيل» كما تقد 
وكان أفسح الأمكنة وأوسعها وأبعدها عن زحام الناس» به أخلية للوضوء وبثران 
كما تقدم» وكان قَيّم المشهد أحد أصحابنا المغاربة امخاورين» وهو الذي أنرلنا به 
وكان يتولى إصباحه وكنسه وإغلاق آبوابه» ويقبض ما يؤتى به من الصدقة إليه» 
ولاه ذلك مف المالكية بالمدينة صاحبنا الخطيب أحمد وأخوه الخطيب عبد الرحمن» 
لأن ولاية المشهد هماء فإذا احتمع من الصدقات ما له بال دفع هما حصة منه 
وانتفع بالباقي كما هو شأن سائر المشاهد بالمدينة» بل وبغيرها صارت أماكن 
حباية يولى عليها من قبل القاضى. وكنا مدة نزولنا به في أرغد عيش وألذه لا 
يزامنا فيه غيرنا لولا بعدنا من المسجد» فكنا إذا خرحنا لصلاة الظهر في أيام الحر 
تكاد الرمضاء تحرقناء إنما تتقى ببقايا الظلال ومبادي الفيء تحت الجدران» ومع 
ذلك يلفحنا الخر لفحا فلا نصل إلى المسجد إلا بعد مشقة» ولكنا نتسب في ذلك 
حطانا ونغتفر ذلك لا اغتبطنا به من السعة وحوار أهل البقيع» فنمر كل يوم مرارا 
على باب البقيع ونسلم على أهله وندعو ومن طلع منا على سطح المشهد أشرف 
على البقيع كله وما والاه من الأحبنة وحدائق النخل» ويكون حبل أحد الذي هو 
من حبال الحنة قبالة وحهه» وما كان ينغص علينا فيه إلا كثرة النخاولة إلى ذلك 
احل» وهم الروافض الساكنون حارج المدينة قي العواليي وغيرها من الجهات فإن 
حل من يسكن هناك ويتولى العمل في البساتين والفلاحة فيها روافض» ويسميهم 
أهل المدينة النخاولة» ولا أدري معن هذا الاسم. 
(1) زيادة من ط. 


(2) العوالي: جمع العالي ضد السافل» وهو ضيعة بينها وبين المدينة أربعة أميال وقيل ثلائة: معجم 
البلدان: العوالي. 


- 423 - 


وهم عادة ف كل يوم خيس غالبا يأتون ! إلى الشهد من أول النهار 
ويطبخون هنالك طعاما كثيراء ويجتمعون رحالا ونساء بأولادهم» وقي الغالب 
يأتون نتان أولادهم» فإن من له ولد يريد حتانه لا يختتنونه إلا في ذلك اليوم ف 
ذلك المكان» ورعا حاؤوا لغير تان بل برد الزيارة وإطعام الطعام ولا يحضر 
معهم غيرهم» وغالب ما يطيخون هناك الأرز والهريسة باللحم. وصفة طبخ 
اهريسة أن يجعل اللحم في المطبخ ويجعل معه القمح ويطيخ حي يفارق اللحم 
العظم» فتزال العظام ويبالغ في طبخ اللحم مع القمح حن يطيب القمح ويرلعا» 
فيأحذون عصيا شبه المغارف عراض الرؤوس فيلوكون ذلك به حى يختلط اللحم 
مع القمح ويصير مثل العجين» فيأحذونه في الأواني ويصبون عليه السمن» وهي 
عند أهل الحجاز من أشهى الأطعمة» وهي قوية إذا شبع منها الإنسان قد لا 
يشتهي الطعام يوما وليلة. 

وم نزل ساكنين يي المشهد المذكور إلى أواسط ربيع الأول» ومرضت فيه 
بالحمى الصفراوية» ومرض الل من أصحابناء وضعفنا عن الوصول إلى المسجد 
من المرض» وكان ابتداء مرضي ليلة المولد الشريف» وكان الناس يسمون ذلك 
امحل الذي سكنا فيه» مع كونه أفسح الحال» بثقل السكئ وكثرة الأمراض» 
ولذلك شاهد فإن هذا امحل قريب من ذنب مشعظ الذي قال فيه» صلى الله عليه 
وسلم۴: اللهم حبب إلينا المدينة وانقل وباها إلى مهيعه وما بقي منها فاحعله تحت 
ذنب مشعط. وقال أيضا: إن كان الوباء في شىء من المدينة فهو في ظل مشعط. 
قال السيدا): ومشعط بالشين المعجمة كمرفق» أطم لبن جدعة كان في غربي 
مسجدهم قرب البقيع. وقال في موضع آخحر: كان غربي مسجد أبي» ومسجد أبي 
قريب من مشهد العباس» فهذا امحل أقرب الأماكن بالمدينة إليه. وكنا نزولا هنالك 
بخمسة من أصحابنا فمرض الكل و لم يصح إلا واحد» فخرحنا منه واكترينا رباطا 


(1) ينزلع: من تزل إذا تشقق : لسان العرب: زلع. 

(2) نص الدعاء كما ورد في مسدند أحمد (5: :0008 حدثنا عدد الله حدثلي أبي ثنا عثمان بن عمر أنا بن 
أبي ذئب عن سعيد المقبري عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم» 
توضأ ثم صلی بأرض سعد بأصل الحرة ثم يبوت السقيا ٹم قال: اللهم إن إبراهيم خلياك وعبدك ونيرك 
دعاك لأهل مكة وأنا محمد عبدك ونييك ورسولك أدعوك لأهل المدينة مثل ما دعاك به إبراهيم لأهل مكة 
ندعوك أن تبارك لهم في صاعهم ومدهم وثمارهم» اللهم حبب إلينا المدينة كما حيبت إلينا مكة واجعل ما 
بها من وباء نجم اللهم إني قد حرمت ما بين لابتيها كما حرمت على لسان إبراهيم الحرم. 

(3) وفاء الوفا 211:3. 


- 424 - 


آخحر قبلى العين ال في شرقى المسجد وبقينا فيه نحو الخمسة عشر يوماء واشتد 
علي المرض فيه و لم يوافقنا أيضا لضيقه وبعده عن المسجد أيضاء إلا أنه دون 
الأول في البعدء فرحنا منه إلى الرباط المنسوب لقطب الأولياء مولاي عبد القادر 
الجيلان رضى الله عنه» وهو قريب من المسجد حدا ليس بين بابه وبين باب 
المسجد المسمى يباب النساء إلا نحو ثلاث خخطوات» واغتبطنا بسكناه من قرب 
المسجد» وسكنا في البيت الذي عن كين الداحل» وكان بيد شيخنا أبي مهدي 
عيسى الثعالبي» فلما انتقل إلى مكة ت ركه بيد بعض أصحابه فكلمه أحد أكابر 
حدام الحجرة الشريفة» فدفع لنا مفتاحه» وكان يي وسط البيت قبر أخبرت أنه 
لبعض الأعجام تمن تولى عمارة ذلك الرباط» وزادنا غبطة في سك ذلك الرباط 
بحاورة شيخنا جال الدين اندي النقشبندي فإن سكناه فيه في البيت الذي على( 
يسار الداحل» وكنت أدخل إليه وأحلس معه للمراقبة حي منعت بشدة المرض» 
وبقينا في ذلك الرباط نحوا من شهرء فثقل علينا من محاورة القبر الذي في البيت 
منه إلى رباط النخخلة اجاور لرباط النساى وهو تحت السليمانية» فوافقنا في 
السكين» واكترينا فيه محلا واسعا ذا منافع ومرافق وأمكنة للخلاء ويئر للوضوء 
وماء للشرب يأتينا عفوا بلا من من أحباس على ماء لذلك امحل فانبسطنا 
واستوطنا واغتبطنا بتيسر المرافق مع قرب المسجد» وإن كان دون رباط الشيخ 
عبد القادر في القرب» ولم يزل سكنانا قي ذلك انحل إلى أن حرجنا لمكة. 


لطيفة: 
كان يي رباط الشيخ عبد القادر بئر حلو على حلاف المعتاد من آبار المدينة 
فإها مالحة» فبينما أنا ذات يوم أتحدث مع نقيب الرباط حي حرى ذكر ذلك فقال 
لي: إغا حدثت فيه الحلاوة منذ أعوام قريبة و كانت كغيرها من الآبار فأصبحت 
ذات ليلة وهي حاوة» ولا يعلمون السبب في ذلك فقلت له: لعل محرى العين قد 
انخرق إليها. فقال لي: ليس بالقرب منها جحرى للعين» والله أعلم بحقيقة ذلك. 


)1( في ط: عن. 


- 425 - 


ذكر ما" أقرأته بالمدينة المشرفة أيام إقامتنا بها 


ولا كان أول شهر صفر ألحأن أصحابنا المالكية بالمدينة المنورة أن أقرأ هم 
مختصر الشيخ خليل في فقه مالك فتعللت فم بقلة الممارسة له وشغل البال وعدم 
ما يستعين به الإنسان من الشروح والحواشي» فلم يجد تعليلي لديهم» بل زادهم 
إغراء» فابتدأنا قراءته في مؤخخر المسجد بالجانب الغرب منه» وكانت قراءتنا من 
بعد صلاة العصر إلى قرب المغرب» فقرأنا م قراءة لا بأس ؛ ما زعموا أنهم لم يروا 
مثلها منذ أزمان» ولا بدع في ذلك فإن البلد شاغر من محققي العلوم سيما فقه 
مالك فلم نر هناك من يحقق أدن مسائله» وقد صوح نبت العلوم كما فرعى 
اطشيه!2؛ 
[جحزوء الرحز] 
وقرأنا فيه إلى فصل الأذان يى أزيد من شه فجاء الله تبارك وتعالى عا 
نرحو به المغفرة ورفع الدرحات من المرض» فطال بي المرض رمعي من الوصول 
إلى المسجد يي غالب الأوقات» بل آل بي إلى أن عجزرت عن الخروج للجمعة 
فضلا عن غيرها من الصلوات. وق أثناء امرض كانت تنقلاتنا في اال المذكورة 
وقام بشؤوننا أصحاينا المغاربة فيما نحتاج إليه من أدوية وشراء الأطعمة فجزاهم 
الله عنا ١‏ أفضل احازات» خصوصا " صاحبنا ا المؤومن جريا فقد قا 
الأخلاق وکرم الأعراق» واا فأي مناسبة بين أقصى المغرب وأقصى السودان 
فكافاه الله عنا أحسن المكافأة» وما قدرت على شهود الصلوات كلها ين المسجد 


(1) في ط: : من. 
(2) إشارة إلى بيت ت أبي علي ا ر 1). 
E ET‏ 


- 427 - 


إلا قي أواحر جمادى الثانية. ولا استهل شهر ربيع الأول طلب مين أصحابنا أيضا 
قراءة الشمائل"» فشرعنا فيها بعد صلاة الصبح بباب النساء» وعاق المرض عن 
ختمها إلى جمادى الثانية» واستعرت من شيخنا الشيخ ياسين شرح المناوي على 
الشمائل للنظر فيه أيام القراءة» فأعاره وهو من أحسن ما رأيت من الشروح» 
عليها يباحث ابن حجر افيثمي كثيرا ويحل مشكلات الملا عصام وينتصر له أحيانا 
فيما رده عليه ابن حجر. 


وما استفدته من هذا الشرح نقلا عن الملا عصام قي حديث رؤيا البي» 
صلی الله عليه وسلې > في النوم» وأن الشيطان لا يتمثل به ما نصه: قال الشيخ حي 
الدين في شرح السنةا بعد كلام يتعلق برؤية الله تعالى: ولا يتمثل الشيطان ببي 
من الأنبياء ولا بعلك من الملائكة ولا بالشمس والقمر والنجوم المضيئة والسحاب 
الذي فيه الغيث. 


لطيفة: 


كنت رأيت في النوم عند ابتدائنا لقراءة الشمائل أن صاحبنا الشيخ المسسن 
عبد الكريم التمام أتاني بسبحة من حواهر ويواقيت ثمينة فجعل يظهر لي محاسنهاء 
واغتبطت بما كثيراء فلما كان الغد» بعد فراغنا من الدرس» ابتدأ الشيخ عبد 
الكريم المذكور الصلاة على النبي» صلى الله عليه وسلم > الي حرت العادة متم 
المشايخ ها الدروس في البلاد المشرقية كلهاء مصرا وشاما وحجازاء وهي: اللهم 
صل أفضل صلاة على أشرف مخلوقاتك» سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلې 
عدد معلوماتك ومداد كلماتك» كلما ذكرك وذكره الذاكرون» وغفل عن ذكرك 
وذكره الغافلون. يكرروفا ثلاثا في آحر كل درس» حصوصا الدروس الحديثية. 
ولم تزل نقرؤها عند الفراغ من القراءة إلى خحتم الكتاب» فتأولتها الرؤياالي 
رأيت» ولعمري إنها لرؤيا صادقة» فإذا لم تكن الصلاة على النبي» صلى الله عليه 


(1) الشمائل الذبوية والخصائل المصطفوية: لأبي عيسى محمد بن سورة الإمام الترمذي المتوفى سذة 279 
هه شرحها ي عبد الرؤوة المناوى: كشف الظنون 1059:2. 
1040:2. 


- 428 - 


وسلم في العبادات تمترلة الجواهر واليواقيت بي الأموال» فلا شيء غيرها في 
العبادات أحق ذا الوصف. 


لطيفة أخرى مثلها : 

أحبرني صاحبنا الشيخ محمد الفزاري» وكان أوحد زمانه نسكا وعبادة 
وملازمة للحرم الشريف» وهو الذي ألم كثيرا في قراءتنا للمختصر أنه رأى في 
منامه عند ابتدائنا لقراءة المخحتصرا" أن ساقية كبيرة كثيرة الماء صافية أخرحت من 
البحر واغتبط الناس يما للشرب والسقي» فجرت قليلا ثم وقفت و لم تزد» فتأولتها 
قراءتنا للمختصر» والبحر هو صلى الله عليه وسلم» فمنه المدد لكل معلم حبر 
ومرشد إليه من أمته» والوقوف ما حصل لنا من المرض المكفر إن شاء الله لذنوينا. 


لطيفة: 


من يوم قدومنا للمدينة كل من تكلمنا معه من أصحابنا امخاورين يقول لنا: 
استعدوا لحمى المدينة فلا بد لكم منها فإنها تحفة البي» صلى الله عليه وسلم 
وكرامته یرنه لتمحيص ذنوهم» وكان بعض أصحابنا يتمغص من ذلك ويشق 
عليه جماعه منهم فيقول: نحن نرحو أن تكون كرامة الڼي» صلی الله عليه وسلې 
لنا بغير ذلك» فكان أولنا وقوعا في المرض وآخخرنا وأطولنا إقامة فيه» والله يغفر له 
ويكفر به زلله. 

قلت: ولا بعد ولا نكر في تسمية الحمى بتحفته» صلى الله عليه وسلم 
فلذلك أصل في السنة» فقد ورد في بعض الأحاديث أن الحمى استأذنت على 
النبي» صلى الله عليه وسلم» فقال: اذهبي إلى الأنصار فإن طم علينا يدا. وكما قال 
عليه السلام. وروى الإمام أحمد وغيره برحال الصحيح عن جابر: استأذنت 
الحمى على رسول الله صلی الله عليه وسلې » فقال: من هذه؟فقالت: أم ملدم. 
فأمر يما إلى أهل قباء» فلقوا ما لا يعلمه إلا الل فأتوه فشكوا ذلك إليه» فقال: ما 
شتتم؟ إن شئتم دعوت الله ليكشفها عنکې وإن شتتم تكون لكم طهورا. قالوا: 


(1) مختصر الشيخ خليل في الفقه المالكي. 


- 429 - 


أو تفعل؟ قال: نعم. قالوا: فدعهاا". وف رواية: وإن شئتم تركتموها وأسقطت 

ولا تحفة ولا كرامة لزائريه أعظم مما يطهرهم من الآثام» وهل فارقوا الأهل 
والأولادء وقطعوا الأوعار والأبحاد» وامتطوا ظهور النجائب» وعلوا بأرحلها ناصية 
السباسب» إليه» صلى الله عليه وسلم إلا لتحط عنهم أوزارهم وتغسل أدرامي 
فجزاه الله عن أمته أفضل ما حازى به نبيا عن قومه. وقد حقق العارف بن أبي 
جمرة رضى الله عنه أن المغفرة أعلى ما يناله العبد من الله قائلا: إن الرحمة وإن نال 
منها الإنسان ما عسى عكن أن تبقى معها بقية ذنب يؤانحذ به بخلاف المغفرة 
ولذلك امتن الله يما على نبيه صلى الله عليه وسلم. وما أقرأنه بالمدينة أيضا 
مقدمات الشيخ السنوسي# ونقاية السيوطي(» كلفن بعض أصحابنا الحبين من 
أهل السودان قراءقاء وما كنت قرأتا قبل ولا أقرأقاء إلا أنما لما كانت مبادئ 
علوم قد قرأنا فيها ما تيسر» وحصلنا منها النصيب الذي قدر حسدنا على قراءتا 
إلا فنين منها لم أقرأهما و لم أقرئهماء وما فن التشريح والطب» فقد امتنعت من 
إقرائهما حين الوصول إليهماء فألح علي فيهما وقال: إن لم أقنع عا فهمت من 
كلام المصنف. فقلت: إن الله تعالى يقول: (ولا تقف ما ليس لك به علم)» وأنا 
ا علم في ككين مونب وم يقد ل ییا راع على شيخ وما ان 
العبارة لا يكفي في تفسير العلم» إذ لكل علم اصطلاحات لا يعلمها إلا أربابه؛ 
وأنا أكره إن تعاطيت ذلك الكذب» خصوصا في حرم رسول الله صلى الله عليه 
وسلم» وحول قبره» وعرأى منه ومسمع. فلا يبالي ما اعفان من ذلك. وأقرأت 
أيضا القرطبية في فقه مالك» وأقرأت أيضا نحو ربع الألفية6 وبعض مختصر 
العصامي في الاستعارة» كل ذلك في محل حلوسنا تحت الأسطوانة ال عن يسار 


(1) مسند أحمد 316:3. 

(2) محمد بن يوسف السئنوسي» 4 تلمسان» ف ذقيه مشارك؛ له العقائد ائد الخمس» وهي المقدمة» والصغرىء 
155:7. 

(3) الذقاية: مختصر في أربعة عشر علما مع زبدة مسائلها لجلال الدين عبد الرحمن بن أبى بكر السيوطي 
المتوفى سنة 911 هء ثم شرحه وسماه: إتمام الدراية فرغ من تأليفه سنة 873 ه: كشف الخلنون 
19702. 

)4( الإسراء: 36. 

(5) أفية محمد بن عبد الله بن مالك الأندلسي في النحوء أنظرها في: مجموع مهمات المتون» ص: 317 
- 381. 


- 430 - 


السرير الذي يقوم عليه المؤذنون يي الصف الذي يلي صحن المسجد وكان عامة 
حلوسنا هنا. وبعدما خرحت من المدينة كتبت لأصحابنا بأبيات ثلاثة في روي» 
وأمرتهم بإلصاقها في الأسطوانة الى كنت أحلس إليها تذكرة بي لأنال من 
دعائهم» وهی هذ (: 
[طويل] 
أجيران خير الخلق مُنوا بدعوة لن ناب عنةٌ في الخطاب بنانة 
لمن غاب عنكم شخصة ففؤاده لديكم رهين لا ثفك رهانة 


فإن خفتم نسيانة فكتاببة يذكركم بووهذامكائهة 


وأما ما قرأته بالمدينة على المشايخ القاطنين با والواردين عليها فسيأن ذكره 
عند ذكر من لقيته بالمدينة من المشايخ والأصحاب الذين ينبغى أن يشاد بذكرهم. 


ولا كان منتصف صفر دخحل الركب العراقي المدينة المشرفة ونزلوا ب ركبهم 
شامي سلع من غربي ذباب إلى قريب من مساحد الفتح» وكنا نخرج في بعض 
الأيام إلى مخيمهم قصد التفر ج» وتأخر في هذه السنة قدومهم إلى المدينة لبطئهم في 
الطريق كثيرا. ذكر لي بعضهم أنهم أحذوا فيما بين مكة والمدينة نوا من خمسة 
وأربعين يوما بسبب أداء المكوس الموظفة عليهم من قبل الأمراء» فقد أدوا من ذلك 
كثيرا. أخبرن بعضهم أن جملة ما أدوا من المكوس من يوم خحروحهم من بلادهم 
بأصبهان يزيد على حخمسين دينارا ذهبا لكل رأس» والخمسون عندهم معدة هذا 
يعدونما من بلادهم كل من خرج للحج منهم يخرج زيادة على ما يحتاج من النفقة 
والكراء هسين دينارا للمكوس الي تؤخذ منهم في الطريق» فإن كانت المكوس 
الي تنوهم الخمسين فأقل لم يتضرروا بذلك لاستعدادهم ها وإخراحهم بها مخرج 
الصدقة» وما زاد على الخمسين استضروا به» وقد أخذ منهم في هذه السنة عامل 
البصرة لما مروا يما ثلاثين ديناراء وذلك بأهم لا يأ معهم من بلادهم عسكر 
يحميهم في الطريق من أعراها ومحاربيهاء فإذا وصلوا إلى البصرة أشخص معهم 
عامل البصرة عسكرا من ناحيته وأميرا من قبله حي يردهم إلى البصرة فيأخحذ منهم 
ذلك لأحل هذا متعللا بأنهم ليسوا في ولاية سلطانه» فلا تحب عليه نصرقم ولا 


(1) وردت الأبيات في: نشر المثاني 264:2. 


- 431 - 


حمايتهم إلا بإتاوة يأحذها منهم» وأما سلطانهم فهو الشاه ملك أصبهان وما والاها 
من عراق العجم مما وراء النهر وعساكره لا تقدر على الوصول إلى عراق العرب 
الذي هو من أعمال مملكة صاحب الروم) ولأحل ذلك لا يدفع هذا المكس أهل 
بغداد ولا أهل الكوفة والبصرة» وإن قدموا معهم في الركب لأنهم في طاعة ملك 
الروم وإيالته. 

وأمراء هذه البلاد عماله» فيلزمون بحماية الرعاية والدب عنها في مقابلة 
الخراج المأخوذ منهم في كل سنة» ومن لا يصل خراحه إلى بيت مال السلطان 
فيدب عنه سلطانه الآخذ لخراج بلده وإلا فلا حماية له إلا ما يدفعه. وهذه سياسة 
كسروية ومقاصد دنيوية ما أنزل الله كما من سلطان» ولا حاء ها في سنة نبيه من 
بيان» فكل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه!) ونصرته وحمايته على 
القادر واحبة ولو كان أحدهما من أقصى المشرق والآحر من أقصى المغرب» فما 
بالك بوفد الله ووفد رسوله» فالدب عنهم والدفاع واحب على كل أمير ومأمور؛ 
رعاية نانب الله ورسوله؛ واهتضامهم وإذلالهم بأخذ الخراج ج الزائد على اللجزية 
أضعافا مضاعفة هضم لحانب الدين وسيرة الأئمة المعتدين لا المهتدين» بيد أن 
هؤلاء المأخوذ منهم هذه المكوس روافض فساق في الاعتقادء فهم حديرون بأكثر 
من ذلك من الإهانة إلا أن انتضامهم ف سلك الحجاج الوافدين على الله ورسوله 
واتسامهم بسمة الإسلام يوحب لهم حرمة ما داموا ف طريق الحج. > على أن 
الآخذين منهم لم يقصدوا بذلك إهانتهم على فسقهم وسوء معتقدهم» بل طلبا 
لخطام الدنيا واتباعا للسياسة الكسروية كما قدمناء فلو فرض أنهم أهل سنة 
وجماعة ما احترموهم لأحلها ولعاملوهم عثل ذلك أيضاء وحينئك فمدار أمورهم 
ومقاصدهم على ما يصلحون به أمور دنياهم وإن أضر بآخرقهم» والله المسستعان» 
وناهيك عا يقع لحجاج المغارية عند دخوطم مصر وخروجهم منهاء إلا أهم لا 
يأحذون إلا تمن معه تحارة. وعند الخروج من مصر لا يأخذون إلا من أهل المغرب 
الأقصى وأهل السودان متعللين عا ذكرناء أو لأنهم ليسوا من رعية السلطان» فلا 
يخر حون السلع من بلد السلطان | إلى بلاد سواها إلا بجحعل وخراج» (قاتلهم الله أن 
يوفكون)۴. وقد ذكر بعض المؤرخين أن مثل هذا كان يقع قبل هذا الزمان من 


(1) مسند أحمد 360:2. 
(2) التوبة: 30. المنافقون: 4. 


- 432 - 


أمراء مكة للحجاج المغاربة فيأحذون منهم قدرا معلوما من المال على كل غي 
وفقير ومن لم يكن له مال يدفع منه ذلك المقدار حبس حي يفوته الهج إلى أن 
قيض الله لذلك بعض صالحى ملوك مصر فبعث إلى أمير مكة في إسقاط ذلك عن 
الحاج وجعل له قدرا معلوما عظيما من الأموال يأتيه في كل سنة من مصرء 
فانقطعت تلك احنة بسبب ذلك فجزاه الله عن المسلمين خبيرا. 

فهكذا ينبغي أن تكون همم الملوك في النظر في مصالح المسلمين ودفع الضرر 
عنهم بأنفسهم وأمواهم إن لم يكن إلا ذلك» وعلة أمراء مكة في أعحذ ذلك 
كالذين أسلفنا ذكرهم فيقولون: نحن حماة الحرم والدابين عنه وعن الوافدين عليه 
ولولا ذلك لاختطفتهم ذئاب الأعراب» ولا يقوم ذلك إلا بعساكر وحماتة ولا 
قيام طم إلا بأموال» وبلاد الحجاز ضعيفة لا يفي ما يتحصل من خراحها بذلك 
فلا بد لنا من أموال نستعين يما على ذلك إما من سلاطين الأقطار أو من 
رعاياهم إذا وصلت إليناء وهذا لا يأخحذ سلطان مكة شيئا من كل ما يرد من 
الشام ومصر والمغرب لأنه» وإن كان مستقلا في مملكته هو ثي الحقيقة عامل من 
عمال الخاقان الأعظم صاحب الروم يأتيه من مصر بالأموال والأطعمة ما يقوم 
بكفايته وكفاية عساكره» وأما أهل اليمن فأمراؤهم من الإمامية أقاربه من النسب» 
بل والمذهب» وبينهم مواصلات كثيرة ومحاماة» وأما لهند فلا يفدون إلا في البحر 
وغالبهم تحار فيدفعون العشر بحدة» وإن قدم بعض كبرائهم قاصدا للحج فقط فإنه 
يستصحب من اهدايا والتحف ما يحل وصفه. وأخذ أمير مكة قي هذه السنة من 
هؤلاء الأعجام أهل العراق أحد عشر دينارا ذهبا لكل نفس ستة لدخول مكة 
وخمسة لدخول المدينة» وقد حبسهم على المشي بعد الخروج من مكة إلى مر 
الظهران حي أقاموا هنالك نحوا من ان عشر يوما بسبب بقية بقيت عليهم من 
الخراج المؤدى» فلما وصلوا إلى بدر حبسهم أميرهم هناك أسبوعا حي أعطوا ثمانية 
دنانير أخر لكل نفس؛ متعللا بانقضاء الزاد والعلوفة بسبب التعطيل المذكورء وهذا 
كله سوى ما يعطونه للأعراب من يوم خخروحهم من المدينة» وقد قدموا في هذه 
السنة ب ركب عظيم فيه داية الشاه وطبيبه وحاحبه أو وزيره» وعدة الذين أعطوا 
المكس من الأعجام سوى الأعراب والخدام نمانية عشر مائة» وطالت إقامتهم في 
المدينة قريبا من شهر» و لم يكن فيهم نفع لأهل المدينة من بيع ولا شراء ولا صدقة 
إذ حلهم روافض» ويقصدون بصدقاقم من هو على مذهبهم» ولا يزورون من 


- 433 - 


مزارات البقيع إلا مشاهد أهل البيت فلهم عليها ازدحام؛ وعند زيارة رسول ال 
كثير منهم لا كرون بالناحية الي هما فيهاء وقد مرض واحد من أصحابناء ونحن إذ 
ذاك عشهد السيد إسماعيل» وكان يضطجع بباب المشهد وعليه ثوب أجمي 
والأعجام يلبسون الأحمر في الغالب» فإذا رأوه على باب المشهد وعليه زيهم مع 
ملازمته لمشهد السيد إ#عاعيل ظنوه على مذهبهم فتيمموه بصدقاقم ولم ير محل 
هؤلاء الائام من المدينة حي سكم أهل المدينة مقامهم وملوا حوارهم ما أفسدوا 
بسرحهم من النخيل والبساتين» و كانت إبلهم ترعى بناحية الحرة الشرقية إلى 
قريب من أحد وإلى الغابقه فأفسدوا من صغار النخيل وضعيف الشجر كيرا 
وغلوا الأسعار بالمدينة لنفاد أزوادهم وعلوفاهمى فارتحلوا في التاسع أو الثامن من 
ربيع الآأول. 


غريية: 


بينما أنا ذات يوم بالحرم الشريف ومعي رحل من الشرفاء من بلاد المغرب 
له روای وبين أيدينا كتب منها سفر من الفتوحات المكية وسفر من المحاضرات 
والمسامراتا"» وكلاهما للشيخ حي الدين» إذ حلس إلينا رحل من أصبهان زعم 
العلم ا یری من حسن ”مته وبذاذة© ملبسی»› فأشار له صاحيى إلي. فأحذ 
يسألني عن الكتب الى بين يدي» وأنست إليه حين زعم أنه شريف وزعم أنه 
مالكي المذهب. فسألته عما يقرا بناحيتهم من كتب المذاهب» فبين لي كذبه. ثم 
أخذ يسألئ و م أعرف سوء معتقده. فكان ما قال لي أن قال: ما معن الله ؟) وم 
أفهم سؤاله» فقلت: علم على الذات الواحب الوحود إلى آخر ما يقال في ذلك. 
أحيبه به» ثم تأملت كلامه فإذا هو يريد البحث في مسألة الاسم هل هو عين 
المسمى أو غيره» فتكلمت معه في ذلك عا لأئمتنا من التفرقة بين معن الاسم 
والمسمى والتسمية» وإن الخلاف في ذلك عند المحققين يرحع إلى وفاق» ثم انتقل 


(1) يقصد كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدييات والنوادر والأخبار لابن عربي. 
(2) في ط: بذةء 


- 434 - 


إلى الكلام في مسألة إثبات الصفات» فشممت منه رائحة إنكارها» بل صرح 
بذلك إلا أنه يوري فيقول: هم يزعمون كذاء وأن معن الوارد في إثباقا كذاء وأن 
إثبانما يؤدي إلى كذا وكذاء وكل ما أقمت عليه حجة في إثباتما ورد ما استدلوا به 
على نفيها يقول: لو كنت تفهم العجمية لأحبتك» وكان لسانه بالعربية فيه بعض 
ثقل» وعلى كل حال له مشاركة حسنة وقوة بحث ف المعقولات على مذهب أهل 
الاعتزال» إلا أي بحمد الله لم يورد علي إشكالا في معتقد أهل السنة إلا نتقضته 
وأزلته» فلا يكون له حواب إلا ما تقدم من التعلل بعدم معرفيّ بلسانه» فكان آخر 
ما قلت له: نحن معاشر أهل السنة والجماعة نجعل معتمدنا في العمّائد الدينية الأدلة 
النقلية من الكتاب والسنة الصحيحة الموافقة للأدلة العقلية» ونرد ما حالف الكتاب 
من مقتضيات الفهوم والآراء ونقدم رأي صاحب الشريعة» صلى الله عليه وسلم 
وفهمه» ورأي السلف الصاح وفهمهم على آرائنا وأفهامنا ونتهمهما في ذلك 
وأنتم بالعكس تحكمون عقولكم وأوهامكم فتحملون الأدلة الشرعية كلها 
المقطوع بها على ما يوافق أهواءكم وآراء كي فتصيرون المتبوع تابعاء والتابع 
متبوعاء فشتان بين من يحكم الكتاب والسنة على عقله ورأيه» ويرد ما خالفهما 
إليهما بتأول تشهد له اللغة ولا ينفيه العقل» وبين من يحكم عقله ورأيه فيحمل 
عليها الكتاب والسنة بتكلف وتعسف» ويتخذ إطه هواه ومعبوده موهومه 
فكادت أصواتنا أن ترتفع حي احتمع إلينا ناس ممن بالمسجد» وعنعين من الوقوع 
به والإغلاظ عليه بعد تحقق مذهبه وسوء معتقده انتسابه إلى أهل البيت. ثم تكلم 
في مسألة الكلام فأقيمت صلاة العصرء فقمنا إلى الصلاة وافترق المجلس ولم ألقه 
بعد ذلك. وقد أحبرت بعد ذلك أنه احتمع بشيخنا بدر الدين المندي» وهو تمن 
هو ف تحقيق العلوم النظرية» وكان ذلك عجلس صاحبنا أحمد بن التاج رئيس 
المؤقتين بالحرم الشريف» فدار الكلام بين الأعجمي وبين شيخناء فألقى عليه 
الشيخ سؤالا فقال: لا أحيبك عن هذا إلا لو كنت في بلد إذا أقمت عليك الحجة 
أمرت بإحراقك بالنار فينفذ أمري. قلت: وهذه حرأة عظيمة منه قاتله الله. 
وتساهل من حضر ذلك إذ كان حقهم أن يذيقوه على هذه الجرأة على أهل السنة 
في بلاد السنة ما يستحقه من النكال وعظيم الوبال» أو يرفع أمره إلى الولاة 
ويعرفون عا يستحقه على ذلك إلا أن الاهتمام عثل هذا في هذه الأوطان أغرب 


- 435 - 


من غريب» ولو رفع إليهم ما رفعوا لذلك رأساء وقد نقل صاحينا عبد الغيي 
ا لحي" صورة المجلس بين وينه إلى شيخنا الملا إبراهيم بن حسن الكوران» 
وكانت له قوة نظر وإدراك وحسن تصرف ومعرفة بلسافهم فقال لي لا لقيته: ولا 
أنا فينا عن مباحئتهم لبعئت إليه ولأخذت عليه بآفاق السماء حى أكبه على 
وججههة ولقد صدق)»؟ إنه لخدير يذلك» فإنه والله اليوم الذي لا يتعين لناظرة أهل 
الأهواء سواه لا آتاه الله من العلم والحكمة ونوراية الظاهر والباطن وعل 
باصطلاحات أهل كل علم يتوقف عليه إثبات العقائد الدينية بأدلتها القاطعة» 
فنسأل الله تعال أن عد الو حود بإطالة بقائه» وأن يفيض الجود من مدده علينا 


آمين. 


ولما استهل ربيع النبوي نظف الحرم الشريف وفرش بفرشه المعجهودة من 
الزرابي المبثوثة الحسان الى لا يوحد ها نظير إلا ف بيوت الملوك» وغالبها يأن من 
أرض الهند من عند ملوكهاء وقد رأيت سدا بعضها حريرا خالصاء وكنت أتوقى 
الصلاة فيهاء وطعمها من حيد الصوف الملون الذي لا يكاد يفرق بينه وبين الخرير 
إلا ذو بصيرة يفرش كا المسجد النبوي» أعن القدم السقف كله وأخرحت 
الربائع الى فيها المصاحف العتيقة والأحزاء الحسان من وقف الملوك والكبراء 
وصففت في قبلة المسجد وفتحت خزائن الكتب العلمية الموقوفة بالحرم الشريف 
يستعير منها الناس للقراءة» وشرع الأئمة في القراءة والتدريس» وكانت عادقم إذا 
كان اليوم السابع عشر من ذي القعدة» ويسمونه الكنيس» جمعت بسط الحرم 
الشريف كلها وأدحلت إلى المخازن فلا يبقى في المسجد إلا الحصر. وأدحلت 
المصاحف الى في المسجد والسبحات إلى الروضة» ورد كل من استعار كتابا إلى 
صاحبه أو إلى ناظر الخزانة ال أخذه منهاء واقتضى غالب الديون» وتفاصل 
الشركاء» وانتهى أمر غالب الأكرية يتهيئون بذلك للموسم لأنه في غالب الأمر 
مظنة ارتحال قاطن وقلوم غائب» واحتماع الناس من الآفاق» واشتغال أهل المدينة 
بقبض الأوقاف» والخرايات الى تأتيهم من الآفاق» وذهب من يريد السك إلى 
مكة أو من يريد التجارة» فلا يبقى بالمدينة إلا القليل من الناس» ويكنس الحرم 


)1( عبد الغني بن صلاح الدين الخاني الحذبلي الحنفي» ولد بحلب سنة 1048 ه»ء جاور بالحرمين مدة 
طويلة» ولازم الشيخ إبراهيم الكوراني» تولى بعض المئاصب في المدينة»وألف رسائل وسمها المحبي 
باللحليفة» توفي بالمدينة المنورة سنة 1095ه: خلاصة الأثر 434:4. 

(2) في طة اأعلم. 


- 436 - 


الشريف في ذلك اليوم» وفيه يكنس البيت العتيق يعكة أيضاء ويفعل فيها مثل ذلك 
وأيام الموسم عند أهل الحرمين الشريفين فيها يجمعون غالب أمور معاشهم فلا 
يتفرغ أحد لتدريس ولا عبادة إلا ما لا بد من فإذا انقضت أيام الموسم وذهبت 
الركبان الواردة من الآفاق و لم يبق بالحرمين إلا أهلها رحعوا إلى معتاد حالما في 
الأمور الدينية من القراءة والتدريس وأنواع العبادات والدنيوية من الفلاحة 
والتسعير ف الأسواق وتصحيح المكايل والموازين. وأما أيام الموسم فلا سعر معلوما 
ولا مكيال وافياء ولا ميزان صحيحاء كل يفعل ما شاء ولا يتكلم الولاة في شيء 
من ذلك إلا أن يقع أمر مهم. ولا تحر ارتحال الأركاب في هذه السنة تأخر فرش 
الحرم الشريف إلى أول ربيع» وتنافس الناس في الخدمة في ذلك اليوم بنقل البسط 
وغيرهاء وعمل في ذلك الأمراء العظام فمن دوي وناهيك بشرف مقام يتشرف 
أعظم الملوك بتولي خدمته. ويجعل بسطه الي تداس" بالأرحل على رقبته» ويعفر 
مصون شيبه في قتيرا» حصره» ويكحل بتراب أرضه إنسان عين بصره ولقد 
رأيت الأمير إبراهيم الذي كان أمير الحاج المصري» وهو من الأمراء الكبار مشمرا 
عن ساقه قد جمع عليه ثيابه وقد كاد الغبار أن يواري بشرة وحهه وهم يخرحون 
صناديق الكتب من الحجرة الشريفة» وما كان يتولى الخدمة هنالك إلا من ومن. 
ولقد حهدت أن أتشرف بشيء من تلك الخدمة فلم أقدر إلا على بسط الفرش 
في محاها بعد وصوطا إليهاء وق ذلك» والحمد ل كفاية ينال يما حصلها أكبر 
عناية. 

ولا قربت ليلة المولد الشريف» وهي الثانية عشر» بولغ في تنظيف الحرم 
وتزيينه» وغسلت مصابيحه وجعل فيها مائع شديد الحمرة لا أدري ما هوء وألقي 
فوقه قليل زيت طيب أحضرء فإذا توقد المصباح ظهر إشراق المصباح لشدة صفائه 
وملاقاته لضوء النار» وأشرقت حمرة ذلك المائع لكوما ملاقية لصفاء الزرحاجء 
فتصير حمرته كحمرة الياقوت» وذلك الحظ من الزيت فوقه أخحضر كالزمرد وفوقه 
صفاء الزحاج يتموج فيه ضوء النار» وينعكس فيمازج إشراقه صفاء الزيت 
وحضرته وصفاء المائع الأحمر وحمرته» فلا تسأل عن حسن ذلك المنظر وبمائه 
وقد رتبت المصابيح في تعليقها ترتيبا لائقا وشكلت تشكيلا بديعا بين تربييع 


(1) في ط: تدوس. 
)2( القتير: القصب: لسان العرب: قتر. 


-437 - 


وتدوير» فيا له من منظر ما أبمجه» وليل ما أسرحه» ونور النبوءة مشرق على كل 
ذلك وبرز على جميع ما هنالك فقد اتفق أرباب الأذواق السليمة أن كل شيء 
مستحسن في الدنيا من ملابسها وجواهرها ويواقيتها وطيبها يزداد حسنا في المدينة 
على حسنه الذي كان له قبل ذلك لسر يد ركه أهل البصائر بصفاء السرائر 
وكيف لا وتلك حضرة مظهر أهل الحمال ومنبع الكمال» فما من جمال في الدنيا 
والآخرة إلا وهو مستمد بذلك الجمال» فكيف لا يزداد حسنا عند حصوله عحل 
أصل الحمال لقربه من منبعه وقرب استمداده من يجمعه فإذا كان بعد صلاة 
العصر من اليوم الحادي عشر أخذ القناديل الكبار والحسك العظام من الحجرة 
غالبها من النحاس المطلى بالذهب» فمن لم يعرف أصلها لا يظنها إلا ذهيا 
خالصاء وكل واحدة أعظم من قعدة الرحل العظيم» وصفت في صحن المسجد 
ووضعت فيه الشموع الغليظة الصافية اللون منها ما يزن نصف القنطار ومنها ما 
دون ذلك وي وسط تلك القناديل قنديل كبير من فضة خالصة زنته أكثر من 
قنطار» فيه مس حسك كبار من فضة مدور الشكل» فيوضع في كل حسكة منه 
شمعة وتبسط البسط الرفيعة من حوانب القناديل من كل حهة لجلوس الأمراء 
وأرباب المراتب ولوس المنشدين» فإذا صليت المغرب أوقدت المصابيح كلها 
والشمع الي في صحن المسجد وأخذ الناس في الاحتماع وأوقدت أربع مشاعل 
كبار على أساطين معدة لذلك في صحن المسجد اثنان في مقدمه وائنان في 
مؤحره» فإذا صليت العشاء حلس الأمراء في الفراش المعدة لهم كل في مرتبته» 
وحلس الشعراء أمامهم والمنشدون» وضربت خيمة قريبة من باب النساء ووضعت 
فيها أنواع الأشربة الحلوة» فإذا امتلأ المسجد وغص بأهله وحلس كل واحد في 
موضعه قام المنشدون فينشدون من غرر القصائد في مدح البي» صلى الله عليه 
وسلم» ما انتخبوه وأعدوه لذلك الموضع بألحان عجيبة وتراحيع متسقة» وبإزائهم 
جماعة يردون عليهم بأصوات حسنة» فيجيء السقاؤون بأنواع الأشربة الحلوة 
فيسقون الأمراء ثم المنشدين ومن معهم من أتباعهما!؟» ثم سائر الناس» ثم يؤتى 
بأنواع الرياحين والأزهار فتوضع بين أيديهم أضغاثًا ثم تفرق أيضا على الحاضرين» 
ثم يؤتى بأطباق من اللوز والسكر وأنواع الحلاوي فتفرق أيضا ويتثر ما بقي منها 
على عامة الناس» ولا يزالون كذلك حي عضي من الليل ما شاء الله النصف أو 


(1) ساقط من ط. 


- 438 - 


قريب منه» فينصرفون. وهذه الليلة من الليالي الغر المستر حص شراؤها بباقي العمر 
لولا ما شاا من كثرة النساء في المسجد وإكثارهن من الولاول» إلا أن أكثرهن 
ومن عادة أهل المدينة أيضا في كل ليلة جمعة أن يجتمع الناس بعد صلاة 
العشاء قي آخر أروقة المسجد النبوي الموالي لصحن المسجد فيأن جماعة من 
المنشدين فينشد كل واحد قصيدة أو قصيدتين بصوت رخيم وتطريب وتقسيم)» 
والناس محدقون يهم» وطم أتباع يردون عليهم مثل ما تقدم في ليلة المولد إلا أنهم 
أيضا في يوم اللجمعة الخرو ج للبقيع ووضع الرياحين الكثيرة على القبور» خحصوصا 
المشاهد المعلومة» فيكون عندها أضغاث من الرياحين!"» ويؤتى به إلى الحجرة 
الشريفة أيضا ويلقى من طيقان الشبابيك إلى داخلها فلا يزال هنالك حي يذبل 
ویذو ی فيخرج الناس في كناسة الحجرة ويقتسمها الأغوات بينهم مع باقي 
الشمع الذي يوقد داخل الحجرة وما يتساقط من الطيب» فيجمعون ذلك يهدون 
منه لأصحايمم وللأكابرء ويبعثون منه إلى من يهاديهم من أهل الآفاق» وقد أنالونا 
من ذلك حصة» فجزاهم الله خيرا. 
من ديباج أسود مخوص بالذهب فتعلق على أبواب المسجكت ويوّتى برايتين 
سوداوتين من ديباج مخوص أيضا فيركزان عن عين المنبر وشثماله» وتكسى درج 
المنبر من أعلاه إلى أسفله ديباحا من ذلك النعت أيضاء ويعلق أيضا على أبواب 
الحجرة الشريفة» فإذا كان قبل الزوال بقريب من ساعتين طلع المؤذنون على المأذنة 
فيبتدئ مؤذن الرايسية بالذكر والصلاة على النبي» صلى الله عليه وسلم» وقراءة 
آيات من القرآن» فإذا فرغ تلاه صاحب السليمانية على نحو من ذلك ثم لا 
يزالون كذلك يتناوبون الذكر والصلاة على النبي» صلى الله عليه وسلم والتلاوة 
في الماذن كلها إلى أن يخرج الإمام بأثر الزوال يقتسمون الوقت بذلك» فإذا قرب 
دحول الاما قام أحد المؤذنين على سرير المؤذنين فينشد ما شاء الله فإذا دحل 
الإمام ورقى المنبر أذن المؤذنون دفعة واحدة داخل المسجد على السرير الذي ف 


(1) في ط: الريحان. 
)2( في 35 يزيل وډروی. 


- 439 - 


وسط المسجد» وكيفية آذانهم أنه يبتدئ رئيسهم فيقول: الله أكبر» فيقوله الآخرون 
بعده دفعة واحدة» ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله مثىي فيقولونه أيضا بعد فراغه 
منه دفعة واحدة وهلم حرا إلى آحر كلم الآذان. وأما الخطبة فهي كالإمامة موزعة 
بين فقهاء المدينة» لكل واحد مقدار معلوم من الأيام على قدر حصته الى يأخذها 
من حامكية الخطباءء فمنهم مقل ومكثر» وذلك إما بالوراثة من أسلافهم أو 
بالشراء من الولاة» وهو الغالب» فمنهم من تدور نوبته في كل شهر مرة» ومنهم 
من لا تصل إليه النوبة إلا مرة في السئة» ومنهم بين ذلك على حسب أنصبائهم في 
المال المأحوذ على ذلك. والحاصل أن المناصب الشرعية كلها في البلاد المشرقية 
حجازا ومصرا وشاماء من إمامة وحطابة وأذان وإقامة وقضاء وفتوى وشهادة» بل 
ووقيد المساحد» إنما تنال بالشراء من الولاة» فإذا مات صاحب خخطة أو عزل دفع 
الراغب فيها مالا للولاة فيولونه مكانه» على أي حال كان من صلاحيته لذلك أم 
لاء فعظم الخطب على المسلمين والإسلام في ذلك خخصوصا منصب الْقَضاء فما 
رأينا ولا معنا يل البلاد المشرقية كلها بقاض يقارب الحكم عا يشبه أن يكون 
شرعاء وإنما مدار أمرهم على الرشا حهاراء فينقض ض الحكم الواحد في اليوم الواحد 
مرارا متعددة بحسب كثرة الرشا وقلتهاء والله المستعان على أن بعض أصحابنا من 
سيان ذكره عند ذكرنا من لقيناه بالمدينة» وهو الشيخ عبد الله باعفيف اليمئ قد 
أن على قاضي المدينة لحينه» وهو القاضي مكي» ثناء حسناء وزعم أنه متبع للحق 
حهده وأنه من أصحاب شيخنا السيد محمد باعلوي اليمئ المكى» وأنه هو الذي 
أمره بتولية حطة القضاء والبقاء فيها بعد إرادة التنصل عليها. وغالب الناس بالمدينة 
على خلاف مدعى صاحبنا هذا في هذا القاضي» والله أعلم بحقيقة أمره» بيد أن 
في سنة تسع وخمسين» وهو أول سنة حججت فيهاء حاء إلى المدينة قاضي تركي 
من قبل القسطنطينية فأظهر فيها العدل غاية» وأقام الدين على الحق» وضرب على 
أيدي كثير من ولاة المدينة ومنعهم من كثير من الباطل والظلم الذي هم به 
متصفون» فثقلت وطأته عليهم واشتدت شكيمته على السلطان الأمير زيد بنفسه» 
حال بينه وبين كثير من مراداته الي على حلاف الديانة. وكان السلطان زيد قدم 
في تلك السنة إلى المدينة وأقام بها مدة فلم يزل يحتال على القاضي حي اغتيل ليلة 
من الليالي» وكان يان إلى المسجد النبوي قرب صلاة الصبح راكبا يصلي في 
المسجد» فكمن له رحل قريب من باب المسجد فضربه بجنبيه فقطع ا أمعاءه ففر 
الضارب في ظلمة الليل» و لم يكن مع القاضي إلا قليل من خدامه» فأحرى فرسه 


- 440 - 


من ألم الضربة حي أنى باب المسجد» بل قيل إنه دحل المسجد بفرسه حى أتى 
وحاه الوحه الشريف فترل وأحذ بشباك الحجرة مستغيثا برسول الله» ولم يرسل 
يده من الشباك حي قبضت روحه إلى رحمة الله» وفر الضارب ولم يدر أين توحه 
حي ”مع به في مكة أو حدة فأظهر السلطان التأسف على موته» وأظهر التفتيش 
على الضارب» وزعم أنه لا علم له به» ولو علمه لنكل به وقتله» والخاصة من 
الناس لم يصدقوه في ذلك وعلموا أنه لا يقدر أحد على الحرأة إلا بإذنه» وأنه لا 
يخفى عليه فاعله لشدة حزمه وعظيم مكره وكثرة كائه» حى أنه لا يكاد يخفى 
عليه سارق شملة بأرض الحجاز كلها فكيف يخفى عليه مثل هذا؟» فيا لله أي قاض 
بعد هذا الشهيد» يقدر على إظهار الحق والقول به فى هذه الديار وما شاكلها؟ 
وإلى الله المشتكى. 
ومن عادة المدرسين بالمدينة أيضا تعطيل القراءة في المكاتب والتدريس يوم 
الثلاثاء ويوم الجمعة» ويقرؤون فيما سوى ذلك من الأيام حلاف عادتنا بالمغرب 
من التعطيل يوم الخميس والجمعة» فكنت أيام إقرائي بالحرم الشريف يكلفونيي 
القراءة يوم الخميس فيشق ذلك علي لكونه خلاف المعتاد لديناء ولخروجنا ف ذلك 
اليوم إلى زيارة أحد وغيره من المشاهد» فطالبتهم كل المطائبة أن نعوض الخميس 
بالثلاثة فأبوا كل الإباية» فجريت على عادقهم كما قيل: 
[سريع] 


إن جنت أرضًا أهلها كلهم غور فغمض عينك الواحدواا 
ومن عادتهم أيضا بعكة والمدينة التهنئة بالشهر» أي شهر كان» حلاف المعتاد 
لدينا بالمغرب فإن التهنئة عندنا إنما تكون بالأعياد وماشاكلهاء ولديهم لا بد من 
التهنئة في أول يوم من كل شهرء فيذهب كل واحد إلى من له عليه حق بولاية أو 
شيخوخة أو صحبة حي يهنيه بالشهر في مترله. وله در القائل: 
[كامل] 
إن الأهلة في السماءمناجل بطلوعهاتح صدٌ الأعمالرٌ 


أبدا!؟ بهن بعطنا بعضا بها وطلوغ ها باأفو ا إن ذال 


(1) ورد البيت بلا نسبة في كتاب: ألف باء 42:1. 


- 441 - 


ومن عادتهم في إقامة الصلوات الخمس بالحرم الشريف الصلاة في أول 
الوقت ما عدا الصبح للحنفي فيؤخره إلى قرب الإسفارء فيصلون الظهر أول ما 
تزول الشمس» وما يقيل غالب الناس إلا بعد الصلاة فيذهبون بعد الصلاة إلى 
منازهم لنوم القائلق» وكان ذلك يشق علينا قبل اعتياده» فتكاد صلاة الظهر تفوتنا 
في المسجد لأنا لا نتأهب ما إلا بعد الأذان» وليس بين الأذان والصلاة قدر يسع 
التأهب» فمن لم يتأهب لصلاة قبل دخول الوقت فاتته الصلاة في الحماعة غالباء 
وذلك حلاف السنة في تأحير صلاة الظهر للجماعة إلى ربع القامة» وأول من 
يصلي من الأئمة الشافعي ثم الخنفي» إلا في صلاة المغرب فيتقدم الحنفي لضيق وقته 
عنده كالمالكي» ولا يؤم بالمدينة من الأئمة سواهما من أرباب المذاهب إلا ف 
الجمعة فيصلى صاحب النوبة على أي مذهب كان. فيتناوب الإمامان الصلاة في 
احراب النبوي» فإن صلى أحدهما فيه صلى الآخر في الحراب الآخر الذي على كين 
المنبر الشريف» وأما الحراب العثمان الذي في الصف الأول فلا يصلى فيه إلا في 
بعض أيام الموسم إن كثر الناس. 


لطبيفة: 


رعا صلى بعض الالكية في بعض الأوقات بالناس لتعذر غيره تمن هو أهل أو 
إنابته له فيصلي على هيئة الشافعي من الابتداء بالبسملة وقبض اليدين ورفعهما 
للركوع والرفع منه» و أول كل ركعة وتثنية التسليم حهرا أو تأخير القنوت عن 
الركوع والجهر به» وكان بعض الالكية ينكر ذلك على فاعله فيقول: إما أن 
يصلي الصلاة على مذهبه أو يدع الإمامة. وكنت أنا أخفف الأمر في ذلك فأقول: 
قد علم من الشارع التحذير من الأمور الى توقع في المخالفة وتوغر الصدورء 
حصوصا في أمور الدين» فإذا فعل الإمام حيث اضطر إلى الاثتمام به أمورا ينكرها 
المأموم ل فرعا دحل في وعيد من أم قوما وهم له كارهون» وهذا حيث لا ضرر 
ليه في الفعل والترك بأن لا يكون المتروك واحباء ولا المفعول مبطلاء كبعض 
المستحبات وخلاف الأولى» فيكون ذلك من باب تعارض مندوبين أو مكروهين 
اضطر إليهما فإن موافقة المأموم للإمام وعدم كراهيته له أمر مرغوب فيه مكروه 


(1) في ط: فلماء 


- 442 - 


حلاف خصوصا إن كان ذلك يؤدي إلى تخليط على المصلين فإن كثيرا من 
المأمومين عوام لا يفرقون بين مقتضيات المذاهب ولا يعرفون محل الخلاف» فرعا 
انتظر القنوت وراء الإمام ثي امحل الذي يعرفه فيتركه أصلاء ومعلوم أن تأخيره إلى 
بعد الركوع أولى من تركه بدليل أن ناسيه يفعله في ذلك امحل» وكالسلام فرعا 
انتظر التسليمة الثانية إذ يما الخروج من الصلاة عند بعضهم» فيؤديه ذلك إلى ترك 
السلام أو الفصل الكثير بين سلامه وسلام إمامه» وكل ذلك محذور كترك البسملة 
فاا واحبة عند الشافعي تبطل الصلاة بتركها فرعا ممعه المأموم ممن لا يعرف 
حواز ذلك في غير مذهبه» أو يظن إن إمامه ممن يرى وحوها وأنه تركها عمدا 
فيعتقد بطلان صلاته» فيكون مقتديا عن يعتقد بطلان صلاته» فيسري البطلان إلى 
صلاته إن كان تمن يعتقد ارتباط صلاة المأموم بصلاة الإمام» إلى غير هذا من 
المفاسد والتخخليط الذي يقع في الصلاة مع أن هذه الأمور الي عددنا كلها أولا 
ليس في فعلها أو تركها كبير ضرر في المذهب. أما البسملة فقد علم ما في المذهب 
من الخلاف في ذلك وحكاية ابن رُشيد مع ابن دقيق العيد معلومة في النقل عن 
المازري» وهو من هى إنه كان يفعله ويقول: أفعل ما لا تبطل الصلاة بفعله في 
مذهبي قولا واحداء وتبطل بتر که في مذهب غيري قولا واحداء وقد ذكره الشيخ 
زروق» رضي الله عنه» مثالا لورع المحققين في غير ما موضع» وهو اتقاء مواضع 
الخلاف. وقد حكى عن بعض أئمة الشافعية أنه اقتدى عالكى فكان يمول له عند 
الدخول ف الصلاة: أقسمت عليك إلا ما بسملت» فلما سمعه لم ييسمل» قال: 
نويت الصلاة على مذهب مالك انظر ورع هذا السيد ودقيق نظره فإنه استسهل 
الاقتداء عن يعتقد بطلان صلاته» وليس كل الناس يحسن ذلك فلو أن الإمام 
بسمل لأنقذه من هذه الورطة» مع أنه لا كبير ضرر عليه في ذلك» غايته أنه أتى 
بخلاف الأولى في مشهور مذهبه. 

وأما القبض فقد علم ما فيه من الخلاف في المذهب» وقد قال به أئمة 
محققون من أهل المذهب» كاللخمى وغيره خصوصا إن علل بخشية اعتقاد 
الوحوب» فإن ما هذا سبيله من المكروهات لا يعبا به امحققون إذا صحت به 
الأحاديث» سيما مع انتفاء العلة كهذه المسألة» فلو اطرد ذلك لأدى إلى ترك 
السنن كلها أو غالبها المداوم عليها لأن المداومة عليها ذريعة إلى ذلك وإغا قال 
الإمام» رضي الله عنه» بذلك في مسائل قليلة لعارض في الوقت اقتضى ذلك 


- 443 - 


كقول بعض العوام ف آحر السبت من شوال العيد الثاي» فرأى الإمام قطع هذه 
المفسدة أولى من الحافظة على هذا المندوب» فإذا انقطعت المفسدة وأمن من عودها 
فلا معن لترك ما حاءت به الأحاديث الصحيحة إلا حض التقليد الذي لا زبدة له 
إذا خض» ويسمّج؟" في السمع إطلاق الكراهة والمنع فيما صح عنه» صلى الله عليه 
وسلې أنه فعله أو أمر به ورغب فيه إلا لضرورة أسمج من ذلك وقد رأيت كثيرا 
من المالكية يقبضون أيديهم في الصلاة وذلك للنفة الأمر فيه كما تقدم» ولكون 
السدل ف البلاد المشرقية كلها شعار الروافض ولا يفعله من الأئمة إلا المالكية 
والعوام يعتقدون أنه لا يفعله إلا الرافضة» فمن رآه سادلا يديه في الصلاة قالوا إنه 
رافضي. 


غريبة: 

أخحبرن شيخنا الملا إبراهيم أن بعض الفقراء المالكية وصل إلى بعض أطراف 
الشام فدحل | إلى قرية أهلها أهل سنّة وجماعق فلما قام إلى الصلاة رأوه سادلاً يده 
فظتوا أنه رافضي» فقصدوا إذايته» فال لهم: إن مالكي وتبرأ من الرفض» فقالوا 
له: كذبت إن المالكية لا يسدلون أيديهم فليس أحد من أهل السنة يقول بذلك» 
وإنما هو فعل الروافض» حي ذهب معهم إلى فقيه البلد فسألوه فقال هم: صدق 
إن المالكية يقولون بذلك فإلا بلأي ما أنقذه من أيديهم» فانظر هذه الحيرة الي 
ألقى فيها هذا المسكين تفسه» فلو أنّهِ إذا أفضت به الخال إلى هذه البلاد الب صار 
فيها مذهبه غريبا لا يعرف ترك ما يشين عرضه ويؤدي إلى حصول الضرر له ف 
بدنه» مع أنه لا كبير ضرر عليه في دينه» لسلم وسلم غيره من إساءة الظن به 
كيف وقد جوز الأئمة» رضي الله عنهم» ترك كثير من السنن الي صارت شعارا 
للمبتدعة» بل استحبوا تركها لأنا نينا عن التشبه بأهل الأهواء والبدع» فكما كره 
بعضهم لبس الخاتم في هذه الأزمنة لكونه من شعار أهل اجون مع أنه سنة ثاببة 
قولا وفعلاء وكرهوا تطويل اللحية وإعفاءها فوق المعتاد لأنه شعار الوهبية كما 
قال الشيخ زروق» مع أن إعفاءها قد قيل بوحوبه. فليكن السدل أيضا كذلك 


)1( يسمج: يقبح: لسان العرب: سمج. 


- 444 - 


مكروها ف البلاد الي صار فيها شعار الروافض» مع أن خخلافه الذي هو القفبض 
ثابت أيضا في السنة قولاً وفعلاً لثبوت الأرسال أو أزيد. 

ومن كان يقبض في صلواته كلها فرضاً ونفلا من المالكية شيخنا أبو مهدي 
عيسى الثعالبي» فكنت أرى أن السدل أولى به وبأمثاله من يقتدى ليراه عامي 
فيعلم أنه من فعل أهل السنة أيضا كالقبض» > فتنتفي الريبة في -حق العامي» فإذا رأوه 
هو وأمثاله من أئمة المالكية عوام أرباب المذاهب يقبض ل يصدقوا بعد ذلك من 
ادعى من عوام المالكية أنه قي مذهبه واتهموه بالرفض وقالوا: قد رأينا أئمة المالكية 
يقبضون» فحقه هو أن لا يخالف رسوم المذهب في ورد ولا صدر لارتفاع الظنة 
والريبة في حقه لشهرته وعلمه» فيكون قدوة لغيره» وقد كنت أردت أن أشافهه 


لطيفة 
: 


كنا أيام ماعنا للمعجم الصغير للطيراني على شيخنا الثعالبي بالحرم النبوي إذ 
مر بحديث فيه حجة لمذهب المالكية أشار إلي وإلى بعض فقهاء المالكية من كان 
يحضر المحلس فيقول: هذا حجة لكم وإذا مر عا يخالف المذهب قال: هذا حجة 
عليكم؛ فلما حاء ذكر حديث: إنا معاشر الأنبياء أمرنا [بثلاث؛ بتعجيل الفطور 
وتأخير السحور و] بوضع اليمئ على اليسرى في الصلاةا». قال: هذا حجة 
علیکې فقلت: لا حجة علينا في هذاء فإن ظاهر اللفظ الخصوصٍ» ولا عموم فيه 
فاستضعف حوابي وقال: وردت به أحاديث صحيحة عامة قولاً وفعلا ومن 
أنصف علم أنه لا ضعف في الجواب لأنِ لم أنكر كون القبض ثابتا قي السنة» وأنه 
له أصل» وإنما أنكرت إثباته مذا الأصل با لخصوص وأن هذا الحديث بخصوصه لا 
يكون حجة على مالك في كراهية القبض» فلو لم يرد في القبض إلا هذا الحديث 
وحده لم يكن فيه حجة على منكر القبض» بل لساغ لقائل أن يقول بعدم حوازه 
لغير الأنبياء وأنه من الخصائص لظهور اللفظ في ذلك كقوله: نحن معاشر الأنبياء 


(1) المعجم الأوسط 238:3. 


- 445 - 


لا نورث!"» ولكن كرهت مراحعة الشيخ عثل ذلك في احالس الحافلة الغاصة 


وأما الرفع في كل خفض ورفع فقد صحت الأحاديث به وثبتت الرواية به 
عن مالك فقد روي عن أي عمر بن عبد البر أنه كان يرححه ويصحح روايته 
عن الإمام فقال له بعض أصحابه: ما عنعك من فعله مع صحة الحديث به وثبوت 
الرواية فنقتدي بك ف فعله. فقال: أكره مخالفة الأصحاب في أمر فيه سعة» فأنت 
ترى كراهيتهم رحمهم الله للمخالفة في الأمور الي فيها سعة» وقد كان شيخنا 
التعالبي أيضا يفعله ي الفرض والنفل» وكان حقه أيضا أن لا يفعل لما تقدم مسن 
كونه مُقتدى به» ولكون هذا أيضا من شعار الروافض» وزيادة أنهم لا يرفعهون 
حى مع تكبيرة الإحرام» وقد رأيت جماعة بالصفراء يصلون يي مسجد م فلم 
أرَ أحدا منهم يرفع يديه في تكبيرة الإحرام» بل يفتتحون الصلاة بالقراءة سادلين 
أيديهم» فعلمت أنهم روافض» وهم غالب أهل تلك القرى» وقد أطلعت شيخنا 
النعالبي على كلام ابن عبد البر المتقدم في محله من شرح القباب لقواعد عياض »› 
فلم يلتفت إليه واستمر على رأيه في ذلك. 

وقد رأيت بعض المشايخ يخالف ما حرى به العمل عند أهل المذهب إذا 
صت الأحاديث بخلافه» وهي وإن كانت قولة وردت عن الإمام كما صسحت 
عن الشافعي أنه قال: إذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط. بل قال بعسض 
الأئمة إن هذه القولة الى اشتهرت عن الشافعي» رضي الله عنى وجعله أصحابه 
أصلاً من أصوطم حي كثرت مخالفتهم لإمامهم ف فروع كثيرة قد ورد عن الأئمة 
الأربعة» فالذي عند المحققين من أهل المذهب أنه لا ينبغى إظهار المخالفة ومصادمة 
نصوص المذهب في أمر له أصل في السنة» وإن لم يبلغ درحة غيره في الصحة فإن 
ذلك مما يؤثر الخلاف ويوقع في التشويش على الناس بذلك وحملهم على حلاف 


(1) مسند الربيع 261:1. 

(2) الصفراء: على لفظ تأنيث أصفرء قرية فوق ينبع كثيرة المزارع والنخل ماؤها عيون يجري فضلها 
إلى يذبع» وبين ينبع والمدينة ست مراحل؛ والصفراء على يوم من جبل رضوى: معجم ما استعجم 
3. 

(3) القباب: أبو العباس أحمد القباب» فقيه محقق» له شرح على قواعد عياض» توفي سئة 779 ه: شرف 
الطالب» ص: 85. 

(4) ميزان الاعتدال 220:6. 


- 446 - 


ما مضى عليه عمل الناس في الأعصار المتطاولة ما له أصل في السنة وقي كتاب 
سنن المهتدين" للمواق وما يكفي ويشفي من ذلك. 

وأما القنوت بعد الركوع فأمره أخف من كل ما تقدم» مع ما يلزم من 
التحليط على المصلين الذين لم يألفوا ذلك إذا قدم» وقد كره الأئمة سجود التلاوة 
ف صلاة الفريضة وأباحوا تركه خحشية التخايط على المأمومين مع أنه سنة في 
الصلاة وغبرهاء ولذلك قال ابن عرفة: إذا حرى العمل به كصبح يوم الجمعة في 
حامع الزيتونة بتونس فلا ينبغي ت ركه» لأن تركه حينئذ يوقع في التخليط» فيظن 
من بعد من المأمومين في ركوع الإمام أنه يسجد سجود التلاوة المعهودة» فيهوي 
إلى الأرض فلا يرحع حى تفوته الركعة» فانظر كيف دار الأمر بين الاستحباب 
والكراهة مع الخوف من التخليط والأمن من فلا يبعد أن يقال: ينبغي للامام أن 
يخر القنوت إذا حاف التحليط على المأمومين لحريان العمل بذلك. 

وأما تثنية السلام فقد صحت به الأحاديث أيضا وثبت عن الإماى رضي الله 
عنه» أنه كان يفعله إذا صلی وحده وأما احتباره لنفسه في صلاته إلا وهو يراه 
صواباء وقي ت ركه في البلد الى اعتيد فيها أيضا تخليط المأموم كما تقدم» ولا ضرر 
عليه في فعله لأنه بالتسليمة الأولى حرج من الصلاة» فأي ضرر عليه في ذكر تكلم 
به بعد الخروج من الصلاة فيه مصلحة لن اقتدى به» وعثل هذا أحاب بعض 
الأئمة على إنكار بعض العلماء لما حرى به العمل من التثويب بعد الآذان بقوطم: 
أصبح ولله الحمد» وبالصلاة على البي» صلى الله عليه وسلمء قبل الآذان للعشاء 
ليلة الجمعة فقال: أرأيت لو أنه بعد الفراغ من الآذان تكلم بكلام دنيوي أو 
ضحك أو فعل فعلا من الأفعال أينكر عليه في ذلك» فكيف إذا تكلم بذكر من 
الأذكار بعد الفراغ من آذانه» والعلة قي ذلك ما ثبت عن الإمام في أمثال ذلك من 
حشية الإدحال مما ليس من العبادة فيهاء وإن كان عبادة ف نفسه» وهذه العلة في 
الغالب منتفية في هذه الأزمنة لتقرر الدين ووضوحهه فلا تلتبس عبادة بأخرى ولا 
يخشى اعتقاد وحوب ما ليس بواحب إلا على ما صرف» فيسأل أهل الذكر إن 
كان لا يعلم» وقد أطلنا الكلام قي هذه المسألة لكوفا ما يحتاج إليها في تلك 


(1) أنظر: سئن المهتدين في مقامات الدين» ص: 49. 
(2) جامع الزيتونة: ابتدأ بتأسيسه حسان بن النعمان والي إفريقية والمغرب حوالي سنة 80 هه ثم أعاد 
بناءه عبد الله بن الحبحاب سنة 116 ه: المساجد في الإسلام» ص: 558. 


- 447 - 


الديار» وليس هناك من يحققها مثل هذا التحقيق وللنظر فيها مع ذلك محال 
وستكون لنا عودق إن شاء الل إلى تحقيق هذه المطالب فقد كتبناها من غير 
مراحعة لأصول المسائل ولا مطالعة فروعهاء وإنما كتبت ما سنح في الوقت ليكون 
عرضة للمتأمل في إبراز صوابه من خخطئه وحقه من حطله» والله ولي التوفيق وهو 
حسببي ونعم الوكيل. 

ومن عاداقم في الصلاة على الخنائز إدخال الجنازة إلى الحرم الشريف» 
فيصلى عليها بالمسجد ثم عر ها أمام الوحه الشريف ويوقف وقيفة» ثم يذهبون ها 
إلى حلها من البقيع أو غيره إلا حنائز الروافض كالنخاولة فإنه لا يدل يما 
المسجد ولا يُؤتى يما للمواحهة» بل يأ يما أصحايما حارج المسجد من ناحية 
الروضة ثم يرحعون» ولقد أحسن من سرهم" ذلك من الولاة» فحق من يبغض 
ضجيعي الرسول ورفيقيه يه في الحيا والممات أن يبعد حيا وميتاً. 

ومن عاداتهم في الإملاكات أن يكون عقد النكاح بالمسجد» ولقد حضرت 
إملاك هندي قدم من مكة مع الشيخ عيسى في الرحبية وكان بينه وبين الشيخ 
صحبة» فأراد العقد لولده على ابنة رحل آخر من كبار تحار اند فلما كان وقت 
العقد ذهب بي الشيخ معه وكرهت خلاف أمره» وما .كنت أحب حضور نحافل 
أهل الدنيا المشوبة بأنواع من التصنيع والمباهاة حصوصا فى ذلك امحل الذي حق 
الإنسان فيه أن خضع ويخشع) ويضع نفسه باحل الذي وضعها لله فيه من الذل 
والاحتقار» فجلس الشيخ مسندا ظهره للمنير النبوي وحلست بإزائه وحلس 
أرباب المراتب من العلماء والخطباء وأكابر الناس صفين من الملبر إلى الحجرة 
الشريفة» صف مستقبل القبلة وصف مسند ظهره إلى حدار القبلة» وحلس عن 
يسار الشيخ كبير الخطباء بالمدينة الخطيب أحمد البري وبإزائه المتعاقدان والابن 
وأبو البنت» فشرع الخطية وأطال وأحاد في الثناء عليهما إلى أن ذكر العقد وأشار 
إلى المتعاقدين» ورضيا بذلك» كل ذلك بلسان الذلق!5 وصوت جهوري» وذلك 
الذي أنكرته مع البالغة في الثناء على المتعاقدين عا أكثره زور وباطصل بحضر 


)1( سدربهمة : أذهبهم وأمضاهم. 

)2( أحمد بن عبد الله بن أبي اللطف البري الحئفي الخطيب المدني» من أعيان المديئة المنورة وعلمائهاء 
ولد سئة 0 هه وتوفي سنه 2 ه: خلاصة الأثر 1 2. 

)3( ذلق اللسان: حدته: سان العرب: نلق . 


- 448 - 


أشرف الخلق وف روضة ابكنة» فصغرت نفسي عندي وتضاءلت» ووددت أن لم 
أحضر ذلك المجلس» ولو كنت أعلم أن صورة المجلس على هذا الوحه ما حضرته. 

ثم أن بأطباق الرياحين ووضعت بين الصفين» وأطباق من اللوز والسكر 
وفرق ذلك على الحاضرين» وقام المنشد فأنشد قصيدة أو قصيدتين يي مدح البي» 
صلی الله عليه وسلّې » فافترق ايبحلس» وقام الحاضرون إلى المتعاقدين يهنوفمماء 
فانسللت وكان ذلك ضحى وذهبت. وهذه صورة إملاك كل ذي وجاهة ورياسة 
من أمير أو تاحر أو صاحب خخطة» وأما غيرهم فعلى حسب ما يتفق م. 

فإذا كان ليلة الدحول أن بالرحل ومعه جماعة كبيرة من أصحابه وأقاربه» 
ومعهم الشمع حى يوقف على باب المسجد بعد العشاء الآخرة فيدخل ويسلّم 
على النبي» صلى الله عليه وسلې ويدعو فيحرج؛ ثم يذهب به كذلك يزفود إلى 
بيت المرأة في دار أهلهاء عكس المعتاد في كثير من البلاد أن المرأة هى ال ترف 
إلى زوحهاء وأن الدخول قي بيت الزوج» وعند هؤلاء لما كانت العادة الدخول 
بالمرأة ي بيت أهلها صار الزوج هو الذي يُزفء فإذا أصبح الزوج ذهب من بيت 
الزوحة إلى بيته» وأخذ في إطعام الناس طعام الوليمة» وجاء الناس لتهنئته» وق 
الليلة المقبلة تأي الزوحة من دار أهلها إلى دار الزوج» ولكل قطر عادة ولكل قوم 
سادق وعادات السادات سادات العادات. 

ومن عاداتهم يي التعامل بيعا وشراء أنهم يسمون الأربعين مائديا صرفاء 
فيقولون عشرة أصرف وعشرين صرفاء يعنون كل أربعين قيراطا من قراريط 
الفضة المسكوكة يعد صرف كقولنا في المغرب مثقالاًء ويقولون للدينار من الذهب 
المسكوك شريفيا وسلطانياء ويقولون للريال المسكوك من الفضة ريالا وقرشا. 
ويقولون للقيراط المسكوك ماقا وللصاع الذي به التعامل ربعي ولخزءيه ركيلهء 
ويسمون الصروف التقدمة إذا ذكرت بمجموعة ذهبا فيقولون: عشرون ذهبا 
وثلاثون ذهباً يعنون عشرين صرفاً من غير قصد إرادة الذهبء إذ التعامل بالذهب 
إغا هو بالدنانير وأحزائها. 


- 449 - 


لطفة:؛: 


قد وقعت بين وبين بعض مدرسي الالكية مناظرة بسبب هذه المسألة» أع 
تسمية الصرف بالذهب» وذلك أن بعض الموثقين كتب في معاملة بين شخصين: 
أربعين ذهبا أو ثلاثين ذهباء يعني الصروف» فلما كان وقت الاقتضاء قال له: إن 
آنيك بالصروف الى هي العدة المذكورة من القراريط قال له المدرس: لا يحل 
ذلك إلا مم اللناجزة لأن هذا صرف مؤخرء فإن الذي قي ذمتك هو التب 
وأنت الآن تريد دفع الفضة عنه» فهو صرف ما في الذمة» ولا بد فيه من صرف 
هناء إذ المراد بلفظ الذهب هنا العدة المذكورة من الفضة باتفاق من المتعاملين 
وغير*ما من سائر الناس» حى المدرس بنفسه لا ينازع قي ذلك والعبرة إعما هي 
عدلول اللفظ المفهوم منه عند المتعاقدين لا عدلوله لغة) فإن العرف الخاص نقل 
هذا اللفظ من مدلوله لغة إلى مدلول آحر معروف في العرف الخاص لا ينازع فيه 
أحد من أهل البلدء فلو أرادوا مدلول الذهب لغة عنه باللفظ الدال عليه في عرفهم 
كما قلمنا ويفيد ذلك كون هذا المقدار من الفضة» وهو الأربعون قبراطء ليس في 
الذهب فرد يقابله من أفراد الذهب المسبوك الذي يقع به التعامل حى يصار إلى أنه 

هو المراد» فلو قلنا إن المراد الذهب لغة لكان فيه جهالة» إذ لا يدري أهي أربعون 
دینارا أو أنصاف الدينار أو أرباعه» ولأن كل ذلك لا يقابل الأربعين قيراطا الي 

هي المرادة» فلو كان ف التعامل ذهب مسكوك يروج رواج الأربعين قيراطاً لتوهم 
أنه المراد» وهذا غين بوضوحه عن الإيضاح. فلما بلغ ما قلت إلى ذلك المدرس الم 
يذعن للحق مع وضوحه فطلب الاحتماع بي وحاءن وأنا في المسجد فذكر 
ذلك لي» وذكرت له ما تقدم فلم يحد مدفعا إلا أن قال: انظر ما تتقلد من ذلك 
فإني أحاف أن يكون ذلك ذريعة للناس إلى التعامل بالربا. فقلت له: إذا وضح 
الحق وتبين فلا يترك مخافة الوقوع في الباطل» فإن ذلك إنما يكون مع التباس الأمر 
واشتباهه فيحتاط الإنسان لدينه فيترك ما لا بأس به حذرا مما به البأس» وأما بعد 
ييز الباطل بصفته المعلومة شرعاً وتييز يز الحق حانباً منه بوصفه المعروف حي لا 
يخاف التباس الحق بالباطل» فلا معن لترك الحق إذ ذلك لأحل توهم متوهم. 

ثم اير بنا الكلام إلى مسألة صرف الريال بالمائدية؛ وهي القراريط المذكورة 
من دون وزن بل بالعددء وقد حرى على ذلك عمل أهل الحجاز ومصر إلا 
القايل» وقليل ما هم فقلت له: لو انضبط هم مقدار معلوم من هسين أو ستين 


- 450 - 


من القراريط تكون في وزنها قريياً من وزن الريال» لخرحت عن مسألة العتبية!؟ من 
قول ابن القاسم في الدينار بعشرين قيراطا من الذهب» إذ لا فرق بين الذهب 
والفضة في ذلك» فلمًا خفف ف دينار واحد في مقابلة عشرين قبراطاء فليكن 
كذلك درهم كبير من الفضة وهو الريال في مقابلة أحزاء كثيرة من الفضة» نحو 
الأربعين أو الخمسين أو الستين إذ لا عبرة بكثرة العدد وقلته مع اعتبار التفاوت 
اليسير في الوزن» واتفراد إحدى اهتين بالواحدة. ولكن لما لم ينضبط العدد 
المدفوع فيه الريال» فتارة يكون مسين وتارة إلى ستين» كان يي ذلك مكايسة 
ظاهرة» وحرحت المسألة من باجا المعروف الذي سبب الرخصة مع الضرورة. فأبى 
من قبول ذلك ولو مع الانضباط حي أطلعته على كلام شيخ مشايخنا سيدي 
العربي الفاسي© في مسألة الريال والرد فيه من دراهم وقتهء أو المبادلة» وقد حقق 
ذلك كل التحقيق» > فلمًا رآه» رحع إلى مثل قوله الأول» والحواب عنه ما قررنا 
أولا. وقد نقلنا من كلام الشيخ المذكور ما لا بد منه في شرحنا لنظم بيوع ابن 
جماعة(۴» وهو الذي أطلعته عليه إذ لم يكن عندي إذ ذاك عين الرسالة الي ألفنها 
في ذلك. 

ثم حرى ذكر مسألة أخرى قريبة من ذلك وهي أن المشتري للزرع مثلا قد 
يريد دفع الريال الكامل يي آصع منه فيقول المشتري: أشتري منك الزرع على أن 
تأخذ مي الريال بحساب خحمسين قيراطا أو ستين لكل ريال على ما يتفقان عليه 
فيأخذ الزرع منه مثلاً بعشرة قراريط للصاع أو أقل أو أكثرء فيدفع له الريال على 
حسب ما تراضوا عليه أولاء فأفي المدرس المذ كور بعدم حواز ذلك قائلا: إن البيع 
وقع بالقراريط فلا يجوز دفع الريال الكامل عنه لأنه مراطلة ما في الذمة وهي لا 
تحوز لعدم تحقق الممائلة» وهي شبه المسألة الي قبلها المرخص فيها في العتبية إذا 
استوفيت شروطهاء لأنه إن ساغ دفع الريال في مسين قيراطا يدا بيد بلا مراطلة 
ساغ دفعه في مسين مترتبة في الذمة لأن المناحزة حاصلة في كلتا الصورتين» فإن 
ما في الذمة حاضرء وأما ما يسير التفاوت الذي عسى أن يقع فهو مغتفر للضرورة 
(1) العتيية: منسوبة إلى مصنفها فقيه الأندلس محمد بن احمد بن عبد العزيز العتبي القرطبي المتوفى سنة 
4 هو هو مسائل في مذهب الإمام مالك: كشف الظنون 1124:2. 
5 يقد إرشاد المتسب إلى فهم معونة المكتسب: شرح لمعونة المكتسب وبغية التاجر المحتسب» وهو 


نظم في 0 بيتا نظم فيه يبيوع ابن جماعة التونسي» وتحتفظ الخزائة العامة بالرباط بنسذتين منه تحت 
رقم: : 1236د» و1479د: أنظر: إتحاف الأخلاء» ص: 61. 


- 451 - 


ولكون ذلك معروفاء والذي رأى أن هذه المسألة ليست من المراطلة ولا المبادلة في 
شيء فهي حائزة على كل حال لأن الذي وقع عليه العقد أولاً هو الريال الكامل 
لكون الدافع اشترط دفعه والآحذ رضي بأحذى وبه وقع القضاء آخراء فالذي 
وقع عليه العقد هو الذي وقع به الاقنضاءء» وذكر القراريط فيما بين ذلك إنما هو 
لبيان المقدار المبيع من الآصع إذ العرف ب بيع الأصع بالقراريط» فهو زلة ما لو 
قال: أشتري منك من الآصع بالريال ما كان يباع بكذا وكذا قيراطاء والقدر المبيع 
من الأصع بالعدة المذكورة من القراريط معلوم للبائع والمشتري» فلو كان الزرع 
مثلا يباع بعشرة قراريط للصاع فقال المشتري للبائع: آخذ منك خمسة آأصع 
وأدفع لك ريالاً كاملاً بحساب مسين قيراطاً للريال» فقد علم البائع والمشتري من 
أول وهلة الريال مدفوع في مسة آصع من الطعام لا في مسين قيراطا مترتبة في 
الذمة» فلو امتنع البائع من أخذ الريال بعد ذلك م يحبر المشتري على دفع القراريط 
إذ ليست معقودا عليها ولا يجبر المشتري إلا على دفع ما وقع عليه العقد» فليتأمل 
المنصف. 


وما أفي به ذلك المدرس أيضاً أن المواعدة في الصرف إذا وقعت بين 
مصطرفين فلا يحل لأحدها الصرف من الآخر بعد ذلك ولو فسخاعقد العدة 
وأنشئا عقدا آحر» وخالفته في ذلك فقلت: إنما الحرام هو نفس المواعدة لكونه 
ذريعة | إلى الصرف المستاحر» فإن اصطرفا بعد ذلك وها على ذلك الوعد وتقابضا 
ماما للوعد المتقدم فهو حرام أيضاً لأنه مبني على حرام وناشئ عنه» وإن افترقا بعد 
المواعدة والعلم بتحرعها وألغياها فأتى أحدهما بنقده إلى الآخر وقال له: إن ما 
فعلنا من المواعدة حرام وقد ألغيناها فإن شئت الآن أصارفك علي ما نتراضى عليه 
الآن فعلت» ثم تراضيا على الصرف بحضور النقدين وأنشأًا عقدا آخر فلا بأس 
بذلك» ولو قيل فيه بالكراهة إن قرب زمان المصرف من زمان الهبة لاقامهما على 
القصد إلى الإيفاء بالوعد لم يبعد» وهذه المسألة قريبة من مسألة المواعدة بالنكاح 
في العدة» والعقد بعد الخروج من العدة» فلو رحعا عن تلك المواعدة وألغياها بعد 
الخروج من العدة وتابا ما صدر منهما من المواعدة لم عتنع إنشاء عقد آخحر عليها 
بعد الخروج من العدة» فلو امتنع ذلك لكانت مؤبدة التحريم ولا قائل به» بل لو 
عقد عليها في العدة ففسخه الحاكم قبل المسيس ل تنع العقد عليها بعد الخروج 
من العدة» فلا يكون العقد المحقق الوقوع أخف من المواعدة في الصرف» وعد ف 


- 452 - 


وقت لا يحل فيه العقد لغيبة النقدين وأحدهما بإيقاعه ف وقت يحل» وهو وقلت 
حضورهما كمواعدة النكاح فإفا وعد في وقت لا يحل فيه النكاح للعدة بإيقاعه ف 
وقت يحل» فإذا ألغى المصطرفان العدة وأنشآ عقدا حيث يحل هماء فهو عترلة 
إنشاء عقد النكاح بعد الخروج من العدة» فيكره إن اتهما بقصد الوفاء بالوعد» بل 
لو عقد المصطرفان عقد الصرف في غيبة النقدين بحكم الحاكم بفسخه» فلهما 
إنشاء عقد آخر عند حضور النقدين» وحينئذ يقال: لم قيل بالكراهة في تزويج 
المواعدة في العدة إذا تزوحها حارج العدة ولم يقولوا بالكراهة في المعقود عليها في 
العدة فيفسخ العقد) فإن شاء تزوحها بعد العدة فله ذلك من دون كراهة» مع أن 
العقد أشد من الوعد بالعقد كما ذكرتم أولآ؟ فيقال: لعل العقدء وإن كان أشدب 
فقد عرض له من الفسخ ما صير الموحود منه كالمعدوم لأن حكم الحاكم بالفسخ 
يصير العقد كأن لم يكن» وتقع به المفاصلة الكلية بين المتعاقدين حن لا طمسع 
لأحدهما ف الآحرء فإذا أنشأًا عقدا آحر علم أنه لا علقة ولا وصلة بينه وبين العقد 
المحظورء بخلاف العاقد بعد العدة والعدة فإنه لم يتخلل بين الوعد والعقد فسخ 
يفصل أحدهما من الآحر لأن الفسخ إغا يعتمد العقود» ولا عقد هناء فيتهمان على 
البقاء على حكم الوعد المتقدم حى يقع الطول الدال عادة على إلغائهاء وهذا فرق 
لائح» والله أعلم. 

ولتحرر هذه المطالب المتقدمة المتعلقة بالصرف بتأمل صادق ومراحعة كتب 
الفروع فإن كتبتها استعجالا» وستكون لنا عودة» إن شاء الل إلى تحريرها بعد 
الفراغ من تسويد الرحلة. 

ومن عادهم ف الشراء من الأعراب الذين يجابون اللبن والجبن والسمن 
والغنم أن يشتري منهم قوم من الأعراب الساكنون بالمدينة وأطرافهاء وهم اسم 
يختصون به» كالبرغازين!! عندنا بالمغرب» فيد خلونه الأسواق ويشتري منهم أهل 
المدينق» وهذا من تلقي السلع المنهي عنه» ولكنهم قد ألفوا ذلك واستمرت عليه 
عادهم وألف ذلك القادمون أيضا لو أن أحدا من أهل المدينة أراد أن يشتري منهم 
لم يبيعوه إلا بأضعاف ما يشتري به البرغازون» فإذا حاء البرغازون أخذوه منهم 
بأقل من ذلك» ويركنون إليهم وعيلون إلى قوطم ويعرفون كيفية المساومة مهم 
فلا يعتاصون عليهم لقرب الشكل من الشكل» وغيرهم ليس بتلك المثاب» فلا 


(1) يقصد السماسرة والوسطاء. 


- 453 - 


يكاد أحد يشتري منهم لخفائهم وغلظ طباعهم» فاستسهل الشراء من البرغازين 
بربح قليل زيادة على ما اشتروا به من الأعراب» ولقد شاهدنا في أيام المواسم 
بالحرمين العجب مما يباع فيهما من الحشيم اليبس وكثرته مع غلاء الأسعارء 
فيدحل السوق من الأحمال ما يقرب من الألف في كل يوم فلا عسي شيء من 
ذلك» وشاهدنا حمل حمل يباع بدينار ذهبلء وأخبرت أن العرب يستعدون لذلك 

من أول السنة فيحصدونه في البادية إبان الربيع وييبسونه وينقلونه إلى قرب 
الأمصار حي تأي الركبان فيجتمع هم من ذلك ما يقوم بكفاية سنتهم. 

ومن عادتهم في أكرية الرواحل من القوافل الذاهبة إلى مكة والينيع» أن 
بالمدينة رحالا يعرفهم غالب الحمالين» فمن احتاج الكراء من أرباب الدواب أو 
أرباب السلع أتى إليهم» فيعقدون له الكراء مع صاحبه» ويتكفلون عا عسى أن 
يصدر من الحمّال من غدر في الطريق كروب أو مكر» ويسمى أحد هؤلاء 
الُحَرّج» فلا يعقد أمر كراء إلا بحضرة أحدهم. وحلوسهم في الغالب بباب 
المصري» ويأحذون بذلك حلاوة من الجمال ومن المكري» وذلك دأهم عكة 
أيضاً. 

وقد كانت الأسعار» أيام محيئنا المدينة» شديدة» فكان القمح ثلاثة آصع 
بريال» والصاع عندهم يقرب من ثلاثة آصع بصاع الزعوة» وأما التمر فنحو أربعة 
آصع بالريال» والشعير ليس بينه وبين ن القمح إلا يسير تفاوت» خلاف المعهود في 
غالب البلاد» والعسل اشتريت رطلاً منه للدواء بقريب من ثلث الريال» والسمن 
دون ذلك» وأما الفواكه فكانت ف أيامها ووسط إِبَانُا العنب بثلاثة مائدية 
للرطل» وقد رأيت رمانة في آخر الإبان بيعت بخمس مائدية. وفواكه المدينة مع 
غلائها في غاية الحودة حصوصا عنبها ورطبها. 

وأما الحنضر فأكثرها وجوداً الحزر والباقلا" والملوخية والبامية والبصل 
واللفت» والخضر البريّة ليس فيها إلا الخبيز» ولا يأكل أحد في تلك البلاد السمن 
القدم والشحم الغوري© إلا أضر به ما لم يكن حديث عهد بالبلد» فإذا طالت 
إقامته في البلد تطيع بطبعهم وطبع ذلك البلد المشرق وهواؤه قلما يوافق أحدا من 
أهل مغربنا الأقصى ممن بلده ريف ذات مياه ونحصب» وإنما يوافق أمزحة أهل 


(1) الباقلاء: الفول: لسان العرب: بقل. 
(2) الغوي: الفاسد: لسان العرب: غوي. 


- 454 - 


الصحراء كتوات وتحيورارن وأهل السودان» وذلك» والله أعلم > افرط حرارة بلاد 
هؤلاء» فقلما رأيت أحدهم مريضا في تلك البلد إلا مرضا خفيفاء» وقلّما رأيت 
أحداً من بلده كبلادنا ريف وخحصب إلا وقد ألطا6 به المرض إلا القليل من طالت 
إقامته حدا ف البلد وتطيع بطيع أهلها. 


لطيفة: 


لا قرب زمادٍ انقضاء الجر وأقبلت هوادي زمن البرد. وظهرت البرودة في 
امواء صباحاً ومسا أخذ أهل البلد يدثرون أبدائهم في الثياب الكثيفة الي تلبس 
في أيام البرد الشديدء وكنا نحن لألفتنا لشدة البرد في بلادنا نتلقاه بأبداننا ونعري 
له أطرافناء فرحنا بقدومه لما قاسيناه من شدة الحر الذي م نعهد مثله في قطرناء 
فكان الناس ينهوننا عن ذلك ولا ننتهي ) ويقولون: ليس هواء هذه البلدة وبردها 
كالذي تعهدون» إن البرد في أول إبانه يسرع فساداً في الأمزحة وهو أَضرٌ من 
البرد الشديد الذي يكون يي وسط الشتاء» ويقولون: إن الناس يلبسون من غليظ 
الثياب ف آخر الخريف ما لا يلبسون في صميم الشتاء وشديد الزمهرير. فكنا لا 
نلتفت لذلك ثقة عا نعهده ف أنفسنا في بلادنا من الصبر على بردها الذي لا 
يكون برد هذه البلدة بالنسبة إليه إلا كنسبة زمان الاعتدال لزمان الحرّ والبرى 
فكان ذلك» مع قدر الله تعالى» هو السبب في حصول المرض المتطاول بنا وبكل 
أصحابناء ولقد صدقوا فيما قالواء ويشهد له قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 
رضي الله عنه: توقوا البرد في أول إبانه» وتلقوه في آخر أوانه» فإنه يفعل بالأبدان 
ما يفعل بالأشجار» فأوله محرق» وآخخره مورق» ه. ولم أكن رأيت هذا الكلام 
إذ ذاك وإغا اطلعت عليه بعد ذلك في كناب ربيع الأبرار للزمخشري» ولو اطلعت 
عليه لم اعدف خصوصاً في تلك البلد فإن بدن الإنسان يكون مشتعلاً حرارة 
ويبسا لغلبة الجر فإذا فاحاً البردٌ البدن في تلك الحرارة أضر به بخلاف البرد الذي 
يحيء ف آخر الإبّان فإنه يصادف نحو البدن وقد سكنت حرارته» والله أعلم. 


(1) ألط: لط يلط: لزق: لسان العرب: لط. 


- 455 - 


وم تزل الأسعار على ما تقدم من الغلاء إلى أن هجم الشتاء وقرب زمان 
الربيع» أرحت السماء عَرَالَيُها!» بالأمطار الغزيرة المتوالية» وسالت الأودية» ولم 
يأت أحد من ناحية إلا حدّث بالود فلانت الأسعار وكثر اللبن واللجبن في 
الأسواق» وكان الحبن أول ما بدأ يباع بئمانية مائدية للرطل» فلم تمض إلا مدة 
يسيرة حى صار يباع عائديين» وكثر اللحم السمين» وكان قبل ذلك هزيلا حداء 
ومع هزاله قل ما يوجد. 

ولأهل المدينة ولوع وغرام شديد بأكل اللحم زاعمين أنهم يستضرُون 
بت ركه لخرارة أبدانهم ويبسهاء فيحصل هم الترطيب به؛ فإذا أكلوا غيره حصل هم 
بيس ف الطبيعة» حى إن من نسائهم من لا يطبخ غذاء ولا عشاء إلا أن يكون 
لحماء ويقلن: نحن لا نعرف الطبخ بلا لحم ولو أدى ذلك إلى بقائهم بلا عشاء 
ولا غداء. وقد أخحبرن بعض أصحابنا أن من أهل المدينة من يشتري العبد فلا 
يكون له شغل إلا شراء اللحم» فيدور عليه في المدينة وأسواقها وقي العوالي وقباء 
ف زمن قلته» فلا يرحع إلى سيده حى يحصله» أو يدور المدينة ونواحيها كلهاء فإذا 
حصله كان ذلك شغله في ذلك اليوم» ولا يستعمله في غيره لأنه إنما تملكه بقصد 
ذلك. 


وأهل المدينة» زادهم الله حيرا ووسع عليهم» أهل رفاهية وتوسع في المعيشة 
في زماتنا هذاء وتغال ثي الملابس الفاخرة» وتزيُوا بزي الأعاحم في مآكلهم 
ومشاركم وملابسهم» لكثرة سكن الأعاحم كاء فإن با طائفة كبيرة من عسكر 
الترك زاعمين أنهم معدون لحراستهاء وفي الحقيقة ! إنغا يأكلون مال السلطان في غير 
شيء» فلا يغيثون ملهوفاً ولا يردعون ظاناً. وها من الأعاحم أقوام كثيرون من 
الأكراد والترك وأطراف الشام يشترون الحصص والخامكية» فيجلسون بالمدينة 
ويرتزقون عا يأتيهم من ذلك على حاطم الي كانوا عليها في بلادهم من التوسعةت 
فاقتدى بم غالب أهل المدينة من أقويائها. 

وقد كانت المدينة قي الزمان المتقدم معروفة بالقناعة حى قال مالك رضي 
الله عن في الكفارة والنفقات بالتفاوت بين المدينة وغيرها لقناعتهاء فآل الأمر ف 
هذا الزمان إلى حلاف ذلك فصاروا أرفه الناس عيشاء وأكترهم في اللآكل 


(1) أرخت السماء عزاليّها: كثر مطرها: لسان العرب: عزل. 


- 456 - 


والملابس اسراف أعينٍ الكبراء منهم) وأما الفقراء وغالب امخاورين - خصوصاً 
الغارية - فهم على حاشم من الفقر والمسكنة. 

وقد أحبرت أن للنساء عليهم عادة يسموفا الشخشخة؛ وهو ما تشتري به 
المرأة ما تشتهيه من الأزهار» فرعا بلغ ذلك ربالا في كل يوم ولقد سألت شيخنا 
النعالبي عن سبب إيثاره سكين مكة على المدينة» مع أنا نقول بفضل المدينة على 
مكة فقال: إن أهل هذه المدينة قد تحضروا وغلب عليهم طبع الأعاحم ورفاهيتهم 
وإسرافهم» وتشبهوا يهم في ملبسهم و غالب أحواهم» وأنا امرؤ مسكين فقير 
فإنهم لم يزالوا على أعرابيتهم واستعمال البداوة وعدم المبالاة والاعتناء في الملبس 
والمأكل» قد غلبت عليهم البداوة» وكثرة مخالطتهم لأهل البادية وسكناهم بها حى 
أمراؤها من الأشراف» فإن غالب سكتاهم بالبادية» وإن كانت هم منازل عكة) 
ومن ولد له مولود منهم استرضع له من العرب بالبادية» فلا يأت به حى يقارب 
الحلمى ولباس الملك وأولاده وبي عم وإن كان في غاية الرفعة واللطافة فإنه على 
زي لباس العرب في تعممهم وتقمصهم» فيلبسون العمائم القصار ذوات الأهداب 
الطويلة ويرسلون لما العذبة إلى قريب من ذراع» ويلبسون الدشوت الرفيعة إلا اما 
على هيئة دشوت الأعراب» ولا يلبسون الجوخ الي تلبسها العجم ولا الأقبية الي 
هي على زيهم» ويلبسون النعال ذات السيور الي على ظهر القدم دون 
السرموحة" الي تلبسها الأعاحم. وعلى كل حال فأهل مكة قد غلبت البداوة 
على جميع شؤوهم وظهرت فيهم دون أهل المدينة ولذلك قل سكن الأعاحم اء 
إلا القليل» لأا وطن لطا وأولاده وأقاربى ونفوسهم لا تنقاد للذل وحريان 
الأحكام عليها في كل ورد وصدرء فيشمئزون من سكين مكة وعيلون إلى المدينة 
لكون ن عسكر الترك بها وهم حنسهم وأحكام السلطان» وإن كانت نافذة هناك 
أيضأًء لكنها بعيدة منهم فليست كمحل وطنه. أخبرئ هذا من سبر حال البلدين 
وعلمه زيادة على ما رأيته أنا من ذلك. 

ولا كان في أواخر حادى الثانية كثرت الأمطار بالمدينة وما محوطا» وسالت 
أودية المدينة سيولا متعددة كما قلمنا ذلك عند ذكر الأوديةت وبينما نحن ذات يوم 
بالمدينة بعدما صلي الظهر أرخت السماء عزاليها وأمطرت مطراً وابلاً سحا كأنه 


(1) السرموجة: نوع من الأحذية. 


- 457 - 


طوفان» وي أقل من ساعة صار صحن المسجد كله كالبركة العظيمة من ماء 
الميازيب وماء المطر» فضاقت عنه البلاليع المتخذة لسلوكه في صحن المسجدء 
وكان ببعضها بعض اختناق فلم يرع الناس إلا اندفاق الماء إلى داخل المسجد وأتى 
على الزرابي المبتوئة والحصر فبجد واجتهاد تصايح الناس تمن كان بقرب المسجد 
وجمعت البسط والزرابي بعدما ابتل أكثرهاء وصار الماء إلى المنبر وا محراب النبوي 
ووصل إلى الصف الأول» فصار المسجد من داخحله بر كة ما فما جاع العصصر 
وأحد يجد مكان مصلي في المسجد سالا من الما فصلى الإمام العصر في تكة 
الخدام مع طائفة من الناس» وصلى باقي الناس في أروقة الصحن الشرقية والغربية» 
فاحتمع الناس لإخخراج الماء من المسجد بالأسطال والأوان الكبار» فجد في ذلك 
من رغب قف الحد» و كانت لنا سطلة كبيرة من خاس فأتينا مها وبواحد من 
أصحابنا يستقي كا اغتناما لبركة الخدمة في تلك البقعة المطهرة» وكنت إذ ذاك 
فضلة مرض ل أقدر على مزاولة شيء من أعمال الخدمة باليد» ولك وقفت 
ورت اناس ي الممل وال ف الك جاعة من سا ار 
مفرش» وټ الغد بولغ قي تنظيفه وغسله وكنسه» وأخبرنا ناس من أصحابنا الذين 
طالت إقامتهم بالحرمين أنهم ما شاهدوا وقوع مثل ذلك ولا “معوا به فيما مضى» 
ويشهد لعدم وقوعه أنه لو وقع لاحتيل في فعل ساتر بينه وبين الصحن ووقاية 
تدفع الماء وتمنعه من الدخول كما وقع ذلك بإثر هذه الحادثة فإن شيخ الحرم أمر 
باتخاذ أحجار منحوتة محكمة الإتقان قدر ذراع في الطول مثبت أسافلها في أرض 
المسجد فيما بين كل أسطوانتين من الأساطين الموالية للصحن > كنع ذلك من دخول 
لاء إل المسجد ولو احتمم ف المبحن إلا أن يكثر حدا ويرتقع فرق لاان 
وذلك نادر أن يقع» ولو وقع لكان رحوعه إلى الخروج من باب الرحمة وباب 
حبريل أقرب من دخوله إلى الملسجد ولقد أحاد شيخ الحرم في وضع هذا الحاجز 
وف تنقية البلاليع ال في صحن المسجد» وشيخ الحرم وهو كبير العبيد الأغوات 
الموقوفين على لخدمة المسجد والحجرة الشريفة» والاغا بلغتهم كناية عن الخصي 
من العبيد» واختاروا وقف الخصيّ دون غيره لكونه أطهر وأنزه وأكثر فراغاً مسن 
الاشتغال» إذ لا أهل له ولا ولد يشتغل هې وهو أبعد من دنس الخنابة ومباشرة 
النساى وهم عدد كثير قريب من الثمانين» يزيدون وينقصون بحسب كثرة 
الراغبين في الوقف وقلتهم» > والأربعون منهم هم الكبار الذين يأن رزقهم 


- 458 - 


ومؤونتهم من بيت المال» وما زاد على ذلك إنما يرزقون من الأوقاف الي لهم 
بالمدينة» أو ما يأتيهم من الهدايا والصدقات من أقطار الأرض» ويسمى ما سوى 
الأربعين البطالين» لأنهم إنما يستعملون في الأشغال الي هي حارج الحجرة 
والمسجد النبوي من الأعمال الممتهنة» ولا يجلسون مع الأكابر في الدكة إنما 
يحلسون خارحهاء وهم ضبط وسياسة كسياسة ال ملوك» فلكل واحد منهم رتبة 
معلومة وشغل معلوم. فإذا مر بالأصاغر أحد الأكابر قاموا كلهم وكذلك الأكابر 
فيما بينهم» فأكبرهم شيخ الحرم وهو يتجدد في الغالب إما في سنة أو ستتين أو 
أكثرء ولا يأن إلا من دار السلطان من عبيده» ويليه النقيب» ويليه المستشار» وهو 

الذي يتولى قبض الصدقات وما يهدى هم أو للحجرة» وبيده مفاتيح الحجرة 
وحواصل الزيت والشمع» والحاصل أن جيع ما يتصرف فيه الأغوات و مصالح 
المسجد ومن أوقافهم كل ذلك بيده فإذا مات أحد من الأربعين دحل أحد 
البطالين يي موضعه» وهو من كان شيخ البطالين والترتيب يي ذلك بالتقدم» فمن 
تقدم بحيئه يقدم على من تأر بحيئه» وليس فيهم شافعي ولا حنبلي» بل كلهم 
حنفية ومالكية على مذهب ساداتمم الذين أوقفوهم وذلك لأن الشافعية والحنابلة 
لا يرود صحة وقف الخيوان. 


ومن أوقف عبداً من الأغوات على الحجرة نسب إليه» سواء كان من التجار 
أو من الأمراء أو العلماء» فيقال: آغا فلان» وقد كان كبيرهم المستسلم أيام 
جحاورتنا الأغا يحيى» وهو من أوقاف الشيخ 3 الحاج الأبر سيدي أبي حفص 

بن الشيخ عبد القادر بن بوبماحة المغربي من نا حية فجيج» وتوف الأغا جى بعد 
حرو حنا من المدينة ونحن عكق وتو مكانه الآغا مصطفي وهو مالكي أيضاً. 
وكلاهما كان يبالغ في تعظيمنا والإحسان إليناء فجزاهما الله خيراء وكل الأغوات 
أهل خير وبركة قد اختارهم الله لخدمة أشرف البقاع وشرّفهم بالنسبة إلى أشرف 
الخلق» صلی الله عليه وسلم» ولقد شاهدت منهم أناسا على قدم صدق ثي العبادة 
منهم الأغا عبد الي وهو شيخ البطالين إذ ذاك والأغا عنبر منهم أيضاء ولهقد 
اعتكفت ليلة في المسجد فلم يبت فيه أحد غير سوى الأغوات» فاحتهدت أن 


أساويه ثي القيام والصلاة فما قدرت» والفضل بيد الله. 


والأغوات كلهم يبيتون في المسجد ما عدا شيخ الحرم والنقيبء وأما 
الآحرون فلا يبيت واحد منهم بداره إلا لعذر بين من مرض أو نجوه ولكنهم 


- 459 - 


جزاهم الله حيرا عن تعظيم المكان وتوقيره وتبجيله» وعادم كل ليلة إذا فرغ 
الناس من صلاة العشاء ورواتبهاء قاموا بيدهم الفوانيس الكبار مشعلة» ليخرحوا 
الناس من المسجدء فيأتون إلى المواجهة والصف الأول فيقف بعضهم أول الصف 
ووسطه وآخره» فيخرحون كل من فيى فإذا لم يبق أحد في ذلك الصف تكلموا 
بكلمة ذكر رافعين أصواقم كاء فينتقلون إلى الصف الذي يلي ثم كذلك حى لا 
يبقى في المسجد أحد إلا هم» فيغلقون الأبواب ويطفئون المصابيح كلها إلا الى في 
مواحهة الوحه الشريف والي في داحل الحجرة فيخرحون من المسجد إلى الصحن 
وإلى الأروقة الي بجانبه فيخرحون فرشهم من الحواصل» وينامون هناك ولا ينام 
أحد منهم في المسجد بل ولا يأتيه إلا من قصد منهم الصلاة» وغالب نوم الصغار 
منهم في مور المسجد. ومن وراء المسجد في الناحية الشامية» ميضأة كبيرة فيها 
بئر كبيرة وأحلية» وفتح ها باب إلى مؤخر المسجد ولا تفتح إلا ليلا بعد غعلق 
الأبواب» وتسرج فيها المصابيح لوضوء الأغوات وإزالة حقنة من احتاج إلى ذلك 
بليل» فإذا غلقت الأبواب هدأت الأصوات منهم وخشعواء فلا تكاد تسمع من 
أحد منهم كلمة» فمن احتاج منهم إلى أحد كلمه الآخر السرار؟. ولقد رأيتهم 
يبالغون في - حفض أصواقم بالليل» حي بالسعال والعطاس» وتترل عليهم السكينة» 
وتلحقهم هيبة المكان» وليس ذلك منهم محرد استعمال» بل لما يخالط قلوهكم من 
هيبة المكان. ولقد أخبروئ أنه لا يقدر أحد منهم بليل أن يصل إلى الروضة 
وأطراف الحجرة والمواحهة إلا الأفراد منهې» وأنهم يسمعون بالليل قعقعة السقوف 
وفرقعة الشبابيك» حي يظن أن أحد أبواب الحجرة ة فتح» وأن بعض السقوف 
وقع» فلا جدون شيا من ذلك» والله أعلې » لتتزل ملائكة الرحمة على قبره» صلى 
الله عليه وسلّمى > أو قدوم بعض رحال الغيب للزيارة» ويظهر ذلك بالليل لهدوء 
الأصوات به وحلو المكان» وإن كان تنزل الملائكة على قبره» صلى الله عليه 
وسلم» وغشيان الرحمة له لا ينقطع ليلا ولا نمار ولقد شاهدت من الطيية 
والعظمة في إحدى الليالي الى بتها في المسجد ما أعجز عن وصفه؛ ولقد كنت 
أحهد إذا عسعس الليل أن أصل إلى إلى المواحهة وأقف للتسليم والدعاء فما أصل إلى 
ذلك حي تكاد أوصالي تتقطع هيبة» فإذا وصلت وسلمت وأردت إطالة الوقوف 
للدعاء كما كنت أفعل مارا فلا أقدرء فأخحفف السلام والدعاء وأرحع» ولقد 


(1) السرار: مصدر ساررت الرجل سرارا: لسان العرب: سرر. 


- 460 - 


“معت بعض ما ذكر من فرقعة السقف وما أشبه ذلك فملقت منه رعبا إلا أن 
كنت أشتغل عنه وأتلهى عن ”ماعه بقراءة القرآن سراء فيا ها من ليلة هي نتيجة 
عمري وفريدة أيامى» فلئن كانت ليلة القدر كألف شهر فهذه الليلة عندي كألف 
ليلة القدر» اللهم لا أحصي ثناء عليك» أنت كما أثنيت على نفسك» فلك الحمد 
على حزيل عطائك ولك الشكر على سوابغ آلائك. 

فإذا كان بعد الثلث الآخر من الليل حاء رئيس المؤذنين» ففتحوا له وصعد 
إلى المتذنة الرايسية» وأذن وشرع في الدعاء والذكر والصلاة على النبي» صلى الله 
عليه وسلم» فيقوم كل من ف المسجد من الأغوات فيتوضؤون. ثم يصبحون كل 
ما في المسجد من المصابيح» فإذا فرغوا من الإصباح» وقرب الصباح» فتحوا أبواب 
الحرم ولا يأ وقت فتحها حي تجتمع بأبواب المسجد جماعات كثيرة من 
انجتهدين» ينتظرون الفتح» فإذا فتحت الأبواب دخلوا مزدحمين» وتسابقوا الصف 
الأول من الروضة فيما بين القبر والمنبر» فمن سبق إلى موضع كان أحق به فإذا 
أراد القيام الحاحة كزيارة أو تحديد وضوء بسط غرة له في محلف فلا يجلس فيه أحد 
ولو أبطأء وكثيرا ما يعتدي في ذلك أقوام فيدحلون مع أول داحل من غير طهارة 
لقصد السبق إلى الموضع وتحجيره» فإذا بسط فيه فروته أو منديله ذهب إذ ذاك إلى 
الطهارة وأسباهاء وكثير منهم يبطئ في الطهارة فيحجر على الناس المخل» ورعا 
عرض لأحدهم حاحة في مترله أو في السوق فيترك النمرة في محله فلا يقربه أحد 
وإن أبطأ كثيراء وني ذلك من الضرر على المصلين ما لا يخفى» على أن في دحوطهم 
مزدحمين واستباقهم إلى الروضة رعا مع لأقدامهم دوي من شدة العدو» سوء 
أدب لا يخفى ورعا يحتج لذلك محتج بقوله عليه السلام: لو يعلم الناس ما في 
الصف الأول لاستبقوا إليه!2» فلا بد بتقييد ذلك عا لا يخل بأدب البقعة المطهرة 
وساكنها لقوله عليه السلام: وآنوها تمشون» يعن الصلاة» وعليكم السكينة 
والوقار» فما أدركتم فصلواء وما فاتكم فأتموا» والمراد بالمسابقة في الحديث 
المتقدم الاهتمام بشأنه والحرص على الصلاة فيه والتبكير إليه من غير عدو بالأقدام 
ومزاحمة بالمناكب. 


(1) نص الحديث النبوي الشريف كما ورد في كتب الحديث: لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم 
لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه: تلخيص الحبير 290:1. 
(2) صحيح مسلم 420:1. 


- 461 - 


وساداتنا الأغوات» رضي الله عنهم» لا يغفلون طرفة عين عن حراسة الحرم 
الشريف وتأديب من أساء الأدب فيه بلغط ورفع صوت أو نوم ولو في قائلة إلا 
في مؤخر المسجد» ومن وحدوه مضطجعا من دون نوم للاستراحة» فإن مد رحليه 
إلى ناحية الحجرة ة زحروه» وإن استقبل القبلة بوحهه أو الحجرة من غير أن يكون 
مستدبراً ها تر ه» ولا يخفلون عن حضور المسجد ثي ساعة من ليل أو فمار» فإن 


وهم ديار وخدم وأتباع» وضياع وخيل» وسعة دنياء ولا يشغلهم ذلك عَم 
هم بصدده من خدمة المسجدء بل لبعضهم أزواج وسراري» اتخذوها للتلذذ عا 
سوى الجماع. 

وأحكامهم في فيما بينهم منضبطة غاية الانضباط» ولا يحكم فيهم سلطان ولا 
غیره» ولا یوی عليهم ولا يعزل منهې إلا بأمر شيخهم. ولا يرث معهم بيست 
الال إن مات أحدهي إا يتوارئون يبنهم. ومن وحبت عليه عقوبة أو أدب منهم 
أدبوه» من غير أن تكون لأحد عليهم ولاية» كل ذلك تعظيماً انب البي» صلى 
اله عليه وسلّې أن تكون لأحد ولاية على عبيده. ولقد أنكرت منهم تأديب من 
لزمه الأدب من صغارهم في المسجد في بيت بإزاء دكتهم قريبا من الحجرة ة فيسمع 
صياحه وصوت الضرب كل من بإزاء الحجرة » فكنت أرى أن لو جعلوا لذلك 
محلا بعيدا من المسجد والحجرة ة الشريفة» ولا يدل معهم من العبيد الذين يهدون 
من الآفاق إلا من أرادوا إدعاله عال يدفعه عنه سيده عنه» أو يدفعه هو إن كان له 
مال» ومع ذلك يبقى في مرتبة الصغار المشتغلين بالخدمة الخارحية» فإن رضوا حاله 
وحسنت أخلاقه تركوه حى تأي نوبته قي الدخول في زمرة الأربعين» وإن ظهرت 
منه خخيانة وسوء أخلاق وسرقة أو شيء يشينه» نفوه إلى حيث شاء من البلاد. 

ولقد وجدت هناك خصيا لبعض ملوك الغرب دفع لي مالاً جزيلا ليدخل 
في زمرقم وكان كهلا لا يحسن خدمة الصغار» فدفع هم مالا آخر على تحريره من 
الخدمة» وقنع بأن يكون محسوبا في زمرتهم يناله من أوقافهم وصدقاتمې ولقد 
أصاب ف ذلك وأحسن النظر لنفسه إذ أنقذه الله من حدمة سلاطين الدنيا إلى 
خدمة سلطان الدنيا والآخرة» ومن حوار الظلمة العجزة إلى حوار الكرام البررة. 


- 462 - 


وبالحملة فلعبيد البي» صلَى الله عليه وسلّ» وخدام مسجده حلالة قدرء 
وعظم منصب» وسعة أرزاق» وكرم أخلاق» وهم أحقاء بذلك. ولكبيرهم كلمة 
نافذة في المدينة» تنفذ أحكامه وتمضى تصرفاتهء فى القوي والضعيف ويطأ عقبه 
الكبراء والأشراف. ٠‏ 

وعلى طول إقامي بالمدينة لم أدر كيفية تصرف الولاة فيهاء ولا من له 
التصرف النام بماء فإن شيخ الحرم وهو كبير الخدّام كما تقدم تنفذ أحكامف وكبير 
العسكر الساكنين بالقلعة أمير أيضاء وابن عم السلطان زيد وزوج ابنته السيدة 
تقية النائب عنه في النظر في مصالح البلد كذلك والأمير الذي تنسب إليه إمرة 
المدينة من الشرفاء الحسينيين كذلك» والحاكم الذي يسجن ويضرب ويقتل 
ويؤدب» وهو من خدام السلطان كذلك. ولا أعلم هل لكل واحد من هؤلاء 
ولاية على قوم بالخصوص أو على عمل من الأعمال» ول يشف لي أحد غرض إلا 
محرد العلم بالإحاطة بأخبار المدينة دينيها ودنيويها لبي ها ولساكنيها أسأل غرضاً 
في كيفية ذلك» و م أبالغ في الفحص عنه» إذ لم يتعلق لي به الله أن يحقق لي ذلك 
ويجعل قبري ها على أحسن حال تسر المؤّمن ف دينه ودنياه آمين. 

ولم يكن يدعى في الخطبة يوم الجمعة إلا لثلاثة) يدعى أولاً - بعد الصلاة 
على البي» صلى الله عليه وسلم» والترضي عن الآل والخلفاء والصحابة - 
للسلطان الأعظم ملك التركف إلا أهم يبالغون في تعظيمه بأوصاف لا ينبغي أن 
يعظم يما أحد من الخلق» خحصوصاً بحضرة الرسالة» وليس في تلك الأوصاف 
أحسن ولا أجمل ولا أكمل من قوم فيه: نخادم الحرمين الشريفين» فأكرم ها نسبة 
- وقد رأيت في بعض التواريخ أن أول من وصف بذلك من الملوك في الخطية 
السلطان الأحل صلاح الدين ب بن أيوب» وأنه لما قال الخطيب ذلك وسمعه سجد 
شكراً لله أن أله لذلك واه به وهكذا ينبغي أن تكون مم الملوك فلا شرف 
لهم إلا بالاتتساب لله ورسوله» ولا الله عز وحل إلا انال لاب الله ولا رفم 
إلا بالنضوع طيبة الل ولا حماية إلا بالانقياد لأحكام الله. 


ثم بعد الدعاء لملك الترك موصوفاً بكونه ملك البرّين والبحرين» والشامين 
والعراقين» يدعى للسلطان زيد بن محسن موصوفاً بكونه حامي الحرمين الشريفين. 


- 463 - 


8 £ 2 
وأميرهاء على أنه - فيما يظهر - ليس له من ولاية المدينة وإمرقا إلا الاسم أو ما 
يقرب منهاء لأنه من تحت أمر السلطان زيد والتصرف لنوابه وأقاربه. 
وقد كانت إمرة المدينة فيما مضى والتصرف ف ولايتها لبن حسين كما أن 
مكة لبي حسن» وكانت تقع بينهما حروب» وكانت بنو حسن لهم قوة وبطش 
رعا غلبوا عليهم. والان صار الأمر لبي حسن» فجمعوا الولايتين» ولم يبق لبن 
حسين إلا رسوم قليلة من ولاية المدينة» وصاروا كلهم إلا القليل بادية يرحلون 
وينزلون بنواحي المدينة» وهم قبيلة عظيمة قوية» ليس طم اسم إلا بنو حسين» 
وكبيرهم الموسوم بولاية المدينة نازل بالمدينة» وبعض أقاربه وهم شارة حسنة» 
ومنازل رفيعة تدل على نباهة الذكر. 
ولا َف مرضي ووحدت بعض الراحة في أواحر جمادى الأولى وأوائل 
الثانية شرعت في تكميل الأمداح الي ذكرت أول الرحلة أن وضعتها على 
حروف المعجم» وكان التوحه إلى هذه الوحهة المباركة ببركة الشروع فيهاء وكان 
الموضوع منها قبل الرحلة عشرة أحرف وبقيت عشرون» فشرعت في تكميلها 
وأنا ملازم للفراش» إنما كنت أكتب منها ما أكتب وأنا في فراش التمريض» إلا أن 
هذه القصائد حاءت على طراز آحر ونعط غير الأول» سيتبين منه اللبييب ذو 
الذوق السليم أن الأول نفس حب طالت عليه الغربة وأذاب قلبه لاعج الشوق» 
وأن القصائد الأخر نفس حب وصل على محبوبه وتمتع بالتقلب في ربوعه وأطلاله 
وأول الحروف الي كملتها في المدينة حرف الزاي وأوله©: 
زيارة خير العالين هي الكتر ومّدحي له من كل ائِةٍ حِرزٌ 
جواري له حصن حصينٌ وملجاً به تُكشف البّلوى به يدفع الرجرٌ 
وحُبي له را وجهرا ويقظة ٠‏ ونما وني دنيا وأخرى هو الفور 
وسيأن ذكر القصائد إن شاء الله بتمامها في آخر الرحلة. 
)1( الحسين بن حماد أمير المديئة المنور في سدنة 3 وردت ترجمته نقلا عن الرحلة العياشية في: 
تاريخ أمراء المديئة المنورة» ص: 349. 
(2) وردت الأبيات في: التوجيهات» ص: 154. 


- 464 - 


ولا كان أول رحب حعل الناس يقدمون من أقطار الحجاز كمكة واليمن 
والطائف وبحد وحدة وما والاها من أطراف اليمن لشهود الرحبية وزيارة سيد 
الشهداء حمزة» رضي الله عن فما من يوم إلا وتدحل فيه قافلة من مكة 
ونواحيها. وقدم شيخنا الشيخ عيسى الثعالبي بأولاده» وقدم معه جماعة من المغارية 
الجحاورين عكة» وجماعة من طلبة مكة كأولاد شيخنا قاضي الالكية عكة تاج 
الدين» وقدم جماعة من أصحاب شيخنا القشاشي» كصاحينا العلامة حسن 
العجيمي» ؛ وفقيه من فقهاء الحنفية يسمى الزتحبيل» والشيخ حسن الذهان» وهو من 
أصحاب شيخنا القشاشي» ولم يزل الناس يتلاحقون» فخرج ج أهل المدينة ! إلى أحد 

من اليوم الخامس ولسادس من الشهر» ورحعوا في اليوم الثاني عشرء ولم ييق 
بالمدينة إلا القليل» وخخرج العسكر الحراسة الطرقات من المدينة إلى أحد» وتقدم 

وبعد الرحوع من أحد نزل الوافدون بالمدينة يتتظرون الرحبية» وهي ليلة 
سوق عظيمة» وامتلاً المسجد وحوانبه» فما من يوم إلا ويزداد الخلق فيه كثرة» 
وأكثرهم عرب حفاة ليس طم من دين ولا مذهب» حلهم لا يعرف صلاة 
وصوماء فتدخل جماعة منهم المسجد غاسلين أطرافهم يريدون الصلاة ة على 
زعمهم» فيقف أحدهم مليا ثم يسجد على قدر ما يرى» إما مان سجدات أو 
عشر سجدات أو أكثر على حسب نشاطه ثم ينصرف. وغالبهم على هذا 
الوصف» ومنهم أفراد يدينون دين الحق» وسلامهم على البي صاى الله عليه 
وسلم: حيا الله نحمد)» رافعين يما أصواقم» فإذا كانت الليلة السابعة والع_شرون 
اصلاة الغرب والعشاء» فيص المسجد عن فه ويقن تح الحرم طول الليل وييت 
الناس يي ذكر وقراءة وصلاة كل على حسب ما يسنح له إلى الصباح» فإذا أصبح 
الناس أخحذ الأعراب ف التوديع فيسمع لهم حنين كحنين الإيل في المسسجد 
وصياحا وصرانحا رافعين أصواقهم بالصلاة على النبي» صلى الله عليه وسلم 
والاستغائة به فيرق قلب سامعهم» ويحن ويشفق هم على حفائهم وجهلهم ع قل" 
يأ مساء ذلك اليوم حى لا يبقى بالمدينة منهم إلا القليل» وعسى الله أن ينفعهم 
بحسن نياقهم. 


- 465 - 


لطيفة: 


أخبرن شيخنا الملا إبراهيم عن الشيخ القشاشي أنه بينما هو ذات يوم عند 
المواحهة إذ حاء أعرابي في ثملته وبيده عصاه حي وقف أمام الوحه الشريف» 
فضرب بعصاه الأرض مرتين وهو يقول: يا محمد يا محمد لا تقل أنا ما حئتك» 
ها أنا ذاء فذهب و لم يزد على ذلك» وكان الشيخ يقول: عسى أن يكون ذلك 
نافعا له عند الله فإن ذلك مبلغ علمه» ولو كان يرى أن أ شر من ذلك ينفعه 
ويقضي به حق تعظيمه لفعله. وكان الشيخ» رضي الله عنه» كوشف له عن حال 
ذلك الأعرابي فرأى من صدق نيته وقوة اعتقاده في حانب الرسول أن من حاءه 
ووقف عنده اتخذ بذلك عهدا عنده ينفعه يوم القيامة ما أوحب له أن صدق الله 
ظنه وحعل ذلك نافعا له في عقباه» ولا يبعد ذلك فقد كان البي» صلى الله عليه 
وسلم» يحتمل الأعراب أكثر من ذلك من حفاهم ويقنع من حدهم بقوله: 
صبأت» إذا كان لا يحسن أن يقول أسلمت» حى يعلمهم بلطف ويرفق مهم 
فكذلك بعد وفاته أو أكثر» فإنه صلی الله عليه وسلم يزداد كل وقت ترقيا في 
مدارج الرحمة والقرب من الله فيقبل شفاعته في هذا الأعرابي الذي حاءه وهو 
يعتقد أن من حاءه ووقف ببابه استوحب بذلك» رحمة الل أما تراه كيف أحذ 
يثبته ويناديه ويعلمه بأنه قد حضر بالباب» و لم يحسن أكثر من ذلك» وعلم الله في 
حلقه لا يحاط به» و رحمته وسعت كل شيء. وقد قال تعالى عقب هذا: 
(فسأكتبها للذين يتقون)"» الآية. و لم ينفها عمن سواهم» وذكر بعض أفراد العوام 
بعد ذكره لا يخصص على الصحيح. 

وبالحملة فعرب الدرب© والحجاز وقامة وبحد أحهل العرب وأكثرهم 
حفاء» قلما تحد أحدهم يحسن شيئاً من رسوم الشريعة الظاهرة وصلاة وصيام إلا 
القليل. وعوام الأعراب والبربر عغربنا بالنسبة إلى هؤلاء فقهاء» فلا تحد عاميا 
بالمغرب» وإن بلغ الغاية قي الحفاءء إلا وهو يعلم أن الصلاة ذات ركوع وسجودء 


)1( يشير إلى قوله تعالى: ( واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وقي الآخرة إنا هدنا إليك قال عنابي أصيب ده 


من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يثقون ويؤتون الزكاة والذين هم بأياتنا يؤمنون) 
الأعراف: 156. 
)2( الدرب: قرية باليمن: معجم البلدان: الدرب. 


- 466 - 


وإن كان لا يحسن أن يقرأ فيهاء ويعلم وحوب صوم رمضان» بل هو أشدّ عندهم 
من الصلاة) بخلاف هؤلاء» فقد أخبرنى مخبر عن عرب الدرب أنه سأل بعضهم 
ثلاثة أيام» فاستفهمه عن ذلك فقال: إن الرحل عندنا إذا قارب أوان الهرم 
والشيخوخحة صام ثلاثة أياى فيقولون فلان صام» وذلك علامة بلوغه حد الكين 
وأما قبل ذلك فلا يعرف صياماً ولا غبره» وهم رحديرون بذلك لبعدهم من 
الأمصارء وفلة القرى في بلادهم» فلا يجدون أحدا يعلمهم ابر ولا برشدهم إليه؛ 
رآهم أكبر فقهاء الأمصار يصون الصلاة المتقدمة من تتابع السجدات لا يزيد على 
أن يضحك منهم» أو يتغافل ويذهب عنهم» فم يعرف هؤلاء صلاة أو صياماً أو 
حدًا من حدود الشريعة؟ 

ولقد رأيت رحلاً باليتبع ظهر الشيب في مفرقه» وسألته عن مكَّة فقال لي: 
ما حججت قط. وبينه وبين مكة نمانية مراحل» وسألته عن المدينة فقال لي: 
دخلتها مرتين أو ثلاث وبينه وبينها ثلاثة مراحل» وأمثال هؤلاء كثيرون. 


ولا استهل شهر شعبان أحذت القوافل ف الرحوع إلى مكة» ورحع غالب 
من حاء من أهلهاء ولم يبق بالمدينة إلا القليل ممن أراد شهود رمضان بالمدينة» 
فخرج سيدي عيسى الثعالبي مع أول قافلة» وكانت نيتنا أن نصوم رمضان عكة. 
اا للعووج وم رج إلا بعد الصف من شعماك كما سآن ذكره إن شا اڈ 
في خروحنا من المدينة إلى مكة» وقد معت عليه» رضي الله عند أيام إقامقه 
بالمدينة المشرفة معجم الطبران الصغير بلفظه بالروضة المنورة فيما بين القبر 
الشريف والنبر» وسمعت من لفظه أيضا الأربعين حديثا عن أربعين شيخا لتقي 
الدين الفاسي!0» رضي الله عن وسمعت من لفظه أيضا بعض الشمائل©» وأحاز 
لي سائر مروياته حسبما سيأن تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى. وما أنشأته في بعض 
تلك الأيام وأنشدته أمام الوحه الشريف هذه القصيدة: 


)1( محمد بن أحمد بن علي تقي الدين الفاسي» نزيل الحرمينٍ الشريفين» الفقيه العلامة ولي قضاء المالكية 
بمكة المكرمة سنة 807 هه من أهم مؤلفاته: شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام؛ توفي سنة 833 ه: لقط 
الفرائد» ص: 231. شجرة النور الزكية 363:1. 

(2) الشمائل النبوية والخصائل المصطفوية لأبي عيسى محمد الإمام الترمذي المتوقى سنة 279 ه: 
كشدف الظئون 1059:2. 


- 467 - 


إذا لم أوجهها إليو من الذي 
ومن يكشف الكرب الذي أشتكي ومن 
أتيِتُ بعزم زائرا ومُجاورا 
وقد حقو الله العظيمُ بفضله 
فما كان قذما خاطرًا صارٌ حاضِرا 
فهاأنذافي طية متبخعرا 
لعمري لأملي هناي أعَز لي 
فكم بين مڻ في طية آمنايما 
فذاك يعدو في عى ويروحٌ في 
وهذا ي روح في نى وييت في 
يُصلي صلاة الفرض ما بين مبير 
ومن بعدها يُمشي عليه سكينة 
فييقى أمامّ المصطفى واققا له 
إذا ما رأى خير الورى عَز تم أن 
يُصلي علي وأو يُسلمأوهما 
ويعطف شيئا عن يمين مُسلما 


[طويل] 


وتوجيهها من خير صالح أعمالي 
يرق لأحزاني سواه وأوجالي 
يغيث إذا أدعو وينقذ أوحالي 
وذاك الذي أملعَةُ مم أخوال 
أمإي كانت قبل تخطرٌ بالبال 
فلل ربي الشكرٌ في كل أخوال 
بخلقان أثوابي وأطراف أممال 
من الخلةٍ لحرا هناك وأسمال 
ومن في أقاصي الغرب ما بين أهوال 
ضِئى بين ساد هناك وأغوال 
هنا بين إكرام الرسول وأفضال 
وقبر تَهَشساهُ طوارق إجلال 
إلى موقف الزوار من دون تشغال 
مناوية مابين جز وإذلال 
رأى تفسة فالذل أولى بذاالحال 
معا دون فصل ومو غاية إكمال 
على صاحبيةٍ مُوضحي كل إشكال 
عا يرتجي في النفس والأهل وا مال 
نداءبه تفشك عني أغلال 


- 468 - 


وأطلبٌ ري مُوققابإجابة 


وأخفض صوي في النداء ببابِهٍ 
ل 
علي وص لةالله ثم ملامة 


ليغفِر أوزاري ويُذهب أغلالي 
وخفضت لقدري عند ذاك أعلال 


كذاك على الأزواج والصحب والآل 


وهذه القصيدة من حملة القصائد الي على حروف المحجم إلا أنما أول ما 


أنشئت بالمدينة. 


ع ع ۶ e‏ 
وا انشدته أيضًا هذه الابيات وكان ذلك ي ورد حال فقلت: 


يا رسول الإلو مالك عندي 
أنت عن في غينى وعن الخل 
أنت بالله ذُو غينى واعتزاز 
ليس لي ملجا رى الله إلا 
يا عذولي بواستجرت فحسي 
فيه اتقي عداك وأكفي 
لست يا دهرٌ بعد نمحسك أخشى 
يائي الإلوأنتجواد 
فعليك من الالوصلاة 


وأنشدت يوما آنحر: 


2 عم و £ 
رب بأسمائك الحسنى بأوصافك ال 


رب برجمتك العظمى الى سبقت 


[خفيف] 
حاجةٌ وحوائجي الدهرَ عند 
سق جميعا وجدتة أطلب رفدك 
ما الذي أرئجي لفقري بعدك 
أنتَ يا ملجا المساكين وحدك 
اجتهذ إن شئت العداوة جهدك 
وب اجتني على الرغم شهدك 
لا وله رجي مدى الدهر سعدك 
كيف لا تبلغ الأماني وفدك 
وسلامٌ بحسي من السوء عبدك 

[بسيط] 
على بناتك باللاك بالرشل 
غضبّك إرحَم عُبِيدًا بات ذا وجل 
على البيتييّ للسذكيرٍ والعمسل 


- 469 - 


ربا خير عب ةا الله يدنا محمد الم صطفى يجاه كل ولي 
كن لي وخذ بيدي في كل اة وعافني واممدي لأوضحالسيّل 


- 470 - 


ذكر من لقيته بالمدينة من المشايخ الأعلام والأصحاب 
الكرام ممن أخذت عنه أو أخذ عني أو صاحبته 2 الله 


ولم يخب فيه ظني حياهم الله 


أول من قرأت عليه بالمدينة وأذت عنه بقية السلف الصالح وقدوة كل 
غاد ي اكتساب الحمد ورائح» أستاذ المقرئين وإمام ا محدثين» الشيخ بو الحسن 
علي بن محمد بن عبد الرحمن الديبع اليمئ الزبيدي!", زاده الله عو وشرفاء 
وأسكنه من منازل التقرب غرفاء هو من قدماء مشائخي» لقيته عكة سنة أربع 
وستين فأحذت عنه ما تيس وأحاز لي كما هو مذكور في كتابنا اقتفاء الأثر!©, 
وهو كان السبب في اتصالي بالشيخ الإمام الختم صفي الدين القشاشي» وكتب 
إليه كتاباء ثم لقيته أيضا في هذه المدة عكة. فكان السبب أيضا في اتصالي بشيخنا 
الملا إبراهيم خليفة شيخنا القشاشي» وكان الشيخ» رضي الله عنه عقد بينهما 
عقد أخوة خحاصة» فلما لقيته عكة راسلته عن أصحاب الشيخ وأولاده وعن حاهم 
بعد وفاته» فأخيرن بخبر الخليفة المذكور» وأكّد علي في لقائه وأثى عليه كثيراء 
وكان شيخنا التعالبي أيضاً ذكر لي جملة من حبرم وكان من قدر الله مع 
إضماري لقاءه والاحتماع بى لم يقدر لي لى ذلك أيام إقامي بالمدينة حى قدم شيخنا 
أبو الحسن الديبع لزيارة النبي» صلى الله عليه وسل آخر الحرم أو اول صفر كما 
سيأني في ترجمة شيخنا الملا إبراهيم» فذهبت معه إلى زيارته وعرفه بي ولا قدم 
شيخنا أبو الحسن المدينة ونزل بجوار المسجد» وكان قدم بأهله قاصداً للزيارة» 
واحتمعت به ف الحرمٍ الشريف وأنست به وكنت إذ ذاك حديث عهد بسك 
المدينة لم أخبالط كثيرا من أهلهاء فسألته أن أقرأ عليه حتمة من القرآن العظيم 


)1( أبو الحسدن علي بن محمد بن عدد الرحمن الدييع اليمني الزييدي» فوّيه محدث» سمح عليه أبو سالم 
صدر صحيح البخاري وأجاز له باقيه» توفي عام 6 ه: التقاط الدرر» ص: 167. اقتقاء الأثر» ص: 
8. نشر المثانى 153:2. 

(2) اقتفاء الأثر» ص: 139. 


- 471 - 


بقراءة الإمام عبد الله بن كثير المكي"» فأذن في ذلك وحعل لي وقتا معلوما بين 
من يقرأ عليه» وكان لا قدم المدينة انثال الناس عليه لقراءة القرآن» وكان محققا 
لقراءة السبع محيدا ها حسن التلاوة» ما معت أذ في أقطار الأرض كلهاءعلى 
كثرة ما معت أحسن منه تلاوة للقرآن وأطيب منه نغمة به وأحود منه ترتيلا لى 
يعطي الحروف حقها في مخارحها من غير إفراط ولا تفريط» في تؤدة وسكون 
ووقار بقراءة مسترسلة متناسبة لا يرحع فيها ترحيع أهل الألحان ولا يسرع إسراع 
الهذرمة» ولا عد في غير محل المد» ولا يتركه في محله» محافظا على مراتبه من 
توسط وإشباع وقصرء جحيد للنطق بالإمالة وتسهيل امز وتليينه» مراعيا لصفات 
الحروف من تفخيم وترقيق» وتغليظ وقشديد» وغنة وإظهار وإعفاى إذا سجمعته 
يقرأ رأيت أنه يخشى الله فجزاه الله عن كتابه خيراً. 


وكان أيام إقامته بالمدينة كثيراً ما يقوم للامامة الحسن صوته وعذوبة قراءته 
وتزاحم الناس على القرب منه لسماع قراءته. ولقد أخبرت أن شيخه الشيخ 
إسحاق معان كان لا يترك أحدا يوم عسجده سواه ويقول: لا تقرأ في صلاة 
الصبح إلا عا فوق سورة الجمعة» يريد التلذذ بسماع قراءته» وكان من ابتداً 
القراءة عليه بالمدينة شيخنا الملا إبراهيم وشيخنا بدر الدين المندي وغيرهماء 
فابتدأت القراءة عليه صبيحة يوم الاثنين رابع صفر عام ثلاث وسبعين وألف 
بالمسجد النبوي أمام الوحه الشريف بعد صلاة الحنفي على يسار امحراب العثماني» 
وقرأً: (آنذرهم)©» بالتسهيل بين بين» وكان حسن النطق به» وقال: لا نعرف فيه 
محض الطاءء فأحيرته بأن شيخنا أستاذ الجماعة بفاس أبو زيد بن القاضى© قد نقل 
في مفرداته عن أبي عمرو الداني© جواز إبداهما هاء محضة» فسألي أن أطلعه على 


)1( عبد الله بن كثير بن عمرو بن عبد الله بن زاذان» فارسي الأصل» العطار قرأ على عبد الله بن السائب 
المخزومي وعلى مجاهد وحدث عن ابن الزيير وغيره» الإمام العلم مقرئ مكة وأحد القراء السبعة» عاش 
خمسا وسبعين سذة مات نة 0 هة: : سور أعلام النبلاء 5 :118 شذرات الذهب 157:1. 

)3( إسحاق بن محمد جمعان ليسي الفقيم” كان كثير ردد للحي توفي عام 6ه : التقاط الدرر» 
ص 167 

)4( شیر إلى قوله تعالى: (وسواء عليهم أنذرتهم أم لم تذذر هم )0 يؤمنون): البقرة: 5. 

)5( تقدمت ترجمته. 

)6( أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان الداني» الأندلسي القرطبي» الإمام الحافظ المجود المقرئ» ولد في 
سنة 371 ه ورحل إلى المشرق سنة 397 ه»ء من مؤلفاته: إيجاز البيان في قراءة ورش» والتلخيص 
في قراءة ورش أيضاء والمقنع في الرسم» وكتاب المحتوى في القراءات» توفي أبو عمرو سنة 444 ه: 
سور أعلام النبلاء 77:18. شذرات الذهب 272:2. 


- 472 - 


ذلك» فأطلعته عليه» فسّر بذلك» ونص ما ذكره شيخنا ابن القاضى ي مفرداته 
المكية: حرى الأخذ عندنا بفاس والمغرب في المسهل ياء خالصة مطاقاء وبه قال 
الدان ومنعه أبو شامة الجعبري!2» وفصل ابن حدادة بحوازه في المفتوحة دون 
المضمومة والمكسورة ه. وقد اشتد سرور شيخنا الملا إبراهيم بالاطلاع على 
هذا النص لكونه رضي الل عنهء غلبت الحجمة على لسائه فيعسر عليه اطي 
باهمز المسهل» بل كان لا يطيقه فقال: الحمد لله الذي حعل في الأمر سعة وم 
يكلفنا فوق طاقتناء فنحن نقنع عوافقة قول إمام من الأئمة) حصوصا هذا الإمام 
المتفق على حلالته أبا عمرو الدان» رضي الله عنه. 


وما نبهنٍ عليه شيخنا أبو الحسن حال القراءة» وكنت أغفل عنه كثيراً ما 
قال لي: ويحذر القارئ من قراءة (غشاوة)© ونحوه بالحاء على نية الوقف» ثم يصل» 
ولا بد من وقف بين يعلم به أن القارئ فصل بين ما وقف عليه وما ابتدأ به وإلا 
صار كمن قرأ بالهاء في الوصل» وهو الحن. 

وما نبهنٍ عليه تفخيم الخاء في (يخادعون)۴ وما أشبهه» قال: وتتبعها الألف 
في التفخيم لأن الخاء حرف استعلاي وكذلك أيضا تفخيم القاف في نحو قال 
وقام» وكذلك احافظة على إظهار اللام في نحو: قلنا وحعلنا. قال ابن الجزري في 


مقدمته(): 
[و] احرص على الإظهارا© في جعلا 
لأن اللام إن لم تظهر أسرع ا الفتح» وكان لا يسامح القارئ عليه في ترك 
الغنة في محلها من نون وميم» وميم أحفيت قبل باء» أو نون قلبت قبل باءء أو نون 
أو تنوين إدغاما في ياى وواو وميم ونود» ويحذر من إنحفاء اليم الساكنة لذي واو 


)1( أبو بكر بن ابي شامة» الشيخ الجعبري» المقر ئ المؤذن»الشيخ المجود» توفي سدنة 713 ه: معرفة 
القراء الكبار 1272. 

(2) من قوله تعالى: (ختم الله على لوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم): 
البقرة: 7. 

(3) من قوله تعالى: ( يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون): البقرة: 9. 

)4( الجزرية» ضمن كتاب: مجموع مهمات المتون» ص: 208. 

(5) في الجزرية: السكون. 


- 473 - 


وفاء لأا يسرع إليها الإخفاء إن لم يتنبه ها نحو: (هم فيها)"» (قم فأنش)#» 
(إنكم وما تعبدون)07. 
وأنشد ف حروف الإحفاء وقال: يجمعها أوائل هذا البيت وهو: 
[بسيط] 


ضع ظالا زذٍ قى ذم طالبا فقَرى 


وأنشد أيضاً في المواضع الي ورد أن البي» صلى الله عليه وسلم وقف عليهاء 
أملاها علي من حفظه ولم ينسبها: 


صف ذاتنا جوڈ شخص قد ا كرما 


[طويل] 


أيا سَائلِي عما أتاكا به الألى 
ففي البكر جا اخيرات والثائ قل يما 
وعمران إلا الله أونفماأكي6 
وأيضا بها من أجل ذلك جاءنا 
وأن أنذر الناس الذي حل يُون سا6 
إلى الله جاء في يوسف وبتلوها؟ 


خلقها بنحل بعد الأنعام اظ ۴(1 


عن الُصطفى من وقُفهٍ مُتسلسلا 
ی بعد يُعلمّةُ على الله مسجلا 
عقو ها الخيرات قد جاء مرتلا 
وآخِرها قد جابحق مرتلا 
وقل بعدةُنيهالِحَق رلا 
أتائا على الأمفال كي يتمثلا 


وبعدَ ألا شرك بلقمان لزلا 


(1) وردت العبارة 16 مرة في القرآن الكريم» أكثرها في سورة البقرة. 

)2( المدثر: 2. 

)4( الإشارة هنا إلى قوله تعالى: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا 
جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب) 
البقرة: 197. 

(5) يشير إلى الآية السابسة من سورة آل عمران. . , . 00 

)6( الإشارة هنا إلى قوله تعالى: ) أكان لاناس عجبا أن أوحينا إلى رجل متهم أن انذر الناس): يوئس: 2. 


(7) يقصد قوله تعالى: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من 
المشركين) يوسف: 108. 
)8( يقصد قوله تعالى: (والأئعام خلقها لكم فيها دفاء ومنافع ومنها تأكلون) يوسدف: 5. 


- 474 - 


وغافر فيها لفظة النار بده حكاية حمل العش في قصةٍ اكلا 

وقل بحشّر في النازعات وبعدة 2 على أف شهر جاءً في القذر أو 

ومن كل أمر جايما وبنصرهم 2 على لفظ واسغفرة ئقلا فحَسْدلا( 

وإفادته رحمه الله كثيرة» ومحاسنه شهيرة» ولح يختم عليه أحد القرآن من 
الذين ابتدأوا عليه القراءة أيام إقامته بالمدينة» فيما علمت» إلا أنا فإني لازمتى 
وكان معتنيا بشأي» وكنت أولا أقرأ وقتا واحدا بعد صلاة الصبحء ثم زادن وقتا 
آخر بين الظهرين» فلما كان اليوم الذي قبل يوم حروحه من المدينة ذهب لزيارة 
قبا ولحقته هناك وقرأت عليه هناك حى قاربت الختې » وقرأت عليه أيضا المقدمة 
الحزرية في تحويد القرآن هناك أيضاء وتفرغ لي رحمه الله ذلك اليوم عن جميع 
أشغاله. 

و الغد يوم رحيله ختمت عليه بالحرم النبوي قرب المواحهة» فكانت مدة 
القراءة نحوا من سبعة عشر يوماء وقد كتبت بين يديه رضي الله عنه» بعد فراغي 
من قراءة المقدمة الحزرية(۴ ما نصه: الحمد لله قرأت المقدمة الحزرية عجلسين في 
يوم واحد أوطما ف رباط السلطان خخارج مسجد قباء» وثانيهما بعد صلاة الظهر 
عند المحراب النبوي في مسجد قباء على شيخنا صدر المقرئين وإمام المحدثين الشيخ 
أبي الحسن علي الديبع اليمي» رضي الله عنه وأرضادء وأحازنا يما وبسائر مروياته 
وقرأت القرآن أيضا عليه كله بقراءة ابن كثيرء فأحازن به بأسانيده المعروفة 
وحضر قراءة المقدمة المذكورة أخونا الأبحد الفقيه النبيه الشيخ الصاح صالح بن 
أحمد المطري اليمئٍ نزيل الحرم الشريف» قال ذلك وكتبته ظهر يوم الأربعاء الموق 


(1) يقصد قوله تعالى: (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك با إن الشرك لخلام عظيم): 
لقمان: 12. 

(2) يقصد قوله تعالى: (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمئون به ويستغفرون 
لانين أمئوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم): 
غافر: 7. 

(3) يقصد قوله تعالى: (فحشر فنادى) النازعات: 23. 

(4) يقصد قوله تعالى: (ليلة القدر خير من ألف شهر): القدر: 3 

(5) يقصد قوله تعالى: (فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا): النصر: 3 

)6( المقدمة الجزرية: في التجويد» وهي لشمس الدين محمد بن محمد الجزري المتوفى سئة 833 ه» 
أنظرها في: مجموع مهمات المتون» ص: 5 - 211. 


- 475 - 


عشرين من شهر الله صفر عام ثلاثة وسبعين وألف الفقير إلى الله تعالى أبو سام 
عبد الله بن محمد بن أبي بكر العياشي المغربي المالكي كان الله له آمين. 

ثم كتب الشيخ» رضي الله عن بخط يده عقب ما كنبته ما نصه: الحمد لله 
رب العالمين حمدا يوائي نعمه ويكاقٍ مزيده» صحيح ما قاله الأخ في الله تعالى» 
وقد استخخرت الله تعالى وأحزت له ذلك وجميع مرويان ف علم القراءات عضمون 
الشاطبية!؟ والتيسيرا©» وجميع ما يجوز روايته من كتب الحديث وغيرها لعملي 
بأهلیته» وأحزت للجميع من ذكر بذلك» وأوصيه بتقوى الله تعالى» وأن لا ينسان 
من دعائه بحسن الخانمة قي عافية وسلامة تقبل الله ذلك منه وجعله خالصا لوحهه 
الكريم: قال ذلك بفمه» ورقمه بقلمه أفقر عباد الله وأحوحهم إليه العبد الفانٍ 
علي بن محمد بن عبد الرحمن الدبيع الشيبان الشافعي مذحبا» الزبيدي بلدا ووطناء 
الأشعري معتقداًء حامداً مصلياً عفا الله عنه وعن مشايخه في الدارين؛ وعن جميع 
المسلمين آمين آمين» وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم .ه ما 
كتبته عقب كتابي الأولى. 

وأما أسانيده في القراءات فقد كتبت من خطه ما نصه: قرأت على سيدي 
ووالدي وشيخي الفقيه الصاح الناسك الحافظ عفيف الدين عبد الله بن عبد الباقي 
العدن العقاقي الزبيدي رحمه الله قال: قرأت على سيدي الإمام العلامة محمد 
الطاهر بن المخلص الزبيدي» قال: قرأت على جماعة أحلهم الشيخ الإمام العلامة 
همال الدين محمد بن أحمد الملحان الشهير عفضل الزبيدي» قال: قرأت على أي 
عبد الله محمد بن أبي بكر بن على بن يدير» قال: قرأت على أي محمد عبد الله بن 
محمد النائري» قال: قرأت على شيخ الشيوخ أبي الخير محمد بن محمد الحزري 
قال: قرأت على عدة من المشايخ» منهم الشيخ تقي الدين عبد ال حمن بن علي بن 
المبارك البغدادي الواسطى المصري الشافعى» قال: قرأت على العلامة ملحق 
الأواحر بالأوائل» تقي الدين محمد بن أحمد بن عبد الخالق الشهير بالصائغ» قال: 
قرأت على العلامة كمال الدين علي بن شجاع الضرير الشافعي» قال: قرأت على 
ولي الله أبي القاسم الشاطبي» قال: قرأت على أي الحسن علي بن محمد بن علي بن 


)1( الشاطيية: أو حرز الأماني ووجه التهاني؛ قصيدة في القراءات للقاسم بن فيره الرعيني الشاطبي 
الأندلسي المتوفى سنة 589 ه: شرف الطالب» ص: 66. 
(2) تيسير الأصول إلى جامع الأصول لعبد الرحمن بن الديبع» والكتاب مطبو ع. 


- 476 - 


هذيل الأندلسي» قال: قرأت على أي داوود سليمان بن بحاح» قال: قرأت على 
الإمام أبي عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان الدائي بأسانيده. ه ما نقلته من خطه 
رضى الله عنه. ويهذا السند أحاز لنا القراءات ومؤلفات ابن الجزري. وأما أسانيده 
فى كتب الحديث وغيرها فهي مذكورة في رسالة اقتفاء الأثر بعد ذهاب أهل 
الأثران. 


وخرج؛ رحمه الل قافلاً إلى بلاده يوم الخميس الواحد والعشرين من صفرء 
وودعناه» وأودعناه الدعاء وأودعناه» وكان» رضي الله عنه» كثير الحج. قل ما 
يخلو له عام من حج مع أنه فقير لا مال له إلا أنه لعلمه وصلاحه يقصده الناس 
كثيرا من أهل بلده للاستيجار على الحج» > وكان» رضي الله عن يتأول في ذلك 
نص إمامه الشافعي» رضي الله عنه» فقد روي عنه أنه قال: ما أكل المرء ما يأخذه 
في أحرة الحج. قال لي رضي الله عنه: فأنا أغتنم بركة شهود المشاعر العظام وأكل 
الخلال» ولا غضاضة عليه قي ذلك فإن الإحارة على الحج عند الشافعية جائزة بلا 
كراهة» بل من رغب فيهاء بل واحب على العاحز الذي له مال» وعلى اميت 
الصرورة© المستطيع. 

وشيخنا هذاء رضي الله عنه» مبتلي بفقد الأولاد والنكل بمب فكان كثيراً ما 
يسأل من ومن جماعة من أصحابنا الدعاء أن يرزقه الله ولدا يخافه من بعده وينتفع 
بصالح عمله» حى كتب إلي من مكة بذلك يؤكد يي الوصية» وكنت أرحو أن 
يحج في العام المقبل فأغتنم بركة الاحتماع به» فلم يحج في تلك السنة ولا في الي 
بعدها كما كتب لي بذلك خليلنا حسن العجيمي!؟ مخبراً أنه منعه مرض أستاذه 
الشيخ إسحاق جمعان» وهذا آخر العهد بخبره. 


5 
لطفة؛ 


5 2 م e ٠.‏ 
تذاكرنا یوما بحضرة شيخنا أبي اخسن دفن ا موتى بالبقيع على مرور الازمان 
ف محل واحد مع أنه لا يجوز الدفن في قبر ما دام صاحبه به» فقال لي: إن هذه 
(1) اقتفاء الأثرء ص: 138 
(2) الصرورة رجل صرورة: لم يحج قط: لسان العرب: صرر. 


)3( أبو علي حسن بن علي العجيمي المكي الحنفي» فقّيه متصوف› أخذ عن مشايخ الحرمين» توفي 
بالطائف عام 3 هه التقاط الدرر» ص: 4. فهرس الفهارس 810:2. 


- 477 - 


الأرض للوحتها ونداوقا تفن الأحساد بسرعة» فقلما يجاوز فيها الإنسان سبع 
سنين إلا وتبلى عظامه فلا يبقى ها أثرء قال: وهي كأرض بلادنا مدينة زبي دا 
بأرض اليمن» قال: إن قد دفنت عدة من أولادي بيدي في قبر واحد في أمد غير 
متطاول» فكنت إذا مات لي ولد ذهبت به إلى قبر أحيه الذي قبله فأحفر فلا أحد 
له أثرأ فأضعه وأواريه في محله» ثم كذلك الآخر. وكان سبب حريان ذكر ذلك أن 
زرت معه ذات جمعة البقيع فلما زرنا قبر شيخنا صفي الدين القشاشي في الدكة 
الي وضعها بأقصى البقيع معدة لدفنه ولدفن أصحابه قلت له: كيف وضع الشيخ» 
رضي الله عنه» هذه الدكة مع أن هذا بالقطع كله مقابر. فذكر لي ما تقدم» ولا 
شك أن القبر بعد ذهاب عظام المقبور فيه منه لا بعنع الدفن. قال صاحب 
المختصر: "والقبر حبس لا عشى عليه» ولا ينبش ما دام به"©. ولا يعكر على 
ذكرنا من أكل أرض المدينة للأحساد بسرعة ما ورد من نقل بعض شهداء اد 
بعد أزمان وأعصار متطاولة» ووجد أنهم على حاهم ومن بدو قدم عمر بن 
الخطاب» رضي الله عنه» زمن عمر بن عبد العزيز» رضي الله عنه» لأن ذلك كرامة 
وقعت على حلاف العادة وتصديق لحديث: لا تأكل الأرض أحساد الأنبياء ولا 
الشهداءا'» ومن ذكر معهم» ولا شهيد على وجه الأرض أفضل من عمر» رضي 
لله عنه» ومن شهداء أحد رضي الله عنهم آمين. 


ومنهم شيخنا العلامة الدراك الفهامة محقق العلوم على احتلاف أنواعها 
ومقيد شورادها في بطئها وإسراعهاء ومداوي أدواء القلوب مع تباين طباعهاء 
ومؤهل إضلال المعارف بعد إقواء رباعهاء ناذرة الأعصارء وعددم الشكل ف سائر 
الأمصارء حامل لواء الشريعة والحقيقة» وغائص حار الأنظار الدقيقةت بدهمن ذهنه 
انقو لات› قد فج لأهل الإرادة طرقا كانت قبله رمسة» فاقتدى من أغرم تغسسه 


(1) زبيد: بلد باليمن معروف: معجم ما استعجم 694:2. 

(3) نص الحديث الشريف كما ورد في المعجم الأوسط (97:5): حددنا عبد الرحمن بن زياد أبو مشسعو ل 
الكنائى الأبلي قال حدثنا عبدة بن عبد الله الخزاعى الصفار قال حدثنا حسين بن علي الجعفى عن عبد 
الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبى الأشعث ث الصنعانى عن أوس بن أوس الثقفي قال: قال رسول الله صلى 
الله عليه وسلم أن افضل أيامكم يوم الجمعة» فيه خلق آدې» وفيه قبرض» وفيه النفخة, وفيه الصعقة فأكثروا 
علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم علي معروضة. قالوا: يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد 
أرمت؟ قال: يقولون قد بليت. قال؛ إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنيياء . 


- 478 - 


في يومه ما استهلكت أمسه» فأظهر نوعا من المعارف لا يدرك أهل زمانه حنسه 
فصار ملة وحده» وطريقة ملته مترهة عن كل خحسة» فهو إمام الأئمة وحبر الملق) 
(ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه)"» فقيه الصوفية وصوي الفقهاى 
وعالم الصلحاء وصالح العلماء» وارث علوم الختم» الصفي ووارد مورد الأنسس 
الصفي» سيدنا وشيخنا وقدوتنا وإمامنا الملا إبراهيم بن حسن الكوران 
الشهرزوري ثم الشهران زاده الله من نوره القدسي على نوره النفسي» > ومن علمه 
الوهبي على علمه الكسبي؛ أناله الله من كل مكرمة أعلاهاء وأذاقه من كل شربة 
قدسية أحلاهاء نشا رضي الله عنه» على ما أخبرن» في بلاده من شهران من 
حبال الكرد في عفة وصيانة وديانة» وأحذ في طلب العلم في بلده على مشايخ 
قطره» فقرأ العربية ومهر في الحتاج إليه منهاء وأول ما يقرؤون في العربية عندهم 
العوامل!© للجرحان» ثم كافية ابن الحاحبا» وهي العمدة عندهم» وقد ألف 
شيخنا هذا تأليفا حسنا في العربية على نط العوامل المذكورة استدرك عليه 
عوامل كثيرة تركهاء وقرأ أيضا فنون المعقولات من كلام ومنطق وفلسفة بأنواعها 
من هندسة وهيئة وغيرهماء وقد أحبرئ حين قراءن كتاب اطداية الأثبرية©" في 
الحكمة عليه أنه كان في أول قراءته ها عرضت مسألة هندسية فلم يتجاوزها حى 
ولم يزل كذلك لا تعرض مسألة تتعلق بعلم م من العلوم إلا وقرأ ذلك العلم حى 
يحيط علماً عقاصد الكتب» ول يختمه حي َه حققه وحقق معه عدة علوم» وكذلك 
كان شأنه في كل العلوم لا يرضى لنفسه الاقتصار منها على أدن» وقرأ اللعان 
والبيان وأصول الفقه وفقه الشافعية» كل ذلك ف بلاده وقرأ لتفسير أيضا ف 
بلاده على علماء قطره وأكثر استفاداته على شيخه الملا محمد شريف» وسيأن 
ذكره. 

ولم يترك علما من العلوم إلا أحذ منه نصيباً في بلاده إلا علمي الحديث 
والتصوف» أما علم الحديث فقال لي رضي الله عنه: ما كنت أظن أنه بقي على 


(1) البقرة: 130. 

)2( العوامل في النحو لأبي على حسن بن أحمد الفارسي المتوفى سنة 377 ه: كشدف الظنون 1179:2. 
)3( الكافية في النحو للشيخ جمال الدين أبى عمرو عثمان بن عمر المعروف بابن الحاجب» المالكي 
النحوي المتوفى منة 6 هھ كشدف الظنون 1369:2. 

)4( الهداية إلى علوم الدراية: منظومة للشيخ الإمام محمد بن محمد بن محمد الجزري المتوفى سنة 833 
ه: كشّف الظنون 2028:2. 


- 479 - 


وجه الأرض أحد يقول حدثنا وأخبرنا حى وصلت إلى بلاد العرب بالشام ومصر 
والحجاز. وأما التصوف فكذلك أيضا ما كنت أظن أن ليس أحد يتداوله بالقراءة 
والتصنيف والمنازلة بالفعل إلا ما ف بطون الدفاتر أو ما عند المنقطعين يى رؤوس 
الخبال. ولقد أخحبرن صاحبنا السيد محمد بن رسول!"» وكان بلديه وعليه حل 
انتفاعه لأنه أصغر منه سنا أن شيخنا الملا محمد شريف كان يقول: بلغ من قوة 
حافظة الملا إبراهيم أنه لو لمح مسألة في أي ما كتب وغاب عنه سبع سنين ثم 
سئل عنها لقال: هي في كتاب كذا في صفحة كذا في سطر كذاء وهذا لعممري 
إدراك ألمعي وذكاء إياسي» وكفى بشهادة هذا الشيخ له فإنه أدرى به من كل 
أحد لأن الشيخ والد معنوي» والوالد أدرى بأخلاق ولده. ولا استكمل أنواع 
الكمالات الإنسانية الى أمكنه اكتسابا في بلده حرج من بلاده بعد ما مات 
والده وتزوج وولد له قاصدا لأداء فريضة الحج وسنة الزيارة» ثم يعود إلى بلده 
وكانت طريقهم على بغداد؛ فإن بلادهم ثي ناحية الشمال من بغداد. ولما وصل 
إلى بغداد أقام فيها أياما ثم حرج مع قافلة قاصدا مكة» وكان معه أخصوه عبد 
الرحمن» وهو أصغر منهى وبعد انفصاهم عن بغداد بأيام مرض أخوه مرضا منعه 

من المشي وعزم على الرحوع إلى بغداد. قال: فلما رأيت عجزه وعزمه على 
الرحوع لم تطب نفسي بت رکه وفراقه» مع ضعفه ومرضه» فرحعت معه إلى بغداد 
وم عكنهما الحج في تلك السنة» فبقي في بغداد وطالت إقامته به» أظن نحو العامين 
فيما أخبرئ. وطلب منه أهل بغداد التدريس» قال: وكنت لا أحسن اللسان 
العربي إلا ما أقرأ في الكتب» فشق ذلك علي فعانيه أيام فسهل الله ذلك علي 
حي لا أبالي أقرأت بالفارسية أم بالعربية. قال: وكان هنالك طلبة من الأتراك 
فطابوا من أن أقرئهم بالتركية في كتبهم الي هي بلغتهم» وكنت لا أحسن شيئا 
منهاء فتعلمتها في مدة قليلة فصرت أقرأ بالعربية والفارسية والتركية» وما كان 
شيء أحب إلي من اللغة العربية حي أن كنت أطلب الله تعالى كثيراً وأقول: أمنيي 
من الدنيا أن يرزقي الله ولد ذكراً أعلمه التكلم بالعربية» وذلك لغلبة العجمة في 
بلادهم. ولم يزل في بغداد على أحسن حال إلى أن من الله عليه عحبة كتب القوم 
والمطالعة فيها في جحاورة الشيخ قطب الزمان مولاي عبد القادر الجيلي. قال: فبينما 


)1( السيد محمد بن السيد رسول الحسني الشهروزري البرزنجي» تفقه على يد الشيخ إبراهيم الكوراني: 
تحفة الأخلايء ص: 123. 
(2) زيادة من ط. 


- 480 - 


أنا ذات ليلة وقد فَكَّرتُ في أمري وخلوي مما عليه أهل الحق» فصغرت لدي 
نفسي وعلمت أن ذاك لا ينال إلا على يد شيخ» فسألت الله تعالى عند قبر الشيخ 
أن يلهمي ما فيه صلاح نفسي وأن يوحهئن إلى حيث يعلم لي الخير ويجمعينٍ بشيخ 
أسلك طريق الحق على يديه» قال: بينما أنا قائم في أثناء ذلك رأيت الشيخ عبد 
القادرء» رضي الله عنه» في النوم وهو يشير | إلى ناحية المخرب» فاستيقظت وعرفت 
أن أقصد حهة المغرب ولا أنتهى حى ألقى من يدلئ على الله أو أحول أقصى 
العمران من ناحية المغرب» فتجهزت للرحيل من بغداد وقصدت الشام لأنما نى 
مغرب بغداد» فلما وصل إلى الشام أقام يما على الخال الي كان عليها قي بغداد من 
التدريس ولقاء الناس بدمشق. قال: وكنت مغرما بكلام الشيخ محي الدين وزيارته 
ومطالعة رسائلكء وحصلت لي مبادئ الفتح ف فهم بعض كلام القوم. 

قلت: وذلك الشأن ببركة الشيخ محي الدين فقد قال السيد عبد الوهاب 
الشعراني فيما رأيته في بعض تأليفه نقلا عن غيره من المشايخ مقررا لما تقل 
ومصدقا له أن من خاصية كلام الشيخ محي الدين أن المثابر على مطالعته يرزق 
الفهم في كلام القوم وحل مشكلاته» ومصداق ذلك في شيخنا هذا فإنه من أشد 
الناس كلها عطالعة كتبه الكبيرة والصغيرة» وقد أعطي من الفهم في كلام القوم 
وحل مشكلاته والإحاطة باصطلاحات الصوفية وفهم إشاراقم» وكشف أسرارهم 
وتمييز أذواقهم ما لم يعطه أحد ممن رأيت! في مشارق الأرض ومغارها. ومن 
بركة مطالعة كلام الشيخ محي الدين اتصل بغوث الزمان ورئيس أهل العرفان» 
شيخنا الختم صفي الدين القشاشي إذ كان كلام الشيخ حي الدين هو السبب ف 
ذلك» وذلك على ما أخبرن أنه وقع كلام بينه وبين بعض أصحابه أيام إقامقه 
بدمشق في حل إشكال وقع في بعض كلام الشيخ في الفتوحات2» فدار الكلام 
بينهما ف ذلك وبعد ذلك قال له صاحبه: إن رأيت في هذه المسألة كلاما لبعض 
علماء العصر من أهل المدينة المشرفة» يعي شيخنا القشاشي» وكان كتب في تلك 
المسألة شيئا فأتاه بكلامه» فلما رآه وطالعه استحسنه. قال لي: فقلت له: يبعد أن 
يكون في هذا الوقت من يتكلم هذا الكلام لعله منتحل من كلام بعض من تقدم. 
فلما قلت له ذلك أتاني برسالة الشيخ المسماة ب: ضوء الهالة في ذكر هو 


(1) في ط: رأيناء 
(2) الفتو حات المكية للشيخ محي الدين ابن عربي الحاتمي الأنطسي. 


- 481 - 


والخلالة. فلما طالعتها ورأيت فيها ما يمر عقلي مما منح الشيخ من العلوم اللدنية 
والمواهب القدسية والكشوفات الغيبية» فرحعت على نفسي باللوم فقلت لها: لم 
يبق بعد هذا إن لم تصدقي عقام الرحل إلا حض الخذلان الناشئ عن إساءة الظن 
بعلماء المسلمين ونسبة الكذب إلى ذي شيبة في الإسلام ملحوظ عند أهله بعين 
الإحلال والإكرام فوقعت في قلي محبته واعتقدت تعظيمه وإحلاله. 

قلت: وقد رأيت هذه الرسالة وهي في كراسة مضمنها أن الشيخ» رضي الله 
عنه» طاب وقته ليلة من الليالي لورود بعض العارفين لزيارته فأحذ يذكر بذكر هو 
الله على كيفية بينها في الرسالة» وذلك فيما بين المغرب والعشاء» فاستغرق في 
الذكر إلى أن حصلت له غيبة مقدار ربع ساعة أو نحو ذلك» فكشف له في تلك 
الغيبة من أسرار الملك والملكوت ومعاني الأسماء والصفات» ومنح من العلوم 
الوهبية ما بهر العقول ماع فذكرء رضي الله عنه» في تلك الرسالة أنواع العلوم 
ال وهبها ف تلك الغيبة والكشوفات الي حصلت والإسراءات الروحانية الي 
منحها في تلك المدة القليلة» وذلك شيء يستغرب وقوعه في هذه الأعصار من لم 
يؤيده الله عدد التصديق بأهل ولایته قال شيخنا الملا إبراهيم: وبعد رؤية هذه 
الرسالة لم يبق عندي شك في أن صاحبها هو الفرد في وقته وأنه طلبي الي كنت 
أطلبها وإليه إشارة الشيخ عبد القادر؛ إذ نحو إشارته وحدت أخباره واتضح أمره 
ولا يلرم من صدق رؤياي أن تكون إشارته إلى محل وجوده» بل ولو إلى محل 
وحود خحبره. . ثم أحذت في مكاتبة الشيخ» رضي الله عنه» من دمشق إلى المدينة 
فتأتين كتبه عا يزيد وثوقا ويقينا بأنه البُغية. 

وأقمت بدمشق قريبا من أربع سنين على هذا الخال إلى أن أتاني كتابه 
يأمرن بالقدوم إليه» فتجهزت للرحيل من دمشق وخرحت منها قاصدا مصر 
فمررت بالقدس والخليل وزرته("» فذهبت إلى مصر ولم أتفرغ للقاء المشايخ عصر 
لشغل القلب أنا به متهم من القدوم على الشيخ وم ألق من مشايخ مصر 
المشهورين إلا الشيخ شهاب الدين الخفاحي وإلا الشيخ سلطان» أما الشيخ شهاب 
الدين فسبب احتماعي به أي كنت إذ ذاك آخذا في تأليف كتاب: إنباه الأنباه 
على إعراب لا إله | إلا ا فأشكلت علي مسألة» ووحدت النقل فيها عن كتاب 
سيبويه» وتوَّمّمت أن فيه تحريفاء فأردت تصحيح النقل من تفس الكتاب فسألته 


(1) في ط: وزرت. 


- 482 - 


عنه عصر فقيل لي: لا يُوحد إلا عند الشيخ شهاب الدين» فذهبت إليه ورحّب بي 
وأحرج لي الكتاب» ووحدت النقل منه على نحو ما توهمت» فصححت النقل منه 
وفرحت بذلك غاية» وكانت تلك طلبيٍ ولم تكن همي الرواية» وكنت أقول في 
نفسي: إن متوحه يي طلب هذا الأمر الذي أنا بصدده وأنا عازم على ركوب 
البحر إلى مكة» فرعا غرقت فيه فلا يبقى مئ من يقول حدثنا ولا أخحبرناء فأكون 
قد ضيعت وقي بشيء لا أدري هل يحصل المقصود منه وشبت إرادن عا ليس من 
شكلهاء فأعرضت عن طلب الرواية وما هو من شكلها من ملاقاة علماء الرسوم. 
ولم أتفرغ إلا للزيارة وقضاء ما لابد من الأوطار. 

وأما الشيخ سلطان فإن بعض أصحابي الذين كنت آلفهم ويألفون كان من 
أصحابه ولح يزل يقول لي: يقبح عقلك أن يدحل القاهرة ولم يلق أحدا من 
علمائها ولم يأحذ عن أحد من مشايخهاء ولمم علو سند وقدم راسخ في الرواية 
والدراية» ولم يزل هذا شأن العلماء وأهل الفضل إذا قدموا بلدا أخذوا عَمَّن مها 
من كبار المشايخ» وكنت أتعلل له با تقدم فيقول: هذا مقصد محمود من المقاصد 
الدينية لا يناي ما أنت بصدده إذا أحلصت فيه التق فلم يزل بي حي ذهبت معه 
إلى الشيخ سلطان» فسمعت عليه بعض أحاديث الصحيحين وبعض المنها ج!؟ ف 
فقه الشافعية» وأحازن وكتب لي بخطه الإذن في الفتوى والتدريس والرواية عنه. 

قلت: وقد رأيت الإحازة الى كتب له الشيخ بخطه عند وكأن مع شيخنا 
الملا إبراهيم في لقاء المشايخ .عصر على طرفي نقيض» وذلك أن دحلت القاهرة قبله 
وبعده» فأحذت عن غالب من أدركت قا ممن هو أهل لذلك إلا الشيخ سلطان» 
فدخلها هو مرة واحدة فلم يأخذ عن أحد يها إلا عنه» وما منعنٍ أنا من الأحذ 
عنه» رضي الله عنف إلا الحدة الي حبل عليها والشكاسة الى في أخحلاقه والشراسة 
الي قل أن توحد بديّن فضلا عن صديق» ولكن الله بلطف صنعه وخفي حكمته 
قادر على أن يجمع له بين تلك الأخلاق والمباركة الي هي أمر من الصبر وأحد من 
رؤوس الإبر» وبين الصدق مع الله قي موارده ومصادره» كما يدل على ذلك حده 
واحتهاده في عباداته وتقشفه في هيبته وتعففه في مكسبه» وإعراضه عن الرياسة 
الدنيوية» وما كان السبب لأخحذ شيخنا الملا إبراهيم عنه إلا تسخير الله وسيقية 


)1( منهاج الأدين: كتاب في شعب الإيمان» وهو الشيخ الإمام أبو عبد الله حسين بن الحسن الحليمي 
الجرجاني الشافعي المتوفى سنة 3 ه: كتدف الظنون 1871:2. 


- 483 - 


الكتاب بذلك» ولعل المتوسط له في ذلك كان شديد المداحلة معه» فتحين ف ذلك 
وقت انبساطه وما أنذره حي أمكنه ذلك وسيأن إن شاء الله في ذكر رحوعي إلى 
القاهرة بعد ابحيء من القدس ما وقع بين وبين الشيخ سلطان عندما رمت الأحذ 
عنه والله يغفر لي وله وينفعنا ببركاته آمين. 


وممن لقيته الشيخ إبراهيم» من مشايخ الطريق عصرء من دون أخذ عن 
[و]!؟ الشيخ محمد الخلونٍ© القاطن بجامع الماردين من مصر» وكنت قد احتمعت 
دفي إحدى راق عي وزرته مرتين أو ثلا في عله من شايع اذكو وثال 

لي: إن طريقتنا نحن محمدية لا تنسب لأحده وكان» رضي الله عنه» من الموسومين 
بالصلاح في تلك الديار. وطريق الخلوتية مشهورة عند أهل مصر وغيرهم» فلما 
احتمعت باللا إبراهيم وذكرت له ما سممعته منه قال لي: وأنا قد معت ذلك منه 
وأ عليه ثناء حسناء وذكر لي أنه كان حالسا عنده فجرى في خلاه يا ترى» 
وهل بقي أحد اليوم في هذه الديار ممن له التصرف ي المقامات والأحوال وما 
يشبه هذاء قال: فلما حرى ذلك في قلي قال لي بسرعة: قد بقي في هذه الديار 
من له التصرف والنفع والدقع؛ أو كلاما قريبا من هذا. قال: فقلت في نفسي: إن 
كانوا | موحودين فأين هم؟ فإنا م َر متهم أحدا. فذكر كلاماً يدل على أنه منهم 
صريحاء» فشممت من نفسي رائحة الإنكار لذلك» فرحعت عليها باللوم والتوبيخ 
قلتي هل بقي منهم أحد؟ فقال لك: : بقي . ). وقلت: أين هو؟ فينه لك» فأتفت. ولو 
ين غيره لما قبلت أيضاً هذا والله الجحود البين» فتبت إلى الله من الإنكار عليه 
واعتقدته. 


قلت: وهكذا ينبغي لمن أهم رشده وسعى في إصلاح قلبه أن يكون خصيم 
نفسه وحجيجها حسن الظن بعباد الله ما لم يظهر منهم ما دل القاطع على منافاته 
لصلاح الطوية والحافظ بالمكابرة ححود وردي تقليد» وفيما سوى ذلك فسوء 
الظن من فساد الطوية وفساد الداحلة. اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه» وأرنا 
الباطل باطلا وارزقنا احتنابه. 


)1( زيادة اقتضاها السياق. 


7 محمد بن أيوب بن أحمد الخلوتي الحنفي الدمشقي, لزم _ ١‏ أحمد العسالي مع والده في طريق 


- 484 - 


ولم تطل إقامة الملا إبراهيم عصر على ما أخبرني» بل حد السير وأسرع 
النقلة قاصدا الحجاز وحادي الشوق يحدو به» وسائق العناية يسوقهء ورائق التوفيق 
يهديه» وهمة الشيخ حاذبة لأفكاره ومحبته آحذة عجامع قلبه فركب البحر من 
السويس حي أناخ بحدة» وكان ذلك في أشهر الحج فبقي عكة حى حج وأدى 
الفريضة» فذهب إلى المدينة وزار الرسول الأعظم والبي الأكرم وأفضل شافع 
وأقرب مشفع» صلی الله عليه وسل ولقي الشيخ الذي كان طلبته منذ أزمان 
فواحهته عنايته وحذبته إلى حضرة التقريب هته» فاحتمعت على قلبه نورانية 
حضرة الاصطفاء وسريان مدد أهل الصفاء فلم تلبث أمراضه أن عالجها الشفاء 
فأقام ؛ بحضرة الشيخ يغذيه بألبان تربيته ويربي طفل إرادته بلطائف أغذيته» ويحضره 
في أنديته» وينمي ضعيف سلوكه بأحسن تنميته» فقطعه عن أعظم ما لوفاته 
وألذها عنده» وهو التدريس ف العلوم الظاهرة الى هي هِجيرا!/» ومنعه من 
حضور مجخالسها عند سوا ثم أدخله الخلوة» وكان ذلك كما أخبرن قي رباط 
السلطان الذي بباب الرحمة؛ أحد أبواب الحرم الشريف» وأمره بإماء كل ما 
يتجدد له من المعارف والعلوم إليى فكان الشيخ» رضي الل عنهه يعظم سروره عا 
ينهيه إليه من ذلك ويعجبه حسن إدراكه وسرعة نفوذه في طرق المعارف وترقيه في 
مدارج السلوك فينبهه على ما عسى أن يقع له من الوهم والحيرة وينقذه من 
أوحال الشكوك بنافذ همته» فسار في مهامه السلوك سير حاد يهديه ماهر 
حريت©» عارف بأغوار الطريق وأنحادهاء عالم بشعاها وأوهادهاء فلا تسأل عن 
قرب وصول من هذه صفته إلى مقصوده؛ ولا تستبعد ما ينال عند وصوله مسن 
كرامة معبوده» وما شق عليه من عقبات الطريق الى سلكهاء ولا طال عليه منها 
إلا عقبة حو الصور المنتقشة في لوح قلبه من مكتب تعليم العلوم الظاهرة وتقرير 
أدلتها الي هي من بضاعة العقل والحس مكتسبة وعلى فجها سائرة» والعلوم 
الوهبية والمعارف الإلية الي هي من وراء طور العقل لا ترسم في القلب ما لم 
يصف من كدر الجمود على النقل. 

ولقد أخحبرن» رضي الله عنف أنه لما أدخحله الشيخ الخلوة أدخل رحلا آنحر 
من أصحابه» وكان ذلك يي يوم واحد فبعد الأربعين يوما أذن لصاحبه ف 


(1) هجيراه: دأبه وديدنه: لسان العرب: هجر. 
)2( الخريت: الطيل الحاذق: لسان العرب: خرت. 


- 485 - 


الخیں دخلت مع صاحبك في يوم واحد» وها هو لحسن استعداده وقوة حله 
واحتهاده قد أذن له في الخروج» وأنت إلى الآن لم تزالي مع كدوارتك ومعايبك. 
قال: فلما أذن لي في الخروج وحئت إلى الشيخ قال لي: يا ولدي ليس اللوح الذي 
وانتقشت فيه صور الحروف فإن الأول يقرب حلاؤه من دون كبير مؤنة والثان لا 
ينجلي إلا بعد مؤنة كبيرة» فعلمت السر في تأخيري عن صاجبي» وكان هو قليل 
الأحذ في العلوم الظاهرة» ولم تزل حال الملا إبراهيم تترقى عند الشيخ إلى أن أذن 
له ف الإفتاء والتدريس» وزو حه ابنته» وكان فق انحر حياة الشيخ قبل موته بأعوام 
هو الذي يتولى كتب الحواب عن الرسائل الي تأي للشيخ من الآفاق ثم يطلع 
عليها الشيخ» فتارة يزيد فيها شيئا أو ينقص منها شيئاء وتارة يتركها على حاها. 
ولقد رأيت كثيرا من الرسائل الي هي من تصنيف الملا لإبراهيم مكتويا في 
هوامشها بخط الشيخ» وكان الشيخ» رضي الله عنفى ترد عليه أسئلة كثيرة من 
سائر الآفاق شاما وعراقا وعناء بل ومن المند» وكان يجيب عن كل ذلك في 
العلمين الظاهر والباطن» وأعطاه الله من القوة على ذلك ما يدل على أنه مأذون له 
في الإرشاد وممد من الله بالتوفيق والإسعاد. وغالب رسائل الشيخ» وهي كثيرة نحو 
بالشام واليمن ما لا يعرفه أهل الحجاز» وقد اعتن تلميذه وخليفته الملا إيراهيم 
يجمعها واستكتاها من الآفاق» فاحتمع عنده أكثرها. ولا قربت وفاة الشيخ» رضي 
الله عنه) قدمه على جميع أصحابه وأولادف واستخلفه وأوصى إليهى فصار هو 
الخليفة من بعده ظاهرا وياطناء قائما بوظائف التدريس وبحالس الذكر والتلقين 
والإلباس والصحبة والإرشاد إذ لم يترك الشيخ رحمه الله شيئا ما يتوقف عليه أمر 
الإرشاد إلا وأتحفه به من تلقين وإلباس وصحبة وغير ذلك» وسيأي ذكر الوصية 
ال كتب له الشيخ» رضي الله عنه» قبل موته في آخير الترجمة. 


- 486 - 


ذكر اجتماعنا به وما قرأناه عليه واستفدتاه منه› وما كتبناه له 
وشيء من كلامه رضي الله تعالى عله (وأرضاء)!") 


تقدم في ترجمة شيخنا أبي الحسن الديبع أنه هو وشيخنا الثعالبي كانا السبب 
ف معرفيي به لثنائهما عليه وتحريضهما لي على لقائه والاتصال به فلما قدمت 
أؤحر لقاءه يوما فيوما لكون مترله ارج المدينة» فلم يقدر لي لقاؤه حي قدم 
شيخنا أبو الحسن الديبع» وكان بينهما ود وإخحاء من قبل الشيخ» فذهبت معه إليه 
ودخلنا إليه في مكانه الذي كان يجلس فيه حارج زاوية الشيخ» فوحدناه في علية 
وأني تمن صحب الشيخ وأنتسب إليه» فرعى لي ذلك حق رعايته» وهش وبش» 
وأنس ورحب» ودعا بخير» وكنت كتبت قصيدة في مدحه قبل الاحتماع به فناوطا 
إياه شيخنا أبو الحسن وهى هذه©: 


[طويل] 


أشافي قلبي بعدما كنت جارحة 
o 534‏ غم اعم و - 
وبين يدي جواي قدمت مدحتي 
و أغإكراما ب كنا أناقا 
فما زلت من أقصى البلادِ أسوقها 
ومن بعدو للشيخ كيما يذلا 
فلما وجدت الشيخ لله رائحا 


حبك مني كل عضو وجارحة 
بسائحةٍ من كل خير وسارحة 
لتُكرمَني والمرء يكرمٌ ملوِحَة 
ورفغة قدرفي الدياكة قادحة 
عن الخير ما زالت مدّى الدهر جاسمة 
إلى المصطفى خير الورى وهي فارحة 
فتسكن فهي بالرياّة طافحة 


بروح وريجحان وأعبي رائحة 


(1) زيادة من ط. 
)2( وردت القصيدة في الثغر البامدم» ص: 12. 


- 487 - 


سألتُ ذوي العرفان عن باب فضلو 
فقالوا أَبُو إسحاق خاتمة النهى 
فيممتة هذا الباب أرجو افتّاحه 
أناديك يا مولاي بالسر قائلا 
أمولاي إبراهيم يا من بفصلِهٍ 
ببابك عبد طالب لزيارة 
أحبك لا عن رؤيةٍ سبقت له 
مت بذا الشيخ الذي بركاتة 
وكانت لأ من قل ذا نسبةً له 
وأنت لأ نعم الخليفة وارث 
فأكرمٌ بذا إرثا وأنهم بوارث 
إلى الله يدعو القاصدينَ ية 
وأ لا وشيحٌ العصر في السر خصةٌ 
وهِنَبَهُ حت تخلص واغقدى 
عليه من الله الرضًا وعلك ما 
وما دام قصد الله من باب أهله 
أصلي على خير الورّى بعد حمل من 
ھ. والحمد لله . 


ومن صاز بعد الشيخ للناس فاإتحة 
وفاتحة الإحسان أكرم بفاتحة 
فهاٌأنذا أدعًو وأقراًفاتحة 
مقالة صّب قد سكنت جوانحة 
طيورٌ العلا في دوحة المْجد صّادحة 
لكيما ينال دعوة منك ناجحة 
وأسرارةُ بين الْريدينَ لائحة 
على نسبة الأشياخ بالسر راجحة 
لرتبة عن أعين الخلق نازحة 
له فطة في ر العلم سَابحة 
لكل مريدٍ م تزل وهي ناص حة 
بغادية من كل علم ورائحة 
ورتبعة في الدين والعلم واضِحه 


أحبتكَ نفس للمكارم جانحة 


يزيل كروبا لي تزل قبل فادحة 


£ لى 
أتاة حزائن المدى ومفاتحة 


ٍ ولا فر غ من قراءة القصيدة استحسنها ودعا لي بخير» وبالغ في التحفي» 
وقدّم لنا كسرا من الكعك مع ملح وسعترء فلم أر ألذ من تلك الأكسار» وأتى 
بالقهوة على ما هو المعتاد منهم» وكنت غير راغب فيهاء ولكن تناولت منها 


- 488 - 


مساعدة» وعندما أنس بي» رضي الله عنه» وتفاوضنا الكلام وعلم أن لي ماسة 
بطلب الحديث» وكانت رغبته فيه من أعظم الرغبات بعدما كان فيه أولا مسن 
الزاهدين كما قدمناء سألني هل حصلت لك رواية الحديث المسلسل بالأولية 
بشرطه؟ فقلت له: نعم!". فقال: إن كنت راغبا في تحصيله بشرطه و لم يتفق ذلك 
لي إلى الآن» وهذا أول بحلس لقيتك فيه فأحب سماعه منك قبل ماع شيء من 
الحديث. فحدثته به فرأى ذلك غنيمة حصلت له والحديث المسلسل بالأولية هو 
ما أخرجه البخاري في الك والأدب المفرد» وأخرحه غيره أيضاً عن عمرو بن 
دينار عن أبى قابوس مولى عبد الله بن عمرو بن العاصي» رضي الله عنه» أن رسول 
الله صلى الله عليه وسلم» قال: الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى» ارحموا من 

في الأرض ي رحمكم من في السماءا. وهذا الحديث رواه سفيان بن عبينة» رضي 
الله عنه» عن عمرو بن دينار قال سفيان: وهو أول حديث لمعنه من مرو م | 
يزل الأئمة من لدن سفيان يرويه بعضهم عن بعض بصفة الأولية إلى أن وصل إلينا 

بصفته» فقد رويته عن عدة من مشايخي بشرطه؛ منهم شيخنا زين العايدين 
الطبري» حدثين به أول ما حدثين» ومنهم الشيخ إبراهيم يم الميمون حدثينٍ أيضا قال: 
وهو أول حديث ”معته من سيد الدنيا الشيخ محمد الرملي!) وأسانيد الحديث 
مذكورة في غيرها من إحازات مشايخناء رضي الله عنهى فلما مع مني شيخنا الملا 
إبراهيم هذا الحديث الشريف واتصلت روايته له بشرطه طلب مين أن أحيزه به 
وجميع مرويانٍ لا رأى لي من اتساع باع في الرواية» ومع مني بعض اشفا 
وثلاثيات البخاري» فتعللت الله له واستعذرت» فلم بد ذلك ع فاستعنت بالله 
وكتبت له بطاقة تضمنت مرغوبه بعد أن ناولته برنامج رواياي فقلت له: اقتطف 
منه ما أردت من الأسانيد وأسماء المشايخ والمسموعات في أي ما فن» لأن استيفاء 
جميعها يطول علي وأنت في غين عن بعضها لوجوده عندك ففعل» رضي الله عند 
وانتخب منه ما أحتاج إليه» فكفانئ مؤنة سرد الأسانيد» وكذلك كنت أفعل مع 
جميع من استجازن في البلاد المشرقية إلا القليل منهم» فمن علمت أنه لا رغبة له 
ف اتساع الرواية وأنه يكتفي بسند أو سندين ما كتبت له ما تيسر» ونص البطاقة 


)1( أنظر: اقتفاء الأثرء» ص: 165. 

(2) كتاب الكني 64:1. 

(3) محمد بن أحمد بن حمزة» شمس الدين بن الشعاب الرملي المنوفي المصري» فقّيه متصوف» ولد 919 
ه وتوفي سنة 4 ه: خلاصة الأثر 3-3 


- 489 - 


ابي كتبت له مجيزاً وصيرتها لموعوده القترح تنجيزا وحادت يما القريحة عنلما 
“معيتها تعجيزا: حمداً لمن قطع باسمه الأول سلسلة الأولية وأبقى باسمه الآخر تسلسل 
الحوادث الأبدية على وفق الأقدار الأزلية» وشكراً لأولي مستحق للحمد والشكر 
من كل ذي أولوية» وأحل محمود ومشكور في العوالم السفلية والعلوية»؛ وأوثئق 
مستند يحسن إليه الاستناد وأصح سند ترفع إليه سلاسل الإسناد الذي لم يستند إلى 
شيء إلا لانفراده بالقيومية والربوبية وإليه يستند كل شيء بحكم المربوبية 
والعبودية» مجير من صح استناده إليه بالمعارف الوهبية» وبجازي من أصفى إلى 
حديث نفسه بتركه مع علومه الكسبية» راحم الرحماء من عباده أهل الخصوصية 
جعلهم مظاهر لأحلاقه ال رحمانية الرحيمة) وصلاة وسلاما شرف قدرهما وفاح 
نشرهما وارتفع ذكرهما وأمر أمرما على أسمى من إلى أعلى السماء يسمى» فأمسى 
وبأسعى الأسماء عند الله وملائكته في السماء يسمى ) ثم أصبح وهو أسئ من كل 
ذي سناء وسما وأسمى» أحلم من تخلق بأخلاقه الحلماء وأحكم من تطفل على 
حكمته الحكماء وأعلم من أسند عنه العلما: ارحموا من في الأرض ب رحمكم من في 
السماء"» إنما يرحم الله من عباده الرحما#. ورضي الله عن آله الطيبين الأطهار 
وعن سائر أزواحه الطيبات والأصهارء أولئك أفضل من نشرت لنشر سؤددهم 
سود الرايات» وسودت بكتب محاسنهم صحف السادات من أهل الروايات» وڪن 
أصحابه المستنين بسنته ف كل سنن» الحاملين عنه الفرائض والسنن» العاضين عليها 
بالنواحد والأسنان» الضاربين عليها عحدد النصل والسنان» الناصرين ها باللسان 
والبنان» القاطعين يي نصرها كل محدول من شراك وعنان» وعن التابعين لهم 
وتابعيهم بإحسان الذين هم المنة بنقل هذا الدين على كل إنسان» فقد هلبوا 
ونقحوا وكتبوا وصححوا وجمعوا فحملوا وردوا فقبلوا ورووا وروواء وما نووا 
فيما نوواء (فما وهنوا لما أصايهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا)© ولا 
تنكبوا عما عليه من نصرة الدين في سائر الأقطار» وكانوا حي انتشرت الشريعة 
ف سائر الأمصار وتحصنت من الزيغ بأسلحتهم في كل الأعصارء فأشرق الدين 
حول الله متألقة أزهاره مترعة حياضه وأفاره» يحمله من كل خلف عدوله 
وأفاضله» ويبلغه من كل سلف رؤوسه أمائله حى وصل إلينا على حين فترة من 
(1) كتاب الكنى 64:1. 

(2) كشف الخفاء 250:1. 


(3) آل عمران: 146. 


- 490 - 


أهله وقلة فرعه وأصلف ولولا أن الله تكفل بحفظه في هذه الملة وحعله فى صدور 
طائفة من الأئمة نحيت منذ أزمان آثاره وتمزق من طول ما لبسه شعاره ودثاره 
ولله الحمد على نعمه ال لا تحصى وأياديه الى لا تستقصى. هذا وإن تمن أهله الله 
لحفظ هذه الرتبة قي هذه التربة» وأحيا به رسوم الشريعة والحقيقة» وأبان به العلوم 
الجلية والدقيقة» وجمع له بين طهارة السر والعلانية» وحعل أعماله كلها على 
بصيرة وعلى نيةء وأتحفه بالوراثة الأحمدية في البلد المحمدية» وطهره عن الأخلاق 
الدنية وحلاه بالوصاف الدينية» شيخنا ومرشدنا ومنعشنا ومنقذنا الملا إبراهيم بن 
حسن الكوران!" ثم الشهران» بل النوراني ثم الصمدان» نزيل طيبة المطيبة» ومزيل 
ا المغيبة) عله الله ی كل أوطاره مهلياء ولعباده في زيل 
أوطارهم هادياء وسلك به مسالك الموفقين رائحا وغادياء ولقد بلغ من اهتمامه 
بأمر الدين وسلوك سبيل الأئمة المهتدين مبلغا لا يرضى فيه لنفسه أن يفوته شىء 
من شوارد العلوم إلا ما اقتنصه بحبالة عزمه» ولا يترك شاذة ولا فادة من 
الكمالات إلا تناوها بسيف حزمه» فلم يدع واديا من أودية الدراية إلا هبطه ولا 
محلولاً من عقود الرواية إلا ربطه» ومن المعلوم أن من معام الرواية الي هي على 
أنصاف الراوي أكبر آية رواية الأعلى عن الأدن والأكبر عن الأصغر حسا ومعين» 
وكأنه می الله قدرى وأنار ف سماء المعالي فجره» أراد هذه الفضيلة تحصيلاء 
وقصد أن يحيط بطرق الرواية جملة وتفصيلاً» فرآن للرواية أهلا وإن لم أذق بين 
أهلها عللاً وملا لإنصافه الذي حاوز الحد وفات العد» فلذلك استجازن وليته 
أحازن» وإلى من هو من أهل الرواية حازن. 
ولا ألزمته نفسي من طاعته وانجماعي على أن من جماعته لم أتلكأ فيما 
طلب مين» و م استعذ بقصوري الظاهر عين» بل امتثلت ما أمر به» وأتيت وانتثلت 
سهم الإصابة من كنانيَ ورمي» فإن قرطست الغرض فببركة همته» وإن أحطأت 
فاجعالة ثابتة ف ذمتف إذ لم يشترط على الإصابةر لانتفاء التقرير بالتقرير أي لست 
من تلك العصابة» فأقول لله مستخيراً وبه مستجيراً: 
[طويل] 


)1( إدراهدم بن حسين: الكردى الكوراني» عارف متصوف» جاور بالمدينة المنورة مدة» توفي عام 1102 
ه: صفوة من انتشرء» ص: 350. 


- 491 - 


بما قد “يعت من شيوخي قراءة 
وكل الذي أرويه نما أجازَّنَ 
وكل الذي جلعة نحَمَاعَهُ 
ما صح أي قد روي لديكم 
وكل الذي في جميامن مُؤلف 
بإسناده إن شئت فاكتب جميغقها 
وأكثرة ماويتني فيه أنت في 
وهب أنني قد فت بالزر مهولا 
وما كنت أهلا أن أجيزك إنما 
ولو أنني استطعت!27 امتناعا لكنت قد 


وكتبت له هذه البطاقة إثر ما اقتطعته من الأسانيد وأسماء المشايخ» فاغتبط 
بذلك» ولا يخفى ما اشتملت عليه هذه النبذة من براعة البدء وسلاسة النظم والنثر 
وحسن التخلص ولطيف الاعتذار وتناسب الفقر وتمكن القوايي» وما أبعد صدور 
مثلها من مثلى لولا أن مكان القول ذا سعة» وأوصاف المخاطب عن أن يحيط ها 
قولي مع ذلك شاسعة. 
ولم أزل مدة إقامي بالمدينة أواصل زيارته وأكثر الترداد إليه ف محله إلا أيام 
مرضي فإنه» رضي الله عنه» كان يتعاهدن بالعيادق فجزاه الله خيراء ولقد حبله 


الله على أخلاق من جحامع الخير قل أن توحد في غيره علماً وعملاً وورعاً وزهادة 


)1( في ط: استطعت. 


من الشيخ أو مني وهم يسمعوئني 
وناولني من بالرواية يعتني 
بشرط لدى أمْل الحديث من 


فاخبر به عني وحدث وعنين 


أجزت به من قبل كل معيّن 


بأي فنونٍ العلم أو من مُدَونٍ 
وإن شئت بعضًا فاقتطف منه واجتن 


3 و 
يقارب قطعا ما بوأنت فتن 


فلم تستفد عشارٌ ما قد أفدلئني 


دعوت فلبيت الدا إذ دعوئئنى 


ابیت وقدمًا كان ذلك يدن 


صلاة لن من ربه حه يدي 


- 492 - 


وتواضعاً وصراً وحلماً واحتمالاً وصدقا وإخلاصا وعدم مبالاة بالنفس» يلبس ما 
تيسر ولا يأكل ما تعس تاركاً لزي متفقهة الوقت ومتصوفته من تكبير العمامة 
وتطويل الأكمام وإرسال الطيلسان ولباس الجوخ» إنما يلبس عمامة متقاربة يرسل 
عذبتها بين كتفيه» ويلبس من متوسط الثياب ما يناسب وقته من حر وبرد» 
وفشت!4) صوف ملون بالأبيض والأسود كما هو لباس عامة أهل الخجان 
وكومية لاطية تحت العمامة» إذا وحده من لا يعرفه قي محل درسه مع أصحابه لا 
يز بينه وبينهم لاختلاطه مې ولعدم تصديره وإظهار التمييز عليهم حى في كلامه 
وتقريره للأبحاث» يبدي ذلك على وحه يشبه المذاكرة والمفاوضة فيقولك لعل كذا 
وكذاء ويشبه أن يكون كذاء أترون أن هذا يفهم على هذاء فإذا رحع ولو أدن 
مراحعة توقف حي يتثبت بيد أن لسانه فيه بعض ثقل ف التقرير بالعربية. وإذا 
كتب فلا تسأل عما يبدي ويعيد في تقريره» وقد قرأت عليه شرح الهداية يي 
الحكمة# لوالد السيد الحرحان قراءة بحث وتدبر وتحقيق من أوله إلى آحره» وكان 
مجلس رضي الله عنف روضة من رياض الحنة» قلما يقرر مسألة من مسائل 
الحكماء إلا وأدرج فيها ما يشاكلها من الحقائق وعقائد المتكلمين» ويبدي ما بين 
كلامهم وكلام العارفين والمتكلمين من التفاوت ويقول: قاربوا العثور على الحق. 
ولا يهتدوا إليه لفقدان نور المتابعة والاستضاءة عشكاة النبوءة» وذلك لأن 
موضوع العلمين ومطلوب الفريقين متقارب» إذ كل منهما البحث فيه إا هو 
على ماهية الوحود المطلق» وأوليته ومتعلقاته وأوصافه وأقسامه وكمييز القدم منه 
من الحادث» إلا أن الحكماء تكلموا في ذلك ببضاعة عقوطم المزحاة فلم يصلوا إلا 
حدس وتخمين وأوهام مستندة إلى تحخاريب وقياسات الغائب على الشاهد» وكل 
ذلك لا يفيد صريح العلم الذي يثلج الصدر. بيد أن الإشراقيين منهم معتمدهم 
على كشوفات تحصل من الرياضات ر الفلسفية وأذواق وإدراكات وجدانية تحصل 
طم من مصاحبة مشايخهم» وهي أيضاً كثيرة الغلط عظيمة الاشتباه» لا يكاد يتميز 
فيها الحق من الباطل» وهي طريقة الأقدمين منهم كأفلاطون. وأول من أحرج 
الحكمة والقوة إلى الفعل وحعل ها قوانين تعليمية من منطق وهندسة تلميذه 
إرسطاء وتسمى حكمة هؤلاء حكمة المشائين لمشيهم حول أساتذقم يتعلمون من 


(1) فشت: الفشاش: الكساء الغليظ: لسان العرب: فششس. 
(2) هو شرح السيد الشريف على بن محمد الحرجانى المتوفى سنة 816 ه على كتاب الهداية: كشسف 
الظنون 2038:2. 


- 493 - 


ألفاظهم وحكمهمء وتسمى حكمة الأولين حكمة الإشراقيين لكون مرحعهم إلى 
ما يشرق في بواطنهم من الحكم والإدراكات» وهي كما قدمنا كثبرة الاضطرابات 
لأن للعقول حذا تنتهي إليه» والمطلوب وراء طور العقل» ولله در القائل: 

[بسيط] 


وللعقول قوى تستر مدى إن تعده ظهرت فيه اضطرابات01 

وقد ألف في كل من الطريقين تاليف قدعة وإسلامية» وأحسن التآليف في 
الأولى تأليف السهروردي المقتول المسمى ب: حكمة الإشراق©» وقد قرأت 
بعضه على شيخنا الملا إبراهيم» وكان صاحبنا بلديه السيد محمد بن رسول ابتداً 
عليه قراءة هذا الكناب. 


إلا نمم مستندون إل التقل ايض واعتمدوا عله ورفضرا ما ا يه من 


ع8 


أقوال الحكماء كقدم العا لم وتأثير الأفلاك» والقول بالعلة والطبيعة» وغير ذلك ما 
هو مقرر في محله. ووافقوه في أشياء كثيرة لم يرد نقل عا يخالفها أو ورد واحتمل» 
فأهل السنة يتمسكون بصريح النقل ويهملون آراء الحكماء ولا يؤولون النقل» 
والمعتزلة بالعكسء ولأحل ذلك أدخل المتكلمون من الفريقين في كتبهم من أقوال 
الحكماء وآرائهم ومذاهبهم وعلومهم ما كاد العلمان به أن يشتبهاء أعني علم 
الكلام وعلم الحكمق حى إن كتب المتأحرين من المتكلمين كالعضد(6 والسعدقا, 
معظمها إنما هو في تقرير مذاهب الحكماءئء فصارت الإلايات والنبويات منها جزء 
من الحزاءء ومع ذلك فقد أبرزوها في قالب تقريراقم واحتجاحاتهم» وإن كانوا 


يخالفونهم فيما لم يوافق عليه النقل. 


(1) الييت مكسور. 1 

)2( كتاب حكمة الإشراق للشيخ شهاب الدين أبي الفتح يحيى بن حبش السهر وردي المقتول بحلب سئة 
7 ه: كشف الظنون 684:1. 

)3( الإشارة هنا إلى شرح العلامة عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي المتوفى سنة 756 ه 
لكتاب: منتهى السول والأمل في علمي الأصل والجدل» للشيخ الإمام جمال الدين أبي عمرو عثمان بن 
عمر المعروف بابن الحاجب المالكي» المتوفى سنة 6 ه: كشف الظنون 1853:2. 

)4( الإشارة هنا إلى شرح سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني المتوفى سنة 791 ه لمفتاح العلوم 
للعلامة سراج الدين أبي يعقوب يوسف بن أبي بكر السكاكي المتوفى سذة 6 كشدف الظتون 1763:2. 


- 494 - 


لطفة:؛: 


ذكر الإمام السمرقندي" في بعض تآليفه كلاماً له يشتمل على تقسيم 
عجيب ف التمييز بين مذاهب العلماء الإشراقيين والمشائين ومذاهب المتكلمين 
والصوفية الْحمَمين» فلنذكره هنا تتميماً للفائدة فقال ما نصه: الطريق إلى معرفة 
المبدإ والمعاد من وجهين» أحدها طريق النظر والاستدلال» وثانيهما طريق أمل 
الرياضة والمجاهدة» فالسالكون للطريقة الأولى إن التزموا ملة من ملل الأنبياء عليهم 
السلام فهم المتكلون» وإلا فهم الحكماء المشاؤون والسالكون للطريقة الثانية وهم 
أهل الرياضة والحاهدة إن وافقوا ف رياضتهم أحكام الشريعة فهم الصوفية 
المتسرعون» وإلا فهم الحكماء الإشراقيون» انتهى. هو کلام عيب تير بسن 
المذاهب» وهو غير مخالف لا قدمنا من الكلام ف مذهب الحكماء والمتكلمين. 

وأما العارفون وامحققون فمعتمدهم في أول الأمر على النقل الصحيح والفهم 
الصريح من الكتاب والسنة من غير إسناد في ذلك ! إلى قول متفلسف تقليداء ولا 
إلى تخمين بعقل وحدس بفكر إلا ما لا بد منه في فهم المنقولات» فيقبلون بكليتهم 
على صدق المتابعة وتزكية النفس وقذيبها على طريق الاقتداء وأفراد الوحهة وقطع 
العلائق حي تشرق أنوار الحق في قلوبكم فتفتح ها أبواب الملكوت فتشاهد بأنوار 
البصائر وصفاء السرائر حقائق الوحود العلوية والسفلية» وتدرك الأشياء الغيبيية 
على ما هي عليه؛ ولذلك لا يقع ف كلامهم غالباً على حقائق الموحودات ما 
يخالف ما أخخبر به عنها مخترعها تعالى ومنشؤها على لسان رسوله الأكرم» صلى 
الله عليه وسلې > وإن ظنه من م يفهم مقاصدهم مخالفاً فذلك لقصور نظره على 
أفم متفاوتون في قوة نور البصيرة ونفوذ الإدراك وصحة الكشف» فقد يخبر أحد 

بخلاف ما أخبر به» وكل منهم صادق لأنه أخبر عا أدرك؛ وفوق كل من 
ذي العلم العليم!©» ومنتهى العلم إ إلى الله العظيم. 

وما أقرب طريقهم من طريق الحكماء الإشراقيين» لولا ما فات الإشراقيين 
من نور التوفيق المسبب عن صدق التابعة» ومن تأمل كلام حكماء العارفين كابن 


:الهداية في الكلام: كشف الظنون 2040:2. 
(2) في ط: عليم. 


- 495 - 


سبعين!؟ والشيخ محي الدين وأضراهما علم قرب ما بين الطريقين في المدرك وبعد 
ما بينهما قي المدرك. 

وقد أطلنا الكلام في هذه المسألة لئلا يستبعد حاهل مزج قراءة كتب 
الحكماء بكلام العارفين الأصفياى ولعمري إن في قراءة كتبهم وفهم كلامهم 
أعظم معين على فهم الحقائق لمن وفق لصدق التابعة» وأيد بصحبة عارف 
کشیخنا الحلا إبراهيم فإنه ما برز على أهل زمانه» ولا فات سات ثر أقرانه إلا بذلل 
فإنه بعد ما تمهر في فهم المعقولات وإدراك أقاويل الحكماء وسبر آرائلهم وفقا 
لصحبة عارف زمانه» فأشرقت أنوار المعارف من مشكاة قلبه الذي كاد زيته 
يضيء ولو لم تمسسه نار» وكذلك كان الإمام الغزالي» رضي الله عنه» وأضرابه 
كما أخبر عن نفسه في كتابه: المنقذ من الضلال بعدما حقق تلك العلوم بأسرها 
وخاض فيها خوض ماهر خريت أدركته العناية الأزلية فصار أمره إلى ما صار. 
وأما من لم يوفق لما وفق إليه من ذكر من صدق المتابعة وصحبة العارفين فهي من 
أعظم الضرر عليه توقعه في مزالق من الأوهام ومتشاكات من الأفها» لا يكاد 
يتحصل على شيء يشد عليه يده لا ينكشف له فهم يثق عا أداه إليه إلا سرى به 
إلى فهم آخر يصير معه الاعتقاد الأول شك ووهماً. ثم كذلك إلى هلم جراء وذلك 
شأن من ينتقل من كون إلى كون» والأكوان كلها ظلمة وخيالات وأوهام لا 
تخرج من وهم إلا إلى وهم؛ ومن وفق انتقل من کون إلى مکون» ولا يكون ذلك 
إلا به فمن > انتقل بالله وصل إلى الله ومن انتقل بنفسه وعقله الذي هو من جملة 
الأكوان لم يصل إلا إلى الكون الذي انتقل منه» ولله در العارف ابن عطاء الله إذ 
قال0: لا ترحل من کون إلى کون فتكون كحمار الرحى [يسير وامکان] الذي 
انتقل منه هو الذي انتقل إليه» ولكن ارحل عن الأكوان إلى المكوّن. (وإن إلى 
ربك المنتهى)". 


)1( عبد الحق ابن سبعين: من كبار المتصوفة بالغرب الإسلامي» توفي بمكة المكرمة سنة 667 ه: 
شجرة النور الزكية 281:1. الأعلام 280:3. 

(2) الدكم» ص: 112. 

(3) إضافة من الحكم. 

(4) النجم: 41. 


- 496 - 


وحل المكون أن يصل إليه أحد إلا بتوصيله» فمن طلب الحق بالحق وصل 
إلى صريح الحق» ومن طلب الحق بغير الحق لم يصل إليه أبداء وكل ما سوى الله 
فليس بحق لأنه خيال ووهم إن فتشته لم تحد شيئاء والحق ليس كذلك. 

وقد قرأت عليه» رضي الله عنه» طرفا من شرح المواقف للسيد» قال» رضي 
الله عنه» في إحازته لي ما نصه: وقد قرأ علي طرفا من شرح المواقف للشريف 
المرحان» قدس سره قراءة دراية» واحترنا من مباحثه ما يكون سلما إلى فهم 
الحقائق!؟. ه كلامه. والذي اختار لي من ذلك هو مبحث الوحود هل هو 
مقول بالاشتراك على إفراده أو بالتوطقء وكلام السيد» رضي الله عنه» في ذلك 
غاية في التحقيق؛ وهو أرقب من رأينا من المتكلمين لمذاهب العارفين وأكثرهم 
عثوراً على مقاصدهم» و م لا يكون كذلك وقد سلك على يد غوث الزمان 
الشيخ علاء الدين العطار البخاري أحل حلفاء الإمام القطب نقشبند» رضي الله 
عنهم» ودخل في طريق القوم على يديه وترك ما كان عليه من أيمة المدرسين» 
فأشرقت أنوار المعارف من قلبه» وظهرت عليه بركات صحبة القوم؛ وكان» 
رضى الله عنه» من جماعة الملا سعد الدين التفتزان ومن أكابر أصحابه حي برز 
عليه في حیاته» وكتب على كثير من مصنفاته كتابات أبانت عن إنافته عليه في 
تحقيق العلوم؛ وقد حصلت بينه وبينه مناظرة في بجلس تمرلنك سلطان ما وراء التهر 
فأفحمه ثم اعتذر إليه بعد ذلك» وقد أخحبرن بعض المشايخ أن السعد وجماعته 
وفيهم السيد قدموا لزيارة بعض المشايخ العارفين» فلما حلسوا بين يديه قال هم 
ذلك العارف أيكم تماص عن هذه الوظائف وبدرك هذا المنصب وحاهه لدنيري 
وأنا أوصله إلى الله في أقرب مدةء فضن الملا سعد الدين برياسته» وكانت له رياسة 
كبيرة في آخخر عمره وجاه عند الأمراء وحلالة قدر عند أرباب الدولة وغيرهم من 
العوام» فقال السيد لذلك العارف: أنا أنخلع من رياسيّ وأترك هذه الوظائف 
العلمية والمناصب الدنيوية» فقبل منه ذلك وصرف هته إليه» فانتفع بذلك في 
أقرب مدة ولم يسم لي من ”معت ذلك منه العارف الذي سلك على يديه حى 
رأيت في كتاب الرشحات2 للكاشفي أنه صحب الشيخ علاء الدين العطار 


)1( إتحاف الأخلاء» ص: 123. 
(2) رشحات عين الحياة: كتاب فارسي في مناقب مشايخ النقشبندية ورسوم طريقهم ضمنا لحسين بن علي 
الواعظ الكاشفي البيهقي المشتهر بالصفي: كشدف الظنون 1844:2. 


- 497 - 


وصحب أيضا تلميذه الشيخ نظام الدين الخاموش بأمر شيخه علاء الدين رضي الله 
عنهم آمين. فعلمت أنه هو الذي وقع له معه ذلك. 

وقرأت عليه أيضاً في علم الحقائق التحفة المرسلة إلى رسول الله صلى الله 

عليه وسلم للشيخ محمد بن فضل الله الحندي!؟ أجل تلامذة الشيخ الإمام وحيه 
الدين العلوي» فهو في طريق خو شيخ مشايخنا الفاضل» العلامة الجامع بين علم 
الظاهر والباطن» سيدنا صبغة الله بن روح الله الحسيي» قلس سره» وهي رسالة 
صغيرة مفيدة حدا في وحدة الوحود سيأن إن شاء الله ذكرها في آخخر الترجمة 
وسماها: التحفة المرسلة لكون عادة العلما ف بلاد العراق وامند بل ومصر 
والحجاز» إذ ألف أحدهم كتاباً أحاد فيه وأتقنه أتحف به ملك قطره وحعله برسمه 
واسمه» وهذا الإمام أحزل الله ثوابه لم ير في الوحود أعظم ولا أفخم قدراً من 
رسول الله» صلی الله عليه وسلې» > فجعل رسالته هذه تحفة مرسلة إلى روحه» صلى 
الله عليه وسلم» > لكونه هو أصل الموحودات ومنبع فيضها ومددها على احتلاف 
أحناسها وامتداد فروعها لأن روحه المقدسة أول مخلوق على ما جاء في 
الأحاديث» فكأن الرسالة موضوعة فيه» صلى الله عليه وسل فناسب إرساا إلي 
ولقد أصاب مرسلها وأتى البيوت من أبواقاء ووفق لما ذهل عنه غيره من صه 
الدنيا وزهرقاء ولذلك عمت بر كة هذه الرسالة. ولقد أخبرني شيخنا الملا إبراهيم 
أن بعض أصحابنا الحاورين» و كان يقرؤها عليه إذ ذاك» ونحن هناك أنه أخيره أن 
هذه الرسالة ببلادهم قد طار صيتها واشتهر أمرهاء فصارت تقرأً في المكاتب 
ويتعلمها الأولاد» كالرسائل الصغار الي في مبادي العلوم» ولقد علم كل منصف 
أن ذلك إنما حصل ها ببركة نسبتها إلى النبي» صلى الله عليه وسل وبركة نية 
مؤلفهاء وإلا فهذا العلم قد صار من الغرابة بحيث أنكرته أذواق كثير من فحول 
العلماء الحققين» » فضلا عمن دوم من الترمين» فضلاً عن العوام» فضلاً عن 
صبيان المكاتب» ولكن إذا أراد الله بعبد خيراً حبب إليه الإمان وزينه في قلبه وزين 
إليه أسبابه» فكما يوفق العبد ثي صغره إلى أحذ العقائد الدينية الواحبة على عامة 
المومنين فيتاقفها تقليداً من غير أن يحصل له كبير فهم لمعانيها حي إذا تكامل عقله 
وبلغ مبلغ المد ركين لحقائق العلوم سهل عليه إدراك معانيها وانشرح صدره لقبول 
أنوارها لا لفعاها قبل تقليداء فكذلك عقائد الأكابر ال لا يدركها عوام الخلق إذا 


(1) محمد بن فضل الله الهندي» زاهد متصوف» توفي ببلده سنة 1092 ه الأثر 110:4. 


- 498 - 


وفق العبد لأحذها في صغره تلقيناء ثم خلق الله له في كبره استعدادا لفهمها وجمعه 
بعارف عد بأنواره في تحقيقها انشرح صدره لقبول ذلك وفهمه وإدراكه بسرعة 
بلا كبير مؤنة لإلفه لسماعه واعتقاده تقليداء لكن الذي ظهر لي أنه الحق أولى 
بالصواب» وأظنه هو الواقع عندهم في بلادهم أن يلقن الصبي أولا العقائد 
المشهورة المألوفة ال كلف وا سائر الخلق الظاهرة من نصوص الكتاب والسنة 
وأقوال السلف الصالح؛ ويؤمر بقراءة صغار الرسائل المؤلفة في ذلك لأئمة أفل 
السنة» ثم بعد ذلك» إن شاء ولي أن يقرئه أيضا شيئا ما هو خاص بعقائد الأكابر 
تيمنا بكم وتبركا بكلامهم» ويعلمه أن هذا الذي لقنه الآن ليس هذا وأن فهمه 
وأن له رحالاً خصوصين هم صفوة الحق من عباده وخافاء أنبيائه قلوهم مملوءة 
.کعرفته ومحبتى لم يبق فيها مساغ لغيره وتكون فائدة تلقينه ذلك في الصغر أن لا 
يشا على جمود القريحة على ما اعتادته أولا وتلقفته من الصغرء فيعتقد أن ليس 
هناك أمر وراء هذا ولا فهم أعلى منه ولا ذوق أحلى عنحه الله من شاء من 
خالص أحبائه» زيادة على ما علمه غيرهم من عوام الخلق غير مناف لا في الكتاب 
والسنة ولا مباين لما أمر باعتقاده عوام البشرء إلا أنه أعلى منه وأدق وأرق وأصفى 
وأحلى وأغلى» فإن اعتقاد العبد أن ليس وراء ما أدركه من العلوم والمعارف مرمى 
ولا مطلب أعظم حجاب وأكبر منافع له عن الوصول إلى ما وصل إليه غير 
خحصوصا هذه العلوم الي هي أذواق ومعارف وكشوفات خفية وإدراكات وهبية 
غير مكتسبة) > فتعمل ولا متسلق عليها عجرد بضاعة العقل» فقلما تحصل لمن لم 
يتقدم له حسن ظن بأهلها واعتقاد وحودها وتعظيم أربابماء ولذلك والله أعلم زاد 
المأحرون من العلماء في ذكر العقائد الي ينبغي اعتقادها وإن لم تكن من الإلهيات 
ولا من النبويات اعتقادا أن الأئمة أرباب المذاهب على هدى من ركم لئلا ينشأ 
المكلف على ردئ التعصب لبعضهم المؤذي إلى تضليل الباقين» فيحرم بركة 
الانتفاع بأقاويلهم وأقاويل أصحايمم» فيفوته حانب عظيم من علوم الديانة» إذ ما 
من علوم الشريعة إلا وقد ألف فيه أرباب المذاهب كلهم» والمشتغل بذلك الفن لا 
يقتصر على كتب أهل مذهبه فيه» فكم من مالكي انتفع بكتب الشافعية في 
التفسير والحديث والتصوفء وبالعكس» فلو كان المشتغل بقراءة هذه الكتب لا 
يعتقد تعظيم أصحابما ولا هدايته لقل انتفاعه ما أو عدم رأساء ولأحل ذلك أيضا 
ينبهون في العقائد على أن طريق الحنيده رضي الله عنه وصحبه طريق مقوم مقدم» 
وكذلك الإمام الشاذلي والجيلي وأضراكم من رؤساء أئمة الصوفية الذين لهم 


- 499 - 


مذاهب معروفة في طريق القوم وآراء منتخبة إذا اعتقد الإنسان من حال صغره 
عظمتهم ومحبتهم وأهم على هدى» ساقه ذلك في كبره إلى الاقتداء يكم وأقباع 
طريقهم؛ واعتقاد ما يسمع من كلامهم ولو لم يفهم معناه لعلمه أن قائليه أل 
حق وهدى وبصائر نافذة وقلوب مطهرة والله تعالى أعلم» فلنذكر رسالة التحفة 
المرسلة بتمامهاء لوحازقا وغرابتها في مغربناء فأقول: قرأت على شيخنا الملا 
إبراهيم وسمعت منه بلفظي بسنده إلى مؤلفها قال: باسم الله الرحمن الرحيم (الحمد 
لله رب العالمين والعاقبة للمتخلي عن الكونين؛ فلنذكر التحفة: باسم الله الرهن 
الرحيم)!؟؛ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما(۴» الحمد لله 
رب العالمين والعافية للمتحلي عن الكونين» والصلاة والسلام على المظهر الأتم؛ 
محمد وآله وأصحابه أجمعين» أما بعد» فيقول العبد الضعيف المذنب الحتاج إلى 
شفاعة البي» صلى الله عليه وسلم محمد بن الشيخ فضل الله: هذه نبذة من 
الكلمات في علم الحقائق جمعتها عحض فضل الله وكرمه» وحعلت ثواها لروح 
البي» صلی الله عليه وسلم» > ومميتها بالتحفة المرسلة إلى الي صلى الله عليه 
وسلمء (وأسال الله أن يبلغ ثواما إليه)!© إنه على كل شيء قدير وبالاحابة حدير. 


اعلموا إخوان» أسعدكم الله وإياناء أن الحق سبحانه وتعالى هو الوحود 
وأن ذلك الوحود ليس له شكل ولا حد ولا حصرء ومع ذلك ظهر وتجلى 
بالشكل والحد و لم يتغير عما كان من عدم الشكل وعدم الحد» بل الآن كما 
كان» وإن ذلك الوحود واحد والإلباس مختلفة ومتعددة» وأن ذلك الوحود حقيقة 
جميع الموحودات وباطنهاء وأن جميع الكائنات حي الذرة لا تخلو عن ذلك 
الوحود» وأن ذلك الوحود ليس ععئ التحقق والحصول أنهما من المعان المصدرية 
ليسا عوحودين ف الخالق» فلا يطلق الوحود ذا المع على الحق الموحود في 
الخارج» تعالى عن ذلك علوا كبيراء بل عنينا بذلك الوحود الحقيقة المتصفة كمذه 
الصفات» عي وحودها بذاتها ووحود سائر الموحودات كا وانتفاء غيرها في 
الخارج؛ وأن ذلك الوحود من حيث الكنه لا ينكشف لأحد ولا يدركه العقل ولا 
الوهم ولا الحواس» ولا يتأتى ثي القياس لأن كلهن محدثات» والحدث لا يدرك 
كنه المحدث» تعالى ذاته وصفاته عن الحدث علو كبيراء ومن أراد معرفته من هذا 


(1) ما بين قوسين ساقط من ط. 
(2) ساقط من ط. 
(3) زيادة من ط. 


- 500 - 


الوحه وسعى فيه ضيع وقته» وأن لذلك الوحود مراتب كثيرة: المرتبة الأولى: مرتبة 
أن لا تعين» والإطلاق والذات البحث لا ععين أن قيد الإطلاق ومفهوم سلب 
التعين ثابتان في تلك المرتبة» بل ععن أن ذلك الوحود في تلك المرتبة مته عن 
إضافة النعوت والصفات ومقدس عن كل قيد حي عن قيد الإطلاق أيضاء وهذه 
المرتبة مى عرتبة الأحدية» وهي كنه الحق سبحانه وتعالى» وليس فوقها مرتبة 
أخرى بل كل المراتب تحتها. والمرتبة الثانية: مرتبة التعين الأول» وهي عبارة عن 
علمه تعالى بذاته وصفاته وجميع الموحودات على وحه الإجمال من غير امتياز 
بعضها عن بعض» وهذه المرتبة تسمى بالوحدة والحقيقة الحمدية. المرتبة الثالئة: 
مرتبة التعين الثاني» وهي عبارة عن علمه بذاته وبصفاته وبجميع الموحودات على 
طريق التفصيل» وامتياز بعضها عن بعض» وهذه المرتبة تسمى بالواحدية والحقيقة 
الإنسانية» فهذه ثلاث مراتب كلها قديعة» والتقدتم والتأخير عقلي لازمان. 
والمرتبة الرابعة: مرتبة الأرواح» وهي عبارة عن الأشياء الكونية الحرّدة البسيطة الي 
تظهر على ذواقا وعلى أمثاها. والمرتبة اللخامسة مرتبة عام المثال» وهي عبارة عن 
الأشياء الكونية المركبة اللطيفة الى لا تقبل التجزيء والتبعيض ولا الخرق ولا 
الالتنام. والمرتبة السادسة: مرتبة عالم الأحسام وهي عبارة عن الأشياء الكونية 
المركبة الكثيفة الي تقبل التجزيء والتبعيض والخرق والالتئام. والمرتبة السابعة: 
المرتبة الجامعة لجميع المراتب المذكورة الجسمانية والنورانية والوحدة والواحدية» 
وهي التجلي الأخير واللباس الأخير» وهو الإنسان. فهذه سبع مراتب» الأولى منها 
هى مرتبة أن لا ظهور» والستة الباقية منها هى مراتب الظهور الكلية» والأخيرة 
منهاء أعينٍ الإنسان إذا عرج وظهر جميع المراتب المذكورة مع انبساطها يقال له 
الإنسان الكامل» والعروج والانبساط على الوحه الأكمل كان ثي نبينا محمد 
صلی الله عليه وسلې > ولهذا كان حاتم النييئين» وأن أسماء مرتبة الألوهية لا يجوز 
إطلاقها على مراتب الكون والخلق» وكذا لا يجوز إطلاق أسماء مراتب الكون على 

مرتبة الألوهية» وأن لذلك الوحود كمالين» أحدهما كمالي ذاني» وثانيهما كمالي 
أسعائى» وأما الكمال الذان فهو عبارة عن ظهوره تعالى له على نفسه بنفسه فى 
نفسه لنفسه بلا اعتبار الغير والغيرية» والغئ المطلق لازم لهذا الكمال الذان» ومع 
الغى المطبلق مشاهدته تعالى في نفسه جميع الشؤون والاعتبارات الإلية والكيانية 
مع أحكامها ولوازمها ومقتضياتها على وحه كلي جملي لاندراج الكل في البطون 
الذاني ووحدته كاندراج جميع الأعداد في الواحد العددي» وإغا ميت غين مطلقا 


- 501 - 


لأنّه تعالى هذه المشاهدة مستغن عن ظهور العام على وجه التفصيل لا حاحة له 
في حصول المشاهدة إلى العام وما فيه» لأن مشاهدة جميع الموحودات حاصلة له 
تعالى عند اندراج الكل في بطونه ووحدته. وهذه المشاهدة تكون شهوداً غيبياً 
علمياً كشهود اللفصل في امحمل الكثير والكثير ف الواحد» والنخلة مع الأغصان 
وتوابعها فى النواة الواحدة. وأما الكمال الأمعائى فهو عبارة عن ظهوره تعالى 
لنفسه على نفسه وشهوده شهوداً عياناً عينياً وحودياً كشهود احمل الفصل 
والواحد في الكثير والنواة قي النخلة وتوابعهاء وهذا الكمال الأسمائي من حيث 
التحقق والظهور موقوف على وحود العام وما فيه لأن معناه السابق لا يحصل إلا 
بظهور العالم على وحه التفصيل» وأن تلك الوحود ليس بحال ف الموحودات ولا 
متحد يما لأن الحلول والاتحاد لا بد هما من وحودين سحي يحل أحدهما في الآخر 
أو يتحد أحدها بالآخ والوحود واحد لا تعدد له أصلاً وإغا التعدد ف الصفات 
على ما يشهد به ذوق العارفين ووحدافم» وأن العبودة والتكاليف والراحة 
والعذاب والآلام كلها راحعة إلى التعينات» وأن ذلك الوحود باعتبار مرتبة 
الإطلاق متره عن هذه الأشياء كلهاء وأن ذلك الوجود حيط بجميع ال موحودات 
كإحاطة الملزم والموصوف بالصفات لا كإحاطة الظرف بالمظروف والكل بالجزى 
تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. وأن ذلك الوحود كما أنه باعتبار حض الإطلاق 
وسار ف ذوات جيع الموحودات بحيث يكون ذلك الوحود في تلك الذوات عين 
تلك الذوات» كما كانت تلك الذوات قبل الظهور قي ذلك الوحود عين ذلك 
الوحود» كذلك الصفات الكاملة لذلك الوحود باعتبار كليتها وإطلاقها سارية ف 
جميع صفات الموجودات عين صفات الموجودات» بحيث تكون تلك الصفات 
الكاملة في ضمن صفات الموحودات عين صفات الموحودات» كما كانت صفات 
الموحودات قبل الظهور في تلك الصفات الكاملة عين الصفات الكاملة) وأن العام 
مجميع أحزائه غير الصفات الكاملة أعراض» والمعروض هو الوحود» وأن للعالم 
ثلاثة مواطن» أحدها التعين الأول» ويسمى فيه شؤونيارٍ وثانيهار التعين الثان» 
ويسمى فيه أعياناً ثابتق» وثالثها التعين في الخارج ويُسَمّى أعيانا خارحية: وأن 
الأعيان الثابتة ما خمت رائحة الوحود وإغا الظاهر أحكامها وآثارهاء وإن المدرك 
أولاً في كل شيء هو الوحود وبواسطته يدرك ذلك الشيء كالنور بالنسبة إلى 
سائر الألوان والأشكال» ولأحل دوام الظهور وشدته لا يعلم هذا الإدراك إلا 
ا خواص» وأن القرب قربان: قرب النوافل وقرب الفرائض» أما قرب النوافل فهو 


- 502 - 


زوال الصفة البشرية وظهور صفاته تعالى بأن يحبي وعيت بإذنه تعالم» ويسمع 
ويبصر من جميع حسده لا من الأذن والعين فقط» وكذا يسمع المسموعات من 
بعيد ويبصر الميصرات من بعيد» وعلى هذا القياس» وهذا معي فناء الصفات من 
صفات الله تعالى» وهو ثرة النوافل. 
وأما قرب الفرائض فهو فناء العبد بالكلية عن شعور جميع الموحودات» حى 
عن نفسه أيضا بحيث م ببق في نظره إلا وحود الحق سبحانه وتعالى» وهذا مع 
فناء العبد في الله تعالى وهو ثمرة الفرائض» وإن من القائلين بوحدة الوحود من يعلم 
أن الحق سبحانه وتعالى حقيقة جميع الموحودات وباطنها علماً يقينيا ولكن لا 
يشاهد الحق سبحانه وتعالى في الخلق» ومنهم من يشاهد الحق ي الخلق شهودا 
حاليا بالقلب» وهذه المرتبة أعلى وأولى من المرتبة الأولى؛ ومنهم من يشاهد الحق 
في الخلق والخلق في الحق» بحيث لا يكون أحدهما مانعا عن الآخرء وهذه المرتبة 
أولى وأعلى من المرتبتين السابقتين» وهي مقام الأنبياء والأقطاب عتابعتهم» ومن 
ا محال أن تحصل المرتبة المتوسطة من تلك المراتب الثلاث لمن حالف الشريعة 
والطريقة فضلا عن المرتبة الأخيرة الى هي أعلى مما سواها من المرتبتين» وأن جميع 
الموحودات من حيث الوحود هي عين الحق سبحانه وتعالى» ومن حيث التعين غير 
الحق سبحانه وتعالى» والغيرية اعتبارية» وأما من حيث الحقيقة فالكل هو الحق 
سبحانه وتعالى» ومثاله الحباب والموج وكور الثلج فإن كلهن من حيث الحقيقة 
الما ومن حيث التعين غير الماء» وكذا السراب من حيث الحقيقة عين الطواء ومن 
حيث التعين غير الوا والسراب في الحقيقة هواء ظهر بصورة الماء. أما الدلائل 
الدالة على وحدة الوحود فهى كثيرة إما من القرآن بقوله عز وحل: (ولله المشرق 
والمغرب فأينما تولوا فئم وحه الل)۴» (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد)۴» (وهو 
معكم أينما كنتم)!» (و نحن أقر ب إليه منكم ولكن لا تبصرون)» (إن الذين 
يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم)!5 (هو الأول والآحر والظاهر 
والباطن وهو بكل شيء عليم)» (وفي أنفسكم أفلا تبصرون)"» (وإذا سألك 


(1) البقرة: 114. 
(2) ق: 16. 

)3( الحديد: 4. 
(4) الواقعة: 88. 
(5) الفتح: 10. 
)6( الحديد: 3. 


- 503 - 


عبادي عي فإنٍ قريب) 22 (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى)61 ووكان الله 
بكل شيء حيطا إلى غير ذلك من الآيات الكرعة. 

وأما من أقواله» صلی الله عليه وسلم » فقوله: أصدق كلمة قالتها العرب 
كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل 6 إن أحدكم إذا قام إلى الصلاة فإغا 
يناحي ربه فإن ربه بينه وبين القبلة. وقول صلی الله عليه وسلې > عن الله تعالى: 
ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حى أحبه» فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع 
به وبصره الذي يبصر به» ويده الي يبطش يماء ورحله الي عشي بماا. وقوله صلى 
الله عليه وسلم: إن الله تعالى يقول: يا ابن آدم مرضت فلم تعدن"» إِلم. وروی 
الترمذي يي حديث طويل: والذي نفس محمد بيده لو أنكم دليتم بحبل إلى الأرض 
السفلى طبط على الله تعالى!©» ثم قرأ عليه الصلاة والسلام إ(هو الأول والآحر 
والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم)2© إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة. 


وأما من أقوال الأئمة العارفين بالله الدالة على وحدة الوحود فكثيرة كثرة 
بحيث لا تأ في العد والحصرء ولذا لم أذكرهاء وإن شئت فعليك عطالعة نسخهم 

تحد إن شاء اله تعالى أيها الطالب إذا أردت الوصول ار الله تعالى فالزم متابعة 
البي» صلی الله عليه وسلې أولاً قولاً وفعلاً ظاهراً وباطناً» ثم أفعال مراقبة وحدة 
الوحود ثانيا الت هي معن الكلمة الطيبة من غير اشتراط الوضوء وإن وحد فهو 
أولى» ولا تخصيص وقت دون وقت ومن غير ملاحظة النفس دعولا وخروحاً في 
المراقبة» ولا ملاحظة حروف الكلمة الطيبة» بل لاإ تلاحظ إلا المع فقط ف كل 
حال» قائما أو قاعداً ماشياً أو مضطجعاً متح ركاً أو ساكناً شارياً أو آكلا. 
وطريق المراقبة أن تنفي إنيتك إلا هذه الإنية» وهي معن لا إله» ثم تنبت الحق 


(1) الثاريات: 21. 

(2) للبقرة: 185. 

)3( الأنفال: 17. 

)4( النساء: 125. 

(5) صحيح مسلم 1768:4. 
(6) المعجم الأوسط 139:9. 
(7) صحيح مسلم 90:19. 
(8) كشف الخفاء 125:1. 
)9( الحديد: 3. 


- 504- 


سبحانه وتعالى في باطنك ثانياً» وهو معن إلا الله. فإن قلت: إذا كان الوحود 
واحدا وغيره ليس عوحود فأي شيء ينفي وأي شيء يثبت؟ قلت: وهم الغيرية 
والاثنينية الذي نشأ للحلق» وهذا الوهم باطل» فعليك أن تنفي هذا الوهم أولا ثم 
تثبت الحق سبحانه وتعالى ف باطنك ثانيا. واعلم أيها الطالب إذا غلب عليك 
الخال بفضل الله تعالى لا تقدر على نفي إنيتك الوعمية» بل لم يبق فيك إلا إثبات 
الحق سبحانه وتعالى» رزقنا الله تعالى وإياكم هذا المقام بحرمة النبي» صلى الله عليه 
وسلم» آمين يا رب العالمين. 


وما قرأته عليه أيضاً إحازة الشيخ حي الدين بن العربي الجائمي» رضي الله 
عنه» كتب ها لبعض ملوك وقتها؟ ونصها مع بعض اختصار من آخرها: : باسم الله 
الرحمن الرحيم وبه ثقي» الحمد لله رب العالمين» والصلاة والسلام على سيد 
ا مرسلين» أقول: وأنا محمد بن علي بن العربي الجاتمي» وهذا لفظي استخرت الله 
تعالى أحزت للسلطان الملك المظفر بماء الدين غازي بن الملك العادل المرحوم إن 
شاء الى أي بكر بن أيوب وأولاده ولمن أدرك محياي الرواية عن من جميع ما 
رويته عن أشياخي من قراءة وماع ومناولة وكتابة وإحازق وجميع ما ألفته 
وصنفته من ضرب العلم وما لنا من نثر ونظم على الشرط المعتبر بين اهل هذا 
الشأن» وتلفظت بالإحازة عند تقييدي هذا الحظ وذلك في غرة الحرم سنة انين 
وثلاثين وستمائة كحروسة دمشق) وكان استلعاؤه أن أذكر له من أسماء شيو حي 
ما تيسر لي ذكره منهم وبعض مسموعاتن وما تيسر من أسماء مصنفاني» فأحبت 
استدعاءه ونفعنا الله وإياه بالعلم» > وحعلنا وإياه من أهله إنه ولي كر فمن 
شيو نحنا أبو بكر محمد بن خلف بن صاقي اللخمي؛ > قرأت عليه القرآت الكرع 
بالقراءات السبعة والكتاب الكافي© لأبي عبد الله محمد بن شريح الرعيئ المغربي 
في مذاهب القراء السبعة المشهورين» وحدئ به عن ابن المواق أبي الحسن شريح 
بن محمد بن محمد الرعيئ عن أبيه المؤلف. وحدثي من شيوخنا في القرآن أيضا أبو 
القاسم عبد الرحمن بن غالب الشراط من أهل قرطبة قرأت عليه أيضاً القرآن 
الكريم بالكتاب المذكورء وحدثن به أيضا عن ابن المؤلف. 


)1( هو الملك المظفر بهاء الدين غازي بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب» من ملوك الدولة الأيويية» 
توفي سنة 645 ه: فهرس الفهارس 317:1. الأعلام 112:5. 

)2( الكافي في القراءات السبع لأبي عبد الله محمد بن شريح بن أحمد الرعيني الإشبيلي المتوفى سئة 476 
ه: كشدف الظئون 1379:2. 


- 505 - 


ومن مشايخنا أيضا القاضي أبو محمد عبد الله الباءي عدينة فاس» حلي 
بكتاب التبصرة في مذاهب القراءات السبعة" لأبي محمد بن طالب المقري عن أبى 


بحر سفيان بن العاصي عن المؤلف بجحميع تواليف مكي أيضاء وأحازن إحازة 
عامة. ومن شيوخحنا أيضا القاضي أبو بكر محمد بن أحمد بن حمزة» ”معت عليه 


كتاب التيسير© لأي عمرو الداي» حدثينٍ عن أبيه عن الولف وجميع تو اليف 
الدان وأحازن إجازة عامة. . ومن شيو تحنا القاضي أبو عبد الله محمد بن سعيد بن 


زرقون الأنصاري۴ “معت عليه كتاب التفضي “ لأبي عمر بن عبد البر النميري 
الشاطبي» وحدثنٍ به عن أبي عمران موسى بن أب بكر عن المؤلف وججميع تواليفه 
متل: الاستذ كارا والتمهيدا والاستيعاب" والانتقال©» وأحازن إحازة عامة 
وأحاز أن أروي عنه جميع توالفيه. . ومن شيوخنا المحدث أبو محمد عبد الحق بن 
محمد بن عبد ال رحمن بن عبد الله الأزدي الإشبيلي 80 وحدئئ بجميع مصنفاته ف 
الحديث» وعد لي من أسمائها: تلقين المبتدئ والأحكام الصغرى والكبرى 
والوسطى وكتاب التهجد وكتاب العاقبة ونظمه ونثره» وحدئُنٍ بكتاب الإمام أبي 
محمد علي بن أحمد بن حزم عن أبى الحسن شريح بن محمد بن شريح عنه. 

ومن شيوخنا عبد الصمد بن محمد بن الفضل بن خراساني معت عليه 
صحيح مسلم حدئي به عن الفراذمي عن عبد الغافر الفارسي عن الجلودي إل 


(1) التبصرة في القراءات السبعة للشيخ الإمام أبي محمد مكي بن أبي طالب المقري القيسي المتوفى سنة 
7ه في خمسة أجزاء وهو من اشهر مصنفاته: كشف الخلنون 1 . 

)2( التيسير في القراءات السبع للامام أبي عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان الداني المتوفى سنة 444 ه: 
كشدف الظنون 520:1. 

)3( أبو عبد الله محمد بن سعيد ابن زرقون الأندلسي» ققيه حافظ؛ له كتاب الأنوار في الجمع بين المنتقى 
والاستذكار» توفي بإشييلية سدنة 585 ه: : شرف الطالب, ص: 65. 

)4( كتاب التفضي بحديث الموطأ للحافظ أبي عمر بن عبد البر يوسف بن عبد الله القرطبي بن عبد البر 
النمري القرطبي المتوفى سنة 3 ه: كتدف الظلئون 2: 1907. 

(5) الاستذكار لمذاهب أئمة الأمصار وفيما تضمنه الموطأ من المعائي والآثار لابن عبد البر النمري 
القرطبي المتوفى سنة 463 ه: كشّف الظلنون 78:1 

(6) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسائيد للحافظ أبي عمر بن عبد البر: كدف الظنون 484:1. 

)7( الاسدتيعاب في معرفة الأصحاب لابن البر النمري القرطبي: كششدف اللنون 81:1. 

)8( الاذتفاء للمذاهب الثلاثة لأعلماء يعني مذهب مالك وأبي حذيفة والشافعي لابن عبد البر القرطبي: 
كشدف اللنون 175:1. 

)9( عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حسين الأزدي» أبو محمد» من أحهل إشييلية ذقيه حافظء» 
خرج من وطنه ونزل بجاية بعد الخمسين وخمسمائة» له عدة مصنفات منها كتابه في الأحكام؛ وهو 
نسختان كبرى وصغرى» وكتاب التهجد» وكتاب العاقبة» وكتاب تلقين الوليد» توفي ببجاية آخر سئة 582 
ه: التكماة لكتاب الصلة 120:3. 


- 506 - 


وأحاز لي إحازة عامة. ومن شيوخنا يونس بن ييى العباسي الطاشمي نزيل مكة 
معت عليه كتبا كثيرة في الحديث والرقائق منها صحيح البخاري» حدثن به عن 
أبي الوقت عن الداودي» إل. من شيوخنا المكيين أبي شجاع زاهر بن رستم 
الصبهانى إمام المقام بالحرم الشريف» ”معت عليه كتاب أبي عيسى الترمذي» 
حدئْنٍ به عن الكرخي عن العورحي عن الخزاعي عن الحبوبي أحاز لي إحازة 
عامة. ومن شيوخنا البرهان نصر بن أبى الفتح بن علي الحضرمي إمام مقام الحنابلة 
بالحرم الشريف “معت عليه كنبا كثيرة منها السنن لأبي داوود السجستان حدثئ 
اء عن أبي جعفر بن محمد بن علي بن محمد السمناني» عن أبي بكر احمد بن علي 
بن ثابت الخطيب» عن أبى عمر القاسم بن حعفر الهاي البصري» عن أبى محمد 
بن أحمد بن عمر اللؤلؤي» عن أبى داوود» وأحاز لي إحازة عامة وحدثئ بكتب 
الخطيب. ومن شيوخنا محمد بن أ الوليد بن أحمد بن محمد بن شبل» قرأت عليه 
كتبا كثيرة من تواليفه وناولئ کتابا يُسَمَّى نائب اختهد وكتاب المقصد 
والأحكام الشرعية من تواليفه. ومن شيوخنا أبو عبد الله بن علون حدثئ بكتب 
القاضي أبى بكر محمد بن عبد الله ابن العربي المعافيري عنه أحاز لي إحازة عامة. 
ومن شيوخنا عبد الله بن عمر بن أحمد ابن منظور الصفار حدثني بكتب الواحدي 
كتابة عن عبد الله الخبار بن محمد بن أحمد الحواري عنه. ومن شيوخنا أبو الوائل 

بن العربي “معت منه سراج المهتدين للقاضي ابن العربي!؟ ابن عمه» حدثنٍ به عنه 
وأحاز لي إحازة عامة. ومن شيوخننا أبو الثناء حمود بن ع المظفر اللبار حدثئٍ بكتب 
ابن ميس عنه» وبكتب الحميدي» ومنهم محمد بن محمد البكري معت عليه 
رسالة القشيري عن حده عبد الكريم المؤلف وأحازن إحازة عامة. ومنهم ضياء 
الدين بن عبد الوهاب بن علي بن سكينة شيخ الشيوخ ببغداد وأحازن إحازة 
عامة وأحذ عي أحذت عنى حدثن بتآليف القشيري عن ابنه عبد الوهاب عنه. 
ومنهم أبو الخبر أحمد بن إماعيل بن يوسف الطالقاني القزوي» حدثني بت آليف 
البيهقي وأحازن إحازة عامة. ومنهم أبو الطاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم 
السلفي الأصبهان أحاز لي إحازة عامة» وهو يروي عن أي الحسن شريح بن عمر 
بن شريح الرعيي المقري. 


)1( أبو بكر محمد بن عبد الله القاضي أبو بكر ابن العربي الإشبيلي» الفقيه العلامة» ولد نة 468 ه› 
وتوفي سئنة 543 ه» ودفن يفاس» له عدة تاليف منها: سراج المهتدين» قانون التأويل» العواصم من 
القواصم» وغيرها: شرف الطالب» ص: 62ء شجرة النئور الزكية 199:1. فهرس الفهارس 855:2 


- 507 - 


وأيضا ممن أحازني إحازة عامة وكتب لي أن أروي عنه كتب السلمي عن 
محمد بن مصبار البيهقي عنه» ومنهم حابر بن أيوب الحضرمي») أحاز لي إحازة 
عامة وهو يروي عن أبي الحسن شريح بن محمد بن شريح الرعيئ المقري» وأيضا 
ممن أحازن إحازة عامة محمد بن أسعد بن محمد القزويئ والحافظ الكبير ابن 
عساكر. وهو القاسم بن علي بن الحسن بن وهبة بن عبد الله بن الحسن الشافعي 
صاحب تاريخ دمشق. ومنهم محمد بن يوسف بن علي القزويئ» ومنهم أبو 
الطاهر بن عوف» ومنهم أبو الطالب اللخمي بالإسكندرية» ومنهم أبو الفرج عبد 
الرحمن بن علي بن اللجوزي الحافظ كتب بالرواية مجميع تواليفه. ومنهم أبو بكر 

بن أبى الفتح السجستان» ومنهم محمد بن أب المعالي عبد الله بن موهوب بن جامع 
بن عبدون البغدادي الصدئي» ويعرف بابن البنا. 


ومنهم محمد بن عبد الرحمن بن عبد الكريم التميمي الفاسي قرأ على جميع 
مصنفاته. ومنهم ابن النجار المالقي المحدث» ومنهم أبو الحسن بن الصائغ 
الأنصاري» ومنهم عبد الجليلا" مؤلف المشكل في الحديث» وش الإعان. ومنهم 
أبو عبد الله بن المجاهد. ومنهم عمران موسى بن عمران المتزيلي. ولولا حوف الملل 
وضيق الوقت لذكرنا من “معنا عليه ومن لقيناه. 

وأذكر من مؤلفان ما تيسر فإفها كثيرة وأصغرها جزء أو كراس» وأكبرها ما 
يزيد على المائة. فمن ذلك المصباح في الجمع بين الصحاح قي الحديث» واختصار 
مسلم واختصار البخاري واختصار الترمذي واختصار المحلى والاحتفال فيما كان 
عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من سين الأحوال. وكتاب المع والتفصيل 
في أسرار المعاني والتتزيل» فرغ منه أربعة وستون جحلدا إلى قوله تعالى في سورة 
الكهف: (وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح)© الأربعين المتقابلة في الحديث الأربعين 
ف الطوالات» ثم عد من تآليفه 358. 

وما قرأته عليه أيضاً هذه المكاتبة وحواقاء وهما مفيدان غاية. ونص ما قرأته 
عليه: الحمد لله احتمع الشيخ كمال الدين عبد الرزاق الكاشان ببعض أصحاب 


)1( عبد الجليل بن موسي بن عبد الجليل الأنصاري الأوسي الأندلسي» المشهور بالقصدري» متصو ف 
مشارك» صذف التفسير وشدرح الأسماء الحسئنى وكتاب شعب الإيمان» توفي بسبتة نة 608 ه: سير 
أعلام الذبلاء 12:22. 

)2( الكهف :59. 


- 508 - 


الشيخ علاء الدولة السمسنان فسأله ما يقول شيخكم في ابن العربي وكلامه؟ 
فقال: يعتقد أنه رحل عظيم الشأن ولكنه غالط في قوله بأن الحق هو الوحود 
المطلق» فقال عبد الرزاق: أصل جميع معارفه هذا الكلام» ولا أحسن من هذا 
الكلام» فعجبا لشيخحكم لا يستحسنه مع أن جميع الأنبياء والأولياء والأئمة على 
هذاء فأوصل التلميذ هذا الكلام إلى شيخه علاء الدولة فكتب في حوابه في جميع 
الملل والنحل لا يوحد كلام أشنع من هذا الكلام وإذا حقق الأمر كان مذهب 
الطبيعيين والدهريين أولى من هذه العقيدة بكثير» فلما وصل الكلام إلى عبد الرزاق 
كتب إلى علاء الدولة مكتوبا حاصله لا يخفى أن كل ما لم يكن على قانون 
الكتاب والسنة» فلا اعتبار له عند هذه الطائفة لأنهم متبعون. وبناء هذا المعى» أي 
وحدة الوحود على هاتين الآيتين (سنريهم آياتنا في الآفاق وتي أتفسهم* إلى 
(شهيد)» (إلا إنهم في مرية من لقاء رمم) إلى (محيط). والناس على ثلاث 
مراتب: الأولى مرتبة النفس» وهم أهل الدنياء وأصحاب الحجاب ينكرون الحق 
وصفاته» فمن آمن منهم حا من النار. والثائية مرتبة القلب» وهم أهل البصيرة 
بتجليات الأسعماى يستدلون بآياته في الآفاق والأنفس على معرفة الصفات والأسعاء 
وما كان معلوما عند الطائفة الأولى» أي أهل الإعان» وهو مرضى عند هؤلاء. 
والثالثة مرتبة الروح وأهل هذا المقام تجاوزوا عن مرتبة نحلي الصفات إلى شهود 
جمع الأحدية» وحاطم قي حالة الحد (أو لم يكف بربك أنه على كل شيء 
شهيد)۴» وهذه الطائفة يرون الخلق مرآة للحق والحق مرآة للخخلق» وأعلى من 
هذا هو الاستهلاك في عين أحدية الذات ووصف المحجوبين مطلقا (ألا أفم في 
مرية من لقاء رهم)» وأهل التجليات» وإن حصل طم اليقين ولكنهم قاصرون 
عن معن (كل من عليها فان ويبقى وحه ربك" الآية. ومحتاحون إلى تنبيه» (ألا 
إنه بكل شيء محيط)©» وشهود هذه الحقيقة وما ظفر عن (كل شيء هالك إلا 
وجحهه)7 إلا الطائفة الأخيرة» ويي هذه الحضرة هو المقام الأول والآحر وااظاهر 


- 509 - 


والباطن عيان» وتي كل التعينات وحه الحق مشهود» وتحققوا في وحود الأسماء 
والتعينات تتره (فأينما تولوا فثم وجه الل)"» فعلم من هذه الإحاطة أن الحق تعالى 
متره عن جميع التعينات) وتعينه بعين ذاته وأحديته ليست كأحدية الأعداد حي 
يكون له ثان» فمن كان له هذه المرتبة حرده الله عن قيود العقول وشهد تلك 
الإحاطة» ومن لا بقي في حجب الحلال. قال سيدنا علي رضي الله عنه: الحقيقة 
كشف سبحات الحلال من غير إشارة» فإنه لو شاء حسا أو عقلا في وقت تحلي 
الجمال المطلق حصل التعين وصار الحمال حلالا وصار الشهود نفس الاحتجاب» 
سبحان من لا يعرفه إلا هو وحده والإنصاف أن كل بحث ذكرتموه قي العروة 
وهو اسم كتاب لعلاء الدولة قي نتفي هذا المعين دلائله ليست على منهج مشتقيهم» 
وإن بعدما حصلت العلوم الشرعية والعقلية حيث لم يحصل لي المطلوب منها 
علمت أن معرفة المطلوب وراء طور العقل فاخحترت صحبة المتصوفة» واستحسنوا 
هذا الكلام» ومع ذلك لم أكن وحدته ف نفسي م يطمس إليه القلب فأحذت 
الخلوة في مفازة سبعة أشهر حي كشف الله لي عن هذا المعين واطمأن قلى والله 
سبحانه وإن قال: (فلا تزكوا أنفسكم) 28 لكن قال: (وأما بنعمة ربك 
فحدث) 27 ولو لم يكن كما ذكر كيف يصدق وهو الذي في السماء إله وفي 
الأرض إله» وكيف يصدق ولو دلى أحدكم حبله بط على الله وكيف يكون 
أقرب من حبل الوريد. 

والحاصل ينبغي أن ينظر في هذا المعئ فإن ثالث ثلاثة بنص القرآن كفرء 
ورابع ثلاثة صرف الإعان (ما يكون من نحوى ثلاثة إلا هو رابعهم) إذ لو كان 
ثالث ثلاثة كان متعينا مثلهم» ولكنه أبو حودة الحقان محقق الأعداد فهو مع كل 
شيء لا عقارنة» وغير كل شيء لا عزايلة» ولو لم أحده عيانا ما أكثرت عليكم 
الدلائل» ومن لم يصدق الحملة هان عليه أن لا يصدق التفصيل (وإنا وأياكم لفي 
هدى أو في ضلال مبين)!6ه. ملخصا. 


(1) البقرة: 114. 
(2) النجم: 31. 
(3) الضحى: 11. 
(4) المجادلة: 7. 
(5) سبأ: 24. 


- 510 - 


وكتب حوابه علاء الدولة على ظهر مكتوبة وأرسله إلى كاشان وهو هذا: 
(قل الله ثم ذرهم) الآية. كبراء الدين وسالكوا طريق اليقين اتفقوا على أن الذي 
يجن ثمرة الحق هو من كان طيب اللقمة» وصدق اللهجة شعارا له ودثارا» وحيث 
أن هذين مفقودان فما المقصود من هذه الطامات والترهات» آية العزيز كنت 
أطالع ف كتاب الفتوحات وأكتب على هوامشه» فلما وصلت إلى قوله: سبحان 

من أظهر الأشياء وهو عيناهاء كتبت (والله لا يستحي من الحق)© آية. الشيخ: لو 
سمعت أحدا يقول فضلة الشيخ عين وحود الشيخ لا تسامحه البتة» بل تغضب عليه 
فكيف يسوغ أن ينسب إلى الله هذا الهذيان؟ تب توبة نصوحا لتنجو من هذه 
الورطة الوعرة الى يستنكف منها الدهريون والطبيعيون واليونانيون» (والسلام 
على من اتبع الهدى). وأما ما كتبتموه ومن أن في العروة ليس على المنهج 
المستقيم فنقول: إذا كان الكلام مطابقاً للواقع واطمأنت إليه النفس ولا يعترض 
عليه الشيطان فذلك يكفينا والقلب يطمئن على وحوب وحوهده ووحدانيته 
ونزاهته» ومن لم يؤمن بوحدانيته فهو مشرك حقيقي» ومن لم يؤمن بتراهته من 
جميع ما يختص به من الممكن فهو ظالم حقيقي لأنه ينسب إليه ما لا يليق بكمال 
قدسه والظلم وضع الشيء ف غير حله» ولذلك لعنهم الله في محكم كتابه (ألا لعنة 
على الظالمين)1)» سبحانه عما يصفه به الجاهلون. 

ولا تأملت في المكتوب ثانيا تذكرت أن هذا المقام حصل لي في أوائل 
المكاشفة وأواسطه؛ ولا وصلت إلى ثماية المكاشفة ظهر لي غلطه أظهر من الشمس 
يقينا لا مدحل للشك فيه» وكيف يؤول أكثر الآيات البينة لأحل آيات معدودة 
متشابمات» وذلك مثل محكم قوله تعالى: (قل إغا آنا بشر متلكم)ة وأخواقها 
5 هذا ودي بقوله: (وما رميت إذ رمیت)۴» ا أن هذا لأحل 
ارا مقربا له وسولا: بده بلي ولسائه لسان. وما قول الشيع فق إرسال 
مريده لإرشاد قوم: يده يدي» والغرض أن الغفلة عن قوله: (ألا لعغة الله على 
(1) الأنعام: 92. 

(2) الأحزاب: 53. 
(3) طه: 46. 
(4) هود: 18. 


(5) الكهف: 105. فصلت: 5. 
(6) الأنفال: 17. 


- 511 - 


الظالمين)!؟ والإعراض عن قوله: (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا وأمثاها 
والتمسك بآية: (هو الأول والآخر والظاهر والباطن)* حهل بأن المراد هو الأول 
الأزلي تنتهي إليه سلسلة الاحتياج فضلاً عن شيء آخرء وهو الآعحر الأبدي بأنه 
إليه يرحع الأمر كله وهو الظاهر ف آثاره الظاهر بسبب أفعاله الصادرة عن 
صفاته الثابتة لذاته» وهو الباطن ې ذاته لا تد ركه الأبصار ولا يعرف ذاته إلا هو. 
وقد صح عن البي» صلى الله عليه وسل » أنه قال: كل الناس في ذات الله مقا 
وقال» صلى الله عليه وسلم: تفكروا ف آلاء الله ولا تتفكروا في ذات اللم. آية 
العزيز العلم ا محرد الذي هو اعتقاد حازم مطابق للواقع نسبته إلى الشريعة» وعلم 
اليقين تعلق ببداية مقام المكاشفة» وعين اليقين بوسطه وحق اليقين بنهايته وحقيقة 
حق اليقين الى هي عبارة عن اليقين اجرد المشار إليه بقوله: (واعبد ربك حى 
يأتيك اليقين)0 تعلقه بقطب درحات مقام اکان وكل من وصل إلى هذا 
امقام كل ما يقوله فهو مطابق للواقع وليس التوحيد المذكور في منازل السائرين 
آحر المقامات» بل هو المقام التمانون وآخمر المقامات الائة العبودية) وهو عود 
العبد إلى بداية حاله من حيث الولاية دائر مع الحق في شؤون تحلياته تمكنا. 
وبالجملة هذا المعن الذي ذكرهوه ظهر لي ف بداية مقام التوحيد ووسطه وبعده. 
ولا وضعت القدم في نماية مقام التوحيد ظهر لي أنه غلط مخطئ مقرا على نفسي 
أن الرحوع إلى الحق حبر من التمادي ف الباطل» فيا أيها العزيز اقتد أنت يهذا. وما 
وقع النظر إلى قوله تعالى: (فلا تضربوا لله الأمئال)!© فحوت الأمثال بالكلية 
والسلام ه. 


وقال الملا حامي في ترجمة الشيخ محي الدين ابن العربي: الشيخ علاء الدولة 
كان معترفا بفضل الشيخ» ولكنه كان يخطؤه في قوله بأن الحق هو الوحود المطلق» 
بل كان يكفره. وبعض أهل العصر ممن كان يعتقد الشيخحين ويتبع كلا منهما قال 
ف بعض رسائله: لا حلاف حقيقيا بينهما فإن تخطئة الشيخ علاء الدين وتكفيره 
للشيخ راحع إلى أنه فهم من كلام الشيخ معن غير مراد الشيخ» وذلك أن للوحود 
(1) هود 18. 
(2) فاطر:6. 
(3) الحديد: 3. 
(4) اعتقاد أهل السنة 3: 524. 
(5) الحجر: 99. 
(6) النحل: 74. 


- 512 - 


ثلاث اعتبارات: الأول اعتباره بشرط شيء؟ وهو الوحود المقيد. والثاني بشرط لا 
شيء؛ وهو الوحود العام. والثالث؛ لا بشرط شيء» وهو الوحود المطلق. والشيخ 
حي الدين أراد المعين الأخير» وعلاء الدولة حمله على المع الثاني» ودليل ذلك أن 
علاء الدولة أشار إلى إطلاق وحود الذات با مي الأخير حيث قال في بعضي 
رسائله: الحمد لله على الإكان بوحوب وحوده ونزاهته عن أن يكون مقيدا محدودا 
أو مطلقاً لا يكون له بلا مقيداته وجود» وذلك أنه تعالى إذا ل يكن مقيداً محدوداً 
ولا مطلقا يتوقف وجحوده على وحود المقيدات فلا بد أن يكون مطلقا لا بشرط 
شيء» فليس مشروطا بالقيد ولا العموم. وأما القيود والتعينات فهي شرط لظهوره 
في المراتب لا أتها شرط لوحوده في حد ذاته. والتراع الذي بين علاء الدولة وعبد 
الرزاق من هذا القبيل» والله أعلم. 

وما “معته عليه بقراءة غيري طرفاً من الفتوحات المكية لأستاذ الحققين 
سيدي الشيخ محي الدين محمد بن العربي قدس سره وهو يرويها وبقية كتب الشيخ 
حي الدين عن شیخه سيدي الشيخ أحمد الشناوي عن الشمس محمد الرملي عن 
زكرياء عن أبي الفتح المراغي» عن الحافظ ياء الدين عبد الله بن محمد العثمان 
المكي» عن الحافظ أبي نصر محمد بن محمد الشيرازي عن مؤلفها. ولم يزل يجري 
على لسانه كثير من حكايات صاحب الفتوحات» رضي الله عنه» ووقائعه ومن 


حمله ما حكى لي عنه أنه رضي الله عنه» عن الشيخ حي الدين ذكر عن نفسه أنه 
كان ذات يوم عكة حالسا مع أصحابه فجرى ذكر الحديث الذي فيه قول الله حل 


حلاله لأبينا آدم عليه السلام أخرج بعث النار. فقال الشيخ» رضي الله عن 
لأصحابه: تعالوا مدي لأبينا هدية نتخذ ها عنده يدا حى لا يخرحنا فيمن يخرج. 
فقالوا: : نعم فأي شيء تهديه له؟ فقال الشيخ إن الله قد نمج لنا على لسانت رسوله 
مج النيابة عن الغير في بعض الأعمال البدنية كالحج والعمرة» وليس هذا وقت 
حج» قوموا بنا فلنعتمر عن أبينا آدم ليكون ذلك وسيلة لنا عنده. فقاموا كما هم 
فذهبوا إلى التنعيم بقصد الإحرام» فلما وصلوا مساحد عائشة وجدوا هنالك بعض 
أصحاب الشيخ» » وكان قد حرح قيلي يقصد العمرة فسأ عن لخر وقال: را 
الذي أخحرحكم وقد تركتكم ورائي عكة وما لكم نية في الخروج. فأخبروه عا قال 
الشيخ. فجاء إلى الشيخ وقال له: إني خرحت قبلكم بقصد العمرة» وأنا الآن أريد 
أن أحرم با به أحرمتم وبالقصد الذي به قصدتم. فقال له الشيخ له: امض أنت 


-513- 


على عملك الذي خرحت له فإنك لم تخرج ذه النية. فأحرم الشيخ» رضي الله 
عنه» وأصحابه بالنية المذكورة» فجاؤوا مكة وتمسحوا بالبيت ووقفوا بالمروتين وتم 
نسكهم. فلما كان في الليلة المقبلة رأى صاحبهم الذي أحرم بغير ما أحرموا به أن 
القيامة قد قامت وحشر الناس وقيل لآدم عليه السلام: أحرج بعث النار» فجيء 
بالشيخ وأصحابه فقال ادم عليه السلا]ة | إن طؤلاء عندي يدا أكافيهم يما اليوم فلا 
أخرحهم فيمن أخرج. قال الرائي: فقلت: وأنا معهم فإني من أصحاب هذا 
الشيخ. فقال إنك لم تحرم عا به أحرموا. فقلت: قصدت ذلك فمنعئٍ هذا الشيخ. 
فقال الشيخ» رضي الله عنه» مصدقا له: أنا منعته ولكنه صاحبنا فهبه لنا» فوهيه 
هم. انتهت الحكاية بالمعن. 

وعندما حكى لنا شيخنا هذه الحكاية قال لي الشيخ: وأنت إذا ذهبت إلى 
مكة فاعتمر عمرة عن أبينا آدم بهذه النية» فلما من الله بالوصول إلى مكة والإقامة 
فيها اعتمرت عمرا متعددة ثل رمضان وغيره» ولم ألق بالا لما ذكر لي الشيخ) 
رضي الله عنه» ورأيت أن ذلك منه تلميحاً فقط حي حاءن كتاب منه بعثه إلي 
من المدينة يحضي فيه على ذلك» ونص الكتاب تيمنا بألفاظه وتبركا بنفسه الربان 
ما اشتمل عليه من الإشارات العرفانية والحقائق العيانية» وذلك شأنه» رضي الله 
عنه في سائر كتبه على منهج شيخه الصفي» فلا دلالة هم إلا على الله ولا إشارة 
هم إلا إليه» ونصه: الحمد لله رب العالمين» وأشهد ألا إله إلا الله وحده وأشهد 
أن سيدنا حمدا عبده ورسوله» صلی الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه» عدد خحلق 
الله بدوام الله من الحقير إبراهيم إلى الأخ الفاضل نادرة الوقت سيدي الشيخ 
عفيف الدين أبي سالم عبد الله العياشي» كان الله له» حيث كان وأمده في السسر 
والإعلان في عافية آمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته» وبعد فإن سألت عنا 
فلله الحمد يي عافية» والمسؤول أن تكونوا كذلك موفقين لاغتنام الخيرات في تلك 
المواطن المباركات» شاهدين من أقام فيها الآيات البينات لتكون من أهل الاعتبار 
التلويني من الصور إلى المع بسلطان من الله ذي العزة والجبروت» وهكذا ينبغي 
أن يكون شآ من أضيف إل اله يكوه عبد اله لا عي لغيه من صور الأكوان 
من حيث هي» وما نظر إليها من حيث هي بحالي النور الأحدي» فلم يخضع إلا إلى 
الله كما ورد ف آخر حديث الكسوف أن الله إذا انحلى لشيء خشع 0. أيدي الله 


(1) الجامع الصغير 154 :1. 


- 514- 


وإياكم بنور من عنده من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة» آمين والسلام على 
الأخ عبد ال رمن وبقية أصحابكم» وإن احتمعت بأخي عبد ال رحمن فبلغ سلامي 
إليهى وإن تيسر فاشربوا عي ماء زمزم بنية العفو والعافية» ثم بنية حفظ القرى» 
حزيتم خخيراء ولا تنسوا الاعتمار عن أبينا أبي البشر آدم صنع الله صلوات الله عليه 
وسلامه» صلة للرحم وتمهيداً للشفاعة» وامتثالا لأمر الله الطالب لذلك عا وضع 

من الشرع الشريف الموصل إلى السعادة بإذن الله المنان» وبلغ سلامي إلى شيخنا 
بركة الوقت سيدي الشيخ عيسى سلمه الله تعالى ونفع به آمين» ه بحروفه. 

وعندما وصل إلي الكتاب امتثلت أمره فخحر حت إلى التتعيم راجعاء 
وأحرمت بالنية المذكورة نسأل الله أن ينفعنا بأمثال إشارة أوليائه ويشفع فينا نبيه 
محمد صلى الله عليه وسلم وكل أنبيائه. 

قال شيخنا» رضي الله عنف بإثر الحكاية المتقدمة: ولما بلغت حكاية الشيخ 
حي الدين وأصحابه إلى بعض التر مين من الفقهاء الشافعية قال: إذا يلزمهم الدم 
لأن آدم عليه السلام أفاقيا. قلت: البحث بأمثال هذا عند أهل القلوب مما يستبردء 
وعلى تقدير وقوعه فلا نسلم أن آدم أفاقياء إما لأن الدنيا كلها بالنسبة إليه عترلة 
بلد الإنسان أنزله الله إليها وأباح له التصرف فيها كلها والتقلب فيها حيث شاي 
وإما لأن مكة أم البلاد وهو أبو أهلهاء فهي بالنسبة إليه بلد الإنسان!)» وإن كانت 
جميع الأرض له بنسبة دار الإنسان على جيع البلد الذي هو ملكي أو نقول مكة 
هي بلده حقيقة حقيقة إذ هو الذي بن البيت أولاً على ما ورد في بعض الأحاديث» فلا 
يعلم على وجه الأرض موضع ما بی فيه آدې وطاف به وتعيد لله وسجد وكقر 
تردده إليه» إلا موضع البيت» وهذا معن كونه بلده» إذ الموضع الذي كثر تردد 
الإنسان إليه أكثر من غيره وكثرت إقامته به وهو محل عبادته هو بلده» وعلى 
القول بأنه مدفون على حبل أبي قبيس كما قال به غير واحدء أو ف موضع البيت 
على ما رأيت للشيخ محي الدين في بعض تاليفه» فلا كلام في أنما بلده» ويؤفيد 
ذلك ما ورد أيضا أنه تعرف بحواء ف عرفات» فسميت عرفات وازدلف إليها في 
مزدلفة)» فسميت مزدلفة فأول مكان احتمع فيه الإنسان بأهله ودنا منهم هو 
بلده» فأي بلد على وحه الأرض يعلم ها من النسبة لآدم ما علم هذا البلد من 
النسبة بالبناء والتعبد الكثير والدفن به والاحتماع بالأهل والدنو منهم. ومدفن 


(1) ساقط من ط. 


- 515 - 


زوحته حواء بحدة» وهى من عمل هذا البلد على القول بأنها مدفونة فيهاء فالبلد 
الذي هو مدفن الإنسان ومدفن أهله أحق البلاد بأن تنسب إليه من غيرها من البلد 
الي لم يعلم له فيها إلا جرد مروره أو نزوله» كجبل سرنديب بالند» فإن قيل قد 
علم أن آدم كان عيشه وعيش أولاده من الحرائة» والزراعة والغرس وتعان 
الأعمال الي هي مكاسب أولاده من بعده»» ومكة ليست ببلاد زرع وحرائة 
وغرس كما هو المشاهد» ولقول إبراهيم (بواد غير ذي زرع)!") فظهر أن مسكن 
آدم وبلاده هي بلاد أخرى غير مكة) إما باهند الذي هو محل نزوله» أو غيره من 
البلاد» فيقال: لا نسلم أن مكة إذ ذاك لم تكن بلاد زرع وحرث مع أن أعماها 
القريبة منها من الطائف ونحدء ومن الظهرات وغير ذلك من قرى الحجاز ذات 
مزارع» وكور مكة بنفسها ليست بها مزارع الآن لا يقدح في ذلك» فقد قال 
الأعرابي للنبي» صلى الله عليه وسل» » في حديث الرحل الذي اشتهى الزراعة في 
الخنة: إذا لا تحده إلا قرشيا أو أنصاريا, فوصف قريشا بالزراعة مع أن وطنهم 
عكة وليست بأرض زرع؛ ولكنهم كانوا يزرعون في نواحيهاء وأيضا فإن آدم 
عليه السلام أعطي من القوة على العمل وغيره ومن عظم الجسم والخلقة ما لم 
یعط غيره من بنيه)» بدليل حديث: و لم يزل الخلق ينقصون© حى الآن» وسخر له 
الملائكة يعينونه في أعماله لكونه غريب الشكل في الأرض» فأيد بهم يعينونه في 
أشغاله ويحرسونه من مردة الشياطين» مع ما أعطي من سلطان النبوءة والاحتباى 
وأعطي من حلل الخلافة قي الأرض» فلا يبعد أن تكون مكة هي وطنه» وأطراف 
الأرض من شام ومصر وعراق وعن بالنسبة إليه وإلى بلده نسبة بساتين البلد 
ومزارعه إليه» فيتصرف ف الشام والعراق في أشغاله؛ من حرائة وزراعة وغير 
ذلك ثم يأوي إلى أهله)» ومسكنه عكة» لما أعطي من القوة» فيكون ذلك عند 
مع بعد المسافة» عترلة غدوة أو روحة يغدوها أحدنا أو يروحها إلى ضياع 
ومكاسبه لما أعطي من القوة وأيد به من المعونة» وقد أطلنا الكلام ف هذا مع أنه 
ليس من متين العلم» ولكنه لا يخلو من فوائد إظهارا لهل هذا الفقيه امحترئ على 
الرد على أولياء الله تعالى و لم يراع الأدب» فنسبهم إلى الجهل عا يحب عليهم في 


(1) إبراهيم: 39. 

)2( صحيح البخاري 826:2. 
(3) فيض القدير 11:2 

(4) في ط: إليه. 


- 516 - 


فرع من الفروع من الديانة» ومن أيد بنور العلم لم يشكل عليه شيء ما ورد عن 
أهل الله ما يبادر عوام الناس المترسمة | إلى إنکارہ وإن أحمد الله مدا كثيرا وأشكره 
شكرا أثيراً على ما منحيي من حسن الإستماع وحسن القبول ا أسمع من كلامهم 
فان بحمد الله ما أذر أن سمعت كلاماً من كلامهم فنفر منه قلي أو كرهه» وإن 
كان في غاية الإشكال» بل ينشرح قلبي لسماعه وقبوله» ولو لم أفهمهء وغالبه لا 
أكرر النظر فيه مرارا بحسن النية إلا وعن الله بفهمه على وحهه أو ظهور حمل 
لائق عليه» وما(" لم أحد محملا أحد له في قلي برد التسليم له والتفويض في معناه 
لله ولرسوله ولأولي العلم من خحلقه إذ هم خلفاء الله ورسوله في فهم كلامه وكلام 
أوليائه. 

وولد الشيخ محي الدين عكرسية© ليلة الاثنين السابع والعشرين من رمضان 
سنة ستين و حخمسماثة. 

ومن فوائد الشيخ حي الدين في كتاب الفتوحات ما نصه: وعندي أن 
البسملة متعلقة بالحمد ّى فإن الله تعالى لا يحمد إلا بأسمائه ولا نتكلف في القرآن 
محذوفا إلا لضرورة» ولا ضرورة هناء فإذا قال العارف: باسم الله لخن ارم 
الحمد لله علق الباء عا في الحمد من معين الفعل كما قلت» لا يثني على الله إلا 
بأمعائه. وأما قوطم المصادر لا تعمل عمل الفعل إلا إذا تقدمت» وأما إذا تأحرت 
فتضعف» فعندي غير مرضي في التعليل لأنه تحكم من النحوي» انتهى. فما أدق 
فهم هذا العرف» فلله در الإمام الغوري في قوله فيه: هو أعرف بكل فن من أهل 
كل فن. قال بعضهم إثر ما تقدم: وما ذكر من الامتناع هو مذهب جمهور 
النحاق» واختار جمع من الحققين منهم الرضى والسعد حواز عمله في اللروف 
المتقدمة» وهو الأظهر لأنها ما تكفي فيها رائحة الفعل ه. 

قلت: فقول العارف حي الدين: لا يني على الله إلا بأمعائه لا يرد عليه أن 
الثناء على الله كما يكون بالأسماء يكون بالأوصاف الكاملة» وكل أوصافه تعالى 
كاملة» وبأفعاله المحمودة وكل أفعاله تعالى حمودة لأنا نقول الثناء بالأوصاف 


(1) في ط: لو. 

(2) مرسيية: مديئة بالأندلس من أعمال تدمير» اختطها عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن 
معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان وسماها تدمير بتدمر الُشام» فاستمر الئاس على اسم موضعها 
الأول: معجم البلدان: مرسية. 

(3) لم يرد هنا النص في الطبعة التي اعتمدناها من كتاب الفتوحات. 


- 517 - 


والأفعال يشمله الثناء بالأمعاء فإن أمعاءه مشتقة من أوصافه وأفعاله آثار أمعائكه 
وصفاته» فير حع الثناء كله إلى كونه بالا مای فإن قيل: لم يقل فإن الثناء عليه لا 
يكون إلا بأوصافه» فيكون شاملا أيضاً لأن الأسماء مشتقة منها والأفعال أثرها. 


قلنا: لو قيل ذلك م يشمل الثناء بما ليس من الأسماء مشتقاً كأعظمها وهو 
الله الذي هو علم فإنه ليس مشتقا من شيء على أصح الأقوالء ولأت الثناء 
بالأسماء أبلغ من الثناء بالصفات لأن الأسماء دالة على الذات والصفات» فالعلم 
منها دال على الذات بسائر صفاته» والمشتق منها دال على الذات الذي له الصفة 
الب اشتق منها الوصف كما هو المعروف عند الحققين أن المشتق معناه الذات 
الذي له الصفة لا محرد الصفة» بخلاف الصفة فإهًا لا تدل على الذات بالوضع 
وإغا تدل بالالتزام على ذات ما تقوم يما الصفة» فقد ظهرت أبلغية الثناء بالأمعاى 
فلا یشن على الله إلا بأسمائه ويي ضمنها الثناء بالأوصاف والأفعمال. وللعارفين 
كلام أعلى من هذا وأدق يي كون الأفعال كلها من مقتضيات الأسماء وكذلك 
الأوصاف» ولسنا الآن بصدده. وكلام العارفين بالله لا يخلو من ملاحظة هذه 
الأسرار لأن كلامهم ميراث كلام الله ورسوله الذي هو م: منبع اللطائف والأسرار. 

ومن فوائد الشيخ حي الدين أيضاً في شرحه لكتابه: براءة المعاني في العالم 
الإنساني أن رحال الغيب والأرواح المقدسة ثي كل يوم من أيام الشهر متوحهون 
على حهة من الجهات الثمانية» فإذا أردت سفرا أو حاحة فاعرف موضعهم من 
الدائرة الآنية ثم توحه بقلبك وقالبك إليهى ` ثم اقرأ الفاتحة واهد ثوابها إليهم وقل: 
السلام عليكم با رحال الغيب يا أرواسا مقدسة یا قبا ا ميا يا أبدال با ارتا 
أغيثون بنظرة وأعينون بقوة بحرمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. 
فترحع وقد نلت مطالبك وبلغت مآربك» وهذه الدائرة المباركة: 


- 518 - 


ورأيت ف بعض التقاييد نما يتعلق هذه الدائرة ما نصه: دعاء يقرأ بنية رحال 
الغيب وهو هذا: السلام عليكم يا رحال الغيب» يا أيها الأرواح المقدسة أغيثون 
بغوثة) وانظرون بنظرة» يا رقباء يا نقباء يا نحبء يا أبدال» يا أوتاد يا أمامين» يا 
غوث» يا قطب» أغيثون في جميع أموري بحرمة سيد المرسلين وإمام المتقين محمد» 
عليه الصلاة والسلام» سلمكم الله في الدنيا والآخرة. يلعو به وهو غير مستدبرهم 
ويقوم لهم بخشوع وسلام. 

وهذا دعاء الاستقبال» يعين) والله علي استقبال القبلة بعد التوحه إليهم ولا 
ثم يقول: باسم الله الرحمن الرحيم اللهم إن أسألك اللطف في القضاء كما لطفت 
بعظمتك دون العظماء وعلمت ما تحت أرضك كعلمك أن أسألك الاطف في 
القضاء كما لطفت بعظمتك دون العظماء» وعلمت ما تحت أرضك كعلمك عا 
فوق عرشك» احعل لي من كل هم أمسيت فيه فرحا ومخرحاًء اللهم إن أسألك 
باسمك الكبير المتعالي الذي ملأ الأقطار كلها أن تكشف عي ما أمسيت وأصبحت 


- 519 - 


فيه» يا حي يا قيوم يا قائم على كل نفس عا كسبت» أسألك عا سألك به الإمام 
الأعظم القطب الجامع الفرد وبالإمامين والبدلا والرقبا والنجبا والأمنا أن تسخر لي 
كل مخلوق على احتلاف الألوان واللغات» وأن تحلب لي المنافع والخيرات من جميع 
الآفاق والجهات» يا بروح إحلب المنافع والفتوح» وابعث لي الأرزاق من كل باب 
مغلق ومفتوح يا الله قسماً عليك بنبيك الممدوح بالمدد والفرح والنجاة مشعر 
برو ح» وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. 


لطيفة: 


رأيت في کناب امحاضرات والمسامرات للشيخ حي الدين ابن العربي» رضي 
الله عن ما نصها4: "أنشدنا أبو عبد الله بن عبد الحليل قال: أنشدنا أبو الحسن 
على المسفر بسبتة لنفسه: 

ياأيهاالمبشلىبذمي قدعلوماللهماتقول 

من حاسب النفس كل حين ‏ اميك هون بمايقول 

كان هذا الشيخ المسفر حليل القدر» حكيماًء عارفا» غامضاً في الناس 
مخمول الذكرء رأيته بسبتة!©» له تصانيف منها: منهاج العابدين الذي يعزى لأبي 
حامد الغزالي وليس له» إنما هو من مصنفات هذا الشيخ» وكذلك له أيضا كتاب 


(1) محاضرة الأبرار 160:1 

(2) علي بن محمد بن يوسف بن عبد الملك الأنصاري الوراق» من أهل مرسية» يكنى أبا الحسن؛ اشتھ 
بلقب المسفر» رحل حاجا فأدى الفريضة وعاد إلى مرسية وتوفي سنة 621 هاستمائة ومولده بعد 
الخمسين وخمسمائة: التكملة لكتاب الصلة 232:3. 

(3) سبتة: بلدة مشهورة من قواعد بلاد المغرب» وهي تقابل جزيرة الأنداس على طرف الزقاق الذي هو 
أقرب ما بين البر والجزيرة: معجم البلدان: سبتة. 

)4( قال صاحب كشدف الظنون: منهاج العابدين للجمام حجة الإسلام أبي حامد محمد بن محمد الغزالي 
المتوفى سئة 505 ه» وقيل هو آخر كأليفه» رتبه على سبع عقبات: الأولى عقبة العلم» الثانية عقبة التو بةء» 
الثالثة عقبة العوائق» الرابعة عقبة القوادح» السابعة عقبة الحمد والشكر» وهو كتاب لطيف نافع لمن أراد 
الآخرة واعرض عن الدنيا: كشف الظنون 1876:2. 


- 520 - 


النفخ والتسوية!؟ الذي يعزى لأبي حامد» ويسميه الناس المضنون به على غير أهله 
وهذا الشيخ أيضا القصيدة المشهورة"2: 
إرمل] 

قل لإخحوانٍ رأون مقا فيك يني إذ رأوئي حزنا 

أتضون باي فككم ليس ذاك الث والله أنا 

ھے. 

قلت: قد اشتهر واستفاض بسبتة نسبة منهاج العايدين للغزالي) وقد كنت 
قبل رؤية هذا الكلام أتعجب من كونه ليس حاريا على مذهبه في كتبه ولا هو 
مطابق لتضسه» وقد كنت أبحث كثيرا عن المشايخ الذين نقل عنهم فيه حيست 
وأنا مع ذلك لا أشك أن الكتاب له لاشتهار ذلك» وللإشارة فيه إلى إحياء علوم 
الدين؛ ولتقله فيه عن إمام الخرمين سماعاء فلما رأيت كلام الشيخ محي الدين 
ذكر أنه يعزى لأ امد مما تقاه حنه مي علمه بالعزو اذكو إلا لعل بق ين 
حصل له بأنه لغيره مع شواهد القرائن المتقدمة» فإن كلام الإمام أبي حامد لا يكاد 
يخفى على من مارسه فإنه لسان وقته بلاغة وتحريراء وذو الذوق السليم عيز بين 
الكلامين» ويشهد لذلك أيضا أن من عرف بالإمام أبي حامد من المتقدمين لم 
يذكر هذا الكتاب في تآليفه» والله أعلم. 


وقد اشتهر نسبة كثير من التآليف لغير أربارماء فمنها كتاب مفتاح الفلا 
فقد ذكر الشيخ زروق وغيره أنه لابن عطاء الله وقد ذكر لي شيخنا سيدي عبد 
الرحمن الفاسي أنه لشمس الدين البرشيئ. قال لي شيخناء وهو الغالب على الظن 
لبعده من كلام الإمام ابن عطاء الله في جميع تآليفه فإنه لا يكاد كلامه يخلو من 


)1( نقل صاحب كشف الظنون ما جاء في كتاب محاضرة الأبرار في سياق حديثه عن مؤلفات الغزالي: 
كششدف الظئون 1876:2. 

)2( محاضرة الأبرار 160:1. 

(3)مفتاح الفلاح في ذكر الله الكريم الفتاح للشيخ تاج الدين أحمد بن محمد بن عطاء الله الإسكندراني 
المتوفى سئة 709 ه: كشدف الظنون 1769:2. 


- 521 - 


نقل كلام شيخه المرسي ومن كلام الشاذلي» وهذا الكتاب ليس فيه إلمام بشيء من 
ذلك» والله تعالى أعلم. 
وأول ما أنشده الشيخ محي الدين في الفتوحات بيتين ذكرهما في خطبة 
الكتاب وهما(): 
[مخلع البسيط] 
الرب رب والبجّذد عبد يا للت شعري من الُكلفْ 
إن قلت عبد فنذاكَ ميت أو قلت رب أتى يكلف 
وذيلهما شيخ شيوخنا العارف بالله أبو زيد عبد الرحمن بن محمد الفاسى 
بقوله20: 
[مخلع البسيط] 
نعم بحقإبات علد لنعت فرق معشيكلف 
والع د مت بغير رب لسرعؤوؤنمنهمكلف 
ه. 
قلت: وعكن أن يقال بحسب مدرك عقولنا معاشر القاصرين» وإلا إشارته 
رضي الله عنه» مما لم تبلغه عقولنا بعد المكلف هو العبد بعدما أفاض عليه الرب 
نور و حوده فصار مظهرا له فليس عيت على هذا فلولا نور الوحود الحق المفاض 
على العبد ما صح تكليفه إذ هو ميت كما قال: بل عدم حض» ولولا العبودية الى 


هي مظهر من بحالي ذلك الوحود ما صح التكليف أيضا إذ الوحود الجن لا 
يكلف» فمن أيده الله بنور المداية أدرك الحقيقة المكلفة ذات النسبتين بحيث لا 


يصح التكليف بدون إحداهماء ومن طلب تمييز النسبة لمكم من تلك الحقيقة لم 
ضح له ذلك ووقع في الخيرة» بل لا يصح ذلك التمييز أصلاً لأن السب أمسور 
اعتبارية» والأمور الاعتبارية لا عكن تمييزها بدون ما اعتبرت به أو له إذ لو ميرت 
صارت قائمة بنفسها في الوحود الخارحي أو الذهيء والنسب والإضافات أمور 


(1) الفتوحات المكية 2:1. 
(2) ورد البيتان في: صفوة من انتشرء ص: 90. 


-522 - 


اعتبارية لا تحقق ها في حد ذاواقاء وأستغفر الله من الخوض فيما م ييلغه فهمي 
وغاض دونه علمي» فإي أعلم أن إشارة العارف» رضي الل عنه إنما هي لأمر 
فوق هذاء ولكن لما حرى في البيتين ذكر الرب تتره وتقدس عَمّا لا يليق بكماله 
من ممازحة الحوادث وملابستها أردت أن أذكر للبيتين معن يقرب من أفهام 
العقول الضعيفة حي لا يقذف الشيطان فيها شيئا نما يشين عقائد أصحاقا أو 
يحملها على إساءة الظن باعتقاد العارف» ووازن ذلك السؤال مع بحنب ذكر لفظ 
الرب تتريها له عن نسبة التكليف إليه ولو ترديدا مع سلبه آخراً عنه بأن 
الاستبعادية أن يقال!0: 


الروح روح واللجسم جسم يا ليت شعري من الكلف 
إن قلت جسم فذاك ميت أو قلت روح أئى يكلف 


ويأ فيه ما تقدم إذ الجسم بلا روح ميت حقيقة لا يصح تكليفه» والروح 
بلا حسم لا يكلف أيضاء إذ التكليف إثما هو بالأعمال المزاولة بالأبدان لمن يصح 
منه الفعل والترك فأما من يصح منه الفعل أصلاً کالحسم دون روح فلا يكلف 
ومن لا يصح منه الترك أصلاء كالروح قبل ملابسة احسم فلا يكلف أيضا لأنه 
من عالم الأمر» وقد قال الله تعالى: (قل الروح من أمر ربي)©؛ فهو كالملائكة 
الذين هم أرواح بحردة لا يصح وقوع المخالفة منهم فدلا يعصون الله ما أمرهم 
ويفعلون ما يؤمرون)70» وكذلك كانت الأرواح قبل ملابسة الأحساد لا يصح 
وقوع المخالفة منها بل هي منقادة للأمر بدليل إقرارها بالربوبية كلها ف عالم الذر 
دون تأب ولا تلك وكذلك أيضا قبل استحكام ملابستها للأحساد ووقوع 
الألفة المتطاولة بينه وبينها وذلك قرب الولادة بدليل قوله عليه السلام: مامن 
مولود إلا ويولد على الفطرة». الحديث. فإذا فهمت ذلك علمت أن المكلف 
الحقيقة الإنسانية الملاحظ في حقيقتها النسبة الروحانية والنسبة الحسمانية وإن 
ذهبت لتحقيق تييز إحدى النسبتين عن الأخرى ذهبت الحقيقة الإنسانية المكلفة 


(1) الفتوحات المكية 2:1. 
)2( الإسراء: 85. 
)4( صحيح البخاري 1. 


- 523 - 


راسا إذ الحسد بلا روح ليس بإنسات مكلف والروح بلا حسد كذلك 
فالحقيقةٍ المكلفة تحدث عند ازدواحهما وتنفى عند اقترافهماء ولذلك قال أهل 
الحق: إن التنعيم والتعذيب في الآخرة إنا هو للروح والجسم معاء إذ كما توحد 
الحقيقة المكلفة المتوعدة بالعذاب الموعودة بالتنعيم لا للروح وحده كما قال 
الملحدق فإذا فهمت معن الترديد في التكليف هل للروح أو للجسم وا معا 
محدثان» وأن التكليف في الحقيقة إنما هو لأمر يوحد عند تمازج الحقيقتين ل يبعد 
عليك» إن نور الله بصيرتك و م يسرع | إلى خيالك اعتقاد الحلول والاتحاد في 
حانب الربوبية أن تفهم ذلك أيضا فيما بين الربوبية والعبودية» فالربوبية قديهة 
والعبودية حادثة والتكليف إنا هو الحقيقة توحد عند ملاحظة نسبة العبودية الحادثة 
للربوبية القديكة» والنسبة بينهما نسبة الأثر إلى المؤثر» فلولا فيضان نور وحود 
المؤثر على الأثر لما وحد الأثر ولولا الأثر لما ظهر سلطان قدرة المؤثر لغيره» إذ لا 
غير بدليلٍ: كنت كتا لم أعرف فأ حببت أن أعرف فخلقت الخلق ليعرفون!"» 
يعني كرا م يعرفني غيري» فبعد وجود الأثر منسوبا للمؤثر فنبت هناك حقيقة 
يصح نسبة التكليف إليها لا وحود ها بدون الأثر وا مؤثر» وإن شئت قلت: :هي 
الأثر ملحوظا نسبته إلى المؤثر» ولا نقول: هي الؤثر ملحوظا ظهور وحوهه في 
الأثر لما قي ذلك من إيهام وقوع التكليف على الرب تعالى عن ذلك. وأما المثال 
الآخر في الحدثين فيصح ذلك من الحانبين» والله تعالى أعلم. وقرأت على شيخنا 
الملا إبراهيم طرفا من فصوص الحكم للشيخ محي الدين» وناولنيه» كما قرأ منه 
على شيخنا صفي الدين وناوله إياه» وهو ناوله إياه الشيخ حي الدين ف رؤيا 
رآهاء وقد ذكر الشيخ حي الدين» رضي الله عنه» في أول هذا الكتاب أنه ناوله 
إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم©. 


وهذا الكتاب من أغمض كتب الشيخ محي الدين إشارة وأدقها عبارة على 
صغر حجمه» وقد اعتئ الناس بشرحه» فشرحه جماعة كثيرة» ومع ذلك حارت 
أفهامهم في فهم كثير من رموزه واستخراج خبايا کنوزه» وأحسن ما رأيت عليه 
من الشروح شرح الملا عبد الرحمن الخامي» وكان الملا حامي» رضي الله عنه» آية 
من آيات الله في علمي الظاهر والباطن» وله شرح على كافية ابن الحاحب» هو من 


(1) كشف الخفاء 173:2. 
)2( فصو ص الحكم» ص: 9. 


- 524- 


أحسن شروحهاء وهو أكبر ساداتنا أهل سلسلة الخوحكان صاحب أصحاب قاء 
الدين نقشبند رضي الله عنهم. 

وقرأت عليه أيضاً طرفاً من أنوار التتريل للقاضى ناصر الدين البيضاوي» 
رضى الله عنه» من أولها؟» وذلك امحل الذي قرأته عليه هو الذي قرأه على شيخنا 
صفي الدين القشاشي» فاخترت قراءة امحل الذي قرأه على الشيخ تيمنا بذلك. 
وقرأت عليه المراحعة الي وقعت بين كمال الدين الشيخ عبد الرزاق الكاشي وبين 
الشيخ علاء الدولة السمنان*» رضي الله عنهماء في مذهب الشيخ حي الدين» 
وقوله في معن الوحود المطلق» وستأن بنصها إن شاء الى بل تقدمت. 

وقرأت عليه أيضاً مواضع كثيرة من كلامه في رسائله وتآليفه» أكثرها يتعلق 
عسألة وحدة الوحود ووحدة الصفات. وقرأت عليه رسالة كتبها برسمي في المسألة 
التي آلف فيها شيخنا صفي الدين وبالغ ني إيضاحها وتعددت تآليقه فيهاء رهي 
مسألة كسب العبد ونسبة فعل العبد | ليه وإلى قدرة الرب» فقد انتصر السشيخ» 
رضي الله عنه» في ذلك للقولة المنسوية لإمام الحرمين وتأوها على ما يناف مذاهب 
أهل الحق» وتشهد له بصائر أهل الكشف وتعضده شواهد الآيات ومعان الأخبار 
الصحيحة» وما فعل» رضي الله عن من تأويلها وتبيين معناها على حسب ما 
ظهر» وإن كان فيه غموض على أفهام كثير من الناس أولى مما فعله كثير من 
المشايخ من القضاة ببطلاما والتشنيع على الإمام أو على من نسبها إليه وأنكروا 
وحودها في كتبه» وذلك قصور منهم» رضي الله عنهم» فإِهُا قولة صحت عن 
الإمام ف رسالته النظامية الي هي من آحر مؤلفاته» ولذلك ن يتردد المتقدمون يي 
نسبتها إليه لإحاطتهم بأخبار الإمام ومطالعتهم لكتبه. ولا لم تشتهر هذه الرسالة 
لتأخرها كاشتهار الإرشاد وغيره من كتبه» لم تبلغ إلى بعض المتأخرين» فأنكر 
وحود القولة المشهورة في شيء من كتب الإمام» وظن أنما مفتعلة عليه وصدرت 
منه قي مجلس المناظرة على وحه المعارضة أو إرخخاء العنان أو غير ذلك مما لا يعد 
مذهبا لقائله. وقد بالغ شيخنا رضي الله عنه» في إيضاحها والاستشهاد لما في 
رسائله الثلاث» وكذلك تلميذه اللا إبراهيم بالغ في بياها وكشفهاء ومع ذلك لم 


(1) إتحاف الأخلاء» ص: 124. 
)2( أحمد بن محمد بن أحمد الملقب بعلاء الدولة السمنائي» عالم مشارك» له تصانيف كثيرة في التفسير 
والتصوف وغيرهماء توفي قبل الأربعين وسبعمائة بقليل: : طبقات الشاقعية 248:2. 


-525- 


تخل من غموض و لم تتضح كل الوضوح» ولا غرو إذ هي من معضلات المسائل 
الي حارت فيها أفكار المتقدمين ولم تحصل على طائل في تحقيق معناها آراء 
المتأخرين» فقصارى أمرهم فيها اعتقاد انفراد الرب تعالى بالخلق والتقدير» واعتقاد 
أن للعبد في أفعاله الاحتيارية كسبا به صح نسبة الأفعال إليه» وثبت التكايف 
وعلي ترتب الثواب والعقاب» وهذا معتقد جميع أهل السنة» وهو الحق لذي لا 
مخيص عنه» ولكنهم إذا ضويقوا في تحقيق معن هذا الكسب تباينت آراؤهم بين 
مائل إلى ما يقرب إلى الحبر» ومائل إلى ما يقرب إلى القدر. وأهل السنة لا يقولون 
بواحد منهما فقد قال الإمام سعد الدين في شرح العقائد بعد ما ذكر كلاما في 
معن الكسب ما نصه: وهذا القدر من المع ضروري إذ لم نقدر على أزيد من 
ذلك في تلخيص العبارة المفصحة عن تحقيق كون فعل العبد بخلق الله تعالى وإيجاده 
مع ما ليد فيه من القدرة والاشتيار فإذا علم أن فحول أدل السنة قل ع زر 
عن تحقيق معناه مع تظاهرهم وتظافر معتقداقم على نفي الخبر والاستقلال فلا 

ينبغي المبادرة إلى التشيع والإنكار على من أحدث قولا في المسألة بفهم أناه الله 
إياه وانتصر لقول من الأقوال المقولة فيها لأهل السنة بدلائل بينها الحق له» وبصيرة 
أنارتا الهداية الإية ما دام م يقض بصحة أحد القولين المتفق على إبطالهما عند 
أهل الحق» وها الجبر والاستقلال» لأن ذلك هو المعيار الصادق» فما دام العبد 
يعتقد في المسألة معتقدا ليس بحبر ولا استقلال» فهو على الجادة وإن عجز عن 
تحقيقه» إذ لا نكلف بإدراك الكنه ف كثير من المسائل الاعتقادية» وإنغا المككلف به 
فيها اعتقاد الثبوت والوحود فقط. هذه المسألة» أعي مسألة الكسب» ليست من 
المسائل الي يستحيل فيها إدراك الكنه حى نحكم بتضليل من ادعى إدراك كنهه 
وحقيقته» بل لغموضه وخفائه لم نكلف ععرفة حقيقته بل باعتقاد ثبوته ووحوده. 
وإن للعبد كسبا به نيط التكليف يوحد بوحوده مع استكمال الشرائط وينتفي 
بانتفائه لأن من لم يعتقد ذلك رقع لا حالة في أحد أمرين محالين: تحوير المولى تعالى 
أو تعجيزه تعالى الله عنهما علوا كبيرا. ولا بدع يي اعتقاد الإإنسان تُبوت شيء لا 
يدري كنهه کالروح» فإنا نعلم يقيناً وحوده وثبوته مع عجزنا عن ! إدراك كنهه. 
وليس إدراك الكنه فيه حال عقلا ولكنه لصعويته أمسك الشارع عن إيضاح معناه 
لعجز عقول أكثر الناس عن إدراكه. وقد نص الغزالي وغيره على أنه لا ينبغي 


- 526 - 


لمسلم أن يعتقد أن النبي» صلى الله عليه وسل لم يعرف ماهية الروح ولم يدرك 
حقيقته كيف» وقدا؟ أدرك من المعارف الإية والحقائق الربانية ما لم خطر بيال 
أحد من الخلق سواه؟ فكيف يعجز عن إدراك حقيقة روحه الذي به هو هي 
فيصير كأنه عجز عن إدراك نفسه) ومن عجز عن إدراك نفسه فهو عن إدراك 
غيره أعجز» وهی صلی الله عليه وسلي أحل قدرا من ذلك بل له التصرف التام 
في عالم الأرواح بأسره» وهو روح الأرواح الأمين ندعه وسميره في غالب الأوقات» 
وروح القدس ينفث ف روعه عا كان وما سيكون» فكيف لا يكون عالا بالروح 
وحقيقته» وإغا أمرنا بالإمساك فأمسك لكونه مشرعاء وقد قال: حاطبوا الناس عا 

يفهمون» أتريد أن يكذب الله ورسوله©) بذلك تقول في الكسب هو صفة من 
صفات العبد بحس كل أحد بوحودها فيه وثبوكا في محمله فيها يفرق بين أفعاله 
الاختيارية والضرورية» ولكنه لا يدري حقيقتها ولا يحقق كل التحقيق نسبة أفعاله 
إليهاء مع اعتقاد انفراد الله تعالى بخلق العبد ولق أفعاله غير مفتقر إلى معين. 
واعتقاد أن لكسب العبد دخلا في وحود أفعاله على وحه لا يضايق فيه القدرة 
الإهية ولا يزاحمها ولا يعينهاء ولكن عجزنا عن إدراك ذلك على وحه» ومن أناه 
الله فهما وعلما ونورا فأدرك حقيقة ذلك كما يدرك العارفون بالله حقائق أشياء 
كثيرة من علم الغيب والشهادة قد عجز عن إدراكها أكثر الخلق» فلا ينبغي 
الإسراع إلى الإنكار عليه ولا التشنيع عليه إذ لم يدع محالاء فالأولى التسليم له 
سيما إن كان من أئمة الهدى ورؤساء السنة وكبراء الأمة» كإمام الخرمين» رضي 
الله عنه» ومن ظهرت ديانته» وثبتت إمامته» واتضحت عدالته» وغلبت على الظن 
ولايته» وثبتت في علوم الشرع مشاركته» ولم يرم ببدعة ولم ينبذ بسوء اعتقاد 
كشيخنا الغوث صفي الدين القشاشي رضي الله عنه» وإن كان لا بد من التعقب 
والنقد والنظر في كلام من هذه صفته» فلينظر بعين الإنصاف وسداد الرأي إلى 
كلام فإن فهمه الناظر حق إليهم سبره بالمعيار المتقدم من عرضه على آراء أهل 
الضلالة» فإن وافق أحد الجانبين الباطلين كل الموافقة حي صار هو هوء فهو حدير 
بأن يلغى ويترك وتوكل سريرة قائله إلى الله لاحتمال أن عبارته لم توف بما في 
ضميره لعلمنا بأنه من أهل السنة» وإن لم يوافق أحد الجانبين امحكوم ببطلانما إلا 
أنه على خلاف ما كنا نعتقده نحن ونتوهمه ونفهمه من كلام الغير» فلا ينبغي أن 


(1) في ط: وهو قد. 
)2( تفسير القرطبي 8 ؛» وفيه حدث بدل خاطبواء. 


-527- 


تحكم ببطلانه لأحل مخالفته لكلام الغيں لأن الحق في المسألة ليس منحصرا في 
شىء بعينه يد ركه كل أحد فيحتمل أن هذا القائل قد عثر على الحق أو على 
حانب منه إذ ليس فيه إمارة الباطل ودليله. 

وأما إن كان الناظر في كلام أحد من الأئمة المتقدم ذكرهم لم يفهمه كل 
الفهم وم يحط علما عقاصده والتبست عليه المذاهب في تحقيق مقالنه. وهذا 
وصف غالب من ابتلى بالاعتراض على المشايخ» فما أحدر هذا بأن عسك عن 
الخوض في ذلك لأن الحكم على الشيء بالصحة والفساد فرع تصوره» وهذا لم 
يتصور شيئا من معتقد هذا الإمام حى يحكم برده أو إمضائه» فليحرر هذا المسكين 
معتقد نفسه على مذهب أهل السنة والحق» وليجتهد قدر طاقته في تتريهه عن 
مذاهب أهل الباطل ف موافقة أهل الحق قدر وسعه» وليترك ما وراء ذلك لأهله 
فإن خاض فيه فقد عرض نفسه لا لا قبل له به. 

وقد ابتلي أقوام من المترسممة من أهل عصرنا بالتشنيع على شيخنا صفي الدين 
وتبديعه وتضليله وقالوا: إنه يقول بتأثير القدرة الحادئة» وحالف الشيخ السنوسي 
وغيره من المشايخ» ورد عليهم. فإذا طولبوا بتحقيق ما ردوه عليه عجزواء فإذا قيل 
هم: ما معن التأثير الذي نسبه للقدرة الحادثة وما معن التأثير الذي نفيتموه أنتم 
مع تسميتكم ها قدرة؟ٍ م يؤتوا من الخواب إلا يجعجعة ليس ها طحين» ومهمة 
ليس معها تبيين» مع أن الشيخ» رضي الله عنه» مصرح بعدم تسميته وصف العبد 
قدرة إلا على وحه انخاز إذ لا يعقل من معن القدرة إذا أطلقت إلا وصف له 
تأي فإن سمينا وصف العبد الذي له نسبة في وحود الفعل حعلها الله له قدرة 
بحازاء فلنسم تلك النسبة الي حعلها الله له قي وحود الفعل أيضاً تأثيراً بجازاء وإن 
قلنا لا تأثير لقدرته» نعي حقيقة» فلنقل لا قدرة له أيضا حقيقة» وإغا هي قدرة 
واحدة قديكة إفية ذات نسبتين» نسبة وحودها وقيامها بذات المولى حل جلاله أزلا 
وأبدأء فتنسب إليها الأفعال حقيقة على وحه الخلق والاختراع والاستقلال يما على 
وفق الإرادة القدعة» ونسبة ظهورها في محل العبد وتحليها فيه كما هو شأن سائر 
الصفات في جحليهاء إذ قدرة العبد من قدرة سيده» وحوله بحوله» وقوته بقوته» كما 
أفصح بذلك لا حول ولا قوة إلا بالله الذي هو كتر من كنوز الحنةء فتدسب إليها 
الأفعال يبهذا المع على حهة الكسب والإضافة» وينسب إلى ذلك الكسب تأثير 
يناسبه على وجه الحاز لكونه محلا لظهور الأثرء فإن المحاز عند العرب إذا تجوز في 


- 528 - 


حقيقة من الحقائق بحوز فيهما مع عوارضها المشخصة الى لا تنبت الحقيقة ولا 
توحد إلا بماء فإذا تجوز في إطلاق السبع على المنية تحوز في الحقيقة السبعية مع 
عوارضها وصفاتها الي لا تكمل السبعية إلا بماء مثل الأظفار والجرأة العظيمة 
والاغتيال بالقهر» وحعلت تلك الأوصاف كلها مجازاً للمنية كما كانت للسبع 
حقيقة» وإلا لما صح التجوزء فلو قيل مثلا: المنية سبع لا ناب له ولا ظفر ولا 
حرأة ولا اغتيال لقبح ذلك كل القبح عند كل ذي ذوق سلیم» وقضى برده على 
كل ذي عقل فهيم» فكذلك يقلل في الكسب الذي هو وصف العبد مع القدرة 
فإن سمينا وصف العبد قدرة لكونه له نسبة حعلية ثي وحود الفعل» كما أن للقدرة 
نسبة ذاتية في ذلك فلنجعل لذلك الكسب الذي “ميناه قدرة تأثيرا جحازيا يناسبه 
وإلا بطل تسميته قدرة كما بطل تسمية المنية سبعا من غير إثبات أوصاف السبع 
اء ولأحل هذا مع تتريه أوصاف الحق تعالى أن ينسب شيء منها إلى العبد تحاشى 
الأقدمون من أهل السنة والسلف الصالح عن تسمية وصف العبد قدرة فلا تكاد 
تسمع في مؤلفاقهم إلا الكسب حي تحاسر على إطلاق القدرة المتأخرون ورأوا أن 
لا فرق بينه وبين القدرة» وم يتجاسروا على إطلاق التأثير على نسبته إلى الفعل 
تباعدا عن قول القدرية بخلق العبد أفعاله فقالوا: قدرة لا تأثير» فأثبتوا لعبد قدرة 
فراراً من قول الخيرية» وقالوا لا تأثير ها فراراً من قول القدرية» ولعمري إنما لعبارة 
حسنة ف بادي الرأي متوسطة بين قولي الإفراط والتفريط إلا أنها إذا حكمت 
على معيار التحقيق وطولب صاحبها كل المطالبة أدّت إلى شيء لا يدرك له 
صاحبه معنن ولا يجد له مفهوماء ولذلك قال بعض من عاب علم الكلام كما نقله 
ابن القيم وغيره جحالات الكلام ثلاثة: طفرة النظام» وأحوال أبي هاشم» وكسب 
الأشعري» فإنك إذا حققتها لم تحد شيئاء فطفرة النظام هو قوله إن الجوهر ينتقل 
من المكان الأول إلى الثالث من غير أن عر بالثان» وأحوال أي هاشم يقول ليست 
موحودة ولا معدومة» وكسب الأشعري يقول قدرة ولا أثر ها وذلك عين العجز. 
وانظر إلى ما آل الأمر إليه بسبب سوء التعبير حي عد معتقد أهل الحق والسنة مع 
محالات المعتزلة في نسق واحدء فإذا سعى أحد من علماء الأمة عا أتاه الله من النور 
والفهم كشيخنا القشاشي وبذل جهوده في إثبات معن للكسب يبعد به شيا ما 
عن هذه الحالات الي عد من حملتها وأيد ما أثبته من ذلك بالآيات والأحاديث 
وأقاويل أهل الحق مع نورانية الكشف الصحيح, فلا يشنع عليه إلا خذول أعمى 
البصيرة» ولقد تكلمت مع بعض من زعم أنه ألف في الرد عايه فقال لي: إن 


- 529 - 


حرت في كلام هذا الرحل بينما أقول هو قدري محضء لما يظهر من كلامه إذ 
رحع رأبي فيه إلى أنه حبري حض» فلا أدري من أي ال جهتين هو وقد حرت في 
أمره» قلت له: شهدت ورب الكعبة بالسنية المحضة» وأنت لا تشعر لأن أقوى 
دليل على كون معتقد العبد موافقا للسنة في هذه المسألة كونه ليس مع أحد 
الجانبين» ودليل كونه في غاية التوسط الذي هو غاية التحقيق كونك كلما اعتبرته 
مع أحد الطرفين ظننته أقرب إليه من الطرف الآخر كقطب الدائرة ومركزهاء 
فعلامة توسطه أنك كلما اعتيرته مع قطر من أقطارها ظنته أقرب إليه من الآخرء 
وهكذا كلام هذا العارف إذا معت قوله القدرة العبد تأثير قلت: هذا قريب من 
مذهب القدرية» وإذا سمعت قوله: إنما هي قدرة واحدة ولا قدرة للعبد أصلاً إلا ما 
يظهر من أثر قدرة الحق في محله» قلت: هذا قريب من مذهب الجبرية» وهذا 
لعمري غاية التحقيق لمن علمه» وهو حري بالاعتقاد لمن فهمه» وبالتسليم لمن م 
يفهمه فإن فيه نوع غموض لا يظهر كل الظهور إلا بالكشف الصحيح ولذلك 
كانت تآليف الملا إبراهيم ثي المسألة أقرب إلى الأفهام من تآليف شيخنا الصفي 
لأن الصفي الغالب عليه والمستولي عليه صحة الكشف فيعتمد عليه كثيرا وعلى 
أقاويل العارفين كالشيخ محي الدين وأضرابه وعلى دلائل الكتاب والسنة ولا 
يعر ج على دلائل المتكلمين إلا قليلا فعسر فهم كلامه على كثير من المترسمة الذين 
لم يكونوا على قدمه في العرفان والكشف عن معان الأسماء والصفات. 

وأما شيخنا الملا إبراهيم فلقوة نظره في المعقولات وسعة اطلاعه على أقاويل 
المتكلمين وتمييز صحيحها من فاسدها أبرز المسألة في قالب مسائل علم الكلا 
واحتج ها بادلتهم» وردها على صحيح أقوال أهل السنة» وتتبع الأدلة الي أبطل 
كما أهل السنة أقوال القدرية والجبرية» وبين أن واحداً منها لا يدل على بطلان هذه 
القولة بعمومه ولا بخصوصه» بل ذكر لي أنه فحص غاية الفحص فلم جد في كلام 
الأشعري» رضي الله عن ما يدل على نفي الأثر عن القدرة الحادثة وإنما يوحد 
ذلك في كتب الأصحاب معزواً له. قال: بل وحدت في كلامه نفسه في كتاب 
الإبانة الذي ضمنه معتقده وأمر أصحابه باعتقاد ما في ما يشعر عا هو كمذهب 
إمام لحرمين» وقد نقل ذلك يي رسائله وسأذكر بعضها آخر الترجمة إذ الغرض من 
هذه الرحلة أن تكون ديوان علم فلا آلو ما أدحلت فيها من الفوائد لرغبة كثير 
من الصحاب ي ذلك. 


- 530 - 


أخبرني الشيخ الملا إبراهيم أنه كان في أول اتصاله بالشيخ يضيق عليه النطاق 
في أمثال هذه المباحث من وحدة الوحود ووحدة الصفات وغير ذلك مما لم يوافق 
عليه العارفون بآراء المتكلمين لأنه كان متضلعاً بعلوم أهل الكلا» وكان الشيخ 
الصفي» > رضي الله عن إذا أحس منه بشيء من ذلك يقول له: أثبت فسيشرح الله 
صدرك لقبول الحق» وليس هذا الأمر بسهل إنما هو كالخروج من دين إلى دين. 
قلت: والمعتقدات هي أعلى الدين» فلا يخرج الإنسان من معتقد ألفه إلى معتقد 
أعلى منه إلا ببرهان واضح ونور لائح» يظهر به عدم مخالفة الاعتقاد الثاني للمعتقد 
الحق الذي قامت عليه دلائل الكتاب والسنة إلا أن المعتقد الثاني يكون أعلى من 
الأول وأبين أوضح إذ لا يكون الاعتقاد الثانٍ مبايناً للأول إلا إذا كان أحدها 
فاسدا» ومعتقدات أهل السنة والحق قامت البراهين القطعية الى لا تحتمل شكا ولا 
ترديدا على صحتها إلا أن بعضها أكمل من بعض في الوضوح والبيان. وإن 
كانت كلها بينة واضحة فليس معتقد عوام المؤمنين المستند أولا إلى تقليد علماء 
الأمة ثم ثانيا بعد انتهاء عقوطم إلى نظر حملي كمعتقد علماء الأمة العارفين بأدلة 
الكتاب والسنة وقضايا العقول الضرورية والنظرية ععتقدات هؤلاء لا يطمع في 
تزلزطا شيطان مريد ولا ملحد عنيد لتشييدها بالأدلة القاطعة والحجج الساطعة» 
ومع ذلك فليست معتقداتهم بالنسبة إلى معتقدات كبراء العارفين أهل الكشف 
الصحيح والذوق الصريح والبصائر النورانية إلا كنسبة معتقدات العوام إلى 
معتقداقم» لأن معتقد العارف مستند إلى الشهود والعيان ببصائر الإعان والإيقان» 
فلا يحتاحون إلى إقامة دليل ولا وحود برهان» فمثل معتقدات الفرق الثلائة كمن 
كانوا في بيت مظلم فأحبرهم مخبر بطلوع الشمس فصدقوه كلهم لتجربتهم له قبل 
ذلك ولأنه لا يكذب فلم يبق عندهم شك في طلوع الشمس» > ثم نظر قوم منهم 
إلى ت شقوق وطيقان في حدار البيت فرأوا ضوءا لامعا ونورا واضحا فازدادوا يقينا 
بطلوع الشمس لقول المخبر: وما لاح لهم من الدليل الدال على طلوعها وهو 
الضوء اللامع» ثم قام قوم إلى باب البيت ففتحوه فرأوا قرص الشمس بعينه» 
فحصل لم علم" اليقين بطلوع الشمس من غير احتياج إلى دليل» بل غابوا عن 
مشاهدة الدليل» فلو رام أحد منهم أن يستدل بعد الشهود عد ذلك منه غلطا كما 
قيل: 


)1( في ط: علم. 


- 531 - 


[طويل] 
فؤادي لا يححاج في هلشاهد وتقريري المعلومً ضربٌ من الجهل 


ومن الأمثال الشهيرة ليس بعد العيان بيان. وقد قال الشيخ أبو الحسن 
الشاذلي: إنا لننظر على الله ببصر الإإعان والإيقان فأغنانا ذلك عن الدليل والبرهان. 
فقد تبين لك تفاوت حال المعتقدات مع صحتها كلهاء وكون المعتقد شيئاً واحدأء 
فالانتقال من عقائد العوام على عقائد العلماء لا يحصل إلا بعد فهم الأدلة الي 
استدلوا يماء والعلم بصحتهاء وكذلك الانتقال من عقائد العلماء إلى عقائد 
العارفين لا يكون إلا عن مترلة صحيحة لأحواهم والوصول إلى مقاماقم» فمن 
أراد اعتقاد معتقداقم تقليدا صعب عليه الأمر ونازعه الوهم لأن العقل لا يذعن 
لقبول ما لم يدرك ولكن كما ينبغي للعوام تقليد العلماء فيما قالوه وإن لم تد رکه 
عقوهم» وثوقاً متهم بحسن نظرهم وسداد رأبهم كذلك ينبغي للعالم تقليد العارف 
الذي فوقه فيما لم يبلغه عقله تحسينا لظنه به إذ لم يأت بشيء أقام القاطع من 
العقل والنقل على بطلانه» إنما أتى بشيء عجز عقل العام عن إدراكه لضعف 
بصيرته وعدم وصوله إلى ما وصل إليه العارف وبيركة تقليده له وحسن ظنه به 
يوصله الله إلى لقائه حى يصير ما كان تقليدا علما يقيناء وما كان علما عن غيب 
عرفاناً عن شهود» وإن لم يوفق لنقليده فيما قال» فأقل درجته التسليم له فيما أتى 
به» إذ منازعته فيما لم يحط به علما ولم يدركه عقله حرمان وخذلان. 


ولقد أعحبرئ الملا إبراهي هيم أن الشيخ صفي الدين كان يقول لهم في أثناء 
التقرير ذه المباحث: يا أولادي إ إنغا أشتغل بنقل هذه الأدلة وقذيبها وأفرح عا 
أحده من كلام أئمة الحق موافقا لقولي» كل ذلك لأحلكم وحرصا على هدايتكي 
وإلا فإنا على بصيرة من ربي ونور منه فيما أقوله من ذلك وأعتقده ولا يضرن 
مخالفة مخالف ولا يزيدئ علماً موافقة موافق. 

قلت: ومصداق ذلك قوله عليه السلام لما نزل قول الله تعالى: (فإن كنت 
ف شك مما أنزلنا عليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك)01 الآية. لم أشك 
وم أسأل لكونه عليه السلام حصل له من العلم واليقين ما لا مزيد فيه موافقة 
أحد» ولا ينقص منه مخالفته. قال الملا: كنت أقول للشيخ لما ظهر لي لوائح صدق 


)1( يوئس:94. 


- 532 - 


مقالته وشرح الله صدري لفهمها: يا سيدي إن هذه المقالة لا عكن تقريرها ولا 
تمشيتها على قواعد المتكلمين إلا من فهم معن وحدة الصفات» وأقر ها وصدق 
يحاء وأكثر المتكلمين لا يقولون بذلك ولا يعرفونه كما لا يعرفون وحدة الوحود. 
قال الملا: ثم رأيت بعد ذلك في كلام العارف بالله الشيخ عبد الحليل القصري 
ماح ا ا ا ا 

إن لم يصدق بوحدة الوحود ووحدة الصفات الم يقدر على فهم شيء من أقوال 
العارفين خصوصا ف المعتقدات» ومع ذلك فقد كان الملا لا يألو ما أبرز أقاويل 
العارفين في قالب آراء المتكلمين تقريبا للأفهام» ومن طالع رسائله وتاليفه صدق 
بذلك وعلم صحته. 


لطيفة: 


كان شيخنا الملاء رضي الله عنه» ذات يوم يقرر لي مسألة من الحقائق 
المتعلقة بوحدة الوحود» فاعتاصت على فهمي وأبيت من قبوطاء ثم بعد ذلك لقيته 
فقال لي: إني كنت اغتممت آننفا لعدم قبول فهماك لا أقرره لك وأهمئ ذلك 
كثيرا» قنمت فرأيت ف النوم قائلاً يقول لي: : حياتهم تفقههم» فانتبهت» فزال ما بي 

من الغم» ورحوت الله تبارك وتعالى سيفقهك في هذا الأمر عا يضعه من حياة 
المعرفة ف قلبك لا بنظم الأدلة وتقريرهاء وإني لأرحو بركة هذه الرؤيا وأطمع في 
ظهور صدقهاء ولا يأس من روح اللهاة. على أن أحمد الله تعالى ولا أححد 
حصول بعض أثرهاء نسأل الله تعالى تمام النعمة ودوامها. 

ولقد كان» رضي الل عنه يعجبه صدقي ف عدم قبول ما لم أحط به علماء 
وقولي له: إن وإن صدقت القوم فيما يقولون» واعتقدت صحة مقالتهم» > فإ لا 
أنتقل عما أنا عليه من معتقد العوام المقطوع بصدقه إلا ببرهان من الله واضح؛ 
وحجة منه قاهرة» فإن يردن الله بذلك ويؤهلئٍ لسلوك طريقهم» فسيفتح لي بابا 

من المعرفة فسأدرك ما تقول» وإن ن يكن غير ذلك فلا ينبغي لي أن أتعاطى ما ليس 
لي به علم: ولا حير في ود يكون تكلفا. 
(1) إشارة إلى قوله تعالى: (يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس 


(2) هذا صدر بيت لليوسي بقيته: ولا في ودود حيث لنت له شدمخ: زهر الأكم 235:2. 


-533- 


وقد قال صاحب اليكم: الواردات الإهية قلما ترد إلا بغتة» وقد حلت أن 
تنال بتعمل وتكلف". ورعا أكثر مخاورني بعض أصحابه عند جمودي على ما أنا 
عليه من عقائد العوام» فيقول لهم الشيخ: دعوه فإن لصدقه بركة سينال ها بعض 
ما امتنع من قبوله الآن» واستصوب رأيي في ترك تكلف ما لم يؤهلئ الله لمعرفته 
ولكن مع ذلك كان يحضي على تصديق المشايخ واعتقاد أن ما قالوه حق وإن لم 
أفهمه. وتقليدهم فيما لا ضرر علي في تقليدهم فيه» ويقول لي: إن تقليد الصادق 
واعتقاد صحة قوله أصل كل خير» وما نال من نال من أهل الطريق إلا ببركة 
اعتقادهم في مشايخهم» والتقيد المذموم إنما هو الاقتصار عليه من غير سعي يي 
إدراك العلم» أو تقليد ما لم يتبين صدقه» وأما من تبين صدقه» كالرسل» عليهم 
السلام» أو ورثتهم من أكابر العارفين» فتقليدهم عتزلة العلم الحاصل بالدليل» لأن 
الدليل القائم عندك على عدالتهم وهدايتهم وسلوكهم سبيل الحق دليل لصدقهم 
فيما ادعوا ومُبِين لصدق مقالاتمم» وهذا كله فيما كان ظاهر اللفظ واضح المعى 
وأما ما حفي على الإنسان معنا لغموضه ودقته» فيجزم بصحته وصحة مدعيهم 
على نحو ما فهموه همء لا على نحو ما جيل إليه هو أنه هو معناه» حي يتبين له 
ببرهان واضح أنه فهمه على النحو الذي أرادوى وعلامة ذلك أن يفهم كلامهم 
على غط لا يخالف كتاباً ولا سق ولا يورثه شكا ولا تزازلاً في معتقداته» بل 
ينشرح به صدره ويقوى به يقينه» وتنبسط أنوار علمه في قلبه حى يعلم أنه الحق» 
وما دام جحد على المعن الذي فهمه من كلامهم ظلمة وشكا وتزلزلا في اليقين» 
وتخيلا لتصوير الحق على صورته» وتنقلاً من فهم إلى فهم تارة أعلى منه وتارة 
أدن منه من غير انضباط» فليعلم أنه نم يفهم إلى الآن كلامهم على ما هو عليه 
وليتمسك ععتقده الذي لا حفاء فيه» وليحسن الظن بم فيما قالوه أنهم أرادوا به 
غير ما فهمه هی وليلجأً ! إلى الله تعالى أن يفهمه ما أشكل عليه من كلامهم تفهيما 
يوافق به ظاهر الكتاب والسنة» وهذا معيار صادق يعلم به الإنسان أنه فهم كلام 
العارفين على وحهه أو أحطأ فيه فتمسك به (ولا يستحفتك الذين لا يوقنون)1©» 
وإلى هذا المعن يشير قول بعض العارفين من شيوخ الرسالة في قوله: إنه لتقع لي 


(1) جاء في الحكم: قلما تكون الواردات الإلهية إلا بغتة» صيانة لها أن يدعيها العباد بوجود الاستعداد: 
الحكم» ص: 19. 

)2( الروم: 59. 

(3) لم ترد هذه الفقرة في النسخة التي اعتمدناها من الرسالة القشيرية. 


- 534- 


النكتة من كلام القوم فأدعها تختلج في صدري أياماء فأقول للما: لا أقبلك إلا 
بشاهدين عدلين من كتاب وسنة» فمعين شهادة الكتاب والسنة للنكتة أن يفتح له 
فيها فهم توافق الكتاب والسنة حى ينشرح صدره لقبولماء فمعن عدم قبوها عدم 
قبول المع الذي فهمه منها لا عدم قبوا أصلا وردها على أرباها وحكمه 
ببطلانئماء فمعاذ الله أن يقضي عارف بذلك يي كلام عارف» ولأحل ذلك قال 
سيدي عبد الوهاب الشعران ناقلاً عن غيره ومقرراً له في أي ما كتب من تآليفه: 
ما من أهل كل علم من العلوم إلا ويقع بينهم احتلاف في أشياء كثيرة يثبتها قوم 
وينفيها آخرون» أو يصححها هذا ويبطلها ذاك إلا الحققون من الصوفية العارفون 
بالله فإنه لا يقع بينهم اختلاف أصلاء وما يظن أنه احتلاف في كلامهم لا 
احتلاف فيه أصلاً عند من فهمه لام لا يتكلمون إلا بصدق وعن مشاهدة لأن 
الطريق لسان صدق» وما كان صادقاً لا عكن فيه اختلاف» لأن الصدق لا يناقض 
الصدق؛ إذ كل متناقضين من الكلام فأحدهما صادق والآخر كاذب» ولا يقع فيه 
وهْم أيضا لأنهم لا يتكلمون عن حدس وتخمين؛ وإغا يتكلمون عن مشاهدة 
ويقين» ولأحل ذلك لا يقع اختلاف وتناقض ف كلام الله وكلام أنبيائه ورس له 
لأنه كله صدق» والصدق يصدق بعضه بعضاء ولذلك كان القرآن (مُصّدقاً لما بين 
يديه)!؟ وما حلفه» فهو مصدق لكل صدقء ويصدقه كل صدوق» وكذلك كلما 
هو صدق» والعارف وارث البى في الصدق» ولذلك كانت الصديقية أدن درجة 
تلي درجة النبوءة» فمن وحدت في كلامه اختلافا حقيقيا وتناقضا بينا فليس 
بصديق» بل هو في عداد السالكين السائرين» يستقيم تارة ويعو ج أخرى» حي 
يصل إلى ما قسم له أو يعاحله الأحل في الطريق» فيحشر في زمرة السائرين إلى الله 
لا في زمرة الواصلين إليه» والمؤمن القوي عند الله حير من المؤمن الضعيف» وق 
كل خحیں والله المستعان. 


> ر 3 ع 

ولقد قرر لي الملا رضي الله عنه ذات يوم كلاما يتعلق بشيئية المعدوم» وأن 
المراد بذلك عند العارفين الحقائق العلمية» فهي شيء لحصول الوحود العلمي طاء 
وأنه ما من شيء و جحد أو سيو جد إلا وله حقيقة علمية هي عينه يي الدائرة 


العلمية وهو عينها في الدائرة الحسية وعلى طبقها ف الوحود الخارحي من دون 


(1) البقرة: 97. 
- 535 - 


تفاوت» فالموحودات كلها ها مراتب في الوحود من وحود خارحي ووحود علمي 
وما بينهما من مراتب الوحود | إلى أن تصير محوا وعدماً في وحود الذات. 

وأراد رضي الله عنه أن يدرحن بفهم ذلك إلى فهم وحدة الوحود وأن 
الوحود المطلق الحق الشامل لكل وحود مقيد غير مقيد في حد ذاته حى بقيد 
الإطلاق» فاعتاص علي فهم ذلك التقرير وامتنعت من قبوله لا سبق إلى أفهامنا من 
أن المعدوم قبل وحوده محض ليس بشيء ولا ثابت خلافا للمعترلة القائلين بشيثيته 
لعداون أهله حي تبين لى بعد ذلك أن بين المذحبين بون بین (فإذا الذي ينك 
وبينه عداوة كأنه ولي حميم)!0. 

وقد أف شيخنا الصفي في هذه المسألة رسالة “بماها نفحة اليقين وزلفة 
التمكين للموفقين بين فيها معنن كون المعدوم شيئاً وثابتاً عند العارفين وأهل 
السنة» وأن ذلك ععئ حقيقته العلمية؛ إذ لا نزاع في أنه ثابت ف علم الله متميز 
بحقيقته عن كل اشا ئق» فله حصة من الوحود الت هي الرحود العلمي؛ لا كما 
المظلمء فيدحل عليها سراج» فيرزها ذلك السراج ولا بوحدها” لأا موحودة 
قبل ذلك. 

وأهل السنة يقولون: إا قبل الوحود عدم محض» يعي ليس ها شيء من 
الوحود في حد ذاقاء ولا يدكرون تعلق العلم يما. والعارفون كشفوا القناع وفصلوا 
في ابحزء مشا فقالوا: إن للوحود مراتب كثيرة) أول مراتبها الي يقع فيها 
تفصيل الحقائق وتمايزها الوحود العلمي» وآنحرها الوحود الخارحي الحسي الذي 
هو غاية تمايز الحقائق وتباينها بعوارضها الخارحية المشخصة فال فالمعدوم بالنظر 
إلى الوحود العلمي المتعلق به شيء وثابت» وبالنظر إلى الوحود الخارحي عدم 
محض إذ لم يحصل له شيء منه» وهو الذي نفاه أهل السنة عنه رضي الله عنهم 
وهو الصحيح. وأما الوحود العلمي فلم يقع فيه نزاع بين الفريقين» ولم ييق 
حلاف بين أهل السنة وأهل الحرمان إلا في كون الحقائق» باعتبار تعلق العلم يماء 
تستحق بذلك إطلاق الشيئية والثبوت عليها أم لا تستحقف وهو حلاف لفظي» 
(1) فصلت: 33. 
(2) في ط: يوجهها. 


- 536 - 


والخطب فيه سهل. وقد علم أن ما هذ" سبيله لا يعده امحققون خلافاً» والذي 
اعتاص علي من فهم© هذه المسألة عند تقرير الشيخ لا هو جعلها أصلاً لوحدة 
الوحود ووحه بنائه عليهاء فكان يُحَيّل لي إذ ذاك أن ذلك يؤدي إلى القول بقِدَم 
العالم لأن تعلق العلم بكل موحود قدم» فلو قدرنا المعدوم موحودا بذلك الوحود 
العلمي لكان ثبت له الوحود أزلاء وذلك معن القِدَم. وذهب عي أن هذا الوحود 
العلمي من النسب والإضافات الي هي اعتبار محض» وأن الوحود الحقيقي الذي 
يحكم بقدمه أو حدوثه وحود الشيء في نفسه الذي هو به في حد ذاته» وذلك لم 
يقع بي الأزل إلا لله بأبمائه وصفاته» ووقوعه لغيره إا هو فيما لا يزال» وما ميناه 
وحودا علميا حاصلا للمعدوم إلا هو اعتبار محض» أي اعتبرنا تعلق علم الله به 
فحصل له بذلك وحود ما صح أن يعتبر في مرتبة ما» وهي مرتبة تعلق العلم 
ععلومه؛ إذ العدم الحض لا يعتبر في مرتبة ماء إذ ليس هنالك ما يعتبر» فلا يخبر عنه 
ولا يشار إليه ولا يراد» إذ لا فرق بين قولك: أردت عدماً محضاً وم أرد شيئاء 
وعلمت عدما محضا وم أعلم شيئاء بخلاف العدم الإضاي فإنه معتبر في مراتب 
كذاء فتقول: أردت عدم كذا وعلمت عدم كذاء فقد تبين لك أنه لا فرق بين 
قولنا حقيقة المعدوم موحودة في علم الله قبل وحوده في الخارج» وبين قولنا تعلق 
علم الله بوحوده في الأزل. 

ولقد قال لي صاحبنا السيد محمد بن رسول» وكان حاضرا: تقرير الشيخ 
للبناء المذكور وعدم تسليمي له ذلك: عجبا لك فلان مع ذكائك وزكاء فطرتك» 
كيف لا يقبل ذهنك هذا مع ظهوره. فقلت له: أعجب من ذلك أمرك لي أن أقفو 
ما ليس لي به علم!6» وأطلق من يدي ما كنت أعلم قبل هذا قبل أن أحد ما هو 
أحسن منه» مع شهادتك لي بالذكاء وزكاء الفطرة» فلا أعظم بلادة وبلها من 
الصبي» ومع ذلك لو حهدت كل الحهد أن يعطيك ما في يده من غير أن تعطيه 
أحسن منه م يعيلكه. > فإذا رأى أحسن منه فلا يحتاج إلى معاخة بل يرمي ما في 
يده ويأحذه وأنا لو رأيت أحسن ما في يدي» وفهمنيه الله وعلمنيه لأحذته 
ورميت ما عندي من غير أن أحتاج إلى تحريضك لي وثنائك علي» فأنا أهقسك عا 


(1) في ط: هنا ما . 

(2) في ط: فهمه. 1 

(3) إشارة إلى قوله تعالى: ( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه 
مسؤولا ): الإسراء: 36. 


-537- 


عندي وأطلب غيره فإن وحدت منها أحلى وأصفى وأبرد ما في أدوان» وشربت 
وملأت أدوان» وأهريق" ما فيهاء وإن هرقتها قبل ذلك لقول الناس: إن أمامك 
ماء عذب بارد أحسن من الذي في الأداوة» حشيت أن مب “موم محرقة فأموت 
عطشا قبل الوصول إلى الماع فدعي أنبلغ عا عندي» فإنه مسك لرمقي وكاف 
لحاحي حي يأتيئي الفتح أو أمر من عند الله. (فإذا حاء أمر لله قضي بالحق)2 
وإذا حاء فر الله بطل مر معقل» وقدعا قيل في الأمثال: رد عائك» وكم من مريد 
ضل من هذا الوحه إن برقت له بارقة من فهم أو علم أراق ما عنده من ماء العلم 
والمعرفة» فاعتمد عليها قبل أن يتمكن منهاء فقد ينقطع ذلك أو يكون برقيه 
مخُلياا» فيبقى مذبذبا لا عا أمامه انتفع ولا عا حلف ورائه انتجع. ومن أراد ستر 
عورته فلا يخلع القميص الموالي لبدنه حى يلبس آحر فوقه» وإلا انكشفت عورته 
وهو لا يدري. ومن رأى حلة تباع في السوق فباع هملته؛) ليشتريها فقد فوّت 
على نفسه الانتفاع بالشملة» وم يدرك التمتع بالحلة فافهم الأمشال وتصب 
مواضع الإشكال» وعض على دينك بالنواحد والأضراس» ولا تكن طفيل 
الأعراس» واللّه المستعان. 


ولا قرأت على الملا في شرح الداية قول الحكماء: لا بد للجوهر من وقفة 
بين كل ح ركتين مختلفتين» فألزموا على ذلك أن ذرة لو ارتفعت في الجو ولقيها 
حبل منهبط لوقف الخبل عند ملاقاته إذ لا بد للذرة من وقفة بين ح ركتها مرتفعة 
وحركتها منهبطة فالتزموا ذلك. فقلت له: يا سيدي عكن أن يجاب من قبل 
الحكماء بأنا لا نسلم وقوف ابل لأن الذرة لا تبت حى تلاقي الجبل» بل يردها 
انضغاط المواء أمام وقع البل» فتنحدر قبل ملاقاة الحبل فتكون تلك الوقفة الخفية 
قد حصلت ها قبل ملاقانما للجبل. فقال: يعكن أن يحاب بمذاء وكان رضى الله 
عنه منصفا. وقد يقال في هذا اللجواب أنه لم يصادف محل الإلزام لأن الإلزام إنغا 
هو على تقدير ملاقاة الخبل للذرة» وأنتم فرضتموه غير ملاق اء فلا يكون 
حوابا. فنقول: إن الملاقاة المذكورة لا تقع عادة» ولو قدرها العقل وفرضهاء إذ لا 
يصح عادة طلوع ذرة مصادمة طواء قد ضغطه انحدار حبل قوي مع أن حركتها 


(1) أهيرق: هراقت السماء ماءها وهي تعيرق» والماء مُهراق: لسان العرب: هرق. 
(2) غافر: 77. 

(3) خلب: البرق الخلب: الذي لا غيث فيه: ڏسان العرب: خلب 

(4) الشملة: كساء يشتمل به: لسان العرب: شمل 


- 538 - 


قهرية وحر كته طبيعية» وإذا لم يبق إلا بحرد الفرض والتقدير» فلا يضرنا تقدير 
حبل قد حصرته ذرة ومنعته من ابوط إذا كان ذلك فرضا وتقديرا غير واقع بي 
الخارج. فإن قيل: إن الهواء المنضغط المانع لحركتها العلوية هو أيضاً متحرك فيازم 
أيضا وقوفه» ووقوفه يستازم وقوف الحبل فيعود الإلزام» فنقول: إغا ا 
وقوف الجزء الملاقي للذرة من الواء لأنه ذو أحزاء» ووقوف ذلك الجزء وحده لا 
يلزم منه وقوف المواء كله المستلزم لوقوف الخبل. وعلى تقدير تسليم وقوف المواء 
كله تلك الوقفة الي بلغت النهاية في القلة والخفة وسرعة الانقضاء حى لا يثبتها 
حس ولا تدركها نفس» فلا نسلم استواء الح ركتين في الخفة» أعين حركة المهواء 
وحركة الجبل» فقد تكون حركة الهواء أسرع» وهو الظاهر» فتحصل تلك الوقفة 
بلا هواء ولا تحصل للجبل لأنها أقل ما بين الخركتين والتفاوت أو مساوية!) 
فتأمل. 

وعندما حرى ذكر قوطم: أتحصر الذرة الجبل» قال ثنا الملا رضي الله عنه: 
كان شيخنا الصفي يقول في أشياء يتوقف فيها أكابر العلماء وفحول النظار مع 
أا سهلة المدرك قريبة الفهم: هذه ذرة حصرت حبلا كما قال الحكماء لكون 
عقول الأكابر وأفهامهم كالخبال» ومع ذلك توقفت عن فهم تلك المسائل مع 
حقاركًا كالذرة. قال: فمن ذلك ما ورد في بعض التفاسير في قوله تعالى: (ولقد 
كرمنا بين آدم)© أنه أكرمهم بأنهم يأكلون بأيديهم ورد عليه بعض العلماء أنه 
يرد هذا التفسير بكون هذا غير حالص بالآدمي» فإن القرد يأكل بيده. قال شيخنا 
الصفي: وهذه ذرة حصرت حبلاء فإن ما أكل به القرد ليس يدأ ا هو ول 
لأنه من ذوات الأربع» وقوائم ذوات الأربع إغما هي أرحلها لأنها عليها مشي 
وتسميته ذلك يي بعض الأحيان يدا عند إرادة امير بين القدم منها ولوسر أ إا 
هو على سبيل اجازء وإلا فتسميتها أرحلا شائع لغة وعرفاًء فانظر إلى هذا مع 
وضو حه كيف خحفي على هذا العام حي يرد به على المفسرين» وأشباه هذا كثير 
في جميع الفنون» فقد روي أن بعض فحول النظار حرج من المسجد فوحد رأس 
إحدى نعليه عند عقب الآخرء فلم يدر كيف يدخلهماء إن جاء من ناحية عقب 
هذا لم يتمكن له إدخال الأحرى» حي حاء صي فقلبهاء فجعل عقبها من ناحية 


(1) في ط: متساوية. 
)2( الإسراء: 70. 


- 539 - 


عقب الأخرى» فأدخل رحليه فيهما واعترف لذلك الصبى بالذكاء. فاعجب هذا 
مع كونه من أكابر النظار كيف حفي عليه هذا وتوقف فيه حى أرشده صبي. 
وقرأت على شيخنا الملا إبراهيم كراسة بخطه فيها الأسماء الإدريسية وسنده 
فيها وما يوحد بين الروايات من الاختلاف فيهاء وهي ثلاث روايات: رواية أبي 
طالب المكي في قوت القلوب» ورواية ابن أبي الدنيا في كتاب الدعاء» ورواية 
الغوث الموحودة في كتاب الجواهر» وذكر ما اختلفت فيه الروايات وترحيح 
الراحح منهاء وذكر بعض شروط العمل يا وأدعية الفتح والاختتام» وذكر بعقبها 
فوائد أخر نافعة» كل ذلك مما أخحذه عن الشيخ الصفي وتلقاه منه» وبآخر ذلك ما 
اقتطفته من الوصية الي كتبها له الشيخ قبيل موته» وأحازن بكل ما اشتملت عليه 
الكراسة بعد قراءقا عليه كلها قراءة بحث وتدبر وتفهم ومراحعة فيما لم أفهمه» 
ولنسق الكراسة المذكورة بتمامهاء وإن كان فيها طول لاشتماطا على فوائد كثيرة 
قل أن توحد ف غيرهاء وهذا نصها: 
باسم الله الرحمن الرحيم» وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلې 
الحمد لله ریت بخط شيخنا الإمام قدس سره وأعاد علينا من بركاته آمين ما 
صورته: : قال شيخنا أحمد بن علي الشناوي رحمنا الله به: وكل اسم من الأسماء 
الأربعينية ذكر أربعة آلاف وأربعمائة وأربعة وأربعين بنية وفاء جميع الشرائط 
حصلت بإذن الله تعالى» ه. ورأيت أيضا بخطه رحمنا الله به ما صورته: يا غيائي 
عند كل كربة» وبحيبي عند كل دعوة» ومعاذي عند كل شدة» ويا رحائي حيت 
تنقطع حيلق» يا غياثي» قله كل يوم تسعة وتسعين مرة وصل على النبي صلى الله 
عليه وسلم أوله وآخره» فهو يكفيك همات الدنيا والآخرة» وترى به خیرا كثيرا 
إن شاء الله تعالى ه. ورأيت بخطه أيضا نفعنا الله به ما صورته: "الاسم الحادي 
والأربعون: يا غيائي عند كل كربة» وبحيبي عند كل دعوة» ومعاذي عند كل 
شدة» ويا رحائي حين تنقطع حيلي» (يا غيائي من خواصه)» من داومه سنة كاملة 
أدرك أقصى المطالب» وانتهت إليه جميع المآرب» وهذا الاسم غي عن الشروط فلا 
اح إلا إلى الإحازة والعمدة على معرفة من يؤدية يعلق وع فة وحور يع 
لله "۴» ذكره سيدنا محمد الغوث بن خخطير الدين الشطاري رضي الله عنه في 
حواهره» وقد أحاز كاتبه أحمد بن محمد القشاشي به وما قبله من الأسماء أخحاه 


(1) الجواهر الخمس» ص: 151. 


- 540 - 


الأكمل أبا بكر السكري عملا وإحازة لمن يستحق» وال الموفق لا رب غيره» وأن 
يبتدئ العامل عند بدئه في الشروع بالفاتحة إلى المشايخ امحيزين والأنبياء والمرسلين 
وعباد الله الصالحين» ويصلي ركعتين يهدي ثواهما إل روح النبي» صلى الله عليه 
وسلم» ولكافة أرواح المشايخ ولوالديه والمسلمين» وأن يتقي الله في عمله ولا 
يعمل إلا حيرا ويتجنب مخالفة الشرع وكافة المعصية ما استطاع» (والله يقول 
الحق وهو يهدي السبيل)!2) ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم > صلی الله 
على سيدنا محمد وآله وصحبه وسل وعلى كافة النبيئين والمرسلين وآهم آمين. 
فإذا وف بإذن الله ذلك حصل له التصرف في خواص جميع الأسماء العظام بكرم الله 
وعنايته» ويندكشف له حقيقة كل ذرة من ذرات العوالم الثمانية عشر ألفا ويعلم 
أحوال العالم حيرا أو شرا ومن قرأ يا غيائي كل يوم أربعين مرة يشاهد جمال 
وحه سيد الأنبياء وسلطان مملكة الاصطفاء في كل ليلة» ويتشرف به وكل ما 
أشكل عليه ينحل له بالسهولة» والله أعلم. 

ورأيت بخطه أيضاً نفحنا الله بنفحة خير منه ببركاته آمين ما صورته: يا ال 
يا واحد يا أحدء يا حواد» انفحي منك بنفحة خير (إنك على كل شيء قدير) 22 
من قرأ هذه الأسماء كل يوم أحد عشر مرة بعد الفريضة من الصبح أو السنة يسرٍ 
الله عليه نفقة يستعين يما على أمر دينه ودنياه» وإن لم تصل يوماً فيوماً تصل جملا 
جملا وهو عمل غوث التقلين ووصل إلى هذا الفقير من شيخه ومفتاح قفل نشأنه 
الأكمل أحمد بن علي الشناوي» قدس الله روحى فإذا أراد العامل الشروع فيه 
يشرع من فجر يوم الخميس كما شرطه المشايخ رضي الله عنهم» وليقرأ الفاتحة 
عند الابتداء لروح غوث الثقلين وجميع أهل سلسلته من الحربين!6 والتابعين وعباد 
الله الصالحين» وإن قرأ الفاتحة كل يوم كان أكمل؛ وإن لم تتيسر فيكفي أول مرة 
ښحازا به كل راغب فيه بإذن الله» وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلې 
انتهى. 

قلت: ووصل إلى هذا الفقير الحقير من شيحه وقدوته إلى الله تعالى إمام وقته 
وغوت زمانه وقطب أوانه سيدي الشيخ صفي الدين أحمد بن محمد المدني 


)1( الأحزاب: 4. 
)2( آل عمران: 26. 
(3) في ط: المجيزين. 


- 541 - 


المعروف بالقشاشي» روح الله روحه وأعلى ف أعلى منازل المقربين فتوحه» و رحمنا 
به آمين» كما كتبه لي بمخطه في هذا المجموع كغيره من الأسماى والله المرحو النفع 
ب والحمد لله رب العالمين يوم الأربعاء. 


قال سيدنا شيخ السلسلة الغوثية رحمنا الله بأهلها سيدي الشيخ محمد الغوث 
قلس الله روحه ورحمنا به وبمل أتباعه آمين ف مقدمة الخوهر الثالث ما نصة(!): 
"ذا أراد أن يىشرع ف دعوة الأمعاء العظام فعليه أن يتعلم فن الدعوة أي 
شرو طها)#» من المرشد الكامل". 


قال سيدي الشيخ أبو المواهب قدس سره يي ضمائر السرائرء أي العامل» ثم 
قال الغوث قدس سره#: "وبعض المشايخ يجيزون المسترشدين) بلا عمل 
ويرشدوفُم۴» فلهذا لم يحد التأثير فقلما يحدونه» فلو عمل ولو بحرئيات الأسماء 
وأحاز ولو بكلياقاء حاز". ثم قال الغوث قدس سره: "حي ظهر عالم المعينات 
على عالم الأرواح (. ..) مع عظمته في عهد الفقير بحيث لا يكون في سلسلة الفقبر 
إلى يوم القيامة رحعة في الدعوة"6. م قال بعد قوله: "وأن تجمع مقطعات الاسم 
بحساب احمل فيطرح من الحملة 12.12 إلى > فإن م يطابق يهذا الوضع يقل التأثير 
في بعض الدعوات الى شرط فيها استخراحهما؛ أي شرائط الأسماء وشرائط 
العمل"0. قال سيدي أبو المواهب» قدس سره. في الضمائر: اعلم أن التأثير ولو 
اشترط في دعوته موافقته للبرج والكواكب لا ينضبط ولو في كليات تلك الخواص 
لاختلاف القوافل والقلوب إِل. وبفط شيخنا قدس سره ورحمنا به على حاشية 
الجواهر ما نصه: قوله رضي الله عنه في بعض الدعوات: دليل لك أنك في بعضها 
وهو الغالب لا يقل التأثير» وعليه حرى سلطان قوله تعالى (أدعون أستجب 
لكم)اق حرت أوضاع دعوات السنة بالتلقين للمؤمنين والمؤمنات» فلا تغفل والله 
أعلم ه. 


)1( الجواهر الخمس» ص: 103. 

(2) ما بين قوسين غير وارد في كتاب الجواهر. 
)3( الجواهر الخمس» ص: 104. 

)4( في الجواهر: المسترشد. 

)5( في الجواهر: ويرشدوئه. 

)6( الجواهر الخمس» ص: 105. 

)7( الجواهر الخمس» ص: : 106. 

)8( غافر : 60. 


- 542 - 


وقال شيخنا الإما» رحمنا الله به في كتاب الترغيب الملقب ببستان العابدين 
بعد أن ساق الأسعاء الإدريسية بسندى على الحافظ ابن حجر بسنده إلى ابن أي 
الدنيا في كتابه الدعاء بسنده للحسن البصري قال: هذا في هذا الطريق إليناء وأما 
من طريق شيخنا عن سيدنا السيد صبغة الله عن سيدنا الوحيه العلوي عن سيدنا 
السيد محمد الغوث صاحب كتاب الجواهر الخمس ففيها في الجوهر الثالث إلى أن 
قال: ولكن له شروط يتاج العامل إليها في طريق العمل» وهي تحتاج الحضور بين 
يدي الحيز للمعاناة خوفا من الضرر بعون الله وإذنه» والإحازة أيضا لا تكون في 
شرطه إلا لمن عمل ولو بجزثيات الدعوة على ما شرطوه فيهاء ليكون له بذلك 
اليقين خحبرة واطلاع إذا كان له قوة ينفذ منها إلى باقي الدعوات الكبارء إلى أن 
قال: هذه كلها مطالب فيها مشاق وأحطار عظيمة يخشى معها على النفس 
والعقل» فلذلك م بحر المذكورء وهذا المقصد أي المروي ف كتاب الدعاء لابن أبي 
الدنياء وهو سبيل الرحمة وطريق النبوءة في زمن التجنب» أي الطريق الأولى سهلة 
يسيرة يخبر با كل طالب راغب إلى الله في قضاء حاحته من فضل الله. وقد قال 
تعالى: (ليس عليكم حناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم)!!» فمن أراد قضاء حاحة 
لآخرته ودنيافى من ذكر أو أنثى ) من المؤمنات العابدات صام لله ثلاثة أيا فإذا 
أتمها اغتسل ولبس توب حديداء ولو قميصاًء أو ما تيس رحاء حصول المطلوب 
والإحابة فيه من فضل الله ورحمتهء وتبدل الخال الأول با حال المطلوب» وبرز إلى 
فضاء من داره أو مسجده أو صحراء حين نوم الناس فيناحي الله بماء ويحتاج إلى 
حفظها ليكون أهئ وأمرى للمناحاة وألذ وأشهىء إلى أن قال في هذه الطريقة 
بأكما سليمة مأمونة» وهى طريق الأنبياء والتابعين» والأخرى طريق امحتهدين الأفراد 
أهل الجهاد في الله لأنفسهم الم للرسل على العزعة من سيدهم إلى أن قال: فقد 
انقطع سيدنا السيد محمد الغوث للعمل بالأسماء ثلاث عشرة سنة» إلى أن قال: 
فاستخ رج الجواهر بالغوص الماهرء وظفر بالدر» وإفاضة الدرء ولكنه سشروطء 
وكلف ساحة لا يطيقها إلا هو وأمثالهء فلذلك لم بحر بطريقة لأحل ما فيها من 
الشروط والضبط المضبوط في ماع الأسماء أيضاء ولو كان على خلاف العريية 
فيعتمدونه كما هو مسموع لحم من المشايخ. 


(1) البقرة: 197. 
- 543 - 


قلت: يعن أنهم ذكروا الأسماء خواص عديدة عليهاء منها خواص لما إذا 
قرئت معربة على قواعد النحو» ومنها ما يترتب عليها إذا قرئت بنوع لحن» وإن 
أمكن ثي بعضها توحيهه بوحه يخرج عن ذلك النظام وهذا مما كتبوه عن 
وحدائهم وتحريتهم مع العمل بها وقراءتماء والله أعلم. ثم قال: لاف الطريق 
الأولى لسلامتها وتيسر عملها إلا بالشروط المذكورة فا سهلة قربية يسيرة» وقد 
يفتح الله فيها للعامل ا ما لا يحصى خيره ما سأل وزيادة» فقد ستل رسول الل 
الطهور ماؤه الحل ميتته!"» فزاد على المسألة» فكيف بالكرع المنان على الجميع» 
وعلى الله قصد السبيل وإليه المرحع والمآب» ھه. 

قال سيدي الشيخ أبو المواهب الخامي» قدس سرهة) 2 ضمائر السرائر» 
الفصل الثالث ي الدعوة الحرفية: اعلم أن ثي دعوة هذا الفصل وي الفصل 
السادس يوافق بعض الإعراب في الاسم القواعد النحوية» وبعضا يخالفها لتعلققه 
بالسماع ليس له قاعدة» عرفوه بالمكاشفة وتالي الأسماء إن شاء قرأها على إعراما 
الأصلي» وإلا ففي قراءقا باججموع سر خحفي لم يذكر في الأصل لكن أمل 
الكشف أظهروه وقالوا: لكل شكل منه خاصية. انتهى. 

حدئي شيخنا الإمام غوث زمانه وقِب أوانى السيد الشيخ صفي الدين 
أحمد بن محمد بن يونس الملقب بعبد البي» ابن القطب أحمد بن علي المقدسي 
الدحان مدن قدس الله سره ورحمنا به والحبين آمين بالأسماء الإدريسية» عن 
شيخه امحقق سيدي أي المواهب أحمد بن علي بن عبد القدوس العباسي ثم 
الشناوي ثم المدين» عن شيخه العلامة السيد صبغة الله بن روح الله الحسيي 
عن شيخه شيخ السلسلة الغوئية سيدي السيد محمد بن خخطير الدين الحسين 
المعروف بالغوث الذي دحل عالم الأرواح في عهده بحيث لا يكون في سلسلته 
رحعة قي الدعوة إلى يوم القيامة كما صرح به عن نفسه في كتابه الجواهر الخمس. 
قال سيدنا أبو المواهب الشناوي قدس سره يي ضمائر السرائر الى هي حاشية 
الجواهر: وف هذه المنقبة ما تتطاطأ دونه مارخ المحد من كل رتبة» وشواهد هذا 
المدعي فيمن تلاه على قدمه وارتضع ثدي امحد من حكمه كالعروة الوثقى؛ وحيه 


(1) السنن الكبرى للبيهقي 253:1. 


- 544 - 


الدين العلوي» والآية الكبرى صبغة الله الإهي الوأٍُي» وعقود المراتب الكبرى 
أولاده ومعدومي النظير أحقاد وكذلك روح الله الإمام العصمة وولده صبغة الله 
نعمة الله وأوق نعمة إل ه. 

واتصل الجواهر المتضمن للأسعاء وغيرها بشيخنا في هذه السلسلة علما 
وعملاء فمن التلقي والعمل سلسلة الغوث من طريق شيخه الحاج حضور قدس 
سره إلى المنتهى فذلك مذكور قي كتابه الدرحات له وغسيرة وأورد سلاسل 
الغوث شيخنا قدس سره في كتابه: السمط الحيد"» وأما من طريق الرواية فدل 
كلام الغوث قدس سره في أول كتابه الجواهر© أن ولادته كانت سنة 956 أو 
7. ثم بخط سيدنا السيد صبغة الله» قدس سره» أن مولد الغوث سابع رحب 
سنة 2956 لأنه قال بعد حكايته رحلته إلى شيخه سلطان الموحدين الاج حضورء 
وما يتعلق بذلك من رياضته وتصنيفه للجواهر بعدها وإظهاره إياه للناس. قال: 
"و کان عمري إذ ذاك هسين سنة» وكان في ست وحمسين سنة بعد التسعمائة 
هجرية"(8 ووفاة القاضى زكرياء سنة 2966 وقد أحاز من أدرك حياته من 
المسلمين كتابة وتلفظاء فدخل الغوث قدس سره يي عموم إحازته» وهو تمن يروي 
عن الحافظ ابن حجر العسقلان رهه الله تعالى وشكر سعية . والأسعاء الإدريسية 
مذكورة في كتاب الدعاء لابن أبي الدنياء وقد قال الحافظ ابن حجر: أخخيرنا 
بكتاب الدعاء لابن أبي الدنيا أبو هريرة بن الذهي إحازة أنا القاسم بن مظفر بن 
الحسن الثقفي والحسن بن العباس الرستمي قالا: انا ابو نصر احمد بن محمد بن 
عمر بن ساسويف أنا أبى سعيد محمد بن موسى الصيرق قراءة عليه وأنا أسمع من 
حديث النعمان بن بشير بشیر: : الدعاء هو العبادة إلى قوله: فاغفر لي ذنوي. وإحازة 
لسائره. أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن علم الصفارء ثنا ابن أبي الدنيا فيا 
أورده الخافظ حلال الدين السيوطى في فتاويه الحديثية في كتاب: الأدب والرقاق 
حيث قال بعد قوله: مسألة السماء الى اشتهرت للبون هل ها أصل ف السنة ما 


(1) ذكر الكتاني أن هذه الفهرسة قد طبعت بالهئد: فهرس الفهارس 790:2 . 

)2( الجواهر الخمس»ص: 6 

(3) الجواهر الخمس»ص: 6 

(4) النعمان بن بشير بن سعد الخزرجي» من الصحابة الأجلاءء توفي حوال سئة 65 ه: أسد الغابة 
5 


- 545 - 


نصه: الجواب: لم أقف لا على أصل إلا ما أخرجحه ابن أبي الدنيا في كتاب الدعاء 
قال: نا محمد بن سعيد قال: نا سلام الطويل عن الحسن بن علي عن الحسسن 
البصري قال: لما بعث الله إدريس عليه السلام إلى قومه وقد فشا فيهم السحر فلم 
يطقهم» > علمه الله تعالى هذه الأسماء ثم أوحى إليه ألا تبذهن للقوم فيدعون يمن 
ولكن قلهن سرا في نفسك» > فكان إذا دعا يمن استجيب له» ومن دعا فرفعه الله 
مكانا عَلَ ثم علمهن الله تعالى موسى وكان لا يخلص إليه سحر ولا سم إذا دعا 
كن؛ ثم علمهن محمداء صلی الله عليه وسلې » فكان إذا دعا يمن استجيب له» ومن 
دعا في غزوة الأحزاب. قال الحسن: فإذا أردت أن تدعو الله التماس المغفرة شميع 
الذنوب والخطايا فصم ثلاثة أيام» واغتسل والبس ثيابا حدداء وقم إذا نام كل عين 
فاخرج على فضاء من الأرض فادع الله تعالى يمن أربعين مرة فمن أربعون اما 
عدد أيام التوبة» ثم سل حاحتك من أمر آحرتك ودنياك» تقول: سبحانك لا إله 
إلا أنت يا رب كل شيء ووارثه. يا إله الآهة الرفيع حلاله. يا الله المحمود ف كل 
فعاله. يا رمن كل شيء وراحمه. يا حي حين لا حي يبقى في دعومة ملكه 
وبقائه. يا يوم ولا يفوت شي من علمه ولا يؤوده. يا واحد أنت الباقي في أول 
كل شيء وآخره يا دائم فلا فناء ولا زوال لملكه. يا صمد من غير شبه ولا شيء 
كمثله. يا بار فلا شيء كفؤه ولا مدان لوصفه. يا كبير أنت الذي لا قتدي 
القلوب لصفة عظمته. يا بارئي النفوس بلا مثال حلا من غيره. يا زكي الطاهر 
من كل آفة بقدسه. يا كاي الموسع لما خلق من عطايا فضله. يا نقيا من كل حور 
لم يرضه ولح يخالط أفعاله. يا منان أنت الذي وسعت كل شيء رحمة. يا منان ذا 
الإحسان قد علم كل الخلائق منه. يا ديان العباد فكل يعود نخاضعا لرهبته. يا 
الق من في السماوات والأرض وكل إليه معاده. يا رحيم كل مصرخ ومكروب 
وغياثه ومعاذه. يا تام فلا تصف الألسن كل حلاله وعزه. يا مبدئ البدائع لم يبغ 
في إنشائها عونا من خلفه. يا علام الغيوب فلا يفوت شيء من حفظه. يا حليم 
الأناة فلا يعادله شىء من حلقه. ما أفئ إذا برز الخلائق لدعوته من مخافته. 26: يا 
حميد الفعال ذا المن على جميع خلقه بلطفه. يا عزيز المنيع الغالب على أمره فلا 
شيء يعادله. 28: يا قاهر ذا البطش الشديد أنت الذي لا يطاق انتقامه. يا قريب 
المتعالي فوق كل شيء علوه وارتفاعه. يا مذل كل حبار بقهر عزيز سلطانه. يا 


- 546 - 


نور كل شيء وهديها" الذي فلق الظلمات بنوره. يا عالي الشامخ فوق كل شيء 
علوه وارتفاعه. يا قدوس الطاهر من كل آفة فلا شيء يعادله من خلقه. يا مبدئ 
البرايا ومعيدها بعد فنائها بقدرته. يا حليل المتكبر عن كل شي فالعدل أمره 
والصدق وعده. يا حمود فلا تبلغ الأوهام كل ثنائه وبجده. يا كريم العفو ذا 
العدل أنت الذي ملأ كل شيء عدله. يا عظيم ذا الثناء الفاخر وذا العز والمحد 
والكبرياء فلا يذل عزه. يا عجيب© فلا تنطق الألسن بكل آلائه وثنائه. يا غیائی 
عند كل كربة» ويا جيي عند كل دعوة» أسألك أمانا من عقوبات الدنيا والآخرة» 
وأن تحبس عن أبصار الظلمة المريدين بي السوء؛ وأن تصرف قلويمم عن شر ما 
يضمرون إلى خير ما علكه غيرك, اللهم هذا الدعاء ومنك الإحابت وهذا الجهد 
وعليك التكلان ه. 

الحمد لله أخبرن۴ شيخنا الإمام صفي الدين أحمد بن محمد المدن قلس سره 
ورحمنا به عن شيخه المحقق أب المواهب أحمد بن علي بن عبد القدوس الشناوي» 
عن جماعة؛ منهم الشيخ مس الدين الرملي» والبدر حسن الدبجيمي» فالرملي عن 
القاضي زكرياء» عن جماعة منهم الحافظ عمر بن فهد) عن الجمال الرشدي 
المكي» عن الحافظ ياء الدين عبد الله اللكي» عن سليمان بن حمزة المقدسي» وأحمد 
بن نعمة البياني» والدنجيهي عن الحافظ حلال الدين السيوطي» أنا الشهاب 
الحجازي إحازة عن أي إسحاق التنوحي عن أي العباس الحجار كلهم أي 
المقدسي والبياني والحجار» عن عبد العزيز بن دلف» أنا أبو الفتح محمد بن يحيى 
البرداني» أنا أبو علي محمد بن محمد المهدي(» أنا عمر بن أبي طالب محمد بن علي 
بن عطية المكي» أنا أبي بكتاب قوت القلوب في معاملة الحبوب» ومنه في الفصل 
الحادي والعشرين في كتاب الجمعة وهيئتها وآدايما وذكر المريد في يوم الجمعة 
وليلتها ما نصه: "وما يختص به يوم الجمعة من الذكر والتحميدا) بالأسماء فصول 


أربعة: 


(1) في ط: وهذا أنت. 

(2) في ط: مجيد. 

(3) في ط: أخبرنا. 

(4) عمر بن محمد بن محمد بن أبي الخير» ابن فهدء عاتم مؤرخ» توفي بمكة سئة 885 ه: الأعلام 
5 2.,. 

(5) في ط: الهندي. 

(6) في القوت: التمجيد. 


- 547 - 


أوها: الأربعون 5 التي دعا يما إدريس صلى الله عليه وسلم» خصصه الله 
تعالى بماء وذكر الحسن البصري أن موسى صلى الله عليه وسلم قد كان دعا يمن 
وإفهال' كانت من دعاء محمد صلى الله عليه وسلم"2. إلى أن قال: ذكر دعاء 
إدريس البي صلى الله عليه وسلم: تنا الحسن بن ييى الشاهد, قال: ثنا القاسم بن 
داوود القراطيسي» قال: ثنا عبد الله بن محمد القرشي» قال: ثنا محمد بن سعيد 
المؤذن قال: ثنا سلام الطويل عن الحسن البصري» قال: لا بعث الله تعالى!9 | إدريس 
عليه الصلاة والسلام إلى قومه علمه هذه الأسماء» فأوحى لله تعای: قلهن سرا ف 
نفسك ولا تبدهنٍ للقوم فيدعون كن. قال: وكن دعا فرفعه الله تعالى مكانا 
علياء ثم علمهن الله تعالی موسى صلی الله عليه وسلې ثم علمهن الله تعالى محمدا 
صلی الله عليه وسلم > وكن دعا ف غزوة الأحزاب. قال الحسن: وكنت مستخفيا 
من الخجاج فدعوت8 الله تعالى يمن فحبسه عني» ولقد دخل علي ست مرات 
فأدعو الله كن» فأخذ الله تعالى بأبصارهم عين» فادع تعالى يمن التماس المغفرة 
الجميع الذنوب» ثم سل حاحتك من أمر!» آحرتك ودنياك فإنك تعطاه إن شاء الله 
تعالى فمن أربعون اما عدد أيام التوبة: سبحانك لا إله إلا أنت يا رب كل شيء 
ووارثه [ورازقه وراحمه]": يا إله الآهة الرفيع حلاله يا الله الحمود في كل فعالف 
يا رمن كل شيء وراحمه يا حي حين لا حي ف دعومة ملكه وبقائه يا قيوم فلا 
يفوت شيء من علمه ولا يؤوده؛ يا واحد أنت الباقي في اول كل شيء وآخره 
يا دائم فلا فناء ولا زوال لملكه. يا صمد من غير شبه ولا شيء کمثله» يا بارئ 
فلا شيء كفؤه ولا إمكان لوصفه» يا كبير أنت الذي لا قتدي القلوب لوصف 
عظمته» يا بارئي النفوس بلا مثال خلا من غيره» يا زكي الطاهر من كل آفة 
بقدسه» يا كائي الموسع لما خخلق من عطايا فضله» يا نقيا من كل حور لم يرضه ولم 
يخالط فعاله يا حنان أنت الذي وسعت كل شىء رحمة وعلماء يامننن ذا 
الإحسان قد عم كل الخلائق منه» يا ديان كل العباد كل يقوم خحاضعا لرهبته» يا 


(1) في الرحلة: فإئها . 

)2( قوت القلوب في معاملة المحبوب 133:1. 

(3) في القوت: عز وجل بدل تعالى في كل هنا الدعاء . 
(4) ساقط من الرحلة. 

(5) في الرحلة: فأدعو. 

ا إمرة 


- 548 - 


خالق من في السماوات والأرض وكل إليه معاده» يا رحيم كل صريخ ومكروب 
وغياثه ومعاذه يا تام فلا تصف الألسن كل حلال ملكه وعزه يا مبدئ البدائع 
لم يبغ فق إنشائها عونا من خلقه» يا علام الغيوب فلا يفوته شيء من خلقه ولا 
يؤده يا حليم ذا الأناة فلا يعادله شيء من خخلقه. يا معيد ما أفناه إذا برز الخلائق 
لدعوته من خافته» يا ميد الفعال ذا المن على جميع الخلق بلطفه» يا عزيز المانع 
الغالب على أمره فلا شيء يعادله. يا قاهر ذا البطش الشديد أنت الذي لا يطاق 
بقهر عزيز سلطانه. يا نور كل شيء وهديه الذي!؟ فلق الللمات بنوره. يا علي 
الشامخ فوق كل شيء علوا ارتفاعه. يا قدوس الطاهر من كل سوء فلا شيء 
يعادله من خحلقه. يا مبدئ البرايا ومعيدها بعد فنائها بقدرته. يا حليل المتكبر عن 
كل شيء فالعدل أمره والصدق وعده. يا حمود فلا تبلغ الأوهام كل ثنائه وبجده. 
يا كريم العفو ذا العدل أنت الذي ملا كل شيء عدله. يا عظيم ذا الثناء الفاخر 
وذا العز وا محد والكبرياء فلا يذل عزه. يا عجيب فلا تنطق الألسن بكل آلائه 
وثنائه. يا غيائي عند كل كربة» ويا حيبي عند كل دعوت أسألك اللهم يارب 
الصلاة على نبيك محمد صلی الله عليه وسلم وعلى آله وسلم» وأمانا من عقوبات 
الدنيا والآخرة» وأن تحبس عي أبصار الظلمة المريدين بي السوء وأن تصرف 
قلوكم عن شر ما يضمرون إلى خير ما لا علكه غيرك. اللهم هذا الدعاء ومنك 
الإحابة» وهذا الحهد وعليك التكلان» ولا حول ولا قوة إلا بالله» وصلى الله على 
سيدنا محمد الي وآله وسلم تسليما"/© ه. الحمد لله 


قلت: أبو طالب إنما رواها في القوت من طريق ابن أبي الدنياء كالسيوطي 
في الفتاوى فإن عبد الله بن محمد شيخ القراطيسي هو ابن أب الدنياء والسند الذي 
بعده السند الذي ساقه السيوطي قي الفتاوى عن کتاب اللعاء لابن أي الدنياء إلا 
أنه زاد بين سلام الطويل والحسن البصري شخصاً هو الحسن ابن علي» ووقفت 
على نسخ من قوت القلوب فلم أحد في شيء منها هذه الزيادة» ولم أقف على 
كتاب الدعاء بعد فلا أدري أسقط من : نسخ القوت أو زيد في نسخ الفتاوى» 
والكل فيه مخالفة لرواية القوت في الجواهر» ولننبه على ذلك فمنها أن سيدي 


(1) في ط: وهذا أنت. 
(2) قوت القلوب في معاملة المحبوب 133:1- 134. 


- 549 - 


الشيخ أبا المواهب الشناوي قدس سره ذكر في ضمائر السرائر حاشية الجواهر ما 
نصه: واختلف في الاسم الأول» فبعضهم فيه إلى يا رب» وبعضهم إلى كل شيء 
وبعضهم إلى ورازقه» وبعضهم إلى وراحمه» لكن العاملون المتأخرون اتفقوا على أنه 
من سبحانك إلى وراحمه. لأن الزيادة لا تزيد الحكم بل تفيده فائدة زائدة ه. 
ورواية كتاب الدعاء باتفاق القوت والسيوطي إلى وورائه كما رأيت. ومنها 
أن نسخ القوت والجواهر متفقة على يا قيوم فلا يفوت بالفاءء وقي نسسخة 
الفتاوى: ولا بالواو» ولعله من الكاتب. ومنها: يا صمد» من غير شبه بلفظه» ومن 
شبه على وزن مثل وفلا بالفاء في الجواهر وي القوت» ولا بالواو. ويي مكان من 
في بعضها وبعضها كابلجواهر وشبيه على فعيل بزيادة الياء. وق نسخة الففاوى: 
وكذلك إلا أنها في لا من. ومنها في الفتاوى: يا بارء كالجواهرء وي القوت: يا 
باري. ثم القوت كالجواهر إلا في حرف يدانيه. والفتاوى يخالفهما في قوله: ولا 
مدانٍ لوصفه. ومنها: يا كبير أنت الله الذي. في التواهر بذكر الجلالة والعقفول 
مكان القلوب» والوصف مكان الصفة» وفيهما: أنت الذي» بلا تصريح والقلوب» 
قال: لوصف ويل سيدي لصفة» ولفظ العقول أنسب في المعى من القلوب» 
والوصف أوضح من الصفة في المعن المصدري. ومنها: يا نقيا بالنصب في ج وفي 
ق وس: يا نقي بصورة المرفوع» ولعله على قاعدة بعض المحدئين في كتابتهم 
المنصوب بصورة المرفوع» ثم يكتبون عليه فتحتين علامة للتنوين كما نقله 
السيوطي في شرح المسند للشافعي» وحكى أنه رآه كذلك في خط الذهي وغيره 
وذلكر لأن نقيا منادى مشابه بالمضاف» لأن قوله من كل حور متعلق به فيكون 
منصوباً كما هو مُقَرّر. ومنها: يا منان» ففي ج وق زيادة علما بعد رحمة وفي 
نسخة س: بلا على ولعله من الكاتب. ومنها يا ديان العباد» ففي ج: كل بلا فاء 
يقوم خخاضعا لرهبته ورغبته» ويي ق كل بلا فاء أيضا يقوم خاضعا لعزته» وي 
نسخة لرهبته» ويي ف فكلء بالفاء يعود بالعين» والدال لرهبته. ومنها: يا خالق 
ففي ج: كل إليه بلا واو» وفيهما: وكل بالواو. ومنها: يا تام» قفي ج: كل 
حلاله وملكه وعزه بإضافة كل إلى حلاله وإضافته إلى الضمير. وف س كذلك 
إلا أنه حذف وملكى وي ق: كل حلال ملكه وعزه بإضافة حلال إلى ملكه. 


ومنها ٿي ق وس يا مبديء البدائع بالهمزة) ويي ج: يا مبدع بالعين» ومنها: 
يا قريب» ففي ج: علوا ارتفاعه» بإضافة علوا إلى ارتفاعه» وقي ق: كل شيء 


- 550 - 


ارتفاعه بحذف علواء ورفع ارتفاعه» وي س علوا وارتفاعه بإضافة علوا إلى الضمير 
وعطف الارتفاع عليه. ومنها يا قدوس» ففي س: يعادله» وقي ج: يعاد» بالعين 
المهملة والذال المعجمة» وكذا في نسخحة من القوت وفي نسخة منه يضاده بالضاد 
والدال المهملة الْشَدّد وف نسخة من القوت أيضا: يعانده بضم الياء والعين 
المهملة بعدها نون وبعده دال مهملة من المعاندة» ويي بعض نسخ الجواهر يعازه 
بالزاي» وأورده في بعضها بالراء المهملة» وي بعضها بالدال المهملة مخففة» والذي 
يغلب على الظن أن الرواية يعانده أو يضاده بالضاد المعجمة» والدال المهملة 
المشددة» وأن يعاده بالعين المهملة والدال المهملة أو بالذال المعجمة» وكذلك بقية 
الدسخ كلها تصاحيف بعضها من بعض بتصرف الكتاب» والله أعلم» وإن قال في 
الضمائر: إن العمل على يعاذه بضم الياء التحتية والذال المعجمة» أي ليس له من 
يعيده من خحلقه ه. وذلك لأن ما ذكره تفسير ليعيده معلوماء وأما يعاده مجهولا 
فلا يتعدى إلى المفعول إلا بالحذف والاتصال فإن كان محفوظا بالتقدير فلا شيء 
يعاذ منه» فحذف من الخارة وأوصل والمعن مأخوذ من مضمون قوله تعالى: (وهو 
جير ولا يجار عليم!» أي فلا شيء يعاذ ويصان في ملاذ وملجا منه إذا أراد به 
شيئا من جميع خلقه ويعاده إن كان محفوظاء فمعناه يغالبه بالعزة ويعاره بالعين 
المهملة» والراء» ! إن لم تكن تصحيفاً فمعناه لا شيء يفعل به ما هو كاره له ععين 
غير مريد» فالكراهة تقابل الإرادة ال هي المشيئة لا الإرادة الي هي امحبة الي 
تقابلها الكراهة الشرعية فإن الكراهة الشرعية واقعة لأا مرادة أي مشيئته وإن لم 
تكن عبوبة والله أعلم. 

ومنها: يا حليل» ففي ج: المتكبر على كل» وفيهما عن كل منها يا عجیب» 
ففي ج: يا عجيب الصنائع» بإضافته إلى الصنائع» ويي نسخة من القوت: يا 
عجيب الأمور» بإضافته إلى الأمور» وفي شرح الأسماء الحسئ لزروق: يا عجيب 
الشأن. ويي نسخة منه كالفتاوى يا عجيب بلا إضافة إلى شيء ثم فيها ما إلى 
وثنائه» ويي ج زيادة ونعمائه» ومنها يا غيائي» ففيهما إلى دعوة بزيادة حرف 
النداء قي يبي» وف ج زيادة ومعادي» والله أعلم. 

الحمد لله ترحم شيخنا الإمام» قدس سره لدعاء الافتتاح له والاختتام ننقله 
بعبارته تبركا. قال قدس سره: هذا دعاء الافتتاح بأسماء الله الحسين ولسائر 


(1) المومتون: 89. 


- 551 - 


الدعوات والأوراد إذ لا تخلو منها جميع الدعوات والأوراد» ويماء إن شاء ال 
حصول كل مراد للمريد كما شاء وأراد لأمر الفا أحمد بن محمد بن عبد النبي 
الدحان بحيزا به من اراد وبالله الرشاد والسداد وهو حسبنا ونعم الوكيل» ولا 
حول ولا قوة ! إلا بالله العلي العظيم» وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه 
وسلې باسم الله الرحمن الرحیم» وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم 
تسليما إلى يوم الدين آمين. اللهم إن أسألك بحق أسمائك الشريفة وما اشتملت 

عليه من مكنون سرك وبديع أمرك وغامض لطفك وشديد فهمك» يا من أبرز 
صوراً عنها كما شاء وسلها منها ببدائع الإنشاى أسألك اللهم يجبروتما الصور 
القاضي في العالمين عا كان ويكون أن تفتح اللهم لي خزائن أسرارهاء وتمكن لي 
بدائع اقتدارها في الذين يعلمون والذين لا يعلمون بكلمة التقدير الإلهي التكويي 
كما يكون على لباس عافيتك ي ذلك وكمال وقايتك عن سطوات قهرك 
المندارك» وأن تسلك بي في ظاهرها وباطنها وأوها وآحرها مسلك أوليائك» وأن 
تحنبن بها مواقع بجوم أعدائك المنسلخين عنها بعد الإيتاء لابتلائك» وتعيذني 
برضاها من سخخحطهاء وععافاقا من عقوبتهاء ويا منها بعضا وكلاء إذ هي منك 
إياك لا غيرك (فادعوا الله مخلصين له الدين)81 بالاسم الْمسَمّى) وذلك من تسبيحها 
عند عبدك عأمور وارد (سبح اسم ربك الأعلى)©) فإن بعلن بكرمك عند النداء 
يما إليك بذلك أهلاء يا نعم النصير ونعم المول» وصلى الله على سيدنا محمد وآله 
وصحبه وعلى عامة الأنبياء والمرسلين وآهم وتابعيهم صلاة لا تبرح بالدوام تتلى» 
وتتجدد على مر الدهور ولا تبلى. 

ولنسق الأسماء الإدريسية هنا كما هي مذكورة في الجواهر ثم نورد دعاء 
الاختتام لشيخنا قدس سره يعدهاء وقد رويناها كما مر عن شيخنا الإمام عن 
شيخه أبي المواهب أحمد بن علي الشناوي» عن شيخه السيد صبغة الله بن روح 
الل عن شيخه سيدي وجيه الدين العلوي» عن شيخه شيخ السلسلة صاحب 
الجواهر سيدي الشيخ محمد الغوث قدس الله أسرارهم أجمعين إنه أوردها في 
الجواهر هكذا: سبحانك لا إله إلا أنت يا رب كل شيء ووارثه ورازقه وراحمهاة. 


(1) غافر: 13. 
(2) الأعلى: 1. 
(3) الجواهر الخمس؛ ص: 130. 


- 552 - 


يا إله الآطة الرفيع حلاله!". يا الله المحمود في كل فعاله#. يا رهن كل شيء 
وراحمها6. يا حي حين لا حي في دعومة ملكه ويقائه). يا قيوم فلا يفوت شيء 
من علمه ولا يؤودها. يا واحد الباقي في أول!») كل شيء وآخخرءا. يا دائم فلا 
فناء ولا زوال لملكه وبقائه!©. يا صمد من غير شبيه فلا شيء كمثلها0. يا بار فلا 
شيء فؤه يدانيه ولا إمكان توصفه"". يا كبير أنت الذي لا تمتدي العقول 
لوصف عظمتك!!"؟. يا بارئ النفوس بلا مثال حلا من غيرد2. يا زكي الطاهر 
من كل آفة بقدسهاة4. يا کا الموسع لما حلق من عطايا فضله84. يا نقيا من كل 
حور لم يرضه و م يخالطه فعالها؟". يا حنان أنت الذي وسعت كل شيء رحمة 
وعلماة". يا منان ذا الإحسان قد عم الخلائف منّها”". يا ديان العباد كل يقوم 
حاضعا لرهبته ورغيتهاة؟. يا حالق من في السماوات والأرض كل إليه معادها*". يا 
رحيم كل صريخ ومكروب وغيائه ومعاذها©. يا تام فلا تصف الألسن كل 
حلالك!!© وملكك وعرك. يا مبدع البدائع لم يبغ في إنشائها عونا من خلقهاتة. 


)1( نقسه» ص: 132 


(6) في الجواهر: أول. 
)7( الجواهر الخمس» ص: 134. 
(10) نقسه» ص: 135. 


(12) نقسه» ص: 136. 
(13) نقسهء ص: 137. 


(15) نقسه» ص: 8. 

)17( نقسه» ص: 138 

(19) نقسهء ص: 140. 

(20) نقسه 

)21( في الجواهر: جلاڵه وملكه وعزه. 
(22) الجو اهر الخمس» ص: 141. 
(23) نقسه 


- 553 - 


يا علام الغيوب فلا يفوت شيء من حفظها". يا حليم ذا الأناءة فلا يعادله شيء 
من نحلقه©. يا معيد ما أفناه إذا برز الخلائق للعوته من مخافتها. يا حميد الفعال ذا 
المن على جميع نحلقه بلطفه“. يا عزيز المنيع الغالب على جميع أمره فلا شيء 
يعادلها6. يا قاهر ذا البطش الشديد أنت الذي لا يطاق انتقامها». يا قريب المتعالي 
فوق كل شيء علو ارتفاعه". يا مذل كل حبار عنيد بقهر عزيز سلطانهاة. يا نور 
كل شيء وهداه أنت الذي فلق الظلمات نوره۴. يا عالي الشامخ فوق كل شيء 
علوا ارتفاعها". يا قدوس الطاهر من كل سوء فلا شيء يعادله من خخلقها'ة. يا 
مبدئ البرايا ومعيدها بعد فنائها بقدرته2». يا حليل المتكبر على كل شيء فالعدل 
أمره والصدق وعد (1, يا حمود فلا تبلغ الأوهام کل ناڻه وبحددكة, يا كرتم 
العفو ذا العدل أنت الذي ملأ كل شيء عدلدا؟". يا عظيم ذا الثناء الفاخر وذا العز 
وابنحد والكبرياء فلا يذل عزه؟. يا قريب اجيب المداني دون كل شيء قربه؟. يا 
عجيب الصنائع فلا تنطق الألسن بكل آلائه وثنائه ونعمائه*. يا غيائي عند كل 
كربق ويا حيبي عند كل دعوة» ومعادي عند كل شدة» ويا رحائي حين تنقطع 
یل (89. 


)1( نقسه» ص: 142. 


(16) نقسهء» ص: 150. 


(18) نقسهء ص: 151. 


- 554- 


دعاء الاختتام: 


"اللهم إن أسألك بحق هذه الأسماء الشريفة وشرفها وكرمها أن تصلي على 
سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وأسألك إعانا وأمانا من عقوبات الدنيا 
والآخرة» وأن تحبس عن أبصار الظلمة المريدين بي السوء وأن تصرف قلوكم عن 
شر ما يضمرون إلى خير ما لا علكه غيرك. اللهم هذا الدعاء مني ومنك الإحابة» 
وهذا الجهد من وعليك التكلان» ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم» وصلى 
الله على خير خحلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين برحمتك يا أرحم الراحمين'07. 


دعاء الاس ستجابة : 


"اللهم يا مفتح الأبواب و مسبب الأسياب» ويا مقلب القلوب والأيصار ويا 
ديل المتحيرين» ويا غياث المستغيثين» ويا مخرج ا محرونين» أغثي أغئئ غي 
توكلت عليك يا رب» قضيت فرضيت]» فوضت أمري إليك» يا رزاق يا فتاح يا 
باسطل وصلى الله على حير حلقه محمد وآله وصحيه أجرعين '(6همب., 


وهذا دعاء الاختتام ها ولكل دعاء ولا دعاء إلا يما وطا: باسم الله الرحمن 
الرحيم اللهم إن أسألك بأسمائك الحسى وبكل اسم هو لك ”ميت به نفسك أو 
أنزلته ف كتابك أو علمته أحدا من حلقك واستأئرت به في علم الغيب عندك أن 
تحعل القرآن نور بصري وحلاء همي وذهاب غمي» وأن تجعل لي من كل هم 
فرحا ومن كل ضيق مخرجحا يا من قامت السماوات والأرض بأمره» يا من سك 
السماء با مه الماسك أن تقع على الأرض إلا بإذنه» يا من لا يدعى إلا بأسمائه 
(والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه)77) فيأسمائتك 
الحسئ دعوتك فلا تيبي وأكرمي ها ولا من وأعطي ولا تحرمئ» وآثرني ها ولا 
تئر علي» فالدعاء منك وإليك» والمعول في تحقيق المطالب على ما سبق به علمك 
وفاضت به على يد إرادتك وقدرتك مواهب يديك» يا من عحو ما يشاء ويثبت 
وعنده أم الكتاب» فأسألك اللهم أن تتقبل من وأن تكون لي فيما طلببه مين 


)1( نقسه» ص: 70. 
(2) نفسه. 
(3) الزمر: 67. 


- 555 - 


عأمنك وإليك فيما أرحو وأحشى وأستترل بك المحبوب من كل مطلوب وأستدفع 
بك الكروب في السكون والممشی» يا من له الإنشاء فيما أراد كيف شای لا إله 
إلا أنت يا حنان يا منان» يا بديع السماوات والأرض يا ذا الحلال والإكرام 
ثلاثاه وصلى الله على من فحت به خرائن الغيب فكان الغيب فيه هرا 
والقائمون على ذلك بعد الإنزال شهوداء وسلم عليه تسليما رشيدا سديدا أبيدا 
على سائر الأنبياء والمرسلين وآلمم وصحبهم والتابعين» (سبحان ربك رب العزة 
عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العامين)!؟ هم الحمد لله. وي 
سره» ما معناه وتر حمته: اتا الأسماء الأربعين العظام يصلى على الت صل لل 
عليه وسلمء اثنا عشر مرة ويقول ناد عليها سبع مرات» ويقول: سبحان ربي العلي 
الأعلى الوهاب ثلاث مرات» ويقول: هذا الاسم الذي عده بعضهم من الأسماء 
العظام الأربعين ثلاث مرات» وهو: يا قريب الحيب المداني دون كل شيء قربه ثم 
يشر ع في قراءة الأسماء العظام بعد الاعتصام واعتصام الأسماء العظام هذا: باسم الله 
الرحمن الرحيم» اللهم يا قيوم الوحود» ويا فائض الجود» ومترل البركات» وغاية 
الح ركات» ومنتهى الرغبات» نور النور ومدبر الأمور وواهب الحياة للعالمين» أيدن 
بنورك ووفقي عرضاتك وأهمن رشدك وطهرن من رحس الظلمات» وخلصيي 
من غسق الطبيعة إلى مشاهدة أنوارك ومعاينة أضوائك ويحاورة مقربيك ومرافقة 
سكان ملكوتك» واحشرنا مع الذين أنعمت عليهم (من النبيّين والصديقين 
والشهداء والصاخين وخسن أولئك رفيقا)2)) غفرانك اللهم غفرانك» آمنا بك 
وأقررنا بآياتنك» وصدقنا رسالاتك» وعلمنا أنه لا مذهب وراءك ولا حول إلا 
حولك» ولا عز إلا عزتك» خضعت لخلالك رقابناء وخشعت لعزتك نفوسناء» 
اقبضنا من غضبك إلى رضاك ومن عذابك إلى رحمتك» ومن ظلماتنا إلى نورك 
أزل عنا العمى وارفع عنا الهوى» ما حعلت إلينا أمر خحلقنا فلا بعل إلينا 

كمالناء وارحمنا وارضنا عنك وارْض عنا إنك بالجود الأعم على العالمين منا رحمة 
للعالمين برحمتك» يا أرحم الرا“مين. من منهج الدعوات لابن طاووس7 هل 


(1) الصافات: 180- 182 . 
(2) النساء: 69. 


له منهج ادوا ا 5: :26. 


- 556 - 


بصورته. وي هامش تلك النسخة بعد إيراد الأمعاء الأربعين ما معناه وترجمته: 
احتتام الأسماء الأربعين العظام: يقول: يا قريب الحيب المداي دون كل شيء قربه 
ثلاث مرات» وسبحان ربي العلي الأعلى الوهاب ثلاث مرات» ويصلى على البي 
صلى الله عليه وسلم سبع مرات» ثم يقرأ هذا الدعاء فإنه للأمن من المنوف وسعة 
الرزق ويحرب إلى الغاية منقول عن الأمين: باسم الله الرحمن ¿ الرحيم» الحمد لله 
رب العالمين» اللهم صل على محمد وآل محمد اللهم إنك أمن من كل شيء 
حوف كل شيء يا من (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)!؟» (كهيعص)2) 
كفيت (حم عسق)61 حميت) (وعنت الوحوه للحي القيوم وقد حاب من همل 
ظلما)!) حصنت بذي الملك والملكوت» واعتصمت بذي العرة وا خبروت» 
ورميت كل من أرادن بسوء فلا حول ولا قوة إلا بالله» وصلى الله على حير 
ملقه محمد وآله أجمعين الطيبين الطاهرين» والحمد ل رب العالين» مسن منهج 
الدعوات لابن طاووس» ھ. 

الحمد لله الطريق الأول يصوم ثلاثة أيام يوم الأربعاء والخميس والجمعة» ثم 
في يوم الجمعة وقت الضحى يغتسل ويصلي ركعتين سنة الوضوء ثم يصلي 
ركعتين لروح البي» صلى الله عليه وسلم» يقرأ قي الركعة الأولى بعد الفاتحة 
والضحى» وي الثانية بعد الفاتحة سورة الإخلاص إحدى عشرة مرة» ثم يصلي 
ركعتين لروح الشيخ شهاب الدين السهروردي» ف كل ركعة بعد الفاتحة سورة 
الإخلاص ثلاث مرات» ثم يصلي ركعتين لروح السيد حلال البخاري» و ركعتين 
لروح الشيخ محمد الغوث قدس الله أسرارهم أجمعين» في كل ركعة الإخلاص 
ثلاث مرات» ثم يصلي ركعتين متل ما تقدم لروح شيخنا صفي الدين القشاشي» 
ثم يصلي ركعتين لازدياد محبة الله تعالى» يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة الإخللاص 
ثلاث مرات» ثم يقرأ ألفي مرة ومائي مرة هذا الاسم: يا حليم ذا الأناة فلا يعادله 
شيء من خلقه» يا حلي > يختم بالاسم» وهكذا في كل اسم قرئت بجموعة أو 
مفردة لدفع الرجعة» فلا يرحع اسم من أسماء الله ولو فوت القارئ من الشرائط 


(1) الشورى: 9. 
)2( دردم: 1. 
(3) الشورى: 1. 
(4) طه: 108. 


-557- 


وهذا الاسم لا يعلم للسفهاء ثم يشرع بنية الشرائط. السند الأول: يشرع بعد 
استيفاء الشروط على أوحه العزعة أو الرحصة يوم السبت بعد صلاة الفجر يقرأ 
كل يوم خيس من الأمعاء 434 مرة والخمسة الثانية من الأسماء في اليوم الثانى» 
وهكذا إلى تمام الأسبوع, والستة الباقية يقرؤها العدد المذكور بعد صلاة الجمعة» 
فبعد هذه الشرائط وآدائها يصير متصرفاً في الأسماء كلهاء فيقرأ بنية الدعوة لأي 
حابحة أراد كل يوم مسة من الأيام بالشرط المذكورء والبداية بع صلاة الفجر من 
يوم السبت» ويلازم بعد العصر: يا قريب ابحيب المداني دون كل شيء قربه» يا 
قريب. والورد أحد وأربعون مرة قبل صلاة الفجر يقرأ الخمسة كل يوم إحدى 
وأربعين مرة بطريق الورد كل خمسة موزعة على أيام الأسبوع» والنهاية بعد صلاة 
الجمعة كما سبق يحصل المقصود. 

السند الثاني بعد الصيام والصلاة وقراءة الاسم الذي سبق لرد الرحعة يقرأ 
لكل خمسة بنية النصاب ألفين ومائتين مرةء وبنية الزكاة ألف وماثة» وبنية العشر 
خمسمائة وستين مرة وبنية القفل ثلانمائة مرة» وبنية الدور المدور تقرأ الأمماء 
كلها مائة مرة» ويي هذا الطريق لا حاحة بالمبدإ والختم بعد فراغ هذه الشرائط 
يقرأ لكل حاحة كل خمسة ثلانمائة وستين مرة» وورده بعد تمام الدعوة والشرائط 
أن يقرأ كل يوم خمسة من الأسماء إلى تمام الأسماء في الجمعة» والستة الباقية بعد 
صلاة الجمعة إحدى وأربعين مرة كل يوم بطريق الملازمة. 

سند الدعوة المجموعة: بعد أداء الصوم والصلاة والقراءة المذكورة أن يبتدئ 
بقراءة الأسماء كلها من سبحانك إلى غيائى ألفا وإحدى وأربعين مرة في مدة 
تيسرك بعد أداء الشرائط» إن كان مبتدئا يقرأ كما في إحدى وأربعين يوما مقسما 
الألف والآحاد والأربعين مرة على الأيام الأربعين» وإن كان متوسط يقرؤها في 
تسعة أيام واثني عشر يوما أو أحد وعشرين يوماء ويقسم القراءة على أيام القراءة» 
وإن كان منتهيا يقرؤها ف ثلاثة أيام أو يي سبعة أيام العدد المذكور مقسماً على 
الأيام للحاحق ولكل -حابحة عدد معين يقرؤه بين الصبح الكاذب والصادق» أو ف 
دير حبل» أو في واد» أو في بستان» أو في خلوة» أو في ساحل الماء الجاري» إن لم 
تتيسر هذه الأماكن يقرأ في نصف الليل في مكان حال مع الاعتصام» وهو هذا: 
باسم الله الرحمن ¿ الرحيم اللهم صل على سيدنا محمد بعدد كل ذرة ألف ألف مرق 


- 558 - 


وعلى آل سيدنا محمد وبارك وسلم (انصر من الله وفستح قريب!07 (وبسشر 
المومنين) 22 (فالله حير -حافظا وهو أرحم الراحمين)» ويقرأ هذا قبل الأسماء في 
كل مرة والاختتام» واللهم إن أسألك بحق هذه الأسماء الشريفة الكرعة أن تصلي 
على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد» وأسألك إعانا وأمانا من عقوبة الدنيا 
والآخرة, وأن تحبس عي أبصار الظلمة المريدين بي السوء... إخ. 

الحمد لله رأيت بخط شيخنا الإمام قدس الله سره ورحمنا به ما صورته 
لكاتبه: اللهم إن الوقوف لكل سائل ببابك والعياذ بك والتوحه قي كل حال 
إليك» بل أنت الطالب والمطلوب عند كل طالب ومطلوب» فخلصنا بك إليك 
ولا تحجبنا بنا يا من إليه المشتكى والمفز ع؛ اقض حوائج عبادك آمين. 

ومن خخطه أيضا: عزعة لأم الصبيان)» وذلك مس من اللجسن: باسم الله 
الرحمن الرحيم ارقاش باعش مرقاش أسطاف اسنطاف خطوف خطاف شعداس 
وفرداس» الله رب العزة يا طها وحبوش ارفح شنوح أرمد حشيا القدتم الأزلي 
الأبدي (إن الذين فتنوا المومنين والمومنات) إلى (الحريق)!5) أنشدكم بالله العزيز 
القهار الوافي الدافع» وبالعهد الذي ذه عليكم سليمان بن داوود عليهما السلام» 
أن لا تضروا من يحمل هذا التعويذ» وأن تتركوه وتحفظوه ه في حرز الله وضمانته» 
بحق البي محمد وآله الطيبين الطاهرين وباسم الله الكبير» أعوذ بالله العظيم من كل 
عرق نقار ومن شر حر النار» أذهب البأس رب الناس» اشف أنت الشاي لا شفاء 
إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً ه. 


ومن خحطه أيضا روّح الله روحه: روى الشيخ الوفائي أن واحداً من مريدي 
الشيخ صدر الدين القونو ي( -قدس الله سره- دحل عليه فرأى عنده جماعة مهيبة 
بحيث ارتعدت فرائصه من الخوف حى التجأ إلى نعل فضمها إلى صدره» فسكن 
بعض روعه وهم ينظرون إليه نظرا الملغضب وقالوا: لولا نعل الشيخ عنده لأخخذناه 


(1) الصف: 13. 

(2) البقرة: 221. 

(3) يوسف: 64. 

(4) أم الصبيان: كناية عن الريح التي تعرض للإنسان فيغشى عليه منها: لسان العرب: أمم. 

(5) البروج: 10. 

(6) محمد بن إسحاق بن محمد القونوي» صوفي» من تلامذة ابن عربي» توفي سنة 673 ه: الأعلام 
30:6. 


- 559 - 


كما نأخحذ بن آدې» وحكوا كيفية أخذهم وطلب الشيخ منهم أن يكون بينه 
وبينهم عهد وذمة لا ينقضوفا ولا بأخذوا من كانت هذه الأسماء عنده» قال: وقد 
حربت هذا من لدن الشيخ فما تخلق بإذن الله تعالى» والحمد لله. يكتب في ورق 
لطيف ثم يلف ويجعل في شمع ويجعل في كرباس!" أزرق» ويجعل في حلد أحضر 
ويعلق ثي عنقه» وإن لم يندفع يهذه الكيفية يكتب في إناء أخضر حديد ويصب 
عليه الماء ويرش به المريض يشفى بإذن الله ويؤحذ عليه وزن نواة من ذهب أو 
فضة يتصدق با طعاماً على الفقراء لمن قدر على ذلك أو حسب ما تيسر له ه. 

قلت: وقد شافهن شيخنا الإمام روح الله بمذه الحكاية ثم قال: وقد اشترط 
الشيخ صدر الدين شروطا ونحن نعلمها بلا ترك الشروط» ويقع ها النفع بإذن الى 
فلما سألته عن المجموع الذي كتبت فيه العزعة فدلين عليه. ثم بعد هذا املس منه 
عدة رأيته كتب بخطه على حاشية الصفحة الي فيها هذه العزعة وغيرها ما نصه: 
نقل هذا كله وأنفع به الناس» نفعك الله ونفع بك آمين. 

ومن حطه نفعنا الله به ما صورته: وما يكتب للحُمَّى حروفاً مقطعة يتبخر 
يما حين تأن ثلاثة أيام وهي: 1 فرعون هامان قارون ف النار. 2 هامان قارون 
فرعون في النار. 3 قارون فرعون هامان في النار. وما يكتب ها للأكل كذلك 
ثلاثة أيام كل يوم واحدة حروفا مقطعة 1 يعقوب 2 كيعوب عيغوب. 

وما يكتب للضرس ف ورقة صغيرة وتحعل في الضرس إذا كان حفورا: 
(لكل نب مستقر وسوف تعلمون)2؛ وتقرأ الفاتحة عليه ثلاثا أو مسا أو سبعا 
يزول بإذن الله. 

وما يكنب ويعلق للصداع: (وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي 
وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الحودي وقيل بعدا للقوم الظالين)(٠.‏ 

ونما يكتب للمصروع من الحن آية الكرسي وآخخر سورة البقرة فإنها لا 
تستطيعها البطلة أي الجن ه. ما في تلك الصفحة. 


)1( الكرباس: الثوب: لسان العرب: كريس. 
)2( الأنعام: 67. 
(3) هود: 44. 


- 560 - 


ومن حطه قدس سره فائدة تعمل لجميع أنواع الجن المؤذية» وتكتب لأم 
الصبيان أيضا الى يصرع ها الصبيان ولريض طال مرضه وشبه هذاء وهي نافعة 
محربة بإذن الله تعالى» وهي تكتب في إناء مدهون أو صين أو ف ورقة ويعلق» أو 
ورق سبع أشجار لا شوك يما وهي: آل شلع يعويق بيه يه يه وه تبكه تبكف 
تمكعال بصعي كفي مال مطيعي لك يا الله اللهم بشلشل هنوت حيفوش هاشه 
كاشه عند عشيش ريح» أخرج أيها السوء والوحع الطارق من هذا الجحسد حسد 
عبد الله فلان بن فلان أو حسد أمة الله فلانة بنت فلانة بعزة من ( لم يلد ولم يولد 
ولم يكن له كفوا أحد)!» ثم تكتب الفاتحة والإخلاص والمعوذتين وبعده تكتب 
(ونترل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين)!» وأضف إليه صموم قصوم 
طائر متوشلخ سلوم كلوم (وهو القاهر فوق عباده)2 يخرج الحجي بالقهر بإذن 
القاهر فوق عباده ه. وقد أحزت به المسلمين لنفع المسلمين ه من خطه قدس 
سر 6. 

(ومن خط قدس سره)» وما ينفع للمصروع قراءته العشر الآيات من 
سورة البقرة» فمن قرأها على مصروع أفاق» ومن علقها عليه عو بإذن الل أوهها 
من أول السورة إلى (المفلحون) أربع آيات» وآية الكرسي» وبعدها آيتان إلى 
(خالدون)» وثلاث من آخرها (لله ما في السماوات) إلى آخرها. وقد أحزت ها 
مريدهاء وهن رعاية الله عليه ه. قال شيخنا الإمام رحمه الله ومن خخطه الشريف 
نقلت: اعلم أن الفاتحة الكرعة حقيقة جملة القرآن» وإنما القرآن إلى الكرم كله 
تفضيلها فكله الفاتحة والفاتحة كله وساق الكلام في بيان ذلك بنحو ورقة 
وصفحة. ثم قال: وقد أحزت ها مريدها أن يكتبها لكل علة لأا محيطة بجميع 
آيات الشفاء من جميع الأمراض فتكتب لكل داء ولكل علة وكرب وضيق وعسر 
يفك بإذن الله وتقرأ كذلك وردا أقله سبع في اليوم وسبع في الليلة وتقرأ سبعين 
مرة صباحا ومساء سبعين» وتقرأ مائة وعشرين ليلا ومثلها نماراء وتقرأ أيضا 125 
مرة موزعة على الليل والنهار 28 في الصباح ومثلها في الظهر وكذا مثلها في 
العصرء ويي المغرب 25ء وي العشاء 228 فذلك 125 وتقرأ ثلانمائة وستين وردا 


)1( الإخلاص: 3- 4. 
)2( الإسراء: 82. 
)3( الأئعام: 19. 

(4) زيادة من ط. 


- 561 - 


في اليوم والليلة بجموعة أو موزعة مع الصلاة على النبي» صلى الله عليه وسلم أول 
كل ورد منها وأوسطه وآخره» وفيها أوراد كثيرة بحسب القائلين إلى هنا كلامه 
قلس سره: الحمد لله و-حده. 

ومن حط شيخنا صفي الدين القشاشي» قلس الله سره ما نصه: وصية 
العبد أحمد لأولاده زكاهم الله وآناهم تقواهم بكرمه آمين» ور حم الله الوصې 
وا موصى» (وهر أرحم الراحمين)"» وجعل الكل ا رضيه من التابعين. باسم الله 
الرحمن الرحيم أعوذ بال من الشيطان الرحيم) قال تعالى: (ولقد وصينا الذين 
أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله)©. وقال: (يا أيها الذين آمنوا انقوا 
الله وكونوا مع الصادقين)(۴» وهم انون للهوى المتبعون للأحرء وهم الخلفاء 
أبداء فالتقوى لله جملة العبادة أمرا وكيا والعبودية الباطنة علماً وعقد والعبودية 
الخالصة لله بكل ذلك أفراداً وقصدأ إذ هو الطالب ذاك والمطلوب منه العون عليف 
كذلك فله العبادة من الكل وبه الاستعانة فيه (والأرض جميعا قبضته يوم القيامة 
والسماوات مطويات بيمينه) (0) لمن فهم» وعلى ذلك المدار ظهورا وبطونا يلها 
وعوداً» ثم لتكون التقوى لله لا لشائبة من الموى والحكم للخالص من ذلك وإن 
قلء ثم للغالب بلا مغالب» ثم للمغالب مع المغالب. 

وهذه درحات العاملين للتقوى» والرابعة البارزة عنها للغافلين حى حكم 
الله لصاحب ذلك بالانتقال والبقاء» والله حير الحاكمين. وقد عم أرباب البصائر 
في الدين أن الهوى مفسد أو مقعد في الأوامر الإلهية فكيف بالكونية. قال تعالى: 
(ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن)©) فلا يستقيم 
الأمر الإهي من قبل الإله أو من قبل الرسل أو من قبل الخلفاء إلا لاتباع الأمرء 
ويرشد إلى مزيد بيانه في الحضرة الكونية قوله تعالى: (يا داوود إنا حعلناك حليفة 
في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع هوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين 
يضلون عن سبيل الله هم عذاب شدید)» يعن باتباع اوی يعي حالا بالشقّاق» 


(1) يوسف: 64. 
)2( النساء: 130. 
(3) التوبة: 120. 
)4( الزمر: 67. 
(5) في ط: درجة. 
(6) المومنون: 72. 
)7( ص: 25. 


- 562 - 


ومآلاً عا نسوا يوم الحساب» فلا تنس أيها الخليفة ومن معك» ذكرن الله وأياكم 
يوم الحساب» وهذا خحطاب من الله لمن خاطبه الله تعاللى به ثم لجميع المستخحافين في 
الأرض ليحكموا به ولو في أنفسهم أو على أنفسهم أو الوالدين والأقربين بقصد 
الل ل مهاباة ولا حاباة إلا ما كان في مؤلف يدعى إلى الحق الأكمل وإلى 
الكمال» ثم لا عنعه عن الصرف لله إذ هو الطالب والمطلوب كما في وارد قوله 
تعالى: (أما من استغئ فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى)©» فهذه تذكرة 
للتابعين المتخلفين لأنهم كما كان خلقه القرآن» كذلك التابع له يكون إذا استوق 
حلقه القرآن بحسبه» فأوصى الخلفة من بعدي والتابعين رأبي والمسلمين بتقوى الله 
العظيم» وأن لا يتبع الموى كما أمر الله اء »> فإن المتروك فينا من كتاب الله وسنة 
رسوله» وهذا كتاب الله كما معت وعليه استنطاقه بسنة رسول الله صلى الله 
عليه وسلې» كما قال صلی الله عليه وسلم: فاستنطقوا القرآن بسني ولن تعمى 
أبصا ركم ولن تزل أقدامكم ولن تقصر أيديكم ما تمسكتم هما فأوصي من بعدي 
بذلك كما أوصى به الرسول» صلی الله عليه وسلم» > فإن أحابه من التابعين ذوو 
النهى بترك هواه لله وأتباع الحق وطلب رضوانه مع المكرمين بذلك» حعلك الله 
بكرمه كذلك فقد وق وواق الإسلام ووق الاستسلام وليعظه وليبين له ليقبل» 
فإن أعرض عن القبول ولم يرض إلا اتباع الهوى فيعرض عنه ويتبع سبيل من أناب 
إلى أن يحدث الله بعد ذلك أمراء فإغا هما سماطان" عر المستخلف بينهما كما مر 
الي يينهماء فمن استجاب تبعه» ومن أب تخلف إلى الموى عبادة له» (ومن أضل 
تمن اتبع هداه بغير هدی)۴ ولا علې وفيه فسحة ورخحصة وإلا فالعزعة التجريد 
لله وهو متاع المقربين» ولذلك لا كان الإمام علي رضي الله عنه» من أولي العزم 
والعزكة أعرض عن عن المشرك الباصق في وحهه وقد أضجعه للذبح» فلما فعل به ما 
ذكر ت رکه وقام فقيل له في ذلك فقال: كان القصد أولا مجحردا لله وإعلاء كلمته 
فلما فعل بي خحشيت أن يدخل ذلك القصد شيئا ما للنفس» فأعرضت عنه لذلك» 
فهكذا شأن أولي العزم» والعزم بالتعزم كالحلم بالتحلم. فأوصيك أيها الخايل 


(1) في ط: فلاء 

(2) عبس: 5- 7. 

)3( إشارة إلى قوله تعالى: زيا داود إنا جعذناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى 
فيضاك عن سبیل الله إن الذين يضلون عن سييل لله لم ل عذاب شديد بما نسوا يو م الحساب): : ص: 26. 

(4) سماطان: مثنى سماط؛ وهو الصف: لسان العرب: 

)5( القصص: 50. 


- 563 - 


والتابعين بذلك (ولا يستخفنك الذين لا يوقنون)!7) لأن هذا سبيلهم الاستخفاف 
اعدم يقينهم بالعاقية كأهم برو فدوموا بعون الله على اليقين» فاليقين الإبهان 
كله فهذه نبذة هو الأمر كله ولا تخلص العبادة عن شر إلاه عبد إلا بترك الطوى 
لأنه شر إله عبد على وحه الأرض» وقد قال تعالى في حق المؤثرين ى وهو لممة 
المبتدعين السوء قاطبة» (إن يتبعون إلا الظن وما تموى الأنفس ولقد حاءهم من 

ركم اهمد (وأما من حاف مقام ربه وى النفس عن الموى فإن الجنة هي 
المأوى)20 أي حالا مآلا إذ تارك الموى يى روضة من رياض الخنة برضاء الله عنه 
حالا كما لا يخفى على البصيرية» وهذه النبذة للعامل عليها هي مدرحة كل خير 

مي فارقت اوی تولاه الله كما إلى سرح خيره الظاهر والباطن حقق الل للحم 
ذلك بكرمه إذ هو المعبود والمستعان وعليه التكلان. وإذا كانت الأخرى» وهي 
محل الانسفار بقليل أو كثير وما بينهما وبقدر ذلك يكون الشقاق» وبقدر المتروك 
منه يكون الالقام والانحبار» (إن الحسنات يذهين السيئات ذلك ذكرى 
للذاكرين)". 


وأوصيكم أن فرط شيء من القصور فليكن جردا للعزرعة على الرشد بإذن 
الله والتوبة والإقبال على الى لا مؤخراً على الإقدام ولا موجباً لليأس كما ورد: 
انق الله حيث كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن(#» أو كما 
قال» فعلى ذلك ووزنه تكونون في عبادته حال كونكم مستعينين به وإليه المصير. 
ثم أوصيك وإياهم برعاية اتباع الأوامر واحتناب المناهي والحضور مع الله في ذلك 
فإنه الآمر والناهي والكتاب نائب الله ونائب الرسول» فاستحكموه مسكة المقبل 
عليه المؤثر على غيره بلا عكس فإنه العكس» ولتعلم كل مفرد من الجميع أنه 
مكلف بالكتاب كله كله وعناطب بالطاعة للرسول» ولا يعود عليه من ذلك إلا ما 
يخصه. كما قال: (لا يض ركم من صل إذا اهتديتي)! فاهتد أيها الخليفة ومن 
معك مستمسكاء وکن على أربكته الكرعة سند رکا فإنه دار الخلافة والأمان لال 
البصائر لا العميان» مي حانب آي الاستمساك والتدرك والطوى أو تذكر عند 


)1( الروم: 59. 

(2) النجم: 23. 

(3) النازعات: 39 - 40. 
(4) هود: 114. 

(5) مسند أحمد 135:5. 
(6) المائدة: 107. 


- 564 - 


المفارقة فلذلك فارعوي» وفعل ذلك من أولي الألباب ذكرى وإنابة إلى الله وإليه 
ماب. 
وأوصيك ومن معك من الأولاد والأتباع ألا تأخذوا بقول القائل حي 
تستبينوه لتمضوا على بينة غير ملامة ولا ندامة) اذا وتركاً بإذن الله تعالى» 
فاحرصوا على هذا فإنه طريق سلامة لمن اتبعه» ويحرد وبال لمن خالفه حيث يصبح 
على فعله نادماء وإذا أنعم الله بنعمة فنفرت فلا تيأسوا من روح الله" والله يقبض 
ويبسط عا سبق به العلم فانتظروا الفرجء وانتظار الفرج عبادة و(سيجعل الله 
بعد عسر يسرا)۴» فما نفى العسر بل أثبته» وحعل الفرج يعقبه بإذن الله. 
وأوصيك وسائر التابعين أن تستقيموا الأمر أخذا وت ركا فإنه حبل الله الممدود ولا 
تطغوا ولا تقصروا (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا) من المبتدعين والظالين (ولا 
تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإعان ومن لم يتب فأواقك هم 
الظالمون) 26 وعافانا الله وإياكم وبصرنا بذلك في المستبصرين وإياه نعبد وإياه 
نستعين» واستعينوا عند الشدائد بالصبر والصلاة ليلا ونمارا (إن الحسنات يذهين 
السيئات) !6 واصبروا (فإن الله لا يضيع أحر المحسنين)7؛ وهم العاملون بالأمر 
اذا وتركاً. وأوصيكم أن لا تتركوا قراءة يس والحزرا وتبارك كل ليلة والواقعة 
فإنها أمان من الفاقة» و(ليس عليكم حناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم)” والله يحب 
من عباده فعل الرخصة كما يحب منه فعل العزعة. وكل صباح يس وتبارك ففي 
ذلك الكفاية من المضارء ودفع المكاره» والأمان من الأعداء الظاهرة والباطنة. 
وكمال العبودية بإذن الله تعالى ف يس قلب القرآن» ومن قرأ يس كتب الله له 
بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات فلا تضيعوا هذا الخير المرفوع بالله والذخيرة ليوم 


(1) إشارة إلى قوله تعالى :( يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس 
من روح الله إلا القوم الكافرون): يوسف 87. 

(2) شعب الإيمان 205:7. 

(3) الطلاق: 7. 

(4) هود: 113. 

(5) الحجرات: 11. 

(6) هود: 114. 

(7) هود: 115. 

(8) كتب في الطرة من ط: وهي ألم السجدة. 

(9) البقرة: 197. 


- 565 - 


النشور (يوم التغابن)"» (فاذكروا آلاء الله لعلكم تُفلحون)©» وتبارك الواقية 
والأمان من خوف القبر» أي وقت مات العبد» وتظلل عليه يوم القيامة» وسورة 
الجزر كذلك» ويدافعان عنه ويناديان على رأسه لا سبيل إليه» فاذكروا واقبلواء 
هذا من فضل الله واذكروا نعمة ربكم إذ استويتم عليه فيه الاستواء والاحتوای 
واذكروا تعدد السور مع كل تال قبله الله ف وحدانيتها الشخخصية وصورها 
العددية بحسب العاملين» ولا يشغله عامل عن عاملء» فالله الله في ذلك لا تفرطوا 
فيه بعد بذله ووصوله إليكم فإنما تفرطون. فالتفريط فيكم وتغبنون بالتفريط يوم 
التغابن» فاذكرواء فالذاكر حي ومقابله ميّت» أحياكم الله وإيانا آمين» فتجملوا 
بفضل الل وجملونا بين عباد الله جملكم الله بذلك مع من مله الله وإيانا آمين. 
فالشيخ في قومه كالبي في أمته كما تعلمون. وأوصيكم بالحافظة بعد ركعي الفجر 
بدعاء العزيز باسمه العزيز: يا عزيزء يا عزيز» يا عزيز إحدى وأربعين مرة وإحدى 
عشرة مرة: يا الل يا واحد يا أحدء يا حواد انفحي بنفحة خير إنك على ما 
تشاء قدير. ويا إله الآ الرفع حلاله دس عشرة» ويا یوم فلا ينوت شيء من 

علمه ولا يؤده سبعة وعشرين مرق إلى هنا بين السنة والفريضة» وباسم الله على 
دي ونفسي» باسم الله على أهلي ومالي» باسم الله على ما أعطان ربي لا أشرك 
به شيئك الله أكبر الله أكبرء أعز وأحل وأعظم مما أحاف وأحذر. اللهم إن أعوذ 
بك من شر نفسي ومن شر كل حبار عنيد وشيطان مريد» وأعوذ بك من كل 
ذي شرء لأنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقیم)۴ ثلاث مرات. اللهم 
إن أعود بوحهك الكريم واسممك العظيم من الكفر والفقر» (رب لا تذرني فردا 
وأنت خير الوارئين)8 لاا اللهم علمي ما ينفعي وتقبله مني» ومرة واحدة الذي 

لقن إلى سليم» (فسبحان الله حين تمسون)/5 إلى (تخرحون)» فمن قرأ ذلك في 
الصباح مرة وي المساء مرة أدرك ما فاته» فأدركوه ه ولا تتخلفوا عنه» وليعلمه 
بعضكم بعضا» ولمن أحب من ذكر أو أنثى فإن خيره لا يحصى. 


)1( التغاين: 9. 

)2( الأعراف: 68. 

(3) من قوله تعالى: (إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على 
صراط مستقيم) هود: 55. 

)4( الأنيياء: 88. 

(5) الروم: 16 - 17. 


- 566 - 


وأوصيك ومن معك أن تلقنوا أذكار السنة من سبحان الل والحمد للف ولا 
إله إلا الله والله أكبرء ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم» مائة بالصباح 
ومائة بالمساء أو سبعين سبعين» أو أربعين أربعين دبر كل صلاة مفروضة لا 
تت ر کونه» أت ر كوا غيره ولا تت ركوه توسلوا به. قال صلى الله عليه وسلم: ثلاث من 
كن فيه أو واحدة منهن تزوج من الحور العين حيث شاء: رحل أؤتن على أمانة 
فأداها مخافة الله عز وحل» ورحل خلى عن قاتله» ورحل قرأ في دبر كل صلاة قل 
هو الله أحد عشر مرات27 فالله الله في ذلك. وأوصيكم بحفظ الصلاة والصيام 
والجنابة لإمكان الحياز ولو بالتسامح» فيدخل على العامل الجنب في الصيام 
والصلاق ولكتاية الغا عن شيم لا ين مع عه فليحرص ولا يصل إلى أحد 

وأوصيك والجماعة أن رلا تفرطوا في القراءة لله كل صباح على أنسياء ا 
أنعم الله به على الجميع (وذّكّر فان الذكرى تنفع المومنين)!9» ولا تنسوا ما يتاج 
إليه الوقت من إحياء سنن القوم المتروك بقراءة شيء من كتبهم؛ كالرسالة" أو 
العوارف5 أو القوت لأيي طالب المكىء» أو طهارة القلوب؟؟ أو الإحياء الجامعة 
للاحياء لمن ذاق الحياء وكذلك تذكرة القرطي والبدور السافرةا والصواعق" 
للإمام الفا تق والصحاح مرة مرق التحاري ومسام مر مرق مدن أن داور مرم 
باقية فين ونحلفنا عباد | الله الصالين وعامة التابعين آمين. وكذلك إحياء الكتب 
بالقرآن إن تيسر وتوفر من أبنائكم من يقرأء والفقراء والجيران وكذلك الراتئب 
بالزاوية ليلة الثلاثاعء والإحياء برمضان على نسق عادة الله المنان» علينا كما من 


)1( فيض القدير 290:3. 

(2) في ط: السلام. 

)3( الثاريات: 55. 

(4) يقصد الرسالة القشيرية. 

(5) عوارف المعارف للسهروردي. 

)6( طهارة القلوب والخضوع لعلام الغيوب للشيخ الإمام عبد العزيز بن أحمد بن سعيد الدهرى الديرى 
المتوفى سذة 697 ه: كدف الظئون 1118:2. 

(7) التذكرة بأحوال الموتى والآخرة» لمحمد بن أحمد القرطبي الأندلسي المتوفى سنة 671 ه: كشف 
الظئون 390:1. 

)8( عنوان الكتاب كاملا: اليدور السافرة عن أمور الآخرة» للسيوطي: : فهر س الفهارس 1016:2. 

)9( الصواعق على الذواعق لجلال الدين عبد الرحمن بن أبى بكر السيوطي المتوفى سنة 911 ه : كشف 
الظئون 1083:2. 


- 567 - 


الأدران» والصلاة جماعة» والتروايح» وخحتم القرآن كل ليلة بالربعة بعد الصلاة 
وقراءة ما تيسر من الحديث بعد ذلك وقراءة الوترية بالزاوية والقرآن عشرة أحزاء 
كل ليلة بالمكتب يقوم محمد ومصطفى والأولاد إن هدوا إلى الطيب من القول 
وأنتم معهم» وناظرنا على الكل بالتلاوة والزاوية» وكذلك لمصرف الأرادب 3 الي 
تخرج من الوكالة ي المعادات كما يعرفه الأولاد. . وحصص الزاوية معوزة على 
ذلك القيام» والراتب على الألسنة ودرس القرآن والختم يوزع عليه ومن رغب 
إلى الله كان لله نفسا ومالاء فيجد الله عنده توابا رحيما حالا ومآلاء وكذلك 
عشر ذي الحجة لا تت ر كوها بالاحياء والصيام لله فإها من أحب الأعمال 
الصالحات المسرعة بالعاملين إلى حضرة الرب قرب الله وحبته» ویر حم كبيركم 
صغيركم؛ ويوسع له الکنف» وليوقر الصغير الكبين وليتق الله كلا ولا يبس منه 
شيئاء ومن لم يستطع لأن عل هو فليملل وليه بالعدل)"» فالأخلاق كالأحوال 
والأقرار كالأقدار» وتواصوا جميعا بالحق (وتواصوا بالصبر)©» (ولا تيأسوا من 
روح 216 ولا يصدق أحدكم الإساءة عن التماس عفو الله والإنابة مع المنيبين إلى 
الل ( إن الله بالغ أمره قد حعل الله لكل شيء قدر)/ وقد تم فالتمسوه كما 
تلتمسوا ليلة القدر. ه ما يتعلق به الغرض من الوصية» باق في أمر الأوقاف 
والأولاد حزاه الله حيرا عن نصيحته وحعلنا تمن امتثل ب رکته» ومن نظم شيخخنا 
الملا إبراهيم أبقاه الله في تاريخ وفاة الإمام القطب أي الحسن الشاذلي رضي الله 
نه 
[طويل] 

إمامٌ التقى جم الممدى شاذليهم غياث الورّى في القوم من فضل ذي الْمن 

توفي وكيف العيشُ والزمنُ الذي مضَى فيه قد أضحى توفي أبو اخس 

وله أيضا في تاريخ شيخ شيخه الشناوي (رضي الله عنهما)!5: 

[طويل] 

(1) البقرة: 281. 
(2) العصر: 3. 
(3) يوسف: 87. 
(4) الطلاق: 3. 
(5) زيادة من ط. 


- 568 - 


سلامٌ لهاس إمامٌ مغارف وذا هو شتاوهم مذ الأوحَد 

مضى ولسان الغيب عن عام موته يترجمٌ تاريخا مضّى فة أحتمث 

توف لوم الأربعهاء ودقة بصبح الخميس بالضاف إلى الفرقد 

2 5 

يعن بقيع الفرقد» وهي مقبرة المدينة زادها الله شرفا وحعلنا يما مقبورين على 
الإعان في عافية. 

وقد ألبسى» رضى الله عنه كما أليسه شيخنا الصفى» ونص ما كتبته بين 
يديه: الحمد لله ألبسئ شيخنا العلامة الموفق بفضل الله للرشاد الخارية أحواله 
بتوفيق الله على السداد» الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن حسن الشهرزوري العمامة 
بعدما اعتم يما على رأسه المبارك وأرخى ها العذبة» كما ألبسها من شيخنا العمدة 
القدوة صفى الدين أب العباس أحمد بن محمد القشاشى» رضى الله عنه» بسنده 
وكان إلباسه لي آحر يوم الجمعة ثالث عشر شعبان سنة ثلاث وسبعين وألف 
بالمدينة المشرفة عترل سيدنا الأخ الأحل الفاضل الأكمل السيد محمد بن رسول 
الشهرزوري كان الله لنا وله آمين. ثم كتب هو بخط يده عقبه: صحيح ذلك. 
وكتبه إبراهيم بن حسن الكوران الشهرزوي ثم الشهران ثم المدي كان الله له عنه 
فيما له بفضله آمين والحمد لله رب العالمين. 


ذكر تأليفه رضى الله عنه 


فمنها كتاب إنباه الأنباه على إعراب لا إله إلا الل ابتدأه قي بلاده» وفرغ 
من ذيبه وتحقيقه وإكماله بعد استقراره بالمدينة» وهو كتاب مفيد لم يؤلف في 
معناه مثله» أودعه من التحقيقات ما لا يوحد في غيره» ومن النكث النحوية 
والقواعد الأصولية والمباحث البيانية كل درة فريدة وجمانة ثمينة» لم يدع شيئا 
يتعلق بإعراب الكلمة المشرفة من جميع العلوم إلا ذكره مع زيادة التحقيق 
والتدقيق» ثم حتمه بأربعين حديثا يي فضل لا إله إلا الله وذكر سنده في تلقييهاء 
وقد طال بحثه على جمع الأحاديث المذكورة في بجالماء واستعان في ذلك بشيخنا 
أبي مهدي الثعالبي» فلم يتفرغ لذلك إلى أن من الله عليه يجمعها من مظانما في 


- 569 - 


رسالة للعارف محمد اللكرعيا" أفردها لفضل لا له إلا ال ذكر فيها أزيد من مائة 
يث» فكتبت إليه بخبرها وأنه إن احتاج إليها لتغير شيء من الأحاديث الي 
ها أبعثها له. وبا جحملة فهو كتاب نفيس متو على درر العلم تنافس أصحابنا 
ومشايخنا في كتابته لما أدخلناه المغرب» نفعنا الله وإياه وإياكم بذلك آمين. 
ومنها إفاضة العلام في مسألة الكلام أحاد فيه كل الإحادة» وقد علم محل 
هذه المسألة وعظم قدرها من علم الكلام وأا لصعوبتها هي السبب في إضافة هذا 
العلم للكلام» ومبئى هذا التأليف أولا على تحقيق التراع الذي بين الأشعرية 
والحنابلة في الكلام» وذهاب الحنابلة فيه إلى القول بالحرف والصوت» وادعاء 
القدم هما صونا لخانب القرآن عن نسبة الحدوث إلى شر منهء ولم يبالوا عا أداهم 
إليه ذلك من ححد الضرورة المشاهدة يي حدوثها وانقضائهاء وقد كثرت القالة في 
ذلك بين متأخري الشافعية والخنابلة حي أدى ذلك إلى تضليل كل من الفريقين 
صاحبه» وبسبب هذه المسألة وغيرها من المسائل الى تمسك فيها الحنابلة بظواهر 
الكتاب والسنة» كالاستواء والترول والقدم والوحه والعينين وغبر ذلك من 
أحاديث الصفات» حكم بتضليل شيخ الإسلام ابن تيمية» وأتباعه كابن القيممء 
معاصروه من الشافعية كالسبكيين وغیرهې وتحاملوا عليه ونسبوه إلى العظائي 
وقد أحاد شيخنا رضي الله عنه بالفحص عن كل ما نسب إلى الحنابلة وم يقلد ِي 
ذلك أهل مذهبه من الشافعية لعلمه عا يقع بين المتناظرين وعدم تحقيق محل التراع 
ونسبة كل واحد منهما صاحبه إلى لازم قوله وتعلقه بظواهر أقواله وإن كان في 
صريح كلامه ما يدفع تلك اللوازم ويحي على تلك الظواهر» ولذلك كتب شيخنا 
عند عزمه على البحث في هذه المسائل بإشارة شيخه الصفي إلى الشيخ عبد الباقي 
الحنبلي البعلي الدمشقي» وهو إذ ذاك كبير الحنابلة وإمامهم علما وعملا وصلاحا 
بدمشق ليكتب له ععتقد الحنابلة حررا مبينا بأدلته حى لا ينسب إليهم شيئا نما 
يقولوه وأخذ هو ثي الفحص عن رسائل الشيخ ابن تيمية وأصحابه فيما يتعلق 
بذلك حي ظفر من ذلك عا تحرر له به معتقد الحنابلة ومبيى طريقهم» وكتب إليه 
الشيخ عبد الباقي رسالة متضمنة لجميع ما طلب منه بيانه» فحينئذ أخذ ف تصنيف 
هذا الكتاب وحرر فيه النظر ودققه وحققه في مسألة الكلام ثم في سائر المسائل 


(1) محمد بن محمد بن عبد الرحمن» أبو الحسن البكري المصريء مفسر متصوف» كان يقيم عاما بمصر 
وعاما بمكة المكرمة» من كتبه: شرح منهاج النووي» تفسير البكري» توفي نة 5 ه: الكواكب السائرة 
2. الأعلام 57:7. 


-570- 


الى وقع فيها التراع ونظر في ذلك نظر ما هو منصف متحل بحميل الأوصاف. 
قال لي: لما أمعنت النظر في رسائل القوم ومصنفاقم وحدقم برآء من كثير نما 
رموهم به أصحابنا الشافعية من التجسيم والتشبيه» وإنما القوم متمسكون عذاهب 
كبراء المحدثين كما هو المعروف من حال إمامهم رضي الله عنه من إبقاء الآيات 
والأحاديث على ظاهرها والإعان يما كذلك» مفوضين فيما أشكل معنا وهذا لا 
يذمه أحد من الأشعرية» بيد أن الحنابلة مشددون في رد التأويل في ذلك يجهلون 
من يذهب إليه كالأشعرية» فيقولون: الله ورسوله وسلف الأمة أدرى ععان 
الآيات والأحاديث من هؤلاء المؤولين وما ورد عنهم أفهم أولوا شيئا من ذلك» 
فأما أن يكون ذلك لأن معناه حفي عليهم فكيف ظهر طؤلاء ما حفي علي 
أولئك» وإما لأنها على ما يظهر من معناها لأن الشرع حاء بلغة العرب فمراد الله 
يذه الألفاظ هي المعان الي تريدها منها العرب في لغتهم وتطلق على كل واحد 
بحسب ما يليق به» فالمراد بالاستواء والفوق والترول هي معانيها المعهودة قي كلام 
العرب» فإذا قلت زيد فوق السرير فمعناه مستقر عليه متمكن منه مستعل. وللما 
علمنا أن زيدا حرم من الأحرام والسرير كذلك تحقق لنا أن الفوقية في حقه 
واستقراره فوق السرير يوحب مماسته له وتحيزه في جهة من جهاته» وغير ذلك من 
الأوصاف الى يوحبها استقرار حرم على حرم. وأما المولى حل حلاله فماهية ذاته 
غير مدركة لأحد من الخلق» فكيف نقول بأن استقراره فوق العرش يوحب مماسته 
له وتحيزه في حهة» لأن ذلك لازم استقرار الجسم. وأما استقرار من ليس بحسي 
فلا نحكم بأنه يوحب كذا وكذا حي نعلم ماهيته والماهية غير معلومة» فتثبت له 
استقرارا حقيقيا فوق عرشه لأنه أثبته لنفسه في كتابه وعلى لسان رسوله بإثبات 
الفوقانية الي معناها ف اللغة الي حاء كا القرآن الاستقرار على الشىء والاستعلاء 
عليه على وجه يليق بذاته لا ندركه الآن لأنا لم ندرك ذاته ولم نعلم ماهيته 
فكيف نحكم على ذاته بأن استقرارها على شيء وعلوها عليه يوحب المماسة 
والتحيزء فقد يستقر الشيء على الشيء بلا مماسة لاستحالتها من المستقر وإن 
حازت يي حق المستقر عليه» وكذلك يقولون في الترول إن الحالات المذكورة إغا 
تلزم من نزول الأحسام من الانتقالا" والتغير» بل نشته له لأنه أثبته لنفسه» ونقول 
إنه نزول حقيقي متره عما يطرأ ويقع من نزول الأحسام لأنه ليس بحسم وكذلك 


-571- 


القول في الاستواء نؤمن به على ما هو المفهوم من كلام العرب لأنه أثبته لنفسه 
بكلام هو من لغة العرب» ولا نقول عا التزمتمونا من الجهة والمماسة أيضا لأن 
ذلك في استواء الأحسام بعضها على بعض. وأما استواء من ليس بحسم على 
علمنا بالماهية» وقد بالغ ابن القيم في الرد على الأشعرية في مثل هذا حي أتى 
بعبارة سوء وقال: إنهم تكلفوا في كلام الله تعالى ورسوله» وتنطعوا في فهمه. وم 
يتلقوه بالقبول كما فعل من أحلص إعانه من السلف الصاح حي وقعوا فيما وقع 
فيه من قبلنا من الأمم من تنطعهم على أنبيائهم. قال: فلام الأشعرية كنون اليهود 
ف الزيادة والتنطع» فاليهود أمروا أن يدخلوا الباب سجدا ويقولوا حطةا"» فدلوا 
يزحفون أستاههم وقالوا حنطة) فزادوا النون تنطعا وتقوّلا على الله ما لم يقل 
والأشعرية كذلك. قال الله تعالى: (الرحمن على العرش استوى)» فتنطعوا وقالوا: 
استولى» فزادوا اللام تنطعا. ولقد اسای سامه الله الخطاب وتتنكب عحض 
العصبية عن الصواب فإن الأشعرية» رضي الله عنهم لم يححدوا استوى ولم يكتنعوا 
من قوله» بل قالوا استوى وبه يقرؤوت ويتقربون إلى الله تعالى» ولكن بعضهم أول 
المعئ لا رأى الظاهر منه خالا على الله فقال: معن استوى استولى لورود اللفظين 
معا قي لغة العرب ععيئ واحد كقوله60: 
[كامل] 
قد استوى بشر على العراق من غير سّيف ودم مهراق 
وأمثال هذه التعصبات الفاسدة هى الى أوقعت الفريقين فيما وقعوا فيه 
وإلا فالكل على هدى» إن شاء الل فيما يظهر لأن المفوض مسلم كراد الله تارك 
ما لم يكلف بعلمه» والمتأول متبع لما علم صحته وثبوته من الكتاب والسنة حامل 
عليه ما لم يتضح معناه حي تكون العقيدة كلها على نسق واحد ولا يسرع إلى 
فهم القاصر معن لا يليق بالرب فيثبته له فالتأويل لأحل هذا حسن لأنه محراسة 
عن اعتقاد ما لا يجوز اعتقاده» فإذا ”مع قاصر الفهم استوى لم يتبادر إلى فهمه إلا 
)1( إشارة إلى قوله تعالى: (وإذ قذنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئڌم رغدا وادخلوا الباب سجدا 
وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم نأنزلنا على 
الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون): البقرة: 58- 59. 


(2) طه: 5. 
(3) ورد البيت بلا نسبة في: شذرات الذهب 79:1. 


-572- 


المع المستحيل» » فإذا ممع قول العالم معناه استولى عليه بالقهر والغلبة زالت تلك 
الشبهة من قلبه» وهذا الذي أولنا به الاستواء وإن لم يكن هو مراد الله ورسوله 
فهو لا شك معن ثابت لله متصف به لا ينای ما هو معناه عند الله فلا كبير ضرر 
ف ذلك ولا تحكم إذ لم نقل ليس له معن إلا هذاء بل نقول يحتمل أن يكون معناه 
هذا وهذا صدق لأنه حتمل. ولقد أطلعي بعض أصحابنا الحنابلة بالقاهرة على 
رسالة للشيخ ابن تي تيمية وهي معتمدة عند الحنابلة فطالعتها كلها فلم أر فيها شيئا 
ما ينبز به ويرمى به في العقائد سوى ما ذكرنا من تشديده في رد التأويل وتمسكه 
بالظواهر مع التفويض مع البالغة في التتريه مبالغة نقطع معها بأنه لا يعتقد تحسيما 
ولا تشبيهاء بل يصرح بذلك تصريحا لا سفاء فيه. والعجب تمن يترك صريح لفظه 
بنفي التشبيه والتجسيم ويأحذه بلازم قوله الذي لا يقول به ولا يسلم لزومه 
لقوله: وعلى كل حال فهو كما قال كثير من المشايخ في الشيخ محي الدين» 
وكثيرا ما سمعته من شيخنا العلامة سيدي عبد القادر رضي الله عنه يقول: محكم 
كلامه يقضي على متشاقه ومطلقه يرد إلى مقيده» وبحمله إلى مبينه» ومبهمه إلى 
صريحه» كما هو شأن كل كلام ظهرت عدالة صاحبه» والله أعلم . 


ولقد أحسن شيخناء رضي الله عنه التوفيق بين كلامهم وكلام الأشعرية 
وبرأهم من كثير ما نسب إليهم متأخحرو الأشعرية» كما أن الأشعرية مبرأون مما 
نسب إليهم (متأخرو)!0 الحنابلة من التعطيل والتحريف لكلام الله عن مواضعه 
والكل على هدى إن شاء الله متمذهبون عذاهب أهل السنة والجماعة» يصدق 
كلام بعضهم بعضاء ويصدقون كلهم بكلام الله ورسوله» وهو مصلتقهم وإن 
اختلفوا في التأويل والتفويض فهما طريقان مساوكان منتهجان منسوبان معا لأهل 
السنة والجماعة» وإن كثر التفويض عند السلف لعدم احتياحهم إلى ذلك بظهور 
أهل الأهواء المتمسكين عتشابه الآيات والأخبار الحاملين ها على قبيح آرائهم 
فتعين عن © أهل السنة والجماعة المناضلين على الاعتقاد الحق تأويلها على ما يوافق 
الحق ليبطل تمسك المبتدعة يما. ولم يقل أحد من الأشعرية بوجوب التأويل وأنه لا 
يجوز الإعان بالمتشابه على ما هو عليه» بل استحبوا التأويل للغرض ال مذكور وم 
يخالف عقائد أهل الحق من المقلدين للأئمة الأربعة إلا طوائف قليلة لا يعباً مهم 


(1) زيادة من ط. 
)2( في ط: عن. 


-573- 


كما قال الشيخ تاج الدين السبكي في كتابه مفيد النعم ومبيد النقم فقد قال فيه 
عند ذكره للعلماء ف المثال السادس والأربعين ما نصه: وهؤلاء الحنفية والشافعية 
والمالكية وفضلاء الحنابلة ولله له الحمد ني العقائد يد واحدة» كلهم على رأي أمل 
السنة واللجماعة) يدينون الله تعالى بطريق شيخ السنة أبي الحسن الأشعري» رهه 
الل لا يحيد عنها إلا رعاع من الخنفية والشافعية حقوا بأهل الاعتزال ورعاع من 

الحنابلة لحقوا بأهل التجسيم وبرأ الله المالكية فلم ير مالكي إلا أشعري العقيدة 
ه لفظه. قلت: وناهيك هذه المنقبة العظيمة لإمامنا وأتباعه» رضي الله عنه» أقر 
له با عظماء مخالفيه من أهل المذاهب. ولأهل مغربنا خاصة» فلم يعرف في 
علمائهم وأكابرهم قلعا وحديثا من هو رأس وإمام في مذهب من المذاهب 
المخالفة» وقد استدل بذلك سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام الشافعي على 
صحة معتقد الإمام أبي اخسن الأشعري قال: ويدل على صحة مذهب الأمام 
الأشعري كون معتقد أهل الغرب قاطبة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه 
وسلم» بأفم؛ لا تزال طائفة منهم ظاهرين على الحق حى يأنٍ أمر اللها» وهم 
ظاهرون» كما ورد ق بعض روايات الحديثف طائفة من أهل الغرب» وتأويله 
بالدلو العظيم أو غير ذلك عدول عن الظاهر بلا ضرورة» فالصواب إبقاؤه الل 
على ظاهره. قلت: ومن أراد أن ينشرح صدره ويتبين له تبينا لا مراء فيه صحة 
مذهب الإمام الأشعري وأنه مذهب أهل السنة والجماعة» فليطالع كتاب الإمام 
أبي القاسم بن عساكر المسمى بتبيين كذب المفتري فيما نسب إلى أبي الحسن 
الأشعري فقد أتت فيه من أدلة الكتاب والسنة وأقاويل السلف والخلف يما لا 
يكترى معه عاقل حال من التعصب أنه إمام السنة ورئيس الحماعة المضمون لما 
العصمة من الله. ولقد قال لي شيخنا الملا إبراهيم يوما: ما رأيت مذهبا من 
مذاهب أثمة المتكلمين أقرب إلى مذاهب العارفين وأشبه با من مذهب الإمام أبي 
الحسن الأشعري» فما قال العارفون أهل الكشف ف مسألة بخلاف أقوال المتكلمين 
إلا وحدت قول الأشعري أقرب إلى قوم من قول غيره بحيث عحكن رده إلى 
أقواهم بأدن تأويل» بل المواضع المستشكلة من كلامه حارية على وفق ما يقوله 
أهل الكشف» ولذلك أشكلت على من لم يبلغ مقامه في المعرفة من أهل الظاهرء 
كقوله في الوحود: إن وحود كل شيء عينه هو عين قوم في الوحود المطلق 


(1) مسند أحمد 429:4. 
(2) ساقط من ط. 


- 574 - 


ووحدته. وقوله في الصفات: لا هي هو ولا هي غيره. وقوله في الكسب 
والاستطاعة: كل ذلك لا كبير فرق بينه وبين ما اتضح لبصائر أهل الكشف» ومن 
طالع تآليف المؤلفين في عقائد العارفين وإجماعاقم كالكلاباذي!؟ في التعريف» 
وحدها لا تباين مذاهب أهل السنة والجماعة فيما اتفقوا عليه» وقريبة من مذهب 
الأشعري فيما اختلفوا فيه» وقد ذكرت ما قال شيخنا الملا لشيخنا صدر الجماعة 
وإمام كل صناعة العلامة العارف امحقق سيدي عبد القادر علي الفاسي» فصدقه 
في ذلك وقال: لا شك أن الإمام الأشعري كان له حظ وافر من العلم بالله 
والمعرفة به مؤيدا في أقواله مسددا في آرائه غير حال من الكشف الصحيح والذوق 
الصريح» ولولا ما أقامه الله فيه من مناظرة أهل الأهواء ومناضلتهم وابخري معهم 
على نحو ما عرفوه من أدلة المتكلمين لكان رأسا يي طريق القوم وإمام العارفين في 
زمانه» وقد شهد له بذلك أهل البصائر من العارفين في زمانه وبعده» ولقد قال لي 
شيخنا الملا: إنه ليشق علي كثيرا أن أحد في كلام العارفين ما يخالف بظاهره أقوال 
الإمام الأشعري دون غيره من المتكلمين» ومع ذلك فلا ألبث إلا يسيرا حى يفتح 
الله لي بابا من الفهم يتضح لي به موافقة كلامهم لرأيه فأحمد الله كثيراء وقد قدمنا 
أن أهل الصدق لا احتلاف بينهم وإن أوهمه ظاهر كلامهم ثل بعض المواضع» والله 
أعلم . 

ومن تآليفه أيضاً القول الحلي» وهو حواب عن أسئلة وردت من قبل بعض 
علماء الزيدية من أهل اليمن في حياة الشيخ الصفي وأمره بالجواب عنه. ومن 
رسائله التتمة على المسألة المهمة» يعن مسألة الكسب الي ألف فيها شيخه الصفي 
رسائله الثلاث. ومنها رسالة أخرى ”ماها ذيل التتمة في المسألة أيضا. ومنها 
الرسالة الى ألّفها برسمى ف المسألة. فرسائله فيها ثلاث عدد رسائل شيخ إلا أا 
أصغر منها. ومنها ر سالة في حديث الأعمال بالثيّات أحاد فيها كل الإحادة 
وحقق الكلام فيها غاية التحقيق» وسبب اطلاعي على هذه الرسالة أن ذكرت له 
يوما أن رأيت بالقاهرة سفرا من شرح الجامع الصغيرا للمبتولي ذكر صاحبه أنه 
شرح حرف الممزة منه في ثلاثة عشر مجحلداء والسفر الذي رأيته سفر كبير وليس 


)1( محمد بن إبراهيم بن يعقوب الكلاباذي» من حفاظ الحديث» له كتاب: التعرف لمذهب اهل التصوف» 
8 شرح الجامع الصغير للسيوطي الأحمد بن محمد المتبولي المتوفى سنة 1003 ه: كشف الظئون 


-575- 


فيه إلا الكلام على حديث إنما الأعمال بالنيات. فقال لي: إن التطويل في مثل هذا 
إنما هو بأمور خارحة عن معن الحديث المشروح أو بأمور ليست من التحقيق في 
شيء» كالاشتغال يحلب الأقوال غثها و“مينهاء والاسترسال في حلب الفروع 
الفقهية المتعلقة بذلك» واختللاف آراء الفقهاء في ذلك» وأما تحقيق معن النية 
وزبدة الأقوال المقولة في معناها وكيفية انطياقها وثموطا لسائر الأعمال فهو ما 
أودعته رسالي المؤلفة في ذلك ولقد صدق في دعواه. قال لي: وقد أطلعن شيخنا 
أبو مهدي عيسى الثعالبى على رسالة القرافي المسماة بالأمنيق» فأحكمت مطالعتها 
فلم أحد فيها زيادة على ما ذكرت» وحين أطلعته على رسال حكم بأن رسال 
أتم تحقيقا وأوحز لفظا. 

ومنها رسالة أخرى ألفها ف مسألة طال البحث فيها بين الشيخ القسشاشي 
وأصحاب الشيخ عبد الأحد النقشبندي المندي» وهي مسألة تفضيل البشر على 
الكعبة» وهي مسألة قليعة البحث تكلم عليها الشيخ حي الدين في الفتوحات 
وحكم بتفضيل البشرء فلما حاء الشيخ آدم شيخ شيخنا جمال الدين على اليبق 
وهو من أحل تلامذة الشيخ عبد الأحد» ألف رسالة في ذلك وحنح إلى تفضيل 
الكعبة وزعم أن شيخه كان يقول بذلك» وخالفه في ذلك شيخنا الصفي» > فلم 
ينشب الشيخ آدم أن توق إلى رحمة الله. وسمعت بعض الأصحاب يقول إن الشيخ 
الصفي تصرف فيه بقوة الحال وأعلم عوته فمات قريبا من ذلك. فلما قلم إلى 
المدينة في سنة ثمان وستين أولاد الشخ عبد الأحد السيد محمد المعصوم وأ وه 
وأولادهم» وكانت هم بحابة وعلم وفهم على ما أخبرنٍ شيخنا الملا حری ذكر 
المقالة الى وقع البحث فيها بين شيخنا الصفي وبين تلامذة أبيهم» فأمر السشيخ 
الصفي تلميذه الملا إبراهيم أن يؤلف في ذلك فألف رسالة مفيدة» ولا قم أولاد 
الشيخ عبد الأحد المدينة قدموا يي شارة عظيمة وأتباع كثيرين» واشال الناس 
عليهم للأخذ منهم والتبرك كم فبعتوا أولادهم للقاء شيخنا صفي الدين وزيارته. 
قال لي شيخنا الملا لما اتفصل أولادهم من عند شيخنا قال لنا إن هؤلاء كبراء قوم 
وأهل علم ونسبة لله قد قدموا علينا في هذه البلدة المشرفة وتفضلوا يبعث أولادهم 
لزيارتناء فيحق عليكم أن تزوروهم في محالهم الي نزلوا فيها مكافأة هم ئلا دوا 
في قلوكى فوحهئن أنا والشيخ مهنا للقائهم» وكان الشيخ مهنا رضي الله عنه من 
رحال وقته له حال قوية وسلوك مستقيم في الطريق» صحب السيد سالم شيخان 


- 576 - 


باعلوي!؟» رضي الله عنه» وبعد وفاته اتصل بالشيخ القشاشي لا بينه وبين شيخه 
من الصحبة والألفة» وكان الشيخ مهنا يقول إنه وحد الشيخ القشاشي ها اتصل به 
أكمل حالا وأتم عرفانا من السيد سالم» فلعل الشيخ الصفي وصل بعد السيد سام 
إلى مقام أعلى من مقامهء أو كان كذلك أعلى منه حي في حياتىف إلا أن الشيخ 
مهنا لقوة استغراقه قي شيخه لم يشعر إذ ذاك بعلو مقام الصفي على مقامه. قال لي 
الملا: ولا عزمنا على زيارة السيد المعصوم أنا والشيخ مهنا وجماعة من الأصحاب 
أضمرت ازع منهم وقيبت لقاءهم ا أخبرت به أن لهم تصرفاً في القلوب قويا 
وتوحها عظيما ف مراقبتهم» كما هو شأن السادات النقشبندية رضي الله عنهم» 
فلما أردنا الخروج قال لنا الشيخ: اذهبوا على بركات الله وتحفظوا على نعالكم 
لئلا تسرق لكم» ولكن ما ثم إلا الخي قال ذلك على وحه المزاح» وفهمت منه أنه 
قال: تحفظوا على قلوبكم وأسراركم أن يتصرفوا فيها كحممهم وتوحهامم. ولكن 
لما قال الشيخ ما ثم إلا الخير» علمت أنه عدنا عدده فلا يقدرون على التصرف 
فينا. قال: فلما دخلنا على كبيرهم وحدناه على سرير وتلقانا وسلم علينا وأحلسنا 
وجلس» فلحقتنا هيبة منه عظيمة ورعب» والس غاص بأملهه فلما استوى يشا 
امخلس نظرت إليه وهو متوحه» ونظرت إلى الشيخ مهنا وهو حالس بإزائي 
ارب برأمه إل ده وهر بغط غطيط ایک وم بشعريه اد يري فی 
ساعة رقع الشيخ مهنا رأسه وهو يقول سرا: تحسبون أن أحدا ليس يقدر عليكم 
أو أن ليس في البلد أحد يقاومكم حى حشيت أن يسمعه» فرفعت رأسي إلى 
السيد المعصوم فرأيته قد ارفضُ عرقاء فاتفصل املس و لم يكلمنا بكلمة واحدة. 
فعلمت أن الشيخ أمدنا بعدده وأنه رام التصرف فينا ولم يقدرء فأوحم لذلك» 
وكذلك عادة المشايخ النقشبندية» رضي الله عنهم إذا راموا التصرف في أحد 
وغالب حاله حالم وقوي عليهم و م يقدروا عليه انقلبت قوة حاطم عليه 
فمنهم من يغشى عليه» ومنهم من يصعق» بل رعا أدى ذلك بعضهم إلى الموت. أو 
ما ترى الصمر إذا انقض على الصيد بقوة فاحطأه رعا كان في ذلك هلاكف وكان 
هذا الشيخ لما توّحّه إلى بواطن أصحاب الشيخ بالنصرف وقابله الشيخ مهنا بتوحه 
أقوى منه لَقَوةَ مدد شيخه فلم يقدر على التصرف فيهم انفعل لذلك وارفض 
عرقا. فلم يتكلم بكلمة خجلاء وكان الشيخ مهناء رضي الله عن إذ ذاك أقورى 


)1( سالم بن أحمد شيخان باعلوي» الحسيني الشافعي» عارف مصذف» من أئمة الصوفية بمكة المكرمة 
ولد سئة 995 ه» و توفي دة 1046 هة خلاصة الأثر 200:2. الأعلام 710:3. 


- 577 - 


أصحاب الشيخ الحاضرين هناك حالا وأتمهم استعداداء فتوحه لنازلة هذا القرن 
ومقاومته دون أصحابه» فلما رجعنا إلى الشيخ وحدناه ينتظرنا وكأنه كان عدناء 
والله أعلم. 
العقائكل وقد أحاد فيها كل الإحادة وأحسن غاية الا-حسان» وقد وهب لي نسحة 
من الشرح الكبير وكتب على ظهرها بخطه هدية من الفقير إبراهيم إلى أخيه فلان 
والله تبارك وتعالى يكافيه عنا بأحسن المكافآت. وله رسائل أخرى وسوى ما 
تقدم» وتقاييد على مسائل ما يشكل في فنون كثيرة. ومن تآليفه رسالة ف الكلام 
على الاستخارة اليومية الي حرى عمل الصوفية ياء وهي صلاة ركعتين في كل 
يوم بنية الاستخارة وقراءة دعاء الاستخخارة معتبرا لجميع د شؤونه الدينية والدنيوية. 
كان يقول» على ما ذكر بعضهم, في خلال الدعاء: اللهم إن كنت تعلم أن جميع 
ما أحرك فيه وأنطق به في حقي ويي حق غيري» وجميع ما يتحرك فيه غيري 
وينطق به في حقي وثي حق أهلي ومالي وولدي من ساعيٍ هذه إلى مثلها من الخد 
حير لي في دين ومعاشي وعاقبة أمري فأقدره لي. إلى آخخر دعاء الاستخارة الوارد 
في الحديث» فإن بعض الناس قد أنكر ذلك على الصوفية وقال: ليس له أصل في 
السنة. . فكتب اللا في ذلك رسالة استطرد فيها شرح دعاء الاستخارة شرحاً 
وحيزاً مفيدا» نفعنا الله وإياه بذلك. 


ذكر التعريف بشيخه الذي هو قدوته وإمامه ومرقيه 2 مدارج 

وهو شيخنا الإمام قدوة الأكابر الأعلام» شيخ العارفين» وسائس قلوب 
الراحلين والخائفين» ذو التصرف التام قي العلمين» ومرشد السالكين» وإمام 
احرمین کوٹ زعا وقطب أوانه» الشيخ السيد صفي الدين أحمد بن محمد بن 
المدن» قدس الله سره ورتا ب وای آمين. كان رضي الله عنه إماماً في العام 
الظاهرة والباطنة) رأساً في علوم الحمائ ق» صدراً في صدور أهل هذه المائق» قد أقر 
له بالتقدتم علماء زمانه وكبراء أوانى وشهد له بالقطبانية العظمى والصديقية 


- 578 - 


الكبرى أهل البصائر الصافية» فصاروا من أعوانه. أخحبرني شيخنا الملا إبراهيم أن 
الشيخ الكامل المكمل سيدي أيا الصبر أيوب بن أحمد بن أيوب الصالحي العدوي 
الشامي الدمشقي!؟ رضي الله عنه كتب إلى شيخنا القشاشي كتابا قال فيه بعد 
الافتتاح: أما بعدء لأن لكل وقت صمدا يصمد إليه في الأمور» وأنت صمد ذا 
الوقت» ثم ساق الكلام على هذا النمط إلى آخر الكتاب. قال الملا: فلما قرأه 
الشيخ أمرن بكتب الجواب كما هو عادته في آخخر أمره. فقلت: يا سيدي إن مثل 
هذا لا أقدر على أن أجيب عليه إنما جيب عليه أنت» ولكن إذا كتب سيدنا 
الجواب فليطالعنا عليف وإغا امتنعت عن الجواب لأن المرء لا يخبر أحدا عن حاله 
إلا نفسى وهذا عارف يكاتب عارفاً ويصفه بالصمدانية الى هي القطبانية 
العظمى» فمن أين لثلى أن يجيب عن ذلك بنفى أو إثبات. قال: فلما كتب 
الجواب وأطلعي عليه وحدته قد افتتحه بقوله: الحمد لله على ذلك» كذلك فقلت 

يي نفسي: : هذه البغية فلا أعظم من شهادة هذا العارف له بالقطيانية) وتصديقه له 
في ذلك بحمد الله على ذلك والإقرار أنه كذلك» والشيخ أيوب هذا كان إماما في 
المعارف والعلوم الإلحية» تصدر للعلم وتربية المريدين في دمشق ونواحيهاء وأتاه 
الناس للسلوك على يديه من أقطار الأرض وله تأليف في علوم القوم كثيرة النفع 
غزيرة العلم. أخبرن بعض الأصحاب أنه لف كتاباً عظيماً على غط الفتوحات 
المكية فرأى الشيخ محي الدين في النوم وكأنه قد غار منه» فقال له: يا أيوب أتريد 
أن تخمل ذكر كتابي بظهور كتابك؟. فلما أصبح ذهب به إلى الماء وغسله كله 
تأدبا مع الشيخ محي الدين. وهذا لعمري غاية الأدب مع العارفين» ولا يعرف 
الفضل لأهل الفضل إلا أهل الفضل» فشهادة مثل هذا الشيخ على حلالة قدره 
وتمكنه في العلوم والمعارف مقبولة لا يقدح فيها إلا أعمى البصيرة» وكم من 
عارف وسالك شهد عا شهد به هذا الشيخ» وشهادة الكون بأسره أقوى شهادة 
إذا ألقت إليه كبراء العارفين أزمتهم في زمنه» ووردت عليه الأسئلة من جميع أقطار 
الأرض بالاستفتاء في العلوم الظاهرة والباطنة» فيجيب الكل عا لا ينازعه فيه إلا 
مكابر تمن أعلم أهل الطند عا أعلم به أهل المغرب من علمه وفضله حى انقادوا 
للاقتداء به إلا من أهلى تلذلك وأظهره علما لعباده ينتفعون بالأخحذ من علومه 


)1( الشيخ أيوب بن أحمد بن أيوب الدئفي الخلوتي» متصوف من الطريقة الخلوتية» ولد ونشأ بدمشق» 
صئف عددا من الرسائل والكتب في التصوف» توفي سئة 1071 ه: خلاصة الأثر 421 الأعلام 
3/12 


- 579 - 


ويسترشدون باقنفاء آثاره» ومن رأى تآليفه ورسائله في أنواع العلوم» حصوصا 
علوم المقائق» لا ري في أنه قب زان لأن الأوصاف الي ذكر أهل الطريق 
: للقطب» والعلوم الي ذكروا أنه ختص كما كلها موحودة في الشيخ رضي الله عنه 
وهذه كتبه فلينسج أحد على منواله فيها ممن لم يهتد يطريقه وم يستفد من 
تحقيقه. أصله رضي الله عنه من القدس الشريف» وبه كان حده الأعلى الشيخ 
العارف قطب زمانه أحمد بن علي المقدسي رضي الله عنه» وله أتبزع كثيرون هناك 
وأولاد وزاوية» فلما نشأ ولده يونس المسمى بعبد البي وذاق شيا من المعارف 
ساح في الأرض وترك بلاده وانسلخ من الحاه الذي وره من والده وبقي إخوته 
وسائر متعلقات أبيه بالقدس» وذهب هو إلى الحجاز وساح فيه و اليمن» ثم 
استقر ارا بالمدينة» وسيب تلقيبه بعبد البي أنه كان مجمع الفقراء وبأن سم إلا 
المسجد ويدفع هم الأحرة ليصلوا على البي صلى الله عليه وسلم يومهم» فسمي 
لذلك عبد البي» وكان يبيع بالمدينة القشاشة» وهي سقط المتاع من الأشياء الي 
تسترخمص من أي نوع من نعال أو خرق ومحابر وإبر وغير ذلك ما يتاج إليه 
الفقراء» فسمي لأحل ذلك القشاشي» بضم القاف وتخفيف الشين» أحبرن الملا أنه 
قدم رحل من اليمن يقال له القشاشي» بفتح القاف والشين الْشَدّدهَ فجاء إلى 
الشيخ وقال: يا سيدي أنت مناء يعن في النسبة. فقال الشيخ: لاء نحن قشاشتنا 
معاوية» وأنة نتم قشاشتكم أرضية» يشير رضي الله عنه إلى الرفع والخفة في الأولى» 
وإلى النصب والثقل في الأخحرى» ويشير أيضا إلى أن نسبتنا اكتسبناها من الفرار 
إلى الله والتعلق به وهضم النفس» ونسبتكم اكتسبتموها من الأسباب الدنيوية 
والاستكثار منها لأن القشاش في عرف التاحر الذي يبيع أصنافا كثيرة من التجارة 
المطلوبة لكل أحدء بخلاف القشاشة المتقدمة لا يشتريها إلا الفقراء ولا يشتغل 
ببيعهاء سيما إن كان ذلك عن اختيار لا عن ضرورة إلا من ذلت نفسه لله 
وقصد بذلك نفع الفقراء كهذا الشيخ» و لم يزل الشيخ يونس بأرض الحجاز نامل 
الذكر لا يشعر أحد من أهله عكانه» سيما مع تغير النسبة وحدوث اللقب إلى أن 
ون وبقي ولده والد الشيخ سالكا على طريق والده من الاشتغال ما يعنيه» 
وبسلوك طريق أهل العلم بالله» وثم نشأ ولده شيخنا صفي الدين على قدم أسلافه 
من الزهد والعبادة وطلب العلم في صغره» فحصل منه ما كفاه وسلك في طريق 
القوم على يد والده وغيره من المشايخ وحال في بلاد الحجاز» ودخخل اليمن مرارا 
ولقي أكابر العارفين ياء وكانت إذ ذاك وكرا للصالحين با جماعة كثيرة من أهل 


- 580 - 


المعرفة وأصحاب الأحوال من آل باعلوي ومن العيدروسية ومن الخبرتية وغيرهم 
من أرباب الطوائف» فانتفع بلقائهم وتأدّب بآداهم» وحصل النفع الكثير والخير 
الكبير بزيارتهم وخالص دعواتهم رضي الله عنه وعنهم وعنا يهم أجمعين» وكانت 
طريق أسلافهى رضي الله عنهم» في السلوك قادرية» ومذهبهم في الفروع مالكيق 
فنشأ الشيخ» رضي الله عنه» على ذلك سالكاً على طريقتهم متمذهباً عذهبهم 
المالكي إلى أن اتصل بالشيخ الشناوي كما سيأني» وسلك على يديه» اقتضت محبته 
له وشدة اتباعه له واقتداؤه به فْ سائر تقلباته كما هو شان المريد الصادق مع 
شيخه الحاذق إن تمذهب عذهب الشيخ يي الفروع ايض وكان الشيخ الشناوي 
شافعياء وكان الشيخ القشاشيء رضي الله عن يقول: تشفعت بالشيخ» وهو 
كلام بليغ موحه كما ترى إذ يحتمل التشفع به إلى الله تعالى لأن الشيخ للمريد 
شفيعه أو تصيره شافعياً بسبه» وكلاهما حاصل» وكان الشيخ أولاً قد قرف 
المذهب المالكى عدة مؤلفات» فلما انتقل إلى مذهب الشافعى وقرأ كتب' 
أصحابه صار يفن في المذهبين» وقد أخبرن الملا عنه أنه قال: قرأت المقدمة 
العشماوية في مذهب مالك على النبي» صلى الله عليه وسل في الام كلهاء 
ورأيت بخط صاحبنا وحبيبنا حسن بن علي العجيمي في رسالة له» وهو من أجل 
تلامذة شيخنا الصفي أن الشيخ أخبره أنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم في 
النوم القرآن كله من أوله إلى آخره» وهذه منقبة عظيمة هذا الإمام فإن المشايخ 
قلعا وحديئا كانوا يتباهون بقراءة آية أو سورة ة أو بعضها على البي» صلى الله 
عليه وسلم» في النوم» وينقلون ذلك مسلسلا بأسانيدهم» ويرون ذلك من أحل 
لمفاخر وإن كثرت فيه الوسائط فكيف عن قرأ القرآن كله عليه صلى الله عليه 
وسلم» ولا يذهبن بك الوهم الكاسد والتخيل الفاسد إلى أن الشيخ» رضي الله 
عنه» انتقل عن مذهبه ومذاهب أسلافه الذي هو مذهب مالك إلى مذهب 
الشافعى هوى نفس أو تحصيل رئاسة أو ولاية منصب» كما هو شأن كثير من 
أرباب النفوس ف هذه الأزمنة خصوصا مذهب الحنفية فقد كثر المنتقلون إليه فى 
هذه الأزمنة لأغراض فاسدة» حداهه© على ذلك وحود الملك والرئاسة قي أمل 
ذلك المذهب» وهذا شأن من لا حلاق له ولا دين» وإغا الحامل للشيخ على 
التمذهب عذهب الشافعية ما ذكرنا أولا من اقتدائه بالشيخ الشناوي وسلوكه 


(1) في ط: كتاب. 
)2( في 35 هداهم. 


- 581 - 


على يديه قي الحقائق» وكان ذلك في زمان تعطشه إلى موارد الحقيقة» وف عنفوان 
إقباله على السلوك بكليته > فوحد الشيخ الشناوي رضي الله عنه منهلاً بارداً وماء 
معينا وزلالاً صافياً لا يظمأ من شرب منه أبداء ولا يروى منه من تابع السقي 
بحرداء فاستولت بذلك عليه روحانية الشيخ وغاب كله في كلف فلم يبق له حيتئذ 
مذهب ولا رأي إلا مذهبه ورأيه ی مصادره وموارده حي ف العادات» فضلاً عن 
العبادات بحيث لو أن الشيخ انحرف طبعه ومزاحه عن أكل طعام ما أو فاكهة ما 

لا وحد المريد في حال اتحاده بالشيخ مساغا لذلك وغص بريقه عند تناوله» وي 
هذه الخال وتمكنها من المريد يتهيأ سريان جميع ما أودع الله من المعارف في قلب 
الشيخ إلى قلب المريد بسهولة من غير تكلف ولا تعمل» ويتخلّق جنين المعرفة في 
قلب المريد» ويتكون ولا يزال» مع شدة الاتصال» ينمو إلى أن يصير بشرا سوياء 
فيكمل خلقه وولادته وفطامه في الأمر الذي قدر ا فإذا بلغ أشده فحيتشذ 
يتمكن انفصاله عن الشيخ وتمايزه عنه كانفصال الوالد الحسي عن والده مع أن 
أصله منه ومبدأ نشأته منه» ولولا شدة الاتصال الكائن بين الأبوين في مبدإ نشأة 
الولد وتمازج مائهما في حال لا عكن قي الحس أن يقع أكثر منها اتصالا لما تكون 
الولد وتخلق من النطلفة فلو وقع دن اتفصال ب ين النطفتين بتكن معه من دخول 
ريح بينهما لفسدت النطفة واستحالت إلى شيء آخر» فكذلك الولادة المعنوية ما 
لم تمازج الأسرار الأسرار» والقلوب القلوب» وتتحد الأوصاف بالأوصاف» 
وتغيب الأرواح في الأرواح حى لا يبقى تمايز إلا في الأشباح» ولا يتخلق حنين 
المعرفة في باطن المريد» فإن فارقه بعد تخلقه أيضا قبل تمام الولادة وإكمال التربية 
قلما يكون منه شىء إلا أن هذه الولادة المعنوية قد تكون على نعت توالد أهل 
الجنة كما ورد في الحديث أن الرحل ليشتهي الولد في الجنة فيكون حمله وولادته 
ومبلغه مبلغ الرحال ف ساعة واحدة!»» فكذلك أيضا هذه الولادة المعنوية عند قوة 
الاستعداد من الحانبين قد يحصل ذلك في آن واحده وبقدر ضعفه يطول الأمر 
وهذا أشار بعض العارفين بقوله إن العقبات السبع الي ذكرها صاحب المنهاج من 


(1) نص الحديث النبوي الشريف كما ورد في سد سنن ابن ماجة: حدثنا محمد بن بشارء ثنا معاذ بن هشام» 
نا أبي عن عامر الأحول» عن أبي الصديق الناجي» عن أبي سعدد الخدري قال : قال رسول اللہ صلی الله 

عليه وسلم: ثم المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة» كان حمله ووضعه في ساعة واحدة كما يشتهى : سئن ابن 
ماجة 1452:2 . 


- 582 - 


الناس من قطعها يي ساعة واحدة ومن الناس من قطعها في سبعين يوماء وقد انحر 
الكلام إلى تقرير هذه المسألة في هذا ا محل من غير قصد ساق إلى ذلك. 


ذكر حال الشيخ مع شيخه الشناوي وإيضاح عذره 4 الانتقال إلى 


مذزهيه 


فإن الإنسان إذا صار إلى هذه الخال لا عكنه أن يكون له مذهب ولشيخه 
مذهب في الشريعة والحقيقة معا ظاهراً وباط فإن قلت إن هذا يقتضي أن كل 
من اقتدى بشيخ في المعارف والحقائق لزمه أن ينتقل إلى مذهبه في الفروع» وإلا لم 
يفتح له مع أن الواقع حلاف ذلك فقد اقندى علماء أكابر محققون من المالكية 
بأئمة شافعية وبالعكس» > وحصل طم النفع التام مع بقاء كل واحد على مذهبه في 
الفرو ع) فنقول: لم نذكر ذلك إيذانا بأنه ضربة لازب بحيث لا يصح الاقتداء إلا 
مع ذلك» وإغا ذكرناه إظهارا لعذر من انتقل» وإيضاحا لبيان سببه» وأنه لم يكن 
عن هوى نفس وإعا هو لأرححية ذلك المذهب عنده عا استولى عليه من محبة 
شيخحه وامتزاج رو حانيته بروحانيته حى صار الراحح عند الشيخ راححا عند 
المريد» والإنسان لا يجوز له أن يقلد من المذاهب إلا ما اعتقد راححيته لا 
مرحوحيته كما هو مقرر عند الأصوليين» وأسباب الترحيح كثيرة فقد يكون هذا 
أحدهاء بيد أن المريد إن قويت عارضته في علوم الديانة وسبقت من الله هدايته 
وتشعشعت نورانيته بحيث (يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار)21» فأقل اتصال 
بالشيخ يكفيه في توقد مصباح قلبه كما ذكرناء فمن قطع العقبات في ساعة 
واحدة فإذا نور لله بصيرته وأتحف عفاتيح الحداية سريرته» أدرك بعين قلبه وإنسان 
عين بصيرته توافق المذاهب في الأصل› أنه لا اختلاف بينهما ف نفس الأمر وإن 
كان يظنه ضعيف البصر فلقصوره فلا يضره مخالفة شيخه في المذهب» إذ لا يراه 
خلافاً كما هو في نفس الأمر ليس بخلاف» ولو كان في نفس الأمر خلافاً لضره 
ولو اعتقد هو عدم المخالفة#» فإن الموافقة في الديانة والعقيدة شرط في الاتصال 
الحقيقي» وما ليس بخلاف حقيقي فلا تضر المخالفة فيه» بل هو كالمخالفة في الخلق 


(1) النور: 35. 
(2) في ط: المخالف. 


- 583 - 


والألوان لا عبرة به إذ اللطيفة التي كان الإنسان هما إنسانا متحدة وإن تغايرت 
الأحسام. نعم إذا كان المريد من المترسمة الذين غلب على قلوكم حب التعصب 
بحيث يعتقد حطأ أهل مذهب شيخه في أشياء يفعلهاء ويرى أن شيخه لم يصادف 
في فعلهاء وأنّه أحطأ فيها الصواب» فهذا تضره مخالفة شيخه في المذهب لأن اعتقاد 
المخالفة يضر ولو لم تكن مخالفة في نفس الأمر» كما أن اعتقاد الموافقة لا ينفع إذا 
لم تكن موافقة في نفس الأمر» فمى ينتفع المريد بشيخ يعتقد خحطأه وعدم إصابته 
في فرو ع من الديانة) وإذا شاهد بنور العلم أو بصفاء البصيرة اتفاق المذاهب 32 
أصلها وأنما دين واحد من رب واحد على لسان رسول واحد لإنسان واحد لأن 
الإنسان واحد من حيث التكليف إذ لم يكلف الإنسان با لم يكلف به إنسان 
آحر» والخلاف بين أهل المذاهب إنما هو في الصورة فلا يرى بينه وبين شيخه 
اختلافاً» ولو احتلفت المذاهب» بل يرى بينهما كل الموافققة؛ فهذا لا يازمه 
الانتقال» ولذلك لا يأمر الشيخ المريد بالانتقال إلى مذهبه لأن(0 المذاهب شيء 
واحد» وقد ألف ف اتفاق المذاهب علماء من أهل الظاهر والباطن» وأحل التآليف 
في ذلك مع بين كلام أهل الظاهر وأهل الباطن كتاب اليزان لسيدي عبد 
الوهاب الشعراني» رضي الله عن فقد بن أولاً اتفاق المذاهب من حيث الحقيقة 
وذكر ما بنيت عليه مقاصد الشريعة) وذكر ما كشف له من أحوال أهل المذاهمب 
من طريق الكشف» ثم تتبّع الفروع الى وقع فيها الخلاف بين أرباب أهل المذاهمب 
يها على تلك المقاصده حبق انضح أن المذاهب كلها حارية على فج واحدء 
وسأضرب لك مثلا واضحا لذلك م ار من ذكره» ويتضح لك به اتفاق المذاهمب 
كل الوضوح» وذلك مثل قوم نبتت طم عين ماء زلال من ص خرة في حبل» 
فاحتمعوا للموردا منهاء فكان كل واحد يتناول منها على قدر حاحته من غير 
واسطة» وذلك مثل الحدى الذي جاء به النبي» صلى الله عليه وسلم ومشل 
الصحابة الذين تلقوه منه بلا واسطة ثم تكاثر الناس عندما ”معوا بذلك العين 
ولم يقدروا على أن يتناولوا كلهم من العين بلا واسطة فاتخذت لاء العين بركة 
عظيمة يجتمع فيها الماء» فيتناول الناس من حوانب تلك البركة» ولا يصلون إلى 


(1) في ط: لكن. 

(2) أنظر: الميزان 93:1. 
(3) في ط: الورود. 

(4) في ط: يعدماء 


- 584- 


العين» وذلك مثل ما احتمع بين دلائل الكتاب والسنة في زمان التابعين وتابعيهم 
حي دونت السنة وجمعت من حملتها المتفرقين ف البلاد من الصحابة وتابعيهم» 
فصار الناس يأخذون الأحكام من الكتاب والسنة» فمن صح عنده حديث عمل 
ب ومن فهم آیة من کتاب اللہ تعالى اقتدی اء ثم تكائر الناس تكائراً أكثر مسن 
ذلك الأول» وفيهم أعجمي وعربي» وذكي وبليد» وصغير وكبير» وحر وعبدء 
فوقع الازدحام العظيم على البركة المذكورة» وليس كل الناس يقدر على التناول 
منها ولا جميعهم يحسن السباحة فيها لعمقها وعظمها وسعة حوانبها» فصار بعض 
الناس تمن لا يحسن التناول منها ولا يقدر على العوم فيها يقع في وسطها فيهلك» 
وبعضهم يقف على جانبها حي عوت عطشاً ولا يصل | إليه إلا بلالة أيدي 
المتناولين» فلما رأى أهلها ذلك اتخذوا لاء البركة المستمد من ماء العين مسارب 
من تحت الأرض» وخدوا له الأخحاديدى ودرحوه بلطيف صنعهم وحسن احتياهم 

حى أروه على وجه الأرض وحعلوه أففاراً عظيمة من عن ين البركة ويسارها 
ذاهبة في عامر الأرض وغامرها طولاً وعرضاً» وقسموا تلك الأثمار حداول صغيرة 
كثيرة تستمد من الأمُار المستمدة من البركة المستمدة من العين» فعظم النفع بذلك 
لكل أحد من قوي وضعیف» فصار كل واحد يتناول حاحته على حسب قوته 
فإن كان امحتاج إلى تناول الماء واستعماله ضعيف حدا تناول من الجدول الصغير 
الخاري على وحه الأرض فيغترف بيديه أو يكرع بفيه» وذلك مثل العامي الذي لم 
يفقه شيئا من العلم فيتناول من العام العارف عذهبه المقلد لإمامه» وهو مشل 
الجدول المستمد من النهر العظيم الذي هو مثل الإمام امجتهد المستمد من البركة 
العظيمة ال هي مثل دلائل الكتاب والسنة المستمدة من العين الحرارة الغزيرة 
العذبة الباردة الصافية الي هي مثل النبوءة الى أوتيها سيدنا ومولانا حمد صلی 
الله عليه وسلې » وإن كان هذا المحتاج لتناول الماء واستعماله له فضل قوة وعنده آلة 
يقدر يما على التناول من النهر تناول منه من غير احتياج إلى الجدول» وذلك مثل 
من له فقه في الدين وقدرة على فهم كلام الأئمة المجتهدين؛ كالعلماء المقلدين 
لأئمتهم من أهل كل مذهب العارفين بنصوص أهل مذهبهم المتفقهين فيهاء 
فيأحذون الأحكام من نصوص الأئمة المحتهدين وأقواهم من غير احتياج إلى تقليد 
مقلد آخر لقدرة أخذهم على فهم كلام الإمام المجتهد الذي قلده هو وغيره» وإن 
كان هذا امحتاج لتناول الماء قد تمهر وتدرب ولطف ذكاؤه وحسن استعداده 
وقويت عارضته» وجمع من كل الآلات الي يحتاج إليها الغواصون في البحار 


- 585 - 


العظيمة لاستخراج الدرر النفيسة حي حصلت لم ملكة تامة وقدرة نافذة على أن 
يتناول من أصل البركة من غير احتياج إلى حدول ولا ُء فهذا يسوغ له الأحذ 
من ماء البركة قبل انقسامه إلى أفار وإلى حداول» وهذا مثل الحتهد الذي كملت 
فيه أوصاف الاحتهاد ال ذكرها الأصوليون وذكروا أنه لا يجوز له أن يقلد غيره 
بل يأحذ أحكام دينه من دلائل الكتاب والسنة على حسب ما أداه إليه اجتهاده 
وافق ذلك قول جحتهد آخر أو خالف» وليس بعد هذه الرتبة رتبة على نزاع في 
بقاء أحد من أهلها في هذه الأعصار إذ لا يجترئ أحد أن يقول اليوم أحذت 
الأحكام من رسول الله» صلى الله عليه وسلم» وكرعت من أصل العين من غير 
احتياج إلى الماء المجتمع في البركة العظيمة الي هي مثل الكتاب والسنة ومن قال 
ذلك وهو سالم العقل والإدراك ضربنا معشر المسلمين الذي فيه عيناه"» وإن كان 
في عقله خلل صفعنا قفاه بالإعراض عنه وتر كناه. نعم قال عارف محقق ذو كشف 
صحيح وذوق صريح: نا قد مر الله علي بمشاهدة ثي الاه من أصل العين 
وشاهدت دحول جريته الصافية في البركة فاستقيت منه على بصيرة أنه ماء العين 
لم يخالطه غيره من ماء مطر أو غيره ولا دنسته الأيدي» فيسلم له حاله إذ لم يأت 
عا يخالف كتابا ولا سنة» وإغا ادعى أنه أحذهما من أصلهما بلا واسطة» وذلك 
مثل ما قال الشيخ متي الدين» رضي الله عنه» أنه صحح أحاديث كثيرة عن النيي» 
صلی الله عليه وسلې > من طريق الكشف وإن لم تصح عند أهل الصناعة الحديثية 
ومثل من يقول من العارفين إنه مع القرآن أو آيات منه من البي صلى الله عليه 
وسلې» فيسلم له ذلك» ولو ادعى مع أنه مع منه قرآنا غير هذا أو حديثا مخالفا لما 
ثبت بو حه صحيح أو ضعيف لضرب بذلك وحه صاحبه وعد من مثالبه لا من 
مناقبه» فقد استبان لك ما قررنا في مثل هذا المثال وقربنا من المنال أنه لا احتلاف 
بين أرباب المذاهب في الحقيقة وأنه ماء واحد من بركة واحدة من عين واحدة 
وإن اختلفت بحاريهفء وكثرت حداوله وأماره وتغيرت بعض أوصافه لاحتلاف 
محاله» فإن الماء عند اللمْحمَقين لا لون لد وإنا لونه لون إنائه ولون حصباء فر 
وطعمه ورائحته لا يختلفان باختلاف الأوان» إلا أن يكون يي أرضه عفونة أو 
حمأة. أو في إنائه دسومة ودهنية» فيغتفر من ذلك الشىء القليل لأن الماء لا ينجسه 
إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه» وذلك مثل ما يقع في آراء بعض الحتهدين مخالفة 


(1) يقصد رأسه. 


- 586 - 


بعض ظواهر الكتاب والسنة ما يظن به ضعف نظر الحتهد في تلك المسألة» وذلك 
في بعض الصور النادرة» فلا يضر ذلك وله أحر واحد ولا يخرحه ذلك عن كون 
قوله دينا بخلاف ما حالف صريح الكتاب والسنة» أو حرق إجماع الأمة» فهذا 
مثل التغيرا» الفاحش المخرج عن خلقية الما فيلغى ولا يعتبر ولا يعد ديناً فليتأمل. 

والأقسام ال ذكرنا في المثال من مجتهد وممَلّد وعامي عكن أن يزاد فيها 
وتقسم إلى أكثر من ذلك بحسب امحتهد في المذهب والمقلد الذي له قدرة على 
الترحيح وغير ذلك من أقسام المقلدين إلى أن يصل إلى العامي الصرف الذي لا 
يفهم إلا ما شوفه به مع المبالغة في التبيين» فيفهم المثال لأحل ذلك بعد الجدال إلى 
مذاهب صغيرة ثم إلى القرب والأدوات» إلى أن يصل إلى صاحب الآنية الي ليس 
فيها إلا قدر ما يشربه» ولكن اقتصرنا على الأقسام الثلاثة إيثاراً للاختصار» وقد 
أطلنا الكلام ف هذه المسألة ولا بأس بذلك لأا من غرر المسائل» وقد ساق إليها 
ذكر انتقال الشيخ القشاشي إلى مذهب شيخه الشيخ الشناوي» رضي الله عنهماء 
وكان السبب في اتصال الشيخ القشاشي بالشيخ الشناوي على ما أخخبرنا به الملا 
إبراهيم عن حكاية الشيخ له أنه عكة في بعض سياحاته بعدما لقي مشايخ كثيرة 
عكة واليمن والمدينة فرأى في المنام وهو بمكة الشيخ الشناوي كأنه واقف وذكره 
یسیل منیا قد تلطخحت به رحلاه وثيابه» فلما استيقظ من النوم قال: علمت من 
الرؤيا أن الشيخ الشناوي وصل إلى مقام تربية المريدين وأنه ذكر مستعد للولادة 
ولكنه م يجد مريداً يتلقى منه علومه» فذهبت ضائعة كما أن الفحل الذكر إذا م 
يحد أنثى تقبل الولادة ذهب منيّه ضائعاء فانظر رحمك الله إلى لطف هذا التعبير 
وخفاء مد ركه الذي لا يشك عاقل في صدقه بعد وضوح معناه» فلو أن أحداً من 
ضعفاء العقول أمثالنا الذي رأى هذه الرؤيا لعدها من أضغاث الأحلام أو اوها 
على حمق المرأى وسفهه» (ولكن الله عن على من يشاء من عباد)۴. 

قال الشيخ رضي الله عنه: فلما أصبحت وظهر لي تأويل الرؤيا عزمت على 
السفر إلى المدينة المشرفة» وكان الشيخ الشناوي إذ ذاك ساكنا بالمدينة» قال: فلما 
دخلت المدينة كان أول من لقيت الشيخ الشناوي فصافحي وأخذ بيدي وقال: 
مرحيا يمن حاء يقتبس من علومناء أو كلاماً هذا معنا فذهب إلى محل زاويته 


(1) في ط: الغير. 
(2) إبراهيم: 14. 


- 587 - 


وكاشفي بجميع أحوالي وتيقنت صدق رؤياي» فلزمته من ذلك الوقت ول أفارقه 
إلى أن مات. ولم تزل حال الشيخ القشاشي تترقى عند الشيخ الشناوي حي صار 
عنده احص أصحابه وزو حه ابنته» وصار هو النايفة من بعده» كما وقع لشيخنا 
الملا إبراهم مع الشيخ القشاشي إذ زو حه ابنته وصار - خليفته. وكان الشيخ 
القشاشي مع لقائه لمشايخ كثيرين لا ينتسب آخرا إلا ال إلى الشيخ الشناوي لأن 
كماله على يده وهو الذي رقاه إلى منصة العرفان وبلغه مبلغ الرحال وأفاض عليه 
المعارف الإية فيضاء وكان رضي الله عنه إماما في العلمين: علم الشريعة والخليقة. 
له تاليف كثيرة في المعارف واخقائق» منها: ضمائر السرائرء وحاشية على كتاب 
الجواهرء وهو كتاب نفيس حليل القدر عظيم النفع» وله رسائل كثيرة في علوم 
الحقائق» واسعه الشيخ أبو المواهب أحمد بن علي بن عبد القدوس القرشي العباسي 
الشناوي ثم المدي. وكان يلقب بالحرمي!؟ رضي الله عنفى لقي كثيرا من المشايخ 
وأخذ عن علماء عصره كالشمس الرملي» والشهاب بن قاسم العبادي© وغيرهما 
من علماء القاهرة وغيرهاء واستقر آخرا بالمدينة عند شيخه ومربيه ومن إليه انقطع 
بالنسبة واشتهر بالتتلمذ له» وهو السيد صبغة الله بن روح الله الحسيئ البروحي ثم 
المدي, والسيد صبغة الله أحذ الطريق عن شيخه العلامة سيدي و جيه الدين العاوي 
الأحمد أبادي» وهو عن شيخه شيخ السلسلة الغوثية سيدي السيد محمد بن خخطير 
الدين الحسيئ المعروف بالغوث» وكان من بلدة كواليار* بأقصى المند من وراء 
دهلي وباقي السند مذكور ف الجواهر() وغيرهاء وأكانت» وفاة الشيخ تحمد 
الغوث حامس رمضان سنة تسع وخمسين» أو سنة ستين) وتسعمائة ومولده 
سابع رحب يوم الكمعة وقت الظهر سنة هس وتسعمائة) ووفاة تلميذه الشيخ 
وحيه الدين العلوي سنة تسع وتسعين وتسعمائة أو قبلها بسنة على ما ذكر الملا 
نظام الدين السندي» ووفاة تلميذه السيد صبغة الله ضحى قار السبت السابع 
والعشرين من جمادى الأولى سنة مس عشرة وألف بالمدينة المنورة» ودفن خلف 


(1) في ط: الخامي. 

)2( شهاب الدبين أحمد بن قاسم العبادي القاهري الشافعي» الإمام العلامة الفهامة» من مصنفاته الحاشية 
على شرح جمع الجوامع المسماة بالآيات البينات" وحاشية على شرح الورقات» وحاشية على المختصر في 
المعاني والبيان» وحاشية على شرح المنهج» توفي بالمدينة المثورة عائدا من الحج سئة 4 ه: شذرات 
الذهب 4-. الأعلام 1 . 

(3) ف في ط: كبداليار. 


- 588 - 


قبة سيدنا إبراهيم بن رسول الله» صلى الله عليه وسل ووفاة تلميذه الشيخ أبي 
المواهب الشناوي حامس ذي الحجة سنة نمانية وعشرين وألف!2) ودفن بالبقيع 
فرب شيخه وولادته امن شوال سنة نمس وسبعين وتسعماتة؛ ووفاة تلماه 
دسي المدي تاسع عشر ذء ذي الحجة سنة واسحدات وسبعين وألف روح الله 
أرواحهم وقدس أسرارهم» ورضي عنهم آمين. 

كتبت هذه الوفيات من خط شيخنا الملا إبراهيم رضي الله عنه إلا أنه كان 
عبر عن الوفاة بالعرس فيقول: عرس فلان وعرس فلان» وسألته عن ذلك فقال: إن 
هذا اصطلاح بعض مشايخ اند وقد صدقواء فإن يوم احتماع العارف بربه 
وخخروحه من سجن ايز الدنيوية إلى فضاء الأرواح القدسية حير أيامه وأسعدها 


ولنرحم إلى ما كنا فيه من ذكر بعض أحوال شيخنا القشاشي ققد علمت 
ما تقدم من الوفيات أنه لم عكث أحد من مشايخ سلسلة الغفوث في الخلافة 
القدسية والوراثة امحمدية أكثر منه» فقد نيف على أربعين بعد موت شيخه 

¢ 2 ¢ ¢ 

الشناوي» وقد علم أن شيخه الشناوي مم يخلف أحدا من أصحابه يساوي الشيخ 
القشاشي في مقامه ولا يحاكيه ف مرامه» فهو من لدن وفاة الشيخ إمام عارف 
معرف سالك مسلك يري المريدين» ويرشد المرادين» ويترقى في مقامات اليقين» 
ويؤم أولياء الله المتقين إلى أن حاز الصديقية العظمى والقطيانية الي هي المقام 
الأسمى, والله أعلم كم مكث فيهاء وكانت منة الله العظمى علي بالاحتماع به 
والأخذ عنه سنة أربع وستين بسبب وصية لي من شيخنا الثعالبي ومن شيخنا أبي 
الحسن الديبع» وأنا من حملة أ الثان من خحوا أصحبن من مكة 
حن الذيبع» وأنا من جملة أصحابه» بل الثاني من خواصهم» وأصحبي من 
كتابا إلى الشيخ يتضرع إليه في قبوله وإقباله علي» فلقيته في محل تدريسه من زاويته 
مرتين او تلان ولقني الذكر واوصان عا ارحو الانتفاع به في حياي وبعد تماي» 
وأمرني بانتساخ شرحه على الجكم#» وحضين على لزوم طريق السادات الشاذلية 
بعد ثنائه الكثير عليهاء وكان هذا من جملة ما كنت أحتج به على شيخنا الملا 


)1( كذا في څ وط. 
)3( الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري المتوفى سئة 709ه. 


- 589 - 


إبراهيم مباسطا له إذا أل علي في تقرير شيء من كلام الشيخ محي الدين» رضي 
الله عنى وعدم انقيادي له في أحذ ذلك تقليدل فأقول له: إن الشيخ» رضي الله 
عنه» لم يشاهد ثي قبول شيء من الطرق غير طريق الشاذلية» ولذلك حضي عليها 
وأمرن علازمتهاء ولو رأى في استعدادا لغيرها لأمرئ به» فيقول لي: بل رآها هي 
الغالبة عليك في الوقت» فأمرك فلزومها حى تترقى بركة لزومها إلى فهم غيرهاء 
والله المستعان. 

أحبرني شيخنا الملا أن الشيخ الصفي» رضي الله عنه» رأى الشيخ محي الدين 
في منامه وألبسه وزوحه أخخته. قلت: ولعل هذه الرؤيا هي الي تقدمت عن شيخنا 
الملا أن الشيخ حي الدين ناول فيها شيخنا الصفي كتاب الفصوص له» وقد قلت 
يوما لشيخنا الملا عقب ذكره لرؤيا الشيخ هذه: أتدري ما تعبير رؤيا الشيخ 
هذه؟. قال: لاء إلا أا رؤيا حسنة تدل على وصلة بين الشيخ الصفي وبين الشيخ 
حي الدين ف عالم الأرواح 

قلت: لكين أفهم منها أكثر من هذا إن أذنت لي. قلت. قال: لا بأس قل ما 
ظهر لك في لباسها. قلت: أما إلباسه إياه فهو إشارة إلى قيامه مقامه وظهوره بحاله 
في شرح الحقائق العرفانية» فإنا لم ر ولم نسمع في وقتنا هذا بعارف له لسان 
الشيخ محي الدين في الحقائق كأنه ينطق بلسانه» إلا شيخنا هذا فهو محيي طريقه 
ومبين إشكالاتما ومبرز خخباياها كما لا يخفى على كل ذي ذوق سليم. وأما 
تزويجه إياه أحته فهو إشارة إلى ما منحه الشيخ من التكلم في مسألة وحدة 
الصفات وتأليفه فيها وشرحه ها واستدلاله عليها عا لم يتهياً مثله لأحد قبله» فقد 
كانت هذه المسألة إغا توحد في كلام العارفين المتقدمين إشارة ورمزاً وأدراحا في 
كلام آخخر ولم يفرد ها أحد بالكلام ولا بين غورها وصيّرها عُرضة للقبول والرد 
إلا شيخنا الصفي فله يما مزيد احتصاص» وقد علم أن وحدة الصفات هي أحت 
وحدة الوحود الي لم يأت أحد من المتقدمين والمتأخرين فيها عا أتى به الشيخ حي 
الدين حي صار إمام كل قائل بها ومتبوع كل مصدق كاء فأكثر فيها التأليف» 
وشرح وأوضح ورمز وأشار واستدل ودل» وضرب الأمثال وأزاح الإشكال 
فكل متكلم فيها إلى آخر الدهر عيال على كلامه فيهاء فهو أحق ما وأهلهاء وإليه 
تنسب دون غيره ممن له فيها كلام حي صار إذ قال المتر مون في أحد يريدون 
وصفه بالقول فيها فيقولون: فلان يقول عذهب ابن العربي» أو يتدحصل مذهب 


- 590 - 


الجاتمي في الوحود» فإذا فهمت ذلك فمعن تزويج الشيخ نحي الدين أخحته من 
شيخنا تمكينه من التصرف في وحدة الصفات» وهي أخحت وحدة الوحود الي هي 
علم الشيخ وأصل معارفه وأدقها وأرقهاء والتمكين من الشيء والإذن في التصرف 
فيه على وحه سائغ شرعا إذا كان ممن هو أهل لمن هو أهل وكفؤ هو معيئى 
الترويج وإظهار ذلك في عام المثال على صورة بتزويج دون اطبة والعطية والبيع» 
إعلاما بشدة الاتصال والإيلاف لذلك الأمر والاغتباط به» وحصول النتيجة كما 
هو شأن الزوحة» وإعلاما بأنه أيضا كفو إذ الترويج لا يكون إلا من الكفق 
بخلاف البيع والبة» وإعلاما أيضا بكرامة هذه المسألة وأا ليست مما يباع ويوهب 
لحريتها وكرامتها على أهلها إلى غير ذلك من الأسرار الي يدركها كل ذي ذوق 
سليم (وفوق كل ذي علم عليم)". 

وكان الشيخ الصفي له بصر تام قي فهم كلام الشيخ حي الدين وغيره من 
أهل الحقائق» ومع ذلك فكان يعطي كل مقام حقه ویو كل علم قسطه ويبين 
مرتبته من الدين» فلم يغلب علم من العلوم غلبة يترك ها غيره ويزهد فيهاء وكان 
له بصر تام بعلم الأسماء والحروف وأسرارها وبعلم (الأذواق)© والدوائر والأوفاق 
وطبائع الأشياء» كل ذلك له فيه التصرف التام» وبعين/© الدعوات وأسرارهاء كل 
ذلك يتصرف فيه تصرف ماهر بحيث لا يتقيد عا يذكره أهل الفن من الشروط 
والقيود لذلك» بل يزيد تارة وينقص أخحرى» ويعتبر ما ل يعتبروا ويلغي ما اعتبرواء 
وكان كتاب الجواهر الخمس الذي هو من أسرار أهل سلسلته نصب عينيه مع 
حاشية شيخه عليه» وله أيضا كلام كثير وتقاييد حسنة في ذلك إلا أا متفرقة 
بيد أصحابه لم تدون» ومع ذلك فكان لقوة كماله وتصرفه في المقامات لا يرى 
هذا العلم هو الغاية كما يراه من المتقدمين والمتأخرين من أربابه كالبونٍ 
والبسمطامي وغيرهما. 

أحبرن الملا إبراهيم قال: كان الشيخ الصفي يقول: نحن لا نتكر على 
أصحاب هذه العلوم الحادين فيها الباحثين عنها المشتغلين هما كل الاشتغال من 


)1( يوسدف: 176. 

(2) زيادة من ط. 

)3( في ط: بعير. , 

(4( أبو يزيد طيفور بن عد بن شروسان البسطامي» سلطان العارفين» اثرت عنه كرامات وخوارق» 
توفي سنة 261 ه: البداية والنهاية 35:11. سير أعلام النبلاء 89:13. 


- 591 - 


حيث أا ليست حزء من أحزاء الكمال» إنما ننكر عليهم من حيث ادعائهم أنا 
عين الكمال حى اقتصروا عليها وحعلوها هي غاية مطلوكم فإن المطلوب الذي 
هو عين الكمال أمر وراء ذلك لا يتقيد صاحبه بعلم ولا عمل ولا حال ولا مقام 
لأن له كل علم وعمل وحال ومقام. قال لي شيخنا الملا: وكان الشيخ الصفي إن 
حری ذكر أرباب المقامات والأحوال رعا يشير إلى نفسه ويقول: نحن لا مقام لنا 
لأننا من أهل يثرب» وقد قال الله تعالى: (يا أهل يثرب لا مقام لكم)("» وما ذاك 
إلا أن شم كل المقامات» فليس م مقام ختصوص» وكذلك النبي» صلى الله عليه 
وسلم» وكمل أصحابه ليس هم مقام مخصوص يستولي عليهم دون غيره من 
المقامات» بل يتصرفون في كل مقام عا يوافق مراد الحق ويعطون كل ذي حب 
حقه» فهم (رحال لا تلهيهم تحارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء 
الز كا۴ ولم يقل تعالى: لا بيع هم ولا تحارة» بل كان هم بيع وجحارة وضياع 
ومزارع» ولكنهم يتصرفون في كل ذلك تصرف من لم يغب عن شهود الله في 
كل ذلك فيؤدون إلى الحق الذي منه عليهم ويتناولون منه احق الذي طم > كل 
ذلك لله بأمر الله» وهذا هو مقام العارفين الكمل من أهل الله ولعل حاهلا 
بإشارات العارفين يقول: إن حمل قوله تعالى (يا أهل يثرب) الآية» على هذا المع 
إحالة لكلام الله عن ظاهره وتحريف له عن مواضعه» وذلك هله عذهب العارفين 
قي إشاراتهم بالآيات والأحاديث فم لا ينفون المعاي الظاهرة للآيق» بل يثبتونها 
ويقرون ياء ويستخرجون ما أعطاهم الله من الفهم والنور ومعان أخر تشير إليها 
الآية إشارة خحفية يقتبسها العارف منهاء وهذا المقدار من الدلالة لا ينكره إلا 
حاهل» والشيخ» رضي الله عنه» أشار بذلك إلى أنه من العارفين الذين استولوا 
على سائر المقامات ولم يستول عليهم مقام؛ وأنه في ذلك من خلفاء كمل 
الصحابة الذين هم قدم صدق في الوراثة امحمدية» وهذا المقام الذي هو كناية عن 
سائر المقامات إنما يكون الكمال منه لقطب الوقت» فكان الشيخ أشار بالقطيانية 
لنفسه ولم يفهم ذلك إلا خواص أصحابه رضي الله عنهم» وما رایت كلام أحد 
من عارقي/ زمانناء بل ومن قبله» يساوي كلام الشيخ الصفي في مزج الحقائق 


)1( الأحزاب: 13. 
(2) النور: 37. 
(3) في ط: رأيناء 
(4) في ط: كان في. 


- 592 - 


بالأحاديث النبوية والآيات القرآنية حى لا يكاد كلام له يخلو من آية أو حديث» 
فكأن كتب الحديث كلها معت له معا فهو يأخخذ منها ما شاء می ما شای مع 
زيادة عزو الحديث لراويه وخر حه وذلك قلما يوحد في كلام غيره منأهل 
الحقائق إن أتوا بحديث أطلقوه بلا نسبة إذ ليس ليس ذلك من وظيفهم. والشيخ رضي 
الله عنه كما أخبر عن نفسه لا مقام له ولا وظيف مخصوص ولا اصطلاح مفردء 
بل له كل المقامات والاصطلاحات والوظائف والتصرف التام في غالب علوم 
الشريعة» وكذلك كان رضي الله عنه في هيئته المحسوسة وأحواله الظاهرة ليس 
على عط الفقهاء المدرسين أهل المناصب» ولا على مط الزهاد المتقشفين يلبس 
الطيب ويأكله ولا يأن أيواب الأمراء ولا يرغب في معرفتهم وإن أتوا إلى بابه لا 
عنعهم من الدخول عليف وإذا دخلوا عليه لا ينهرهم ولا يبس في وحوههمء بل 
يرهم منازم الي أنزهم الله فيهاء ويكرم كرعهم كما أمر بذلك رسول الل صلى 
الله عليه وسلم» ويقدم إليهم من الطعام ما حضرء ومع ذلك فلا يخليهم من 
نصيحة برفق ووعظ بلين» وأمر ععروف وني عن منكر» وإرشاد من حهالة 
وإنقاذ من ضلالة» فلا يخرحون من عنده حى يظهر فيهم أثر الخير والميل له والحب 
له وتصغر عندهم نفوسهم لا يشاهدون من عظمة وعزة من اعتز بعزة الله 
وعظمته» وهذا لعمري خلق الكُمل من العارفين» ولم يكن رضي الله عنه منقبضا 
عن الناس مترويا عنهم» بل كان يجالسهم ويكالمهم ويتصرف فيما احتاج إليه من 
أموره الدنيوية ويحسن القيام بأوقاف زاويته بتولية من هو أهل وصرف غير 
والأمر بإصلاح ما يحتاج إلى إصلاحه وإيصال الحقوق إلى أرباهاء وذلك كله لا 
يشغله عن الله طرفة عين» فلا تكاد تسمع مته كلامين متناسقين لم يتخحللهما ذكر 
الله أو دلالة عليه أو وعظ أو دعاء أو إرشاد مسترشد قال لي شيخنا الثعاليي: ما 
رأيت مثل شيخنا الصفي» > ما دلت عليه قط فأحرج إلا والدنيا بين عيئٍ أحقرا" 
من كل حقيرا ونفي أذل من كل ذليل» ولو تكرر دخحولي عليه مرات» وهذا شأن 
الذين إذا رووا ذكر الله. 

وأما مكاشفاته» رضى الله عنه» بالإخبار عَمَّا في ضمائر أصحابه وإشارته 
إليه في أثناء كلامه فبحر لا ساحل له» ولقد أخبرن الملا أن الشيخ كان مع تمكنه 


(1) في ط: أصغر. 
)2( في 35 صغڍر. 


- 593 - 


من الحقائق إذا أراد أحد من أصحابه أن يقرأ عليه شيئا من المواضع المشكلة في 
الفتوحات أو غيرها لا يأذن له حى ينصرف الناس ويخلو المكان إلا من حواص 
أصحابه ويأمر بغلق الأبواب» وهذه صفة العارفين» فقد كان انید رضي الله عنه 
لا يتكلم في الحقائق إلا مع خواص أصحابه ويقول: علمنا هذا إا هو حاص 
خاص» وشاهد ذلك كله قوله صلى الله عليه وسلم: حاطبوا الناس عا يفهمون"» 
الحديث. وقول آي هريرة رضي الله عنه: ملأت من النبي» صلى الله عليه وسل 
وعاءين» أما أحدهما فها أنا أبثه لكمء وأما الآخر فلو بثثته لقع مني هذا 
البلعوم 2 وليس هذا الوعاء المذحر إلا علوم الحقائق الى هي خاصة» وقد أحطا 
من زعم أنه علم الحدثان» إذ لا يكون ذلك وعاء يقابل به الوعاء الذي بشه في 
الناس من علوم الشريعة) لأن البي» صلى الله عليه وسل إِغا ذكر لأصحابه من 
أمور الكائنات أشياء قليلة لعدم تعلق علم ولا عمل بذلك بخلاف علوم الحقائق 

فقد كان البي» صلى الله عليه وسلې مع أصحابه كالشيخ مع المريدين يأمرهم 
بالتكاليف والأحكام العامة لسائر المؤمنين» ويخص من شاء منهم عا شاء من 
الحقائق والمعارف» ويأمر البعض بقيام الليل» ويترك البعض» وينهى البعض عن 
سرد الصوم» ويقر عليه آخحر» كل ذلك منه صلى الله عليه وسلم بلطف تريية 
وحسن تغذية بالأعمال والمعارف» وما ينسب لعلي ب بن أبي طالب رضي الله عنه!: 


[بسيط] 


2 


يا ب جوهر علم لو أبوح به لقيل لي أنت ممن يعبذ الوشا 
ولاستحل رجال مسلمون دمي يرون أقبح ما يأتونه حسنًا 


(1) ورد هذا الحديث النبوي الشريف بصيغة: حدث الناس بما يفهمون: تفسير القرطبي 184:2. 

)2( ورد هذا القول في صحيح البخاري برواية: حدثنا إسماعيل قال حدثني أخي عن بن أبي ذئب عن 
سعيد المقبري عن أبي هريرة قال ثم حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاعين فأما أحدهما فبثثته 
وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم: صحيح البخاري 56:1. 

(3) لم يرد البيئان في ديوان الإمام علي. 


- 594- 


لطيفة: 


أخبرني الملا إبراهيم قال: أخبرني شيخنا الصفي عن شيخه الشناوي أنه كان 
ذات يوم في خملوته مستافيا إذ رأى وزغا مشي علي الخائط فأراد أن يضري 
وغلب عليه شهود الحقيقة وأنه حلق من خلق الله موحود بإيجاده مصرف بتصريفه 
إلى غير ذلك ما تقتضيه الحقيقة» ثم تذكر أمر الشرع بقتله» وأنه لا ينبغي | إ#مال 
الأمر الشرعي نظراً إلى الحقيقة» فتردد في الشهودين حي غلب عليه امتثال أمر 
الشرع» فأحذ حجرا فرماه به فأخطأه» ففر فضحك الشيخ وقهقه وقال: الحمد لله 
الذي جمع لنا بين الأمرين؛ امتثال أمر الشرع بضربه وعدم قتله المنائي بظاهره 
لحكمة الله في إيحاده وتصويره وإحيائه وتصريفه فيما خحلق له. 

قال شيخحنا الصفي إثر حكايته لذلك: أما أنه لو كنت أنا ذلك لما توقفئت 
ولشدخحت رأسه بالحجر من دون رمي» لأن ذلك هو عين الحكمة الي اقتضتها 
الحقيقة» فإن كل ما أمر الشرع بفعله فذلك هو عين الحكمة الموافقة راد اله ي 
ذلك الفعل» كذبح كل حيوان أبيح أكله وقتل العدو الكافر» فلا كنع من 
شی د اشرق لاال م ن ی الع ی م الاه بیان ا 
لسان الشرع صلى الله عليه وسل وهذا كما ترى غاية في التحقيق يدل على علو 
شأن هذا الشيخ وكمال شهوده حى لا تغلب عليه حقيقة ولا شريعة» بل انطوت 
عنده الحقيقة ف الشريعة والشريعة في الحقيقة» فصار الكل شيئا واحداء فما من 
شريعة إلا وهي حقيقة» إذ هي مراد الحق» وما من حقيقة إلا وهي شريعة لإرشاد 
الشارع إلى مشاهدته» ومن غلب عليه وصف كان بحکمه» ومن غلب على 
الأوصاف كان بحكم الحق في كل وصف. 


لطيفة: 


أخحبرن شيخنا الملا إبراهيم أنه كان في أول مرة يتعان شهود الصلوات في 
الحرم الشريف اغتناما لفضل الصلاة فيه» وكانت نفسه لا تطيب أن تفوته الصلاة 
فيه ومترله كان خارج المدينة» فرعا أغلقت دونه الأبواب داحلا أو خارحاء 
(1) الشدخ: التهشيم: لسان العرب: شدخ. 


- 595 - 


فتحصل له المشقة في ذلك» فقال له الشيخ يوماً: لا تكلف نفسك ما تتضرر يه 
وصل هنا ثي مسجدناء وإنا لنرحو من الله أن يحصل لك من الثواب ما يحصل لن 
صلى في الحرم الشريف» فمن ذلك اليوم طابت نفسي ولا أبالي إن تعذر علي 
الوصول إلى الحرم. قلت: رعا مع هذا قاصر من المتفقهين فيبادر إلى إنكاره 
فيقول: كيف صح له التسوية بين مسجد محله والمسجد النبوي مع أن الصلاة فيه 
حير من ألف صلاة فيما سواه» وهل هذا غلا تشريع فأقول: ليس في هذا ما ينكر. 
أما من حهة الحكم الظاهر فقد ورد أن نية المؤمن خير من عملهء وأن الله يعطي 
العبد على قدر نيته» وورد أن من نوی أن يعمل عملا صالخا فعيق عنه بعائق ی كتب 
له أحره» كما ورد أنه يكتب للمريض والمسافر أحر ما كان يعمل في الصحة 
والحضر» ويكتب للنائم إذا نوى القيام فغلبته عيناه أحر قيامه» فكذلك هذا السيد 
لا كانت نيته الصلاة في المسجد النبوي ولازم ذلك حي عيق عنه في بعض 
الأوقات با يحصل له من المشاق الي يرعص للشارع لأحلها في ترك كثير من 
المأمورات» فلا بعد قي قولنا أنه يحصل له أحر من صلى في المسجد لأحل نيته سيما 
مع امتثال أمر شيخه وعمارة مسجده والصلاة عن فيه من الفقراء وعمارته بالذكر 
والقراءة والصلاة مع الشيخ وفضلاء أصحابه فإن في هذه القربات إذا حلصت فيها 
النية ما ينجبر به ما فات من التضعيف» فرب قربة وحسنة تفوت ألف حسنة أو 
تساويها لما حفت به من الأوصاف الحميلة والفوائد الكثيرة» كهذه الصلاة الي 
يصليها في مسجد الشيخ بحضور ة قلب وسكون وتؤدة مع جماعة فيهم الشيخ 
فتسري بركته يي صلاة الحاضرين» فإن من تحقق بحالة لم يخل حاضروه منهاء وقد 
ورد: من صلى مع مغفور غفر لها" ولو ذهب إلى المسجد لم يصل إليه حى يتعب 
لبعده ويتشوش فكره بالرحوع وتخبيل غلق الأبواب دونه سيما إن أبطأ الإمام 
شيئا ما فبمجرد فراغه من الصلاة يقوم بسرعة من غير حلوس لذكر ودعاى فلا 
يبعد أن تكون الصلاة الأولى مساوية لألف صلاة من أمثال هذه في غير الحرم 
هذا مع أن مسجد الشيخ داخل في حدود ما بين المصلى والحجرة كما يي بعض 
الأحاديث: ما بين مسجدي ومصلاي روضة من رياض الحنة على قول بعض 


(1) ورد هنا الأثر في تفسير ابن كثير برواية: من أكل مع مغفور له غفر له» قال ابن كثدير: وهذا الحديث 
لا أصل له وإنما يروى هذا عن بعض الصالحين أنه رأى النبي» صلى الله عليه وآله وسلم» في المنام فقال: 
يا رسول الله أنت قلت من أكل مع مغفور له غفر له؟. قال: لاء ولكني الآن أقوله: تفسير ابن كثير 394:4. 
)2( التأريخ الكبير 276:2. 


- 596 - 


العلماء أن المراد بالمصلى مصلى العيد» فكان بعض السلف يرغب في سكن الناحية 
الي بين المسجد النبوي ومصلى العيد ويقول: إنه روضة من رياض النة. 

وأما توحيه ما ذكر الشيخ من حيث الباطن فإن شرف الأمكنة ليس لذاتها 
إنما هو ا اشتملت عليه وأودعه الله فيهاء وشرف المسجد النبوي جحاورته لغيرى 
صلی الله عليه وسلې » وبيته وصلاته فيه مدة حياته وغير ذلك فإذا أكرم الله تعالي 


وليا من أوليائه بحضور روحانيته؛ صلی الله عليه وسلې ؛ وشهوده ف عله دائماء 
وإن كان بعيدا من مسجده» لأن الأمكنة بالنسبة إلى الأرواح مستوية» فلا يبعد أن 


يكون لذلك المكان الذي حضرت فيه يه روحانیته» صلی الله عليه وسلې > وحصلت 
مشاهدته على الدوام ما كان حاصلاً كسجده من الفضل بالتسبة إلى ذلك 
الشخحص الذي أكرمه الله بذلك» ولا يلزم من ذلك مشاركة ذلك المكان للمسجد 
النبوي في الفضل لأن حصول ذلك الفضل للمسجد النبوي عام في الأزمان 
والأشخاص» وهذا حاص هذا الشخحص والزمن الذي هو فيه» ولا شك أن الشيخ 
رضي الله عنه من أهل هذا الشهود» فيكون لمسجده من الفضل بالنسبة إليه وإلى 
حواص أصحابه الغائبين في المتحدين فيه حبا وولاء مثل ما كان للمسجد النبوي 
لحضوره صلی الله عليه وسلم» بروحانيته فيه سيما مع قرب المكان حدا بحيث لا 
يكاد يغيب عن خيال المصلي شهود الروضة والحجرة وما هناك من الآثار حى 
كأنه فيه وإن كان من أهل الكشف كشف له عنه حقيقة حن يراه وكأنه فيه 
وإن بلغ إلى رتبة الأبدال أمكن أن يكون فيه مع أنه في محلف فكم من بعيد الدار 
وهو قريب» وهذه المراتب الشريفة ليست بعيدة من حال الشيخ» فإذا أتحف بذلك 
وصارت صلاته كمن صلى ف الحرم النبوي» فلا يبعد أن يتحف الله بذلك جميع 
من صلی معه بی رکته» سيما إن كان هو إمامهم وارتبطت صلاتهم بصلاته. 


ذكر بعض تأليف شيخنا صفى الدين رضى الله عنه 


5 0 2 ع 2 2 
وهي كثيرة تقارب السبعين» فيما أظن أن رأيت من أ" مائها مقيدا في برنامج 
بعض الأصحاب» والذي تعلق ببالي منها الآن شرحه على حكم ابن عطاء الل 


- 597 - 


وهو فى غاية الجودة"» لولا صعوبة كلامه على القاصرين أمثالنا لدقة مغزاه فيه 
ورقة منحاه» وغلبة الإشارة» إلى حضرة الوحود المطلق على كلام وانفرد من 
دون الشروح بخصيصة لا يعادله فيها غيره ومائرة لا يشارك فيهاء وهي ختمه 
رضي الله عنه كل حكمة بحديث يناسبهاء وهذا ما يدل على سعة اطلاع الشيخ 
وحفظه للأحاديث النبوية وفهمه طاء بحيث يدرك المناسبة بين الحديث والحكمة في 

بعض الحكم من وجه خحفي لا يكاد يتفطن له وهذا شأن فطن العارفين 
وأفهامه وقد حضي على استنساضه عند لقائه رضي الله عنه» فيسر الله ذلك 
من وجه لا عسر فیه» وكان والده سيدي محمد بن عبد النبي كتب على الحكم 
شرحاً كبيرا فأراد الشيخ اختصاره» فطلب منه شيخنا محمد بن علوي عندما ورد 
المدينة سنة 1047 أن يبتكر شرحا غير مختصر من الذي قبله لأن ذلك أحدر 
بإيداع الفوائد ال يفتح الله فيها فقبل إشارته. 

ومنها حاشية له على المواهب اللدنية للقسطلان» مفيدة مع صغرهاء رأيتها 
بخطه في عدة كراريس. ومنها كتابه: بستان العابدين» ذكر فيه أورادا كثيرة 
بأدلتها وفضائلها وفضائل آيات من القرآن وسور منهى وهو غاية ف بابه. 

ومنها كتابه السمط المحيد» ذكر فيه طرق رواياته وأسانيده عن مشايخه 
وأكثرها في طريق القوم» فقد استولى غالب طرقهم وساق أسانيده إلى أصحاها ثم 
أسانيدهم إلى منتهاها مع ذكر شيء من -حكاياقم ومآثرهم. 

ومنها رسائله الثلاث في مسألة الكسب الي انتصر فيها لقول إمام الحرمين» 
والصغرى منها أتمها تحقيقاً وأكثرها تدقيقاً. 

ومنها الرسالة المسماة: ضوء الالة في ذكر هو والجلالة» وقد تقدم حبرها في 
أول ترحمة الملا إبراهيم. 

ومنها شرحه لرسالة السيد سالم شيخان المسماة منقذة الموهوم من مزلقة 

2 2 2 

الوهوم» وهي صغيرة جحدا موححرة لفظا كبيرة قدرا. ولنذكر نص الرسالة 
المذكورة» ومنها يعلم حال شرحها وشارحهاء ونصها: باسم الله الرحمن الرحيم 
)1( ذكر محقق كتاب الحكم أن نسخة من هذا الشرح محفوظة بالمكتبة الخلا هرية بدمشق: الحكم» ص: 85 
من مقدمة المحقق. 


(2) السمط المجيد: في تلقين الذكر والبيعة وإلباس الخرقة وسلاسل أهل التوحيد للقشاشي: فهرس الفهارس 
1061:2. 


- 598 - 


قال سيدنا السيد الأجحد العلامة الأوحد سالم بن أحمد شيخان باعلوي؛ رحمهما 
الله تعالى: باسم الله الرحمن الرحيمء الحمد لوليه» والصلاة على نبيه» وعلى آله 
وصحبه وتابعيه وحزبه» وبعد فإن كل شيئية امتازت ف وحودها بنسبة واحتازت 
ف شهودها برتبة ما ميز منها ما في الوحود إلا العلم» ولا أظهر ما عنها في الشهود 
إلا النور» وهي من حيث هي قابلة تتقلب عليها الشؤون بظهور أثر الأسماء طورا 
بعد طورء فالظاهرية في مظهرية الشيء لمن له الولاية بالحق لا لاختلافه الشيء 
الموسوم بالخلق فإن الأشياء بحقائقها لا بخلائقها» فحكمه حكم الصدى بالنسبة 
الترحيعية إلى الندى» وحكم اليد بالنسبة الجمودية إلى الماء» معقودان عينا 
موحودان حكماء والمظاهر الخليقة الملازم ها الحدوث» ولم ترتفع عنها أنحاء 
العدمات ليست هى من حيث خلقيتها عين الذات» بل هى ها اعتبارات لأفا 
ليست مما ثبت قدمه حي يستحيل عدمه» ولیس ها وحوب وحود استقلاليا قي 
وحودها حى تساوقه فتكون عين وحودها وما طرف العدم مع متعلقها بأولى من 
طرف الوحود إن لم يترحح ها في التعقل الذان إلى أمد نسبة الوحود» فصارت 
هي وإن كانت من حيث المظهرية معلومة هي من حيث الظاهرية الي كما كل 
شيء هالك معدومة» وإن فرضت فموهومة» وما قصد امحققون فيما إليه بالحق 
ذاهبون إلا وحدة وحودية العبد الصادقة على أمرية معانيه لا وحدة موحوديته 
الصادقة على حليقة مباينة كون صورة موحوديته من تحسد الخيال ها حكما ما إذا 
انصبغت!"؟ للنجيب بظاهرية الحق في مظهريته» وتعالى حيط السبحات أن تكون 
القاذورات من حيث اختلاف موحوديتها عين الذات» وما عنوا بهذا إلا وحوديتها 
الى هي تعلقها في علم ريما ما ها هي هي في ثبوًا الحكمي وسلبهاء وهي الدقيقة 
الذاتية والأمر الإلي الى يتوحه إليه منها الخطاب (وما يذكر إلا أولو الألباب)6. 


تمت منقذة الموهوم من مزلقة الوهوم؛ وصلى الله على سيدنا محمد وآله 
وصحبه وسلم. 
ومنها الإفاضة ال رحمانية على الكمالات الإطية» وهو حاشية على كتاب 


الكمالات الإية للشيخ عبد الكريم الحيلي رضي الله عنه» وهو كتاب حليل القدر 
نبيه الذكرء حعل صاحبه الحقيقة المحمدية هي مظهر الكمالات الإلضية بأسرها 


(1) في ط: الصبدة. 
(2) البقرة: 268. 


- 599 - 


ومنها تفرعت إلى غيرها من المظاهر ثم أذ يفل ذلك شيئا فشيئا ولكنه قد يغلب 
عليه في شهود الحقيقة فلا يعطي الشريعة حقهاء وللشيخ الصفي» رضي الله عنه» 
في حاشيته تعقبات ظاهرة عليه ظهر فيها علو مقامه وتمكنه من الشريعة والحقيقة 
وهذه الحاشية مفيدة حداء ولنذكر كلاما منها يتعلق بالوحود المطلق نصه: الحق 
وحود مطلق على تعينه بنسبة دون الإطلاق» وإلا فجميع ما هو له على حدته يي 
بطونه كما هو على حدته في ظهوره لا تبديل له» ولا للكمالات عن" مقتضى 
تمايزها ف الباطن اعتباراء كما حال التجرد يكون العالم والمعلوم والعلم واحدا مع 
تيز كل» وإن انمحى اثر التمييز ظاهرا فهو باطن ما يبدل القول لديه بحال في 
الظهور والبطونء» فكذلك في الشؤون» وما ينمحي الاسم ظاهراً ويفندرج في 
الإطلاق» بحيث لا یز له» ثم بحال إلا بحكم ما لله عند كل شأن منه وإليه لا دحل 
لنسبة الظهور بحال إلا لله وحده كما قال سيدنا علي وفا أو محمد وفاء الكل هو 
بلا مراء إن أطلقت قيوده والكل نحن يا في لأننا صدوره فالكل هو من حيث 
الطمس فيه يكون وانمحاء الآثار الى هي مقتضيات التعين» فلا إشارة ثمة إلا له 
طلاكه فيه لا لكوفما صارت هو لأا حدوده وحدوده معتبرة له في البطون 
والظهور عند أهل العيان والعيون» فالخلط لا سبيل له فلو تغيرت الحقائق باطنا 
لتغيرت ظاهراء ولا وحود له بل (كل في فلك يسبحون)2© ظهورا وبطوناء 
ويختلف بحسب امحلات والمراتب إذ لكل درحات» فتحفظ ولا تغلط واضرب 
لك مثالاً بالماء وما عنه من المنعقدات إذا ظهرت أو لفظت فهي في باطنه هو عع 
الاستهلاك فيه وانمحاء التمبيز والآثار لا فإن صارت داخخلة يي حقيقة الماء وإلا 
لعدم المنعقد وطلب مكانه لأنه انقلب ماء فتذكر ترشد» فكل باق على حدته 
وحقيقته» وإن بطن وصار مرفوع القيد في مطلق كما في مطلق الوحود وقس به 
مثله» (وعلى الله قصد السبيل)60. 

ومنها رسالة: نفحة اليقين وزلفة التمكين للموفقين» وهي الي حقق القول 
فيها على كون الحقائق مجعولة أو غير مجعولة على مذهب العارفين أهل الكشف 
الصحيح. 


(1) في ط: على. 
(2) الأنبياء: 33. 
(3) النحل: 9. 


- 600 - 


لطيفة: 


قال الشيخ» رضي الله عنه» ي آحر هذا الكتاب: ولا كان ليلة الثلاتاء 
حامس عشرين شهر رحب الحرام من هذا العام عام اثنين وستين وألف» بالمدينة 
الشريفة رأيت في المنام خيرا إن شاء الله تعالى» ورأيت الله حل حلاله في مشال 
إنسان وقد فتح بابا من أبواب الحنة بوسط حبل من حوف ذلك الجبل» وهو 
كباب السر يدحل منه أقوام مخصوصون» ويسر الله بكرمه وعفوه الدخول مع 
الداحلين منه» وكأنا من حيث الدخول في محل شاهق بحبال كرعة صورقا 
كالسكر النبات المعقود تمثيلاء أو البرد أو البلور الذي يرى منه ما وراء وحن 
نازلون منها إلى المستقر ثم خيام لا يكيف حسنها على نسق واحد بيض مضروبة 

بغير أوتاد ولا ط1 ونحن نتبع أمر الله حل جلالف وكان ف نفسي مسألة في 
هذه الدار أود سؤال الحق حل وعلا عنها عند اللقاى فذكرقها وسألت عنها أهي 
كذا؟. فقال الحق حل حلاله: نعم هي لك كذلك. فسجدت شكراً لله بين يديه 
تعالى ثم انتبهت وما أردت كتابة هذا ولا تدوينه» فلما كان من الليلة الثانية رأيت 
أمرا يقتضي إثباته» ورأيت أن العقم سرى يي الرحال عن اللقاح» وهو شخص 
مثل .كشي على هيئة من غير استعمال» فحيث وصل حصل منه بذلك امحل ما 
بعث له و حیث م يصل الأمر فيه موسع باستغنام تلك الفرصة بين يدي بحيفهء 
ورأيت في الواقعة الأولى أكثر الداخلين المسرعين إلى كرامة الله من غير المنظورين 
والْشَار إليهم بل أكثرهم من أهل الأسباب الرعاة للأمانة والأوامر ومن لا 
أعرف» (فاعتبروا يا أولي الأبصار) (فويل للقاسية قلوهم من ذكر الل). 
فجوهرة القلب الحامدة بالغفلة إذا سلط عليها السالك بإذن الله بنار الذكر 
الشديد» وأحج وقودها آداب الذكر حامدها فعاد ماء حاريا محيطاء وفك م ركبها 
فعاد واحدا بسيطا وصفه الأوصف وقيده الأقيدء فخطابه في الحضرة الحمدية 
ومنها (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون اللم))» ومتابعة (فاتبعون يحببكم الما 
(1) الطنب: حبل يشد به الخباء والسرادق: لسان العرب: طنب 
(2) الحشر: 2. 
(3) الزمر: 21. 


(4) الفتح: 10. 
)5( آل عمران: 31. 


- 601 - 


فإذا أحببته كنت معه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده ومريدها"» و(يد 
الله فوق أيديهم فمن نكث فإغا ينكث على نفسه ومن أو عا عاهد عليه الله 
فسيؤتيه أحرا عظيما)©» فخذ من الكثير ولو بالقليل» فالوعد بالعطاء عطاء» ولو 
كان تعطى التعليل فوعد الكريم دين لأنه دين» والحزاء واحب عند مالك يوم 
الدين» فدن بالدين لعلك تكن من السالكين الذاهبين إلى ركم ف طلب هدايته. 
وقل عند توحهك يي كل نفس: (إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم 
صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين)7 آمين. (وقل رب 
أدخلين مدحل صدق وأخرحني مخرج صدق واحعل لي من لدنك سلطانا نصيرا)» 
أو قل: (وحاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا)!» (سبحان ربك رب 
العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين)!©. وهو آخر 
الرسالة» وهي مفيدة حدا في باها. 

ومنها رسالة (قي)7 الذكر باسم الخلالة مفردأء وهي مسألة كثر فيها الببحث 
بين المتأخرين» فأحاز ذلك العارفون عن آخرهم ومنع بعض المترسمة محتجا 
بظواهر لا تحري» ورسالة شيخنا ف هذه المسألة مفيدة مع صغر حجمها. 

وله رضى الله عنه ديوان شعر أكثره على لسان أهل الحقائق» ونظمه فيه 
عذب الذاق وإن كان رعا يوحد فيه ما يستضعف عند أهل الأدب» فمن ذلك 
قوله: 

[طويل] 
عليك بصافِي ود لى وك ها غلامَ غلام خالص الود والعهدٍ 


ولا تبي من دون ذلك بُغيِة ‏ فما دوففا إلا توهم لا يُجدي 


(1) في ط: مؤيده» زالإشارة هنا إلى نص الحديث القدسي :قال رسول الله صلی الله عليه وسلم: ثم إن الله 
عز وجل يقول: ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فأكون انا سمعه الذي يسمع به» وبيصره الذي 
يبصر به» ولسائه الذي ينطق به» وقابه الذي يعقل بهء فانا دعا أجيته» وإنا سألني أعطيته وإنا إستنصرني 
نصر ته» وأحب ما تعبد لى عبدي به النصح لي: المعجم الكبير 206:8. 

١ .10 الفتح:‎ )2( 

)3( الفاتحة: 5 - 7. 

)4( الإسراء: 80. 

)5( الإسراء: 81. 

)6( الصافات: 180 - 182. 

(7) زيادة من ط. 


- 602 - 


فقيلة كل العاشقينَ جَمالُها 
إلى أن بدت منهم عليهم وفيهم 
لاحت بشرق الكوان مذ بان صُبحها 
فلما اهعدى السّاري مما لخيامها 
وآذن داعي الحان ندمان وَصلها 
بدا حيّها القيومٌ في كل شاخخيص 
وأوْرّى فأوْرَى فالوری من توارّه 
إلى دار ليلى والمصّارب شرعت 
رن به تقعا فلا" انتهوا إلى 
وسطْنَ بو جمعا على الضد مهم 
فيا لكم إذا قامّ سوق غرايها 


ھے. 


واس 
٠‏ 


إنغا كنا معشر أتباع الشيخ القشاشي نلقبه بصفي الدين» مع أن المشتهر في 
اصطلاح المشارقة تلقيب أحمد بشهاب الدين» لما أخبرن به شيخنا الملا إبراهيم أن 
الشيخ كان يكره هذا اللقب ويقول: إن أحمد أشرف الأسماء» فكيف يلقب 
بالشهاب الذي هو للعذاب والرحم. وأظن أنه قال: وهو اسم شيطان» فكان» 


وأبدت ثنايا جسن بارقهااضدي 
وأمسَت بغرب الغرب تسأل عن نج 
وبات على دين الغرام ما يشي 
وبث كووس الوصل في سكرةٍ الوجد 
وأشرق في سلْمّى وأغرب في دعُب 
يسيرٌ بركبان الغرام إلى جد 
بساحتها للنازلينَ مماققدي 
نيحا مجال العادياتب من الوجد 
فى غاية العزيل ف السير واللجد 
لأفمُ في الأصل خالون عن ضد 
على ساقهٍ والوجد يخفق بالبندٍ 


رضى الله عنه) يرى أن الأولى تلقيب أحمد بصفى الدين» فانظر ما أحسن هذا 


(1) اقتباس من قوله تعالى: ( والعاديات ضبحا فالموريات قدحا فالمغيرات صبحا فأثرن به نقعا فوسطن به 


جمعا ): العاديات: 1 - 5. 


- 603 - 


اللقب وما ألطف مناسبته هذا الاسم الشريف. وإشارات العارفين واستبطاناقم 
كلها على هذا الأسلوب عند من فهم ذلك عنهم والله يجعلنا من أهل الفهم عنه 
وعنهم آمين آمين. 

وها احتمعت بغالب فقهاء المدينة المشرفة» رضي الله عنهم» وأحذت عمن 
هو أهل للأخذ منهم» كتبت استدعاء يشمل على نثر ونظم استجزتهم فيه لنفسي 
وولدي وجماعة من أصحابنا وأبناء مشايخناء وكان من جملة من كتب عليه 
بإسعاف الرغبة شيخنا الملا إبراهيم» رضي الله عنه» ويأن ذكر الاستدعاء المذكور 
وما كتبت عليه آخر الرحلة» إن شاء الله تعالى» لأى أفردت لذلك رسالة معيتها: 
تحفة الأحلاء بأسانيد المشايخ الأحلاء أذكرها بتمامها هناك إن شاء الله. 


ولنختم ترجمة شيخنا الملا إبراهيم بالرسالة الي كتبها بر"مي فيما يتعلق 
عسألة الكسب الى هي من مفادات شيخه الصفي رضي الله عنه وسبب كتبه هذه 
الرسالة أن كنت قبل ذلك عدة ونحن بالمغرب وحدت عند بعض الإخحوان من 
أصحاب الشيخ الصفي إحدى رسائله في المسألة» وهي الوسطى» فاستنسختها ثم 
أطلعت عليها شيخنا علامة الوقت وعارف الزمان الشيخ أبا محمد عبد القادر بن 
علي الفاسي» قدس الله سره ورفع ذكره» وطلبت منه مطالعتها والنظر في 
مقاصدها لكثرة الطاعنين على صاحبهاء ولا يقبل ف كلام العارفين إلا كلام 
أمتالهم» فطالع بعضها فاستطاها لكوها غير مبوبة ولا مفصلة» ومع ذلك فلم يحكم 
على صاحبها بتضليل ولا تبديع كغيره من المترسمين» وقال: لو اختصر هذا الكلام 
وحصلت مقاصده لكانت لنا عودة إلى تحقيق النظر فيه وإمعانه. ولا اجتمعت 
بالملا إبراهيم سألته أن يختصر مقاصد الشيخ فل رسائله حي عكن الناظر فيه تأمله» 
ويحرده من كثرة الأمثلة والشواهد والأدلة» فكتب هذه الرسالة وسماها: الإقماع 
الحيط» وهي هذه: باسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الغ القريب» الأقرب العلي 
الأعلى» الجامع بالذات بين الكمالات المتقابلات وله الحمد قي الآحرة والأولى» 
أحمده على أن من علينا بالإعان» فإنه الأحد الواحد المتجلى ف كثرة الأسماء 
القدوس الذي في عين قدسه به قام كل علو وسفل» إذ هو قيوم الأرض والسماءء 
وأشهد أن لا إله إلا الله الصمد اواد العزيز الحكيم الواسع الحيط الحق الذي مد 
ظل النور الوحداني على الحقائق فتعدد في عين وحدته يإظهار آثار كل مركب 
وبسيط وذلك أن الله لغناه الذاق» له الإطلاق التام الحاوي لكل تقييد وإطلاق» 


- 604 - 


فكان له التجلي مي شاء وكيف شاء فيما شاء من حقائق الأنفاس في الآفاق» 
ومن تحقق ما ذكر اتضح عنده معن لا قوة إلا بال ف عين» ولأن القوة لله 
جميعا)!» وانكشف لديه معن: (والله خخلقكم وما تعملون) في عين إثبات تأثير 
قدرة العبد بإذن الله موفقا “عيعاء وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المبعوث 
بالكلمة الجامعة لمراتب التوحيد لا إله إلا الله المؤيد بتأييد (وما رميت إذ رميت 
ولكن الله رمى)۴» المقرب بتقريب (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله وصلى 
الله وسلم على آله الأطهار وأصحابه المقربين الأبرار» من المهاجرين والأنصار 
وتابعيهم بإحسان من السابقين واللاحقين» صلاة وتسليما فائض البركات على 
الآفاق والأنفس ف الظاهر والباطن عدد لق الله بدوام الله الخلاق وذي القوة 
المتين. 

أما بعد» فإن مسألة توحيد الأفعال مع إثبات الكسب بتأثير قدرة العبد بإذن 
لا باستغلال قد آلف فيها شتا الاما العارف بالله الحقق الراسخ الكامل المكمل 
الأكمل» قطب زمانه وغوث أوانه» سيدي الشيخ صفي الدين أ أحمد بن محمد بن 
يونس الملقب بعبد النبي ب بن الولي الشهير أحمد المقدسي الدحان المدن الملمروف 
بالقشاشي» قدس الله روحه وأعلى ف أعلى المقربين فتوحه» وأعاد علينا والمحبين 
من بركاته آمين رسائل آخخرها الكشف والبيان عن مسألة الكسب والإيقان» وهى 
آخر مؤلفاته على الإطلاق. ولا وصل في هذه السنة» سنة 1073 إلى المدينة 
المنورة» على صاحبها أفضل الصلاة والسلام» سيدنا العا لم العامل فيما أحسبه ولا 
أزكي على الله أحداء نادرة الوقت» غريب الزمان» الفقيه المحدث» الصويي ذو 
الحظ الوافر من حامعيته بحلى الاسم المضاف إليه» سيدي الشيخ عفيف الدين عبد 
الله أبو سالم بن محمد بن أبي بكر العياشي المغربي المالكي» عاش لله بالله عبد الل 
من حلص حزب الله في حماية الله آمين. وذكر لنا أن بعض رسائل شيخنا قدس 
سره في مسألة الكسب وصلت إليهم؛ ثم نظر في رسالة الكشف وصلت إليهم» ثم 
نظر في رسالة الكشف والبيان ورآها مبسوطة» طلب تلخيص مقاصدها تقريبا ها 
إلى الأفهام مع تذييله بالتنبيه على اندفاع ما استدل به العلامة التفتازاني في شرح 


(1) البقرة: 164. 
(2) الصافات: 96. 
)3( الأنفال: 17. 
(4) الفتح: 10. 


- 605 - 


المقاصد على أن قدرة العبد لا تأثير ها أصلاً من العقليات فإنه من باب إماطة 
الأذى عن طريق تحقيق المقام. فاستخرت الله تعالى ثم توحهت للمطلوب سعيا في 
تبليغ ما اهتم بنشره الشيخ قدس سره» ولاسيما ف هذه الأواخر شديد الاهتمام 
مستحضرا أن هذه المسألة لكوفمًا على هذا الوحه المنقح من نفاذاته» قدس سره 
بإذن الله كأنه القائل على لسان وي ميزانه» الله ولي كل توفيق وإنعام» والله 
سبحانه بيده أزمة القلوب وملكوت كل شيء وإليه المصير» ولا حول ولا قوة إلا 
بالله العلي العظيم في كل مقصد صغير وكبير» وهذا أوان الشروع فيماهو 
الطلوب من التلخيص والنقريب» والله يجبي إليه من بشاء وبهددي إليه من بيب 
تمهيد: اعلم أن الحق الذي يحب اعتقاده وإن كان هو الوسط بين طري 
إفراط وتفريط كما ورد: حير الأعمالء ويي لفظ» الأمور أو ساطهاا"» ودين الله 
بين القاسي والغالي» وين لفظ أن دين الله وضع دون الغلو وفوق التقصيرء واللحسنة 
بين السيئتين لا يناها إلا بالله» الحديث. وأن أن الكسب هو أمر بين الأمرين لا حير 
ولا تفويض لبطلان احبر بالضرورة» وبطلان الخافية استقلالا بالاستدلال» لكن 
القول بأن الوسط هو أن يكون للعبد قدرة تتعلق بالمقدور لا تأثير ها فيه أصلا لا 
يحصل به توسط شاق إذ لا يتميز عن الخبر تمييزا يكشف الغمة عن طالب 
التحقيق في هذه المسألة المهمة» وهذا قيل: إن الكسب هذا المع اسم بلا مسمى» 
والأقوال الي ذكرها العلامة التفتازان في شرح المقاصد في تفسير الكسب ليس 
فيها شفاء. 


أما القول بأن الوسط هو أن يكون للعبد قدرة مؤثرة» لكن بإذن الله لا 
الاستغلال فهو توسط سن مير عن الطرقى زا يکش اخبرق وقد 
أيده شواهد الشرع المعصوم لن تلقاها بالإعان الواسع» وأمعن النظر فيها بالعقل 
السليم» ' لاکره للظر العقلي من ذي قطرة سليمة: م يتكدر صفاء بصيرته بغبار 
الشبهات الخيالية» ومحاها الله المنان عنه بعد التكرر بعزته فإنه عحو الله ما يشاء 
ويثبت و(لكل أحل كتاب)۴. وأما من اشتغل محله بالمألوف المتداول ثم لم يسلك 
طريق الإنصاف خاليا عن التعصب» طالبا للتحقيق» فالغالب أنه لا يتلقاه بالقبول 


(1)السنن الكبرى للبيهقي 273:3. 
(2) شعب الإيمان 403:3. 
(3) الرعد: 39. 


- 606 - 


لكونه يتوهم ببادي الرأي أنه كقول المعتزلة حيث يسمع لفظ التأثيره وهذا من 
كون الإنسان عجولا" لما فيه من الخفة النارية» فلو ثبت عا فيه من الترابية الحتوية 
على الرزانة لينظر باذلا للجهد فيقدم» أو يحجم على نية» لكان أمس بإنسانيته مع 
ما فيه من امتنال قوله صلی الله عليه وسلم: إذا أردت أمرا فعليك بالتؤدة حي 
يريك الله منه المحرج ع وقد قال تعالى: (فإن تازعتهم في شيء فسردوه إل لل 
والرسول إن کنتم تومنولا بالله واليوم الآخر)6. وقال صلى الله عليه وسلم: لا 
يمن أحدكم حى يكون هواه تبعا لما حئت به). وقد ورد: طوبى للسائرين إلى 
ظل الله تعالى الذين إذا أعطوا الحق قبلوه» وإذا سئلوه بذلوه» والذين يحكمون 
للناس بحكمهم لأنفسهم» > وذلك أن هذه المسألة لا يعلمها على التحقيق الأتم إلا 
من سلك منازل السائرين إلى الحق المبين ففاز بعد الفناء التام بالبقاء من الله العلام» 
فتجرد له إدراك آخر ليس من قبيل إدراكه الأول» فعرف نفسه معرفة حقفة 
شهودية يعرف ربه بحسب درحته وسعة دائرته» فكان من الراسخين في العلم من 

طريق الوهب لاحي لا من طريق الفكرء فيعلم الحافظ أن الفمل ب اثير الف درة 
المضافة إلى العبد بإذن الله لا يكون قادحا في توحيد الأفعال مناف لكلية لا حالق 
إلا اله لكونه يعلم تأويل المتشامات بالوهب الإهي على وجه ليس فيه صرف 
اللفظ عن ظاهره» مع أنه لا يستلزم تحسيماً ولا تشبيهاء ولا حلولاً ولا اتحادأء ولا 
تحرئة ولا قياما للحادث بالقدم ولا بالعكس» ولا ما يشاكل ذلك من الشبهات 
الى تطرأ على أهل الأفكار في المتشامات لو حملت على ظاهرهاء ويليه من آمن 
بشواهد الشرع إعانا صادقا لا يزلزله المألوف في الكتب الكلامية المتداولة» ثم نظر 
فيها نظر منصف طارح للتقييد عا تقرر عنده أولا طالب للتحقيق متوجها إلى الله 
في المضايق وعند طرق الشبهات أو يهديه سواء السبيل» فإن الله سبحانه ن عليه 
بفهم الآيات على وجهها والداية إلى الحق المختلف فيه بصادق وعد ال (ومن 
يؤمن بالله بهد قلبه والله بكل شيء عليم)57) وإن تفاوتت© الدرحات في ذلك 
وانظر في كلام أئمة الكشف الصحيح لن تلقاها بالإعان الواسع في مساعدة لفهم 


(1) إشارة إلى قوله تعالى: (ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا) الإسراء: 11. 
(2) الأدب المفرد 306:1. 

)3( النساء: 58. 

(4) الفردوس بمأثور الخطاب 153:5. 

)5( التغابن: 11. 

(6) في ط: تفاوت. 


- 607 - 


الآيات والأحاديث على الو حه المطلوب وبالله التوفيق. ويليه صاحب النظر 
الفكري إذا اعتن الله به فوفقه للنظر الصحيح فإنه تناول المسالة من وراء حجاب 
الفكرء ولكن دون درحة من قبله» أعين صاحب الإعان بالمتشاكات الذي هدي 
إلى الحق لاختلاف مب المسألة عندهماء فإن صاحب الإعان إذا تم له الأمر في 
الفهم بمداية الله تعالى مبن المسألة على توحيد الصفات مع فهمه أنه لا يلزم شيء 
من الشبهات المشار إليها» وصاحب النظر الفكري المحرد لا يبنيها على ذلك لظنه 
استلزامه للمحذورات السابقة» ويكتفي بأنه لا مانع عقلا من أن يخلق الله للعبد 
قدرة عكنه يما من العقل» لأنه لا ينقطع نسبته إليه تعالى بالإلحاد لأن إلحاد المكلف 
له إنغا هو بتمكن الله تعالى إياه منه وإقداره عليه» وهذا وإن كان فيه الكفاية لكونه 
من لوازم الأول» ولكن بين القولين بون بعيد» وكل ميسر لما خلق له وبالله 
التوفيق» وإذا معت هذاء فنقول وبالله التوفيق وبيده ملكوت التحقيق: من المعلوم 
أن الممكن لما كان في كونه موجودا محتاحا إلى غيره كان الفقر إلى الغير في وحوده 
وكمالاته التابعة لوحوده ذاتيا له» وأن الواحب لما كان في كونه موحودا غنيا بذاته 
عما سواه كان الغئ (عن الغير في وحوده)" وكمالاته ذاتيا له والله سسيحانه 
وتعالى هو الواحب الوجود لذاتى فهو الغيئن بذاته عما سواه ێي وحوده وكمالاتهى 
والممكن فقير بالذات إلى الله في وحوده وكمالاته التابعة لوحوده فكما لا وحود 
له إلا بالل كذلك لا كمال له إلا بالله» ومن كمالات العبد القدرة على أفعاله 
الاختيارية وتمكينه من تحصيلها بلا قدرة له على تحصيل شيء منها إلا بالله كما 
قال تعالى: (ما شاء الله لا قوة إلا بال). وقال» صلى الله عليه وسلې > ق الحديث 
المتواتر كما قال السيوطي67 رحمه الله: ولا حول ولا قوة إلا بالل ومفاد الاستثناء 

من النفي إثّبات» والتراع فيه مدفوع كما أوضحنا قي إنباه الإنباه على تحقيق 
إعراب لا إله إلا اللف فالعبد كما أن له وجودا بالله لا مستقلاء كذلك له قوة بالله 
لا مستقلة» ومعلوم عند الالتفات أن كل وصف حاصل لشيء بغيره فهو في 
الحقيقة لذلك الغير لا لشىء» فكما أنه لا وحود حقيقة إلا لله ولغيره بالل كذلك 
لا قوة حقيقة إلا لله ولغيره بالل وطذا قال سبحانه: (أن القوة لله جيعام*» أي أن 


(3) لمله يدير إلى قول السيوطي: لا حول ولا قوة إلا بالله» أي لا حول عن معصية الله إلا بعصمته؛ ولا 
قوة على طاعته إلا بمعونته: الديباج 122:2. 
(4) البقرة: 164. 


- 608 - 


القوة الظاهرة في مظاهر الأقوياء لله جميعاً حقيقة لا هم لأا بالله کوحودهې 
وهذا من أوضح الدلائل على توحيد الصفات لكل ذكي منصف فإفاء أي صفات 
الكائنات من عكوس أنوار التجليات للصفات الأزلية بحسب الظاهرء فهى وحدة 
بالذات متعددة بالنسب والاعتبارات على وحه مقدس عن جميع الشبهات» ولا 
يعلم ذلك تحقيقا إلا أهل الكشف الصحيح والمؤمنون بالمتشاكات المؤيدة لقوطم 
إعانا واسعا صادقا مع التتريه ب(ليس كمثله شيء)!2) فإنه الإعان الحامع بين نفي 
التشبيه والتعطيل الذي هو التوحيد عند أهل السنة كما قال الحافظ ابن حجر 
رحمه الله تعالى ف فتح الباري حيث قال: وأما أهل السنة قفسروا التوحيد بنفي 
التشبيه والتعطيل©) والإمام أبو الحسن الأشعري -شكر الله سعيه- قد صرح في 
الإبانة(6 الذي هو المعتمد في المعتقد له وأنه آخخر مؤلفاته» كما صرح به الحافظ ابن 

تيمية الحنبلي» > رحمه ال بالإعان بالمتشايمات إجمالاً وتفصيلاً بعض تفصيل» ومن 
ذلك أنه قال: وإن لله تعالى عينين بلا كيف» ثم قال: وإن الله تحلى للجبل فجعله 
دكالاء إلى أن قال: وإن الله يقرب من عباده كيف شاءء وهو في كل حال متره 
عن الكيف حي في حال تحليه في ذلك الكيف» وذلك أن الله تعالى له الإطلاق 
الحقيقى الذي لا يقابله تقييد لذاته» فهو متره عن كل قيد في عين التجلى ف 
المقيد» فالتجلي في الصور والمظاهر كما صح به الأحاديث لا يقدح في كمال 
نزاهته» بل هو كمالات إطلاقه الحقيقي» فإن مقتضاه أن لا يتقيد بقيد مع قابلية 
الظهور بكل قيد إرادة والله واسع حكيم. 

ثم نرحع ونقول: من المعلوم أن كل فعل صادر عن العبد فإغا يصدر بقوة» 
وإذ لا قوة إلا بالل فلا فعل له إلا بالل وكلما ثبت أنه لا قوة إلا بالله ثبت أنه لا 
قوة إلا لله كما يوضحه قوله تعالی: (والله خاقكم وما تعلمون)!5, وقوله صلی الله 
عليه وسلم: إن الله صانع كل صانع وصنعتها فالله سبحانه لق العُمّال 


(1) الشورى: 9. 

(2) فتح الباري 344:13. 

(3) الإبانة 1 . 

)4( إشارة إلى قوله تعالى: (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني 
ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكائه فسوف ترائي فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا 
فلما أفاق قال سبحائك تبت إليك وأنا أول المؤمنين) الأعراف: 143. 

(5) الصافات :96. 

(6) تذكرة الحفاظ 272:1. 


- 609 - 


والأعمال» بل لق كل شيء كما قال» لكنه كيف يشاء بواسطة مع غناه عنها أو 
بلا واسطة كما يدل عليه قوله تعالى: (إن الله يفعل ما يشا(» وقوله: (هو الذي 
يصو ركم ف الأرحام كيف يشاء)©) عموماً وما سيأن من الآيات والأحاديث 
حصوصاء وكلما كان كذلك كان كون الأفعال الاختيارية للعباد تحكومة لله 
تعالى بواسطة مظاهرهم على كوفا مكسوية م بالله لکن بنسيتين مختلفتين» فإن 
الله خحالقهم وخالق أعماهم مع غناه عنهې» وإحاطة علمه بتفاصيل تلك الأعمال 
ومباديها وهم كاسبون لأعماهم بالله مع فقرهم الذاتي وعدم استقلاهم» وعدم 
علمهم بتفاصيل شيء منها إلا ما شاء الله منهاء وقد دل شواهد السشرع على 
تحقيق الاعتبارين» أي أن الله يفعل بالأسباب» أي بتوسط مظاهر العباد» كما يفعل 
عندها وكما يفعل بلا سبب» وأن العباد يعملون بالله ما يشاء الله أن يعماوه بإذنهى 
أما ما يدل على أن الله يفعل بالأشياء مع غناه فنحو قوله تعالى: (قاتلوهم يعذيهم 
الله بأيديكم)!6) مع قوله: : أل تر إلى الذين خرحوا من ديارهم وهم ألوف حذر 
الموت فقال طم الله موتوا ثم أحياهم)» فالذي عيت الألوف بكلمة كيف يحتاج 
إلى مقاتلة المخاطبين لتعذيب الكفارء فإنه (إنغا أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن 
فيكون)67) ولكن الحكمة الإلطية اقتضت ذلك» فأبرز الأمر عقتضاها بجوده ورحمته 
مع تحقق غناه» ونحبو قوله تعالى: (ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض)!) فدفاع 
الناس بعضهم بعضاً عين دفاع الله بعضهم ببعض» إلا أنم يدافعون بالله مع تحقق 
الفقر إليه تعالى» إذ لا قوة هم إلا بالله والله يدافع يهم مع غناه عنهې» ونحوه قوله 
صلى الله عليه وسلم: أنا الماحي الذي يعحو الله بي الكفرا". وقوله صلى الله عليه 
وسلم: يا معشر الأنصار ألم أحدكم ضلالا فدهاكم الله في وكنتم متفرقين 
فألفكم الله بي» وكنتم عالة فأغناكم الله بي(" . وقوله صلى الله عليه وسلم: لأن 
يهدي الله بك رحلا واحدا خخير من أن يكون لك حمر النعما» إلى غير ذلك من 


(1) الحج: 18. 

)2( آل عمران: 6 

(3) التوبة: 14. 

(4) البقرة: 241. 

(5) يس: 81. 

(6) البقرة: 249. 

(7) صحيح البخاري 1299:3. 
(8) صحيح البخاري 1.14 
(9) صحيح البخاري 3 .. 


-610- 


الآيات والأحاديث. وقوله: إن الله يفعل عند الأشياء لا بماء إن أريد به أن فعل الله 
لا يتوقف على الأسباب» بل هو غَينٍ عنها قادر على الإيجاد بلا مدخلية توسطها 
بدليل أن أول مخلوق خلقه الله لم يكن صدوره عنه تعالى بواسطة مظهر العبد وإلا 
لتسلسل» وكلما كان غنياً عنها فعله يما الحكمة اقتضى حوده ورحمته مراعاتها 
حسبما سبق به العلم الحيط لا للافتقار إليهاء فهي أسباب عادية أي أن الله حرت 
عادته بإيجادها(؟ الأشياء بجا لحكمة مع غناه عنهاء فهو في معن الفعل عندها لا با 
كان قولا صحيحاء وإن أريد به أنه لا يصح أن يفعل الحق سبحانه بتوسط 
الأسباب أصلا ولا لمقتضى الحكمة مع غناه عنهاء فهو قول لا دليل عليه تأمل. 
وقوهم بلزوم الاستكمال بالغير شبهة تنكشف بأن الإيجاد بالأسباب إا 
يستلزم الافتقار المناقي للمعن المستلزم للاستكمال إذا توقف الفعل على تلك 
الأسباب حقيقة لا عادق لكنها عادية فلا افتقار فلا استكمال بالغير وبال التوفيق. 
وأما ما يدل على الاعتبار الثان» أي أن العباد يفعلون بالله ما شاء الله أن يفعلوه 
فمن ذلك قوله تعالى في الحديث القدسي الصحيح لداوودء عليه الصلاة والسلام 
بعد ذكره صلى الله عليه وسلم أعمال عابد آل داوود من الصلاة والتسبيح 
والتكبير وغيرها: يا داوود إن ذلك لم يكن إلا بي» ولولا عون ما قويت عليه 
الحديث. فمفاد الاستثناء أن تلك الأعمال الي صدرت منه إا كانت بال 
وصدورها منه فرع تأثير قدرته بإذن الله وعونه وتمكينه وتقوينه وأقداره» لأن 
الأعمال آثار القدرة ولا أثر بلا تأثير كما هو واضح. قال أستاذ الحققين حي 
الدين محمد بن عل بن العري فلم سره وتفصا به ی الدارين آمين ف اباب ليوا 
من الفتوحات المكية ما نصه: فهل ما يطلب منا نعجز عنه أو لا نعجزء ونحال أن 
يطلب منا ما لم يجعل فينا قوة الإتيان به وعكننا من ذلك فإنه حكيم وقد أعطانا 
في نفس هذا الطلب علما بأن فينا قوة ربانية ولكن من حيث أنا مظهر لماء 
اكتسبناها قصوراً عَم تستحقه من المضي في كل ممكن» > فطلبنا المعونة منه» فشرع 
لنا أن نقول (وإياك نستعين)» ولا حول ولا قوة إلا بالله 6. ه بلفظه» وفيه قول 
بتوحيد الصفات وتأثير القدرة المضافة إلى العبد بالتمكين والمعونة وقرر هذا في غير 
ما موضع من الفتوحات قدس سره. ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: اللهم إنك 


(1) في ط: بإيجاد. 
(2) الفتوحات المكية 186:2. 


- 611 - 


سألتنا من أنفسنا ما لا غلكه إلا بك فأعطنا منها ما يُرضيك عنا". ومفاد 
الاستثناء أن العبد يعلك ما سئل منه من التكاليف بالله ولا يكون ذلك إلا بتأثير 
قدرته فيها بإذن الله. ومنها قول سيدنا أبي بكر الصديق» رضى الله عنه» بعد أن 
استخلف: لقد قلدت أمرا عظيما ما لي به من طاقة» ولا يد إلا بتقوية الله ©. 
ومنها قول سيدنا علي» رضي الله عنه» للقائل بالاستطاعة: قل أملكها بالله الذي 
إن شاء ملكنيها. ومنها قوله تعالى: (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن اللّهعء 6 
فإن مفاد الاستثناء أن الضرر والاتيان بسلطان يقعان بإذن الله وتمايكه والوقوع 
فرع تأثير. قال البيضاوي: أي ليس لنا الإتيان بالآيات» ولا يستبد به استطاعتنا 
حي نأي عا اقترحتموه» وإنما هو أمر عشيئة الله فيخص كل نبي بنوع من الآيات 
ه. فلم ينف في الأول لا التأثير بالذات لا مطلقاء ولم ينف في الذاي إلا استبداد 
استطاعتهم واستقلاها لا أصلها المقيد بالإذن. وقال الحافظ في فتح الباري في 
حديث الاستخارة في قوله: وأستقدرك أي أطلب منك أن تحعل لي على ذلك 
قدرة» ثم قال في قوله: فإنك تقدر ولا أقدرء وتعلم ولا أعلم ما نصه: إشارة إلى 
أن العلم والقدرة ل وحده ولي للعيد من ذلك إلا ما قدر الله لم ه. وهذا 
كالتصريح بتو حید الصفات» وهو الأصل 52 هذا الباب» وهو كقول الإمام أبي 
محامد الغزالي رحمه الله ف كتاب الشكر من الإحياء: ولا قادر إلا الملك الخباراتاء 
مع قوله في جواهر القرآن في باب اححبة: لا قدس ولا قدرة ولا علم إلا للواحد 
الحق» وإنما لغيره القدر الذي أعطاه إخ. وقال في كتاب الشوق من الإحياء: فليس 
للعبد قدرة إلا بتمكين مولاه كما قال في أعظم ملوك الأرض ذي القرنين: ونا 
مكنا له في الأرض). وهذا القول من الإمام حجة الإسلام ومن وافقه» أعي 
توحيد الصفات» هو التحقيق الذي ليس فوقه إلا عين اليقين ثم حق اليقين» وعليه 
مدار التكليف» وبه يزاول إشكالات هذه المسألة لمن أتاه الله فهمه سالا من 
الشبهات الخالية» ويؤيده أن شواهد ذو النسبتين مختلفتين كما في تقريره» فقد 
شهدت بأن القدرة واحدة بالذات متعددة بالنسب والاعتبارات لما حصل لما 


(1) طبقات المحدثين 224:3. 
)2( المستدرك على الصحيحين 70:3. 
(3) البقرة: 101. 

(4) فتح الباري: 186:11. 

(5) إحياء علوم الدين 77:4. 

(6) الكهف: 83. 


- 612 - 


التعدد قي المظاهر بالتعينات الحزئية المتفاوتة حسبما تفاوت المظاهر من غير لزم 
شيء من الشبهات المنوهمة» كالتبعيض والحلول والاتحاد وقيام القدتم بالحادث أو 
ما يشاكلها لما مر أن الحق سبحانه له الإطلاق الحقيقي» ومقتضاه أن لا يتقيد بقيد 
مع صحة ظهوره يي كل قيد شاء الظهور فيه كيف شا وهو مع ذلك على 
كمال نزاهة قدسه كما هو واضح لمن فهم معن الإطلاق الحقيقي الذي لا يقابله 
تقبيد» وبالله التوفيق. ومنه ينكشف للفطن المؤمن أنه لا منافاة بين القول بتأثير 
القدرة المضافة إلى العبد المنعينة بحسب مظهره بإذن الل وبين توحيد الأفعال» وأنه 
لا حالق إلا الله. وإذا علمت هذا فنقول الكسب ف اللغة بالمعئ المصدري كما 
سيجيء نقله هو التحيل مطلقاء ععن الحاصل بالمصدر هو المكسوب المحصل» 
وشرعا بالمعى المصدري تحصيل خخاص» وهو تحصيل العبد بقدرته المؤثرة بإذن الله 
ما تعلقت به مشيئته التابعة في التعلق به لمشيئة الى فبقيد التأثير تميز من الحبر تمبيزا 
واضحاء وبقيد الإذن وتبعية المشيئة تميز عن الإيجاد بالاستقلال الذي هو قول أهل 
الاعتزال القائلين بأن الله يشاء ما لا يفعلونه ويفعلون ما لا يشاء الله وانتكشف 
توسط بين طرق تقصير الحبر وعلو الاستقلال انكشافا بينا بإذن الله الكبير المتعال 
والحمد لله رب العالمين. 


فصل: 

دل كلام الشيخ أبي الحسن الأشعري -شكر الله سعيه- في الابانة على أنه 
لم ينكر على المعتزلة إلا الاستقلال لا أصل التأثير بالإذذ» وذلك أنه قال: "أ 
بعد فإن كثيرا من المعتزلة وأهل القدر مالت يمم أهواؤهم إلى اتاد 5 
رؤسائهم» ومن مضى من أسلافهم فتأولوا القرآن على آرائهم تأويلا لم يتزل الله 
به سلطانا ولا أوضح به برهانا"(. إلى أن قال: "وزعموا أن الله يشاء ما لا يكون 
ويكون ما لا يشاى خلافا لما أجمع عليه المسلمون من أن ما شاء الله كان» وما لا 
يشاء لا يكون» وردا قول الله (وما تشاؤون إلا أن يشاء ال فأحير أنا لا نشاء 


)1( الإبانة 14:1» والظاهر أن العياشي ينقل من كتاب کذپ المفتري الذي يتطابق نصه مع ما أوردهء 
أنظر: تبیین كذب المفتري 1 وما بعدها. 
(2) الإئسان: 30. 


- 613 - 


شيا إلا وقد شاء أن نشاءه"" إلى أن قال: وزعموا" امم علكون الضر والتفع 
لأنفسهم [من دون الله عز وحل]© ردا لقول الله تعالى [لنبيه صاى الله عليه 
وسلم]!6: (قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء اء وانخرافا عن 
القرآن وعما أجمع المسلمون عليه وزعموا آم ينفردون بالقدرة على أعماهم 
دون ركمى وأثبتوا لأنفسهم غي عن الله عز وجحل"6. إلى هنا انتهى کلامه رجه 
الله بلفظه في آحر مصنفاته والمعول عليه من بين كتبه الكثيرة. 

وظاهر بأدن التفات أنه م ینکر عليهم إلا زعمهم الاستقلال بالمسشيئة 
والاستقلال علكهم الضر والنفع لأنفسهم لا باش وزعمهم الانفراد بالقدرة على 
أعماطم وأن ركم المستازم للغى عن الله والاستقلال والاتفراد باطل بالنقل والعقل 
والكشف. وأما القدرة على الأعمال بلا زعم الانفراد بل بإذن الله وتمكينه 
والملك للضر والنفع بإذن الل فليس في كلامه ما يدل على نفيه أصلاء بل مفهومه 
يثبته كما لا يخفى» ويوضحه قوله فيما بعد: رل أحدة» لا يستطيع أن يفعل شيئا 
قبل أن يفعله الله ولا يستغني عن الله" ه. فإنه يدل على أن العبد يستطيع أن 
يفعل شيئا بالله في وقت فعل الله له فإن قوله: ولا يستغ عن الله يدل على أنه 
إنما يفعل بالله لا بنفسه مستقلاء وکل ما كان كذلك فلا يتأتى له الفعل قبل فعل 
ال بل حين فعلف فإن الفعل واحد بائذات متعدد بالنسبة والاعتبارات كما مر 
ومن هنا يقول إن القدرة مع الفعل وكل ما كان كذلك كان قابلاً لتأثير قدرة 
العبد بإذن الل لأن 5-9 الفعل محين فعل الله إيقاعه الله حين إيقاع الله إياه 
بالعبد وإيقاع الله بالعبد بالتأثير بلا حلاف فإيقاع العبد أيضا بالتأثير تمكين الله لما 
مر من كون الفعل واحد بالذات مختلف بالنسب» وهذا من لوازم توحيد الصفات 
عند التحقيق. وقوطم لازم المذهب ليس عذهب معناه أنه لا يحكم به عجرد 
لزومف فان اعتقده فهو مذهبء ويترتب عليه حكمه اللائق به ولم يبلغئي عن 
الأشعري نص بالالتزام أو عدمه» لكن ظاهر إكانه بالمنشايهات مع التتريه يقتعصضي 


(1) الإبانة 15:1- 16. 

(2) ما بين معقوفتين زيادة من الإبانة. 
(3) ما بين معقوفتين زيادة من الإبانة. 
)4( يوئثس: 49. 

(5) الإبانة 17:1. 

(6) في ط: واحدا. 

(7) تبيين كذب المفتري 159:1. 


-614- 


ذلك ولا سيما تنصيصه على أن الله يتجلى وأنه يقرب من عباده كيف يشاء مع 
نفيه للكيف أولاً وهذا تام التحقيق» فإن الله سبحانه» وإن تحلى ف ذي الكيف» 
فهو متره عن الكيف ي كل حالء» لإطلاقه الحقيقى كما مرت الإشارة إليفىف 
ويوضحه قوله قبل ذلك» وتثبت لله قدرة كما قال: (أو لم يروا أن الله الذي 
خلقهم هو أشد منهم قو(" ه. فإن مقتضى اسم التفضيل استدراك الملفضل 
والمفضل عليه في أصل شيء واحد مع مزيد الأول على الثاني فيه» ومقتضى هذا 
لغة أن يكون القوة حقيقة واحدة ثابتة لله بالذات لكونه هو الذي خلقهم لهم 
بالجعل والإفاضة والأصل في الإطلاق الحقيقة» وهو القائل: قولنا الذي نقول به 
وديانتنا الي ندين ها التمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسل وما 
روي عن الصحابة» ونحن بذلك معتصمون©. وهو القائل: ونعول فيما اختلفنا فيه 
على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم!. 

وعلى هذا فحقيقة الكسب المعتمد ما عرفناه به لا تعلق للقدرة بالمقدور بلا 
تأثر ها فيه أصلاء كما هو المشهور عنه. ومنه يتضح أنه لا منافاة بين أقواله 
السابقة الدالة على أن لقدرة العبد تأثيراً بإذن الله لا مستقل» وبين قوله فيما بعد: 
وإنه لا خالق إلا الل وإن أعمال العباد مخلوقة لله مقدرة» ه. أما لما تين من 
كلامه الدلالة') على القول بتوحيد الصفات» وإما لأنه فعل للعبد إلا بإذن الله 
وتمكينه» وکل ما كان لا فعل له إلا بالله فلا فعل إلا لله حقيقة, والله أعلم. ومنه 
يظهر أن ما نقله في المواقف عن الإمام الرازي في الجمع بين مذهي الأشعري 
والمعتزلة ما نصه: ولعل الشيخ الأشعري أراد بالقدرة القوة اللستجمعة شرائط 
التأثير» فلذلك حكم بأنها مع الفعل وأنها لا تتعلق بالضدين» والمعتزلة أرادوا 
بالقدرة جحرد القوة العضلية» فلذلك قالوا بوحودها قبل الفعل وتعلقها بالأمور 
المتضادق» فهذا وحه الجمع بين المذهبين .هھ ملخصاء. . مع صحيح» > لأن الشيخ 
الأشعري» رحمه الل على ما تقرر قائل بالتأثير بإذن الله وأما ما في شرح المواقف 


(1) فصلت: 14. 
(2) الإبانة 20:1. 
(3) نفسه 29:1. 
(4) الإبانة 23:1. 
(5) في ط: من الدلالة. 
(6) ساقط من ط. 
(7) المواقف 138:2. 


- 615 - 


من الاعتراض عليه بأن القدرة الحادثة ليست مؤثرة عند الشيخ» > فكيف يصح أن 
يقال إنه أراد بالقدرة القوة المستجمعة لشرائط التأثين فمدفوع عنه بأن الققول 
بعدم التأثير إن كان منقولاً عنه نقلاً صريحاً ففي غير الإبانة المعول عليهاء فيقدم ما 
فيها على ما في بقية الكتب على أن قوله في عامة كتبه كما نقله ابن القيم في شفاء 
العليل يدل على التأثير أيضا فإنه "قال في عامة كتبه: معن الكسب أن يكون الفعل 
بقدرة محدئة» فمن وقع منه الفعل بقدرة قدعة فهو فاعل خالق» ومن وقع منه 
بقدرة محدثة فهو مكتسب".!) ه. 

ولا شك أنه صريح في أن العبد يقع منه الفعل بقدرة محدثة» ومن المعلوم أن 
الواقع بالقدرة أثرها وإلا لم يكن واقعا ككل والأثر فعل التأثير بالضرورة فقوله: 2 
عامة كتبه© أيضا موافق لما في الإبانة والإشكال في قوله: بقدرة العبدا» مع 
وقوعه بقدرة الله يزول بكون الفعل واحداً بالذات مختلفاً بالاعتبار لكون القدرة 
واحدة بالذات مختلفة بالاعتبار كما تقرر» ودل عليه كلام الأشعري» رحمه اش 
أيضا وبالله التوفيق. 


ذهب امام الحرمين ف النظامية الي ألفها بعد الإرشاد" إلى أن قدرة العبد 

ثرة بتمكين الله لا بالاستقلال» وقد نقل كلامه في بيان ذلك بلفظه وطوله 
العامة ابن القيم الحنبلي في شفاء العليل!5» وحيث إن الداعي لشيخنا قلس سره 
في تأليف رسالته الانتصار كان نصرة قول إمام الخرمين» فلا بأس بنقل طرف من 
کلامه فإن بعض المتأخرين انکر ثبوت ذلك عنه» وعلى تقدير صحته عنه رده 
عليه عا حوابه مذكور يي اختصار الانتصار لشيخنا قلس سره فنقولء وبال 
التوفيق» أقوالا في معن الكسب ما نصه: وقد اضطربت آراء أتباع الأضعري في 
الكسب اضطراباً عظيماً واختلفت عباراتهم فيه اختلافا كثيرا إلى أن قال: قلت: 


(1) شفاء العليل 130:1. 

(2) شفاء العليل 130:1. 

(3) شفاء العليل 142:1. 

)4( الإرشاد إلى قواعد الأطة في أصول الاعتقاد لعبد الملك بن عبد الله الشافعي المعروف بإمام الحرمين: 
تاريخ المكتبات الإسلامية ومن ن ألف في الكتب» ص: 105. 

(5) شفاء العذيل 1 :142. 


- 616 - 


الذي قاله الإمام في النظامية أقرب إلى الحق ما قاله الأشعري والباقلاني ومن 
تابعهماء ونحن نذكر كلامه بلفظه قال: قد تقرر عند كل حاضر بعقله مترق عن 
مراتب التقليد في قواعد التوحيد أن الرب سبحانه وتعالى مطالب عباده بأعماهم 
حياتهم» وداعيهم إليها ومثيبهم ومعاقبهم عليها فيما هم» وتبين بالتصوص الي لا 
تتعرض بالتأويلات أنه أقدرهم على الوفاء عا طالبهم به ومكنهم من التوصل إلى 
امتثال الأمر والانكفاف عن مواقع الزحرء ومن نظر في كليات الشرائع وما فيها 
من الاستجثاث والزواحر ثم استراب في أن أفعال العباد واقعة على حسب إيثارهم 
0 واقندارهم» فهو مصاب في عقله أو مستقر على تقليده مصمم على 

ففي المصير إلى أنه لا أثر لقدرة العبد في فعله قطع طلبات الشرائع 
وكيب عا ماه به لر سارت فان زعم من ل يرق لني ارهاد آنه لا 
لقدرة العبد ثي مقدوره أصلاء وساق الكلام ف رده إلى أن قال: فققد فهمنا 
بضرورات المعقول من الشرع المنقول أنه عزت قدرته» طالب عبده عا أخبر آم 
ممكنون من الوفاء به فلم يكلفهم إلا على مبلغ الطاقة والوسعء ثم ساق 
احتمالات» قال في آخرها: وهذه الأقسام بحملتها باطلة ولا ينجى من هذا الملتطم 
ذكر اسم حض لقب جرد من غير تحصيل معئ. قال: فإذا لزم المصير بأن القدرة 
الحادئة تؤئر قى مقدورهاء فنقول: قدرة العبد مخلوقة لله تعالى باتفاق القائلين 
بالصانع والفعل المقدور بالقدر واقع يما قطعاء ولكنه يضافٍ إلى الله سبحانه تقريراً 
وخلقا فإنه وقع بفعل الله وهو القدرة» وليست القدرة فعلا للعبد وإعما هي صفة» 
وهي ملك لله وخلق له» فإذا كان موقع الفعل خلق لله فالواقع به مضاف خحاقا إلى 
لله تعالى وتقريراء وقد ملك الله العبد اختيارا يصرف به القدرة» فإذا وقع بالقدرة 
شيقاً آل الواقع إلى حكم الله من حيث أنه وقع بفعل اللهء ولو اهتديت إلى هذا 
الفرقة الضالة لم يكن بيننا وبينهم خحلاف» ولكنهم ادعوا استبدادا بالاختراع 
وانفرادا بالخلق والابتداع» فضلوا وأضلواء ونبين تمييزنا عنهم بتفريع المذهبين بأنا 
لما اضطررنا فعل العبد إلى تقدير الآلة قلنا أحدث الله القدرة في العبد على أقدار 
أحاط يما علمه» وهي أسباب الفعل وسلب العبد العلم بالتفاصيل وأراد من العبد 
أن يفعل وأحدث فيه دواعي مستحثة وخيرة وإرادة وعلم أن الأفعال ستقع على 
قدر معلوم فوقعت بالقدرة الي اخترعها للعبد على ما علم وأرادء إلى أن قال: 
ومن هدى إلى هذا استمر له الحق المبين ثم بعد ضرب مثل هذا قال: فهذا والله 
الحق الذي لا غطاء دونه ولا مراء فيه لمن وعاه حق وعيه. ثم بسط الكلام بسطا 


- 617 - 


وافيا إلى أن قال: قد أطلت أنفاسي ولكن لو وحدت لي اقتباس هذا العلم من 
يسرد لي هذا الفصل لكان وحق القادر على كل نفس عا كسبت أحق إلى مسن 
ملك الدنيا بحذافيرها طول أمدها هه والحمد لله رب العالمين. 


ذكر الإمام حجة الإسلام» قلس سره يي كتاب التوبة من الإحياء كلاما 
تضمن القدح في الأقوال الثلاثة أعين: الحبر امخض والاختراع الصرف الذي هو 
الاستقلال والتوسط» ععين كون القدرة مقارنة غير مؤثرة أصلا. ثم قال: فإن قلت 
قد قضيت على كل واحد من القائلين بالحبر والاختراع والكسب بأنه صادق من 
وحه» وهو مع صدقه قاصر» وهو متناقض» فكيف كن فهم ذلك وهل يمككن 
إيصال ذلك إلى الأفهام عثال!". ثم مثل بحكاية الحمار مع الفيل إلى أن قال في آخر 
الكلام: وإذا كان هذا کلاماً يناطح علوم المكاشفة ويحرك أمواحهاء وليس ذلك 
من غرضناء فلنرحع إلى ما كنا بصدده ه. وهو إشارة إلى توحيد السصفات 
المشار إليه في حواهر القرآن. وف الإحياء أيضا كما مر نقله. ويدل كلامه هذا أن 
ما تقدم ف قواعد العقائد حرى على المشهور لا على المختار» والله أعلم. 


قال المحقق الكمال ابن امام الحنفي في المسايرة بعد نقل ما في قواعد العقائد 
من معن الكسب في المشهور ما حاصله: قولكم إن القوة تعلق بالفعل لا على 
وحه التأثير لا طائل تحته» لأنا لا نفهم من الكسب إلا التحصيل. قال تلميذه 
الكمال ابن أبي شريف الشافعي: قوله إن الكسب لا يفهم منه إلا التحصيل هو 
بحسب ما وضع له لغة ه. قال: : وتحصيل الفعل المعدوم ليس إلا إدحاله في 
الوحود» وهو إيجاده» وقولكم بأن القدرة تتعلق بلا تأثير كتعلق القدرة القديهة 
تنعلق في الأزل قياس مع الفارق» لأن معن ذلك التعلق بنسبة معلوم من مقدوراتا 


(1) إحياء علوم الدين 6:4. 
(2) إحياء علوم الدين 6:4. 


- 618 - 


إليها بأنها ستؤثر في إيحاده عند إرادة إيجاده» فإذا تعلقت الإرادة أثرت القدرة» لكن 
القدرة الحادئة عند كم مقارنة لا تؤثر صلا ولا وقت تعلق الإرادة» فصحة كون 
من قدرته تؤثر عند تعلق إرادته فاعلا بالاختيار لا يستلزم صحة كون من لا تؤثر 
قدرته أصلاء ولو تعلقت الإرادة فاعلا بالاختيار وكلما كان كذلك لم يتميز 
الكسب عن الجبر امخض المستلزم لضياع التكليف وبطلان الأمر والنهي» فإن جرد 
تعلق القدرة بلا تأثير لا تحصيل به فلا كسب به فلا يدفع الجبر والمجبر باطل 
وملزوم الباطل باطل» ولا مانع عقلا من أن يخلق الله للعبد قدرة بمكنه كما من 
الفعل لحكمة صحة التكليف واتحاه الأمر والنهي» مع أنه لا تنقطع نسبته إليه تعالى 
بالإيحاد لأن إيحاد المكلف طاء إنا هو بتمكين الإله تعالى إياه منها وأنواره عليهاء 
وأما ما ذكروه من العقليات على نفي تأثير قدرة العبد بالكلية فليس شيء منها 
لازما على ما يعلمه الواقف عليها ه ملخصا. قلت: وذلك لأنهم ذكروا وحوها 
عقلية كلها مفروضة ف أن العبد لو كان مستمّلا بإيجاد أفعاله لكان كذا كذا كما 
يظهر ذلك عراحعة شرح المقاصد وشرح المواقف» وظاهره أنه لا ورود لشيء من 
ذلك أصلاً على من يقول بأن العبد لا تؤثر قدرته إلا بإذن الله وتمكينه» لأنه ناف 
للاستغلال» كالخبر فهى إن تمت إغا تنهض حجة على من يدعى الاستقلال 
كالعتزلة ومن يحذو حذوهم من أهل الأهواء» وإغا قلنا إن تلك الوجوه العقلية 
مفروضة في استغلال العبد لأن التفتازاي» رحمه الله صرح بالاستقلال في الأربع 
من الوحوه الخمسة الي ذكرها في شرح المقاصد» وترك التصريح في واحد منها 
وهو الثان» ولفظه: "إن العبد لو كان موحدا لأفعاله لكان عالما بتفاصيلها واللازم 
باطل"۴» وهذا الذي ذكر فيه التصريح بالاستقلال صرح فيه السيد بالاستقلال ف 
شرح المواقف حيث قال: التأثير لو كان العبد موجدا لأفعاله بالاختيار والاستقلال 
لوحب أن يعلم تفاصيلها واللازم باطل إلخ» ومع تصريحه بالاستقلال لم يسلم من 
الاعتراض فإنه لما بين بطلان اللازم بأن النائم وكذا الساهي قد يفعل باختياره 
كانقلابه من حنب إلى حنب ولا يشعر بكمية ذلك الفعل وكيفيته قال: واعترض 
عليه بأنه يجوز أن يشعر بالتفاصيل ولا يشعر بذلك الشعور أو لا يدوم له الشعور 
ه. وهذا يوضح أن الله حعل للإنسات في كل من حال النوم واليقظة إدراكا 
يدرك به الأشياء على حسب ذلك الموطن» وقد صرحوا بأن القوة الفكرية الى ها 


(1) شرح المقاصد 228:4. 


- 619 - 


الت ركيب والتفصيل والاستنباط متحركة دائما لا تسكن لا في النوم ولا في اليقظة 
أصلاء والحاصل أن ما ذكروه ف بيان الملازمة من أن الإتيان بالأزيد والأتقص 
والمخالف ممكن» ولا بد لرححان ذلك النوع» وذلك المقدار من مبخصص هو 
القصد إليه» ولا يتصور ذلك إلا بعد العلم به» انتهى» لازم للقائل بالاستقلال. 

وأما القائل بأن العبد لا يشاء إلا أن يشاء الله ولا تؤثر قدرته إلا بإذن اش 
ولا يعلم شيئاً من التفاصيل | إلا ما شاء الله فلا يلزمه ذلك لأن المخصص عنده 
لرححان ذلك النوع وذلك المقدار من خصص هو القصد إليه» ولا يتصور ذلك 
إلا بعد العلم به انتهى لازم للقائل بالاستقلال. 

وأما القائل بأن العبد لا يشاء إلا أن يشاء الله ولا تؤثر قدرته إلا بإذن الل 
ولا يعلم شيئا من التفاصيل إلا ما شاء الله فلا يلزمه ذلك لأن المخصص عنده 
لرححان ذلك النوع» وذلك المقدار هو مشيئة الحق سبحانه» وهي تابعة لعلمه 
تعالى» وعلمه محيط بالتفاصيل» والعبد يقصد الفعل على الوحه الذي يأذن الله له 
وعكنه منه» والعبد عام به على هذا الوحه» وهو كاف للقصد إليه التابع لمشيئة الله 
تعالى» وإن م يكن كافيا لزاعم الاستقلال» ونحن لا ندعي إلا التأثير بإذن الله لا 
بالاستقلال» فما شاء الله كان» وما لم يشأ لم يكن» ولا حول ولا قوة إلا بالله 
العلي العظيم» (وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين)!0. 


ومنهم الشيخ العلامة الدراك الفهامة الفقيه النبيه الخطيب الأديب الشيخ 
ياسين بن محمد بن غرس الدين الخايلي!©» رهه الله تعالى ورضى عنه أحد خحطياء 
المسجد وأئمتهى وأمثل المدرسين به في هديه و “مته أصله من بلد الخايل عليه 
السلام» وكان عمه الإمام الأحل الشيخ غرس الدين الخليلي قد استوطن المدينة 
آخر أمره» وتولى يما عدة وظائف من إمامة وخخطابة وتدريس» وكان الشيخ ياسين 
ابن أخيه ويتيمه في حجره» فربِي في كفالته وقرأ عليه وعلى غيره من المشايخ 
ودخل مصر والشام في حياة عمه وقرأ على جماعة من المشايخ» فلما توق عمه 
بالمدينة المشرفة سنة تمان وخمسين تولى وظائفه وأكثر مكاسبه إذ كانت ابنته تحتى 


(1) الصافات: 181- 182. 

)2( الشيخ ياسين بن محمد بن غرس الدين الشافعي الأنصاري» الخليلي» فقيه مصذفء كان متمكنا من 
علوم كثيرة لا سيما الفقه والحديث»جاور بالمديئة وتولی الخطبة والتدريس بالمسجد النبوي مدق توفى سنة 
6 ه: خلاصة الأثر 493:4. الثقاط الدررء ص: 123. نشر المثاني 382:2. ١‏ 


- 620 - 


فاستقر بالمدينة واستوطنها وصار أحد المشار إليهم فيهاء وله مسروءة وحشمة 
وديانة» فهو أقرب من رأيت من أرباب الوظائف للتمسلك باهداية وأبعدهم 
أسبياب ء الغواية. لقيته» رضي الله عن أول ما لقيته بعكة المشرفة وكان فيها سا 
ويحاوراً مدق فقرأت عليه هناك بعض شرحه على ألفية العراقي في السير» وهو 
شرح حافل أحاد فيه وأودعه من لطائف علم السير وبدائعه ما تفرق ف كثير من 
مؤلفات المتأخرين» كسيرة الشامي والحلبي وغيرهماء وهو ثي سفرين كبيرين» 
وكتبت له اول ما احتمعت به بيتين وهما(ا: 


[بسيط] 


يا من له رغبة في العلم يحملة عن أهله فالئجىء للشيخ ياسين 

فهو الذي يُرتجى في كل مشكلة وهو الذي من جراح الجهل يأسوي 

ولا قدم المدينة بعدما استقر بنا المعرل فيها شرع ف التدريس بالخرم النبوي»› 
وكان معظم تدريسه يي صحيح البخاري ويي كتاب إحياء علوم الدين» وكنت 
أحضر تدريسه فيهما بعض الأحيان» وقرأت عليه في مترله بعض كتاب ا مواهب© 
وبعض الشفا وغير ذلك» وأحازئ إحازة عامة(#» وهو أول من كتب على 
الاستدعاء الذي كتبته هناك كتابة مطنبة حسنة» وسيأق ذكرها في تحفة الأخلاء 
آخخر الرحلة» وقد ناولي تذكرة له شحنها بالفوائد وأودعها كل غريبة من نظم 
ونثر» وأنشدئ قصيدة للشيخ المقري ولمفى الشام في حينه» وكانا قد احتمعا في 
نادي بعض الأكابر» فتجاريا وتبارياء فكان ينظم هذا بيتا وهذا بيتا إلى أن كملت 
قصيدة نحوا من ثلاثين بيتاء ولم يعلق بذهي منها إلا بيت واحد للمقري لغرابة 
حناسه وهو: 


إرحز] 
وكلامهما في فن البلاغة طويل النجاد غمر الرداء من الأدب المستجاد. 


)1( ورد الديتان في: إتحاف الأخلاءء ص: 92. شر المثاني 42:2. 
(2) كتاب المواهب اللدنية للقسطلاني. 
)3( أنظر نص الإجازة في: إتحاف الأخلاء» ص: 92 وما بعدها. 


- 621 - 


ومنهم الشيخ الذكي اللوذعي الذكي الفصيح اللسان والبنان» الثبت الخنان» 
الممدود العنان ف كل فن» امحدود السنان ف العلوم على حداثة السنء الراوية ذو 
الأسانيد العالية» الشيخ إبراهيم بن الشيخ خير الدين!؟ رضي الله تعالى عنهماء كان 
ابوه قدس ال سرة) من علماء القاهرة ومدرسيهاء ثم قادته سلاسل السعادة وحذا 
به حادي الرغبة في فنون العبادة إلى سكن الحرمين الشريفين» فقدم المدينة على ما 
أخبرن ولده سنة سبع وعشرين وألف. أخبرن ولدب أدام الله رعایته» أنه لما قدم 
المدينة أنشأ قصيدة سينية ف مدح النبي» صلى الله عليه وسلمء يقول في أثنائها!ة: 

[طويل] 
أريد مقامّاعندكم لا يشوبة خروج لغير الحج إلا من الرمس 
فكمل الله له مطواها6 من ذلك وبلغه مراد فلم ترقل ركائبه ولا 
أوصعت(6 ائه إلى قطر من الأقطار ولا مصر من الأمصار من لدن حل المدينة إلا 
لمكة المكينة» حي توق إلى رحمة الله بطيبة سنة ست وسين وألف» ومن أبياته 
السائرة سيرة الأمثال الي قل أن يوحد ها مثال قوله في محبة المدينة الشريفة!6: 
[طويل] 


إذا لم نطب في طيية عند طب بهطيةطابت فأين نطيبُ 


طَيّب الله نشره وأطاب عيشه في الفردوس الأعلى وذكره ورفع في الملا 
الأعلى قدره» وقد : تطفلت عليه في ذلك فقلت: 


[طویل] 


بطيية طاب الطيون لطيبها بأيب طيب ويب طب 


)1( الشيخ خير الدين بن أحمد بن نور الدين الرملي» الإمام مفسر ققيه» شيخ الدنفية في عصره» أقام 
بالقاهرة مدة قبل أن يجاور بالمدينة المثورة توفي سذة 1056 ه: خلاصة الأثر 134:2. التقاط الدرر» 
ص: 243. نشر المثاني 3682. 

(2) ورد البيت في: نشر المثاني 36:2. صفوة من انتشرء» ص: 228. 

(3) محلواه: حاجته؛ من الطية وهي الحاجة والوطر: لسان العرب: طوي. 

(4) ترقل: أرقت الناقة إرقالا: أسرعت: لسان العرب: رقل 

)5( أوصعت: يصعن الحصى غديئه في الأرض (لسان العرب: وصع)»› والإشارة هنا إلى الحركة 
والانتقال. 

(6) ورد البيت في: نشر المثاني 36:2. صفوة من انتشر» ص: 228. 


- 622 - 


وکانت له رهه الى حشمة وافرة وحرمة ظاهرة أزمان إقامته بالمدينة 
وصار معدودا من أخيار أهلهاء وتولى يما المناصب الفاخخرة من إمامة وخطابة 
وتدريس إلى ديانة ظاهرة ومروءة باهرة حى ثُوئي» فتولى ولده الشيخ إبراهيم ما 
كان لأبيه من الوظائف و لم يقصر به عن ذلك حداثة سنه» بل رفع بضبعيه" إلى 
أعلى مراتب أبيه الحد والجد فدرس وام وححَطب وأفتّى» وقام بذلك أتم قيام 
وأعطي فصاحة في نطق وسلامة في ذوقى وإنصافا في خلقف ومعاحة قي عحلقى 
فباشر الوظائف بعفته» وغلها وقاره على طيب شبابه وحفته» كان أول احتماعي 
به أوائل سنة مس وستين كعترله» وقرأت عليه بعض الأربعين النووية وأحازن 
إحازة عامة» وكتب لي بخطه ذلك وهو أيضا ممن كتب على الاستدعاء الذي 
كتبته بالمدينة» وسيأن نص كتابته في تحفة الأخلاءا وله نظم رائق ونثر فائق 
كتب لي بخطه قصيدتين من نظمه إحداهما في مدح النبي» صلى الله عليه وسلم 
فلنذكرهما تبركا وإعلاما بقدر قائلهماء وإظهارا لمترلته في علم البلاغةت وإشادة 
برفعة قدره في نادي أهل اليراعة» وهذه أوهما عارض كا دالية مشهورة لغيره في 
وزنها ورويها واختار ها من المقاصد مدح البي صلى الله عليه وسلم ! إذ هو أجل 
المقاصد وأسئ المراصد: 


[بسيط] 


م 


زارت على غفلة من غير ميعاد غیداء تسحبا تيهًا - خير إبراد 


كالشمس إن وضحت والبدر إن خت 


والدر إن بسمت والزهر إن نسمت 
حوراء ما حللت لي نظرة حرمت 
يا ويح قلبي ما كم ذاق من حرق 
أبكي وأمسح 


يا صاحبى إذا ما رمتما سكن 


م دمعي كاتما لأسى 


والورد إن سمحت في ضدها نادي 
والزهر إن نظمت عقدا لأجيادي 
لکن أذابت بحر المجر أكبادي 
حتى لقد شَيبت بالبعدٍ فؤادٍ 
نبرانة في الحشا آلت لإيقاد 


عُوجا قليلا كذا عن أيمَّن الوادي 


)1( ضبعاه: عضداه: لسان العرب: : ضدبع. 
)2( أنظر: تحفة الأخلاء» ص: 148. 


-623- 


أو رمعما شرح حالي في الموى فلقد 
وصادعٌ البيّن أن يخفى فلا عجب 
يا ضرة الشمس يا من لا شبية مها 
فإن يكن عر وصل أو بخلت به 
أما علمت بيران الخليل وذا 
يا صاح إن رمت فعلا من ميلك بي 
فم من صيِرئْني في الموى مغلا 
صاحت عن الوصل لم تسمح به صابا 
وأقبلت كالها تخمال في خُلل 
ولاح في الحد ورد والربا زمر 
وعندما أبصرت جسمي يذوب أسى 
وإنني لم أطئ أخطُو ولا قدما 
قالت: أسرثك يا هذا وصرت للا 
فهل ترى مخلصا مني؟» فقلت: نعم 
مُحمد سيد الكونين والتقلين 
خير الخلائق محمود الطرايق 
حامي الذمار مغيث الجار إن وجلت 
هادي الأئام شفيع في الزحام إذا 


يقول كل لهول الخطب : نفسي لا 


غي در التصاي قل ميلادي 
صوادح البان وهنا سجومًا باي 
جبينك أعذب من عذب إلى صادي 
فعللييا ولو طيفا يعاد 
ننْسِيم وصلك يشفي غلة الصادي 
وقف ممُنعرج الزوراء يا حادي 
لا أرتضي قيس فيها بعضّ أندادي 
فعطرٌ الد منها ذلك النادِي 
يا حيرتي بين ناء فيك أو ناء 
وزفرتي بين إصدار وإيراد 
كأنني مُرصَّدٌ في حجفظ أرصّاد 
رقا وما سُورنا ماإن له فاد 
مَدحِي لأشرّف مبغوث لإرشاد 
والفريقين منْ قار ومن بد 
مغروف السوابق مَرجوا لإلنمجادٍ 
قلوبٌ وقادة من فادحأوغلدٍ 
ضاق الخناق بأرواح وأجسادٍ 


ينيو عط ف لآباء وأولاد( 


)1( إشارة إلى قوله تعالى: (يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه): عدمين 4 - 36. 


- 624 - 


فينشني قائلاء لا قول مفتخر: 
فذاكَ حَقا مقامٌ الممدخص به 
أوصافةُ الفر لا ُحصى وما بترحت 
لذاك من راج يُرويها لشهرقا 
ماذايقول بليغ راح يده 
يا سيلږي يا رسول الله خُذ بيدي 
إليك أشكو أُمُورا عيبل مُصطبري 
إلالياخي مبعوث لأمعهٍ 
فأنت أنت إذا خطب خشّى فغفشى 
فلج ذا العبد ما حل يا أملي 
فقد غدا سائلا باللاب منطرحا 
فلا ضع سعيهُ يا خير من وحخحدت6 
فإن للجار حَقاتئابَاولةُ 
فبلغوة المرجى ين مطالبه 
فقد أئى مادا يرجو إِجَازْتَةُ 
فقد كفينا له يا خير من قَضِيت 
فذاك أقصى مرام جئت أطلبة 
فإن يلح لي اأرجى منك | أمَلي 


ما صنعتى الشعر لكنى وفدت به 


أنا ما عندما ضاقت بوراد 
أتى يدان بأزواج وأفرادٍ 
عورالا مُرغمات أنف ساد 
بين الملا غير مُحتاج لإسنادٍ 
والله ملاحهُ في قاف وني صاد( 
يا ملجأ العاكف المضطر وَالبَادٍ 
منها ولا ملجَأ يُرجى لإسعاد 
برا عطوفا رؤوفا را ما هماد 
مأمول راج ومقصودٌ لقصادٍ 
ولتدركة بإصلاح لإفنساد 
قتيل ما قد جتى ماإن له واد 
لةه المطاها بشسريب وإسااد 
فيكم مَطامعٌ لا أحصى بعذاد 
أؤروا له زَندَهُ من بعد إحممادٍ 
قضاء أمر مهم فادح عاد 
بسرحو الرحب آمال الوفادٍ 
بعد الشفاعَةٍ والحسنى وإمدادٍ 
فكل دّهري كأعراس وأعيَادٍ 


£ 3 
أرجو جوائرةُ رغما لحساد 


(1) يقصد سورتي ق وص. 
)2( وخدت: الوخد ضرب من سير الإبل» وهو سعة الخطو في المشي: لسان العرب: وخد. 


-625- 


اي لوكا متب حاتف وجل 
وجازهٍ بالذي ترضاةهٌ من ينح 
يهدي لكم من بنات الفكر حالية 
فاقت سواها بلا شل يُعارضّها 
وزيّنتها صفاتة ضِمنها لمت 
فاقبل شفاعتهًا في شأ ناظمها 
صلى عليك إلهُ العرش ما مدحت 
وآلك الغر والصحب الكرام ومن 
مع السلام الذي مسك الخعاميه 


ما فار بالوصل مهجّور فأنقدئا 


انتهت القصيدة المباركة بحمد الله. 


وله أيضا ممتدحا بعض الولاة: 


أماقدعلمتةبأنئامرقٌ 
وأغشى المغاني إذا ماحوت 
بسهم اللحاظإذا مربي 
ووردي خط هده إذ لاح لي 


ووجويفد سنةُ البلدور 


مُعْنى الفؤادٍ بأحزانٍ وأتكادٍ 
حت يصيرٌ بأنواع الشا شاد 
صريتت متاهلها عن ورد مُرتاد 
إذ ليست من ثناكُمْ خير أبرادٍ 
كالعقدٍ زين بلات© وأجيادٍ 
حتى يلوح فريدا بين أندادٍ 
بلابل الروح في أففان مياد 
يقفوهم حال إصدار وإيرادٍ 
يزهُو بزهر الربا إن فاح في النادي 


زارت على غفلة من غر معاد 


[متقارب] 


ودغ عنك هذا الفا والطال 
أجب الجميل وأهوى الجمال 
لطي ف البنان حليف الدلال 
أصاب فؤادي دون التصال 
سما الطرفٌُ مني مغل اللآل 
إذا ما ئهدى بجتح الليال 


(1) ألوكة: رسالة: لسان العرب: لوك. 
)2( اللبات: جمع لبة؛ وهي وسط الصدر والمئحر: لسان العرب: لبب. 


- 626 - 


وجسم حكّى الماء ني رقة 
فصبح الجبين وليل الشعْوز 
وقد كفصن وياليعة 
فشخذماص مالك من وده 
فما كل وقتٍ ييح الزمان 
ولا الدهرفي كل سااعاتو 
فن لاح فاجتن أنوارة 
ولا قمللذة أمكخ 
أحبفتاإن م ضناكم 
فلاقملوة ولا تترككوة 
فما كل شوق لديكم بث 
ولا كل سهم يجي دالئضا 
وإن امسر سابق للفلا 
وأقتط ف الأدب الجخنى 
فلات زإلتي ولا تلجني 
فكم في بقايا الركيائدى 
فأعظم بمولى ماقدرهة 
سلل الأكابر عن الأفا 
محكم آرائوفي الندا 


إذا مما ,أت ةا ذوو حاججةٍ 


عليه من الشعر مغل الظلال 
مذ الم دى ومذاالضلال 
ميل بنفح الصبًا والشمال 
ولا خش عارا ولا أن يقال 
لنا عاطِل هوبالحسن حال 
يغيث الفقيرٌ يذل النوال 
فماكل يوم يلوخ الهلال 
وباك صبوحك قبل الزوال 
لدى سرحكم قد أناخ الرحال 
ولا تتعوةٌلذيةالومصال 
ولا كل لم لديكم يقال 
ولا كل شَهميُججدالرال 
اث النوال وأجني الال 
فأحبي رسوم ربوع خوال 
ودعني أنفقم يلك اللآل 
وكو في خبايا الزوايا رجال 
وحار من المكرمات العَوال 
ضل ذخر الأمثل تاج الموال 
ومولى الصفات جزيل النوال 
أغائهمٌ قل بث السؤال 


- 627 - 


ليهسك طبر السعودٍ الذي بدوح معاليك أضحى وقال 
وله أيضاء أسمى الله قدره» بحاوباً عن بيتين كتبتهما له أول احتماعي به 
ونسبة هذه الأبيات لسببها الركيك الردي نسبة الروض الأنيق للثرى الندي(": 
[بسيط] 
مذ لاح باللغرب المأهول فاضلهة وراح مُرتضعا ثدي الغلا ناشي 
عاشت معالم أرباب النهى ومست ولا عجيب إذا عاشت بعياشي 
فليبقَ للعلم كي تبقى مدارسة مأهولة يقعفيها القاصذ الناشي 
وأما البيتان اللذان هما سبب هذا السحر الخلال والعذب الزلال فهما 
قولٰي: 
[وافر] 


سنا العالينَ فما رايا كبإراهيع سينا الخياري 
تخيرةٌ الزنمان كماترةٌ خيارا من خيار من خيار 


وله نظم كثيراة ونثر غزير سوى ما ذكرء وله يد طولى في الخطابة وباع 
طويل في الكتابة. 


لطيفة: 
أخبرن شيخنا إبراهيم الخياري!) يوم رحوعي من مكة» وقد لقيته بالخرم 
الشريف وسلمت عليه وقال ي كنت رأيت قل و یرم أو يومين رق“ 


(1) وردت الأبيات في: نشر المثاني 384:2. 

(2) ورد البيتان في: نشر المثاني 384:2. 

(3) ذكر المحبي أن للشيخ الخليلي ديوان شعر مرتب على حروف المعجم: خلاصة الأثر 134:2. 

(4) أبو سالم إبراهيم بن عبد الرحمن الخياري الشافعي المدئي» > المصري الدار» ققيه حافظ من شيوخ أبي 
سالم العياشي بالمدينة» توفي في حدود سنة 1083 ه: اقتفاء الأثر» ص: 140ء خلاصة الأثر 25:1. 


- 628 - 


كساء صوف من هذه الى يلبسها المغاربة وأنت كهيئة احرم» ولك حثة عظيمة 
قدر أربعة رحال» ولبطنك أعكان" كبيرة قد بدت من حوانب الكساءء وحولك 
نحو سبعة رحال على زي المغاربة وأنت تدرس طم في كتاب» ففرحت لما قص 
علي من تلك الرؤيا لأنا رؤيا صالحة من رحل صالح في بقعة صالحة تدل على 
حال صالحة إن شاء الل وهذه الرؤيا تحتمل أوحها من التعبير كلها يشير إلى 
مكانة في الدين عالية وأهلاها أحلاها وهو أحلاها وأغلاهاء ولا يأس من روح الله 
فهو ولي المؤمنين من عباده. 

ومنهم شيخنا قدوة الأكابر الأعلام» وشيخ مشايخ الإسلام» الباذل عمره ي 
خدمة العلم؛ المتحلي بحلية الوقار والحلي الناهل من أحلى مناهل آهل الصفاء 
المتمم نسكه محاورة المصطفى» الشيخ بدر الدين اندي رضي الله عنه. كان 
رضي الله عنه آية في الذكاء والفهم ووعاء من أوعية العل» > له قي كل الفنون 
تحقيق) وي فهم المشكلات تمكين وتدقيق» إماما في الأصولين» بارعا في اللسانين» 
ماهراً قي المعقولات» باهلا في المنقولات» سلك على طريق السادات النقشبندية 
سلوك خحریت هاد» وبر منه الشعاب والوهاد» قدم المدينة المشرفة سنة تمان 


وستين مع أبناء الشيخ عبد الأحدى معدودا من علية أتباعهي جحادا ق سلوك 
طريقهم وأتباعم» ولم يزل بالمدينة من لدن قدومهم قاصدا حوار المصطفى واغتناما 
للحج فيما بعد ذلك من السنين واغتناماً لتكثير القربات في محل مضاعفة 
الحسنات» وأقبل في المدينة على نشر العلم وبثه وبعث رائد التعليم لما يعلم وحثه» 
مع شدة إقباله على أنواع العبادة) وم عنعه ذلك من الإفادة والاستفادة» ما رأيت 
أمضى منه عزماً ولا أشد منه حزماء ولا أكثر منه تأدباً ف ترداده بالحرم الشريف 
وعند الزيارة يكنس مع الخدام ف غالب الأيام بيده قي المسجد النبوي» قرأ على 
الشيخ عبد الحكيم اندي" وهو أكبر تلامذة الشيخ عبد الحليم الهندي» وكان 
يالغ في الثناء على شيخه» ويذكر عن شيخ شيخه من قوة الفهم وغزارة العلم 
ونفوذ بصره في سائر العلوم ما لا مزيد عليه» وذكر أن له حاشية كبيرة على 


(1) الأعكان: الأطواء في البطن من السمن: لسان العرب: عكن 

)2( بدر الدين الهندي: حافظ مشارك» انتسب إلى الطريقة اندي انتقل من الهند وجاور بالمدينة مدة: 
التقاط الدرر 245. نشر المثاني 3852. 

)3( الملا عبد الحكيم بن شمس الدين الهندي» من علماء الهند وأعيائهاء ألف مؤلفات عديدة منها حاشية 
على تفسير البيضاوي» وحاشية على مطول السعد» كانت وفاته سنة 1067 ه: خلاصة الأئر 318:2. 
الأعلام 3 


- 629 - 


البيضاوي في أربعة أسفار وأكثر فيها من التحقيقات وبالغ في التدقيقات» ولشيخنا 
هذاء أرضى الله عنه» اعتناء بالدراية أكثر من الرواية» ويرى الاشتغال ما قصوراً 
كما هو شأن علماء العجم» > وله عارضة قوية في علوم المناظرة حضرت تلريسه 
في شرح النار قي أصول الفقه لابن الملك» وهو كتاب نفيس في أصول الحنفية قد 
اعت المتأخرون منهم بشرحه» وفيه من نفائس العلم ودقيق البحث ورقيق 
الاستنباط شيء كثير» وكانت تقع بين وبين طلبة الحنفية في مجلسه أبحاث كثيرة 
ويتتصر الشيخ لذهبه معهم» ولم يكن يحضر مجلسه من المالكية ولا فضلاء الشافعية 
من أستعين به في نصرة المذاهب المخالفة هم» بل رعا حضر من لا يعد في العير 
ولا تي النفير فيكون علي لا لي» فمن ذلك أنه حرى في بعض كتبهم ذكر التسمية 
في الوضوء» وعزى بعض أئمتهم القول بوجوها لمذهب مالك فقلت هم: إن 
مشهور مذهبنا حلاف ذلك بل لا نعلم في المذهب قولا بوحوهاء فقام رحل من 
أهل المجلس مالكي فقال: إن في المذهب قولا بوحوباء وما أراد بذلك إلا إظهار 
نفسه وأنه من أهل العلم» وأنا أتحقق حلية أمره» وأنه لا يعلم في المذهب ما يقيم به 
فرضه من فروعه» فأعرضت عنه لذلك علما بأنه لا يفيد مراحعته لعدم من ينصفئ 


منة. 


وحضرت على الشيخ بدر الدين أيضا قراءة شرح الفناري على إيساغوحي» 
وكان يقرره أحسن تقرير ويبالغ ف التبيين بإيضاح الأمثلة وإظهار العلل ويلقفي 
على الحاضرين أبحانًا نفيسة» ثم يجيب عنها بعد عجزهم ويقرر هم من قواعد الفن 
ما تتضح به مشكلاتى فإذا أورد إشكالاً وعجزوا عن حله قال: هذا ما يدل على 
عدم اعتنائهم وتحصيلهم» » أليس قد قررنا آنفاً كذا وكذا في قاعدة كذا وكذاء وبه 
ينحل هذا الإشكال ورعا طالبهم في أول درس اليوم بإعادة درس الأمس» فيعجز 
أكثرهم عن ذلك» فإن أردت أن أتكلم معهم قال لي: لست إياك أعين. وحضرت 
تدريسه ف مختصر السعد على تلخيص المفتاح» وحرى فيه بحرى الذي قبله في 
الإيضاح والتبيين وحسن التقرير وإظهار الحجج ول أر فيه أمرا أغمصه© عليه 
سوى الاقتصار في علم النحو على مقدمات منه صغيرة» وأكبر تأليف يعرفه في 
النحو كافية ابن الحاحب» فكان لأحل ذلك رعا يقع في البحث قصور من حهة 


(1) في ط: ڏم. 
)2( أغمص4: أعيبه: سان العرب: غمص. 


- 630 - 


علم العربية والاقتصار على القواعد المتداولة منه» وكان يجري على لسانه كيرا 
فح همزة أن بعد حيث» وكنت أستحي أن أذكر له ذلك حين حرى ذكره یوما 
فقلت له: رحح أكثر النحاة فيها الكسر وعدوها من المواضع الي تكسر فيها إن» 
فأنكر ذلك وأعانه الحاضرون لقصورهم وقالوا إن ابن مالك لم يعدها في المواضع 
الي تكسر فيها إن» ولكن دل على أنها مفتوحة» فقلت طم: أليس في كلامه ما 
يدل على حصره مواضع الكسرء مع ذلك فلم تناوها ضابط الفتح لأن حيث 
لازمة الإضافة إلى الحمل» فإذا كانت يي أول حملة لزم كسرها إلى غير ذلك من 
الحجج فلم يلتفتوا لقولي ولم يكن بيدي إذ ذاك من كتب الفن ما أستظهر 

وقد قرأت عليه أول شرح المواقف للسيد» وكان» رضي الله عنف يحي على 
الاشتغال به والمقام معه حي أخحتمه» ولم عكي ذلك لقرب الرحيل إلى مكة 
وابتدأت عليه أيضا شرح القطب على الشمسية» وقرأت عليه منه جملة صالحة 
وكان يأمرنئ بتقبيد تقريراته وأبحائه» ثم أعرضها عليه فيرد علي من تقييدي ما لم 
يوافق تقريره» وعلى كل حال» فلم ألق بالبلاد المشرقية كلها أقوى منه عارضة في 
علوم المناظرة وتقريرها. ووقعت بينه وبين شيخنا أبي مهدي حفوة بسبب سؤال 
كان كتبه صاحبنا النبيه الدراك سيدي محمد بن سليمان الرودان!"» وأوهم أنه 
حاء من ناحية من النواحي في مسألة منطقية» وهي شكل من القياس الشرطي 
يشتمل الحد الوسط منه على حزء غير تام» فسأل عن كيفية رده إلى أحد أشكال 
الحملي» فلما وحهوا به إلى الشيخ بدر الدين وتبجحوا بأنه صعب المرمى يقرب 

من المعمى» فاستسهل الأمر فيه أولاً قبل تأملف ثم إنه توقف في الحواب برهة 
وطلب مراحعة كتب الفن» فشنعوا عليه استسهاله مع الاحتياج فيه إلى المراجعة 
والتوقف الطويل» وصادف ذلك بحىء شيخنا أبي مهدي من مكة» وكانت له 
عارضة قوية في علم المنطق» فطولع بالسؤال وكان قد تقدم له علم بتلك المسألة 
فأحاب فيها أحسن حواب» فال الأمر إلى أن كتب في المسألة الشيخ بدر الدين 
وكتب الشيخ أبو مهدي» فأورث ذلك حفوة بين الشيخين» وزعم شيخنا بدر 
الدين أن المغاربة ثمالئوا عليه» أعيٍ السائل وامحيب» وأنهم قصدوا امتحانه» وتبراً 
(1) محمد بن محمد بن سليمان السوسي الرودائي» نزيل الحرمين» إمام محدث» ولد سنة 1037 هه أخد 


على يد جلة من علماء المغرب والمشرق» جاور بمكة والمدينة سنين عديدة توفي سئة 1094 ه: 
خلاصة الأثر 04 التقاط الدرر» ص: 229.. الفكر السامي 334:4. 


- 631 - 


الشيخ أبو مهدي من ذلك وأخبرن أنه كتب ولا علم له بالسائل ولا عطاليبة 
الشيخ بدر الدين بالجواب» وقد أخبرني صاحبنا الشيخ أحمد بن التاج!" أنه ألف ف 
المسألة رسالة جمع فيها كلام السائل واحيبين» وأنه ينقل كلام كل واحد يصوب 
ما ظهر له تصويبه ويحكم بخطإ غيره» وقد تحامل فيه على الشيخ بدر الدين تحاملاً 
بينا مع أنه فل الفن ليس بذاك ما أظنه يصلح أن يكون كأحل تلامذته» ولكن كان 
يرى نفسه أعلى من الشيخ قدراء وما ذاك إلا لقوة إنصاف الشيخ» رضي الله عن 
وقوة رغبته في العلم واستدراك فضيلة الكمال في جميع العلوم» فكان يقرأ على 
صاحبنا ابن التاج كتاب ابن الياسمين في علم الحبر والمقابلة# لمعرفته بعلم الحساب 
والتوقيت والتنجيم فإنه رئيس المؤقتين بالخرم الشريف» رآه يتردد إليه متعلما 
مخت نفسه ورأى أنه أعلم منهى وما ذاك إلا من جهله بنفسه» فأين الثريا من يد 
المتناول. 

وقد كنت كتبت إليه أطلب منه أن يقرئيئن كتاب اطداية في الحكمة للأثين 
وشرح الشمسية للقطب» وأفزع إليه أن يلقني الذكر على طريق السادات 
النقشبندية» فأنعم بكل ذلك» إلا أنه أشار بقراءة شرح المواقف للسيد بدل الحداية 
وقال: إنه مشتمل على زبدة علم الحكماء وآراء المتكلمين» وكتبت له في ضمن 
ذلك أبياتا وهي هذه: 


أمولاي بدرٌ الدين إِئّ ظمآن لاأنت له من غلومك ركان 
فإنك بعر بالمعارف موجه وما غاض بكر موجه الدهر عرفان 
فلا تمتعن ذا غلة من صبابة وقد جاء يُسعى نحوكم وهو فان 
وحاشًا ترد الكف صفرا ونحوكم على طمع مدت وعلمك طوفان 
أنلنى بفضل حكمةفي هدايية فليس لا أنعمت عندي كفران 
)1( شهاب الدين أحمد بن التاج» عالم متصوف» له كتاب الجفر الكيير» توفي بمكة عام 1 ه: التقاط 
الدررء ص: 246. 
2 ابن اليأسمين: ابو محمد عبد الله بن محمد بن الحجاج الأدريني» توفي ديدحا بمراكش سئة 601 هله 
أرجوزة فى الجبر والمقابلة توجد منها نسخة محفوظة بالخزانة العامة بالرباط تحت تحت رقم: 7 د 


الموسوعة المغربية للأعلام البشرية والحضارية 147:2. 


- 632 - 


ومن بإصلاح الجنانٍ بمنطق 
ا“ . ا 1 05 o ٠.‏ 
وتلقين ما لقنتم من شيوخكم 
وإن مُرادي في اتتساب إليكم 
فإن جُدت من قصدي با أنت أهله 


وإن كان منعٌإنني أنا أهلة 


وإيقاظ قلب دائما هوسكران 


فكان لكم بال علم وإيقان 


1 1 
يال به عفوالإلهوٍ وغفران 


له 1 

فذلك فضل من علاك وإحسان 
1 

وفضلك منه ليس ينع إنسان 


فلا زلت ولي الفضل من جاء قاصدا 2 وتكسُو لباس العلم من هُو عريان 

وقد أقبل علي لا ناولتها إياه إقبالاً تاماً ولق الذكر على طريق السادات 
النقشبندية بين المغرب والعشاء ف روضة الحنة بين القبر والمنبر عند باب الوفود 
وقال لي: إن أقمت معنا هنا بالمدينة بذلنا معك المجهود فيما قصدت من العلوم 
العقلية ثم بعد ذلك نبتدئ قراءة البخاري دراية لا كما يفعل مشايخكم أمل 
الرواية» وكان يقول لي أيام ماعنا للمعجم الصغير للطبران على شيخنا أي 
مهدي: لو حضر طلبة اند قراءتكم هذه لاستغربوا ضحكاً منهاء وأي فائدة في 
”ماع الحديث من غير بحث عن معناه منظوما ومفهوما وما فيه من عموم 
و حصوص)» والنظر بينه وبين معارضه وما يؤخحذ منه من الأحكام» إلى غير ذلك 
من فوائد قراءة الحديث» ولا شك أن ما ذكره هو دراية الحديث وفائدته الغائية) 
ومع ذلك فلا ينكر فضل علم رواية الحديث وفائدته وغمرته» فإنه علم شريف قد 
اعتن به قدماء الأئمة وتفننوا فيه وأكثروا فيه التآليف ونظموا وقروا وشرحوا 
وحشواء وقد قل اعتناء أهل العصر به كما هو شأن علماء العجمه فليس طم به 
إلمام لا هم عليه تعويل» متقدمهم ومتأخرهم. إلا القليل» ولذلك تقع للمفسرين 
منهم والفقهاء أوهام كثيرة واستدلال بأحاديث ضعيفة» بل وموضوعة إلى غير 

وقد فاحأن الرحيل إلى مكة ولم استوف الغرض من صحبته ولا قسضيت 
لبانان من القراءة عليه» وكان» رضي الله عنه» مشتغلا أيام جحاورته بالمدينة بكتابة 
شرح على الشفا للقاضي عياض» وأخبرن بعض أصحابنا أن بيته الذي كان 
يسكن فيه في الرباط المقابل للحجرة الشريفة» فيه كوة تقابل الحجرة» وكان يجلس 
وقت التصنيف بإزائها مكشوف الرأس مستقبل الحجرة بأدب وتواضع فكأنه 


- 633 - 


يستمد من الحجرة النبوية» وأشعر نفسه بعض ما ها من التعظيم والإحلال 
والإكبار» وشيخنا هذا من رزق السعادة في ذلك ف فما رأيت في امخاورين وسكان 
البلد من يدانيه في ذلك فضلاً عمن يساويه. ولقد كان» رضي الله عنه» في حل 
تدريسه بالحرم الشريف لا يجلس إلا مستقبل الخجرة ة بوحهه» وإن حلس أحد بينه 
وبينها بحيث يحول بينه وبين رؤيتها أقامه وحوله عن عينه أو يساره» فتكون حلقة 
تدريسه منفرحة من ناحية الحجرة وقي ذلك أدب منه ومن الخالس لأنه يستدير 
بذلك الحجرة الشريفة المطهرة. وما أحق شيخنا هذا إلا أن يلقب بين المتأخرين 
بإمام الحرمين كأبي المعالي في الأقدمين لأنه مكث فيهما زيادة على المدة الي مكثها 
أبو المعالي سنة» وهو يعلم ويدرس وجيب السائلين» وقد أخبري بعض الأصحاب 
أن لشيخنا هذا ف بلاد الهند رئاسة عظيمة وإنافة قدر بين علمائها ورؤسائهاء وله 
هنالك أولاد وديار ودنيا عريضة» وترك كل ذلك رغبة في حوار المصطفى صلى 
الله عليه وسلې وقد أنحبرت أنه يريد الآن الرحوع لبلاده لقضاء حق الأهل 
والولد» فنسأل الله تعالى أن ينفع بطول بقائه المسترشدين ويجعله من الأئمة 
المهتدين آمين. 

ومنهم شيخنا جمال الدين اندي النقشبندي» رضي الله عنه» وقد تقدم 
ذكره وإن لقَيئه عكّة وتلقنت منه هناك» ولا قدمنا المدينة وألقينا عصا التسيار يما 
قدم بعدنا بأيام ونزل برباط الشيخ عبد القادر شرقي المسجد» وكنت آتيه هناك 
مراراً كثيرة وأحلس بين يديه للمراقبة أحياناء وكان يحنينٍ على الإكثار من مالس 
المراقبة وترك الاشتغال بالعلوم الرمية ويقول لي: إنما تشوش الفكر وتحجبه عما 
هو بصدده» وتحول بينه وبين ما يترقبه من تحلي أنوار الحضرة الصمدية على 
القلب» ويقول لي: إن هذا الأمر لم تشتغل به الآن إلا حيث أمكنك ذلك في هذا 
البلد قل ما يتأتى لك ذلك في غيره بخلاف هذه العلوم الكسبية الي هي من جملة 
الأمر الصناعي أينما حاولت أمرها أمكنك ولو بعد الرحوع إلى بلادك والعاقل 
يقدم ما يخشى فواته على غيره وإن كان مساويا ل فما بالك إذا كان المحشي 
فواته أشرف» وكنت أعلم صدق كلامه في ذلك وص حته؛ ولكن نفسي لم 
تطاوعي إلى ذلك» و لم تسخ بترك ما ألفته من مباحثة علماء الرسوم» وأنا أكره 
التكلف في الفعل والترك من دون باعث قوي ووارد وقي يعين على الفعل والترك 


- 634- 


ما دمت أحد لحالي موافقاً قي الشرع»› وأستسلم لأمر الله فيما وراء ذلك» وأسأل 
الله أن يحقق ذلك على الوحه الذي يرضاه العبد الفقير. 
وكان شيخناء رضى الله عنه» قد غلب عليه في آخر أمره مرض بخفقان 
القلب وانضغاط الروح في أوقات مخصوصة من ليل أو نمارء وكان يخيل إليه أن 
ذلك أثر سحر كيد له من بعض الحسدة لما يراه من تنقله في الأوقات» ويسألي 
عما يرقي به ذلك ويبطل عمل السحرة لاعتقاد أهل تلك البلاد أن للمغارية قي فن 
الدعوات وأسرار الأسماء والترقي يد طولى ليست لغيرهم» وأتعلل له بعدم المعرفة 
لشيء من ذلك فيظن أن ذلك من باب إخحفاء الأسرار وكتمائها على الأغيار 
فكتبت له شيئاً ما أراه نافعاً لذلك» ومع ذلك فما كنت أعتقد أن ما أصابه سح 
بل غلب على ظينٍ أن حرارة الذكر هي الى تثور في قلبه فيحصل له منهاما 
يحصلء فإنه كان شديد المثابرة على الذكر الخفى بالقلب والسرء فأشرت له بذلك 
فلم يقبل لرغبته في ذلك ووفور داعيته إليه وطول ملازمته له منذ زمان» إلا أنه 
رضي الله عنه» مع شدة مجاهدته وانتفاعه بصحبة عارف زمانه غير مطالع لكتب 
القوم كثيرا ولا منفر عن أغوارهاء فقصاراه الإقبال على والحد والاحتهاد فيما هو 
بصدده. وقد نص كثير من الأئمة على أن حرارة الذكر تورث مثل ذلك» سيما 
الأسماء المفردة» وخحصوصا الذكر على طريقتهم العلية بحبس النفس وضبط الحواس 
وسكون الأطراف فإن ذلك مما يقري حرارة الباطن ويثيرها على القلب فيحصل له 
حفقان للروح الذي سلطانه يي القلب انضغاط» وقلت له: يا سيدي لو مزحت 
الذكر بغيره من الأذكار الي يحصل يما التسكين للروح مثل الصلاة على البي؛ 
صلی الله عليه وسلې وغيرهاء ومثل مناحاة ابن عطاء اللا" فقد نص الأئمة أنها 
تورث البسط القوي فإذا استعملها من غلب عليه القبض اعتدل حاله ولم يلتفت 
إلى شيء من ذلك وغلب عليه توهم ما تيل أولاء وأنا لا أقدر على مراحعته هيبة 
له وإحلالا وقد أنحله ذلك المرض حي صار مثل الخلال وغلبت عليه آثار الجلال 


مثل من رآه علم أنه من الحضرة الجلائية والله تبارك وتعالى ينفعنا ععرفقه 
والانتساب إليه. 


(1) أنظر مناجاة ابن عطاء الله في: الحكم» ص: 163 - 169. 


- 635 - 


لطيفة: 


أخبري شيخنا مال الدين أن شيخه الشيخ آدم النقشبندي رضي الله عه 
كان لقوة حاله رعا سرى مدده يي بعض العجماوات. قال: ومن ذلك أن كلباً 
كان يتبع الشيخ في أسفاره ويلازم محله ولا يعرف أحد من أين هوء قال: وسافرنا 
إلى مكة وتبعنا فأخذه بعض الفقراء وربطه إلى شجرة بالبادية بعدما ذهبت الرفقة) 
فلم يشعروا إلا وهو معهم في مكة. قال: وغار منه بعض الفقراء وأنفوا منى فقتله» 
فكانوا يرون أن ذلك الكلب حصل من الشيخ التفات إليه في بعض أحواله الغالبة 
عليه. قلت: لا بدع في ذلك فقد ذكر الشيخ عبد الوهاب الشعراني في طبقاته في 
ترجمة سيدي يوسف العجمي أنه كان إذا حرج من الخلوة بعد انتهاء أمره فأول 
من وقعت عليه عيناه ظهر أثر تلك النظرة فيه واكتسب وا أحوالا نفيسة» فخرج 
مرة من الخلوة وقد احمرت عيناه فلم تقع عينه إلا على كلب فصار ذلك الكلب 
يتبعه الكلاب أينما ذهب» فتسامع الناس به وصاروا يأتونه فاشتهر أمره حى 
صاروا يهدون له الأطعمة وللكلاب الى معه. فبلغ خبره إلى الشيخ فبعث من أتى 
به فلما وصل بين يديه قال له: انحساً» فدارت عليه الكلاب ال كانت تتبعه 
فصارت تنهشه حي قتلته!. قال: وكان الشيخ» رضي الله عنه يتأسف على 
تلك النظرة ويقول: لو وقعت على إنسان لصار عينا من عيون الله ينتفع يه 
الخلا ئق» وهذا أمر لا يحيله عقل ولا عنعه شرع وله في حلقه أسرار لا تحيط يما 
أفهام كثير من العقلاء الأكابر فضلا عن غيرهم. 


لطفة: 


| الما لقيت الشيخ بعكة شاورته عَم أرومه من الحاورة بالمدينة فحَضّن عليه ا 
ورَعْبِنٍ فيها فقال لي: قد ورد في الحديث أن حب الوطن من الإعان©) والمدينة 


هي وطن كل مؤمن لأنها وطن الإعان» فلذلك يحبها كل مؤمن. قلت: ويشهد لا 
قال» رضي الله عنه» من أنما وطن الإعان قوله عليه السلام : إن الإعان ليأرز إلى 


)1( الطبقات الكبرى» ص: 375. 
(2) في ط: يأسف. 
)3( كشف الخفاء 413:1. 


- 636 - 


المدينة كما تأرز الحية إلى ححرها"» فإذا كانت وطن الإعان وهو أشرف أوصاف 
المؤمن» بل هو في الحقيقة كليته الي ما صار معتبرا وحوده» ولولا الإعان لكان 
العدم ا محض أفضل منه» فإذا ثبت هذا ثبت أن وطن الإعان هو وطن المؤمن» وقد 
ثبت في الحديث المتقدم أن المدينة وطن الإعان» وقي هذا إشارة حسنة إلى أدب 
حسن وهو أنه لا ينبغي لساكن المدينة بل ولو لمن بات ما ليلة» بل أقام يما حظة 
من المؤمنين أن یری في حال إقامته ما أنه غريب» بل يرى نفسه كأنه في ذلك 
الوقت استقر بوطنه الذي هو أحب أوطانه بين أهله وأقربه إذ المدينة وطنه الحقيقي 
كما تقدم» بل لا ينبغي أن لا يطلق على أحد ممن في المدينة من أهل الآفاق وأنه 
غريب أو جاور أدبا ما يشعر به ذلك من غربته في وطن الإعان الذي هو روحه 
وحقيقته» ولا يكون غريبا في وطن الإعان إلا من لا عبرة بلكانه» فأي صفة ذم 
أقبح من وصف المؤمن بكونه دخيلاً في الإمان غريبا في فلتتأمل هذه النكثة فإنًا 
حسنة عند من له ذوق سليم وعرف الإشارة و م يتقيد فهمه بصريح العبارة. 
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من كانت المدينة وطنه حسا ومعق» ونال من جميع 
الآفات الدينية والدنيوية سلامة وأمناء آمين©. 


(1) صحيح البخاري 663:2. 

(2) ورد في آخر الجزء الأول من النسخة خ: "نتهى السفر الأول من رحلة الفاضل أبي سالم سيدي عدد 
الله بن محمد بن أبي بكر» تغمده الله برحمته» وأسكنه فسيح جنته» على يد الحسن بن محمد بن احمد» تاب 
الله له وغفر زلته, إنه سميع مجيب» وصلى الله وسلم على سيدئا محمد وآله وصحبه". 

وفي ط جاء ما نصه: " انتهى النصف المبارك بحمد الله وعونه". 


- 637 - 


ذكر ابتداء التهييع للمسير قي ذلك الأمد اليسير e‏ 
ذكر خحروجنا من البلد ووداع الأهل والوالد والولد 2 


ذكر الرحيل من مدينة طرابلس ا 0 
ذ كر دخحولنا إلى القاهرة eee‏ 
ذكر حرو حنا من مصر إلى درب الحجاز ع م 
ذكر دنخولنا مكة المشرفة n‏ 
ذكر الخروج من مكة المشرفة إلى المدينة المنورة 0 
ذكر دخولنا المدينة المشرفة eee‏ 
ذكر مواضع نزولنا بالمدينة وإقامتنا يما enan‏ 
ذكر ما أقرأته بالمدينة المشرفة أيام إقامتنا يما ens‏ 
ذكر من لقيته بالمدينة من المشايخ الأعلام والأصحاب ا 


- 639 -